الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب سلافة العصر ممن نزلوا اليمن فى القرن الحادى عشر طبيبا شيرازيا، اسمه الحكيم أبو الحسين ويذكر له طائفة من أشعاره.
ويلقانا دائما اهتمام واضح بالطب والرياضيات والهندسة والهيئة والنجوم، ونقرأ عن ذلك أخبارا متناثرة هنا وهناك، من ذلك ما نقرؤه فى تاريخ الشعراء الحضرميين من أن الشيخ محمد بن عمر المتوفى سنة 930 صنف أرجوزتين: إحداهما فى الطب والثانية فى علم الحساب وأن الشيخ عبد الله بن عمر بامخرمة المتوفى سنة 972 صنف رسالة فى علم الجبر والمقابلة. ونستطيع أن نعمم هذه النزعة فى عمان والبحرين وفى مكة والمدينة. ومما يدل على رغبة المثقفين فى الجزيرة العربية على الاطلاع على علوم الأوائل أننا نجد فى كتاب لمع الشهاب فى سيرة محمد بن عبد الوهاب أنه حين نزل البصرة عنى بالعلوم الرياضية وقرأ كتب أقليدس فى الهندسة وكتاب المجسطى فى الهيئة، كما قرأ الحكمة الإشراقية. ونؤمن بأن المنطق ظل يدرس فى كل أنحاء الجزيرة، لاقتناع العلماء فى كل مكان بضرورة درسه.
ونترك الرياضيات والهندسة والطب والفلك والفلسفة إلى علم الجغرافية، ومن أهم المصنفات الجغرافية كتاب صفة جزيرة العرب للحسن بن أحمد الهمدانى المتوفى مع أول هذا العصر، كما مر بنا آنفا، ولأبى على الهجرى كتاب النوادر والتعليقات وهو زاخر بأماكن الجزيرة، وأهم من عناية أهل الجزيرة بالأماكن عنايتهم بالرحلات البحرية، ومعروف أن الأمم القديمة فى أفريقيا وآسيا وأوربا اخترقت البحار والمحيطات من حولها، وبنت سفنا حملت فيها تجارتها وبعض جيوشها للغزو، حتى إذا أنشأ العرب دولتهم أخذوا يقتحمون البحر المتوسط وبحر القلزم أو البحر الأحمر، كما اقتحموا المحيط الهندى إلى شواطئ إفريقيا الشرقية غربا وإلى الهند شرقا. وكان اقتحامهم له فى أواخر القرن الأول الهجرى سببا فى أن تتغلغل تجارتهم إلى جزر الهند الشرقية وإندونسيا، بل لقد اقتحموا المحيط الهادى ونزلوا على شواطئ الصين، واشتهر أحد تجارهم المسمى سليمان بكتابة رحلة له قام بها فى سنة 217 للهجرة من البصرة ميمّما ديار الصين، وقد تحدث فيها عما ركبه وخاصه من بحار بادئا بالخليج العربى. وتوالى رحالة بعد سليمان يصفون رحلاتهم البحرية.
علم الملاحة البحرية
(1)
كان ربابنة السفن فى البحار المتصلة بالبلاد العربية يعنون بكتابة دفاتر تضم جداول
(1) انظر فى هذا العلم وفى ابن ماجد وسليمان المهرى كتاب العرب والملاحة فى المحيط الهندى لجورج فضلو حورانى ترجمة الدكتور السيد يعقوب بكر (نشر مكتبة الأنجلو) بالقاهرة. وراجع قران فى مادتى شهاب الدين أحمد بن ماجد والمهرى فى دائرة المعارف الإسلامية وكتاب ثلاثة أزهار فى معرفة البحار لأحمد بن ماجا =
فلكية ومعلومات عن خطوط العرض والرياح والشواطئ والشعاب والجزر فى المحيط الهندى وما يتصل به من المحيط الهادى، مما كان سببا مباشرا فى نشوء علم الملاحة عند العرب وازدهاره على مر السنين. وكان يشترك فى هذه الملاحة سكان الخليج العربى وجنوبى الجزيرة العربية، ونهض بها منهم ربابنة كثيرون.
وأشهر ربابنة الجزيرة العربية شهاب الدين أحمد بن ماجد المولود فى عمان حوالى سنة 830 للهجرة، وقد نشر له المستشرق جبرييل قران فى باريس سنة 1921 - 1923 مجموعة كبيرة من أعماله النثرية والشعرية أنشأها فى نحو ثلاثين عاما بين سنتى 865 و 895 ولقران تحليل طريف لتلك الأعمال نشره فى دائرة المعارف الإسلامية تحت اسم شهاب الدين. ونشر المستشرق الروسى تيودور شوموفسكى فى موسكو سنة 1957 ثلاث أراجيز لأحمد بن ماجد مع دراسة وتعليقات، وعنى الدكتور محمد منير مرسى بهذه الأراجيز الثلاث ونشرها فى القاهرة بعنوان:«ثلاث أزهار فى معرفة البحار» ونقل معها تعليقات تيودور شوموفسكى، وردّ الاقتباسات المترجمة عن المصادر العربية إلى أصولها المطبوعة والمخطوطة، وشرح طائفة من المصطلحات البحرية عند ابن ماجد وبذل فى ذلك كله جهدا محمودا.
والأعمال التى نشرها قران لابن ماجد إنما نشرها عن مخطوطة فى باريس يبلغ عدد أوراقها 181 ورقة، وبها أراجيز وقصائد تبلغ نحو العشرين، تتناول أصول علم البحار والفلك والملاحة فى المحيط الهندى والبحر الأحمر وخليج عدن وخليج العرب كما تتناول النجوم والبروج والشعاب. وجميعها أشعار تعليمية تصور علم الملاحة البحرية عند العرب. وبجانب هذه الأشعار فى المخطوطة الباريسية كتاب ابن ماجد النفيس:«الفوائد فى أصول علم البحر والقواعد» ألفه سنة 895 للهجرة، وهو فى اثنى عشر فصلا، ويتحدث ابن ماجد فى الصفحات الأولى منه عن الأصول الأسطورية للملاحة والإبرة والبوصلة ولإسطرلاب. ويعرض للكتابات فى الملاحة قبله ويشيد بثلاثة من الربابنة، هم سهل بن أبان ومحمد بن شاذان وليث بن كهلان، معتمدا فى ذلك على دفتر كتبه حفيد لسهل بن أبان تاريخه سنة 580 وأغلب الظن أنه يقصد السنة الهجرية، وليس
= تحقيق تيودور شوموفسكى ترجمة وتعليق الدكتور محمد منير مرسى والملاحة وعلوم البحار عند العرب للدكتور أنور عبد العليم (نشر المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت) وانظر العلم عند العرب لألدوميبلى ص 532 وما بعدها ومقالا للأستاذ حسن الصيرفى فى مجلة مجمع اللغة العربى بالقاهرة العدد الرابع والعشرين بعنوان «علماء البحار العرب واصطلاحاتهم البحرية» .
بصحيح ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن هذا التاريخ تعيين للمدة الزمنية بين ابن ماجدو بين كاتب النسخة وأنه كتبها-كما يظن-سنة 315 للهجرة وكأن هؤلاء الربابنة الثلاثة-فى رأيه- كانوا يعيشون فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى، وهو ما نستبعده ونظن أنهم عاشوا فى النصف الأول من القرن السادس. ويذكر ابن ماجد أن الدفتر كان يحمل معلومات الربابنة الثلاثة ويقول إنهم لم يكونوا ملاحين بالمعنى الدقيق لكلمة ملاحين وأن معارفهم البحرية لم تتجاوز الخليج العربى، ويذكر طائفة من الملاحين الذين كانوا يعاصرونهم وغيرهم ممن سبقوهم. ويؤكد أن كتابه ليس كتابا نظريا كالكتب السابقة له، فهو كتاب أعلم الناس بالبحر، ويقول إنه علم توارثه عن أبيه وجده، فقد كانا ربّانين كبيرين، ويذكر أنه كان لأبيه أرجوزة بحرية فى ألف بيت تعدّ دليلا ومرشدا هاديا للملاحة فى البحر الأحمر. ومع أنه قلل من أهمية ما كتبه حفيد سهل بن أبان عن جده وصاحبيه من معارف فى الملاحة يسميهم الليوث، ويسمى نفسه رابع الليوث أو رابع الثلاثة. ويذكر فى الكتاب منازل القمر الثمانية والعشرين والنجوم التى تطابق تقاسيم البوصلة الاثنين والثلاثين والطرق البحرية فى المحيط الهندى وخطوط العرض الخاصة بعدد من الموانى فى المحيطين: الهندى والهادى والعلامات الدالة على مشارف السواحل الغربية للهند وجزائر المحيط الهندى والخليج العربى والرياح الموسمية المواتية للرحلات والبحر الأحمر ومراسيه وشطآنه وشعابه المرجانية ورياحه وأغواره. ويقول قرّان إن وصفه لكل ذلك لا يفوقه بل لا يدانيه أى وصف لكاتب آخر فى الإرشادات والبيانات البحرية الهادية للسفن الشراعية. وهذا كله كان يصحب ببعض الخرائط. فكل ربان لابد أن تكون معه خريطة وبوصلة وإسطرلابات وحبال لقياس عمق المياه (واسمها عند ابن ماجد بلد) ومزاول لمعرفة ارتفاع الشمس والنجم القطبى.
ومن سوء طالع هذا العالم العربى الفذ فى علم الملاحة البحرية وهو على وشك أن يختم حياته وقد بلغ سبعين عاما ونيفا أن تعرّف عليه فى «مالندى» بشرقى إفريقيا قاسكودى جاما البرتغالى، وكان قد يئس من الوصول إلى الهند عن طريق البحر، إذ كان يجهل هو وربابنته البرتغاليون الطريق البحرى إليها، وكانت سفنهم كلما خرجت فى المحيط الهندى واتجهت نحو الهند تحطمت ولم ينج منها أحد. ونعجب أن نرى ابن ماجد يتحول له مرشدا يهديه الطريق فى سنة 906 للهجرة إلى كلكتا فى الهند. وبذلك يكون-لغفلته-أداة للاستعمار البغيض: البرتغالى أولا، ثم الإنجليزى والفرنسى والهولندى، من شاطئ إفريقيا الشرقى إلى جزر الهند الشرقية وبحر الصين. وسرعان ما شعر بسوء فعله، وصوّر ذلك مرارا