الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عادلا بعيد الهمة، وخلفه ابنه مسعود الثالث (493 - 508 هـ.) وتولى بعده ثلاثة من أولاده متعاقبين هم شيرزاد المتوفى سنة 509 وأرسلان المتوفى سنة 512 وبهرامشاه (512 - 547 هـ.) واضطره السلطان السلجوقى سنجر سنة 530 إلى الدخول فى طاعته، ودفع إتاوة له صاغرا. وفى سنة 542 رأى بهرامشاه بسوء تدبيره أن يقتل صهره الأمير الغورى قطب الدين محمد، وكان ذلك نذير شؤم باندلاع الحروب بين الغوريين والدولة الغزنوية، ومازالوا يعصفون بهم حتى اضطروهم فى سنة 557 إلى الانسحاب نهائيا إلى عاصمتهم فى الهند «لاهور» وتعقبوهم هناك حتى قضوا عليهم بتلك الديار سنة 582 للهجرة.
2 - دول متعاقبة
انتهى حوالى منتصف القرن الخامس للهجرة عصر الدول المتقابلة فى إيران التى كانت تتوزعها فيما بينها والتى كثيرا ما تحاربت وعاشت فى خصام، وقد أخذت تحل محلها دول متعاقبة، كانت كل منها تجمع شمل إيران وتنشر على بلدانها لواء واحدا، وكان لكل دولة من هذه الدول عصرها التاريخى، وجدير بنا أن نلم بها فى إيجاز.
دولة السلاجقة
(1)
السلاجقة طائفة من قبائل الترك المعروفين باسم الأوغوز، ويسميهم مؤرخو العرب الغزّ تخفيفا، ونرى اسمهم يتردد بين هؤلاء المؤرخين منذ أواخر القرن الرابع الهجرى، وهم ينسبون إلى رئيسهم سلجوق وقد نزل بهم قريبا من بحر الخزر (بحر قزوين) فى الهضاب المتصلة بنهرى سيحون وجيحون متخذا مدينة «جند» حاضرة له. وأخذت بعض جموعه تنزل فيما وراء النهر وتمتد إلى القرب من بخارى فى خراسان. وكانوا يعتنقون المذهب السنى، وكانوا بدوا فاعتمدوا على الوزراء فى حكمهم، وأخذ شأنهم يعظم، مما جعل محمودا الغزنوى يتنبه لهم، خوفا من استيلائهم على بعض دياره فى خراسان. وكان سلجوق قد توفى وخلفه ابنه إسراءيل، فكاتبه محمود وزين له أن يقدم عليه، وما كاد يلقاه حتى قبض عليه وزجّ به فى غياهب السجون، وظل سجينا بإحدى قلاع الهند حتى
(1) انظر فى السلاجقة المصادر المذكورة فى الفصل الأول من قسم العراق.
توفى سنة 422. وكان محمود قد توفى قبله، وصمم السلاجقة بقيادة طغرلبك على الانتقام، فاشتبكوا مع مسعود الغزنوى فى سلسلة حروب انتهت باستيلائهم على خراسان فى سنة 429 وحاول مسعود أن يسترجعها، ولكنه هزم هزائم متوالية فى السنتين التاليتين، وأعلن طغرلبك نفسه ملكا على البلاد، كما مرّ فى قسم العراق. ومضى يستولى على ما كان بيد الغزنويين من إيران الوسطى والجنوبية، واستولى على طبرستان وجرجان وبلاد الجبل.
واعترف الخليفة «القائم بأمر الله» بتلك الدولة السنية الناشئة وأمر بأن يذكر اسم طغرلبك فى الخطبة وأن يضرب اسمه على النقود. وقضى طغرلبك على البويهيين نهائيا-كما مر بنا فى قسم العراق-ودخل بغداد فى سنة 447 فى موكب رسمى، وأجلسه الخليفة معه على العرش-كما مر بنا-وخلع عليه الخلع السنية وكان يقوم بالترجمة بينهما وزير طغرلبك محمد بن منصور الكندرىّ. واتخذ طغرلبك مدينة الرىّ حاضرة له، وولى على البلدان إخوته وأبناءهم، ودانت له العراق كما دانت له إيران، وكان وزيره الكندرى هو الذى يصرّف الأمور فى دولته الواسعة وكان أدبيا شاعرا، وكان يظهر التسنن غير أنه كان فى حقيقته معتزليا.
وتوفى طغرلبك سنة 455 وخلفه-كما مر بنا فى قسم العراق-ابن أخيه «ألب أرسلان» وكان له أخ يسمى سليمان، حاول الوزير الكندرى أن ينصبه على العرش من دونه، فلما استولى ألب أرسلان على صولجان السلطنة قبض على الكندرى، وأرسل به إلى مرو، واستبقاه بها سنة ثم أمر بقتله. وكان ألب أرسلان (455 - 465 هـ.) بطلا مغوار قضى على كل من ثاروا عليه، سواء فى هراة أو فيما وراء النهر أو فى فارس وكرمان.
وخضد شوكة الفاطميين مستوليا منهم على حلب ودمشق ومكة والمدينة. وأعد الروم له جيشا كثيفا قوامه مائتا ألف رجل يتقدمهم الإمبراطور البيزنطى «ديوجينس رومانوس» فأسرع إليهم فى خمسة عشر ألفا من صفوة جنوده، والتقى بهم بالقرب من مدينة خلاط فى أرمينية، وعصفت جنوده-كما مرّ بنا فى قسم العراق-بهذا الجيش الضخم منزلة به هزيمة ساحقة، استسلم على إثرها الإمبراطور خاسئا ذليلا، ونزل على الشروط التى طلبها ألب أرسلان ومنها أداء مليون دينار فدية لنفسه وعقد معاهدة لمدة خمسين عاما يتعهد فيها الإمبراطور أن تكون جيوشه على استعداد دائم لمعونة ألب أرسلان وأن يحرّر جميع أسرى المسلمين. وبينما كان يحارب الترك عند نهر جيحون منزلا بهم هزائم متوالية وافاه القدر. وكان يدّبر له هذه السلطنة المترامية الأطراف وزيره نظام الملك، وكان من أعظم رجال الإدارة والسياسة، وكان عدوا للرافضة والإسماعيلية سنى العقيدة، واشتهر-كما مرّ
بنا فى قسم العراق-بتأسيسه للمدرسة النظامية ببغداد التى أحدثت بها نهضة علمية واسعة، وأسس على غرارها مدارس اشتهرت باسمها فى أصفهان ومرو ونيسابور وبلخ وهراة وطبرستان، وعمل على تشجيع الشعراء والأدباء وألغى كثيرا من الضرائب التى كانت ترهق الشعب، وكان أشعريا شافعيا، فازدهر المذهبان الشافعى والأشعرى لعهده.
وخلف ألب أرسلان-كما مرّ فى قسم العراق-ابنه ملكشاه (465 - 485 هـ) وكان فى الثامنة عشرة من عمره فأدار له دولته الوزير نظام الملك إدارة حسنة، وكان ملكشاه يعجب بأصفهان ويقيم فيها أكثر أيامه، وخرج عليه بعض أقربائه، ولكنه انتصر عليهم جميعا. وأمر فى سنة 467 ببناء المرصد العظيم الذى وضع فيه عمر الخيام وجماعة من العلماء التقويم الجلالى ويرجع تاريخه إلى عيد النّيروز فى سنة 472. وكانت جيوشه ماتنى غادية رائحة، واستولت على كثير من مدن ما وراء النهر وفى مقدمتها سمرقند، وبلغ من خوف إمبراطور بيزنطة منه أن أرسل إليه وهو فى مدينة «كاشغر» النائية الجزية المفروضة على بلاده. ومما يدل على ما وصلت إليه إمبراطوريته الواسعة من علو الشأن أن أصحاب السفن الصغيرة الذين عبروا به وبجيشه إلى الضفة المقابلة لهم من نهر جيجون أخذوا أجرتهم صكوكا تدفع لهم فى أنطاكية بديار الشام حتى يروا مدى اتساع السلطنة. ويقال إنه ركب جواده على شاطئ اللاذقية، وخاض به البحر شاكرا ربّه على ما أنعم به عليه من هذا الملك الواسع الذى امتدّ من بلاد التتار والصّين إلى ديار الشام على البحر المتوسط، وعنى بحفر الآبار فى طريق الحجاج وتخفيف الضرائب عنهم. ودسّ خصوم نظام الملك له عنده، فأعفاه من الوزارة، ولم تلبث أن امتدت إليه يد أحد الإسماعيليين أعدائه فى الظلام، فطعنته طعنة نجلاء كانت سببا فى وفاته سنة 485 ولم يلبث ملكشاه أن توفى بعده بشهر واحد. وبذلك ينتهى-كما مرّ بنا فى قسم العراق-عهد السلاحقة العظام.
وقام بالسلطنة بعد ملكشاه ابنه بركياروق أكبر أولاده (485 - 498 هـ.) ولقّب بركن الدولة، وخالفه عمه تتش صاحب دمشق وأخوه محمد صاحب أذربيجان، وله معهما وقائع كتب له فيها النصر، وكان يتعقب الباطنية الإسماعيلية-كما أسلفنا فى قسم العراق-وقتل منهم فى بعض السنوات مئات، وخلفه أخوه محمد (498 - 511 هـ.) ومضى مثله يتعقب الإسماعيلية ويستولى على حصونهم، وتولى السلطنة بعده ابنه محمود (511 - 525 هـ.) وكان شديد الحمق، فحارب عمه سنجر أمير خراسان المغوار ودارت عليه الدوائر، غير أن عمه عفا عنه وولاه العراق. وامتد حكم سنجر أربعين سنة (513 - 551 هـ.) واستقل عنه فى سنة 535 ملك خوارزم أتسز. وحاربه الترك فى سنة