المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - المجتمع - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٥

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌القسم الأولالجزيرة العربيّة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - أقاليم ودول وإمارات

- ‌اليمن ودولها

- ‌ حضرموت وظفار وتاريخهما

- ‌عمان وأمراؤها

- ‌البحرين ودولها

- ‌2 - المجتمع

- ‌3 - التشيع

- ‌4 - الخوارج: الإباضية

- ‌5 - الدعوة الوهابية السلفية

- ‌6 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل

- ‌علم الملاحة البحرية

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم الفقه والحديث والتفسير والقراءات والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ القاسم بن هتيمل

- ‌أحمد بن سعيد الخروصىّ الستالىّ

- ‌علىّ بن المقرّب العيونى

- ‌عبد الصمد بن عبد الله باكثير

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌ التهامى

- ‌جعفر الخطّى

- ‌5 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌ نشوان بن سعيد الحميرى

- ‌سليمان النبهانى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الدعوة الإسماعيلية

- ‌ ابن القم

- ‌السلطان الخطّاب

- ‌عمارة اليمنى

- ‌2 - شعراء الدعوة الزيدية

- ‌يحيى بن يوسف النّشو

- ‌موسى بن يحيى بهران

- ‌على بن محمد العنسىّ

- ‌3 - شعراء الخوارج

- ‌أبو إسحق الحضرمىّ

- ‌ابن الهبينى

- ‌4 - شعراء الدعوة الوهابية السلفية

- ‌ محمد بن إسماعيل الحسنى الصنعانى

- ‌ابن مشرف الأحسائى

- ‌5 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌عبد الرحيم البرعى

- ‌عبد الرحمن العيدروس

- ‌الفصل الخامسالنّثر وأنواعه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - رسائل ديوانية

- ‌3 - رسائل شخصية

- ‌4 - مواعظ وخطب دينية

- ‌5 - محاورات ورسائل فكاهية ومقامات

- ‌القسم الثانىالعراق

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - البويهيون والسلاجقة والخلفاء العباسيون

- ‌2 - الدول: المغولية والتركمانية والصفوية والعثمانية

- ‌الدولة المغولية الإيلخانية

- ‌الدولة الصفوية

- ‌الدولة العثمانية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - كثرة الشعراء

- ‌2 - رباعيّات وتعقيدات وموشحات

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ المتنبى

- ‌ سبط ابن التعاويذى

- ‌ صفى الدين الحلى

- ‌4 - شعراء المراثى والهجاء والشكوى

- ‌ السرى الرفاء

- ‌5 - شعراء التشيع

- ‌ الشريف الرضى

- ‌مهيار

- ‌ابن أبى الحديد

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ ابن المعلم

- ‌الحاجرى

- ‌التّلعفرىّ

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ ابن سكرة

- ‌ابن الحجّاج

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌ ابن السّراج البغدادى

- ‌المرتضى الشّهر زورىّ

- ‌الصّرصرىّ

- ‌4 - شعراء الفلسفة والشعر التعليمى

- ‌ ابن الشّبل البغدادى

- ‌ابن الهبّاريّة

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌الأحنف العكبرى

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع النثر:

- ‌2 - كتّاب الرسائل الديوانية

- ‌5 - الحريرى

- ‌القسم الثالثإيران

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - دول متقابلة

- ‌الدولة السامانية

- ‌الدولة البويهيّة

- ‌الدولة الزّياريّة

- ‌الدولة الغزنوية

- ‌2 - دول متعاقبة

- ‌دولة السلاجقة

- ‌الدولة الخوارزمية

- ‌الدولة المغولية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم التفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر العربى على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ على بن عبد العزيز الجرجانى

- ‌الطّغرائىّ

- ‌الأرّجانى

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌5 - شعراء الهجاء والفخر والشكوى

- ‌الأبيوردىّ

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ أبو بكر القهستانى

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف

- ‌ عبد الكريم القشيرى

- ‌ يحيى السهروردى

- ‌4 - شعراء الحكمة والفلسفة

- ‌ أبو الفضل السكرى المروزى

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌أبو دلف الخزرجى: مسعر بن مهلهل

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - كتّاب الرسائل

- ‌قابوس بن وشمكير

- ‌رشيد الدين الوطواط

- ‌3 - ابن العميد

- ‌خاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌2 - المجتمع

1245 هـ/1829 م وتعودان إلى الدولة العثمانية سنة 1288 حتى يستخلصهما منها فى العصر الحديث الملك عبد العزيز آل سعود.

وكانت قطر قد دخلت مع الأحساء والقطيف فى حوزة العثمانيين سنة 1288 هـ/1871 م وظل آل ثانى رؤساءها إلى أن نفض طاعة العثمانيين منهم الشيخ قاسم فى العصر الحديث، واستقل ببلاده سنة 1310 هـ/1892 م وتظل أسرته متولية أمرها ومدبرة شئونها إلى اليوم.

‌2 - المجتمع

(1)

يتقابل فى الجزيرة أهل بواد وأهل حواضر، والأولون عرب خلّص، وقد دخل على الثانين أخلاط من أجناس مختلفة إفريقية وآسيوية، والغلبة للعنصر العربى فهو قوام الحواضر. وربما كانت مكة بالذات من الحواضر التى كثر إليها نزوح الأجانب، إذ توطنها كثيرون من المسلمين الوافدين عليها للحج ابتغاء رضوان الله، وهم عناصر شتى من كل أنحاء العالم الإسلامى، ومثلها المدينة وإن لم تبلغ درجتها من هذا التوطن. والعلاقة بين اليمن والحبشة قديمة مما جعل كثيرين من الأحباش والإفريقيين ينزلون بها، ومرت بنا دولة آل نجاح فى زبيد، وهم أحباش أو من أصل حبشى. ومن قديم كان الفرس ينزلون فى عمان ومدن الخليج، وكان كثير منهم يستوطنها، ولا يزال هذا شأنهم إلى اليوم. وبالمثل كان ينزل فى مدن الخليج وعمان إفريقيون كثيرون، وثورة الزنج بالبصرة فى القرن الثالث الهجرى مشهورة، ونسمع عنهم بعد ذلك كثيرا فى البحرين، وكانوا كثيرين فى عمان منذ أخذت تستولى فى القرن الثالث على سقطرة وبعض الجزر، ونراها بعد ذلك تستولى على زنجبار وبعض شواطئ إفريقية الشرقية.

وكان عرب نجد يعيشون معيشة بدوية تعتمد على رعى الإبل والأغنام، ويحفّها غير

(1) انظر فى مجتمع الجزيرة صبح الأعشى والنجوم الزاهرة فى مواضع متفرقة وتاريخ اليمن لعمارة ومروج الذهب للمسعودى: الفصل الخاص بالغناء والموسيقى فى الجزء الرابع والعقود اللؤلؤية للخزرجى وعنوان المجد فى تاريخ نجد لابن بشر وشعر الغناء الصنعانى للدكتور محمد عبده غانم (نشر وطبع دار الكاتب العربى ببيروت) ورحلة ابن بطوطة وديوان ابن مقرب العيونى وتحفة المستفيد بتاريخ الأحساء فى القديم والجديد وتحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للسالمى وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة.

ص: 34

قليل من شظف العيش، مما جعلهم أو بعبارة أدق جعل منهم عشائر تتعرض أحيانا للحجاج وتنهبهم، وكانت بغداد ثم القاهرة تقاومانهم بصور كثيرة، منها إرسال الحجاج فى قوافل مع حاميات، ومنها أن يعهد البغداديون لعرب البحرين أو لبنى عقيل أو لبنى أسد أن يحموا الحجاج، وكانت القاهرة بدورها تعهد لآل الجراح فى العهد الفاطمى وآل فضل فى العهدين الأيوبى والمملوكى بأن يؤمنوا السبل للحجاج المصريين والإفريقيين.

وكان وراء مكة والمدينة فى الحجاز مدن وقرى كثيرة على شئ من التحضر، نجد ذلك فى الطائف وفى جدة وفى ينبع وفى خيبر وفى وادى القرى، حيث يقيم الناس فى دور شيدوها ويستقرون بها. وهذا الاستقرار أساس التحضر والعمران إذ يتجه الناس إلى عمل يقيمون به أود حياتهم، وكان الزراعة، إذ نجدها فى كل هذه المدن. وطبيعى أن ينشأ فى المدن بجانب الزراع صناع ينهضون بالحرف المختلفة من عمارة ونجارة وحياكة، وكذلك تجار يصدرون بعض ما يفيض عن حاجة مدنهم كالتمر مثلا، ويستوردون بعض ما يحتاجه سكانها من توابل وغير توابل. وتشتهر المدينة بكثرة زروعها، وكانت مصر منذ العصر الفاطمى ترسل إليها وإلى مكة بكميات كبيرة من القمح سنويا واستمر ذلك فى زمن صلاح الدين والأيوبيين ثم فى زمن المماليك. وكان ينزل المدينتين المقدستين كثير من الحجاج والزوار سنويا، فيشيعون فيهما الرخاء، وأهّل ذلك لقيام إمارة كبيرة للحسنيين فى مكة وإمارة أخرى للحسينيين فى المدينة.

وقد وصف القرآن الكريم اليمن بأنها (جنّتان عن يمين وشمال). ومعروف أنه تهبّ عليها الرياح الموسمية صيفا، فتهطل بها أمطار غزيرة تغذى المروج والزروع والأشجار المتكاثفة، ويزرع أهلها فى الأودية والسهول الحنطة والشعير والذّرة والأرز والسمسم، ومن فواكهها العنب والرمان والتفاح والخوخ والموز والليمون والبطّيخ والسفرجل، ومن حيوانها الخيل العربية والبغال والإبل والبقر والغنم والغزلان والقردة. ومن أهم مصادر ثروتها التجارة وما يحمل إليها من إندونيسيا والهند وإفريقية الشرقية والحبشة والصين. وعدن ميناؤها، ويقول القدماء إنه «لم يكن يخلو أسبوع من عدة سفن وتجار واردين عليها وبضائع شتى ومتاجر متنوعة، والمقيم بها فى مكاسب وافرة وتجارة مربحة» . ومر بنا فى حديثنا عن دول اليمن ذكر أربع مدن، هى زبيد وصنعاء وصعدة وتعزّ، وزبيد بتهامة اليمن فى سهل من الأرض وبها نخيل كثير، وكانت مسوّرة وبها قلعة، وصنعاء فى منطقة الجبال بوسط اليمن، وهى كثيرة الزروع والفواكه، وصعدة فى منطقة جبلية وعرة شمالا، أما تعزّ فحصن فى الجبال جنوبى اليمن مطل على تهامة وأراضى زبيد. وكان الرسوليون يقيمون بها

ص: 35

صيفا وبزبيد شتاء. واليمن بما قدمنا بلاد ذات ثراء عظيم، وقد قامت بها قديما دول وحضارة باذخة، فلا غرابة أن كان أهلها فى هذا العصر يتمتعون بغير قليل من نعيم الدنيا وخاصة الحكام والوزراء والقادة وكبار التجار، وينقل صبح الأعشى عن بعض الأقدمين قوله:«لأكابر اليمن حظ من رفاهية العيش والتنعم والتفنن فى المأكل: يطبخ فى بيت الرجل منهم عدة ألوان. . وتطيّب أوانيها بالعطر والبخور، ويكون لأحدهم الحاشية والغاشية، وفى بيته العدد الصالح من الإماء، وعلى بابه جملة من الخدم والعبيد والخصيان من الهند والحبوش، ولهم الدور الجليلة والمبانى الأنيقة، إلا الرّخام ودهان الذهب واللازورد فإنه من خواص السلطان لا يشاركه فيه غيره من الرعايا» . ويدل من بعض الوجوه على ما كان فى اليمن من ثراء ما يذكر عن بعض وزراء بنى نجاح فى زبيد من أنه كان جوادا وأن نفقة مطبخه فى شهر رمضان كانت تبلغ كل يوم ألف دينار.

ويبدو أن مجتمع اليمن كان يكتظ بكثير من الجوارى والإماء، ويذكر عمارة اليمنى أنه كان لآل نجاح أكثر من ألف أمة، وقد أشاع الإماء والجوارى فى قصور آل نجاح وغيرهم الغناء والطرب. والغناء قديم فى اليمن، وأشار المسعودى إلى أنه كان باليمن لعصره صنفان من الغناء حميرى وحنفى، ولعله يريد صنفا قديما يرجع إلى عهد الدولة الحميرية قبل الإسلام وصنفا إسلاميا حنفيّا أو حنيفيّا. ولا نسمع بعد زمن المسعودى المتطابق مع أول هذا العصر عن مغنين أو مغنيات إلا ما ذكره عمارة فى زمن آل نجاح كما أسلفنا. ويبدو أن الأئمة الزيديين فى صعدة لم يفسحوا للغناء بل حاربوه طوال عصورهم، أما الدول الأخرى فلعلها فسحت له، يدل على ذلك ما يذكر من غناء ورقص فى بعض الاحتفالات، ومن أهمها احتفال السلطان الرسولى الأشرف لسنة 794 بختان أبنائه وهو احتفال له دلالات كثيرة، ولا بأس من أن نوجزه نقلا عن الخزرجى فى كتابه العقود اللؤلوية إذ يذكر أن الإعداد لهذا الاحتفال بدأ فى شهر شوال عقب عيد الفطر وأنهم أخذوا يحضرون الطير وأنواع الحيوان والأطعمة والبقول والتوابل والفواكه وأنواع الطيب والرياحين مما لا حصر له وألوان الحلوى. ويعدّد الخزرجى أسماء الآنية وأنواعها الكثيرة ويذكر أن الأمراء وكبار رجال الدولة قدم كل منهم هدية، وكان كل من يقدم هدية يجعل معها المغانى والرياحين والبوّاقين يزفونها إلى باب الدار. وأقيمت للناس أربعة سماطات: سماط الطعام وسماط الحلوى وسماط المكسرات من اللوز والجوز والفستق والبندق وسماط رابع خاص بالعطور والمباخر، ويشمل المسك والصندل والعود والبنفسج والعنبر والغالية وماء الورد. ويذكر الخزرجى أنه كان هناك من المغانى والراقصات ما أدهش الحاضرين، وفى ذلك ما قد يدل

ص: 36

على أن الرسوليين لم يحاربوا الغناء فى دولتهم، بل لعلهم شجعوا عليه. ويذهب الدكتور محمد عبده غانم إلى أن الغناء الصنعانى العربى التى اشتهرت به صنعاء واليمن ربما بدأ فى أواسط العصر الرسولى أو فى أواخره. وفى رأيى أنه على الرغم من محاربة الأئمة الزيدية له كانت هناك نهضة غنائية فى صنعاء وغيرها من مدن اليمن، على الأقل منذ العهد الرسولى، كما تدل على ذلك المغانى والراقصات فى الاحتفال السابق، بل لعلها تتقدم هذا العهد متصلة بزمن النجاحيين فى القرن السادس، إذ نجد لابن سناء الملك المصرى المتوفى سنة 608 وابن النبيه المصرى المتوفى سنة 619 وابن الفارض المتوفى سنة 632 أشعارا يلحنها اليمنيون بألحان غنائهم الصنعانى، على نحو ما عرض ذلك الدكتور غانم فى كتابه، وأيضا فإننا نجد للشاعر اليمنى ابن هتيمل شاعر القرن السابع الهجرى أشعارا ملحنة بهذا الغناء، وكذلك للبرعى الشاعر اليمنى الصوفى المشهور فى القرن الثامن، وتتوالى بعد ذلك الأغانى فى شعر القاضى موسى بن يحيى بهران والأمير الزيدى محمد بن إسحق. وتكثر الأغانى الشعبية الصنعانية، وكل ذلك دليل على نهضة غنائية باليمن.

وأشار الخزرجى فى الاحتفال السابق إلى أنه حضره كثيرات من النساء المحصنات (العفيفات) وكثيرات من نساء الأمراء المقدّمين. ولعل فى ذلك ما يدل من بعض الوجوه على أن المرأة كانت تحظى فى اليمن بغير قليل من الحرية. ومرّ بنا أن أسماء زوجة على ابن محمد الصّليحى كانت من فضليات النساء، وكان الناس من شعراء وغير شعراء يقصدونها فتبرّهم، وكان ابنها المكرّم يجلّها إجلالا عظيما، وكانت لا تستر وجهها من الحاضرين، وكان زوجها يكل إليها تدبير بعض شئون الدولة.

وحين مرض ابنها المكرّم بالفالج فوّض شئون الدولة إلى زوجته الملكة الحرة أروى بنت أحمد الصليحى سنة 467 فأحسنت القيام عليها وتدبيرها إلى أن توفى سنة 484 وتولّت بعده شئون الحكم، كما مر بنا، إلى أن توفيت سنة 532 وهى التى أمرت ببناء جامع جبلة والجناح الشرقى فى جامع صنعاء.

وكانت حضرموت من قديم متصلة باليمن، بل كانت أحيانا تعد جزءا منها، وكان واليها فى القديم هو نفس والى اليمن. وقد يعيّن عليها نائبا له، وحدث ذلك كثيرا على نحو ما مرّ بنا فى تاريخها السياسى. ومما لا شك فيه أن اليمن تسبقها وتتفوق عليها أشواطا فى الخصب وكثرة الزروع. وهى بلاد جبلية يشقّها واد عظيم تتفرع منه أودية مختلفة، كما مر بنا. وأهم حاصلاتها اللّبان (الكندر) والحنطة والذرة والتمور، وأهلها يهبطون فى التحضر

ص: 37

درجات كثيرة عن أهل اليمن، لشظف العيش بديارهم، وهم ملاّحون ممتازون وجعلت الملاحة شطرا كبيرا منهم تجارا، وإليهم يرجع الفضل الأكبر فى نشر الإسلام بشرقى إفريقيا وبالملايو وإندونسيا والهند. وهم بحق أبناء المحيط الهندى، جابوه شرقا وغربا، ونزلوا فى أقاليمه، وعايشوا سكانها، ولهم فى كل إقليم نزلوه منزلة رفيعة وأموال وتجارات واسعة.

وبجانب حضر موت ظفار، وطبيعتهما واحدة، فهى الأخرى جبلية، وأهلها يزرعون الموز والحنطة والذرة معتمدين فى ذلك على مياه الأمطار، وهم يرعون الأنعام والأغنام، ويشتهرون بتربية نوع من الخيل الأصيلة وطبيعى أن يعنوا بصيد السمك لطول شواطئهم على المحيط الهندى أو بحر العرب. وسقطت إليهم بعض مظاهر الحضارة، التى رأيناها فى اليمن، ويقول ابن بطوطة إنه شاهد الطبول والأبواق تضرب على أبواب أمرائهم بعد صلاة العصر من كل يوم.

وعمان إقليم كبير فى الجنوب الشرقى من الجزيرة، وهى تطل على بحر العرب من جهة وعلى الخليج العربى من جهة ثانية، وترسو بها السفن من الزنج والهند وإندونيسيا، وينزلها إيرانيون كثيرون من قديم، وجعل ذلك أهلها يتألفون من عناصر كثيرة:

عربية وإفريقية وإيرانية وهندية، والغلبة للعنصر العربى. وبداخلها جبل عظيم الارتفاع تتشعب منه تسعة أودية جميعها لبنى رئام وبجنوبيه مدينة نزوى عاصمة الخوارج.

ومن أهم موانى عمان صحار وكانت عاصمتها قديما، ومسقط وهى عاصمتها الآن. وتكثر على سواحلها مغاصات اللؤلؤ، وهى كثيرة التمور والفواكه والزروع من الحنطة والذرة والشعير. وقال ابن بطوطة عنها حين نزل بها سنة 725: إنها خصبة وبها أنهار وأشجار وبساتين وحدائق نخل وفاكهة كثيرة متنوعة، ويصف نزوى عاصمة الخوارج بأنها مدينة بنيت فى سفح جبل، تحفّ بها البساتين والأنهار، ولها أسواق حسنة ومساجد معظمة ويذكر أن من عادات أهلها الأكل فى صحون المساجد، يأتى كل إنسان بما لديه من الأكل، ويأكل معهم الوارد والصادر، ويثنى على أهلها قائلا:«لهم نجدة وشجاعة» . ثم يتحدث عن مدينة عمان وسلطانها أبى محمد بن نبهان، ويقول إنه يجلس خارج باب داره فى مجلس هنالك ولا حاجب عليه ولا وزير بين يديه، ولا يمنع أحدا من الدخول عليه سواء أكان مواطنا أم غريبا، ويكرم الضيف على عادة العرب، ويعيّن له مدة الضيافة ويعطيه حسب قدره. ويلاحظ ابن بطوطة ملاحظة عامة، هى نقص الغيرة هناك على النساء وأكبر الظن أنه بالغ فى تصوره وملاحظته. وكل شئ يؤكد أن هذا الإقليم كان على شئ غير قليل من الثراء، وهو ثراء مكّن سلطان بن سيف اليعربى فى القرن الحادى

ص: 38

عشر من بناء أسطول ضخم سحق به أسطول البرتغاليين واستولى على بعض شواطئ أفريقيا وجزر المحيط الهندى وبعض شواطئ الهند.

والبحرين شديدة الخصب، وهى كثيرة العيون والفواكه والنخيل وبها من التمور أنواع لا تحصى ومن زروعها الحنطة والأرزّ، وكان يرد إلى موانيها وجزرها كثير من المراكب من الهند محملة بالعروض التجارية. وأخبار كثيرة تصور ما كان فيها من رواج وانتعاش اقتصادى، من ذلك ما يروى من أن تجارا غرقت سفينتهم بين جزيرة أوال (البحرين الحالية) والقطيف، وسقط فى الخليج كل ما كان معهم، وعلم بذلك أمير البحرين العيونى الفضل بن عبد الله (500 - 507 هـ) فتقدم إليهم أن يكتب كل تاجر ما كان يحمله وقيمته نقدا، وأعطى كلا منهم ما فقده كاملا، وكان بينهم جوهرى، قال إنه كان يحمل عقودا من اللؤلؤ قيمتها مائة ألف، فأعطاها له. وهى مأثرة جليلة وتدل على حال الإمارة حينئذ، وأنها كانت فى يسر. ولم يكن مثل هذه المأثرة خاصا بأمير البحرين وحده، بل كانت تشمل حكام مدنها، ويروى أنه فى عهد أميرها غرير الذى تولى إمارتها سنة 525 أصابت أهل الأحساء سنة مجدبة، فأمر حاكمها على بن عبد الله العيونى بفتح خزائن الغلال والتمر وأن يأخذ منها الناس كل حسب حاجته، وأمر بحطّ الزكاة والضرائب عنهم، وما زال يوالى فتح خزائنه لهم حتى دارت السنة وأخصبت ديارهم. وكان يحكم القطيف فى نفس الفترة أبو الحسن بن عبد الله بن على، فلجأ إليه سبعون فارسا من قبيلة عبد القيس، فأكرمهم، وأمر لكل منهم بدار وما يلزمها من أمتعة وخدم، سوى إقطاعات مختلفة.

وفى كل البلدان السالفة كانوا يفتنّون فى المطاعم ويكثرون فيها من التوابل وامتازت جميعا بكثرة الأسماك، ويكثر السردين فى حضر موت، ووراءه فى شواطئ الشحر واليمن وعمان والبحرين أنواع سمك لا تكاد تحصى، ويكثر فى الخليج الآمور (الوقار) والرّبيان (الجنبرى). وكانت المرأة تتفنن فى زينتها وثيابها وفيما تتخذ من حلى. وكانوا يحتفلون احتفالات كبيرة بعيدى الفطر والأضحى. وكان الغناء منتشرا وخاصة فى اليمن كما أسلفنا، وكانوا يخرجون للصيد والطرد فى الصحراء من حولهم فرادى وجماعات.

ص: 39