الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افلعت أساطيله بيّت سبتة لسبع وعشرين من شوّال سنة خمس وسبعمائة وأرسى بساحتها الموعد صاحب القصبة، فأدخله إلى حصنه فملكه، ونشر راياته بأسوارها، وسرّب جيوشه إلى البلد فتسايلوا وركب إلى دور بني العزفي فتقبّض عليهم، وعلى والدهم وحاشيتهم. وطيّر الخبر إلى السلطان بغرناطة، فوصل الوزير أبو عبد الله بن الحكيم، ونادى في الناس بالأمان، وبسط المعدلة، وأركب ابن العزفي السفن إلى مالقة. ثم أجازوا غرناطة وقدموا على ابن الأحمر، فأجل قدومهم وأركب الناس إلى لقائهم، وجلس لهم جلوسا فخما حتى أدّوا بيعتهم وقضوا وفادتهم، وأنزلوا بالقصور وأجريت عليهم سنية الأرزاق. واستقروا بالأندلس إلى أن صاروا بعد إلى المغرب كما نذكر واستبدّ الرئيس أبو سعيد بأمر سبتة وثقف أطرافها وسدّ ثغورها، وأقام دعوة ابن عمه صاحب الأندلس بأنحائها. وكان عثمان بن أبي العلاء بن عبد الله بن عبد الحق من أعياص الملك المريني أجاز معه البحر إليها أميرا على الغزاة بمالقة، وقائدا لعصبتهم تحت لوائه. فموّه بنصبه للملك بالمغرب. وخاطب قبائل غمارة في ذلك، فوقفوا بين الإقدام والإحجام واتصل ذلك كله بالسلطان وهو بمعسكره من حصار تلمسان، فاستشاط لها غيظا وحمي أنفه نفرة، واستنفره الصريخ، فبعث ابنه الأمير أبا سالم لسدّ تلك الفرجة، وجمع إليه العساكر وتقدّم إليه باحتشاد قبائل الريف وبلاد تازى، فأغذّ السير إليها وأحاطت عساكره بها، فحاصرها مدّة. ثم بيته عثمان بن أبي العلاء فاختلّ معسكره، وأفرج عنها منهزما، فسخطه السلطان وذوى عنه وجه رضاه، وسار عثمان بن أبي العلاء في نواحي سبتة، وبلاد غمارة، وتغلّب على تكيساس، وانتهى إلى قصر ابن عبد الكريم في آخر سنة ست وسبعمائة لسنة من استيلائهم على سبتة، مقيما رسم السلطان مناديا بالدعاء لنفسه، فاعتزم السلطان على النهوض إليه من أمر تلمسان، لما كانت على شفا هلكة ومحا بينة انفضاض، لولا عوائق الأقدار بمهلكه، كما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن انتقاض بني كمي من بني عبد الواد وخروجهم بأرض السوس)
كان هؤلاء الرهط من بني عبد الواد من بطون بني علي من شعب أبي القاسم،
وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كندوز بن [1] بن كمي ولما استقل زيان برياسة أولاد علي بن ثابت بن محمد من أولاد طاع الله، ونفس عليه كنذوز هذا ما آتاه الله من الرئاسة، وجاذبه حبلها، واحتقر زيّان شأنه فلم يحفل به. ثم تأشب عليه أخلاط من قومه وواضعه الحرب [2] . وهلك زيّان بيد كندوز، وقام بأمر أولاد علي جابر بن يوسف بن محمد. ثم تناقلت الرئاسة فيهم إلى أن عادت لولد ثابت بن محمد، واستقل بها أبو عزة زكراز [3] بن زيّان ولم تطل أيامه. والتحم بين أولاد كمي وبين أولاد طاع الله، وتناسوا الإحن، وصارت رياسة طاع الله لولد يغمراسن بن زيّان، واستتبعوا قبائل عبد الواد كافة، واعتمل يغمراسن في الثأر بأبيه زيّان من قاتله كندوز، فاغتاله ببيته، دعاه لمأدبة جميع لها بني أبيه، حتى إذا اطمأنّ المجلس تعاوروه بأسيافهم واحتزّوا رأسه، وبعثوا به إلى أمّهم، فنصبت عليه القدر ثالث أثافيها تشفّيا منه وحفيظة. وطالب يغمراسن بقيّة بني كندوز ففرّوا أمام مطالبته، وأبعدوا المذهب ولحقوا بالأمير أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص، فأقاموا بسدّته أحوالا، وكانوا يرجعون في رياستهم لعبد الله بن كندوز، ثم تذكروا عهد البداوة وحنّوا إلى عشير زناتة، فراجعوا المغرب ولحقوا ببني مرين أقتالهم. ونزل عبد الله بن كندوز على يعقوب بن عبد الحق خير نزل، فلقاه من البرّ والترحيب بما ملأ صدره وأكد اغتباطه، وأقطعه بناحية مراكش الكفاية له ولقومه، وأنزلهم هنالك. وجعل انتجاع إبله وراحلته لحسّان بن أبي سعيد الصبيحي وأخيه موسى من ذويهم وحاشيتهم، وألطف منزلة عبد الله ورفع مكانه بمجلسه، واكتفى به في كثير من أموره، وأوفده على المستنصر صاحب إفريقية سنة خمس وستين وستمائة مع عامر ابن أخيه إدريس كما قدّمناه. واستقرّ بنو كندوز هؤلاء بالمغرب الأقصى، واستمرّت الأيام على ذلك، وصاروا من جملة قبائل بني مرين وفي عدادهم.
وهلك عبد الله بن كندوز وصارت رياستهم لعمر ابنه من بعده.
ولما لفت السلطان يوسف بن يعقوب عزائمه إلى بني عبد الواد ونازل تلمسان، وطاول حصارها، واستطال بنو مرين وذووهم على بني عبد الواد، وأحسّوا بهم أخذتهم
[1] بياض بالأصل ولم نجد في المراجع التي بين أيدينا اي ذكر لوالد كندوز هذا.
[2]
وفي نسخة ثانية: ناشب عليه اخلاط من قومهم، وواضعهم الحرب.
[3]
وفي نسخة ثانية: زكدان.