المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٥

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌القسم الأولالجزيرة العربيّة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - أقاليم ودول وإمارات

- ‌اليمن ودولها

- ‌ حضرموت وظفار وتاريخهما

- ‌عمان وأمراؤها

- ‌البحرين ودولها

- ‌2 - المجتمع

- ‌3 - التشيع

- ‌4 - الخوارج: الإباضية

- ‌5 - الدعوة الوهابية السلفية

- ‌6 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل

- ‌علم الملاحة البحرية

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم الفقه والحديث والتفسير والقراءات والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ القاسم بن هتيمل

- ‌أحمد بن سعيد الخروصىّ الستالىّ

- ‌علىّ بن المقرّب العيونى

- ‌عبد الصمد بن عبد الله باكثير

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌ التهامى

- ‌جعفر الخطّى

- ‌5 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌ نشوان بن سعيد الحميرى

- ‌سليمان النبهانى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الدعوة الإسماعيلية

- ‌ ابن القم

- ‌السلطان الخطّاب

- ‌عمارة اليمنى

- ‌2 - شعراء الدعوة الزيدية

- ‌يحيى بن يوسف النّشو

- ‌موسى بن يحيى بهران

- ‌على بن محمد العنسىّ

- ‌3 - شعراء الخوارج

- ‌أبو إسحق الحضرمىّ

- ‌ابن الهبينى

- ‌4 - شعراء الدعوة الوهابية السلفية

- ‌ محمد بن إسماعيل الحسنى الصنعانى

- ‌ابن مشرف الأحسائى

- ‌5 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌عبد الرحيم البرعى

- ‌عبد الرحمن العيدروس

- ‌الفصل الخامسالنّثر وأنواعه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - رسائل ديوانية

- ‌3 - رسائل شخصية

- ‌4 - مواعظ وخطب دينية

- ‌5 - محاورات ورسائل فكاهية ومقامات

- ‌القسم الثانىالعراق

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - البويهيون والسلاجقة والخلفاء العباسيون

- ‌2 - الدول: المغولية والتركمانية والصفوية والعثمانية

- ‌الدولة المغولية الإيلخانية

- ‌الدولة الصفوية

- ‌الدولة العثمانية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - كثرة الشعراء

- ‌2 - رباعيّات وتعقيدات وموشحات

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ المتنبى

- ‌ سبط ابن التعاويذى

- ‌ صفى الدين الحلى

- ‌4 - شعراء المراثى والهجاء والشكوى

- ‌ السرى الرفاء

- ‌5 - شعراء التشيع

- ‌ الشريف الرضى

- ‌مهيار

- ‌ابن أبى الحديد

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ ابن المعلم

- ‌الحاجرى

- ‌التّلعفرىّ

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ ابن سكرة

- ‌ابن الحجّاج

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌ ابن السّراج البغدادى

- ‌المرتضى الشّهر زورىّ

- ‌الصّرصرىّ

- ‌4 - شعراء الفلسفة والشعر التعليمى

- ‌ ابن الشّبل البغدادى

- ‌ابن الهبّاريّة

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌الأحنف العكبرى

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع النثر:

- ‌2 - كتّاب الرسائل الديوانية

- ‌5 - الحريرى

- ‌القسم الثالثإيران

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - دول متقابلة

- ‌الدولة السامانية

- ‌الدولة البويهيّة

- ‌الدولة الزّياريّة

- ‌الدولة الغزنوية

- ‌2 - دول متعاقبة

- ‌دولة السلاجقة

- ‌الدولة الخوارزمية

- ‌الدولة المغولية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم التفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر العربى على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ على بن عبد العزيز الجرجانى

- ‌الطّغرائىّ

- ‌الأرّجانى

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌5 - شعراء الهجاء والفخر والشكوى

- ‌الأبيوردىّ

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ أبو بكر القهستانى

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف

- ‌ عبد الكريم القشيرى

- ‌ يحيى السهروردى

- ‌4 - شعراء الحكمة والفلسفة

- ‌ أبو الفضل السكرى المروزى

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌أبو دلف الخزرجى: مسعر بن مهلهل

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - كتّاب الرسائل

- ‌قابوس بن وشمكير

- ‌رشيد الدين الوطواط

- ‌3 - ابن العميد

- ‌خاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

وأهم جغرافى ظهر بالعراق لهذا العصر هو ياقوت الحموى البغدادى (1) المتوفى سنة 626 وكتابه معجم البلدان أنفس كتب الجغرافية العربية، وهو فى ست مجلدات ضخام، ونراه يذكر فى مقدمته مصادره اليونانية والعربية وكاد أن لا يترك كتابا فى المكتبة الجغرافية العربية إلا ذكر أنه اطلع عليه ونقل عنه، ولم يكتف بتلك الكتب التى كوّن منها مادة كتابه، فقد رجع إلى دواوين الشعراء ينقل عنها، وألمّ فى كل بلدة بأهم من عاش فيها من العلماء والأدباء كتابّا وشعراء، مما يضيف قيمة واسعة للكتاب إذ يصبح مصدرا من مصادر العلم والأدب ورجالهما حتى عصره. وله أيضا فى الجغرافيا كتاب ثان بعنوان «المشترك وضعا المختلف صقعا» . ويمكن أن نلحق بكتب الجغرافية كتب الرحلات، وربما كان أهمها كتاب الإفادة والاعتبار بما فى مصر من الآثار لعبد اللطيف (2) البغدادى المتوفى سنة 629 وقد وصف فيه وصفا بديعا آثار مصر، وصوّر كثيرا من شئونها الاحتماعية. وترجم الكتاب إلى اللاتينية، كما ترجم إلى الفرنسية، وطبع مرارا.

‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

تظل بغداد ومدن العراق ناشطة فى المباحث اللغوية والنحوية والبلاغية والنقدية، ومن الصعب أن نفصل بين اللغويين والنحويين، وبالتالى أن نفصل بين مباحثهما، إذ يكثر أن ينهض اللغوى بمباحث نحوية، وبالمثل يكثر أن ينهض النحوى بمباحث لغوية. ويلقانا ابن (3) درستويه المتوفى سنة 347 معنيا بشرح فصيح ثعلب، وبالمثل ابن ناقيا والعكبرى وغيرهما كثيرون، ويضع له عبد اللطيف البغدادى بعدهما ذيلا. وتكثر العناية بكتاب لغوى ثان، هو إصلاح المنطق لابن السكيت، فيضع السيرافى (4) الحسن بن عبد الله

(1) انظره فى النجوم الزاهرة 6/ 283 وشذرات الذهب 5/ 121 وابن خلكان 6/ 127 ومرآة الجنان 4/ 59 وتاريخ الأدب الجغرافى العربى لكراتشكوفسكى 1/ 335.

(2)

ترجم له ابن أبى أصبيعة فى طبقاته ص 683 ترجمة ضافية نقلها عن كتاب له، تحدث فيه عن سيرته، وقد لخصته هذه السيرة فى كتابنا الترجمة الشخصية طبع دار المعارف ص 32.

(3)

انظر ترجمته فى تاريخ بغداد 9/ 428 وإنباه الرواة 2/ 113 وابن خلكان 3/ 44.

(4)

راجعه فى تاريخ بغداد 7/ 341 ومعجم الأدباء 8/ 145 وإنباه الرواة 1/ 313 ونزهة الألباء لابن الأنبارى (طبعة أبى الفضل إبراهيم) ص 307 والفهرست ص 99 واللباب 1/ 586 وشذرات الذهب 3/ 65 ومرآة الجنان 2/ 390. وابن خلكان 2/ 78.

ص: 292

المتوفى سنة 368 شرحا لشواهده، وتتوالى مختصرات هذا الكتاب وتهذيباته، منها مختصر يسمى المنخل لأبى القاسم الوزير المغربى المار ذكره، ومنها تهذيب للخطيب التبريزى (1) يحيى بن على المتوفى سنة 502 للهجرة.

ومن الكتب اللغوية المهمة كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة لعلى (2) بن حمزة البصرى المتوفى بصقلية سنة 375 ويشتهر بنزول المتنبى عليه حين قدم إلى بغداد من الكوفة وهو فى كتابه يصحح الأغلاط التى وردت فى طائفة من كتب لغوية مهمة، هى نوادر أبى زياد الأعرابى، ونوادر أبى عمرو الشيبانى، وكتاب النبات لأبى حنيفة الدينورى، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب فصيح ثعلب، وكتاب الغريب المصنف لأبى عبيد القاسم ابن سلام، وكتاب إصلاح المنطق لابن السكيت، وكتاب خلق الإنسان لأبى ثابت، وكتاب المقصود والممدود لابن ولاد وقد ذكر مع نقده لهذا الكتاب ما أملاه المتنبى عليه من نقد بالفسطاط، وتكثر الكتابة فى الأسماء المقصورة والممدودة، منذ ابن دستورية وابن جنى فى القرن الرابع.

وتتكاثر شروح الشعر والنثر فى العصر منذ أوائله، وشرح ابن جنى لديوان المتنبى مشهور وقد سماه الفسر، ويعد التبريزى المذكور آنفا-وكان يدرس الأدب فى المدرسة النظامية- من أكثر شراح الشعر آثارا، وله شروح مطولة على مجموعة القصائد المسماة بالمفضليات للمفضل الضبى، وعلى المعلقات أو القصائد العشر، وعلى حماسة أبى تمام وديوانه وعلى سقط الزند لأبى العلاء المعرى. وله شروح موجزة على لامية العرب للشّنفرى، وقصيدة «بانت سعاد» لكعب بن زهير، ومقصورة ابن دريد. وإذا كان التبريزى وضع شرحا مطولا لديوان أبى تمام فإن العكبرى أبا البقاء فى القرن السادس الهجرى وضع شرحا مطولا بدوره للمتنبى. وعنى ابن المستوفى الإربلى (3) المتوفى سنة 637 بوضع شرح مطول لديوانى أبى تمام والمتنبى سماه النظام فى شرح شعر المتنبى وأبى تمام فى عشر مجلدات. ومنذ وضع الحريرى مقاماته أخذت شروحها تتكاثر. ومن شروحها فى القرن السادس بالعراق شرح القاسم (4) بن القاسم الواسطى، وشرح العكبرى النحوى شارح المتنبى، ولابن

(1) انظره فى معجم الأدباء 7/ 286 وبغية الوعاة والأنساب للسمعانى الورقة 103 ونزهة الألباء ص 372 والمنتظم 9/ 161 ومرآة الجنان 3/ 173 والشذرات 4/ 5 وابن خلكان 6/ 191 ودمية القصر 1/ 237.

(2)

راجعه فى بغية الوعاة ومعجم الأدباء 13/ 208.

(3)

انظره فى ابن خلكان 4/ 147 وبغية الوعاة والشذرات 5/ 186. وعبر الذهبى 5/ 155.

(4)

راجعه فى إنباه الرواة 3/ 31 وقد ذكر القفطى أنه صنف شرحين للمقامات وأن له شرحا لديوان المتنبى اختاره من شرح الواحدى وأضاف إليه من كتاب المنصف لابن وكيع.

ص: 293

الخشاب (1) البغدادى المتوفى سنة 567 مبحث لغوى فى أغلاط الحريرى فى مقاماته ورد عليه ابن برى العالم المصرى اللغوى المتوفى سنة 582 بمبحث لغوى دقيق انتصر فيه للحريرى، والمبحثان ملحقان بطبعة مقامات الحريرى نشر مكتبة ومطبعة الحلبى بالقاهرة ومنذ جمع الشريف الرضى خطب الإمام على بن أبى طالب وأخرجها باسم نهج البلاغة أخذ كثيرون يعنون بشرحها، حتى بلغوا نحو أربعين شارحا وربما كان شرح ابن أبى الحديد المتوفى سنة 656 أكبر هذه الشروح وهو مطبوع، ولابن الساعى (2) على بن أنجب المتوفى سنة 674 شرح على نهج البلاغة وشرح لفصيح ثعلب، وثلاثة شروح لمقامات الحريرى:

كبير ومتوسط وصغير، والمتوسط فى خمس مجلدات. وقد عنى محمود (3) بن أحمد الزنجانى المتوفّى سنة 656 بوضع مختصر لصحاح الجوهرى سماه «ترويح الأرواح فى تهذيب الصحاح» . ومنذ السيرافى تكثر الشروح لشواهد الشعر فى كتب النحو على غرار كتابه فى شرح شواهد سيبويه، بل إننا نجد عبد القادر (4) البغدادى المتوفى سنة 1093 يحوّل شرحه لشواهد كتاب الكافية لابن الحاجب إلى موسوعة لغوية تاريخية، وبحق سماه «خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب» وقد ذكر فى مقدمته مصادره من شروح الشواهد واللغة وأشعار العرب. ومما ذكره من كتب اللغة: الجمهرة لابن دريد، والصحاح للجوهرى والعباب للصّاغانى والقاموس المحيط للفيروزابادى واليواقيت للمطرّز وكتاب ليس لابن خالويه، والنهاية لابن الأثير والزاهر لابن الأنبارى وكتاب النبات لأبى حنيفة الدينورى وإصلاح المنطق لابن السكيت وتهذيبه وشروحهما وفصيح ثعلب وذيله وشروحه وأدب الكاتب لابن قتيبة وشروحه والأضداد لغير مؤلف والفروق لأبى هلال العسكرى وخلق الإنسان للزجاج والمعرّب للجواليقى والمثلثات لابن السيد البطليوسى والمرصع لابن الأثير والمزهر للسيوطى.

وإنما سقنا هذه الكتب اللغوية، لندل على أن ما كان يكتب فى اللغة بأى بلدة من البلدان كان ينقل إلى بغداد وغيرها من الحواضر، فالعالم العربى واحد، وكل ما ينتجه بلد

(1) انظره فى معجم الأدباء 12/ 47 وإنباه الرواة 2/ 99 وبغية الوعاة والمنتظم 10/ 238 والنجوم الزاهرة 6/ 65 وابن خلكان 3/ 102.

(2)

انظر فيه تذكرة الحفاظ 4/ 250 وشذرات الذهب 5/ 343 ومقدمة مصطفى جواد لكتاب نساء الخلفاء (طبع دار المعارف) وما ذكره من مصادر.

(3)

انظره فى الحوادث الجامعة لابن الفوطى (طبع بغداد) ص 237 وطبقات الشافعية للسبكى 8/ 368 والنجوم الزاهرة 7/ 68 وتاريخ علماء المستنصرية لناجى معروف.

(4)

انظره فى خلاصة الأثر للمحبى 2/ 451 ودائرة المعارف الإسلامية فى كلمة البغدادى.

ص: 294

فى علم من العلوم تتناقله البلدان الأخرى، وهؤلاء الذين رجع إليهم عبد القادر البغدادى منهم من عاش فى أقصى الشرق من العالم العربى، ومنهم من عاش فى أقصى الغرب منه أو فى أواسطه، ولذلك يكون من الخطأ أن نعد إنتاج أى بلد إنتاجا مستقلا هو مدار الحكم عليه، فقد كان يموج بإنتاج البلدان الأخرى فى كل علم وكل فن، وتظل شروح الشعر ناشطة لا الشروح المأثورة فقط، بل تضاف إليها شروح كثيرة، ولعله لم تظهر قصيدة مهمة دون أن تشرح شروحا عدة، نذكر من ذلك رشف الضّرب فى شرح لامية العرب للشيخ عبد الله (1) السويدى المتوفى سنة 1174 للهجرة وشرح بانت سعاد للسيد (2) عبد الله الفخرى المتوفى سنه 1188. وهناك شروح لعلماء مختلفين شرحوا قصائد عاصرتهم أو شرحوا قصائد لابن الفارض. وعنى الشيخ حسن (3) القفطان المتوفى سنة 1275 بوضع تعليقات على القاموس والمصباح فى رسائل مختلفة. ولشهاب الدين الألوسى (4) المتوفى سنة 1270 شرح على درة الغواص للحريرى باسم كشف الطّرّة عن الغرة وللشيخ إبراهيم (5) الحيدرى المتوفى سنة 1300 شروح مختلفة على ديوان أبى تمام ومقامات الحريرى وسقط الزند لأبى العلاء. وكأن النشاط اللغوى لم يتوقف بالعراق فى حقبة من حقب هذا العصر حتى أواخره وقد عنى العلماء بجانب بحوثهم فى لغة الفصحى أن يحيطوها بأسوار من الصحة، حتى ينقوّها من أوضار العامية التى أخذت تنتشر بقوة منذ مطالع العصر، ونجد القاضى أبا الحسن عليا المؤيدى يضع سنة 420 كتابا فى الأمثال البغدادية العامية (6) وأهم من ذلك كتاب الحريرى:«درّة الغواص فى أوهام الخواص» وهو فى أغلاط المثقفين، ووضع له أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقى (7) المتوفى سنة 539 تكملة أو تتمة سماها» التكملة فيما تلحن فيه العامة». وأهم من هذا الصنيع كتابه «المعرّب»

(1) راجعه فى المسك الأذفر فى نشر مزايا القرن الثانى عشر والثالث عشر لمحمود شكرى الألوسى (طبع بغداد) ص 60.

(2)

راجعه فى تاريخ الأدب العربى فى العراق للعزاوى 2/ 38.

(3)

العزاوى 2/ 57 وماضى النجف وحاضرها ج 3 ق 2 ص 109.

(4)

انظر فى الشهاب أعلام العراق لمحمد بهجت الأثرى والآداب العربية فى القرن التاسع عشر لشيخو 1/ 89 ونهضة العراق لمحمد مهدى البصير 219 ومقدمة تفسيره والعزاوى 2/ 52 وفى مواضع مختلفة.

(5)

العزاوى 2/ 58.

(6)

انظر تاريخ الأدب العربى لبروكلمان (الترجمة العربية) 5/ 160 وقد نشر ماسينيون كتابه فى القاهرة سنة 1911.

(7)

انظر ترجمته فى إنباه الرواة 3/ 335 ومعجم الأدباء 19/ 205 والأنساب الورقة 139 واللباب 1/ 244 وابن خلكان 5/ 342 ومرآة الجنان 3/ 271 وبغية الوعاة وشذرات الذهب 4/ 127.

ص: 295

وهو معجم نفيس للألفاظ الأعجمية الدخيلة على العربية، ولم يؤلف فى موضوعه أكبر منه، وفيه يقول ابن خلكان: إنه من مفاخر بغداد.

وكانوا يعنون من حين إلى حين بجمع مختارات شعرية، ولابن الشجرى (1) هبة الله بن على المتوفى سنة 450 كتاب سماه الحماسة ضاهى به حماسة أبى تمام، وهو مطبوع فى حيدر آباد، وله كتاب الأمالى وهو أيضا مطبوع فى حيدرآباد، وهو أكثر تآليفه إفادة، ويقول ابن خلكان إنه من الكتب الممتعة لروعة أشعاره المختارة. ومن كتب المختارات الشعرية كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب لمحمد بن المبارك بن ميمون (2)، وهو مجموعة كبيرة من قصائد الجاهليين والإسلاميين، وقد جمعه أو صنفه ببغداد سنة 589 وهو فى الستين من عمره، ومنه بعض مجلدات بدار الكتب المصرية. وصنّف على بن أبى الفرج البصرى فى القرن السابع الهجرى الحماسة البصرية، وقد حققت وأعدّت للطبع. .

ولعل نشاط بغداد فى النحو لهذا العصر كان أكبر من نشاطها فى اللغة، فقد استحدثت فيه المذهب النحوى البغدادى على نحو ما صورنا ذلك فى كتابنا المدارس النحوية، وهو مذهب كان أصحابه ينتخبون من المذهبين البصرى والكوفى آراءهم، ويضيفون إلى ما ينتخبون آراء جديدة ينفذون إليها، وأهم نحوى بغدادى نلقاه فى القرن الرابع الهجرى هو ابن جنى (3) المتوفى سنة 392 وكان اهتمامه بعلم الصرف عظيما، فصنع فيه شرحا نفيسا لكتاب التصريف للمازنى سماه المنصف، وهو فى ثلاثة أجزاء، شرح فيه مادة الكتاب شرحا وافيا، وأضاف إليها كثيرا من ملاحظاته كملاحظته أن الأفعال تشتق من أسماء الأعيان ومن الحروف. وله سر صناعة الإعراب وهو دراسة صوتية واسعة لحروف المعجم ومخارجها وأصواتها، وله أيضا فى الصرف كتاب التصريف الملوكى، وأهم كتبه فيه كتاب الخصائص، وهو مطبوع فى ثلاثة أجزاء، وفيه وضع للصرف قضاياه الكلية، وذكر فيه ما أسماه الاشتقاق الأكبر وهو يقوم على فكرة خاصة، هى أن كل كلمة ومقلوباتها تشترك فى معنى واحد، فكلمة قول. ومتقلباتها: قلو، ووقل، وولق، ولقو، ولوق، جميعها تفيد أو تعنى الخفة والحركة. وبجانب وضعه لأصول علم الصرف نراه فى النحو يختار من الآراء البصرية والكوفية جميعا، ويضيف باجتهاده آراء جديدة، وكان يكثر من متابعته لأستاذه

(1) نظره فى نزهة الألباء ص 404 ومعجم الأدباء 19/ 282 وإنباه الرواة 3/ 356 وبغية الوعاة وابن خلكان 6/ 45 ومرآة الجنان 3/ 275 وشذرات الذهب 4/ 132.

(2)

انظر بركلمان 5/ 169.

(3)

انظر فى ترجمة ابن جنى نزهة الألبا ص 332 وتاريخ بغداد 11/ 311 ومعجم الأدباء 12/ 81 وإنباه الرواة 2/ 335 وابن خلكان 3/ 246 ويتيمة الدهر 1/ 108 ومرآة الجنان 2/ 445 والشذرات 3/ 140 وروضات الجنات ص 466 وكتابنا المدارس النحوية ص 265.

ص: 296

أبى على الفارسى، وهو من طرازه بغدادى فى مذهبه النحوى، وكل ذلك مصوّر فى كتابنا المدارس النحوية. وكان يعاصره نحويان كبيران هما السيرافى شارح كتاب سيبويه والرمّانى وهو مثله شرح الكتاب، غير أنهما لا ينتظمان فى المدرسة النحوية البغدادية الجديدة، إذ كانا لا يخرجان عن المذهب البصرى، فعدادهما فى المدرسة البصرية لا البغدادية، وفى كتاب المدارس النحوية حديث مفصل عن السيرافى وكثرة تعليلاته وتخريجاته النحوية.

ويعنى النحاة بشرح كتاب الإيضاح لأبى على الفارسى، ويشرحه ابن جنى، ويشرحه غير واحد من بعده مثل العكبرى، ويعنون بشرح اللمع فى النحو لابن جنى، وممن شرحوه عمر بن ثابت الثمانينى (1) تلميذه، وشرحه مخطوط بدار الكتب المصرية، ومن شراحه العكبرى، وهم كثيرون. ومن نحاة مدرسة بغداد المهمين أبو البركات بن الأنبارى (2) المتوفى سنة 577 وهو تلميذ ابن الشجرى الذى تتلمذ بدوره لأبى على الفارسى، وبذلك يتصل به. وكان يدرس كتبه لتلاميذه فى المدرسة النظامية، يدل على ذلك حاشيته على كتاب الإيضاح. وقد عنى بدراسة وجوه الخلاف بين المدرستين البصرية والكوفية فى مسائل النحو، وألّف فى ذلك كتابين هما: الإنصاف المطبوع بمصر، وقد طبعه فايل لأول مرة وقدم له بمقدمة طويلة، والكتاب الثانى أسرار العربية المطبوع بدمشق ولاحظ فايل أنه رجح آراء الكوفيين بكتابه الإنصاف فى سبع مسائل، وكان ينتخب آراءه من المدرستين البصرية والكوفية جميعا. وكان يقف مع الفارسى أستاذ شيخه ابن الشجرى فى كثير من المسائل فهو بغدادى المذهب. وله فى أصول النحو كتاب سماه لمع الأدلة وهو مطبوع بدمشق وطبع له مع الكتاب السابق كتاب الإعراب فى جدل الأعراب، وله فى تراجم النحاة كتاب نزهة الألباء. وكان يجرى على غراره فى اتباع المذهب البغدادى فى النحو أبو البقاء العكبرى (3) الضرير، المتوفى سنة 616 وتدل مصنفاته على توفره على كتب أبى على الفارسى وابن جنى وله كما أسلفنا شرح للإيضاح وكذلك للمع، وأيضا «الإفصاح عن معانى أبيات الإيضاح» و «تلخيص أبيات الشعر لأبى على الفارسى» وتلخيص التنبيه لابن جنى و «المنتخب من كتاب المحتسب فى

(1) راجع فى الثمانينى معجم الأدباء 16/ 57 وابن خلكان 3/ 443 ونزهة الألباء ص 350 ونكت الهميان ص 220 والشذرات 3/ 269.

(2)

انظر فى ابن الأنبارى إنباه الرواة 2/ 169 وبغية الوعاة وابن خلكان 3/ 139 والسبكى 7/ 155 ومرآة الجنان 3/ 408 والمختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيشى (طبع بغداد) ص 209 وكتابنا المدارس النحوية ص 278.

(3)

راجعه فى إنباه الرواة 2/ 116 وبغية الوعاة وابن خلكان 3/ 100 والشذرات 5/ 67 وابن الدبيشى ص 140 ونكت الهميان ص 178 وكتابنا المدارس النحوية ص 279.

ص: 297

شواذ القراءات» لابن جنى أيضا، ومن كتبه «إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن» . وله كتاب اللباب فى علل البناء والإعراب. وقد حققه بعض الطلاب وأعده للنشر. وله أيضا إعراب مشكل الحديث. ذيّل به كتاب جامع المسانيد لابن الجوزى. ومن كتبه المسائل الخلافية فى النحو وعنى بنشره بعض المستشرقين. وقد صورنا فى كتابنا المدارس النحوية كيف كان يعوّل على الاختيار من آراء البصريين والكوفيين والبغداديين. ومن نحاة بغداد فى القرن السابع الهجرى عز الدين عبد الوهاب (1) ابن إبراهيم الزنجانى وله كتاب باسم تصريف الزنجانى أو العزى أو مبادئ التصريف، وقد طارت شهرته فى الآفاق وصنعت له شروح وحواش كثيرة، عدّدها بروكلمان فى تاريخه، ومنها طائفة كبيرة فى دار الكتب المصرية. وقد طبع فى روما مع ترجمته إلى اللاتينية، وطبع فى الآستانة والقاهرة ودلهى بالهند ومع ترجمة إلى الفارسية لمحمد بركة الله اللكنوى فى لكنو. ومن نحاة القرن السابع أيضا جمال الدين الحسين بن بدر الدين بن أياز (2) البغدادى المتوفى سنة 681 وكان يتولى مشيخة النحو فى المدرسة المستنصرية، وله كتاب القواعد فى النحو، ولا توجد منه سوى مخطوطة بدار الكتب المصرية كتبت سنة 678 فى حياته، وله أيضا المحصول شرح الفصول لابن معطى وشرح التصريف لابن مالك ومسائل الخلاف فى النحو. ومن النحاة المهمين ببغداد بدر الدين (3) الإربلى المتوفى سنة 755 وله حواش على كتاب التسهيل لابن مالك وشرح على الكافية لابن الحاجب وآخر على كتابه الشافية.

وللشيخ عبد الله السويدى المار ذكره كتاب إتحاف الحبيب على مغنى اللبيب (4). ويكثر الشارحون للألفية ولقطر ابن هشام وغيرهما من متون النحو كما يكثر من يصنعون الحواشى.

ونكتفى بذكر مثال هو إبراهيم الحيدرى المار ذكره فى النشاط اللغوى، فله حاشية على كتاب سيبويه وأخرى على شرح ألفية ابن مالك للسيوطى وحاشية على شرح الشافية لابن الحاجب للجاربردى وتقرير على حاشية عبد الحكيم الهندى على حاشية عبد الغفور اللارى على شرح الجامى لكافية ابن الحاجب، وشرح على كتاب الاقتراح للسيوطى (5).

وكان للنشاط فى الدراسات البلاغية دوره فى العصر، ومن خير هذه الدراسات كتاب

(1) انظره فى بغية الوعاة للسيوطى وفى تاريخ الأدب العربى لبروكلمان 5/ 179.

(2)

راجعه فى بغية الوعاة للسيوطى وبروكلمان 5/ 185 والعزاوى 1/ 161.

(3)

هدية العارفين 2/ 135 والعزاوى 1/ 171.

(4)

المسك الأذفر ص 60 والعزاوى 2/ 128.

(5)

هدية العارفين 1/ 42 والعزاوى 2/ 142.

ص: 298

النكت فى إعجاز القرآن للرمانى (1) شارح كتاب سيبويه، كما أسلفنا، وقد توفى سنة 384 للهجرية، ويهمنا من الكتاب حديثه عن البلاغة وقد جعلها فى ثلاث طبقات (2): عليا ووسطى ودنيا، والعليا بلاغة القرآن المعجز والوسطى بلاغة الأدباء حسب تفاوتهم فى البلاغة. ويوزعها على عشرة أقسام هى الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان، ويفصّل القول فى كل قسم من هذه الأقسام بادئا بتعريفه ثم باسطا تفريعاته. وللحاتمى (3) أبى على محمد بن الحسن البغدادى المتوفى سنة 388 كتاب فى البلاغة وأنواع البديع سماه حلية المحاضرة فى صناعة الشعر، وقد اعتمد عليه ابن رشيق اعتمادا واسعا فى كتابه العمدة فى صناعة الشعر ونقده أثناء عرضه لألوان البديع، وقد تحدث فيه عن الاستعارة والجناس والطباق والمقابلة والتتميم والتشبيه والإغراق والإشارة والوحى والتصدير والتسهيم والترصيع والتوشيح والمماثلة والمبالغة والالتفات والمساواة إلى غير ذلك من فنون البديع ومحسناته. ويكتب الباقلانى الذى سنتحدث عنه فى علم الكلام المتوفى سنة 403 كتابه «إعجاز القرآن» ويهمنا فيه حديثه عن وجوه البديع، وهو يستهلها بالكلام عن الاستعارة، ويتلوها بالإرداف ثم المماثلة فالمطابقة فالجناس فالموازنة، فالمساواة، فالإشارة، فالمبالغة، فالغلو، فالإيغال، فالتوشيح، فصحة التقسيم، فصحة التفسير، فالترصيع والتتميم، فالتكافؤ والتعطف إلى غير ذلك (4). وهو يتفق مع ابن المعتز وصاحب الصناعتين فى كثير من مصطلحاته، ونلتقى بالشريف الرضى المتوفى سنة 406 وله كتابان: أحدهما فى مجازات القرآن، والثانى فى المجازات النبوية، وهو يعرض فى الكتاب الأول مجازات الآيات القرآنية مرتبة على السور وفقا لترتيبها فى آياتها مبينا ما فيها من استعارة أو مجاز أو كناية. وبالمثل علّق فى الكتاب الثانى على نحو ثلاثمائة وستين حديثا، والكتابان بحث تطبيقى عام، وإن كان يلاحظ أن الفروق عنده بين الاستعارة والمجاز والكناية غير دقيقة، لأنها لم تكن قد حرّرت حتى زمنه (5).

وعنيت طائفة من البلاغيين بالكتابة فى بعض جوانب من البلاغة مثل كتاب التشبيهات لابن أبى عون المتوفى سنة 322 وقد نشره عبد المعيد خان فى سلسلة جب التذكارية

(1) انظر فى على بن عيسى الرمانى تاريخ بغداد 12/ 16/ومعجم الأدباء 14/ 73 وإنباه الرواة 2/ 294 والأنساب الورقة 258 وشذرات الذهب 3/ 109.

(2)

انظر تحليل هذا الكتاب فى كتابنا البلاغة تطور وتاريخ ص 103.

(3)

انظر فى الحاتمى تاريخ بغداد 2/ 214 وإنباه الرواة 3/ 103 والأنساب 148 وابن خلكان 4/ 362 ومعجم الأدباء 18/ 154 والوافى بالوفيات 2/ 343 والشذرات 3/ 129. واليتيمة 3/ 103.

(4)

انظر فى تحليل هذا الكتاب كتابنا البلاغة تطور وتاريخ ص 107.

(5)

البلاغة تطور وتاريخ ص 139.

ص: 299

بلندن، وهو فى التشبيهات عامة من الشعر القديم والحديث ومن الذكر الحكيم. وأهم منه كتاب «الجمان فى تشبيهات القرآن» لابن ناقيا (1) البغدادى المتوفى سنة 485 والعناية بالتشبيه قديمة نجدها فى كتابات الجاحظ وابن المعتز (2). وقد نشر كتاب الجمان فى دمشق تحقيق عدنان زرزور ومحمد رضوان الداية، والكتاب مرتب حسب السور القرآنية والآيات الواردة فى تضاعيفها وعادة يفسر الآية الكريمة بإيجاز، ثم يذكر ما فيها من تشبيه، وإذا كان له نظير فى القرآن ذكره، ودائما يذكر الأشعار التى اقتبسته، وكثيرا ما يعرض المحسنين لهذا الاقتباس والمقصرين، موضحا بلاغة القرآن المعجز وأنه لا يبلغ مبلغه شاعر. يقول:

«وكذلك كل ما ينقله الشعراء وغيرهم من أرباب البلاغة إلى كلامهم من معانى القرآن، لايبلغون شأوه ولا يدركون مناله إعجازا وإبداعا وإباء وامتناعا» .

ويعنى بعض البلاغيين بوضع كتب مستقلة فى الجناس، مثل شميم (3) الحلّىّ المتوفى سنة 601 فله فيه كتاب باسم الأنيس الجليس فى التجنيس كما جاء فى معجم الأدباء، وفى دار الكتب المصرية مخطوطة منه باسم الأنيس فى غرر التجنيس.

ولا نلبث أن نستقبل كتاب المثل السائر لضياء الدين نصر الله بن محمد الشيبانى المعروف بابن الأثير الجزرى المتوفى ببغداد سنة 637 وكان قد توجه إليها رسولا من لدن صاحب الموصل، وكان كاتب إنشائه. وقد بنى كتابه على مقدمة (4) ومقالتين، أما المقدمة فجعلها لعلم البيان ومباحثه المتصلة بالمعانى والبديع، ويقول إن موضوع هذا العلم البلاغة والفصاحة، ويعرض لأدواته التى لابد من إتقانها لمن يتصدى للكتابة والشعر ويعقد فصلين للمعانى يتحدث فى أولهما عن حمل الكلام على ظاهره والتأويل فيه بحيث يمكن أن يفهم البيت أفهاما كثيرة. وفى الفصل الثانى يتحدث عن احتمالات النصوص والترجيح بين المعنيين المتقابلين. وتحسّ صلته فى هذين الفصلين بعلماء الأصول وكلامهم عن دلالات العبارات وما يداخلها من الاحتمالات. ويتحدث بعد ذلك عن الفصاحة والبلاغة

(1) راجع فى عبد الله بن محمد بن ناقيا إنباه الرواة 2/ 133 وابن خلكان 3/ 98 والجواهر المضية 1/ 283 وميزان الاعتدال 2/ 533 ولسان الميزان 3/ 384 والخريدة (قسم العراق) 1/ 142 ومقدمة المحققين لكتابه.

(2)

البلاغة تطور وتاريخ ص 55، 73.

(3)

انظر فى على بن الحسن بن عنتر الملقب بشميم الحلى معجم الأدباء 13/ 50 وإنباه الرواة 2/ 243 وبغية الوعاة والشذرات 5/ 4 وميزان الاعتدال 2/ 82 والجواهر المضية فى طبقات الحنفية 1/ 283 وابن خلكان 3/ 339.

(4)

راجع فى تحليل كتاب المثل السائر كتابنا البلاغة تطور وتاريخ ص 323.

ص: 300

وأدوات الكتابة وأركانها. ويخرج إلى المقالة الأولى، وقد جعلها للصناعة اللفظية وقسمها قسمين: قسما خاصا باللفظة المفردة، وقسما خاصا بالألفاظ المركبة، ويطنب فى بيان حسن الألفاظ وصفاته، متأثرا فى وضوح بابن سنان الخفاجى فى كتابه «سر الفصاحة» . وبالمثل يتأثر به فى حديثه عن صفات الحسن فى الألفاظ المركبة مفصلا القول فى السجع والتصريع والتجنيس والترصيع ولزوم مالايلزم والموازنة واختلاف صيغ الألفاظ وتكرار الحروف.

وينتقل إلى المقالة الثانية الخاصة بالصناعة المعنوية، ويعرض للسرقات، ثم يتحدث عن الاستعارة والمجاز والتشبيه والتمثيل، ويعرض الالتفات وصوره وبعض الصيغ النحوية، ثم يتحدث عن التقديم والتأخير وبعض صيغ الاختصاص والإيجاز والإطناب والكناية والتعريض، ولجّ فى بعض مسائل نقدية، ثم تناول الجناس والاقتباس، وفتح فصلا للسرقات، وختم الكتاب بكلمة عن فضل الفصاحة والبلاغة ذكر فيها الفرق بين الشعر والنثر.

ونلتقى فى أواخر القرن السابع بكتاب «الأقصى القريب فى علم البيان» المطبوع بالقاهرة من نسخة قرئت على المؤلف محمد بن محمد التنوخى (1) سنة 692 ويسمى صاحب كشف الظنون الكتاب باسم «أقصى القرب فى صناعة الأدب» ويقول إن مؤلفه توفى سنة 749 للهجرة، ولعله أخطأ فى سنة وفاته ولا يعرف موطنه، وقد ضممناه إلى العراق لغلبة النزعة المنطقية عليه وأصدائها الواضحة فى مباحثه. وواضح من عنوان الكتاب (2) أن مؤلفه أطلق على مباحث البلاغة اسم البيان متابعا فى ذلك ابن الأثير، وهو يفتح الكتاب ببحث منطقى فى التصور والتصديق وفى القضية المنطقية وصورها المختلفة، ثم يتحدث عن الجملة النحوية ويفيض فى مباحث الحروف والأسماء والأفعال. ثم ينتقل إلى علم البيان ومباحث الفصاحة والبلاغة فيه والحقيقة والمجاز وحسن المفردات وقبحها وصفاتها. ويخرج إلى الحديث عن المعانى ويبتدئ حديثه فيها بالكلام عن الاستعارة، ثم يتحدث عن التشبيه والالتفات والنفى والاعتراض والإيجاز والإطناب والكناية والتعريض والتقديم والتأخير والاشتقاق والتكرار وبعض ألوان البديع، وهو شديد التأثر فى كل ذلك بابن الأثير فى كتابه المثل السائر. ويلقانا جلال الدين القزوينى صاحب كتاب التلخيص المولود بالموصل، ويبدو أنه غادره فى مطالع شبابه، وأنه أتم ثقافته فى بلاد الروم وديار الشام، ولذلك سنرجئ الحديث عنه إلى الجزء الخاص بالشام ومصر.

(1) انظر فى التنوخى بروكلمان 5/ 185 وكشف الظنون لحاجى خليفة (طبع إستانبول) 1/ 137 وكتابه نشرته مكتبة الخانجى بالقاهرة.

(2)

راجع فى تحليل هذا الكتاب كتابنا البلاغة تطور وتاريخ ص 316.

ص: 301

وتسهم العراق فى نظم القصائد المعروفة بالبديعيات. وعلى (1) بن عثمان الإريلى المتوفى سنة 670 هو أول من فتح الطريق إلى هذا الاتجاه، فقد نظم قصيدة فى مديح بعض معاصريه وضمّن كل بيت فيها لونا من ألوان البديع، وذكر بإزاء كل بيت اللون الذى يطوى فيه، ولم تصل إلينا القصيدة غير أن صاحب فوات الوفيات ذكر منها ستة وثلاثين بيتا.

وإذا مضينا إلى القرن الثامن من التقينا بصفى الدين الحلى المتوفى سنة 750 للهجرة ورأيناه ينظم قصيدة فى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم على شاكلة بردة البوصيرى مفتتحا لها بقوله:

إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم

واقر السلام على عرب بذى سلم

وهى مائة وخمسة وأربعون بيتا من وزن البسيط، وكل بيت فيها يحمل محسنا من محسنات البديع، وهى تضم نحو مائة وخمسين محسنا، إذ جعل للجناس فيها اثنى عشر لونا صورها فى الأبيات الخمسة الأولى، وواضح أن مطلعها يشتمل على المحسن المعروف باسم براعة الاستهلال، كما يشتمل على لونين من الجناس بين سلام وسلم وبين العلم وسلم.

وقد سماها الكافية البديعية فى المدائح النبوية وصنف لها شرحا سماه النتائج الإلهية فى شرح الكافية البديعية. ويذكر فى مقدمته للشرح أنه قرأ ثلاثين كتابا قبل تأليفه لبديعيته وأنه زاد على ما قرأ محسنات جديدة. وتلقانا بعد صفى الدين بديعيات أخرى وشروح وتلخيصات لكتب البلاغة، ويستمر العلماء فى صنع هذه التلخيصات والشروح لافى أزمان المغول والتركمان فحسب، بل أيضا فى زمن العثمانيين، وللشيخ عبد الله السويدى المار ذكره كتاب فى الاستعارة ولمحمد أمين الخطيب العمرى بديعية وشرح لها، وللشيخ إبراهيم الحيدرى كتاب فى البديع ولشهاب الدين الألوسى أبى الثناء شرح وحاشية على كتاب الاستعارات لابن عصام.

وإذا تركنا النشاط البلاغى إلى النشاط النقدى وجدناه على أتمه فى مطالع هذا العصر، وأول ما يلقانا منه كتاب الموازنة بين أبى تمام والبحترى للآمدى (2) الحسن بن بشر المتوفى سنة 371 وقد استهل الكتاب (3) بالحديث عن مذهبين مختلفين فى فهم الشعر ونقده وصنعه وعمله، وهما مذهب المجددين من أنصار أبى تمام أصحاب المعانى والفلسفة والبديع، ومذهب المحافظين من أنصار البحترى الذين يتمسكون بعمود الشعر العربى

(1) انظر فى ترجمة على بن عثمان كتاب فوات الوفيات (طبعة محمد محيى الدين عبد الحميد) 2/ 118 والنجوم الزاهرة 7/ 236.

(2)

انظر فى الآمدى معجم الأدباء 8/ 75 وإنباه الرواة 1/ 285 وما به من مراجع وروضيات الجنات 219.

(3)

راجع فى تحليل كتاب الموازنة كتابنا النقد (طبع دار المعارف) ص 64 وما بعدها وكتابنا البلاغة تطور وتاريخ ص 128.

ص: 302

وتقاليده مؤثرين حسن العبارة وحلاوة اللفظ وجمال أنغامه. ويمضى الآمدى فيصور جدلا بين أصحاب المذهبين فى فن الشاعرين وأيهما يتفوق على صاحبه، عارضا احتجاجات أصحاب أبى تمام وردود أصحاب البحترى عليهم، ومن أطرف ما احتجوا به أن أبا تمام صاحب مذهب جديد فى الشعر وصناعته ونوقش مذهبه مناقشة واسعة. ويتحدث الآمدى بعد ذلك عن سرقات الشاعرين وأخطائهما، وهو يتحيز فى الموازنة للبحترى تحيزا واضحا.

وكان يعاصره المرزبانى (1) محمد بن عمران المتوفى سنة 384 وهو خراسانى الأصل بغدادى المولد والموطن، وله كتاب الموشح فى مآخذ العلماء على الشعراء، وهو سجل لنقد اللغويين من القرن الثانى حتى القرن الرابع لشعراء الجاهلية والإسلام والعصر العباسى حتى نهاية القرن الثالث، متخللا ذلك بنظرات نقدية كثيرة له ولسابقيه. ومن أطرف فصوله الفصل الخاص بأبى نواس، وكذلك الفصل الخاص بأبى تمام، وقد دوّن فيه رسالة ابن المعتز فى بيان محاسن شعر أبى تمام ومساويه ومنها استمد كل من نقدوا أبا تمام بعده، مثل ابن عمار القطر بّلى المتوفى سنة 319 فى رسالته التى كتبها فى أخطاء أبى تمام، وكذلك الآمدى فى موازنته السالفة. وفى رأينا أن هذه الرسالة هى التى دفعت الصولى للانتصار للشاعر وكتابة مصنفه عنه المعروف باسم أخبار أبى تمام. وحينما يتحدث الآمدى عن أنصار أبى تمام إنما يريده. ونلتقى بناقد مهم للمتنبى سبق أن عرضنا له حديثنا عن النشاط البلاغى وهو أبو على الحاتمى البغدادى الذى تصدى للشاعر الكبير ينقده نقدا مجحفا فى كثير من الأحوال، وله فيه رسالة عما وافق فيه المتنبى كلام أرسطو. حاول فيها أن يرد كثيرا من حكمه إلى أقوال الفيلسوف، وبمجرد أن نطلع عليها نعرف أن المتنبى على فرض أنه استعار بعض حكمه من أرسطو أعطاها صياغة جديدة باهرة، وفى الحق أن جمهور حكمه إنما هو من تجاربه ومن خبرته بالحياة الإنسانية. وللحاتمى فيه رسالة ثانية أو كتاب ثان هو الموضحة (2) وفيها يذكر أن الوزير المهلبى هو الذى دفعه إلى نقد المتنبى، ويقول إن معارك نشبت بينه وبين المتنبى حين لقيه، ويصور فى الكتاب هذه المعارك وأنها امتدت فى عدة مجالس، كان أولها فى الدار التى نزل فيها المتنبى، أمام طائفة من العلماء الأدباء. وقد أخرج الحاتمى الكتاب بعد وفاة صاحبه ولعله تزيّد فيه، وهو

(1) انظر فى المرزبانى تاريخ بغداد 3/ 135 ومعجم الأدباء 18/ 268 وابن خلكان 4/ 354 والشذرات 3/ 111 وميزان الاعتدال 3/ 672 والوافى بالوفيات 4/ 23 وعبر الذهبى 3/ 27 ولسان الميزان 5/ 236.

(2)

حقق الدكتور محمد يوسف نجم هذا الكتاب ونشره فى بيروت.

ص: 303

يذكر حدود الشعر ويتحدث عن سرقات المتنبى وعيوبه ويوازن بين معانيه ومعانى أبى تمام والبحترى، والتجنى على المتنبى واضح فى الكتاب، فلم يكن يمسك فى يده بمعايير نقدية منصفة. ومع ذلك فإن كثيرين من نقاد المتنبى بعده حملوا عنه نقده وأذاعوه فى كتبهم ودراساتهم. ويشغل كثيرون بالمتنبى فى جميع البلدان العربية، وسنرى فى إيران مباحث كثيرة عنه وعن شعره.

ويلقانا فى العراق ابن الدهان (1) سعيد بن المبارك المتوفى سنة 569 وله رسالة فى سرقات المتنبى سماها «الرسالة السعيدية فى المآخذ الكندية» وقد وقف فيها طويلا عند سرقاته من أبى تمام الطائى، وعنى ببيان سرقاته من البحترى الطائى أيضا، ولذلك قد تسمى فى بعض المصادر باسم «المآخذ الكندية من المعانى الطائية» ولابن الأثير كتاب يرد فيه على هذه المآخذ سماه «الاستدراك فى الرد على رسالة ابن الدهان المسماة بالمآخذ الكندية من المعانى الطائية، عنى فيها بالرد على ابن الدهان فى مآخذه على المتنبى وقد وزع أكثرها على جانبين هما: مآخذه على ابن الدهان فيما زعمه من مآخذ المتنبى من أبى تمام، واستدراكه على ما فات ابن الدهان من مآخذ المتنبى أو سرقاته من أبى تمام.

وهو يستهل الرسالة ببيان عيوب ابن الدهان فى مبحثه، ذاكرا أنه ترك من سرقات المتنبى من أبى تمام مثلما أخذه وأنه قد يعدّ بيتا للمتنبى مسروقا من صاحبه، وبتأمله يلاحظ أنه غير مسروق، وأنه قد يعزو إلى المتنبى وأبى تمام والبحترى أبياتا ليست لهم، وأنه أطال مقدمة كتابه أو رسالته فكان كمن بنى دارا فجعل دهليزها ذراعا وعرضها شبرا، على أنها لا تناسب الكتاب ولا تشاكله. ولابن الأثير فى الكتاب-شأنه فى كتاب المثل السائر- «الفلك الدائر على المثل السائر» وهى إلى أن تكون نقدا لغويا أقرب منها إلى أى نقد آخر، ورد عليه كثيرون منتصرين لابن الأثير مثل محمود بن الحسين السنجارى المتوفى سنة 640 فى كتابه «نشر المثل السائر وطى الفلك الدائر» .

ولصفى الدين الحلى المار ذكره فى البديعيات كتاب نفيس فى الأشعار العامية الشعبية سماه «العاطل الحالى والمرخص الغالى فى الأزجال والموالى» عرض فيه فنون الشعر العامى من الزجل والمواليا والقوما والكان وكان موضحا نشأتها وتاريخها وأوزانها وقوافيها وما يجوز فيها وما لا يجوز. ويلاحظ أنه سبقت الأزجال فى الأندلس قصائد عامية ذات قافية واحة

(1) انظر فى ابن الدهان معجم الأدباء 11/ 219 ونكت الهميان ص 158 وإنباه الرواة 2/ 47 وابن خلكان 2/ 382 والشذرات 4/ 223.

ص: 304