الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كقصائد «الشعر الفصيح» كانت تسمى بالقصائد الزجلية، ثم نوعوا فيها الأوزان والقوافى على شاكلة الموشح. وهو يقوم فى ضبط أوزان الأشعار العامية مقام ابن سناء الملك المصرى فى ضبطه للموشحات بكتابه المعروف «دار الطراز» . وتعرض صفى الدين الحلى لبعض أشعار ابن سناء الملك بنقد لغوى ذاهبا إلى أنه لما قلد الأندلسيين فى موشحاته وجعل خرجاتها عامية كثر فى نظمه استخدام اللفظ العامى، ويضرب لذلك بعض الأمثلة-فى رأيه-من شعره. وقد صحح هذه الأمثلة وردّها الصفدى فى شرحه للامية العجم الذى سماه «الغيث الذى انسجم فى شرح لامية العجم» . ولا نعود نسمع عن كتاب مهم فى النقد بالعراق بعد كتاب العاطل الحالى، فقد انصرف الباحثون إلى الدراسات البلاغية بين شروح وتلخيصات كثيرة.
4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام
مرّ بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى نشاط العراق فى روايته لقراءات الذكر الحكيم وكيف أن ابن مجاهد استخلص منها سبعا، هى قراءات الأئمة: نافع فى المدينة وعبد الله ابن كثير فى مكة وعاصم وحمزة والكسائى فى الكوفة وأبى عمرو بن العلاء فى البصرة وعبد الله بن عامر فى دمشق، وشاعت فى العالم الإسلامى إلى اليوم مدوّنة بكتابه السبعة الذى مضى العلماء منذ عصره يتدارسونه (1) وألّف كتابا ثانيا فى شواذ القراءات عنى بالتعليق عليه ابن جنى مسميا تعليقه المحتسب، وهو محقق ومنشور بالقاهرة. وذهب كثيرون بعد ابن مجاهد إلى أنه لا تقل عن القراءات السبع التى دوّنها بكتابه قراءة أبى جعفر يزيد ابن القعقاع شيخ نافع المتوفى سنة 130 للهجرة ويعقوب بن إسحق الحضرمى البصرى المتوفى سنة 205 وخلف بن هشام البغدادى المتوفى سنة 229. وبضم هذه القراءات إلى قراءات ابن مجاهد تصبح القراءات عشرا وتؤلف فيها الكتب. ويضم إليها كثيرون أربع قراءات هى قراءة ابن محيصن المكى معاصر ابن كثير وقراءة الأعمش الكوفى وقراءة اليزيدى البصرى تلميذ أبى عمرو بن العلاء وقراءة الحسن البصرى. وبذلك تصبح القراءات أربع عشرة. وتنشط العراق فى التأليف فيها، تارة يؤلف العلماء فى السبع وتارة يؤلفون فى العشر أو فى الأربع عشرة. فمن ذلك كتاب الجامع فى القراءات العشر لعلى بن محمد الخياط المتوفى سنة 405 وكتاب الروضة للحسن البغدادى فى إحدى عشرة قراءة وقد توفى
(1) حققت ونشرت فى دار المعاف هذا الكتاب.
سنة 438 وكتاب المفيد فى القراءات العشر لأبى نصر البغدادى المتوفى سنة 442 وكتاب التذكار فى القراءات العشر لابن شيطا البغدادى المتوفى سنة 445 وكتاب المستنير لأحمد ابن على بن سوار البغدادى المتوفى سنة 496 وهو أيضا فى القراءات العشر وكتاب المهذب فى القراءات العشر لمحمد بن أحمد بن الخياط البغدادى المتوفى سنة 499 وكتاب الإرشاد فى العشر للواسطى المتوفى سنة 521 وكتاب الموضح والمفتاح فى القراءات العشر لابن خيرون البغدادى المتوفى سنة 539 وكتاب المبهج فى القراءات الثمان لسبط الخياط البغدادى المتوفى سنة 541 وله كتاب الكفاية فى القراءات الست، وكتاب المصباح فى القراءات العشر لأبى الكرم البغدادى المتوفى سنة 551 وكتاب الكنز فى القراءات العشر لأبى محمد عبد الله الواسطى المتوفى سنة 740 وله كتاب الكفاية وهى قصيدة فى القراءات العشر على وزن القصيدة المشهورة باسم الشاطبية ورويها، وكذلك لمعاصره أبى الحسن على الديوانى الواسطى المتوفى سنة 743 قصيدة مماثلة للشاطبية. وكل هذه الكتب عرّف بها ابن الجزرى فى كتابه «النشر (1) فى القراءات العشر» وترجم لأصحابها فى كتابه غاية النهاية فى طبقات القراء.
وإذا انتقلنا إلى التفسير والمفسرين وجدنا العراق تنشط فى التفسير الفقهى والاعتزالى والسنى والشيعى، وقلما عنيت بالتفسير الصوفى، وكأنما تركته لمتصوفة خراسان وإيران من أمثال أبى عبد الرحمن السلمى والقشيرى ومتصوفة الأندلس من أمثال ابن عربى. وقد عنيت مبكرة بالتفسير الفقهى، على نحو ما نرى عند ابن الجصاص (2) أحمد بن على المتوفى سنة 370 فى كتابه أحكام القرآن، وهو مطبوع فى ثلاثة أجزاء بالقاهرة، ومثله كتاب أحكام القرآن للكيا (3) الهرّاسى المتوفى سنة 454 وأصله مثل ابن الجصاص إيرانى، ولكنهما نزلا بغداد، واستقرا فيها أما ابن الجصاص فقد نزلها سنة 325 وتلقى بها العلم، ثم أصبح مدرسا للفقه الحنفى وتركها بأخرة إلى نيسابور حيث توفى فيها، وأما الكيا الهراسى فقد درس فى نيسابور وعلم فى إحدى قراها المسماة بيهق، ثم خرج إلى العراق وتولى التدريس فى المدرسة النظامية ببغداد حتى توفى، وكان فى خدمته بها الشاعر الغزّى المشهور. وألفت فى أحكام القرآن كتب أخرى ليس لها شهرة الكتابين السابقين. وقد ذكرنا فى العصر
(1) انظر فى الكتب السالفة وأصحابها النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى (طبع القاهرة) 1/ 74 - 95
(2)
راجع فى ترجمة ابن الجصاص الجواهر المضية 1/ 84 وتاج التراجم فى طبقات الحنفية لابن قطلو بغا رقم 11 وبستان المحدثين لعبد العزيز الدهلوى 126 و «النجوم الزاهرة» 4/ 138 والفوائد البهية ص 27
(3)
انظر فى الكيا الهراسى المنتظم 9/ 167 وتبيين كذب المفترى 288 والسبكى 7/ 231 وعبر الذهبى 4/ 8 والشذرات 4/ 8 وابن خلكان 3/ 286
العباسى الثانى تفسيرات المعتزلة فى القرن الثالث الهجرى، ويستمر نشاط المعتزلة فى تفسير الذكر الحكيم لهذا العصر وخاصة فى أوائله، ويلقانا فيه تفسير لعلى بن عيسى الرمانى المعتزلى، ومر بنا أنه توفى سنة 384 وكان يقول: تفسيرى بستان يجتنى منه ما يشتهى، وقيل للصاحب بن عباد معاصره هلا تصنف تفسيرا؟ فقال: وهل ترك لنا على بن عيسى شيئا (1)، ويقول صاحب النجوم الزاهرة:«له كتاب التفسير الكبير وهو كثير الفوائد إلا أنه صرح فيه بالاعتزال، وسلك الزمخشرى سبيله وزاد عليه» (2). ومن هذا الاتجاه الاعتزالى كتاب التفسير الكبير لعبد السلام (3) بن محمد القزوينى نزيل بغداد وشيخ المعتزلة المتوفى سنة 488 ويقول السمعانى إنه مزج تفسيره بكلام المعتزلة وبث فيه معتقده وهو فى ثلاثمائة مجلد، منها سبع مجلدات فى سورة الفاتحة، ويقول صاحب النجوم الزاهرة إن الكتاب كان وقفا فى مشهد أبى حنيفة ببغداد. ويبدو أن المعتزلة اكتفوا فيما بعد بتفسير الزمخشرى المسمى بالكشاف، إذ لم ينشطوا بعده للتأليف فى تفسير القرآن.
ويظل التفسير السنى مزدهرا بعد تفسير الطبرى الذى عرضنا له فى العصر العباسى الثانى، ومن التفسيرات السنية المهمة فى العصر تفسير النقاش (4) البغدادى محمد بن الحسن المتوفى سنة 350 كان إمام أهل العراق فى القراءات والتفسير، وقد سمى تفسيره شفاء الصدور، وطوّف من مصر إلى ما وراء النهر فى لقاء المشايخ ولكنهم ضعّفوا أحاديثه، وقالوا إنه ليس بثقة على جلالته ونبله. ولأبى الحسن الماوردى إمام الشافعية فى عصره المتوفى كما مر بنا سنة 450 تفسير من أجل التفاسير. ويلقانا تفسير سنى لا يزال مخطوطا بدار الكتب المصرية وهو لأحمد (5) بن محمد الغزالى أخى الإمام الغزالى مدرس النظامية ببغداد المتوفى سنة 520. واشتهر ابن الجوزى المتوفى سنة 597 بتفسيره الذى سماه «زاد المسير فى علم التفسير». ومن أصحاب التفاسير السنية الرّسعنى (6) عبد الرزاق المتوفى سنة 661 وفيه يقول السيوطى:«صنف تفسيرا حسنا يروى فيه بأسانيده» . ومنهم علاء الدين على بن محمد البغدادى صاحب التفسير المعروف بتفسير الخازن (7) المتوفى سنة 741، وهو ملئ
(1) المنية والأمل لابن المرتضى ص 115
(2)
النجوم الزاهرة 4/ 168
(3)
انظر طبقات المفسرين 19 والنجوم الزاهرة 5/ 156 وتذكرة الحفاظ 4/ 8 ولسان الميزان 4/ 11 والسبكى 5/ 121 والشذرات 3/ 385.
(4)
راجعه فى تاريخ بغداد 2/ 201 ومعجم الأدباء 18/ 146 وتذكرة الحفاظ للذهبى (طبع حيدرآباد) 3/ 115 وطبقات القراء لابن الجزرى 2/ 119 وميزان الاعتدال 3/ 521 وابن خلكان 4/ 298 والسبكى 3/ 145.
(5)
انظره فى المنتظم 9/ 260 وميزان الاعتدال 1/ 150 وابن خلكان 1/ 97 والسبكى 6/ 60 والشذرات 4/ 60 ومرآة الجنان 3/ 224 ولسان الميزان 1/ 293.
(6)
راجعه فى طبقات المفسرين للسيوطى رقم 56
(7)
انظره فى طبقات المفسرين للداودى والدرر الكامنة 3/ 171.
بالإسرائيليات. ومن خير التفاسير السنية تفسير ذاع وشاع منذ تأليفه فى القرن الماضى، وهو كتاب «روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى» لشهاب الدين محمود الألوسى الذى مر ذكره والمتوفى سنة 1270 هـ/1853 م، وهو يعنى فى تفسيره ببيان أسباب النزول وبتفسير آى القرآن بعضها ببعض، وتفسيرها بالحديث النبوى، ويعنى باللغة ومسائل النحو والبلاغة، وقد اعتمد على كثير من مصادر التفسير فى القديم، وخاصة على الكشاف والبيضاوى والفخر الرازى، وهو يخوض مثل الفخر فى مباحث فلسفية ورياضية وطبيعية كثيرة. وقد عنى عناية واسعة بالرد على الطبرسى الشيعى فى تفسيره، وخاصة فى مسائل الإمامية الاعتقادية. ونراه يعنى بالرد فى مسائل كثيرة على حجج الشافعية، وخاصة تلك التى يثيرها المفسر الشافعى الكبير الفخر الرازى فى تفسيره. ومع أنه كان حنفياّ، والحنفية غالبا كانوا معتزلة أو ماتريدية، نراه فى تفسيره أشعريا، وهو بذلك يلتقى مع الفخر الرازى فى نصرته للمذهب الأشعرى. ويذكر ابن عربى مرارا فى تفسيره، ويتضح تأثره به وبتفاسير الصوفية عامة حين نراه فى كثير من الآيات بعد أن يوضح المراد منها يتغلغل فى معان باطنة لا يدل عليها ظاهرها أى دلالة، ومن الغريب أنه يذكر مرارا أن قصر مراد الله على التأويلات البعيدة كفر صريح ومع ذلك نراه أحيانا يتمادى فيها، وكان حريا أن يخلى تفسيره منها ومن شوائبها إخلاء تامّا.
وقد ذكرنا فى العصر العباسى الثانى للتفسير الشيعى بعض التفاسير التى نسبها الشيعة إلى أئمتهم، مثل تفسير الإمام الحسن العسكرى المتوفى سنة 260 وهو الإمام الحادى عشر فى ترتيب الإمامية، وبمجرد اطلاعنا عليه نستبعد أن يكون من صنعه حقا لركاكة أساليبه ولما فيه من تأويلات باطنية بعيدة. ويأتى بعده تفسير القمى (1) على بن إبراهيم المتوفى لأوائل القرن الرابع الهجرى، وهو فى جملته نقول عن أئمة الإمامية وكثير منها يبعد عن ظاهر النص القرآنى ومراده، مما يدل على أن نسبتها إليهم غير صحيحة. وما نصل إلى أواخر القرن الرابع حتى نلتقى بالشريف الرضى المتوفى سنة 406 وبتفسيره الذى سماه «حقائق التأويل فى متشابه التنزيل» وقد نشر منه فى بيروت الجزء الخامس، ومن يطلع عليه يجد له فيه عملين كبيرين: أولهما البعد عن التفسير الباطنى الشيعى لآيات الذكر الحكيم، وثانيهما ترك الروايات عن الأئمة والاحتكام إلى العقل، وهو احتكام وصل تفسيره بتفاسير المعتزلة،
(1) انظره فى طبقات المفسرين للداودى 1/ 385 والذريعة إلى تصانيف الشيعة لأغابزرك 4/ 302 وتفسيره مطبوع بالنجف.
والصلة بين المعتزلة والشيعة الإمامية قديمة ومعروفة، وتتردد فى التفسير أسماء بعض أعلامهم مثل أبى على الجبّائى وعلى بن عيسى الرمّانى والقاضى عبد الجبار. واتجه نفس الوجهة أخوه الشريف المرتضى (1) فى كتابه «الأمالى» إذ نراه فيه يقف إزاء الآيات التى قد يفيد ظاهرها التشبيه على الذات العلية أو الجبر ليؤولها على طريقة المعتزلة، وفى الوقت نفسه لا يروى فيها نقولا عن الأئمة. وبذلك يعدّان للتفسير بالرأى والعقل فى بيئة الإمامية، واستضاء بعملهما فى هذا الاتجاه الطوسى (2) أبو جعفر محمد بن الحسن تلميذ الشريف المرتضى، وقد توفى سنة 460 واشتهر بتفسير للذكر الحكيم سماه «التبيان فى تفسير القرآن» وهو مطبوع بالنجف فى عشرة أجزاء، وقد عنى فى تفسيره بالتقريب بين تفسيرات الشيعة وتفسيرات أهل السنة. إذ روى فى تفسيره عن الصحابة من أمثال أبى بكر الصديق وعمر، وكذلك عن التابعين دون تعصب مذهبى، ووضع بجانبهم ما نقله عن الأئمة فى عقيدته الإمامية، واتخذ تفسير الطبرى السنى هاديا له فى تفسيره، وكما نقل عن كتب الحديث الشيعية مثل الأمالى لابن بابويه القمى وأمالى ابن النعمان المفيد نقل عن كتب الحديث المشهورة لأهل السنة مثل مسند ابن حنبل وكتب الصحاح الستة. وعلى ضوء دراسات الشريفين المرتضى والرضى عنى بالتفسير العقلى وفسح للتأثر بالمعتزلة فى نفى التشبيه عن الذات العلية. وليس معنى ذلك كله أنه تخلص فى تفسيره من عقيدته الإمامية، بل لقد نصرها فى مواطن كثيرة وخاصة عقيدتهم فى الإمام وأنه معصوم وحجة الله فى أرضه وصاحب علم باطنى متوارث إلى غير ذلك من أصول العقيدة الإمامية، وقد تأثر به الطّبرسى فى تفسيره تأثرا واسعا.
وكانت بغداد دارا قديمة للحديث، وظلت شديدة العناية به وبحفّاظه طوال هذا العصر، وأول من نلقاه من أعلامه البزاز محمد (3) بن عبد الله المتوفى سنة 354 وله كتاب العوالى فى الحديث وهى مجموعة يمتاز سندها بقلة رواته، وكان يعاصره الآجرى (4) أبو بكر محمد بن الحسين المتوفى سنة 360 وله كتاب يضم أربعين حديثا مختارة،
(1) راجع فى الشريف المرتضى تاريخ بغداد 12/ 402 وتتمة اليتيمة 1/ 53 وابن خلكان 3/ 313 ومعجم الأدباء 13/ 146 وإنباه الرواة 2/ 249 وما به من مراجع
(2)
انظر فى الطوسى المنتظم 8/ 252 والنجوم الزاهرة 5/ 82 ولسان الميزان 5/ 135 وروضات الجنات 580 ودائرة المعارف الإسلامية.
(3)
انظره فى تذكرة الحفاظ 3/ 906 وطبقات الحفاظ للسيوطى 121. وبروكلمان 2073.
(4)
راجعه فى تذكرة الحفاظ 3/ 139 وتاريخ بغداد 2/ 203 والسبكى 3/ 149 وابن خلكان 4/ 292 والشذرات 3/ 35 والمنتظم 7/ 55 والوافى 2/ 373.
ويخلفهما الدارقطنى (1) على بن عمر المتوفى سنة 385 وهو منسوب إلى محلة ببغداد تسمى دار قطن. وله كتاب السنن» وقد نشر قديما فى دلهى، واشتهر الدارقطنى بأنه تعقب فى كتابه الاستدراكات وجوه الضعف فى بعض أحاديث رواها الشيخان: البخارى ومسلم، وله كتاب فى الضعفاء والمتروكين من الرواة «وكتاب فى العلل، وآخر فى غريب الحديث.
وكان يعاصره الكلاباذى (2) أحمد بن محمد المتوفى سنة 398 وله كتاب فى رجال البخارى، وجاء بعده اللالكائى (3) هبة الله بن الحسن محدث بغداد المتوفى سنة 418 وله كتاب فى رجال الصحيحين وكتاب فى السنن، وكان يعاصره البرقانى (4) أحمد بن محمد شيخ بغداد المتوفى سنة 425 وله مصنفات مختلفة فى الحديث، منها مسند ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخارى ومسلم. ثم يلقانا الخطيب (5) البغدادى أحمد بن على بن ثابت المتوفى سنة 463 وكان فى وقته حافظ المشرق الذى لا يدافع، وله مصنفات كثيرة فى الحديث ورجاله، ومن أطرف ما له كتاب تقييد العلم، وفيه يتحدث عن تدوين الحديث وأوائل من دونوه. وكان يعاصره ابن ماكولا (6) المتوفى سنة 475 وهو صاحب الإكمال تتبع فيه الألفاظ المشتبهة فى أسماء رواة الحديث، يقول ابن خلكان: هو فى غاية الإفادة فى رفع الالتباس والضبط والتقييد وعليه اعتماد المحدثين وأرباب هذا الشأن فإنه لم يوضع مثله ولقد أحسن فيه غاية الإحسان. ومن محدّثى القرن السادس ابن الجوزى عبد الرحمن ابن على المتوفى سنة 597، وله عدة مصنفات فى الحديث من أهمها كتابه «الموضوعات» فى أربعة أجزاء ذكر فيه الأحاديث الموضوعة. وكان يعاصره مجد الدين المبارك بن محمد المعروف بابن (7) الأثير الجزرى الموصلى المتوفى سنة 606 وله جامع الأصول فى أحاديث الرسول جمع فيه بين الصحاح الستة، وله أيضا كتاب النهاية فى
(1) انظره فى تاريخ بغداد 12/ 34 والمنتظم 7/ 183 أو الأنساب 217 وطبقات القراء 1/ 558 والسبكى 3/ 462 وتذكرة الحفاظ 3/ 186 وابن خلكان 3/ 297 وعبر الذهبى 3/ 28 واللباب 1/ 404.
(2)
انظره فى تذكرة الحفاظ 3/ 216 وتاريخ بغداد 4/ 434 وبروكلمان 3/ 228.
(3)
تذكرة الحفاظ 3/ 267 وتاريخ بغداد 14/ 70
(4)
تذكرة الحفاظ 3/ 259 وتاريخ بغداد 4/ 373 والسبكى 4/ 47 والمنتظم 8/ 79.
(5)
انظره فى تذكرة الحفاظ 3/ 312 وتهذيب ابن عساكر 1/ 398 ومعجم الأدباء 4/ 13 والمنتظم 8/ 265 والعبر 3/ 253 والشذرات 3/ 311 والسبكى 4/ 29 وابن خلكان 1/ 92 وكتاب الخطيب البغدادى مؤرخ بغداد ومحدثها ليوسف العش.
(6)
راجعه فى تذكرة الحفاظ 4/ 1 والمنتظم 9/ 5 ومعجم الأدباء 15/ 102 وابن خلكان 3/ 305 وعبر الذهبى 3/ 317 والشذرات 2/ 318 وفوات الوفيات 2/ 185.
(7)
انظره فى تذكرة الحفاظ 4/ 185 وابن خلكان 4/ 141 ومعجم الأدباء 17/ 71 وإنباه الرواة 3/ 257 ومرآة الجنان 4/ 11 والسبكى 8/ 366 والعبر 5/ 19 وروضات الجنات 585.
غريب الحديث. وجاء بعده ابن نقطة (1) محمد بن عبد الغنى الحنبلى المتوفى سنة 629 وله ذيل على الإكمال لابن ماكولا فى مجلدين، وله كتاب التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد.
وكان يعاصره ابن الدّبيثى وابن النجار وسنعرض لهما فى حديثنا عن علم التاريخ. وجاء بعدهما من كبار الحفاظ ابن الفوطىّ المتوفى سنة 723 وسنذكره معهما. وجاء بعده صفى الدين الحسين (2) بن بدران مدرس الحديث بالمستنصرية المتوفى سنة 749 وخلفه الكرمانى شمس الدين محمد بن يوسف المتوفى سنة 786 وله الكواكب الدرارى فى شرح صحيح البخارى، وهو مطبوع بالقاهرة. وتلاه ابنه تقى الدين (3) يحيى البغدادى المتوفى سنة 833 وله شرح على صحيحى البخارى ومسلم.
وحتى الآن لم نعرض لكتب الحديث عند الشيعة الإمامية، ومن أهمها عندهم كتاب الأمالى لابن بابويه القمى المتوفى سنة 381 ولا يقل عنه أهمية كتاب الأمالى للمفيد (4) محمد بن محمد بن النعمان المتوفى سنة 413 وهو أستاذ الطوسى المفسر الذى مر ذكره، وأماليه مطبوعة بالنجف، وهى تشتمل على اثنين وأربعين مجلسا تقتصر على أحاديث مروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته. وللطوسى كتب مختلفة فى الحديث مطبوعة بالنجف وأهمها الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، وهو من الكتب الأربعة الأساسية فى العقيدة الإمامية. ودائما كتب الشيعة الإمامية فى العقيدة مشحونة بالأحاديث، وظل ذلك طوال هذا العصر على نحو ما نجد عند المطهر (5) الحلى الحسين بن يوسف المتوفى سنة 726 وكان رأس الشيعة الإمامية الاثنى عشرية بالحلّة، ولازم النصير الطوسى مدة واشتغل فى العلوم العقلية-كما يقول ابن حجر-فمهر فيها، وله مصنفات كثيرة فى الإمامة والشريعة، ردّ عليه فيها ابن تيمية وأظهر-كما يقول ابن حجر-أن كثيرا من الأحاديث عنده غير صحيحة.
وكما كانت بغداد دارا للحديث وحفاظه كانت أيضا دارا للفقه والفقهاء، وأول مذهب فقهى نقف عنده مذهب أبى حنيفة، ولعل أول فقيه حنفى جدير بالوقوف عنده فى هذا العصر القدورى (6) أحمد بن محمد المتوفى سنة 428 وله مختصر مشهور فى الفقه الحنفى لا يزال
(1) راجعه فى تذكرة الحفاظ 4/ 197 والعبر 5/ 117 وابن خلكان 4/ 392 والشذرات 5/ 132.
(2)
انظره فى الدرر الكامنة 2/ 139 والشذرات 1/ 163.
(3)
راجعه فى الضوء اللامع 10/ 25 والعزاوى 1/ 67
(4)
انظره فى كتاب الرجال للنجاشى 283 ومنهج المقال للاسترابادى 317 وروضات الجنات 563 وبروكلمان 3/ 349.
(5)
راجعه فى الدرر الكامنة لابن حجر (طبعة دار الكتب الحديثة) 2/ 158 والعزاوى 1/ 166.
(6)
انظره فى تاريخ بغداد 4/ 377 وابن خلكان 1/ 78 والعبر 3/ 164 وتاج التراجم رقم 13 والجواهر المضية 1/ 93 والفوائد البهية للكنوى 17 وبروكلمان 3/ 269.
يدرس إلى اليوم وقد طبع طبقات مختلفة واهتم به العلماء الأحناف بعده وصنعوا له شروحا مطولة وموجزة. وكان يعاصره أبو زيد الدبوسى (1) عبد الله بن عمر المتوفى سنة:
430 وله تأسيس النظر فى الخلاف، وهو مطبوع فى القاهرة، ويقال إنه أول من أسس علم الخلاف بين الفقهاء ومذاهبهم المتقابلة. ومنذ أبى يوسف فى عهد الرشيد وعنايته بأن يجعل على القضاء فقهاء الأحناف فى بغداد وغيرها نشط الفقه الحنفى فى العراق، وكان مما ساعد على ذلك المدرسة التى بناها المستوفى الخوارزمى فى عهد السلطان ملكشاه السلجوقى للحنفية (2) عند مشهد الإمام أبى حنيفة. وحين بنى المستنصر مدرسته المستنصرية-كما مر بنا-جعل لكل مذهب من المذاهب الأربعة: الحنفى والمالكى والشافعى والحنبلى إيوانا فيه المسجد وموضع التدريس. وبذلك ظل لفقهاء الحنفية نشاطهم. ومنهم مظفر (3) الدين بن الساعاتى المدرس بالمستنصرية المتوفى ببغداد سنة 696 وله كتاب مجمع البحرين شرحه فى مجلدين. ومنهم أبو البركات (4) النسفى، المتوفى سنة 701 وله مصفات مختلفة فى الفقه الحنفى، من أهمها الكنز وله شهرة كبيرة فى تدريس المذهب، وعليه شروح كثيرة ونلتقى منذ هذا التاريخ بشروح ومتون مختلفة فى الفقه الحنفى.
وكان البغداديون أقل عناية بالفقه المالكى، وأكثر من كانوا يعتنقون هذا المذهب وفدوا على بغداد، ومع ذلك نجد من حين إلى حين فقيها مالكيا كبيرا بغداديا أو عراقيا مثل الباقلانى المتوفى سنة 403 وكان شيخه ابن مجاهد محمد بن أحمد الطائى مالكيا مثله (5).
وممن وفدوا على العراق أبو العباس المالكى أحمد (6) بن محمد المتوفى سنة 507. وكانت حلقة المذهب فى المدرسة المستنصرية كما ذكرنا آنفا سببا فى أن يظل حيّا بالعراق، ويظل له شيوخه وفقهاؤه.
وكان الفقه الشافعى أكثر نشاطا من فقه المذهبين المالكى والحنفى، ومن أهم فقهائه أبو (7) حامد المرورّوذى أستاذ أبى حيان التوحيدى، وعنه حمل المذهب فقهاء البصرة، وقد توفى سنة 362 ويلقانا بعده فى بغداد أبو حامد الإسفراينى (8) المتوفى سنة 406 وله فى
(1) راجع فى الدبوسى الفوائد البهية 25 والجواهر المضية 2/ 252 وابن خلكان 3/ 48 وتاج التراجم رقم 107 وبروكلمان 3/ 273.
(2)
ابن خلكان 5/ 414.
(3)
انظره فى تاج التراجم ص 6 والجواهر المضية 1/ 80 والفوائد البهية 16. وبروكلمان 6/ 357.
(4)
ستذكر مصادر ترجمته فى القسم الخاص بإيران
(5)
السبكى 3/ 368
(6)
المنتظم 9/ 175
(7)
انظره فى السبكى 3/ 12 وابن خلكان 1/ 69 والعبر 2/ 326 والشذرات 3/ 40
(8)
راجعه فى السبكى 4/ 61 وتاريخ بغداد 4/ 368 وابن خلكان 1/ 72 والعبر 3/ 92 والشذرات 3/ 178
المذهب التعليقة الكبرى، وكان يحضر مجلسه ثلاثمائة فقيه. ومن نابهى فقهاء المذهب ببغداد المحاملى (1) الضّبّى المتوفى سنة 415 وله كتاب اللباب فى الفقه الشافعى واختصره أبو زرعة العراقى المتوفى سنة 826 واختصر هذا المختصر شيخ الإسلام المصرى زكريا الأنصارى المتوفى سنة 926. ومر بنا حديث عن الماوردى المتوفى سنة 450 وكتابه الأحكام السلطانية، وقد درّس المذهب فى البصرة وبغداد، وله فى الفقه كتابان هما الحاوى والإقناع ونشر له فى العراق كتاب أدب القاضى فى مجلدين، وقد ذكرنا له كتابا فى التفسير. ويزدهر المذهب الشافعى فى العراق منذ تأسيس نظام الملك لمدرسته النظامية ببغداد سنة 458 وأسس لها أختين فى البصرة والموصل، ووقف عليها جميعا أوقافا كثيرة، وجعل التدريس فيها خاصا بفقهاء الشافعية لا فى الفقه وحده بل فى مختلف العلوم، وقد أسند تدريس المذهب فى نظامية بغداد لأبى إسحق الشيرازى أحد أئمته المشهورين، ويظل يتداول وظائفها كبار الفقهاء فى المذهب، مما أحدث فيه ازدهارا حقيقيا لا فى بغداد وحدها بل أيضا فى البصرة والموصل، ويعنى السبكى فى طبقاته بالترجمة لأعلام الشافعية فى العراق وإحصاء مصنفاتهم ولن نستطيع أن نتابعه، ونكتفى بأن نذكر من بين من ترجم لهم الشّهرزورى (2) قاضى القضاة محمد بن محمد المدرس بنظامية الموصل المتوفى سنة 586 وابن فضلان (3) محمد بن واثق مدرس المستنصرية المتوفى سنة 631 وابن يونس (4) الموصلى عبد الرحيم ابن محمد المتوفى سنة 671، وله التعجيز: مختصر الوجيز والنبيه فى اختصار التنبيه ومختصر المحصول فى أصول الفقه، ويقول السبكى:«كان آية فى القدرة على الاختصار، ومن أحسن مختصراته فى الفقه كتاب سماه «نهاية النفاسة» قلّ أن رأيت مثله فى عذوبة منطقه وكثرة المعنى وصغر الحجم، وسأله الحنفية أن يختصر لهم مختصر القدورى» أو موجزه فاختصره اختصارا حسنا. وعلى هذا النحو ظل الفقه الشافعى ناشطا فى العراق بفضل مدارسه وفقهائه. وكان للمدرستين النظامية والمستنصرية فى ذلك حظ موفور.
ولعل المذهب الحنبلى كان أكثر المذاهب الفقهية أشياعا وأنصارا فى بغداد، منذ التف الناس حول مؤسسه أحمد بن حنبل، وقد جعل موقفه من الدولة فى إنكار الفكرة القائلة
(1) انظره فى السبكى 4/ 48 وتاريخ بغداد 4/ 372 والعبر 3/ 119 والمنتظم 8/ 17 وابن خلكان 1/ 74 والشذرات 3/ 202.
(2)
راجعه فى السبكى 6/ 185 والعبر 4/ 259 والنجوم الزاهرة 6/ 112
(3)
انظره فى السبكى 8/ 107 والشذرات 5/ 146 والعبر 5/ 126
(4)
راجعه فى السبكى 8/ 191 والشذرات 5/ 332 ومرآة الجنان 4/ 171 وذيل مرآة الزمان 3/ 14.
بأن القرآن مخلوق زعيما شعبيا، وكان ذلك من أسباب ازدهار مذهبه طوال هذا العصر، ويكفى أن نمثّل بطائفة من فقهائه، وممن يلقانا منهم فى مطالع العصر ابن (1) بطة عبيد الله بن محمد العكبرى المتوفى سنة 387 وله كتاب الإبانة بأصول الديانة، وهو شرح لعقيدة ابن حنبل السنية. ومن نابهيهم فى القرن الخامس الشريف أبو (2) جعفر المتوفى سنة 470 كان إمام الحنابلة فى عصره، وله رءوس المسائل وشرح المذهب، وجزء فى أدب الفقه. ومنهم فى القرن السادس أبو الخطاب محفوظ (3) الكلواذانى المتوفى سنة 510 أحد أئمة المذهب ومن تصانيفه الهداية فى الفقه والخلاف الكبير المسمى بالانتصار فى المسائل الكبار، والخلاف الصغير المسمى برءوس المسائل، وكان يعاصره يحيى (4) بن منده المتوفى سنة 512 صنّف مناقب الإمام أحمد بن حنبل فى مجلد كبير، وكان يعاصرهما أبو (5) الوفاء ابن عقيل، المتوفى أيضا سنة 512، وله فى الفقه الحنبلى كتاب الفصول ويسمى كفاية المفتى، فى عشرة مجلدات وكتاب عمدة الأدلة، وأكبر كتبه كتاب الفنون وهو كبير جدّا، يقال إنه كان فى مائتى مجلد، وهو فى الوعظ والتفسير والفقه والنحو واللغة والشعر والتاريخ والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه، وقال الحافظ الذهبى فى تاريخه: لم يصنّف فى الدنيا أكبر من هذا الكتاب. وكان يعاصره ابن أبى يعلى الفرّاء (6) المتوفى سنة 526 وله تصانيف كثيرة فى الفقه والأصول، منها المجموع فى الفقه، ورءوس المسائل، والمفردات فى الفقه، وأيضا المفردات والأصول، منها المجموع فى الفقه، ورءوس المسائل، والمفردات فى الفقه، وأيضا المفردات فى أصول الفقه. ونلتقى فى أواخر القرن السادس بعلم حنبلى كبير هو ابن الجوزى. وظل الفقه الحنبلى مزدهرا فى العراق طوال العصر، ومن فقهائه ابن (7) البرزالى الحنبلى المدرس بالمستنصرية المتوفى سنة 734 وكان يعاصره صفى (8) الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادى المتوفى سنة 739 ودرس معه فى المستنصرية، وممن درسوا فيها ابن العاقولى (9) محمد بن محمد المتوفى سنة 797. وبجانب هذه المدرسة كان
(1) انظره فى تاريخ بغداد 10/ 371 وطبقات الحنابلة لابن أبى يعلى 346.
(2)
راجعه فى ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (طبعة المعهد الفرنسى بدمشق) 1/ 20
(3)
انظره فى ابن رجب 1/ 143 والنجوم الزاهرة 5/ 212
(4)
راجعه فى ابن رجب 1/ 154 وابن خلكان 6/ 168 والشذرات 4/ 32 والعبر 4/ 25 ومرآة الجنان 3/ 202.
(5)
انظره فى ابن رجب 1/ 171 والنجوم الزاهرة 5/ 219.
(6)
راجعه فى ابن رجب 1/ 212.
(7)
الدرر الكامنة 5/ 3 والشذرات 6/ 111.
(8)
ذكر ابن حجر فى الدرر الكامنة 3/ 32 أنه كان شيخ العراق على الإطلاق، وعد له مصنفات كثيرة وقال: أخذ عنه عمر بن على معيد الحنابلة
(9)
انظره فى الشذرات 6/ 351 والدرر الكامنة 4/ 314 وراجع ابن حجر فى إنباء الغمر بأبناء العمر (طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة) 1/ 504 حيث يقول إنه انتهت إليه رياسة المذهب الحنبلى ببغداد، ويذكر له كتاب شرح المصابيح وأربعين حديثا عن أربعين شخصا.
كثير من الحنابلة يدرسون فى جامع المنصور وفى بعض مدارس بغداد المتفرقة.
وكان مذهب داود الظاهرى فى الفقه الذى تحدثنا عنه فى العصر العباسى الثانى لا يزال له أنصار فى القرنين الأولين من هذا العصر، وهو مذهب كان ينكر القياس والرأى فى الفقه، وتبعه كثيرون فى المائتين الرابعة والخامسة فى الأندلس، إذ عمل هناك ابن حزم المتوفى سنة 456 على إذاعته، وألف كتبا كثيرة لنصرته، ونجد أحد تلاميذه وهو الحميدى (1) محمد بن فتوح المتوفى سنة 491 يستوطن بغداد منذ أواسط القرن الخامس وفيها أذاع كثيرا مما كان يحمله عن أستاذه ابن حزم. ولا نزال نسمع فى العراق وبغداد عن أتباع المذهب الظاهرى حتى أوائل القرن السابع الهجرى، إذ نجد من معتنقيه أبا سليمان (2) الداودى الضرير المتوفى سنة 615. وكان الطبرى مفسر القرآن العظيم قد اتخذ لنفسه مذهبا فقهيا يقوم على الاجتهاد، ولكن مذهبه لم ينجح نجاح المذهب الظاهرى، ومع ذلك نجد من أتباعه فى أواخر القرن الرابع الهجرى المعافى (3) بن زكريا النهروانى المتوفى سنة 390 وهو من قضاة بغداد، ويقول ابن خلكان فى ترجمته: إنه كان للطبرى أتباع وأخذ بمذهبه جماعة، منهم المعافى المذكور. وعلى كل حال لم يعش هذا المذهب الفقهى طويلا، وعاش مدة أطول منه المذهب الظاهرى فى بغداد، غير أننا لا نعود نسمع به بعد إنشاء المدرسة المستنصرية، إذ كانت العناية فيها فقط بالمذاهب الفقهية الأربعة: مذاهب أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل.
وكان الفقه الشيعى يقابل كل هذه المذاهب، وكان هناك فقهان: فقه الزيدية وفقه الإمامية، وكانت الكوفة مركز الفقه الأول فى القرن الرابع الهجرى، وانقسم فقهاؤها إلى أربعة مذاهب على نحو ما يوضح ذلك كتاب الجامع (4) الكافى فى فقه الزيدية لأبى عبد الله محمد بن على الحسنى المتوفى سنة 445. ويبدو أن نشاط الفقه الزيدى هناك توقف منذ القرن الخامس، إذ استغرق الكوفة وبغداد المذهب الإمامى عند الشيعة، وكأن نشاط الفقه الزيدى انسحب إلى اليمن: أما الفقه الإمامى فيأخذ فى النشاط طوال العصر، منذ ألف الكلينى (5) الرازى محمد بن يعقوب كتابه الكافى فى علم الدين، وقد توفى ببغداد
(1) انظره فى ابن خلكان 4/ 282 وتذكرة الحفاظ 4/ 17 والمنتظم 9/ 96 والصلة لابن بشكوال (طبع القاهرة) 530 والواقى 4/ 317.
(2)
راجعه فى طبقات القراء 1/ 278.
(3)
انظره فى ابن خلكان 5/ 221 وما به من مراجع
(4)
انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربى (طبع دار المعارف) 3/ 334
(5)
راجعه فى الأنساب 486 والرجال للنجاشى 266 وروضات الجنات 550 ولؤلؤة البحرين ليوسف البحرانى 314 وبروكلمان 3/ 339
سنة 328 وكتابه أحد الكتب الأربعة الأساسية عند الشيعة الإمامية. وهو يتناول فيه عقيدة الإمامية وأسسها وبه أكثر من ستة عشر ألف حديث. وجاء بعده ابن (1) بابويه القمى نزيل بغداد الذى ذكرناه فى غير هذا الموضع وله كتاب من لا يحضره الفقيه فى تطبيق أحكام الفقه، وهو من الكتب الأربعة الأساسية عند الشيعة الإمامية، وهو مطبوع، وللشيخ المفيد الرسالة المقنعة فى أسس التشريع، وهى مطبوعة مع شرح لتلميذه الطوسى فى تبريز، وللطوسى كما مر بنا فى الحديث كتاب الاستبصار، وهو كتاب فقهى ويعتمدون عليه اعتمادا كليا فى استنباط الأحكام الشرعية، وله أيضا كتاب تهذيب الأحكام، وهو أيضا من المصادر الأربعة الأساسية عند الإمامية، وأحاديثه مرتبة على أبواب الفقه الأساسية. ومن كتبه فى الفقه «المبسوط» وهو مطبوع بإيران، وكتاب النهاية فى مجرد الفقه والفتاوى، وهو مطبوع، وقد اتخذه الشيعة الإمامية محورا لدراساتهم الفقهية منذ عصره، وله فى العبادات كتاب مصباح المتهجد جعله فى عشرة أبواب، وزاد عليه فى القرن الثامن المطهر الحلى المار ذكره بابا سماه الباب الحادى عشر، جعله مكملا له، والكتاب مطبوع ومعه شرح للمقداد بن عبد الله الحلبى.
ومرّ بنا فى العصر العباسى الثانى حديث مفصل عن الاعتزال وأئمته وانبثاق مذهب الأشعرى منه مع بيان وجوه الخلاف بينه وبين المعتزلة ووجوه الصلة بينه وبين أهل السنة، وقد طار مذهبه فى هذا العصر كل مطار، فكان الشافعية فى خراسان وبغداد وأكثر بلدان العالم الإسلامى يعتنقونه طوال العصر. وبالمثل اعتنقه المالكية حتى قيل إنهم أخص الفقهاء به. واعتنقه أكثر الحنفية فى بغداد، أما فى خراسان فقد اعتنقت كثرتهم العقيدة الماتريدية لمحمد بن محمد الماتريدى السمرقندى المتوفى سنة 333 وهو يقترب فى عقيدته اقترابا شديدا من الأشعرى معاصره، وكل ما يمكن أن يقال إنه أخذ بفكرة الاختيار فى خلق الناس لأفعالهم، بينما كان الأشعرى يقول-كما مر بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى-إن أفعال الإنسان لله خلقا وصنعا وللإنسان كسبا وإرادة، فهو يريدها والله يختلقها فيه. ولم يكن ذلك معارضة شديدة لمذهب الأشعرى فإن بعض الأشاعرة ممن جاءوا بعد أوشكوا أن يأخذوا برأى الماتريدى، ومن المؤكد أن عقيدته سنية كعقيدة الأشعرى. ويروى السبكى أن فضلاء الحنابلة كانوا أشاعرة، إلا من جنح منهم إلى تشبيه (2) أخذا
(1) انظره عند النجاشى 276 وفى لؤلؤة البحرين 300 وروضات الجنات 557 وبروكلمان 3/ 343 وما به من مراجع
(2)
السبكى 3/ 365 - 374 وما بعدها.
بظاهر القرآن. ومعنى ذلك أن مذهب الاعتزال أخذ يتضاءل خاصة بعد القرن الرابع الهجرى، حقا نسمع من حين إلى حين ببعض المعتزلة مثل الزمخشرى ولكن كثرة الفقهاء والعلماء انضوت تحت راية الأشعرى. ومن كبار الأشعرية فى القرن الرابع أبو بكر الباقلانى (1) محمد بن الطيب البصرى المتوفى سنة 403 يقول ابن خلكان: كان على مذهب أبى الحسن الأشعرى ومؤيدا اعتقاده وناصرا طريقته سكن بغداد وتولى بها القضاء وصنف التصانيف الكثيرة المشهورة فى علم الكلام، انتهت إليه الرياسة فى مذهبه، وكان كثير التطويل فى المناظرة والجدل قوى الحجة والبرهنة على آرائه (2)، ومن مصنفاته فى عقيدته البيان والتمهيد فى الرد على الملحدين وأضرابهم، وهو منشور ومثله كتابه الاستبصار، وخالف الأشعرى فى مسائل، منها ما ذهب إليه الأشعرى من أن الكافر لا تسبغ عليه نعمة، إذ كل ما يتقلب فيه استدراج، وكان أبو حنيفة يذهب إلى أن النعمة تسبغ عليه ووافقه الباقلانى (3). وكان الأشعرى كما مر بنا آنفا ينفى الاختيار عن أعمال الإنسان ويجعله كسبا، بينما كان الماتريدى يجعله اختيارا، ويفهم من كلام الباقلانى أنه يأخذ برأى الماتريدى أو يتقدم نحوه خطوة، ويقول السبكى:«ولإمام الحرمين والغزالى فى ذلك مذهب يزيد على مذهب الباقلانى والأشعرى ويدنو كل الدنو من الاعتزال» أو بعبارة أدق من رأى الماتريدى (4). وعلى ضوء ما ذهب إليه أبو الحسن الأشعرى من أنه لابد من اقتران الأدلة العقلية بالأدلة السمعية من الكتاب والسنة كان الباقلانى ينكر على بعض الفقهاء الشافعية من الأشعرية قولهم بأنه: «يجب شكر المنعم عقلا» (5) إذ كان ينبغى أن يقولوا: يجب شكر المنعم عقلا وشرعا. ويكثر علماء العقيدة الأشعرية فى القرن الخامس وما بعده، ويكفى أن نعد منهم أبا حامد الإسفراينى وإمام الحرمين الجوينى والقشيرى والغزالى، وعدّ منهم السبكى فى ترجمته للأشعرى خمس طبقات، وكل طبقة تكتظ بأئمة العقيدة وأعلامها فى الوطن الإسلامى (6). وألف أهل السنة من الحنابلة كتبا كثيرة فى
(1) راجع فى ترجمة الباقلانى تاريخ بغداد 5/ 379 وابن خلكان 4/ 269 والأنساب للسمعانى 61 وتبيين كذب المفترى لابن عساكر 217 والمنتظم 7/ 265 والوافى 3/ 177 والديباج المذهب لابن فرحون 267 والشذرات 3/ 168 وترجمة القاضى عياض له الملحقة بكتابه «التمهيد فى الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة» تحقيق الدكتور أبو ريدة (نشر دار الفكر العربى بالقاهرة)
(2)
مما كان يذهب إليه الباقلانى إثبات الجوهر الفرد والخلاء وأن العرض لا يقوم بالعرض (مقدمة ابن خلدون: فصل علم الكلام) وانظر فى بقية آراء الباقلانى الملل والنحل للشهرستانى: الفصل الخاص بالأشعرية.
(3)
السبكى 3/ 384.
(4)
السبكى 3/ 386 وانظر الملل والنحل للشهرستانى (تحقيق محمد سيد كيلانى نشر مكتبة مصطفى الحلبى) 1/ 97
(5)
السبكى 3/ 202
(6)
السبكى 3/ 368 وما بعدها