الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأمراء ومجلس الندماء، ويبادرون إلى اللهو، وتدور أقداح الشراب، وتعزف آلات الطرب، ويأخذ المغنون فى الغناء» (1).
وكانوا يخرجون مواكب وفرادى للصيد والطرد، وكان فخر الدولة البويهى مولعا بالصيد (2). ومثله ملكشاه السلجوقى، ويقال إن صيده بلغ فى بعض الأيام سبعين غزالا (3). وكان من أحب هواياتهم إليهم اللعب بالنّرد والشّطرنج، وكانوا يشغفون بلعب الصولجان والكرة وبسماع الغناء. ومما يدل على انتشار كل هذه الملاهى فى خراسان وإيران عامة أن نجد كيكاوس فى القرن الخامس الهجرى يفرد فى كتابه:«قابوسنامه (4)» فصولا مختلفة لكل هذه الألعاب والملاهى، وظل ذلك ديدنهم طوال العصور التالية.
4 - التشيع
(5)
يقوم التشيع-كما مر بنا فى قسم العراق-على أساس نظرية يؤمن أصحابها بالوراثة الشرعية لولاية الحكم على المسلمين أو بعبارة أخرى للخلافة، فهى ليست مفوّضة للأمة، بل هى خاصة بمن اختارهم الله من آل البيت، من الأئمة، ويسمى كل منهم إماما تفرقة بينه وبين اسم الخليفة للدلالة على مكانته الدينية. وتتفق الشيعة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى لعلى بن أبى طالب بالخلافة بالقرب من غدير خمّ بين مكة والمدينة، وهم فرق كثيرة، أهمها ثلاثة: الزيدية والإمامية الاثنا عشرية والإسماعيلية.
والزيدية-كما مر بنا فى قسم العراق-أقربهم إلى أهل السنة، وهم ينتسبون إلى إمامهم زيد بن على زين العابدين بن الحسين، وكانوا يقرّون ولاية الخلفاء من غير العلويين أخذا بمبدئهم القائل بأنه تجوز ولاية المفضول على المسلمين مع وجود العلوى الأفضل، وبذلك لم يطعنوا فى الصحابيين الجليلين: أبى بكر وعمر ولا فى ولايتهما أمور الأمة. وكانوا لا يأخذون بنظرية الإمام المختفى مثل الإمامية الاثنى عشرية، ولا بنظرية
(1) البيهقى فى سنة 427 ص 539.
(2)
ابن مسكويه 6/ 386.
(3)
براون (ترجمة الشواربى) ص 228.
(4)
ترجم هذا الكتاب إلى العربية ونشرته مكتبة الأنجلو المصرية.
(5)
بجانب مصادر التشيع المذكورة فى الفصل الأول من قسم العراق انظر مقالات الإسلاميين للأشعرى والفرق بين الفرق للبغدادى والتبصير فى الدين للإسفرايينى وفرق الشيعة للنوبختى ومقدمة ابن خلدون وفضائح الباطنية (الإسماعيلية) للغزالى واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازى وبراون (ترجمة الشواربى) فى مواضع متفرقة.
الإمام المستور مثل الإسماعيلية، وهم لا يأخذون بفكرة العصمة فى الإمام ولا بفكرة العلم الباطن ولا بفكرة أن الإمامة مقصورة على فرع الحسين وحده من العلويين دون فرع الحسن. وبذلك كانت الزيدية فرقة شيعية معتدلة.
ومرّ بنا فى قسم العراق حديث مفصّل عن فرقة الإمامية الاثنى عشرية وأنها تجعل الإمامة مقصورة على أبناء الحسين، وترى أنها تتابعت بعد على فى الحسن ثم الحسين وذريته بادئة بابنه على زين العابدين، فابنه محمد الباقر، فابنه جعفر الصادق، وتفترق بعد هذا الإمام السادس فرقة الإمامية عن فرقة الإسماعيلية كما مرّ بنا فى العراق، إذ ترى أن الإمامة بعد جعفر الصادق انتقلت إلى ابنه موسى الكاظم، وتوالت بعده فى أبنائه وأحفاده: على الرضا، فمحمد الجواد، فعلى الهادى، فالحسن العسكرى، فمحمد المهدى الذى اختفى، وهو الإمام الثانى عشر ولذلك يسمون الاثنى عشرية، ويؤمن الإمامية حتى اليوم بأنه سيعود ويملأ الأرض عدلا وعلما، وهو بذلك الإمام المنتظر صاحب الزمان.
وعنصر أساسى ثان فى عقيدة الإمامية عرضنا له فى قسم العراق وهو ما يعتقدونه من أن الإمام معصوم، وهى عصمة ترفعه درجات عن الطبيعة البشرية فى اعتقادهم إذ تجعله نقيا من الذنوب بريئا من العيوب، لا يعتريه خطأ. وعنصر أساسى ثالث هو علمه لا العلم الظاهر فحسب، كما يؤمن الزيدية، بل العلم الباطنى الإلهى الذى يتوارثه الأئمة عن النبى والذى ينتقل فيهم من إمام إلى إمام، بحيث يصبحون هم وحدهم العالمين بالمعانى الحقيقية للقرآن الكريم، وهو ما فسح عند الإمامية والإسماعيلية أيضا للتأويل الواسع فى آيات الذكر الحكيم.
والإسماعيلية تختتم سلسلة أئمتها الظاهرين بالإمام السابع إسماعيل بن جعفر الصادق، وكان قد توفى قبل أبيه فعدلت عنه الإمامية الاثنا عشرية إلى أخيه موسى الكاظم، أما الإسماعيلية فتمسكت به لأنه الابن الأكبر لجعفر الصادق وعندهم أن النص على الإمام لا يتغير، بل يرثه عنه ابنه الأكبر، حتى لو توفى فى حياة أبيه كما توفى إسماعيل، وتبعه خلفاؤه فى سلسلة متصلة، وهم مستترون مختفون، حتى آتت الدعوة السرية ثمرتها، فظهر الإمام فى شخص عبيد الله المهدى مؤسس الدولة الفاطمية فى شمالى إفريقيا.
وتسمى هذه الفرقة باسم السبعية تمييزا لها من الإمامية الاثنى عشرية، لأنها تجعل أئمتها يتوالون فى حلقات أو أدوار سبعية، والسابع أعلاهم درجة إذ هو الإمام الناطق المبعوث برسالة تفوق كل رسالة سبقتها، حتى رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، كبرت كلمة تخرج من أفواههم. وعندهم أن الإمام هو التجلّى الأعظم للعقل الكلى، وفى ذلك ما يؤكد نفوذ
الفلسفة الأفلاطونية إليهم وما يتصل بها من نظريتها المعروفة فى الفيض، وهى النظرية التى بنى عليها إخوان الصفا البصريون فلسفتهم الدينية فى موسوعتهم المشهورة. ومن تتمة نظريتهم أن العقل الكلى الذى يتجلى فى أئمتهم تجلى منذ آدم فى الأنبياء، وهو الذى يسيّر الكون ويدبره، وهو ما جعل الحاكم الخليفة الفاطمى الإسماعيلى يعتقد أن التجسد الإلهى تمثّل فيه وأنه خليق بعبادته. ومات مقتولا، فادّعى بعض الإسماعيلية حين ذاك أنه يعيش متخفيا، وأنه سيرجع. وكأن نظرية الرجعة عند الإمامية الاثنى عشرية وجدت طريقها إلى الفرقة الإسماعيلية فى شخص الحاكم. وكان القرامطة إحدى شعب الإسماعيلية ظنوا من قبل أن محمد بن الإمام السابع إسماعيل سيرجع بعد موته، وأنه الإمام الغائب المنتظر. وواضح أن الإسماعيلية غلت فى تشيعها غلوّا بعيدا إذ رفعت الأئمة إلى مراتب الآلهة، حتى لنجد كثيرين من علماء الإسلام ومفكريه يسمونهم دهرية زنادقة، وقد حمل عليهم الغزالى حملات عنيفة فى كتابه «فضائح الباطنية» الذى سجل عليهم فيه ضلالهم وخروجهم عن جادّة الإسلام، ولابد أن نشير إلى أن تابعى هذه الفرقة كانوا يصعدون فى سبع مراتب: مرتبة للعامة، ثم تعلوها مراتب حتى المرتبة السابعة، وصاحبها خليق عندهم بأن يكون من الدعاة. ومن حق الإسماعيلى والإمامى جميعا أن يخفيا عقيدتهما فى البلد الذى يسود فيه خصومهما وهو المذهب المعروف عندهما باسم التقية، وقد طبع دعوتهما فى حقب وأماكن كثيرة بطابع السرية.
وهذه الفرق الشيعية المختلفة كانت على صلة وطيدة منذ أول الأمر بالاعتزال والمعتزلة، فقد كان زيد بن على مؤسس فرقة الزيدية تلميذا لواصل بن عطاء مؤسس مذهب الاعتزال. وتعانق منذ العصر العباسى الأول مذهب الإمامية مع الاعتزال فى أثناء الجدال الذى كان دائرا بين أعلامهما حتى لنجد النظّام المعتزلى المشهور يؤمن بنظرية الإمامية الخاصة بعصمة الإمام، وكان يعاصره ثمامة بن أشرس الذى لعب دورا كبيرا لعهد المأمون فى حمله على أن يكتب إلى الآفاق بتفضيل على بن أبى طالب على أبى بكر وعمر وجميع الصحابة. ومن يرجع إلى مصنفات الشيعة فى عقيدتهم يجدهم يفردون فصولا طوالا للحديث عن التوحيد والعدالة، على غرار ما يصنع المعتزلة. وفى رأينا أن هذه الصلة الوثيقة بين الاعتزال والشيعة هى التى جعلت أهل السنة فى العصر ينفرون منه، ويعتنقون المذهب الأشعرى.
وكانت إيران فى هذا العصر تعدّ أكبر مركز للتشيع، وقد مرّت بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى حركة زيدية قوية غلبت على طبرستان وبلاد الديلم، وعلى الرغم من إجهاز
الدولة السامانية عليها كما مر بنا فى أوائل هذا الفصل ظلت لها هناك بقية، وظل هناك أئمة يقودونها مثل الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهارونى المتوفى سنة 411 للهجرة. وكان تقلّد البويهيين الإماميين لإماراتهم المختلفة فى إيران إيذانا بأن يأخذ المذهب الإمامى طريقة إلى الانتشار، واشتهرت مدينة «قم» باعتناقة وقد ظل منتشرا بها واعتنقه كثيرون فى الحقب التالية، وقيّض له كثير من العلماء يعملون على نشره مثل ابن بابويه القمى المتوفى سنة 381 وقد كان أبوه شيخ الشيعة فى مدينة «قم» وخلفه فى مشيخته، وألّف كتبا كثيرة فى المذهب، محتجاله، داعيا إليه، ومن كتبه المطبوعة فى طهران كتب العلل والأحكام وكتاب عقائد الشيعة الإمامية.
وقد نشطت الفرقة الإسماعيلية فى إيران منذ أوائل هذا العصر، ويقال إنهم استطاعوا أن يدخلوا فى عقيدتهم نصر بن أحمد السامانى أمير خراسان (301 - 332 هـ.) مما جعل حرسه يضطره إلى التنازل عن السلطان لابنه نوح، ويقال أيضا إن أبا على بن سيمجور أحد رجالات الدولة فى خراسان لأواخر أيامها كان إسماعيليا، مما جعل السلطان محمودا الغزنوى يفتك به. ويبدو أن الإسماعيليين جدّوا حينئذ فى نشر دعوتهم بإيران، حتى لنجد محمودا الغزنوى حين يستولى على الرىّ من البويهيين سنة 420 يكتب إلى الخليفة العباسى ببغداد خطابا طويلا، يقول فيه (1):
والخطاب طويل، وهو يصور مدى ما داخل العقيدة الإسماعيلية فى إيران من فساد،
(1) المنتظم 8/ 38.
حتى كان أصحابها لا يؤدّون شعائر الإسلام، بل كانوا ينكرونه هو وجميع الديانات السماوية جملة. وليس ذلك فحسب، فقد اختلطت بعقيدتهم العقيدة المزدكية الفارسية القديمة التى أحلّ صاحبها «مزدك» النساء وأباح الأموال وجعلها شركة للناس، ودعا إلى العكوف على اللذات والشهوات (1). ونمضى بعد عهد محمود الغزنوى، فنجد الدعوة الإسماعيلية تنشط فى إيران طوال القرنين الخامس والسادس للهجرة، إذ تعهدها هناك دعاة مختلفون، كان يؤيدهم تأييدا قويا الخليفة الفاطمى المستنصر (427 - 487 هـ) وقد ظل الرئيس الأعلى للإسماعيليين طوال ستين عاما، واستطاع أن يبسط سلطانه على واسط وبغداد حاضرة الخلافة العباسية فى منتصف القرن الخامس. وقد حاربت الدولة السلجوقية العقيدة الإسماعيلية دون هوادة، ولكن دعاتها ظلوا منبثّين فى أنحاء إيران، مثل ناصر خسرو الأديب الرحالة، الذى لقبه أتباعه بلقب «حجة خراسان» وقد زار القاهرة سنة 437 وأقام بها سبع سنوات، وعاد إلى وطنه خراسان، وأخذ يدعو للفاطميين الإسماعيليين بمصر، غير أن خصومه اضطروه إلى الفرار إلى مرتفعات «سمنجان» . وكان أخطر منه فى الدعوة للإسماعيليين الفاطميين أحمد بن عبد الملك بن العطاش الذى نهض بالدعوة فى أذربيجان وأصفهان، وقد استولى بجانب المدينة الأخيرة على حصن منيع يسمى «شاه دز» جعله وكرا لأتباعه ودعوته. وكان أشد منه خطرا الحسن بن الصبّاح، وكان عالما بالهندسة والحساب والنجوم والسحر، وتلقن الدعوة عن بعض دعاتها الفاطميين والإيرانيين الذين صحبهم فى مدينة الرىّ، ويقال إنه لقى بها فى رمضان سنة 464 ابن العطاش وإنه نصحه بالمسير إلى القاهرة حاضرة الخلفاء الفاطميين ليتلقن الدعوة من أربابها وشيوخها المقدّمين. ووصل القاهرة سنة 471 وأسبغ المستنصر عليه جوائزه. ويقال إنه سأله من الخليفة بعده؟ فأجابه ابنى نزار الأكبر، ورجع إلى إيران سنة 473 يدعو إلى نزار، وولّى المصريون بعد المستنصر ابنه المستعلى، مما كان سببا فى انقسام الإسماعيلية إلى شعبتين: شعبة غريبة تدعو إلى المستعلى وتشمل مصر والشام وشعبة شرقية تشمل إيران وتدعو إلى نزار.
واتسعت دعوة الحسن بن الصبّاح، حتى ضمت بين جناحيها كرمان وطبرستان والدّامغان وقزوين، واستطاع الاستيلاء على حصن فى غاية المناعة، هو قلعة «ألموت» سنة 483 ومعنى اسمها بلسان الديلم تعليم العقاب، كأنها، لعلوها الشاهق، وكر له.
وجعله استيلاؤه على هذه القلعة يضع لأتباعه خطة محكمة أن يستولوا على مثيلها فى إيران،
(1) انظر كتابنا العصر العباسى الأول ص 80.
فاستولوا على «خالنجان» بالقرب من أصفهان بالإضافة إلى ما كانوا استولوا عليه بجوارها من «شاه دز» واستولوا على «طبس» و «قاين» و «تون» و «روزن» و «خور» و (خوسف» فى قهستان وعلى «شمكوه» بجوار أبهر، وعلى «أستوناوند» فى مازندران، وعلى «أردهن» و «كردكوه» وقلعة الناظر فى خوزستان، وعلى «قلعة الطنبور» بجوار أرّجان، وعلى قلعة «خلاّدخان» فى فارس. وكان تملك الحسن بن الصبّاح وأتباعه لهذه القلاع الحصينة سببا فى أن يشعروا بأن لهم سلطانا سياسيا، حتى إذا توفى المستنصر ظلوا يدينون لنزار منفصلين عن الدعوة الفاطمية بمصر، وكان يطلق عليهم اسم الإسماعيليين الباطينيين والحشاشين. وفى الاسم الأخير ما قد يدل على أن كبارهم-على الأقل-كانوا يعرفون المخدر المعروف باسم الحشيش. ومضوا يدعون سرّا لعقيدتهم، وتحولوا إلى جماعات إرهابية تقتل كل من يقف فى سبيل دعوتها، وكان من أهم من قتلوه نظام الملك الوزير السلجوقى المصلح حين تصدى لهم وحاربهم وحاصر قلعتهم «ألموت» على نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع. ونرى ابن الأثير يذكرهم ويذكر ما كانوا يسفكونه من دماء ويثيرونه من رعب على مر السنين، من مثل قتلهم لفخر الملك بن نظام الملك ولعبد الرحمن السميرامى الوزير السلجوقى وللفقيه عبد الواحد الرويانى فى طبرستان والقاضى سعد الهروى فى همذان.
وكان السلاجقة يردون على هذه الاغتيالات بقتل بعض زعمائهم وأتباعهم، على نحو ما هو معروف عن قتل ابن عطاش وبعض أتباعه بأصبهان سنة 499 وللسلطان سنجر مقتلة عظيمة فيهم سنة 521 ردا على قتلهم لوزيره معين الملك. وكان الحسن بن الصباح حيا فى أيام هذا السلطان، غير أنه لم يكن يبارح قلعة «ألموت» وبها توفى سنة 518 للهجرة.
وخلفه فى رياسة الطائفة كيابزرك حميد ثم ابنه محمد، وتبعهما دور ظهور الأئمة من أحفاد نزار، إذ ظلت فى أيديهم مقاليد السلطان والدعوة، وظل نشاط هؤلاء الحشاشين أو الإسماعيليين الشرقيين، حتى استطاع المغول فى منتصف القرن السابع الهجرى دكّ حصونهم وقتل آخر أئمتهم ركن الدين خورشاه (653 - 655 هـ.) وبقتله وتحطيم حصون أتباعه ينتهى عهد الإسماعيلية بإيران، ولا تبقى منهم إلا بقية لا وزن لها، ويعود هذا الفرع الإسماعيلى الشرقى إلى الظهور فى الهند، ويتخذ أصحابه «آغا خان» رئيسا روحيا لهم، وعادة يكون من أحفاد ركن الدين خور شاه الذى كان آخر أمراء قلعة «ألموت» .
ومنذ قضاء المغول على إسماعيلية إيران تتحول تدريجا إلى قبضة الفرقة الإمامية الاثنى عشرية، ومع ذلك فقد ظل كثيرون يتبعون المذهب السنى، وينعكس ذلك على العلماء
والفقهاء والصوفية لا بين من كانوا يتخذون العربية لسانهم فحسب، بل أيضا بين من كانوا يتخذون الفارسية لسانا لهم، مثل الشيخ سعدى الصوفى المشهور المتوفى سنة 691 وله شعر عربى قليل. ولا نصل إلى عصر إسماعيل الصفوى مؤسس الدولة الصفوية (907 - 930 هـ) حتى يصبح المذهب الإمامى الاثنى عشرى عاما فى إيران إذ أعلنه مذهبا رسميا للدولة. وبذلك غلب على مذهب أهل السنة هناك حتى اليوم.
ويحتفل الشيعة وفى مقدمتهم الإمامية من قديم-كما مرّ فى العراق-بعيدين: عيد الغدير، يريدون غدير خمّ، وموعده الثامن عشر من ذى الحجة، وهو الغدير الذى يروون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى عنده لعلى بالخلافة من بعده قائلا له. أنت منى بمنزلة هرون من موسى، وهو عندهم عيد سرور يظهرون فيه الفرح والزينة، وكان أول احتفال لهم به فى عهد البويهيين، وظل ذلك ثابتا عندهم على مر السنين. أما العيد الثانى فكان مأتما كبيرا، يقيمونه يوم عاشوراء (العاشر من شهر المحرم) من كل عام حدادا على قتل الحسين وآله فيه بكربلاء، تائبين إلى الله ومستغفرين من آثام هذه الكارثة المروعة. وهذا العيد الحزين أقدم من عيد الغدير بكثير، حتى ليرجعه البيرونى إلى زمن بنى أمية، قائلا إن الناس كانوا يظهرون فيه السرور والفرح، بينما كانت العامة (يقصد الشيعة) تكره فيه تجديد الأوانى والثياب (1). وقد استحال منذ عهد البويهيين إلى يوم حداد كبير، يتراءى فيه الشيعة بأجسام ضاوية وشفاه ظامئة وعيون ساهمة باكية، ومن حولهم الشعراء يرثون الحسين رثاء حارّا مصوّرين بؤس العلويين وما احتملوا من آلام التقتيل والاضطهاد فى أيام الأمويين والعباسيين وما عانوا من صنوف البؤس والعذاب والشقاء، وكيف كانت حياتهم كلها محنا وبلاء. وصبغ ذلك الحزن العميق فى تلك الذكرى الرهيبة شعر الشيعة بسواد لا آخر له، فكله شكوى ممضة وعبرات وزفرات وأنّات.
وكان من آثار إجلال الإمامية الاثنى عشرية لأئمتهم أن أصبح حجهم إلى قبورهم فى العراق سنّة متبعة، وأصبح للأماكن والأضرحة التى دفنوا فيها قدسية خاصة عندهم، مما جعل البويهيين يهتمون بها، ولعل فى هذا الاهتمام منهم ما يدل على أنهم كانوا إمامية دلالة قاطعة، وكان أول من اهتم بذلك عضد الدولة فإنه شيد ضريحا كبيرا لقبر على بن أبى طالب بالنجف، ونقل إليه جثمانه بعد وفاته فدفن به، كما دفن به أيضا ابناه شرف الدولة وبهاء الدولة (2). واهتم عضد الدولة أيضا بضريح الحسين، وبنى حوله حضرة
(1) الآثار الباقية للبيرونى (طبعة أوربا) ص 329.
(2)
انظر المنتظم 7/ 120 وابن الأثير (طبعة دار صادر بيروت) 9/ 18، 61، 241.