الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختطفوا ما وصلوا إليه من العطاء، وانتهبوا ما كان بالمخازن الخارجية من السلع والعدّة. وأضرموا النار في بيوتها سترا على ما ضاع منها، وأصبح السلطان بمكانه من القصبة، فركب واجتمع إليه من حضر من الأولياء والقبائل، وغدا على البلد الجديد وطاف بها يروم منها منفذا، فاستعصب واضطرب معسكره بكدية العرائس لحصارها، ونادى في الناس بالاجتماع إليه. ونزل عند قائلة الهاجرة بفسطاطة، فتسايل الناس عنه إلى البلد الجديد فوجا بعد فوج بمرأى منه إلى أن سار إليها أهل مجلسه وخاصته، فطلب النجاة بنفسه وركب في لمّة من الفرسان مع وزرائه:
مسعود بن رحّو وسليمان بن داود ومقدّم الموالي والجند ببابه سليمان بن نصار [1] ، وأذن لابن مرزوق في الدخول إلى داره، ومضى على وجهه. ولما غشيهم الليل انفضّوا عنه، ورجع الوزير إلى دار الملك فتقبّض عليهما عمر بن عبد الله ومساهمه غريسة بن أنطول واعتقلاهما متفرقين، وأشخص علي بن مهدي بن يرزيجن في طلب السلطان، فعثر عليه نائما في بعض المحاشر [2] بوادي ورغة، وقد نزع عنه لباسه اختفاء بشخصه، وتوارى على العيون بمكانه، فتقبّض عليه وحمله على بغل، وطيّر الخبر إلى عمر بن عبد الله فأزعج لتلقيه شعيب بن ميمون بن وردار [3] ، وفتح الله بن عامر ابن فتح الله. وأمرهما بقتله وإنفاذ رأسه، فلقياه بخندق القصب إزاء كدية العرائس، فأمر بعض جنود النصارى أن يتولى ذبحه وحمل رأسه في مخلاة، فوضعه بين يدي الوزير والمشيخة. واستقلّ عمر بالأمر ونصب الموسوس تاشفين يموه به على الناس، وذوات الأمور إلى غاياتها ولكل أجل كتاب.
الخبر عن الفتك بابن أنطول قائد العسكر من النصارى ثم خروج يحيى بن رحو وبني مرين عن الطاعة
لما تقبّض عمر بن عبد الله على الوزير، كان معتقل سليمان بن داود بدار غريسة قائد
[1] وفي نسخة ثانية: سليمان بن ونصار.
[2]
وفي نسخة ثانية: المجاشر: «قال الاصمعي: بنو فلان جشر إذا كانوا يبيتون مكانهم لا يأوون إلى بيوتهم. وابل جشر: تذهب حيث شاءت وكذلك الحمر. وأصبحوا جشرا إذا كانوا يبيتون وكأنهم لا يرجعون إلى أهليهم» وكلمة مجاشر عامية بمعنى المراعي، مأخوذة من معنى جشر (لسان العرب) .
[3]
وفي نسخة ثانية: بن داود.
النصارى، ومعتقل ابن ماسي بداره ضنا به عن الامتهان لمكان صهره. ولما كان يؤمّل منه من الاستظهار على أمره بعصابته من الأبناء والإخوة والقرابة، وكان غريسة بن أنطول صديقا لسليمان بن ونصار، فلما رجع عن السلطان ليلة انفضاضهم، نزل عليه وكان يعاقره الخمر، فأتاه سحرا وتفاوضا في اعتقال عمرو [1] وإقامة معتقله سليمان بن داود في الوزارة لما هو عليه من السنّ ورسوخ القدم في الأمر. ونمي إلى عمر الخبر، فارتاب وكان خلوا من العصابة ففزع إلى قائد المركب السلطاني من الرجل الأندلسيّين يومئذ إبراهيم البطروجي [2] ، فباثّه أمره وبايعه على الاستماتة دونه. ثم استقل عصابتهم ففزع إلى يحيى بن رحّو شيخ بني مرين وصاحب شوراهم فشكا إليه، فأشكاه ووعده الفتك بابن أنطول وأصحابه. وانبرم عقد ابن أنطول وسليمان ابن ونصار على شأنهم وغدوا إلى القصر. وداخل ابن أنطول طائفة من النصارى للاستظهار بهم، ولمّا توافت بنو مرين بمجلس السلطان على عادتهم وطعموا، دعا عمر بن عبد الله القائد ابن أنطول بين يدي يحيى بن رحّو وقد أحضر البطروجي رجل الأندلسيّين، فسأله تحويل سليمان بن داود من داره إلى السجن فأبى وضنّ به عن الإهانة حتى سأل مثلها من ابن ماسي صاحبه، فأمر عمر بالتقبّض عليه، فكشّر في وجوه الرجال واخترط سكينه للمدافعة، فتواثبت بنو مرين وقتلوه لحينه.
واستلحموا من وجد بالدار من جند النصارى عند دخولهم [3] ، وفرّوا إلى معسكرهم ويعرف بالملاح جوار البلد الجديد.
وأرجف الغوغاء بالمدينة أنّ ابن أنطول غدر بالوزير فقتل جند النصارى حيث وجدوا من سكك المدينة. وتزاحفوا إلى الملاح لاستلحام من به من الجند، وركب بنو مرين لحماية جندهم من معرّة الغوغاء، وانتهب يومئذ الكثير من أموالهم وآنيتهم وأمتعتهم.
وقتل النصارى كثيرا من المجّان كانوا يعاقرون الخمر بالملاح، واستبدّ عمر بالدار واعتقل سليمان بن ونصار إلى الليل. وبعث من قتله بمحبسه. وحول سليمان بن داود إلى بعض الدور بدار الملك واعتقله بها، واستولى على أمره ورجع في الشورى إلى
[1] وفي نسخة ثانية: فباثه شجوه وتفاوضا في اغتيال عمر.
[2]
وفي نسخة ثانية: البطروحي.
[3]
وفي نسخة ثانية: بعد جولة. ابن خلدون م 27 ج 7