الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخريات سنته. وفرّ ابن أبي عمران السلطان المنصوب بتونس من بني أبي حفص إلى أحياء العرب، وتقبّض على أبي رزين [1] ابن أخي عبد الحق بن عثمان في جملة من أصحابه، فقتله قعصا بالرماح. ورجع عبد الحق بن عثمان إلى مكانه من تلمسان، فأقام بمثواه عند أبي تاشفين متبوّئا من الكرامة والاعتزاز ما شاء إلى أن هلك بمهلك أبي تاشفين يوم اقتحم السلطان أبو الحسن تلمسان عليهم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وقتلوا جميعا عند قصر الملك أبو تاشفين وأبناء عثمان ومسعود وحاجبه موسى بن علي، ونزيله عبد الحق هذا، وأبو ثابت ابن أخيه، فقطعت رءوسهم وتركت أشلاؤهم بساحة القصر عبرة للمعتبرين حسبما ذكرناه في أخبار أبي تاشفين، والله أعلم.
(الخبر عن عثمان بن أبي العلاء من أمراء الغزاة المجاهدين بالأندلس)
كان أولاد سوط النساء من ولد عبد الحق، أهل عصابة واعتزاز على قومهم، وهم أولاد إدريس وعبد الله ابنيها والشقيقين كما ذكرناه. وكان مهلك إدريس الأكبر يوم مهلك أبيه بتافريطت [2] ومهلك عبد الله قبله. وخلف عبد الله ثلاثة من الولد تشعّب فيهم نسله، وهم: يعقوب ورحّو وإدريس. واستعمل أبو يحيى بن عبد الحق يعقوبا منهم على سلا عند افتتاحه إياها سنة تسع وأربعين وستمائة ثم انتزى بها بعد ذلك على عمّه يعقوب سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكان من شأن ثورة النصارى به ما ذكرناه، واستخلصها يعقوب بن عبد الحق ولحق يعقوب بن عبد الله بعلودان من بلاد غمارة، وامتنع بها، وخرج على أثره ابنا عمّه إدريس وهما: عامر ومحمد، وانتزوا بالقصر الكبير، ولحق بهم كافة أولاد سوط النساء. وطالبهم السلطان فلحقوا بجبال غمارة ونازلهم، ثم استنزلهم بعد ذلك على الأمان، وعقد لعامر على الغزو إلى الأندلس سنة ستين وستمائة كما ذكرناه، وأجاز معه رحّو بن عبد الله. ورجع محمد بن عامر ومرّ إلى تلمسان سنة ثمانين وستمائة وأجاز منها إلى الأندلس.
[1] وفي نسخة ثانية: أبي زيان، وفي نسخة ثانية: ابن رزين.
[2]
وفي نسخة ثانية: بتافرطنيت.
ثم خرجوا على السلطان يعقوب بن عبد الحق سنة تسع وثمانين وستمائة [1] ومعهم ولد أبي عياد بن عبد الحق واعتصموا بعلودان، واستنزلهم السلطان على اللحاق بتلمسان فلحقوا بها. وأجاز أولاد سوط النساء وأولاد أبي عياد كافة إلى الأندلس واستقرّوا بها يومئذ، ورجع عامر منهم ومحمد وكان من خبره ما نذكر. وهلك يعقوب بن عبد الله سنة ثمان وستين وستمائة في اغترابه بقفوله من رباط الفتح، قتله طلحة بن محلى.
واستقرّ بنوه من أولاد سوط النساء بالمغرب، وكان ابنه أبو ثابت أميرا على بلاد السوس أيام السلطان يوسف بن يعقوب وأوقع بالركبة [2] سنة تسع وتسعين وستمائة ولم يزل بنوه بالمغرب من يومئذ. وكان من إخوانه أبي العلاء ورحّو ابنا عبد الله بن عبد الحق تشعّب نسله فيهما، وأجاز رحّو إلى الأندلس مع عامر ومحمد ابن عمّه إدريس.
ثم أجاز موسى ابنه سنة تسع وتسعين وستمائة [3] مع أولاد أبي عيّاد وأولاد سوط النساء. ثم رجع إلى محلّه من الدولة وفرّ ثانيا سنة خمس وسبعين وستمائة إلى تلمسان، وأجاز منها إلى الأندلس واستقرّ بها. وأجاز أولاد أبي العلاء سنة خمس وثمانين وستمائة مع أولاد أبي يحيى بن عبد الحق وأولاد عثمان بن عبد الحق واستقرّوا بالأندلس، وكانوا يرجعون في رياستهم لكبيرهم عبد الله بن أبي العلاء. وعقد له ابن الأحمر على الغزاة من زناتة فيمن كان يعقد لهم من زناتة قبل استقرار المنصب، إلى أن هلك شهيدا في إحدى غزوات سنة ثلاث وتسعين وستمائة وعقد المخلوع ابن الأحمر لأخيه عثمان بن أبي العلاء، على حامية مالقة وغربيّها من الغزاة لنظر ابن عمّه الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر. ولما غدر الرئيس أبو سعيد بسبتة سنة خمس وسبعمائة وتمّت له في مثلها الحيلة، واضطرمت نار العداوة بينه وبين صاحب المغرب، فنصبوا عثمان هذا للأمر، وأجازوه إلى غمارة، فثار بها ودعا لنفسه، وتغلّب على أصيلا والعرائش، وكان ما ذكرنا إلى أن غلبه أبو الربيع سنة ثمانين وستمائة، ورجع إلى مكانه بالأندلس ولما اعتزم أبو الوليد ابن الرئيس أبي سعيد على الخروج على أبي الجيوش صاحب غرناطة، داخل في ذلك شيخ الغزاة بمالقة عثمان بن أبي العلاء، فساعده عليه، واعتقل أباه الرئيس أبا سعيد، وزحف
[1] وفي نسخة ثانية: تسع وستين.
[2]
وفي نسخة ثانية: يزكنة.
[3]
وفي نسخة ثانية: تسع وستين.
إلى غرناطة سنة أربع عشرة وسبعمائة فلما استولى عليها عقد لعثمان هذا على إمارة الغزاة المجاهدين من زناتة، وصرف عنها عثمان بن عبد الحق: بن عثمان، فلحق بوادي آش مع أبي الجيوش. وصار حمّو بن عبد الحق بن رحّو في جملته بعد أن كان شيخا على الغزاة كما قلناه. واستمرّت أيام ولاية عثمان هذا، وبعد فيها صيته، وغصّ صاحب المغرب أبو سعيد بمكانه، ولما استصرخه المسلمون للجهاد سنة ثمان عشرة وسبعمائة اعتذر بمكان عثمان هذا، واشترط عليهم القبض عليه حتى يرجع عنهم فلم يكن ذلك، ونازل الطاغية غرناطة وحاصرها، وكان لعثمان وبنيه في ذلك آثار مذكورة.
وأتاح الله للمسلمين في النصرانية على يد عثمان هذا وبنيه ما لم يخطر على قلب أحد منهم، فتأكّد اغتباط الدولة والمسلمين بمكانهم إلى أن هلك أبو الوليد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، باغتيال بعض الرؤساء من قرابته بمداخلة عثمان هذا، زعموا في غدره، ونصّب للأمر ابنه محمد صبيا لم يبلغ الحلم. وأقام بأمره وزيره محمد بن المحروق من صنائع دولتهم، فاستبدّ عليه وألقى زمام الدولة بيد عثمان في النقض والإبرام، فاعتزّ عليهم وقاسمهم في الأمر، واستأثر في أعطيات الغزاة بكثير من أموال الجباية، حتى خشي الوزير على الدولة. وأدار الرأي في كبره [1] على التغلّب، فجمح وفسد ما بينه وبين الوزير ابن المحروق، فانتقض عليه وخرج مغاضبا، فاضطربت فساطيطه بمرج غرناطة. واعصوصب جماعة الغزاة من قبائل زناتة عليه، واعتصم الوزير وأهل الدولة بالحمراء وسعى الناس بينهما أياما، وأدار الوزير الرأي في أن ينصب له كفؤا من قرابته، يجاذبه الحبل ويشغله بشأنه عن الدولة، فجأجأ بيحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق وكان في جملة عثمان وأصهر إليه في ابنته. وعقد له على الغزاة وتسايلوا إليه. وبرز [2] عثمان بمعسكره في عشيرة وولده، وعقد معه السلم في أن يجيز إلى المغرب. وأوفد بطانته على السلطان أبي سعيد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وارتحل من ساحة غرناطة في ألف فارس من ذويه وأقاربه وحشمه. وقصد تدرش [3] ليجعلها فرضة لمجازه، حتى إذا حاذى تدرش [4]
[1] وفي نسخة ثانية: في كبحه.
[2]
وفي نسخة ثانية: وتفرّد.
[3]
وفي نسخة ثانية: وقصد المرية.
[4]
وفي نسخة ثانية: اندوس وفي نسخة أخرى: اندوجر.