الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمراء المعتقلين، وكبيرهم الأتابك ذبحا، وقتل تنم من بينهم خنقا، ثم ارتحل راجعا إلى مصر.
وكنت استأذنت في التقدّم إلى مصر بين يدي السلطان لزيارة بيت المقدس، فأذن لي في ذلك. ووصلت إلى القدس ودخلت المسجد، وتبرّكت بزيارته والصّلاة فيه، وتعفّفت عن الدخول إلى القمامة [1] لما فيها من الإشادة بتكذيب القرآن، إذ هو بناء أمم النصرانية على مكان الصّليب بزعمهم، فنكرته نفسي، ونكرت الدّخول إليه.
وقضيت من سنن الزيارة ونافلتها ما يجب، وانصرفت إلى مدفن الخليل عليه السلام. ومررت في طريقي إليه ببيت لحم، وهو بناء عظيم على موضع ميلاد المسيح، شيّدت القياصرة عليه بناء بسماطين من العمد الصّخور، منجدة مصطفّة، مرقوما على رءوسها صور ملوك القياصرة، وتواريخ دولهم، ميسّرة لمن يبتغي تحقيق نقلها بالتّراجمة العارفين لأوضاعها، ولقد يشهد هذا المصنع بعظم ملك القياصرة وضخامة دولتهم. ثم ارتحلت من مدفن الخليل إلى غزّة، وارتحلت منها، فوافيت السلطان بظاهر مصر، ودخلت في ركابه أواخر شهر رمضان سنة اثنين وثمانمائة. وكان بمصر فقيه من المالكيّة يعرف بنور الدّين بن الخلال [2] ، ينوب أكثر أوقاته عن قضاة القضاة المالكيّة، فحرّضه بعض أصحابه على السّعي في المنصب، وبذل ما تيسّر من موجودة لبعض بطانة السلطان الساعين له في ذلك، فتمّت سعايته في ذلك، ولبس منتصف المحرّم سنة ثلاث وثمانمائة، ورجعت أنا للاشتغال بما كنت مشتغلا به من تدريس العلم وتأليفه، إلى أن كان السّفر لمدافعة تمر عن الشام.
(سفر السلطان الى الشام لمدافعة الططر عن بلاده)
هؤلاء الططر من شعوب الترك، وقد اتفق النسّابة والمؤرخون على أن أكثر أمم العالم فرقتان، وهما: العرب والترك، وليس في العالم أمة أوفر منهما عددا، هؤلاء في
[1] القمامة (بالضم) : كنيسة كبرى ببيت المقدس. تاج العروس (قمم)(معجم البلدان) .
[2]
علي بن يوسف بن عبد الله (أو ابن مكي) الدميري (أو الزبيري) ، المعروف بابن الخلال المالكي.
جنوب الأرض، وهؤلاء في شمالها، وما زالوا يتناوبون الملك في العالم، فتارة يملك العرب ويزحلون [1] الأعاجم إلى آخر الشمال، وأخرى يزحلهم الأعاجم والترك إلى طرف الجنوب، سنّة الله في عباده.
فلنذكر كيف انساق الملك لهؤلاء الططر [2]، واستقرت الدّول الإسلامية فيهم لهذا العهد فنقول: إن الله سبحانه خلق هذا العالم واعتمره بأصناف البشر على وجه الأرض، في وسط البقعة التي انكشفت من الماء فيه، وهي عند أهل الجغرافيا مقدار الرّبع منه، وقسّموا هذا المعمور بسبعة أجزاء يسمّونها الأقاليم، مبتدأة من خط الاستواء بين المشرق والمغرب، وهو الخطّ الّذي تسامت الشمس فيه رءوس السكان، إلى تمام السّبعة أقاليم. وهذا الخط في جنوب المعمور، وتنتهي السبعة الأقاليم في شماله. وليس في جنوب خط الاستواء عمارة إلى آخر الرّبع المنكشف، لإفراط الحرّ فيه، وهو يمنع من التّكوين، وكذلك ليس بعد الأقاليم السّبعة في جهة الشّمال عمارة، لإفراط البرد فيها، وهو مانع من التكوين أيضا. ودخل الماء المحيط بالأرض من جهة الشرق فوق خط الاستواء بثلاث عشرة درجة، في مدخل فسيح، وانساح مع خطّ الاستواء مغرّبا، فمرّ بالصّين، والهند والسّند واليمن، في جنوبها كلّها. وانتهى إلى وسط الأرض، عند باب المندب [3] ، وهو البحر الهندي والصيني، ثم انحرف من طرفه الغربي في خليج عند باب المندب، ومرّ في جهة الشمال مغرّبا باليمن وتهامة والحجاز ومدين [4] وأيلة [5] وفاران [6] ، وانتهى إلى
[1] زحل عن مكانه: زل، وبعد.
[2]
كذا بالأصل، وهي: التتر.
[3]
باب المندب: هو المضيق الواقع في النهاية الجنوبية للبحر الأحمر.
:Midian [4] مقاطعة في شمال الحجاز تمتد على الساحل الشرقي للبحر الأحمر الى مبدإ خليج العقبة، وفي الجهة الشرقية منها يقع جبل الصفاة.
[5]
أيلة Aila) أو: (Ailat ميناه واقع في الزاوية الشمالية الشرقية لخليج العقبة، وكان في القديم مدينة تجارية ذات أهمية كبرى، وقد ورد ذكرها في التوراة، في سفر الملوك 9: 26، 27. خطط المقريزي 1/ 298 (طبع مصر) .
[6]
فاران: مدينة كانت على ساحل بحر القلزم بناحية الطور، ويقول المقريزي في الخطط (1/ 304 طبع مصر) : «
…
وكانت مدينة فاران من جملة مدائن مدين الى اليوم، وبها نخل كثير مثمر، أكلت من ثمره، وبها نهر عظيم، وهي خراب يمر بها العربان» .
مدينة القلزم [1] ، ويسمّى بحر السويس، وفي شرقيه بلاد الصّعيد إلى عيذاب [2] ، وبلاد البجاة [3] ، وخرج من هذا البحر الهندي من وسطه خليج آخر يسمّى الخليج الأخضر [4] ، ومرّ شمالا إلى الأبلة [5] ، ويسمّى بحر فارس [6] ، وعليه في شرقيه بلاد فارس [7] ، وكرمان [8] ، والسّند [9] ، ودخل الماء أيضا، من جهة الغرب في خليج متضايق في الإقليم الرابع، ويسمّى بحر الزّقاق [10] ، تكون سعته هنالك ثمانية عشر ميلا. ويمر مشرقا ببلاد البربر، من المغرب الأقصى والأوسط وأرض إفريقية والإسكندرية وأرض التّيه [11] وفلسطين والشام، وعليه في الغرب بلاد الإفرنج كلّها، وخرج منه في الشمال خليجان: الشرقي منهما خليج القسطنطينية [12] والغربي خليج البنادقة [13] ، ويسمّى هذا البحر البحر الرّوسيّ، والشاميّ.
ثم إن هذه السّبعة الأقاليم المعمورة، تنقسم من شرقيّها وغربيّها بنصفين: فنصفها
[1] القلزم بالضم ثم السكون ثم زاي مضمومة: بلد ساحلية بجوار السويس والطور، واليها ينسب البحر، فيقال بحر القلزم، ويقول ياقوت في معجم البلدان: «
…
وأما اليوم فهي خراب يباب، وصار الميناء الى مدينة قربها يقال لها السويس» .
[2]
عيذاب: مدينة مصرية على الساحل الافريقي للبحر الأحمر، وكانت في العصور الوسطى ميناء مهما للحجاج الذين يقصدون مكة من الغرب، ومحطة للسفن الهندية التي كانت تأتي من عدن، ولتجار افريقية الوسطى، (معجم البلدان) .
[3]
البجاة، ويقال البجة: مجموعة من القبائل الحامية تسكن فيما بين النيل والبحر الأحمر، واسمها «البجة» قديم يرجع إلى ما قبل الإسلام، الخطط (طبع مصر 1/ 313- 319) . صبح الأعشى 5/ 273.
[4]
يريد بالخليج الأخضر خليج عمان.
[5]
ضبطها ابن خلدون بضم الهمزة والباء الموحدة، وتشديد اللام المفتوحة، وهي مدينة على شاطئ دجلة في زاوية الخليج الّذي يدخل الى مدينة البصرة. معجم البلدان، صبح الأعشى 4/ 336.
[6]
يسمى بحر فارس اليوم، الخليج الفارسيّ.
[7]
فارس، أو بلاد العجم: هي التي تعرف اليوم باسم إيران اشتقاقا من كلمة «آرية» وتدل الآن على المملكة الفارسية. (معجم البلدان) .
[8]
كرمان: احدى المدن الجبلية من مدن إيران: وكانت في القديم ولاية تفصل بين فارس في الغرب، وصحارى لوط في الشرق. (معجم البلدان) .
[9]
السند: بلاد كانت تفصل بين الهند وكرمان، وبعضهم كان يعد من إقليم السند بلاد مكران الواقعة في جنوب فارس. (معجم البلدان) .
[10]
هو مضيق جبل طارق الآن.
[11]
ارض التيه: هي شبه جزيرة سيناء اليوم.
[12]
يتحدث الآن عن بحرايجة الّذي يصل البحر الأبيض عن طريق الدردنيل، والبوسفور بالبحر الأسود.
[13]
خليج البنادقة، هو البحر الادرياتي الّذي يقع في نهايته الشمالية خليج البندقية. صبح الأعشى 5/ 404 وما بعدها.
الغربي في وسطه البحر الرّوميّ، وفي النصف الشرقي من جانبه الجنوبي البحر الهندي، وكان هذا النصف الغربيّ أقل عمارة من النصف الشرقي، لأن البحر الرّوميّ المتوسط فيه، انفسح في انسياحه، فغمر الكثير من أرضه. والجانب الجنوبيّ منه قليل العمارة لشدّة الحرّ، فالعمران فيه من جانب الشّمال فقط، والنصف الشّرقي عمرانه أكثر بكثير، لأنه لا بحر في وسطه يزاحم. وجانبه الجنوبي فيه البحر الهنديّ، وهو متّسع جدّا، فلطف الهواء فيه بمجاورة الماء، وعدّل مزاجه للتّكوين، فصارت أقاليمه كلّها قابلة للعمارة، فكثر عمرانه. وكان مبدأ هذا العمران في العالم، من لدن آدم صلوات الله عليه، وتناسل ولده أولا في ذلك النصف الشرقيّ، وبادت تلك الأمم ما بينه وبين نوح، ولم نعلم شيئا من أخبارها، لأن الكتب الإلهية لم يرد علينا فيها إلا أخبار نوح وبنيه، وأما ما قبل نوح فلم نعرف شيئا من أخباره، وأقدم الكتب المنزلة المتداولة بين أيدينا التوراة، وليس فيها من أخبار تلك الأجيال شيء، ولا سبيل إلى اتصال الأخبار القديمة إلا بالوحي، وأما الأخبار فهي تدرس بدروس أهلها.
واتفق النّسّابون على أن النسل كلّه منحصر في بني نوح، وفي ثلاثة من ولده، وهم سام، وحام، ويافث، فمن سام: العرب، والعبرانيّون، والسّبائيون [1]، ومن حام: القبط، والكنعانيّون، والبربر، والسّودان، ومن يافث: التّرك، والروم، والخزر [2] ، والفرس، والدّيلم، والجيل.
ولا أدري كيف صحّ انحصار النّسب في هؤلاء الثلاثة عند النّسّابين، أمن النقل؟ وهو بعيد كما قدّمناه، أو هو رأي تفرّع لهم من انقسام جماعة المعمور، فجعلوا شعوب كلّ جهة لأهل نسب واحد يشتركون فيه، فجعلوا الجنوب لبني سام، والمغرب لبني حام، والشمال لبني يافث. إلّا أنّه المتناقل بين النّسّابة في العالم، كما قلناه، فلنعتمده ونقول: أول من ملك الأرض من نسل نوح عليه السلام، النّمرود بن كنعان بن كوش بن حام ووقع ذكره في التوراة. وملك بعده عابر بن شالخ الّذي ينسب إليه
[1] كذا في الأصل. ولعلها: «السريانيون» .
[2]
ضبطه ابن خلدون بفتح الخاء والزاي، وفي «تثقيف اللسان» لأبي جعفر عمر بن مكي الصقلي «
…
ويقولون لقبيلة من الترك الخزر بفتح الخاء والزاي والصواب الخزر بضم الخاء وإسكان الزاي، ويقال انهم سموا بذلك لخزر أعينهم» أي ضيقها.
العبرانيون، والسريانيّون، وهم النّبط، وكانت لهم الدّولة العظيمة، وهم ملوك بابل، من نبيط بن أشّور بن سام، وقيل نبيط بن ماش بن إرم، وهم ملوك الأرض بعد الطوفان على ما قاله المسعودي. وغلبهم الفرس على بابل، وما كان في أيديهم من الأرض، وكانت يومئذ في العالم دولتان عظيمتان، لملوك بابل هؤلاء، وللقبط بمصر: هذه في المغرب، والأخرى في المشرق، وكانوا ينتحلون الأعمال السحريّة، ويعوّلون عليها في كثير من أعمالهم، وبرابي مصر [1] ، وفلاحة ابن وحشية، يشهدان بذلك. فلما غلب الفرس على بابل، استقلّ لهم ملك المشرق، وجاء موسى- صلوات الله عليه- بالشريعة الأوليّة، وحرّم السّحر وطرقه، وغلب الله له القبط بإغراق فرعون وقومه، ثم ملك بنو إسرائيل الشّام، واختطوا بيت المقدس، وظهر الروم في ناحية الشمال والمغرب، فغلبوا الفرس الأولى على ملكهم. وملك ذو القرنين الإسكندر ما كان بأيديهم، ثم صار ملك الفرس بالمشرق إلى ملوكهم السّاسانية، وملك بني يونان بالشام والمغرب إلى القياصرة، كما ذكرنا ذلك كلّه من قبل. وأصبحت الدولتان عظيمتين، وانتظمتا العالم بما فيه. ونازع الترك ملوك فارس في خراسان [2] ، وما وراء النّهر [3] ، وكانت بينهم حروب مشهورة، واستقرّ ملكهم في بني أفراسياب، ثم ظهر خاتم الأنبياء محمّد صلوات الله عليه، وجمع العرب على كلمة الإسلام، فاجتمعوا له، «لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم» [4] ، وقبضه الله اليه، وقد أمر بالجهاد، ووعد عن الله بأن الأرض لأمته، فزحفوا إلى كسرى، وقيصر بعد سنتين من وفاته، فانتزعوا الملك من أيديهما، وتجاوزوا الفرس إلى التّرك، والرّوم إلى البربر والمغرب، وأصبح العالم كلّه منتظما في دعوة الإسلام. ثم اختلف أهل الدّين من بعده في رجوعهم إلى من ينظم أمرهم، وتشيّع قوم من العرب فزعموا أنه
[1] كان القدماء يعتقدون ان الرسوم التي توجد على البرابي، والمعابد المصرية القديمة، ليست الا طلاسم، وأوفاقا، نقشت على جدرانها ليكون لها مفعول سحري معين: خطط المقريزي 1/ 48 طبع مصر، معجم البلدان «برابي» .
[2]
تطلق خراسان اليوم على القسم الشرقي لايران، الّذي يتصل بافغانستان. وقد فتحت خراسان سنة 31 هجرية في أيام عثمان رضي الله عنه. (معجم البلدان) .
[3]
ما وراء النهر: إقليم مشهور يقع فيما وراء نهر جيحون «وهو المراد بالنهر» . (معجم البلدان) .
[4]
الآية 63 من سورة الأنفال.
ابن خلدون م 46 ج 7
أوصى بذلك لابن عمّه عليّ، وامتنع الجماعة من قبول ذلك، وأبوا إلّا الاجتهاد في تعيينه، فمضى على ذلك السّلف في دولة بني أميّة التي استفحل الملك والإسلام فيها، وتناقل التشيّع بتشعّب المذاهب، في استحقاق بني عليّ، وأيّهم يتعيّن له ذلك، حتى انساق مذهب من مذاهبهم إلى محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس [1] ، فظهرت شيعته بخراسان، وملكوا تلك الأرض كلّها، والعراق بأسره.
ثم غلبوا على بني أميّة، وانتزعوا الملك من أيديهم، واستفحل ملكهم، والإسلام باستفحاله، وتعدّد خلفاؤهم. ثم خامر الدّولة ما يخامر الدّول من التّرف والراحة، ففشلوا. وكثر المنازعون لهم من بني عليّ وغيرهم، فظهرت دولة لبني جعفر الصّادق بالمغرب، وهم العبيديّون [2] بنو عبيد الله المهدي بن محمد، قام بها كتامة وقبائل البربر، واستولوا على المغرب ومصر، ودولة بني العلويّ بطبرستان، قام بها الدّيلم وإخوانهم الجيل، ودولة بني أمية النائية بالأندلس، لأن بني العبّاس لمّا غلبوهم بالمشرق، وأكثروا القتل فيهم، هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، ونجا إلى المغرب. ثم ركب البحر إلى الأندلس، فاجتمع عليه من كان هنالك من العرب وموالي بني أميّة، فاستحدث هنالك ملكا آخر لهم، وانقسمت الملّة الإسلامية بين هذه الدّول الأربع إلى المائة الرابعة. ثم انقرض ملك العلويّة من طبرستان [3] ، وانتقل إلى الدّيلم، فاقتسموا خراسان وفارس والعراق، وغلبوا على بغداد، وحجر الخليفة بها بنو بويه منهم [4] . وكان بنو سامان- من أتباع بني طاهر- قد تقلّدوا عمالات ما وراء النّهر، فلمّا فشل أمر الخلافة استبدّوا بتلك النّواحي، وأصاروا لهم فيها ملكا ضخما [5] ، وكان آخرهم محمود بن سبكتكين من مواليهم، فاستبدّ عليهم، وملك خراسان، وما وراء النّهر إلى الشّاش، ثم
[1] كان ذلك في سنة 1290 هـ، وانظر تفصيل القول في تاريخ الطبري 9/ 82 وما بعدها، تاريخ أبي الفداء 1/ 220 وما بعدها.
[2]
كان مبدأ دولة الفاطميين بالمغرب في سنة 296، ونهايتها سنة 361 هـ.
[3]
طبرستان: إقليم متسع في غربي خراسان، ويقول ياقوت انه الّذي يسمى أيضا بمازندران. وهو إقليم واقع في شمالي مرتفعات البرز، ويشرف على بحر قزوين. (معجم البلدان) .
[4]
بنو بويه دولة أسسها أتراك من الديلم في خلافة الراضي باللَّه (322- 447 هـ) . تاريخ أبي الفداء 2/ 83، 152، في المجلد الرابع وما بعدها.
[5]
ملكت دولة بني سامان هذه ما وراء النهر، وأقامت هناك دعوة بني العباس، ثم استقلت. وقد تحدث عنها ابن خلدون في المجلد الرابع، أبو فداء 2/ 123، 141، صبح الأعشى 4/ 446.
غزنة [1] ، وما وراءها جنوبا إلى الهند. وأجاز إلى بلاد الهند، فافتتح منها كثيرا، واستخرج من كنوزها ذخائر لم يعثر عليها أحد قبله. وأقامت الملّة على هذا النّمط إلى انقضاء المائة الرّابعة، وكان التّرك منذ تعبّدوا للعرب، وأسلموا على ما بأيديهم وراء النّهر، من كاشغر [2] ، والصّاغون إلى فرغانة [3] ، وولّاهم الخلفاء عليها، فاستحدثوا بها ملكا، وكانت بوادي التّرك في تلك النواحي منتجعة أمطار السماء، وعشب الأرض، وكان الظهور فيهم لقبيلة الغزّ من شعوبهم، وهم الخوز، إلا أن استعمال العرب لها عرّب خاءها المعجمة غينا، وأدغمت واوها في الزّاي الثانية، فصارت زايا واحدة مشدّدة. وكانت رياسة الغزّ هؤلاء في بني سلجوق بن ميكائيل، وكانوا يستخدمون لملوك التّرك بتركستان تارة، ولملوك بني سامان في بخارى أخرى.
وتحدث بينهما الفتنة، فيتألّفون من شاءوا منهما [4] ، ولما تغلّب محمود بن سبكتكين [5] على بني سامان، وأجاز من خراسان فنزل بخارى [6] ، واقتعد كرسيّهم، وتقبّض على كبار بني سلجوق هؤلاء، وحبسهم بخراسان. ثم مات وقام بالأمر أخوه مسعود [7] ، فملك مكانه، وانتقض عليه بنو سلجوق [8] هؤلاء، وأجاز الغزّ إلى خراسان فملكوها، وملكوا طبرستان من يد الدّيلم، ثم أصبهان [9]
[1] غزنة: مدينة من مدن افغانستان، وكانت عاصمة الدولة التي أسسها نصر الدين محمود بن سبكتكين سنة 366، والتي استمرت الى سنة 578 هجرية. العبر م 4.
[2]
كانت كاشغر قاعدة «التركستان» وكانت تسمى أيضا «أزدوكند» وهي اليوم في الصين «معجم البلدان) صبح الأعشى 4/ 440.
[3]
فرغانة كورة واسعة فيما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان. (معجم البلدان) .
[4]
انظر كلمة موجزة عن الغز في تاريخ أبي الفداء 3/ 27 وما بعدها.
[5]
هو محمود بن ناصر الدولة بن سبكتكين (361- 421) ، يلقب سيف الدولة، ويمين الدولة. وليمين الدولة هذا ينسب التاريخ «اليميني» الّذي ألفه له ابو نصر العتبي. ترجمة يمين الدولة في «الوفيات» 2/ 110- 114، وانظر تاريخ أبي الفداء 2/ 165.
[6]
تقع بخارى اليوم في جمهورية الاتحاد السوفياتي، وكانت قاعدة الدولة السامانية، فتحت فيما بين سنتي 53، 55 هـ، في أيام معاوية. ياقوت (معجم البلدان) .
[7]
هكذا في الأصل: «أخوه مسعود» . وهو سبق قلم، والصواب:«ابنه مسعود» العبر م 4، «تاريخ دول آل سلجوق» ص 8.
[8]
ابتدأت الدولة السلجوقية في خلافة القائم بأمر الله العباسي سنة 432، وانتهت في سنة 572، تاريخ أبي الفداء 2/ 171 وما بعدها، العبر 5/ 1 وما بعدها. وقد خص هذه الدولة بالتأليف العماد الأصفهاني، وطبع مختصر لكتاب العماد بالقاهرة سنة 1900 م.
[9]
كذا بالأصل، أصبهان، وكذا في أكثر الكتب القديمة. وهي: أصفهان بفتح الهمزة وكسرها: مدينة
وفارس، من أيدي بني بويه، وملكهم يومئذ طغرلبك [1] بن ميكائيل من بني سلجوق، وغلب على بغداد [2] من يد بني معزّ الدولة بن بويه المستبدّين على الخليفة يومئذ المطيع [3] ، وحجره عن التصرّف في أمور الخلافة والملك، ثم تجاوز إلى عراق العرب، فغلب على ملوكه، وأبادهم، ثم بلاد البحرين وعمان، ثم على الشّام، وبلاد الرّوم، واستوعب ممالك الإسلام كلّها، فأصارها في ملكه، وانقبضت العرب راجعة إلى الحجاز، مسلوبة من الملك، كأن لهم فيه نصيب، وذلك أعوام الأربعين والأربعمائة، وخرج الإفرنج على بقايا بني أميّة بالأندلس، فانتزعوا الملك من أيديهم، واستولوا على حواضر الأندلس وأمصارها، وضاق النّطاق على العبيديّين بالقاهرة بملوك الغزّ يزاحمونهم فيها من الشام، بمحمود بن زنكي وغيره [4] من أبنائهم ومماليكهم، وبملوك المغرب قد اقتطعوا ما وراء الإسكندرية، بملوك صنهاجة في إفريقية، والملثّمين المرابطين بعدهم بالمغرب الأقصى والأوسط، والمصامدة الموحّدين بعدهم كذلك، وأمام الغزّ والسّلجوقية في ملك المشرق، وبنوهم ومواليهم من بعدهم إلى انقضاء القرن السادس، وقد فشل ريح الغزّ، واختلّت دولتهم، فظهر فيهم جنكيزخان أمير المغل من شعوب الططر [5] ، وكان كاهنا، وجدّه النجر كاهنا مثله. ويزعمون أنه ولد من غير أب [6] ، فغلب الغزّ في المفازة، واستولى على ملك الططر، وزحف إلى كرسيّ
[ () ] جبلية عظيمة في جنوب عراق العجم من بلاد فارس، وتطلق أصفهان على الإقليم أيضا، فتحت في سنة 23 هـ في أيام عمر بن الخطاب (معجم البلدان) .
[1]
أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق، ركن الدين طغرلبك (385- 455) . وفيات الأعيان 2/ 59- 60.
[2]
كان دخول بغداد والعراق سنة 447. وفيات الأعيان 2/ 60، تاريخ دولة آل سلجوق ص 9.
[3]
كذا بالأصل: «المطيع» والصواب: «القائم» لأنه الّذي عاصر طغرلبك. وهو أبو جعفر عبد الله بن القادر، القائم بأمر الله. ولد سنة 391، وولي الخلافة سنة 422، وتوفي سنة 467. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 167- 169.
[4]
رسمه، على قاعدته التي قررها في أول «المقدمة» بصاد وسطها زاي اشارة الى أن الصاد تشم- عند النطق بها- زايا. وانظر أخبار تملك محمود بن زنكي، في تاريخ أبي الفداء 3/ 30- 58.
[5]
ولد جنكيزخان ويقال جنكس قان) في سنة 549، وهو من قبيلة تركية تسمى ثيات من أشهر قبائل المغل، وأكثرهم عددا، وكان اسمه- حين بلغ من العمر 13 سنة- تموجين ثم أصاروه:«جنكيز» ، و «خان» تمام الاسم، وهو بمعنى الملك عندهم. العبر م 5.
[6]
ينتهي نسبه إلى: «بوذ نسبه إلى: «بوذنجر بن الان قوى» ، وألان قوى اسم امرأة هي جدتهم، كانت
الملك بخوارزم. وهو علاء الدّين خوارزم شاه، سلفه من موالي طغرلبك، فغالبه على ملكه، وفرّ أمامه، واتّبعه إلى بحيرة طبرستان، فنجا إلى جزيرة فيها، ومرض هنالك ومات [1] ، ورجع جنكيزخان إلى مازندران، من أمصار طبرستان فنزلها، وأقام بها، وبعث عساكره من المغل حتى استولوا على جميع ما كان للغزّ، وأنزل ابنه طولى [2] بكرسيّ خراسان، وابنه دوشي خان [3] بصراي وبلاد التّرك، وابنه جفطاي [4] بكرسي التّرك فيما وراء النّهر، وهي كاشغر وتركستان، وأقام بمازندران إلى أن مات جنكيزخان ودفن بها [5] ، ومات ابنه طولي وله ولدان، قبلاي [6] وهولاكو [7] ، ثم هلك قبلاي، واستقلّ هولاكو بملك خراسان، وحدث بينه وبين بركة بن دوشي خان [8] فتنة بالمنازعة في القانية، تحاربوا فيها طويلا، ثم أقصروا،
[ () ] متزوجة ثم مات زوجها، وتأيمت وحملت وهي أيم، فنكر عليها اقرباؤها، فذكرت انها رأيت بعض الأيام أن نورا دخل فرجها ثلاث مرات، وطرأ عليها الحمل بعد ذلك، وقال ان في حملي ثلاث ذكور، فان صدقت عند الوضع فذلك، والا فافعلوا ما بدا لكم، فوضعت ثلاث توائم في ذلك الحمل، فظهرت براءتها، بزعمهم، وكان ثالث التوائم «بوذنجر» جد جنكيزخان، وكانوا يسمون التوائم الثلاث: النورانيين نسبة إلى النور المذكور، ولذلك كانوا يقولون لجنكيزخان: ابن الشمس.
العبر م 5.
[1]
هو السلطان علاء الدين محمد بن علاء الدين تكش بن أرسلان: كان من علماء الملوك وعظمائهم، وكانت مدة ملكه 21 سنة، وتوفي عام 617، وانظر اخبار حروبه مع جنكيزخان في تاريخ أبي الفداء 3/ 133- 134، 154- 158.
[2]
هو الابن الأصغر لجنيكزخان، وكان عاقلا كيسا، ولذلك أمره أبوه أن يرأس أخويه: جوجي، وجفتاي في حرب قلعة الطالقان التي استعصى عليهما الاستيلاء عليها. وطاؤه تنطق بين التاء والطاء، ويقال في اسمه أيضا:«تولوي» . وانظر العبر م 5.
[3]
ويقال طوشي خان (بين التاء والطاء) ، ويقال جوجي خان.
[4]
جقطاي، ويقال «جغتاي» ، ويسمي أيضا كداي، وجداي.
[5]
كانت وفاته في سنة 625، وهناك رأي غير ما ذكره ابن خلدون في مكان وفاة جنكيزخان، تجده في السلوك ص 227- 228.
[6]
قبلاي بن تلوي خان المتوفى سنة 695. وقد ضبطه ابن خلدون بالحركات- بضم القاف، وسكون الباء الموحدة، ولام مفتوحة مخففة، ثم ياء ساكنة.
[7]
يكتبه ابن خلدون: «هولاوو» بواوين أحيانا، وأحيانا أخرى يكتبه:«هولاكو» بنقطة تحت الكاف إشارة الى أن الكاف تنطق كافا فارسية. وقد ابتدأ أمر هولاكو في الظهور في سنة 654، وتوفي سنة 603. وانظر السلوك ص 541.
[8]
ويقال أيضا: بركة بن توشي بن جنكيز خان. وقد توفي سنة 665. كان مسلما يعظم أهل العلم، وكان يميل الى الملك الظاهر بيبرس.
وصرف هولاكو وجهه إلى بلاد أصبهان، وفارس، ثم إلى الخلفاء المستبدّين ببغداد، وعراق العرب، فاستولى على تلك النّواحي، واقتحم بغداد [1] على الخليفة المستعصم، آخر بني العباس [2] وقتله، وأعظم فيها العيث والفساد، وهو يومئذ على دينه من المجوسيّة، ثم تخطّاه إلى الشام، فملك أمصاره وحواضره إلى القدس، وملوك مصر يومئذ من موالي بني أيّوب قد استحاشوا ببركة صاحب صراي، فزحف إلى خراسان ليأخذ بحجزة هولاكو عن الشام ومصر. وبلغ خبره إلى هولاكو فحرد [3] لذلك، لما بينهما من المنافسة والعداوة، وكرّ راجعا إلى العراق، ثم إلى خراسان، لمدافعة بركة. وطالت الفتنة بينهما إلى أن هلك هولاكو سنة ثلاث وستين من المائة السّابعة، وزحف أمراء مصر من موالي بني أيّوب، وكبيرهم يومئذ قطز، وهو سلطانهم فاستولى على أمصار الشام التي كان هولاكو انتزعها من أيدي بني أيوب، واحدة واحدة، واستضاف الشام إلى مصر في ملكه. ثم هدى الله أبغا بن هولاكو إلى الإسلام، فأسلم بعد أن كان أسلم بركة ابن عمّه صاحب التخت بصراي من بني دوشي خان على يد مريد من أصحاب شمس الدين كبرى [4] ، فتواطأ هو وأبغا بن هولاكو على الإسلام. ثم أسلم بعد ذلك بنو جقطاي وراء النّهر، فانتظمت ممالك الإسلام في أيدي ولد جنكيزخان من المغل، ثم من الطّطر، ولم يخرج عن ملكهم منها إلّا المغرب والأندلس ومصر والحجاز، وأصبحوا، وكأنهم في تلك الممالك خلف من السلجوقيّة والغزّ. واستمرّ الأمر على ذلك لهذا العهد، وانقرض ملك بني هولاكو بموت أبي سعيد آخرهم سنة أربعين من المائة الثامنة [5] . وافترقت دولتهم بين عمّال الدولة وقرابتها من المغل، فملك عراق العرب، وأذربيجان [6]
[1] دخل هولاكو بغداد في سنة 656 هـ.
[2]
هو ابو احمد عبد الله بن المنتصر، ولد سنة 609، وقتل سنة 656.
[3]
حرد: اغتاظ وغضب.
[4]
هو ابو الجناب أحمد بن عمر بن نجم الخيوفي شيخ خوارزم. عرف به السبكي في طبقاته 5/ 11، 12، ولم يذكر مولده ولا وفاته، ووصفه في تاريخ جنكيزخان بأنه:«شيخ المشايخ، وقطب الأوتاد، نجم الدين الكبري» ، وذكر انه مات في حصار مدينة خوارزم. وقد ضبطه ابن خلدون. بضم الكاف وسكون الباء، وفي طبقات الشافعية:«الكبرى على صيغة فعلى كعظمى» .
[5]
هو ابو سعيد بن خربند بن ارغو بن ابغا بن هولاكو. وانصر اخباره في العبر م 5.
[6]
آذربيجان، واسمها القديم أثروباتان: إقليم يقع في الجنوب الغربي لبحر قزوين (بحر الخزر) ويحده في الشمال إقليم داغستان، وإقليم جورجيا، ومن المغرب، والجنوب الغربي مقاطعة ارمينية. (معجم البلدان) .
وتوريز [1] ، الشيخ حسن سبط هولاكو [2] ، واتصل ملكها في بنيه لهذا العهد، وملك خراسان وطبرستان شاه وليّ من تابعة بني هولاكو، وملك أصبهان، وفارس، بنو مظفّر البردي [3] من عمّالهم أيضا، وأقاموا بنو دوشي خان في مملكة صراي وآخرهم بها طقطمش بن بردي بك [4] ، ثم سما لبني جقطاي وراء النّهر، وملوكهم أمل في التغلّب على أعمال بني هولاكو، وبني دوشي خان، بما استفحل ملكهم هنالك، لعدم التّرف والتّنعم، فبقوا على البداوة، وكان لهم ملك اسمه ساطلمش [5] هلك لهذا العهد، وأجلسوا ابنه على التّخت مكانه، وأمراء بني جقطاي جميعا في خدمته، وكبيرهم تيمور المعروف بتمر بن طرغاي [6] فقام بأمر هذا الصبي وكفله، وتزوّج أمّه، ومدّ يده إلى ممالك بني دوشي خان التي كانت على دعوتهم وراء النّهر، مثل سمرقند [7] ، وبخارى، وخوارزم، وأجاز إلى طبرستان وخراسان فملكهما. ثم ملك أصبهان، وزحف إلى بغداد، فملكها من يد أحمد بن أويس. وفرّ أحمد مستجيرا بملك مصر، وهو الملك الظاهر برقوق، وقد تقدّم ذكره، فأجاره، ووعده النّصر من عدوّه. وبعث الأمير تمر رسلا إلى صاحب مصر، يقررون معه الولاية والاتّحاد، وحسن الجوار، فوصلوا إلى الرّحبة، فلقيهم عاملها، ودار بينهم الكلام فأوحشوه في الخطاب، وأنزلهم، فبيّت جميعهم، وقتلهم. وخرج الظاهر برقوق من مصر، وجمع العرب والتّركمان، وأناخ على الفرات، وصرخ بطقطمش من كرسيّه بصراي، فحشد ووصل إلى الأبواب [8] . ثم زحف تمر إلى الشام سنة ست وتسعين وسبعمائة وبلغ الرّها [9] ، والظاهر يومئذ على
[1] توريز (تبريز) : احدى مدن إيران الشمالية، وكانت في القديم تشملها مقاطعة آذربيجان (معجم البلدان) .
[2]
يسمى أيضا الشيخ حسن الصغير.
[3]
ورد في العبر 5: «اليزدي» .
[4]
ضبطه ابن خلدون بالحركات بفتح الباء وضمها، وسكون الراء بعدها دال ثم ياء مثناة تحتية ساكنة، ثم باء موحدة مفتوحة.
[5]
كذا في الأصل، وفي هامش أصل أياصوفيا بخطه:«سيورغتمش» وكتب فوقها كلمة: «أصح» .
[6]
في نسخة: «طرغان» ، وفي هامش أصل أياصوفيا بخطه:«ترغاي» وكتب فوقها كلمة «أصح» .
[7]
مدينة مشهورة، تقع اليوم في جمهورية الاتحاد السوفييتي، وكانت في القديم عاصمة بلاد الصغد.
(معجم البلدان) .
[8]
يريد بالأبواب المضايق والممرات التي في الجبال الفاصلة بين إقليم مازندران والعراق العجمي.
[9]
بلدة مشهورة في شمال حران، وتقع اليوم في الجمهورية التركية، وتسمى أورفة.