الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشعاره بل قد يغنون له بعض مدائحه بما يتقدمها من غزل ونسيب وما تذيع من ثناء ومديح.
وله مراث لزوجته وبعض أهله تفيض بالأسى واللوعة الممضة كقوله فى أخ وأخت له ماتا فى أسبوع واحد:
مضت ما ابيضّت الضّفرات منها
…
ومات وما بدا شعر العذار
فأيّهما على الخلوات أبكى
…
أبدر التّمّ أم شمس النهار
وفى الحق أن ابن هتيمل كان شاعرا مجيدا سواء فى مراثيه أو فى غزله ونسيبه أو فى مدائحه، وهو فى المدائح يسجل أحداث عصره وما كان فيه من وقائع حربية، وخاصة حروب السلطان المظفر، مما جعل الخزرجى ينشد كثيرا من أشعاره فى العقود اللؤلؤية.
أحمد بن سعيد الخروصىّ الستالىّ
(1)
عمانى من وادى خروص، ومن قرية منه تسمى ستال، وفيها ولد سنة 584 وبها نشأ وتلقن الشعر واللغة والنحو والبلاغة وفى هذا دليل واضح على ما نقول من أن الثقافة العربية كانت منتشرة فى كل ركن من أركان الجزيرة، بل فى كل قرية، ومثلها الثقافة الإسلامية، فقد كان الناشئة يبدءون بحفظ القرآن، ويقعدون فى حلقات بعض الشيوخ لسماع العظات وشئ من التفسير للذكر الحكيم وبعض الأحاديث النبوية. ولما شب الستالى عن الطوق غادر قريته إلى عمان، وأخذ فيها ينهل من موارد العلم والعلماء فى عصره. وحين أنس من نفسه تدبيج المدائح قصد بها حكام عمان السنيين من بنى نبهان، ويسجل شعره كثيرا من أحداث زمنه، وخاصة ما كان بين بنى نبهان وبين الفرس من حروب، فقد كانوا يكثرون من الإغارة على ديارهم، غير أنهم كانوا يعودون دائما مدحورين على نحو ما يصور ذلك الستالى فى مديحه للأمير النبهانى كهلان سنة 650 وكذلك فى مديحه للأمير النبهانى عمر بن نبهان بن عمر بن محمد بن عمر بن نبهان سنة 674 وهو وأبوه نبهان وعمه أبو القاسم على وكذلك عمه محمد تتردد أسماؤهم فى مدائحه ومراثيه فى الديوان، من ذلك قوله فى أبى القاسم على مادحا ومهنئا بالعيد:
أبا القاسم الميمون أوتيت فى الدّنى
…
من الفضل ما لم يؤت عجم ولا عرب (2)
لك الشّيم الغرّاء والهمم العلا
…
وأنت السّنان الصّدق والمرهف العضب (3)
أبا القاسم اسلم وابق للمجد وادعا
…
وحلّ بشانيك المخافة والرّعب
(1) انظره فى تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان لنور الدين السالمى 1/ 303 وراجع مقدمة ديوانه.
(2)
الدّنى: جمع دنيا.
(3)
المرهف: السيف. العضب: القاطع.
وعيّد سعيدا فى علاء ورفعة
…
وطول يد مالاحت السّبعة الشّهب (1)
وواضح أن صوت الشاعر يحمل غير قليل من الجزالة والرصانة، وفيه استواء وتناسق وما يدل على أن الشاعر كان يحكم كلمه ويصوغها صياغة جيدة دون أى نبوّ والتواء، وله يمدح نبهان بن عمر من قصيدة طويلة:
أنبهان إنك من عصبة
…
نماها إلى المجد قحطانها
هم العين فى يعرب كلّها
…
وأنت من العين إنسانها
إذا طلبت مكرمات العلا
…
بدا فى جبينك عنوانها
فعشت وبلّغت من سيّد
…
مناك وسرّك لقيانها
ولا زال يغدوك فى نعمة
…
شباب الحياة وريعانها
والأبيات تصافح الآذان فى خفة، وهى تموج بالحركة، وكأنما أعدّها لكى تغنّى وتملأ الحلوق بحلاوة رناتها، وانظر إلى تكملة البيت الرابع:«وسرّك لقيانها» فإنك تحس القدرة على تكملة البيت بقافية تروعك، إذ لم تكن تتوقعها، وكنت تحار كيف يأتى بها.
ويبدو أنه كان يكثر من الرحلات إلى العراق، ففى أشعاره ذكر لبعض بلدانها مثل تكريت وهيت والجزيرة، وكان يمد رحلاته إلى جزيرة زنجبار شرقى تنزانيا، ونراه يمدح سبّخت وغيره من أعيانها، وفيه يقول:
إذا أنت أبصرت فى الدّست سبّخ
…
ت كالشمس أنكرت خلق العباد
سما بمعال وفضل كمال
…
وحسن فعال وصفو اعتقاد
جرئ القتال غداة النّزال
…
ببيض النّصال وسمر الصّعاد (2)
ويكثر من تقديمه لمدائحه بالنسيب، وهو-كغيره من شعراء الجزيرة العربية يكثر من التغزل بالأعرابيات ووصف جمالهن وسحرهن وكيف يشغفن القلوب، وخاصة حين يرحلن، فتتبعهن الأفئدة، من مثل قوله:
لمن الظعائن ظلّع الأحداج
…
وقفت لشأن وانثنت لمعاج (3)
رفعوا هوادج كالسّفين وكلّة
…
محفوفة بالوشى والدّيباج (4)
فيهن كلّ معيدة علق الهوى
…
بجمالها ودلالها الخلاّج (5)
وهو يبدئ ويعيد فى وصف هذا الترحال الذى يقف أسباب المودة والحب، والذى
(1) السبعة الشهب: الكواكب السبعة السيارة.
(2)
الصعاد: جمع صعدة وهى القناة.
(3)
الأحداج: الهوادج. معاج: انعطاف.
(4)
الكلة: ستارة الهودج.
(5)
علق: جمع علقة وهى التعلق. الخلاج: الخلاب.
يملأ قلوب العشاق فى البوادى فتنة وإغراء وصبابة، ويذيبها أسى وحسرة، فتذكر العهود والأطلال والربوع وأكناف الحمى، وقد غابت الأقمار وأظلمت الدنيا، وعم المحبين اليأس وتعمقهم الحزن. وقد يجعل الستالى المقدمة لقاء بهيجا على شاكلة قوله:
قصرن الخطا وهززن الغصونا
…
ورقرقن تحت النّقاب العيونا
ووشّين بالتّبر بيض التراقى
…
وغشّين سود الفروع المتونا
وأقبلن يخطرن مشى الهوينى
…
ويبدين من كل حسن فنونا
فلما عرضن لنا سافرات
…
أعدن الهوى وبعثن الشّجونا
والأبيات تصور فرحة الستالى باللقاء وبرؤية صاحبته تسير وسط صواحبها، وقد ترقرقت عيونهن بالدموع ولكن دموع الابتهاج وإنهن ليبدين زينتهن، ويخطرن دلالا، ويسفرن عن وجوههن، فتتلألأ الدنيا بجمالهن من حول الستالى، ويعود الحب كما كان فتنة لا يستطيع إفلاتا منه ولا خلاصا. وللستالى خمريات، يجمع فيها بين وصف الرياض والغزل ونعت الخمر والغناء من مثل قوله:
هات اسقنى الرّاح فى راووقها عللا
…
وعاطنى فى الحديث اللهو والغزلا
أما ترى نفحات الصيف قد نشرت
…
من النبات على وجه الثّرى حللا
والروض يختال فى زهر البهاء وقد
…
غدا الثّرى بفنون الوشى مشتملا
وشادن يتهادى فى الصّبا غيدا
…
ميس القضيب تثنّى ثمّت اعتدلا (1)
يسعى علينا بنور فى زجاجته
…
لولا حدوث مزاج الماء لاشتعلا
وقينة أنطقت صوت الكران وقد
…
غنّت بسيطا على الأوتار أو رملا (2)
والشّرب قد مزجوا صفوا خلائقهم
…
كما مزجت بماء المزنة العسلا
ونحس بروح أبى نواس تطلّ علينا من خلال هذه الخمرية التى تصور مجلس أنس فى بستان وساقية تتثنى جمالا، تسعى على الشّرب بدنّ الخمر أو دنانها، وقينة تشدّ أوتار العود وتغنى عليه ألوانا من الغناء، وكأننا فى مجلس من مجالس أبى نواس التى كانت تزخر باللهو والقصف. وهذا الجانب فى ديوان الشاعر يلتقى بجانب آخر من الدعوة إلى الزهد ورفض متاع الحياة، ويتضح ذلك فى مراثيه إذ يتحدث فيها عن الحياة والموت وأن الدنيا ومتاعها إلى فناء، وله ميمية كلها ثناء على الله وآلائه، وقد ختمها بدعوة حارة إلى الانصراف عن الدنيا ومتاعها الزائل.
(1) غيدا: لينا وتثنيا. ميس: تمايل.
(2)
الكران: من أدوات الطرب ويسمى به العود والصنج. والبسيط والرمل من أوزان الشعر.