الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقصور الأنيقة، واتخذوا البساتين وأجروا المياه. ثم أمر بإدارة السور سياجا على ذلك سنة اثنتين وسبعمائة، وصيّرها مصرا، فكانت من أعظم الأمصار والمدن وأحفلها اتساع خطة وكثرة عمران ونفاق أسواق، واحتفال بناء وتشييد منعة. وأمر باتخاذ الحمامات والمارستان، وابتنى مسجدا جامعا، وشيّد له مئذنة رفيعة، فكان من أحفل مساجد الأمصار وأعظمها، وسمّاها المنصورة، واستبحر عمرانها ونفقت أسواقها [1] ، ورحل إليها التجار بالبضائع من الآفاق فكانت إحدى مدائن المغرب.
وخرّبها آل يغمراسن عند مهلكه، وارتحال كتائبه عنها، بعد أن كان بنو عبد الواد أشرفوا على الهلاك، وأذنوا بالانقراض كما نذكره، فتداركهم من لطف الله ما شأنه أن يتدارك المتورطين في المهالك، والله غالب على أمره.
(الخبر عن افتتاح بلاد مغراوة وما تخلل ذلك من الأحداث)
لما أناخ السلطان على تلمسان وتغلّب على ضواحي بني عبد الواد، وافتتح أمصارهم، سما إلى التغلّب على ممالك مغراوة وبني توجين. وكان ثابت بن منديل قد وفد على السلطان بمقرّ ملكه من فاس سنة أربع وتسعين وستمائة وأصهر إليه في حافدته، فعقد له عليها. وهلك ثابت بمكان وفادته من دولتهم، وأعرس السلطان بحافدته سنة ست وتسعين وستمائة كما ذكرنا ذلك من قبل، فلمّا تغلّب السلطان على مال بني عبد الواد جهّز عساكره إلى بلاد مغراوة، وعقد عليها لعلي بن محمد من عظماء بني ورتاجن، فتغلّبوا على الضواحي وشرّدوا مغراوة إلى رءوس المعاقل.
واعتصم راشد بن محمد بن ثابت بن منديل صهر السلطان بمليانة فنازلوه بها. ثم استنزلوه على الأمان تسع وتسعين وستمائة فأوفدوه على السلطان، فلقاه مبرّة وتكرمة، وخلطه بجملته (لمكان) صهره معه. ثم افتتحوا مدينة تدلس [2] ومازونة وشرشال.
وأعطى زيري بن حمّاد المنتزي على برشك من بلادهم يد الطاعة. وأوفد على السلطان للبيعة، واستولوا على ضواحي شلف كلّها. ولاذت مغراوة بطاعة السلطان.
[1] وفي نسخة ثانية: وهالت أسواقها.
[2]
وفي نسخة ثانية: تنس.
وعقد عليهم وعلى جميع بلادهم لعمر بن ويفرن بن منديل فآسف ذلك راشد بن محمد لما كان يراه لنفسه من الاختصاص. ولما كانت أخته حظيّة السلطان وكريمته، ونافس عمر بن ويفرن في إمارة قومه، فلحق بجبال متيجة، وأجلب على من هنالك من عمّال السلطان وعساكره وانحاش إليه مرضى القلوب من قومه، فاعصوصبوا عليه. وداخلوا أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وملّكوه أمرهم في ربيع من المائة السابعة. ثم بيّت عمر بن ويفرن بمعسكره من أزمور، فقتله واستباح المعسكر. وبلغ الخبر إلى السلطان، فسرّح العساكر من بني مرين وعقد لعليّ بن الحسن بن أبي الطلاق على قومه من بني عسكر، ولعليّ بن محمد الخيريّ على قومه من بني ورتاجن، وجعل الأمر شورى بينهما، وأشرك معهما عليها الحسّاني من صنائع دولته، وأبا بكر بن إبراهيم بن عبد القوي من أعياص بني توجين. وعقد على مغراوة محمد بن عمر بن منديل، وأشركه معهم، وزحفوا إلى راشد. ولمّا أحس بالعساكر لجأ إلى معقل بني بو سعيد فيمن معه من شيعة مغراوة. وأنزل بمازونة عليا وحمّو ابني عمه يحيى بن ثابت، واستوصاهم بضبط البلد، وأنه مشرف عليهم من الجبل.
وجاءت عساكر السلطان إلى بلاد مغراوة فتغلّبوا على البسائط وأناخوا بمازونة، وضربوا معسكرهم بساحتها، وأخذوا بمخنقها، واهتبل عليّ وقومه غرّة في معسكر بني مرين فبيّتهم سنة إحدى وسبعمائة. وانفضّ المعسكر وتقبّض على علي بن محمد الخيريّ، ثم امتنعوا عليه وعاد المعسكر إلى مكانهم من حصارهم، وجهدهم حالهم فنزل إليهم حمّو بن يحيى على حكم السلطان. وأنفذوه إليه فتقبّض عليه. ثم نزل عليّ ثانية من غير عهد، فأشخصوه إلى السلطان فلقاه مبرّة وتكريما، تأنيسا الراشد المنتزي بمعقله.
واقتحمت على أهلها عنوة سنة ثلاث وسبعمائة فمات منهم عالم واحتملت رءوسهم إلى سدّة السلطان، رءوسهم إلى سدّة السلطان، فرميت في حفائر البلد المحصور إرهابا لهم وتخذيلا، ولما عقد السلطان لأخيه أبي يحيى على بلاد الشرق وسرّحه لتدويخ التخوم، نازل راشد بمعقله من بني بو سعيد، فبيت راشد معسكرهم إحدى لياليه، فانفضّوا وقتل طائفة من بني مرين. ووجد السلطان لها فأمر بقتل عليّ وحمّو ابني عمه يحيى، ومن كان معتقلا معهما من قومهما. ورفعوا على الجذوع وأثبتوهم بالسهام، ونزل راشد بعدها عن معقلة ولحق بمتيجة، وانحاش إليه منيف بن ثابت، وأوشاب من مغراوة وتحيّز الآخرون إلى أميرهم محمد بن عمر بن منديل الّذي عقد له السلطان