الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألفاظ القرآن الدالة عليه مخلوقة، فهى ليست كلام الله ولكنها تبليغ له. وأيضا توسط الأشاعرة كما أسلفنا بين أهل السنة الحنابلة وإيمانهم بالقدر وبين المعتزلة وإيمانهم بحرية الإرادة للإنسان. وكان ذلك كله مثار جدل عنيف طوال هذا العصر بين أهل السنة الحنابلة والأشاعرة، وبالمثل بين الأشاعرة والماتريدية، وكاد يختفى فى القرون المتأخرة أنصار الاعتزال، وألّفت فى ذلك كلّه كتب كثيرة، تنتصر تارة لهذا المذهب أو ذاك، وتارة تحكى جميع المذاهب والآراء ولا نقصد كتاب الملل والنحل للشهرستانى المؤلف فى القرن السادس فحسب بل نقصد أيضا كتاب المواقف لعضد الدين (1) الإيجى المتوفى سنة 756 وله شروح نفيسة للسعد التفتازانى والسيد الشريف الجرجانى وغيرهما، وهو بشروحه موسوعة كبيرة لعلم الكلام ومذاهبه وأصحابه
5 - التاريخ
تنوعت الكتابة التاريخية فى إيران كما تنوعت فى كل بلد عربى، فكان هناك المؤرخون العامون للأمم والدول، وهناك المؤرخون للمدن، وهناك أصحاب التراجم العامة والخاصة. ومر بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى أن أكبر مؤرخى الأمم والدول فى الإسلام كان مؤرخا إيرانيا هو الطبرى المتوفى سنة 310. وأول من يلقانا فى هذا العصر من هؤلاء المؤرخين المطهر (2) بن طاهر المقدسى المتوفى سنة 355 وهو ليس إيرانيا كما يشهد اسمه، ولكنه كتب كتابه بدء الخلق والتاريخ فى مدينة بست شرقى إيران، وأهداه لبعض الوزراء السامانيين، وهو جمع لمعارف كثيرة عن الأديان. وبه كثير من الأخبار التاريخية. وكان يعاصره مؤرخ إيرانى هو حمزة الأصفهانى المتوفى سنة 360 ومر بنا حديث عنه فى عرضنا لكتب الأمثال بين المصنفات اللغوية، وله تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء، وقد طبعت منه ونشرت بعض أقسام. وبلقانا بعده ابن مسكويه وكتابه «تجارب الأمم» وقد ترجمنا له فى القسم الثانى الخاص بالعراق.
وكان فى عصره المرعشى المتوفى سنة 420 وقد صنف باسم السلطان محمود الغزنوى كتاب الغرر فى سير الملوك وأخبارهم، عنى فيه بسير ملوك الفرس، ومضى فيه حتى عصره.
(1) انظر فى عضد الدين السبكى 10/ 46 والدرر لابن حجر 2/ 429 والبدر الطالع 1/ 326 والشذرات 6/ 174 والنجوم الزاهرة 10/ 288 ودائرة المعارف الإسلامية وما بها من مراجع.
(2)
انظره فى بروكلمان 3/ 62
ومن هذه الكتب التاريخية العامة كتاب «الآثار الباقية من القرون الخالية» للبيرونى كما مر بنا ويحمل تقاويم وجداول للشهور عند الأمم القديمة مع عرضه لأعيادها ولكثير من المشاكل الفلسفية والنزعات الدينية، وكان حرّ الفكر ومع أنه كانت فيه نزعة إلى الاعتداد بقوميته الفارسية فإنه لم يتحيّف العرب فى أحكامه، بل إنه نادى بأن العربية أكثر ملاءمة للغة العلم من الفارسية. وهو يدعو فى هذا الكتاب إلى نقد الأخبار التاريخية المغرقة فى القدم لما يشوبها من أساطير. ويفوق هذا الكتاب فى التاريخ العام أهمية كتابه تحقيق ما للهند من مقولة الذى سبق أن تحدثنا عنه والذى يضم تاريخ هذه الأمة وجغرافية بلادها وما يتصل بذلك من دراسة لأديانها وكل ما يتصل بحياة شعبها. وكان يعاصره العتبى (1) محمد بن عبد الجبار المتوفى سنة 427 واشتهر بكتابه الذى ألفه فى الدولة الغزنوية لعهد مؤسسها السلطان محمود الغزنوى وقد فصّل القول فيه عن هذا السلطان وعن أبيه سبكتكين وحروبهما، وخاصة حروب محمود فى الهند، وسماه اليمينى نسبة إلى لقبه: يمين الدولة الذى منحه له الخليفة تكريما، وألفه فى لغة مسجوعة منمقة، حتى عدّه الفرس من روائع آثارهم الأدبية، ولذلك اعتنى به وبشرحه كثيرون منهم، ومن شروحه شرح مطبوع معه بمصر باسم «الفتح الوهبى على تاريخ أبى النصر العتبى» . وعنى محمد بن حسين البيهقى المتوفى سنة 470 بكتابه تاريخ السلاطين الغزنويين، غير أن الكتاب فقد ولم يبق منه إلا جزء خاص بحوادث السلطان مسعود بن محمود الغزنوى، ولهذا يطلق عليه اسم تاريخ مسعودى، وهو باللغة الفارسية وترجم حديثا إلى العربية وطبع فى مصر باسم تاريخ البيهقى. وألف بعد ذلك الوزير أنوشروان بن خالد المتوفى سنة 532 كتابا فى تاريخ الدولة السلجوقية، وعليه اعتمد العماد (2) الأصبهانى المتوفى سنة 597 فى كتابه عن السلاجقة الذى سماه «نصرة الفطرة وعصرة القطرة». ويدخل فى هذه الكتب التاريخية الخاصة بالدول والسلاطين كتاب ابن عربشاه (3) المتوفى سنة 854:«عجائب المقدور فى نوائب تيمور» وهو تاريخ مفصل لتيمور لنك طبع مرارا بمصر وفى أوربا، وحقا ابن عربشاه ولد فى دمشق، غير أنه رحل عنها إلى بلاد الروم ثم إلى سمرقند وبلاد المغول فى التركستان، وتلقى العلم على الشيوخ هناك، فمرباه بإيران، وتولى ديوان الإنشاء هناك، وكانت تصدر
(1) انظر مصادر ترجمة العتبى فى الفصل الأخير من هذا القسم.
(2)
راجع فى العماد معجم الأدباء 18/ 11 والشذرات 4/ 332 وابن خلكان 5/ 147 وذيل الروضتين لأبى شامة ص 27 والوافى 1/ 133 والسبكى 6/ 178.
(3)
انظر فى ابن عربشاه الضوء اللامع 2/ 126 والشذرات 7/ 280 والبدر الطالع 1/ 109
عنه الرسائل بالعربية والفارسية والتركية.
وللمؤرخين فى إيران كتب كثيرة خصّوا بها البلدان عارضين علماءها عرضا واسعا، فهى من جهة تاريخ علمى لبلدان إيران ومن جهة ثانية تاريخ علمى لعلمائها النابهين، ومن السابقين إلى صنع ذلك فى العصر العباسى الثانى ابن منده محمد (1) بن يحيى المتوفى سنة 301، فله تاريخ أصبهان، ومن أوائل ما يلقانا فى هذا الاتجاه لأوائل هذا العصر عصر الدول والإمارات كتاب تاريخ بخارى حتى سنة 331 لأبى بكر محمد بن جعفر النرشخى المتوفى سنة 348 كتبه لنوح بن نصر السامانى، واختصره بعده محمد بن زفر بن عمر سنة 574 وأكمله مؤلف مجهول إلى عهد المغول، ونشره شيفر فى باريس، وجاء بعد النرشخى الحاكم النيسابورى الذى مر بنا ذكره بين المحدّثين، فألف كتابه تاريخ نيسابور أو تاريخ علماء نيسابور، ويقول السبكى فى طبقاته إنه أكمل من تاريخ بغداد. ويؤلف الحسن (2) بن محمد القمى المتوفى سنة 406 تاريخ قم: مدينة الشيعة، باسم الصاحب بن عباد، وهو مطبوع فى طهران. ويؤلف أبو نعيم (3) المتوفى سنة 430 تاريخ أصبهان ويقول ابن خلكان فى ترجمته إنه نقل عن هذا الكتاب اسم أبيه ونسبه. ومن كتب القرن الخامس تاريخ الرىّ لأبى سعد الآبى صاحب نثر الدرر الذى عرضنا له فى غير هذا الموضع. ونلتقى فى القرن السادس بتاريخ مرو للسمعانى (4) المتوفى سنة 562 وتاريخ نسا وأبيورد للأبيوردى الشاعر المتوفى سنة 575.
وعنيت طائفة كبيرة من المؤرخين الإيرانيين بصنع كتب التراجم، ومنها العامة، ومنها الخاصة بطائفة معينة كالصوفية والفلاسفة أو الأطباء والشعراء والمغنين، ونذكر فى مقدمة تراجم الصوفية كتاب طبقات الصوفية لأبى عبد الرحمن (5) السّلمى النيسابورى المذكور بين المفسرين المتوفى سنة 412 للهجرة وعادة يقدّم معلومات دقيقة فى عبارات موجزة عن الصوفى الذى يترجم له ويذكر بعض عباراته وبعض ما كان يردده من أشعار. وأوسع منه
(1) ابن خلكان 4/ 289 وتذكرة الحفاظ 1031 والشذرات 2/ 234
(2)
انظر فى القمى بروكلمان (الترجمة العربية) 3/ 29
(3)
انظر فى أبى نعيم السبكى 4/ 18 وتذكرة الحفاظ 3/ 275 وشذرات الذهب 3/ 245 والمنتظم 8/ 100 وميزان الاعتدال 1/ 111 وطبقات القراء 1/ 71 وابن خلكان 1/ 91 والعبر 3/ 170.
(4)
راجع فى السمعانى المنتظم 10/ 224 وابن خلكان 3/ 209 وشذرات الذهب 4/ 205 ومرآة الجنان 4/ 371 والسبكى 7/ 180 وتذكرة الحفاظ للذهبى 4/ 1316
(5)
انظر فى السلمى السبكى 4/ 143 وتاريخ بغداد 2/ 248 واللباب 1/ 554 والمنتظم 8/ 6 وتذكرة الحفاظ وشذرات الذهب 3/ 196 وميزان الاعتدال 3/ 523
فى طبقات الصوفية كتاب حلية الأولياء لأبى نعيم صاحب تاريخ أصبهان الذى ذكرناه آنفا، وترجمانه أوسع وأخصب. ومن كتب تراجم الأطباء والفلاسفة كتاب تاريخ حكماء الإسلام لظهير الدين البيهقى (1) المتوفى سنة 565 وقد يسمّى تتمة صوان الحكمة، ونشر فى مصر بالاسم الأول وفى لاهور بالاسم الثانى.
واهم كتب التراجم التى عنيت بالشعراء كتاب الأغانى لأبى الفرج (2) الأصبهانى المتوفى سنة 356 ويقع فى نحو 25 مجلدا، ترجم فيه أبو الفرج للنابهين من شعراء الجاهلية والقرون الثلاثة الأولى للإسلام، ولم يترجم لأنبه الشعراء فحسب، بل ترجم أيضا لأنبه المغنين والمغنيات حتى نهاية القرن الثالث الهجرى. وعادة يذكر صوتا أو كما نقول الآن أغنية، ولذلك سماه الأغانى، ويتلو الأغنية دائما برقيمها الموسيقى قائلا مثلا إنها من الثقيل الأول ونحو ذلك، ويذكر اسم شاعرها ومن تغنى بها، ويترجم إما للشاعر وإما للمغنى أو المغنية ترجمة مفصلة، قد تمتد أحيانا إلى مائة صفحة، وقد تزيد كثيرا، وبذلك يطلعنا على كل ما يتصل بالشاعر من نشأة ومن علاقات اجتماعية ومن آراء لمعاصريه أو للنقاد فيه، موردا ذلك كله بأسلوب ناصع شفاف، يعرف كيف يروى وكيف يقصّ وكيف يسوق الأخبار سوقا مشوّقا، وفى أثناء ذلك يعرض عليك صور الحياة العربية والحضارة العباسية كما يعرض بعض الخلفاء، ويخيل إليك أحيانا أنك تراهم فى قصورهم وفى مجالسهم ومع حواشيهم يلهون ويطربون، رؤية مجسمة، تجعل الماضى أمامك حاضرا بحذافيره.
ويعنى الثعالبى بعده بعمل موسوعته الشعرية التى أشرنا إليها والتى سماها اليتيمة أو «يتيمة الدهر فى محاسن أهل العصر» وهى تراجم لجميع الأقاليم العربية ومن نبغ فيها من شعراء العروبة من الأندلس حتى أقصى الشرق من أقاليم إيران ولها النصيب الأوفر من الاهتمام فقد شغلت من الكتاب نحو نصفه، وبدأ الحديث فيها بذكر ابن العميد وبعض الوزراء الكتاب الأفذاذ ثم تحدث عن شعراء أصبهان فشعراء الجبل فشعراء فارس والأهواز فشعراء جرجان وطبرستان فشعراء خراسان وما وراء النهر، فبعض الشعراء النابهين المقيمين ببخارى وبغيرها من مدن أقصى الشرق فشعراء نيسابور. وجميعهم من شعراء القرن الرابع وأوائل الخامس، ويقول فى مقدمته إنه أورد فيه لبّ اللب، وحبّة القلب،
(1) راجع فى البيهقى معجم الأدباء 13/ 219
(2)
انظر فى أبى الفرج تاريخ بغداد 11/ 398 وتاريخ أصبهان لأبى نعيم 2/ 11 والمنتظم 7/ 40 ومعجم الأدباء 13/ 94 وإنباه الرواة 2/ 251 وابن خلكان 3/ 307 وعبر الذهبى 2/ 305 وميزان الاعتدال 3/ 123 ولسان الميزان 4/ 221 ومرآة الجنان 2/ 359 والشذرات 3/ 19 والنجوم الزاهرة 4/ 15 وروضات الجنات 487.
وناظر العين، ونكتة الكلمة، وواسطة العقد، ونقش الفصّ، مع كلام فى الإشارة إلى النظائر والأحاسن والسرقات، غير أنه عنى بأشعار الشعراء، والاختيار منها، ولم يعن، مثل أبى الفرج فى كتابه الأغانى، عناية واسعة بأخبار الشعراء إلا قليلا جدا لا يكاد يشفى غلّة. وأتبع الثعالبى اليتيمة بذيل لها سماه «تتمة اليتيمة» وزع فيه الشعراء على نفس الأقسام التى ذكرها فى اليتيمة، وبينما تقع اليتيمة فى أربع مجلدات كبار تقع التتمة فى جزءين، وهى مطبوعة فى طهران. والتتمة واليتيمة تؤرخان لشعراء الدولتين البويهية والسامانية وكذلك لشعراء الزياريين فى طبرستان والغزنويين فى غزنة. ويليهما كتاب «دمية القصر وعصرة أهل العصر» للباخرزى على بن الحسن المتوفى سنة 467 وهو يؤرخ لشعراء زمنه، ويجرى على نفس نظام اليتيمة، فيؤرخ لشعراء العالم العربى، ويعنى خاصة بشعراء إيران وأقاليمها كما عنى الثعالبى. وقد سار على غراره فى العناية بشعر الشعراء أكثر من أخبارهم، وكأن الثعالبى هو المسئول عن هذا الاتجاه فى الترجمة للشعراء، إذ عمّ وشاع لا فى إيران وحدها بل فى أقطار العالم العربى جميعها. ويأتى بعد الباخرزى فى الأهمية كتاب خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصبهانى الذى سبق أن ذكرناه بين المؤرخين وهو أيضا يترجم لشعراء الأقطار العربية لعصره أى فى القرن السادس الهجرى حتى نحو سنة 570 للهجرة، وتراجمه أوسع، غير أنها تصطبغ بصبغة اليتيمة، وخصّ إيران بقسم كبير من كتابه لم ينشر حتى الآن، ونشرت منه الأجزاء الخاصة بمصر والشام والعراق والمغرب والأندلس. .
ولعل أهم كتاب فى التراجم العامة هو كتاب الأنساب للسمعانى عبد الكريم بن محمد الذى ذكرناه بين المؤرخين للمدن وهو مطبوع فى مجلد ضخم بالزنكوغراف، وهو ليس فى الأنساب بمعنى نسب الشخص فى آبائه، بل هو أعم من ذلك، إذ يعنى بأنساب العلماء والأدباء إلى بلدانهم أو قبائلهم أو أسرهم أو صناعاتهم أو تجاراتهم. ويعرّف أولا بما ينسب إليه الشخص، وإذا كان بلدة ذكر مكانها، وكذلك الأنساب الأخرى ثم يترجم ترجمة دقيقة لصاحب النسبة، وقد يشترك فى النسب أو اللقب الواحد عدة أشخاص، فيتحدث عن كل منهم، أو قل يترجم لكل منهم ذاكرا مولده ووفاته. واختصر الكتاب عز الدين ابن الأثير فى مصنفه اللباب فى مختصر الأنساب، وإلى الكتابين نرجع فى كثير من التراجم، كما هو واضح فى الهوامش.