الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذى أرسل بأخيه هولاكو إلى إيران، فقضى فيها على الإسماعيلية الحشاشين، وأخذ يعمل على الاستقلال بإيران مع تبعيته لأخيه، ولم يكتف بها، فقد امتدت مطامعه إلى العراق وبغداد، ولم يلبث أن خرّب بغداد المدينة التاريخية العظيمة كما أسلفنا سنة 656، واتخذ هولاكو لقب (إيل خان) أو تابع الخان وهو لقب ورثه عنه خلفاؤه على إيران والعراق مما جعل دولتهم تسمى الدولة الإيلخانية، بينما انتسب المد المغولى الثانى فى إيران والعراق إلى تيمور لنك، مما جعل دولته هو وأبنائه تسمى الدولة التيمورية، وبذلك تنقسم الدولة المغولية إلى دولتين: الدولة الإيلخانية والدولة التيمورية.
الدولة المغولية الإيلخانية
(1)
تنتسب هذه الدولة إلى هولاكو (إيلخان) الذى أطبقت جموعه على بغداد والعراق فى سنة 656 ومضت إلى الشمال فاستولت على ديار بكر والجزيرة وأخذت تعد العدة للاستيلاء على الديار الشامية والمصرية. ومضوا فى سنة 658 يستولون على حلب وبلدان الشام، وسلمت لهم دمشق، وسقطوا إلى فلسطين فى الجنوب، فلقيهم الجيش المصرى بقيادة قطز والظاهر بيبرس فى عين جالوت بالقرب من نابلس، فمزق جموعهم تمزيقا، وقتل قائدهم، وكانت مجزرة عظيمة لهم حتى إنه لم يسلم منهم إلا فلول قليلة ولت الأدبار، وتبعها الظاهر بيبرس إلى أطراف الشام فى الشمال. وبذلك ردّ سيلهم عن الشام ومصر إلى غير مآب. ولم يملك هولاكو-كما قدمنا-ملكا مستقلا فقد كان نائبا عن أخيه منكو، ولم يضرب باسمه مستقلا سكة درهم ولا دينار، بل كانت تضرب باسم أخيه. وكان وثنيا كأجداده وقومه، غير أنه كان يعطف على النصارى إرضاء لزوجته النصرانية:
«دفوز خاتون» ومات سنة 663 وقيل سنة 664 وخلفه على العراق وإيران ابنه «أبغا» .
ولما ملك أضاف اسمه إلى اسم الخان الأكبر فى بكين ووجه أخاه منكوتمر بالعساكر إلى الشام للاستيلاء عليها، فالتقى مع الجيوش المصرية الشامية عند حمص «بقيادة قلاوون وهزم هزيمة منكرة فلما بلغت الهزيمة أبغا سنة 680 رجع إلى همذان فمات بها غماّ وكمدا.
وخلفه منكوتمر، وكان نصرانيا، ولم يلبث أن مات بنفس الكمد والغم. وملك بعدهما
(1) انظر فى هذه الدولة تاريخ ابن كثير وابن خلدون والنجوم الزاهرة والجزء الثانى من دول الإسلام للذهبى (طبع حيدر آباد) وجامع التواريخ لرشيد الدين الهمدانى (الترجمة العربية) ومسالك الأبصار لابن فضل الله العمرى والجزء الرابع من صبح الأعشى وتاريخ الأدب فى إيران من الفردوسى إلى السعدى لبراون (ترجمة الشواربى) وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان وإيران: ماضيها وحاضرها لدونالدولير ص 65 والعراق فى عهد المغول الإيلخانيين لجعفر خصباك (طبع بغداد).
أخوهما بوكدار بن هولاكو سنة 681 وأسلم وحسن إسلامه، وتسمى أحمد، وبنى بممالكه الجوامع والمساجد وصالح السلطان الملك المنصور قلاوون الذى فرح بإسلامه. وحاول أن يحمل عسكره على الإسلام فقتلوه سنة 683 وملك بعده ابن أخيه «أرغون بن أبغا» حتى سنة 690 وكان سفاكا للدماء شديد الوطأة، وولى الملك بعده أخوه «كيختو» فأفحش فى الفسق بنساء المغول وبناتهم فوثب عليه ابن عمه بيدو بن طرغاى بن هولاكو وقتله سنة 693 ولم يلبث أن قتل بدوره فى أواخر هذه السنة، وملك بعده غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، وأسلم فى سنة أربع وتسعين، وتسمى محمودا، واحتفل بإسلامه ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤس الناس، وأسلم غالب جنده وعساكره، وفشا الدين الحنيف بإسلامه فى ممالك التتار، وقد أختار المذهب السنّى.
وهو أجل ملوك المغول من بيت هولاكو، ودخلت جيوشه الشام فى سنة 699 وتمت لها الغلبة على جيوش الناصر محمد بن قلاوون، وملك الشام، ولا نمضى إلى سنة 702 حتى يكيل له الناصر محمد بن قلاوون الصاع صاعين، إذ تنشب بينهما الحرب بالقرب من دمشق، ويدمّر فيها جيش المغول أو التتار تدميرا، وظلت الصرخات والنياحات فى ديارهم-حين بلغهم الخبر-شهرين. واغتم غازان غما عظيما، ويقال إنه لم يصل إليه من جيشه إلا واحد من كل عشرة انتخبهم للحرب. وكان من قبله منذ هولاكو يحكمون باسم الخان الكبير فى بكين، فاتخذ لنفسه صفة الحاكم بإرادة الله، وكان الخراج يفرض قبله حسب أهواء الجباة من حكام المغول فأمر بأن تمسح الأراضى وأن يتّخذ ذلك أساسا فى فرض الضرائب حتى لا يظلم أحد، وأصلح النظام النقدى فى الدولة وجعله نقدا معدنيا صحيح الوزن، والقيمة، وأعاد للشريعة الإسلامية سلطانها وقوتها.
وكان يتخذ تبريز حاضرة له فزينها بالمساجد ودور العلم وشيد بها مرصدا فلكيا عظيما.
وتوفى سنة 703 وولى الملك بعده أخوه «خدابندا» والعامة تسمية «خربندا» وكان سنيا ثم أصبح شيعيّا غاليا وأظهر الرفض فى بلاده سنة 709 وأمر الخطباء أن لا يذكروا فى خطبهم إلا على بن أبى طالب وولديه وأهل البيت، وتوفى سنة 716.
وخلفه بو سعيد ابنه، وكان يعتنق المذهب الحنفى وكان ملكا جليلا مهابا حصيفا، وكان يجيد ضرب العود والموسيقى وصنّف فى ذلك، وكان حسن السيرة، أبطل عدة مكوس فى مملكته وأراق الخمور فى بلاده ومنع الناس من شربها وهدم الكنائس. وكانت بينه وبين الناصر محمد بن قلاوون مودة بعد وحشة، ومكاتبات ومراسلات، توفى سنة 736. وهو آخر ملوك المغول المهمين من بيت هولاكو، وبوفاته تفرقت المملكة بأيدى حكّام
مختلفين، وأصبحوا شبيهين بملوك الطوائف من الفرس. وفى مسالك الأبصار بعد ذكر بوسعيد:«ثم هم (أى التتار فى إيران والعراق) بعده فى دهياء مظلمة وعمياء مقتمة، لا يفضى ليلهم إلى صباح، ولا فرقتهم إلى اجتماع، ولا فسادهم إلى صلاح، وفى كل ناحية هاتف، يدعى باسمه، وخائف أخذ جانبا إلى قسمه، وكل طائفة تتغلب وتقيم قائما تقول من أبناء الخان أو القان، وتنسبه إلى فلان، ثم يضمحل أمره عن قريب، ولا تتحقق دعوته حتى يدعى فلا يجيب، وما ذلك من الدهر بعجيب» . وفى سنة 740 صارت بغداد والعراق بيد الشيخ حسن الكبير، وهو الحسن بن الحسين بن أقبغا، كان جده رفيقا لهولاكو. وتوفى سنة 757.
وملك بغداد والعراق بعده ابنه أويس، وهو سبط أرغون بن أبغا أو ابن ابنته، وكان حسن السيرة عادلا محبا للفقراء والعلماء توفى سنة 776 وخلفه ابنه السلطان الملك المعز حسين، وكان قد ولاه مكانه فى أواخر أيامه، وكانت العراق فى عهده مطمئنة معمورة، وقتله أخوه أحمد سنة 784 وتولى الملك بعده، وتلقب بالسلطان غياث الدين، وكان ظالما سفاكا للدماء أسرف فى قتل أمرائه وبالغ فى ظلم الرعية وانهمك فى الفجور والفساد، فكاتب أهل بغداد تيمور لنك بعد استيلائه على مدينة تبريز يحثونه على المسير إلى بغداد، فتوجه إليها بعساكره سنة 795 واستولى عليها وفر أحمد بن أويس إلى الديار الشامية، مستغيثا بالسلطان برقوق صاحب الشام ومصر وكان تيمور قد فارقها فأعانه على استردادها فى السنة التالية، وسنرى فى حديثنا عن تيمور لنك وأسرته ما كان من أمره.
الدولتان: المغولية التيمورية (1) والتركمانية
قاد الموجه المغولية الثانية تيمور لنك المولود فى «كش» من بلدان ما وراء النهر، وهو ينحدر من سلالة جنكز خان، وكانت ولادته سنة 736 للهجرة، وكان أبوه واليا لكش وأعمالها، وكان طموحه واسعا، فعمل على جمع زمام الأمور فى يده لا فى كش وحدها، بل فى كل بلاد ما وراء النهر بحيث أصبحت لسنة 771 جميعا فى قبضته، ثم أخذ يعدّ العدة للانقضاض على خراسان واستولى عليها سنة 782 ومضى فى سنة 784 يستولى على مازندران وسجستان وجرجان، ولم يلبث أن استولى على فارس وأذربيجان سنة
(1) انظر فى تيمور وحكام بغداد بعده احمد بن أويس والتركمان ابن عريشاه فى كتابه «عجائب المقدور فى نوائب تيمور» وابن تغرى بردى فى الجزءين الثانى عشر والثالث عشر وخاصة فى 12/ 254 حيث عقد لتيمور لنك ترجمة طويلة وبالمثل عقد لأحمد بن أويس ترجمة فى المنهل الصافى 1/ 232، وراجع تاريخ ابن خلدون والضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع وتاريخ الشعوب الإسلامية ليروكلمان ودائرة المعارف الإسلامية فى تيمور وأوزون حسن التركمانى، وإيران: ماضيها وحاضرها لدونالدولير.
788 وأخذ يفتح البلدان فى شمالى العراق، حتى إذا كان شهر شوال سنة 795 حاصر بغداد، وهرب منه أحمد بن أويس إلى السلطان برقوق فى الشام وخرّب تيمور غالب العراق ومدنه: بغداد والبصرة والكوفة، وقصد الشام فى سنة 798 ورجع خائفا من الظاهر برقوق إلى سمرقند عاصمته وكانت جيوشه قد تغلغلت فى روسيا واستولت على موسكو، وسار إلى الهند فى سنة 800 وعبر نهر السند واستولى على دلهى بعد أن قتل من أهلها ثمانين ألفا، وكان أحمد بن أويس قد عاد إلى بغداد بمعونة المصريين، ومثله قرا يوسف عاد إلى نيابته على الرّها فى الجزيرة. وبلغ تيمور موت السلطان الظاهر برقوق صاحب مصر والشام وموت برهان الدين أحمد صاحب سيواس بالجنوب الغربى من آسيا الصغرى، فرأى أن الظفر بمملكتيهما أصبح قريبا، وكاد أن يطير بموتهما فرحا، فاستناب بالهند من يثق به من أمرائه، وعاد إلى سمرقند. ثم خرج منها مسرعا فى أوائل سنة 802 ومضى إلى تبريز فاستخلف فيها ابنه ميران شاه. وكان أحمد بن أويس قد سار مع أمرائه ورعيته سيرة سيئة، فقاتلوه وخرج منهزما واستنجد بالأمير قرا يوسف التركمانى صاحب تبريز والرّها وديار بكر، وعاد معه إلى بغداد. وصيّف تيمور فى بلاده ثم مضى إلى سيواس فاستولى عليها أول سنة 803 وخرّبها ومحا رسومها. ثم قصد الديار الشامية، واستولى على حلب بعد أن أعمل السيف فى جنودها وأهلها حتى امتلأت الجوامع والطرقات بالقتلى، وعمل تيمور-فيما يقال-من رءوس القتلى منائر عدة ترتفع عن الأرض عشرة أذرع تهديدا ووعيدا. ورحل عن حلب بعد أن تركها خاوية على عروشها خالية من سكانها وأنيسها، وكان ابنه ميران شاه قد أخذ حماة وأشعل النار بها وأصحابه يقتلون ويأسرون وينهبون، وقتلوا الأطفال على صدور الأمهات، واتجه إلى دمشق وواقعته جنود السلطان فرج بن برقوق ولم تثبت طويلا، ولم يلبث أن وقّع مع أهل دمشق صلحا، ودخلها هو وجنوده وغدر بهم فأشعل جنوده بها النار، فاحترقت وسقطت بعض سقوف الجامع الأموى، وصارت أطلالا بالية ورسوما داثرة كما يقول المؤرخون. وأقام هو وجنوده عليها ثمانين يوما، ثم رحل عنها فى شعبان سنة 803 وظل فى انسحابه من الشام، وأوهم أنه يريد سمرقند وهو إنما يريد بغداد، وكان أحمد بن أويس قد استناب عنه فيها أميرا يسمى فرجا، واتجه هو وقرا يوسف صاحب الرّها نحو آسيا الصغرى، فندب تيمور بعض قواده لأخذ بغداد، ثم تبعه وحاصر بغداد حتى أخذها عنوة فى يوم عيد النحر أو العيد الأضحى من نفس السنة، ووضع السيف فى البغداديين، حتى سالت الدماء أنهارا، ويقال إنه قتل من أهلها نحو مائة ألف إنسان، وبنى من رءوسهم-على عادته كلما دخل
مدينة عنوة-مآذن كثيرة.
ثم رحل من بغداد إلى الشمال متجها إلى آسيا الصغرى وحرب بايزيد العثمانى، وانضم إلى جيشه التركمان فى قيسارية وسيواس وتقدم نحو سهل أنقرة وكاتب من مع بايزيد من التتار وأنه أولى بأن ينضموا إليه لأنهم من أبناء جلدته، فوعدوه أن ينضموا إليه حين تدور رحى الحرب بينه وبين بايزيد، وكان بايزيد قد نكل ببعض أمراء السلاجقة واستولى على بلدانهم، فانضموا إلى تيمور لنك. والتقى الجيشان فى الشمال الشرقى من أنقرة فى التاسع عشر من ذى الحجة عام 804 وانفض عن بايزيد جنوده التتار منضمين إلى تيمور كما وعدوه وكانوا معظم عسكره، وتلاهم ولده عثمان الذى عاد بجنده إلى مدينة بروسة، ولم يبق مع بايزيد إلا نحو خمسة آلاف فارس، فثبت بهم إلى أن أخذ أسيرا على بعد ميل من أنقرة وكان قد حاول الفرار، وأكرمه تيمور، وأسف لموته فى شعبان سنة 805 وأذن بدفنه تكريما له فى جامع بروسة.
وعاد تيمور إلى سمرقند عاصمته، واستقبل فيها كثيرا من السفراء من بينهم سفير ملك قشتالة. وزيّن عاصمته بالقصور الفخمة مستعينا بمن جلبهم إليها من بنّائى الفرس وغيرهم، وكان يعطف بوصفه مسلما على العلماء ورجال الدين من الصوفية وخاصة دراويش الطريقة النّقشبندية وقد استطاع فعلا أن يستعيد مملكة جنكيز خان من موسكو إلى نهر الكنج ومن حدود الصين حتى سوريا ورأى مقتديا بسلفه أن يستولى على الصين، فأرسل إليها حملة فى سنة 807 غير أنه لم يلبث أن مرض وتوفى فى شعبان من نفس السنة بإحدى المدن فيما وراء النهر، ونقل إلى عاصمته ودفن بها فى ضريح فخم لا يزال قائما بها إلى اليوم.
وتوزعت إمبراطوريته بين ولديه: شاه رخ وميران شاه، وكان للأول النصيب الأكبر فحكم خراسان وسجستان وماوراء النهر وإيران، وحكم ميران شاه العراق وأذربيجان والكرج أو جورجيا، وكان يخضع لسلطان أخيه، ولم يلبث أن قتل فى حربه مع قرا يوسف التركمانى صاحب تبريز سنة 810 هـ/1407 م فدخلت بلاده فى حوزة أخيه، فأصبح يحكم كل مملكة أبيه تيمور لنك ما عدا الشام والعراق وعربستان، وقد بسط سلطانه على الصين والهند، وعاش طويلا حتى سنة 850 هـ/1447 م وكان يرعى العلوم والآداب فى مملكته الواسعة.
وخلفه ابنه ألغ بك وكان عالما فلكيا واهتم برعاية الأدبين الفارسى والتركى غير أنه قتل بعد سنتين بيد ابنه عبد اللطيف. وينتاب الدولة التيمورية اضمحلال سريع، ويتقاتل