الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلمسان، ونزل بفاس، فتلوم بها أياما حتى أخذ أهبة الحرب، وأكمل استعدادها ورحل فاتح ست وستين وستمائة وسلك على كرسيف، ثم على تافرطا، وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ، وعبّى كل منهم كتائبه ورتّب مصافه، وبرز النساء سافرات الوجوه على سبيل التحريض لحسن وسعد بن ويرغين [1] ولما فاء الفيء ومال النهار، وكثرت حشود المغرب وجموع بني عبد الواد ومن إليهم، انكشفوا ومنحوا العدوّ أكتافهم. وهلك أبو حفص عمر كبير ولد يغمراسن وولي عهده في جماعة من عشيرة، ذكرناهم في أخباره. وأخذ يغمراسن بأعقاب قومه، فكان لهم ردءا إلى أن خلصوا من المعترك ووصلوا إلى بلادهم في جمادى من سنتهم، وعاد السلطان أبو يوسف إلى مكانه من حصار مراكش والله أعلم.
الخبر عن السفارة والمهاداة التي وقعت بين السلطان يعقوب ابن عبد الحق وبين المستنصر الخليفة بتونس لن آل أبي حفص
كان الأمير أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص منذ دعا لنفسه بتونس سنة خمس وعشرين وستمائة طموحا إلى ملك مرّاكش مقر الدعوة ومنبعث الدولة وأصل الخلافة. وكان يؤمّل لذلك زناتة، وإلّا فما دونه من خضد شوكة آل عبد المؤمن، وتقليم أظافر بأسهم، وردّهم على أعقابهم أن يخلصوا إليه، وتغلّب على تلمسان سنة أربعين وستمائة ودخل يغمراسن بن زيان في دعوته وصار فيئة له وتبعه على عدوّه كما ذكرناه، فوصل به جناحة للمدافعة. وناغاه بنو مرين في مراسلة ابن أبي حفص ومخاطبته، والتخفيض عليه فيما يهمه من شأن عدوه، وحمل ما يفتحون من بلاد المغرب على البيعة له والطاعة مثل: فاس ومكناسة والقصر. وكان هو يلاطفهم بالتحف والهدايا، ويريهم البرّ في الكتاب والخطاب والمعاملة والتكريم للوفد غير سبيل آل عبد المؤمن، فكانوا يجنحون بذلك إلى مراسلته، وإيفاد قرابتهم عليه.
وولي ابنه المستنصر بعده سنة سبع وأربعين وستمائة فتقبّل مذاهب أبيه وأوفى عليه بالإيعاز إليهم بمنازلة مراكش، وضمان الإنفاق عليهم فيها، فكان يبث لذلك أحمالا
[1] وفي نسخة ثانية: على سبيل التحريض، يحيين ويعدين ويرغبن.
من المال والسلاح وأعدادا وافرة من الخيل بمراكبها للحملان، ولم يزل ذلك دأبه معهم. ولما فعل أبو دبّوس فعلته في نقض العهد واستجمع السلطان لمنازلته، قدم بين يدي عمله مراسلة الخليفة المستنصر يخبره الخبر ويتلطّف له في استنزال المدد، فأوفد عليه ابن أخيه عامر بن إدريس بن عبد الحق، وأصحبه عبد الله بن كندوز لعبد الواد كبير بني كمي، وقريع يغمراسن الّذي ثأر يغمراسن من أبيه كندوز بأبيه زيان كما ذكرناه في أخبارهم. وكان خلص إليه من حضرة المستنصر فلقاه مبرّة وتكريما، وأوفد معهم الكاتب أبا عبد الله محمد الكناني من صنائع دولة آل عبد المؤمن، كان نزع إلى أخيه الأمير أبي يحيى لما رأى من اختلال الدولة، وأنزله مكناسة وآثره بالصحبة والخلّة، فجمع له يعقوب بن عبد الحق في هذا الوفد من الأشراف من يحسن الرئاسة، ويعرب عما في ضمائر الناس، ويدله على شرف مرسلة. فوفدوا على المستنصر سنة خمس وستين وستمائة وأدّوا رسالتهم وحركوا له جوار المظاهرة على صاحب مراكش وكبح عنانه، فحنّ واهتز سرورا من أعواده، ولقاهم مبرّة التكريم وإحسان النزل، وردّ الأمير عامر بن إدريس وعبد الله بن كندوز لوقتهما. وتمسّك بالكناني من بينهم لمصاحبة وفده، فطال مقامه عنده إلى أن كان من فتح مراكش ما نذكره.
ثم أوفد المستنصر على السلطان يعقوب بن عبد الحق آخر سنة تسع وستين وستمائة بعدها شيخ الجماعة من الموحّدين لعهده أبا زكريا يحيى بن صالح الهنتاني مع جماعة من مشيخة الموحدين في مرافقة محمد الكناني، وبعث معهم إلى السلطان هدية سنيّة يلاطفه بها ويتاحفه، انتخب فيها من الجياد والسلاح وأصناف الثياب الغريبة العمل ما انتقاه. ووفق رضاه وهمته على الاستكثار منه، فحسن موقعها وتحدّث وانقلب وفده أحسن منقلب بعد أن تلطّف محمد الكناني في ذكر الخليفة المستنصر على منبر مراكش، فتم له، وشهد له وفد الموحّدين فعظم سرورهم وانقلبوا محبورين مسرورين، واتصلت بعد ذلك مهاداة المستنصر ليعقوب بن عبد الحق إلى أن هلك، وحذا ابنه الواثق من بعده على سننه، فبعث إليه سنة سبع وسبعين وستمائة هدية حافلة، بعث بها القاضي أبا العباس الغماريّ قاضي بجاية فعظم موقعها، وكان لأبي العبّاس الغماري بالمغرب ذكر تحدّث به الناس والله أعلم
.