الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطان الخطّاب
(1):
هو الخطاب بن الحسن بن أبى الحفاظ الحجويرى الهمدانى، كان أبوه الحسن حاكما لوادى الجريب ومدينته فى إقليم الحجور، وكان فيما يبدو من رجال الدولة الصليحية إذ يقال إن ابنه الخطاب كان أخا فى الرضاعة للملكة الحرة أروى. وتوفى الحسن لأوائل القرن السادس وخلفه ابنه سليمان فى حكم الجريب، ودان له أخوه الخطاب بالطاعة، ثم لم يلبث النزاع أن دبّ بين الأخوين، ونشبت بينهما حروب انتهت فى سنة 514 بغلبة الخطّاب على أخيه، بفضل مساعدة الملكة أروى له. وظل الخطاب يستدرج أخاه، حتى أمن جانبه وعاد إليه، غير أنه قتله غيلة سنة 530 ولم يمهله القدر طويلا، فقد عاجلته المنية فى سنة 533. وكان الأخوان شاعرين، ولكل منهما ديوان، وكان أحدهما سنيا وهو سليمان والثانى وهو الخطاب فاطميا إسماعيليا، بل لقد كان الساعد الأيمن لداعى اليمن الفاطمى فى عصره الذّؤيب بن إسماعيل، وكان من مريديه وتلاميذه القريبين من نفسه، فجعله نائبا له ومؤازرا ومعينا فى نشر الدعوة الفاطمية الإسماعيلية باليمن. وقد أخذ عنه علومها مثل الفقه والتأويل والعقيدة أو كما يقولون علم الحقائق. وحدث أن قتل الآمر الخليفة الفاطمى فى سنة 524 وتولى بعده عبد المجيد، أحد أبناء الأسرة، الخلافة والإمامة وتلقب بالحافظ، وأحدث ذلك انقساما، فإن من أسس الدعوة الفاطمية عند كثيرين أن يعقب الخليفة فى إمامته وخلافته ابنه الأكبر، وكانت زوجة الآمر حاملا، فرأى بعض المنتسبين إلى الدعوة أن خلافة الحافظ غير صحيحة وأن صاحبها هو الإمام المستور أبو القاسم الطيب بن الخليفة الآمر. وأعلنت الملكة الحرة أروى تمسكها بخلافة هذا الإمام المستور، وبذلك انفصلت الدعوة الفاطمية فى اليمن عن مركزها فى مصر، وانفصل معها داعيها الذّؤيب ونائبه السلطان الخطاب حاكم الجريب.
وقد نشر إسماعيل قربان حسين ديوان السلطان الخطاب وألحقه بتعليقات تفسر إشاراته للعقيدة الفاطمية، ويكاد القسم الأول منه يكون قسما عقائديا خالصا، وكل من يقرؤه ويقرأ التعليقات يحس بالصلة الوثيقة بين السلطان الخطاب وابن هانئ شاعر المعز الفاطمى وأكبر من استظهروا العقيدة الفاطمية الإسماعيلية فى أشعارهم لأوائل الحقبة الفاطمية بمصر. وسنقف قليلا عند المبادئ الإسماعيلية فى الديوان من خلال مديح السلطان
(1) انظر فى ترجمة السلطان الخطاب الخريدة (قسم الشام) 3/ 207 وكتاب «الصليحيون» للهمدانى ومقدمة إسماعيل قربان حسين لديوانه المطبوع بدار المعارف بالقاهرة وما بها من مراجع إسماعيلية فاطمية.
الخطاب للآمر الخليفة الفاطمى، من ذلك قوله فى قصيدته الأولى التى يمدح بها الآمر:
يا من أسمّيه بالألفاظ معترفا
…
أنّ المعانى فيها عنه تقصير
وما ظهرت من النّاسوت أنت به
…
تجلّيا لهدانا فهو مشكور
صفو من الصّفو شفّاف تقدّس أن
…
يشوب جوهره الشفّاف تكدير
وهو يصرح فى الأبيات بأن الآمر فوق الحدود المعروفة لعقول البشر، ويقول إنه فى الظاهر ناسوت أى جسم ويشير إلى ما كان يردده دعاة الفاطميين من أن جسم الإمام ليس جسما ماديا، هو شبح يكمن فيه اللاهوت وهو الجانب النورانى. وفكرة الناسوت واللاهوت مأخوذة عن عقيدة المسيحيين فى المسيح. ويقول الخطاب عن الآمر إنه صفو شفاف لا تشوبه الأكدار أى أنه نورانى خالص. ونمضى معه إلى القصيدة الثالثة، وهى أيضا فى الآمر:
يا من نسمّيه تعريفا نقرّره
…
بشخصه فى نفوس القوم تقريرا
ولو نشاء لقلنا فى النداء له
…
بالصّدق يا حىّ يا قيّوم مشهورا
يا عالم الغيب منا والشهادة يا
…
بارى البريّة تركيبا وتصويرا
شهدت أنك فرد واحد صمد
…
شهادة لم تكن مينا ولا زورا
والخطاب يشير فى الأبيات إلى ما زعمه الفاطميون ودعاتهم من أن الله لا يجوز أن يسمى باسم لأنه أسمى من كل اسم، ومن ثمّ يضفون أسماءه الحسنى فى القرآن الكريم على أئمتهم، غلوا مذموما، زاعمين أنهم ربانيون لهم ألقاب الله وصفاته، على نحو ما نرى الآن عند الخطاب، إذ لا يجد بأسا من أن ينادى على الآمر بأنه الحى القيوم وأنه الفرد الواحد الصمد، كبرت كلمات تخرج من فمه وفم أضرابه من دعاة الفاطميين المارقين، ويزعم أنه عالم الغيب والشهادة، ويمضى فى هذا الغلو الشنيع قائلا للآمر:
أنت الذى كلّ شئ نحن نعلمه
…
فان سوى وجهه عكسا وتغييرا
أنت الذى فطر الأشياء قاطبة
…
خلقا وأمرا وإيمارا ومأمورا
أنت الذى سمك السّبع الشّداد على
…
علم أدار بها الأفلاك تدويرا
أنت الذى سطح الأرض المهاد لنا
…
فرشا وقدّر فيها الرزق تقديرا
وهو يزعم أن الآمر سرمدى الحياة، لا يلحقه فناء، وكأنه إلهى الذات، ويشير فى البيت الثانى إلى وصف القرآن للذات العلية فى مثل قوله:{(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)} وقوله: {(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)} . ويجعله فى البيت الثالث رافع السموات السبع ومدبّر الأفلاك فيها. والبيت الرابع مأخوذ من مثل قوله تعالى: {(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)}
وقوله: {(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ)} . ويقول أيضا فى مديح الآمر:
يا علّة لوجود الشئ من عدم
…
وكاشفا عنه بالأنوار للظّلم
وعالما بخفيّات الأمور غدا
…
للناس أشهر من نار على علم
شهدت أنك فرد واحد نطقت
…
بفضله سور القرآن عن أمم
وجّهت وجهى فى سرّى وفى علنى
…
إليك إذ أنت معنى البيت والحرم
وهكذا يردد الخطاب ما كان يزعمه دعاة الفاطميين من أن الإمام ممثول العقل الأول الفعال وأن قدرة الله تحلّ فيه، بحيث يصبح العقل الكلى وجوهر الملكوت وعنه تصدر جميع المخلوقات، فهو العلة الأولى، علة لوجود كل ما سواه. ويزعم الخطاب أنه:{(يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)} وأن آيات القرآن الكريم نطقت بفضله من أمم أى قريب، يشير إلى مثل قوله تعالى:{(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)} . وكلمة «البيت والحرم» مصطلحان إسماعيليان، أما البيت فيريد به الإمام وأنه بيت معرفة الله ومستقر التوحيد وحقيقته. وأما الحرم فهو حمى الإمام وعقيدته الفاطمية. وللخطاب رثاء فى الملكة الحرة أروى حين توفيت سنة 532 يصدر فيه عن عقيدته الفاطمية منشدا مثل قوله:
أمولاتنا يا من بباهر نورها
…
تجلّين عن أبصارنا الظلمات
ويا حجّة المولى التى ببيانها
…
هدى الله من حيّرنه الشبهات
أجلّك عن موت بروحك نازل
…
وأنت لأرواح الأنام حياة
وهو يصفها فى البيت الثانى بأنها حجّة الإمام، والحجة فى الدعوة الفاطمية الإسماعيلية مرتبة تلى مرتبة داعى الدعاة فى المركز الأم مصر، وصاحبها يتولى الدعوة فى إقليمه والنيابة عن الإمام. وكانت الملكة الحرة حجة المستنصر والآمر فى اليمن وزعيمة الدعوة الفاطمية فيها. ويزعم الخطاب فى البيت الأخير أنها لم تمت، وكأن حياتها سرمدية كحياة الأئمة، وكل ما قدمنا غلو ومروق واضح. ووراء هذا القسم من الديوان قسم ثان يتصل بأحداث حياة الخطاب وحروبه وصلاته بأمراء الدول من حوله، وفيه كثير من المديح والهجاء والفخر، وأجود مدائحه فيه ما قدمه للملكة الحرة أروى. وجعله تعمقه فى العقيدة الفاطمية الإسماعيلية يكتب رسائل مختلفة فى بعض قضاياها وأصولها ومبادئها الكلية، وعرض إسماعيل قربان حسين لطائفة منها بالتحليل والتعريف.