الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما حرّرته مجارى أقلامه، والوقيعة فيه، تمرد بحكم خالقه وباريه، ومجارى الأشياء على قدر طباعها، وبحسب ما فى قواها وأوضاعها، ومن ذا الذى يلوم الأراقم على النّهش بالأنياب، والعقارب على اللسع بالأذناب، وأنىّ لها أن تذمّ، وقد أشربت خلقتها السم وحكم الله فى كل حال مطاع، وبأمره رضا واقتناع».
ولغة العتبى سهلة ليس فيها ألفاظ غريبة، وسجعه ينزلق عن الألسنة فى يسر، وليس فى الكلام ما يعوق جريانه من عقد الجناس وما يتصل بالجناس، مما يتعثّر فى الأفواه.
رشيد الدين (1) الوطواط
هو محمد بن محمد بن عبد الجليل العمرى الملقب برشيد الدين المعروف بالوطواط لضآلة جسمه. من سلالة عمر بن الخطاب، ولد ببلخ وبها نشأ وتربى فى المدرسة النظامية، وكان شاعرا كما كان كاتبا، وله مصنفات عدة، منها:«غرر الخصائص الواضحة» وهو من كتب الأدب التهذيبى، ومنها:«حدائق السحر فى دقائق الشعر» وهو فى علم البديع والصناعة الشعرية، وضعه بالفارسية، وأمثلته فيه موزعة. بين الفارسية والعربية، وقد نقله إلى العربية الدكتور إبراهيم أمين. ونرى رشيد الدين يغادر موطنه ويلتحق فى سنة 522 للهجرة بدواوين الدولة الخوارزمية فى عهد أميرها الطموح الباسل أتسز (521 - 551 هـ) ويظل بعد وفاته يعمل فى دواوين الدولة، إلى أن يبلغ من الكبر عتيّا ويهن عظمه، يدل على ذلك أن سلطان شاه محمود حفيد أتسز حين تولى مقاليد الأمور فى خوارزم سنة 568 أراد أن يرى هذا الشاعر الهرم المريض فحملوه إليه فى محفّة، فلما مثل بين يديه نظم رباعية فى مديحه ومديح أبيه وجده باللغة الفارسية. وعاش الوطواط بعد ذلك سنوات، واختلف مؤرخوه، فقيل توفى سنة 573 وقيل بل سنة 578.
ويشيد ياقوت بأدبه وبلاغته قائلا: «كان من نوادر الزمان وعجائبه، وأفراد الدهر وغرائبه، أفضل زمانه فى النظم والنثر، وأعلم الناس بدقائق كلام العرب، وأسرار النحو والأدب، طار فى الآفاق صيته، وسار فى الأقاليم ذكره، وكان ينشئ فى حالة واحدة بيتا بالعربية من بحر وبيتا بالفارسية من بحر آخر ويمليهما معا» ويقول ياقوت: من مؤلفاته
(1) راجع فى الوطواط وترجمته معجم الأدباء 19/ 29 وروضات الجنات 77 وبغية الوعاة للسيوطى ومقدمة الدكتور إبراهيم أمين لتعربيه لكتاب حدائق السحر فى دقائق الشعر، وقد ضمنها ترجمة واسعة له مع ذكر مراجعه فى الفارسية. وانظر بروكلمان 5/ 142 و
رشيد الدين الوطواط
(مقالة مستلة من مجلة الجامعة المستنصرية) العدد الأول سنة 1970.
تحفة الصديق من كلام أبى بكر الصّدّيق، وفصل الخطاب من كلام عمر بن الخطاب، وأنس الّلهفان من كلام عثمان بن عفان، ومطلوب كل طالب من كلام على بن أبى طالب. ويقول أيضا: له ديوان شعر وديوان رسائل بالعربية وديوان رسائل بالفارسية، وشعره دون نثره جودة. ورسائله العربية مطبوعة بمصر فى جزءين، وهى موزّعة بين رسائل شخصية أو إخوانية ورسائل سلطانية أو ديوانية. ونسوق له قطعة من تقليد حسبة صدر عن ديوان خوارزم، وفيه يقول:
«أن أولى الأمور بأن تصرف أعنّة العناية إلى ترتيب نظامه، وتقصر الهمم على مهمّة إتمامه، أمر يتعلّق به ثبات الدين، ويتوقف عليه صلاح المسلمين، وهو أمر الاحتساب فإنّ فيه تثبيت الزائغين عن الحق، وتأديب المنهمكين فى الفسق، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها، وإجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها. وينبغى أن يكون متقلد هذا الأمر موصوفا بالديانة، معروفا بالصيانة، معرضا عن مراصد (أماكن) الرّيب (التهمة) بعيدا عن مواقف التّهم والعيب، لابسا مدارع السّداد، سالكا مناهج الرشاد.
والشيخ الإمام-أدام الله فضله-متحلّ بهذه الخصائص المذكورة، والفضائل المشهورة، ومستظهر فى دولتنا للحقوق الفرضيّة، ومستشعر للصفات المرضيّة، فقلّدناه هذا الأمر. . وأمرناه أولا أن يجعل التقوى شعاره، والزّهد دثاره، والعلم معلمه والدين مناره. ثم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم حدود الشرع على وفق النصوص والأخبار، ومقتضى السنن والآثار. . وأمرناه أن يبالغ فى تعديل المكاييل والموازين، على وفق أحكام الشّرع والدين، فإن وجد تفاوتا فى شئ منها سوّاه وعدّله، وغيّره وبدّله، وأدّب صاحبه على رءوس الأشهاد، لينزجر عن مثله أهل الخيانة والفساد».
والتقليد مهم لأنه يطلعنا على وظيفة الحسبة، وأن الحاسب لم يكن فقط براقب الأسواق كما يراقبها الشّرطى، بل كان أيضا ينظر فى كل ما يقع بها من الجنايات والخصومات كما ينظر القاضى، وكأنه كان يقوم بوظيفة الشرطى والقاضى فى وقت معا، فهو ينظر فى الجرائم وما يقع من خصومات وفق ما جاءت به الشريعة من الحدود والأحكام. وهو لذلك كان يختار من الفقهاء أو من الشيوخ كما جاء فى التقليد، إذ لابد أن يكون عالما بالكتاب والسنة وما جاء عن الأئمة فى الحدود وغيرها من أحكام. وهو مع ذلك يقوم بأعمال الشرطى، فيراقب المكاييل والموازين، فإن وجد فى مكيال أو ميزان تفاوتا أو نقصا بدّله على رءوس الأشهاد، حتى يفتضح الخائنون فلا يعودوا إلى خيانة أبدا، وحتى ينزجر غيرهم فلا تحدثهم نفوسهم بخيانة فى ميزان أو مكيال أو ما يشبه الخيانة.