الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلك القرون الكتابة الإخوانية مزدهرة، فالادباء يصوّرون فى رسائلهم الشخصية عواطفهم فى التهادى والاستمناح والثناء والذم والتهانى والعتاب والاستعطاف والتعزية، مظهرين فى هذا المجال براعة فى طرافة التفكير وجمال التعبير، وسنعنى فى الصحف التالية بالحديث عن كتاب الرسائل الديوانية والشخصية، ونقف قليلا عند قابوس بن وشمكير ومحمد بن عبد الجبار العتبى ورشيد الدين الوطواط من كتّاب الدول والإمارات ثم نلمّ بابن العميد واضع طريقة كتابة الرسائل فى العصر وتلميذه الصاحب بن عباد وبديع الزمان وما أنشأ من مقاماته الرائعة.
2 - كتّاب الرسائل
من أهم ما يلاحظ فى مطالع هذا العصر بإيران ازدهار الحياة الأدبية، فإن أصحاب الدول والإمارات الإيرانية تنافسوا فى جمع الأدباء من حولهم، واتخذوا لذلك كل ما استطاعوا من تشجيع مادى مما جعل حواضرهم تتحول إلى مراكز أدبية كبيرة، ولعلنا لم ننس ما مرّ بنا من كثرة الإمارات الفارسية فى القرن الرابع الهجرى، فقد كان السامانيون فى بخارى بخراسان والبويهيون بالرّىّ والزياريون فى طبرستان وجرجان، ولم يلبث الغزنويون أن ظهروا فى هراة بأفغانستان. وكان كل حاكم يسعى إلى أن تحفل عاصمته بكبار الكتاب والشعراء، وكانوا دائما يختارون كاتبا كبيرا ليتولى شئون دواوينهم، وكان بدوره يختار طائفة من الكتاب البلغاء لمعاونته، فلا نعجب إذا نشطت الكتابة حينئذ وكثر الكتاب بإيران كثرة مفرطة. ولم يكن أصحاب الإمارة الكبيرة أو الدولة فقط هم الذين يجذبون الكتاب البلغاء إلى دواوينهم، بل كان أيضا يصنع صنيعهم حكام البلدان والإمارات الصغيرة، ولذلك تعددت مراكز الأدب فى الإمارة الواحدة على نحو ما يرى القارئ للثعالبى فى كتابه اليتيمة، فإنه عرض فى حديثه عن الدولة السامانية وحاضرتها بخارى بخراسان لنيسابور وما كان بها من نشاط أدبى واسع، وبالمثل عرض فى حديثه عن الدولة البويهية وحاضرتها الكبرى فى الرّىّ لأصبهان والجبل وفارس والأهواز.
ولن نستطيع أن نتعقب جميع كتاب الدول والإمارات الإيرانية فى القرن الرابع فضلا عما وراءه من قرون، ولذلك سنكتفى ببعض المشهورين متخذين منهم أمثلة لازدهار كتابة الرسائل الديوانية والإخوانية قبل الغزو المغولى أو التتارى فى القرن السابع الهجرى. وأول من نقف عندهم كتاب الدولة السامانية ومن كبار كتابها العميد والد أبى الفضل بن العميد
كبير كتاب القرن الرابع وعلى بن محمد (1) الإسكافى النيسابورى وأسرة بنى ميكال من أهل نيسابور وفى مقدمتهم أبو الفضل الميكالى الذى ترجمنا له بين شعراء الغزل، ويقتطف الثعالبى فصولا طريفة من رسائله. وأكثر المجلد الرابع من اليتيمة إنما هو فى الترجمة لأدباء بخارى ونيسابور ومن طرأ عليهما من كبار الأدباء مثل بديع الزمان، وسنفرد له حديثا، ومثل أبى بكر الخوارزمى، وقد ترجمنا له فى شعراء الهجاء، وهو أكبر كتاب الرسائل الشخصية أو الإخوانية فى العصر ورسائله مطبوعة، وقد تحدثنا عن فنه الكتابى وبراعته الأدبية فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى النثر العربى» .
ويفيض المجلد الثالث من كتاب اليتيمة فى ذكر كتّاب الدولة البويهية فى الرىّ وأصبهان والجبل وفارس والأهواز وفى مقدمتهم ابن العميد والصاحب بن عباد، وسنخص كلامنهما بحديث، ويشيد الثعالبى بأبى العباس (2) الضبى المتوفى سنة 399 ويقول إنه خليفة الصاحب وجذوة من ناره، ويجرى فى طريقه، ترسما وترسلا. وكان لجرجان وطبرستان حظهما من الكتاب والشعراء، ولعل كاتبا فيهما لم ينبغ نبوغ قابوس بن وشمكير فى الترسل والكتابة، وسنلم به وبكتابته عما قليل. ونلتقى فى الدولة الغزنوية بكثيرين من الكتاب وفى مقدمتهم أبو الفتح البستى، وقد ترجمنا له بين شعراء الحكمة والفلسفة، وكان يعاونه فى الكتابة أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبى، وسنقف عنده بعد قليل. ومن كتّاب الدولة الغزنوية أبو بكر القهستانى الذى ترجمنا له بين شعراء اللهو والمجون وكان على رأس كتّاب الأمير محمد بن محمود الغزنوى. ويذكر الثعالبى فى تتمة اليتيمة بعض أسجاعه فى رسائله.
ومن كتاب هذه الدولة أيضا القاضى أبو أحمد منصور (3) بن محمد الأزدى الهروى المتوفى سنة 440 وأشاد بكتاباته وأشعاره كل من ترجموا له من القدماء.
ونمضى إلى الدولة السلجوقية فى القرن الخامس الهجرى ونجد على رأس كتّابها أول وزير لها عميد الملك منصور بن محمد الكندرىّ المارّ ذكره المتوفى سنة 456 للهجرة وفيه يقول صاحب الدمية: «لعميد الملك الكندرىّ طريقة فى الترسل محمودة، وموافقة فى البلاغة مشهودة» (4) ويذكر نموذجا من كتاباته. ومن كتّاب هذه الدولة أبو الحسن (5) الحسينى
(1) انظر فى الإسكافى اليتيمة 4/ 95 ومعجم الأدباء 14/ 157.
(2)
راجع فى الضبى اليتيمة 3/ 287 ومعجم الأدباء 2/ 105.
(3)
انظر القاضى منصور الهروى فى تتمة اليتيمة 2/ 46 والدمية 2/ 153 والسبكى 5/ 346 ومعجم الأدباء 19/ 191 وبروكلمان 2/ 122.
(4)
راجع الكندرى فى الدمية 2/ 230 وابن خلكان 5/ 138 والشذرات 3/ 301 وابن الأثير فى مواضع متفرقة.
(5)
انظره فى الدمية 2/ 177.