الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبايع له الحسن بن عليّ بن أبي الطلاق صاحب بني مرين بمداخلة الوزير رحّو بن يعقوب كما قدّمناه في أخبارهم. وملكوا تازى، زحف إليهم السلطان أبو الربيع فبعثوا وفدهم إلى السلطان أبي حمو صريخا. ثم أعجلهم أبو الربيع وأجهضهم على تازى، فلحقوا بالسلطان أبي حمو ودعوه إلى المظاهرة على المغرب ليكونوا رداء له دون قومهم. وهلك السلطان أبو الربيع خلال ذلك واستقلّ بملك المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، فطالب السلطان أبا حمو بإسلام أولئك النازعين إليه، فأبى من إسلامهم وإخفار زمّته فيهم وأجازهم البحر إلى العدوة، فأغضى له السلطان أبو سعيد عنها، وعقد له السلم. ثم استراب يعيش بن يعقوب بن عبد الحق بمكانه عند أخيه السلطان أبي سعيد لما سعى فيه عنده، فنزع عنه إلى تلمسان وأجاره السلطان أبو حمو على أخيه فأحفظه ذلك، ونهض إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة وعقد لابنه الأمير أبي عليّ وبعثه في مقدّمته، وسار هو في الساقة. ودخل أعمال تلمسان على هذه التعبية فاكتسح بسائطها، ونازل وجدة فقاتلها وضيّق عليها.
ثم تخطّاها إلى تلمسان فنزل بساحتها وانحجر موسى بن عثمان من وراء أسوارها، وغلب على ضواحيها ورعاياها، وسار السلطان أبو سعيد في عساكره يتقرّى شعارها وبلادها بالحطم والانتساف والعيث. فلمّا أحيط به وثقلت وطأة السلطان عليه وحذر المغبة منه ألطف الحيلة في خطاب الوزراء الذين كان يسرّب أمواله فيهم ويخادعهم من نصائح سلطانهم حتى اقتضى مراجعتهم في جاره يعيش بن يعقوب وإدالته من أخته. ثم بعث خطوطهم بذلك إلى السلطان أبي سعيد فامتلاء قلبه منها خشية ورهبة، واستراب بالخاصّة والأولياء ونهض إلى المغرب على تعبيته. ثم كان خروج ابنه عمر عليه بعد مرجعه، وشغلوا عن تلمسان وأهلها برهة من الدهر حتى جاء أمر الله في ذلك عند وقته، والله تعالى أعلم.
(الخبر عن مبدإ حصار بجاية وشرح الداعية اليه)
لما رجع السلطان أبو سعيد إلى المغرب وشغل عن تلمسان، فزع أبو حمو لأهل
القاصية من عمله. وكان راشد بن محمد بن ثابت بن منديل قد جاء من بلاد زواوة أثناء هذه الغمرة، فاحتل بوطن شلف واجتمع إليه أوشاب قومه، وحين تجلت الغمرة عن السلطان أبي حمو نهض إليه بعد أن استعمل ابنه أبا تاشفين على تلمسان، وجمع له الجموع ففرّ أمامه ناجيا إلى مثوى اغترابه ببجاية. وأقام بنو سعيد بمعاقلهم من جبال شلف على دعوته، فاحتل السلطان أبو حمو بوادي تمل [1] فخيم به. وجمع أهل أعماله لحصار بني أبي سعيد شيعة راشد بن محمد، واتخذ هنالك قصره المعروف باسمه. وسرّح العساكر لتدويخ القاصية ولحق به هنالك الحاجب ابن أبي [2] حين مرجعه من الحج سنة إحدى عشرة وسبعمائة، فأغراه بملك بجاية ورغبه فيه. وكان قد ثاب له طمع منذ رسالة السلطان مولانا أبي يحيى إليه.
وذلك أنه لما انتقض على أخيه خالد ودعا لنفسه بقسنطينة، ونهض إلى بجاية فانهزم عنها كما قدمنا في أخباره. وأوفد على السلطان أبي حمو بعض رجال دولته مغريا له بابن خلوف وبجاية ثم بعث إليه ابن خلوف أيضا يسأله المظاهرة والمدد فأطمعه ذلك في ملك بجاية.
(ولما هلك) ابن خلوف كما قدّمناه، لحق به كاتبه عبد الله بن هلال، فأغراه واستحثّه، وشغله عن ذلك شأن الجزائر. فلما استولى على الجزائر، بعث مولاه مسامحا في عسكر مع ابن أبي حي، فبلغوا إلى جبل الزاب وهلك ابن أبي حي ورجع مسامح. ثم شغله عن شأنها زحف، وفرغ من أمر عدوّه، ونزل بلد شلف كما ذكرناه آنفا ولحق به عثمان بن سباع بن يحيى بن سبّاع بن سهل أمير الزواودة، يستحثّه لملك الثغور الغربية من عمل الموحّدين، فاهتز لذلك وجمع له الجموع، وعقد لمسعود ابن عمه أبي عامر برهوم على عسكر وأمره بحصار بجاية، وعقد لمحمد ابن عمّه يوسف قائد مليانة على عسكر، ولمولاه مسامح على عسكر آخر، وسرّحهم إلى بجاية وما وراءها لتدويخ البلاد. وعقد لموسى بن عليّ الكردي على عسكر ضخم، وسرّحه مع العرب من الزواودة وزغبة على طريق الصحراء. فانطلقوا إلى وجههم ذلك، وفعلوا الأفاعيل كلّ فيما يليه وتوغّلوا في البلاد الشرقية، حتى انتهوا إلى بلاد بونة. ثم انقلبوا من هنالك ومرّوا في طريقهم بقسنطينة، ونازلوها أياما.
[1] وفي نسخة ثانية: نهل.
[2]
بياض بالأصل ولم نستطع معرفة الاسم الكامل لهذا الحاجب في المراجع التي بين أيدينا.