المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - أقاليم ودول وإمارات - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٥

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌القسم الأولالجزيرة العربيّة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - أقاليم ودول وإمارات

- ‌اليمن ودولها

- ‌ حضرموت وظفار وتاريخهما

- ‌عمان وأمراؤها

- ‌البحرين ودولها

- ‌2 - المجتمع

- ‌3 - التشيع

- ‌4 - الخوارج: الإباضية

- ‌5 - الدعوة الوهابية السلفية

- ‌6 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل

- ‌علم الملاحة البحرية

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم الفقه والحديث والتفسير والقراءات والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ القاسم بن هتيمل

- ‌أحمد بن سعيد الخروصىّ الستالىّ

- ‌علىّ بن المقرّب العيونى

- ‌عبد الصمد بن عبد الله باكثير

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌ التهامى

- ‌جعفر الخطّى

- ‌5 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌ نشوان بن سعيد الحميرى

- ‌سليمان النبهانى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الدعوة الإسماعيلية

- ‌ ابن القم

- ‌السلطان الخطّاب

- ‌عمارة اليمنى

- ‌2 - شعراء الدعوة الزيدية

- ‌يحيى بن يوسف النّشو

- ‌موسى بن يحيى بهران

- ‌على بن محمد العنسىّ

- ‌3 - شعراء الخوارج

- ‌أبو إسحق الحضرمىّ

- ‌ابن الهبينى

- ‌4 - شعراء الدعوة الوهابية السلفية

- ‌ محمد بن إسماعيل الحسنى الصنعانى

- ‌ابن مشرف الأحسائى

- ‌5 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌عبد الرحيم البرعى

- ‌عبد الرحمن العيدروس

- ‌الفصل الخامسالنّثر وأنواعه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - رسائل ديوانية

- ‌3 - رسائل شخصية

- ‌4 - مواعظ وخطب دينية

- ‌5 - محاورات ورسائل فكاهية ومقامات

- ‌القسم الثانىالعراق

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - البويهيون والسلاجقة والخلفاء العباسيون

- ‌2 - الدول: المغولية والتركمانية والصفوية والعثمانية

- ‌الدولة المغولية الإيلخانية

- ‌الدولة الصفوية

- ‌الدولة العثمانية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - كثرة الشعراء

- ‌2 - رباعيّات وتعقيدات وموشحات

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ المتنبى

- ‌ سبط ابن التعاويذى

- ‌ صفى الدين الحلى

- ‌4 - شعراء المراثى والهجاء والشكوى

- ‌ السرى الرفاء

- ‌5 - شعراء التشيع

- ‌ الشريف الرضى

- ‌مهيار

- ‌ابن أبى الحديد

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ ابن المعلم

- ‌الحاجرى

- ‌التّلعفرىّ

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ ابن سكرة

- ‌ابن الحجّاج

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌ ابن السّراج البغدادى

- ‌المرتضى الشّهر زورىّ

- ‌الصّرصرىّ

- ‌4 - شعراء الفلسفة والشعر التعليمى

- ‌ ابن الشّبل البغدادى

- ‌ابن الهبّاريّة

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌الأحنف العكبرى

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع النثر:

- ‌2 - كتّاب الرسائل الديوانية

- ‌5 - الحريرى

- ‌القسم الثالثإيران

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - دول متقابلة

- ‌الدولة السامانية

- ‌الدولة البويهيّة

- ‌الدولة الزّياريّة

- ‌الدولة الغزنوية

- ‌2 - دول متعاقبة

- ‌دولة السلاجقة

- ‌الدولة الخوارزمية

- ‌الدولة المغولية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم التفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر العربى على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ على بن عبد العزيز الجرجانى

- ‌الطّغرائىّ

- ‌الأرّجانى

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌5 - شعراء الهجاء والفخر والشكوى

- ‌الأبيوردىّ

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ أبو بكر القهستانى

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف

- ‌ عبد الكريم القشيرى

- ‌ يحيى السهروردى

- ‌4 - شعراء الحكمة والفلسفة

- ‌ أبو الفضل السكرى المروزى

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌أبو دلف الخزرجى: مسعر بن مهلهل

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - كتّاب الرسائل

- ‌قابوس بن وشمكير

- ‌رشيد الدين الوطواط

- ‌3 - ابن العميد

- ‌خاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌1 - أقاليم ودول وإمارات

‌الفصل الأوّل

السياسة والمجتمع

‌1 - أقاليم ودول وإمارات

تتعدد الأقاليم فى الجزيرة العربية لاتساع رقعتها، ففى الغرب إقليم الحجاز بمدنه وسلسلة جباله المسماة بالسّراة الممتدة من الشمال إلى الجنوب، مشرفة غربا على منطقة ساحلية رملية ضيقة، هى تهامة التى تفصل بينها وبين بحر القلزم (البحر الأحمر) ومشرفة شرقا على هضبة نجد الفسيحة التى تظل تنحدر نحو الشرق، حتى تصاقب أرض العروض: اليمامة والبحرين، وتظل تنبطح شمالا فى إقليم القصيم حتى جبلى أجأ وسلمى، وتلتقى بصحراء النفود الممتدة من تيماء إلى الشرق، حتى إذا قربت من العراق بسطت ذراعا لها نحو الجنوب تسمى الدهناء أو رملة عالج، وتستدير حول اليمامة منبطحة فى الربع الخالى، وهو صحراء مجدبة تفصل بين اليمامة ونجد من جهة وبين حضرموت وظفار وعمان من جهة ثانية، وما تلبث أن تتصل بصحراء الأحقاف التى تفصل بين اليمن وبين نجد والحجاز.

وتستقل اليمن بالزاوية الجنوبية الغربية من الجزيرة، وتتوسط حضرموت ومعها ظفار بينها وبين عمان التى تشرف على المحيط الهندى من جهة وعلى الخليج العربى من جهة ثانية، وكانت تشمل قديما طائفة من الإمارات القائمة الآن على الخليج، وهى رأس الخيمة والشارقة ودبىّ وأبو ظبى. وشمالىّ هذه الإمارات البحرين، وكانت تشمل إمارة قطر الحالية وإمارة الكويت الحديثة، وكذلك الأحساء. والأقاليم الأساسية فى الجزيرة العربية لهذا العصر الممتد من سنة 334 للهجرة إلى العصر الحديث هى الحجاز ونجد واليمن وحضرموت وعمان والبحرين، وسنخص كل إقليم بطرف من الحديث عن دوله وإماراته.

ص: 11

الحجاز (1) وإماراته

كانت فى الحجاز لهذا العصر إمارتان: إمارة مكة وكانت تتبعها قرى الطائف وجدة وبطن نخل وعسفان ومرّ الظّهران. وإمارة المدينة وكانت تتبعها قرى خيبر وفدك وينبع والفرع ووادى القرى ومدين. وكانت إمارة مكة للحسنيين من أحفاد الحسن بن على بن أبى طالب فى حين كانت إمارة المدينة للحسينيين من أحفاد الحسين بن على بن أبي طالب.

وكان الأولون يعتنقون المذهب الزيدى الشيعى، بينما كان الثانون يعتنقون المذهب الإسماعيلى على الأقل فى عصر الدولة الفاطمية. وكان لإمارة مكة المكانة الأولى، إذ كان المسلمون-ولا يزالون-يؤمونها سنويا من بقاع الأرض قاصيها ودانيها لأداء فريضة الحج، وكان من يدعى له من الخلفاء على منابرها سواء الخلفاء العباسيون أو الفاطميون يعد نفسه خليفة المسلمين قاطبة.

وأول أسرة حسنية حكمت مكة لهذا العصر هى أسرة بنى سليمان أو بنى موسى، وكان أول من حكمها منهم جعفر بن محمد بن الحسين لسنة 356 فقد غلب عليها عقب وفاة كافور الإخشيدى، وراسله الخليفة المعز الفاطمى كى يقيم باسمه الخطبة فى موسم الحج، فأبى، مما جعله يجهّز له عسكرا لحربه سنة 360 وساعد العسكر بنو الحسين أمراء المدينة، واستولوا على مكة فترة قليلة عادت بعدها إلى جعفر. وتولى بعده ابنه عيسى سنة 370 فأذعن للعزيز الفاطمى، وأقام الخطبة باسمه، وظلت تقام باسم الفاطميين مدة متطاولة، وكانوا يرسلون لمكة وأميرها بالميرة، ومضت تدين لهم بالولاء بعد وفاة عيسى وولاية أخيه أبى الفتوح الحسن بن جعفر سنة 384 وهو أهم أمراء الأسرة، وقد حاول أتباع الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمى أن يحملوه على أن يقرأ سجلا فى المسجد الحرام بالبراءة من أبى بكر وعمر وسبّ بعض الصحابة وبعض أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، فرفض ذلك وقطع

(1) انظر فى أمراء مكة والمدينة تاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن خلدون (طبعة بولاق) الجزء الرابع والفاسى فى كتابيه: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (طبع دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة) والعقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (طبع القاهرة) وصبح الأعشى للقلقشندى فى مواضع متفرقة والدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لابن حجر والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى (طبع دار الكتب المصرية) ومعجم البلدان لياقوت فى مكة والمدينة ووفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودى (طبع مطبعة المؤيد) وخلاصة الكلام فى أمراء البيت الحرام لابن زينى دحلان وماضى الحجاز وحاضره للشيخ حسين محمد نصيف وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة ومقدمة تاريخ العرب الحديث-الجزء الأول-للدكتور عبد الكريم غرايبة ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة لزامباور (الترجمة العربية-طبع القاهرة).

ص: 12

صلته بمصر. ودفعه-فيما بعد-أبو القاسم المغربى حين فرّ من مصر على أن يطلب الخلافة لنفسه، فخطب باسمه، وتلقب بالراشد بالله، وسار إلى مدينة الرملة بفلسطين، وعاهده أميرها وأمير طيئ حسان بن مفرّج على نصرته. وعلم بذلك الحاكم فأرسل إلى ابن مفرّج بالأموال، فنفض يده من أبى الفتوح وأسلمه إلى المصريين، وفرّ أبو القاسم المغربى إلى العراق. واضطرّ أبو الفتوح أن يعلن طاعته للحاكم، فعفا عنه وعاد إلى إمارته. وحدث بعد عودته فى سنة 413 أن ضرب رجل من شيعة الفاطميين فى أثناء الحج الحجر الأسود بدبوس، فصدعه وهو يقول: إلى متى تعبد؟ إلى كم تقبّل؟ وبادر الناس إليه فقتلوه هو ونفرا من أصحابه. وما زال أبو الفتوح يلى مكة حتى سنة 430 وخلفه ابنه شكر على إمارته، وأضاف إليها المدينة لمدة ثلاث وعشرين سنة كان يجمع فيها بين الحرمين إلى أن توفى سنة 453 وكان فارسا وأديبا شاعرا، وله قصة ترويها كتب التاريخ عن زواجه من جارية هلالية تسمى الجازية، وهى نواة قصص أبى زيد الهلالى. وبشكر انقرضت سلالته وحكمها فى مكة إذ لم يعقب ولدا، وصار أمرها بعده إلى عبد له، غير أن فرعا من الأسرة الحسنية من بنى هاشم أو الهواشم تغلب على هذا العبد واضطر بنى سليمان إلى الهجرة من مكة إلى شمالىّ اليمن، فأسسوا لهم إمارة هناك فى المخلاف السليمانى المنسوب إليهم. وكان أحد الهاشميين، وهو محمد بن جعفر قد تولى أمر مكة بمساعدة الصّليحى أمير اليمن سنة 454 ويقول المؤرخون إنه كان تارة يجعل الخطبة فى الموسم باسم الخلفاء الفاطميين وتارة باسم الخلفاء العباسيين، تبعا لما كان يغدق عليه من أموال وفيرة من بغداد أو القاهرة، إذ كان كل من الجانبين يكثر من إرسال الميرة والأموال إليه. واستطاع أن يجمع فى ظل حكمه الحرمين وأن تكون له الإمارة على مكة والمدينة وقراهما، وبذلك اجتمع له الحجاز. وولى بعده ابنه القاسم سنة 487 حتى سنة 518 وكانت الخطبة فى عهده تارة تكون باسم الفاطميين، وتارة باسم العباسيين. ويخلفه ابنه أبو فليتة، فيجعل الخطبة باسم العباسيين حتى وفاته سنة 527. واتصلت الخطبة باسم بنى العباس فى عهد ابنه القاسم حتى قتل سنة 556. وخلفه ابنه عيسى، وفى عهده انتهت دولة الفاطميين وحكم مصر صلاح الدين واستولى على الحجاز ومدينتيه: مكة والمدينة، ثم استولى على اليمن. ويظل أبناء عيسى يلون مكة، فيخلفه ابنه داود سنة 570 وفى عهده يبطل صلاح الدين المكوس التى كانت تؤخذ من الحجاج بجدة، ويعوّضه عنها فى كل سنة ثمانية آلاف أردب قمحا، ويرسل صلاح الدين مثل ذلك إلى أهل الحرمين. ويدخل سيف الدين طغتكين الأيوبى مكة سنة 582 ويبطل فيها الأذان بحىّ على خير العمل، عملا بأذان أهل السنة أو الجماعة.

ص: 13

ويخلف داود أخوه مكثر سنة 584 ثم ابن أخيه المنصور بن داود. ومنه انتزع مكة قتادة الحسنى سنة 597 وظلت إمارتها فى أبنائه إلى العصر الحديث.

وقد استطاع قتادة أن يضم تحت جناح إمارته المدينة والحجاز جميعه، وكان يخطب للسلطان العادل بن أيوب بعد الخليفة الناصر، وللكامل بن العادل سلطان مصر بعد أبيه، وكان يؤذن فى الحرم بحىّ على خير العمل على قاعدة الإسماعيلية كما يقول صاحب النجوم الزاهرة، وأيضا على قاعدة الزيدية من آبائه. وخلفه ابنه الحسن سنة 617 ونشبت الحرب بينه وبين مسعود الأيوبى أمير اليمن سنة 620 واستولى منه مسعود على مكة والحجاز، وولّى عليهما على بن رسول ثم طغتكين التركى. وعادت مكة إلى بنى قتادة، ووليها راجح ابن قتادة سنة 626 وظلت تتنقل بينه وبين أخيه على وجماز ابن أخيه الحسن ثم ابنه راجح حتى سنة 652. وفى كل هذه الفترة كان أمراء مكة يولّون من قبل العباسيين حتى انقراض دولتهم سنة 656. وكانت مصر بعد ذلك فى عهد السلاطين المماليك هى التى توليهم، وكانوا يعيّنون بجانبهم حكاما لحماية الحجاج وتنفيذ الأوامر السلطانية. ومن أهم أمراء الأسرة أبو نمىّ الأول الذى ولى مكة سنة 652 وثبّته عليها السلطان بيبرس، وظل يلى شئونها خمسين عاما، ويقول صاحب النجوم الزاهرة: كان يقال لولا أنه زيدى النحلة لصلح للخلافة لحسن صفاته. وروى له الفاسى بترجمته فى كتابه العقد الثمين يمينا أقسمه للسلطان قلاوون صاحب مصر أشبه بعهد موثّق: أن يحمى الحجاج ويؤمّنهم، وأن يظل على طاعته وطاعة ابنه الصالح. وكان شاعرا جوادا، ومدحه شعراء كثيرون فى مقدمتهم الحنديدى.

ويخلفه فى سنة 701 ولداه: رميثة وعطيفة، ويرسل السلطان الناصر بن قلاوون إلى مكة فى سنة 702 عشرة آلاف أردب قمحا تفرّق فى أهلها. ويستقل رميثة بمكة سنة 715 ويقبض عليه فى سنة 718 ويرسل إلى مصر، ويتولاّها أخوه حميضة. وتردّ مكة إلى رميثة. ويبلغ الناصر فى سنة 731 أنه يجهر بمذهب الزيدية، فينكر ذلك عليه، ويرسل إليه عسكرا. ويحج السلطان سنة 732 ويأمر بأن يشترك معه أخوه عطيفة فى الإمارة، حتى إذا كانت سنة 738 انفرد بها ثانية رميثة حتى سنة 744 إذ ترك الإمارة لولديه: ثقبة وعجلان. ويتوفى سنة 746 ويتأمّر الأخوان على مكة، ويجعلها المصريون لعجلان إذ كان ثقبة يعلن نصرته لمذهب الزيدية وأقام له خطيبا زيديا يخطب الناس أيام الحج، وقبض عليه المصريون ولكنه فر من سجنهم، وعاد إلى شغبه مع أخيه عجلان حتى توفى سنة 762 فخلص الأمر لعجلان. وكان بخلاف آبائه يحب أهل السنة، وينصرهم على الشيعة الزيدية وغيرهم، وكانت مصر ترسل إليه بالميرة وبالمحمل على العادة. وكان

ص: 14

ممدّحا، مدحه النّشو شاعر مكة وغيره، وأشرك معه ابنه أحمد فى الحكم، وما زال يلى الإمارة حتى توفى سنة 777 وخلفه ابنه أحمد حتى توفى سنة 788. ووليها بعده أخوه على وشركه فى الإمرة أخوه مغامس لمدة سنتين، وما زال عليها حتى توفى سنة 797 فخلفه أخوه الحسن حتى وفاته سنة 829. ويتولاها بعده ابنه بركات حتى سنة 859 ويخلفه ابنه محمد حتى سنة 903 فتصير لابنه بركات، وأهم منه ابنه أبو نمىّ الثانى الذى سافر إلى مصر عقب استيلاء السلطان العثمانى سليم الأول عليها سنة 922 ليعلن تسليم الحرمين إليه.

وكانت إمارة مكة فى العهد العثمانى تتبع ولاية مصر والخلافة العثمانية، ووليتها ثلاث أسر من أبناء نمىّ: أسرة بركات، ثم أسرة زيد، ثم أسرة عون. وظلت الولاية فى الأسرة الأولى أكثر من مائة عام، ثم نافستها أسرة زيد فى القرن الحادى عشر وظلت الإمارة تنتقل من بركاتى إلى زيدى حتى استقل بها بنو زيد، وظلوا يلونها إلى زمن فتح محمد على للحجاز فى عام 1227 هـ/1812 م ويعين إبراهيم باشا قائد الجيش المصرى الشريف محمد بن عون عليه. وبذلك تنتقل الإمارة والحكم فيه إلى الأسرة الثالثة من أبناء أبى نمىّ، ونقصد أسرة عون. وحين انسحب جيش محمد على من الحجاز سنة 1840 عينت الدولة العثمانية عليه واليا لها، واستبقت الشريف محمد بن عون، فكانت السلطة ثنائية بينه وبين الوالى العثمانى، حتى وفاته سنة 1274 هـ/1857 م. وما زالت الإمارة فى أبنائه حتى استخلصها سعود الثانى من حسين بن على آخرهم لا فى هذا العصر، وإنما فى العصر الحديث.

وكانت إمارة المدينة أقل شأنا من إمارة مكة، وكانت الرياسة فيها لبنى المهنّا أحفاد الحسين، ويروى أن أحدهم وهو الحسن بن طاهر رحل إلى الإخشيد بمصر، فأكرمه وأقطعه ما يغلّ كل سنة مائة ألف دينار، وتوفى سنة 329 وانعقدت مودة وثيقة بين ابنه مسلم وكافور، ويقال إن مسلما كان يدعو للمعز صاحب إفريقية وفى هذا ما يشير إلى أن هذه الأسرة كانت إسماعيلية الهوى، ويقال أيضا إنه دخل مصر فطلب منه كافور ابنته لأحد أبنائه، فردّه، فحنق عليه ونكبه، وهرب ابنه طاهر إلى المدينة، فأمّره الحسينيون هناك عليهم، واستقلّ بها حتى سنة 381 وخلفه عليها ابنه الحسن، واختلف المؤرخون هل الأمراء بعده من سلالته أو هم من سلالة ابن عمه داود بن القاسم الذى يقال إنه وليها بعده. ويذكر بعض المؤرخين أن الحاكم بأمر الله الفاطمى أمر الحسن بن جعفر السليمانى أمير مكة بالإغارة على المدينة سنة 390 فأغار عليها وأزال عنها إمارة بنى المهنا، غير أنها لم تلبث أن عادت إليهم، وظلت فى أيديهم إلا فترات قليلة كانت تتبع فيها إمارة مكة.

ص: 15

وكانت الأسرة كما أسلفنا إسماعيلية، وكان الفاطميون يولون أبناءها على المدينة، الواحد تلو الآخر، إذ كانوا من شيعتهم. ومن أهمهم منظور بن عمارة المتوفى سنة 495. وتنتهى الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين وتدخل الحجاز فى طاعته، ويبقى على بنى مهنا أمراء للمدينة وكانوا يتولون إمارتها فى العهد الأيوبى من قبل الخلفاء العباسيين، ومن أشهرهم حينئذ أبو فليته الذى حضر مع صلاح الدين فتح أنطاكية سنة 584 وولى بعده ابنه سالم، وكان شاعرا، وكانت بينه وبين قتادة شريف مكة موقعة بذى الحليفة بالقرب من المدينة سنة 601 هزم فيها قتادة، وفى ذلك يقول ملتاعا:

مصارع آل المصطفى عدن مثلما

بدان ولكن صرن بين الأقارب

ويقال إن سالما حضر إلى مصر فى سنة 610 للشكوى من قتادة، ومات فى طريق عودته قبل وصوله إلى المدينة، وولى بعده ابنه شيحة وظل على المدينة حتى قتل سنة 647 وخلفه ابنه عيسى، وقبض عليه أخوه جمّاز سنة 649 وملك مكانه، وهو الذى ظلت الإمرة بعده فى بيته، وطال عمره حتى سنة 704 وعمى فى آخر أيامه، وقدم مصر سنة 692 فأكرمه سلطانها خليل وعظمه، وقبل شفاعته فى أمير ينبع وفى أبى نمى أمير مكة وكان قد غاب عن لقاء الركب المصرى. وخلفه ابنه منصور، ووفد أخوه مقبل على الظاهر بيبرس (هكذا فى ابن خلدون وصبح الأعشى وهو المظفر بيبرس الجاشنكير) فأشرك بينهما فى الإمرة وفيما عيّنه من إقطاع لأمير المدينة، وغاب منصور عن المدينة لأمر واستخلف ابنه كبيشة، فملكها مقبل من يده، ولحق كبيشة بأحياء العرب، فنصروه على عمه وسقط قتيلا سنة 709 ورجع منصور إلى إمارته، وظل بها حتى توفى سنة 725.

ويكثر الخلاف بين أفراد هذه الأسرة وما يكاد يتولاها شخص منهم حتى ينقضّ عليه آخر.

ويكفى أن نذكر ممن تولوا إمارتها حتى نهاية القرن الثامن على الترتيب كبيشة بن منصور، وودّى بن جماز وطفيل بن منصور وسيف وفضل ومانع من عقب جماز، ثم جماز بن منصور وهبة ابنه، وهبة آخر من عقب ودّى وعطيفة بن منصور بن جماز وهبة بن جماز وجماز بن هبة بن جماز ونعير بن منصور وثابت بن نعير. وكثيرا ما كان يثب على الإمارة أحد هؤلاء الأربعة عشر واليا حتى سنة 799. ووراء هؤلاء أسماء أمراء للمدينة آخرين مثل محمد بن عطيفة المتوفى سنة 788 وهبازع بن هبة الله المتوفى بالسجن فى الإسكندرية سنة 789. وحقّا كانت تتبع المماليك وكانوا هم الذين يولون عليها الأمراء، ولكن الأمر أفلت من أيديهم إزاء هذا الصراع الحاد، فما يكادون يولون شخصا حتى تقيم الأسرة شخصا آخر وتطلب توليته، ويفزع إلى القاهرة كى تخلع عليه وتنصبه أميرا. على كل حال

ص: 16

ساء الحكم فى هذه الإمارة منذ القرن الثامن الهجرى، وكلما قطعنا شوطا فى الزمن اشتد سوءه، حتى لنرى أحد أمرائها من أحفاد نعير المسمى الحسن بن الزبير يعتدى فى يوم الثلاثاء السادس من ربيع الأول سنة 901 على حراس الحرم النبوى وينهب ما فى الحجرة النبوية الطاهرة من تحف ونفائس. وتتدهور الإمارة منذ هذا التاريخ وتدخل مع الحجاز فى حكم الدولة العثمانية، وتظل لهذا البيت الحسينى عليها إمارة اسمية. ويؤكد ابن خلدون والقلقشندى أنهم كانوا على مذهب الإمامية الرافضة، بينما كان أمراء مكة زيدية. ومرّ بنا أن أمراء المدينة كانوا إسماعيلية، ويبدو أنهم اعتنقوا المذهب الإسماعيلى فى العهد الفاطمى حتى إذا انقضت الدولة الفاطمية تحوّلوا فيما بعد إمامية اثنى عشرية.

نجد وقبائلها وشيوخها (1) وإماراتها.

ظلت نجد تعيش حياتها الرعوية وتنتشر فيها قبائلها الباقية بعد من هاجر منهم فى عصر الفتوح، ولا نكاد نعرف شيئا واضحا عن هذه القبائل منذ أوائل هذا العصر الممتد من سنة 334 للهجرة إلى العصر الحديث إلا ما يتصل برحلات هذه القبائل إلى الشرق وما كوّنته هناك من إمارات، وكذلك ما يتصل برحلاتها إلى الغرب وقد مضت تتغلغل فيه متجاوزة مصر إلى بلاد المغرب، وأيضا ما يتصل بقبيلة طيئ التى كانت تحتل منطقة جبلى أجأ وسلمى وتنتشر فى بوادى الشام والعراق، وقد جعلتها مواطنها فى هذه الأنحاء تتصل بدول العراق ومصر والشام.

ولعل أول ما نقرؤه من أخبار عن تحركات القبائل النجدية فى هذا العصر يتصل ببنى هلال بن عامر وأبناء عمومتهم عقيل وربيعة، وكذلك ببنى سليم. وكان العامريون ينزلون فى جبل غزوان، بينما كان بنو سليم ينزلون شرقى المدينة، وكانوا جميعا يطوفون بأطراف الجزيرة فى العراق والشام ويغيرون على القرى هناك، وكان بنو سليم يغيرون أحيانا على الحجاج فى مواسم الحج، وكانت البعوث تجهّز لهم من بغداد للإيقاع بهم. ولما ظهر القرامطة بالبحرين تحيّز كثيرون من العامريين وبنى سليم إليهم، وصاروا جندا لهم فى البحرين وعمان، وحين أغار الأعصم القرمطى سنة 360 على الشام، وهزمته جيوش

(1) انظر ابن خلدون وتاريخ ابن الأثير والمختصر فى أخبار البشر لأبى الفدا والجزء الرابع من صبح الأعشى وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسى والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى فى مواضع متفرقة والخريدة للعماد الأصبهانى وابن خلكان فى أمراء بنى عقيل وبنى أسد وروضة الأفكار لحسين بن غنام وعنوان المجد فى تاريخ نجد لابن بشر وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة ومقدمة تاريخ العرب الحديث-الجزء الأول (1500 - 1918 م) للدكتور عبد الكريم غرايبة.

ص: 17

الفاطميين نقل الخليفة الفاطمى العزيز جنده من بنى هلال وبنى سليم إلى صعيد مصر، وبعث بهم المستنصر بعده إلى المغرب، فخربوا مدن تونس وملكت سليم شرقى البلاد وبنو هلال غربيها. وكان قد انضم إلى الأعصم فى حربه للفاطميين شيخ طيئ: حسان بن الجراح، حتى إذا انهزم الأعصم دنا من العزيز وأكرمه، وتظل لبنى الجراح رياستهم لطيئ وعرب بادية الشام طوال العهد الفاطمى، ويتوفى حسان سنة 367 ويخلفه أخوه دغفل المفرج ويستولى على الرملة بفلسطين، ويتولى زعامة طئ بعده ابنه حسان سنة 404 وكان يعين الفاطميين فى حروبهم واستولى على عسقلان سنة 414 وعلى أفاميه سنة 422 ولا نجد له ذكرا بعد سنة 433 ومن أهم شيوخ بيته بعده فضل بن ربيعة حليف قرواش صاحب الموصل.

وإذا اتجهنا إلى الشرق وجدنا بنى خفاجة من عقيل بن عامر وقد توغلوا نحو اليمامة، وزحزحتهم فتنة القرامطة صوب حدود العراق، فملكوا ضواحيه، وأصبحوا سادة الكوفة فى ظل أميرهم عليان بن ثمال الخفاجى الذى أسس هناك إمارة بنى ثمال سنة 374 للهجرة وخلفه فيها أبناؤه، ونظل نسمع عن غاراتهم مع أبناء عمومتهم بنى المنتفق بن عامر بن عقيل طوال القرن الخامس الهجرى وحتى منتصف القرن السادس إذ كانوا يغيرون على الأنبار والعراق إغارات متصلة، وكانوا لا يزالون ينزلون فى هذه الأنحاء فى بطائح البصرة وواسط حتى عصر ابن خلدون متنقلين بخيامهم من مكان إلى مكان.

ونزحت قبائل وعشائر كثيرة لبنى عقيل بن عامر إلى الموصل فى الشمال الشرقى من الجزيرة واستطاعوا أن يقيموا لأنفسهم فيها إمارة كان أول أمرائها ومؤسسها أبا الزّهّار محمد ابن المسيب العقيلى الذى تغلب على الموصل سنة 380 وخلفه أخوه المقلّد العقيلى الذى اتسعت مملكته، وقد حارب بنى خفاجة واضطرهم إلى الدخول فى طاعته، وكان شاعرا ومحبّا لأهل الأدب وقتله أحد مماليكه الأتراك غيلة سنة 391 ورثاه الشريف الرضى بقصيدتين وجماعة من الشعراء. وخلفه ابنه قرواش، وكان يمد سلطانه على الموصل جميعه والكوفة والمدائن وسقى الفرات، وأدّب بنى خفاجة مرارا، وكان كريما وهابا نهابا، كما كان شاعرا مجيدا. ودامت إمارته نحو خمسين سنة حتى قبض عليه أخوه بركة وحبسه فى إحدى قلاع الموصل سنة 441 وتولى مكانه. وتوفى بعد سنتين، فخلفه ابن أخ له يسمى قريش بن بدران، وكان أول ما فعله قتل عمه قرواش وتوفى سنة 453 فخلفه ابنه مسلم إلى أن قتل سنة 478 وكان حسن السيرة عادلا، كما كان ممدّحا، مدحه ابن حيّوس شاعر

ص: 18

الشام وغيره، ولا نكاد نصل إلى نهاية القرن الخامس الهجرى حتى ينحسر ملك بنى عقيل ابن عامر عن الموصل ويعودوا إلى البادية أو البوادى، ويقول ابن خلدون إنهم كانوا لعصره فى الآجام بين البصرة والكوفة المعروفة باسم البطائح.

وإمارة ثالثة للبدو على حدود العراق أقاموها فى أوائل القرن الخامس أقامها بنو أسد فى أنحاء الحلّة، وكان أول من تصدى منهم لذلك على بن مزيد المتوفى سنة 408 وخلفه ابنه نور الدولة دبيس، ويحالف بنى خفاجة على حرب قرواش العقيلى ويحرقان الأنبار انتقاما منه. وينعقد صلح بين قرواش ودبيس ويهزمان جموعا للغزّ ويمدح ابن الشبل البغدادى قرواشا بهذا النصر المبين. وكان دبيس وأهل بيته وسائر أعماله شيعة، مثله فى ذلك مثل قرواش. ويمتد حكمه إلى سنة 474 وكان يكتب بين يديه على بن أفلح الكاتب المشهور، ويخلفه ابنه منصور بهاء الدولة، ويفتكّ أسرى بنى عقيل حين استولى العسكر السلطانى على حللهم ويجهزهم ويردهم إلى ديارهم، وقد تغنى الشعراء بهذه المأثرة طويلا وما يلبث أن يتوفى سنة 479 مخلفا ذكرى طيبة، غير شعر جيد كان ينظمه. وخلفه ابنه سيف الدولة صدقة، وكان ذا بأس وسطوة، وكان يقال له ملك العرب. وكان يسكن هو وآباؤه قبله فى البيوت العربية (الخيام) فبنى الحلّة سنة 495 وسكنها، وله قدّم ابن الهبّارية كتاب الصادح والباغم، وتوفى سنة 501 وخلفه ابنه دبيس وكان أديبا وجوادا كريما، وهو الذى عناه الحريرى بقوله فى إحدى مقاماته-وهى المقامة العمانية-والناس محيطون بأبى زيد يثنون عليه ويقبلون يديه حتى:«خيّل إلىّ أنه القرنىّ أويس (واعظ أموى) أو الأسدى دبيس» وقد اشترك فى مؤامرات كثيرة ضد السلاجقة والخليفة المسترشد، مما دفع السلطان مسعودا السلجوقى إلى العمل على اغتياله سنة 529. وولى بعده ابنه صدقة، وسرعان ما ضعفت الأسرة، وزايلت الحلة، وعادت مع قومها إلى الحياة البدوية. ولا نعود نسمع بعد ذلك بإمارات عربية على الحدود العراقية الغربية.

ونولّى وجوهنا فى العصرين الأيوبى والمملوكى نحو بوادى الشام ومنازل طيئ فى جبل شمّر أو جبلى أجأ وسلمى، ويذكر المؤرخون فخذين كبيرين من آل ربيعة الطائيين كانا يقومان على أحياء العرب فى بوادى الشام والعراق، وهما آل فضل وآل مرا، وكانت منازل الأخيرين بوادى حوران، وكانوا يسقطون منها جنوبا فى الصحراء ويوغلون حتى تصبح مكة المعظمة وراء ظهورهم، وأهم شعبهم آل أحمد بن حجّى المتوفى سنة 682 وكان صاحب المدينة الحسينى يؤدى له الخفر وكذلك أطراف الحجاز، وكانت له منزلة عالية عند الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون. ويقول صاحب صبح الأعشى: آل مرا أبطال

ص: 19

مناجيد، ورجال صناديد، وكثيرا ما يتحاربون مع أبناء عمهم فضل. ويروى القلقشندى عن الشهاب محمود الحلبى أنه حين غزا التتار الشام فى أيامه وكان بحمص أقبل من أهل مرا زهاء أربعة آلاف فارس شاكين السلاح على الخيل المسوّمة والجياد المطهّمة مقلدين بالسيوف وفى أيديهم الرماح ومعهم الظعائن والحمول ومعهم مغنية تعرف بالحضرمية طائرة السمعة سافرة فى الهودج تغنى أبياتا حماسية.

وكانت ديار آل فضل الفخذ الكبير الثانى من طيئ تمتد من حمص إلى أطراف العراق وتهبط يسارا إلى البصرة وتستدير نحو منازل بنى تميم واليمامة، وتشمل منازل غطفان مما يلى وادى القرى، كما تشمل منازل بنى أسد، وكان ينضم إليهم لفيف من قبائل العرب: من مذحج وعامر وزبيد وغيرهم. وكان شيوخ هذا الفخذ يولّون على إمرة العرب بتقليد من السلطان، وأول من استن ذلك السلطان العادل بن أيوب، إذ أقام على العرب أميرا منهم هو حديثة بن عقبة بن فضل، وخلفه عيسى بن محمد ثم مانع بن حديثة المتوفى سنة 630 وخلفه مهنا الذى حضر مع المظفر قطز قتال التتار فى عين جالوت. وولّى بعده الظاهر بيبرس ابنه عيسى. وكانت العادة السلطانية أن يكتب لمن يولّى تقليد شريف بذلك، ويلبس تشريفا أطلس أسوة بالنواب إن كان حاضرا ويجهّز إليه إن كان غائبا، وتصدّر إليه المكاتبات من الأبواب الشريفة، وبالمثل كانوا يولون الأمراء على آل مرا.

وكانوا يوفّرون لهم الإقطاعات لحفظ السابلة وقوافل الحجاج وظل عيسى أميرا على العرب وآل فضل حتى سنة 684 وخلفه لعهد المنصور قلاوون ابنه المهنا، وفى الجزء الثانى عشر من صبح الأعشى مرسوم شريف بإمرته. ويخلفه فى سنة 712 فضل أخوه، ويقال إن ابنه حجّ فى اثنى عشر ألف راحلة، وظلت الإمارة فى طيئ طويلا.

ونسمع فى داخل نجد عن إمارات كثيرة بأنحائها وقراها المختلفة فى اليمامة والعارض والوشم والقصيم يتنافس فيها الإخوة وأبناء العم، ومن أهم تلك الإمارات إمارة الدّرعية التى تأسست فى منتصف القرن التاسع الهجرى ولا نمضى طويلا فى القرن الثانى عشر حتى نرى أميرها سعودا يضم الواحات الصغيرة المجاورة لها تحت لوائه، وتوفى سنة 1137 هـ/ 1725 م. وخلفه ابنه محمد، وهو الذى تآزر مع محمد بن عبد الوهاب فى سنة 1158 هـ/1745 م على نشر العقيدة السلفية وقمع البدع، وأخذا يتعاونان فى ذلك حتى دان له أكثر نجد. وتوفى سنة 1179 هـ/1765 م، وخلفه ابنه عبد العزيز ومضى فى نشر الدعوة بإقليم القصيم ووادى السرحان، وفتح بلدة الرياض. ولم يلبث أن قتل بيد شيعى سنة 1218 هـ/1803 م وولى بعده ابنه سعود، وقد استطاع أن يمد لواء

ص: 20