المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٥

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌القسم الأولالجزيرة العربيّة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - أقاليم ودول وإمارات

- ‌اليمن ودولها

- ‌ حضرموت وظفار وتاريخهما

- ‌عمان وأمراؤها

- ‌البحرين ودولها

- ‌2 - المجتمع

- ‌3 - التشيع

- ‌4 - الخوارج: الإباضية

- ‌5 - الدعوة الوهابية السلفية

- ‌6 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل

- ‌علم الملاحة البحرية

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم الفقه والحديث والتفسير والقراءات والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ القاسم بن هتيمل

- ‌أحمد بن سعيد الخروصىّ الستالىّ

- ‌علىّ بن المقرّب العيونى

- ‌عبد الصمد بن عبد الله باكثير

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌ التهامى

- ‌جعفر الخطّى

- ‌5 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌ نشوان بن سعيد الحميرى

- ‌سليمان النبهانى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الدعوة الإسماعيلية

- ‌ ابن القم

- ‌السلطان الخطّاب

- ‌عمارة اليمنى

- ‌2 - شعراء الدعوة الزيدية

- ‌يحيى بن يوسف النّشو

- ‌موسى بن يحيى بهران

- ‌على بن محمد العنسىّ

- ‌3 - شعراء الخوارج

- ‌أبو إسحق الحضرمىّ

- ‌ابن الهبينى

- ‌4 - شعراء الدعوة الوهابية السلفية

- ‌ محمد بن إسماعيل الحسنى الصنعانى

- ‌ابن مشرف الأحسائى

- ‌5 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌عبد الرحيم البرعى

- ‌عبد الرحمن العيدروس

- ‌الفصل الخامسالنّثر وأنواعه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - رسائل ديوانية

- ‌3 - رسائل شخصية

- ‌4 - مواعظ وخطب دينية

- ‌5 - محاورات ورسائل فكاهية ومقامات

- ‌القسم الثانىالعراق

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - البويهيون والسلاجقة والخلفاء العباسيون

- ‌2 - الدول: المغولية والتركمانية والصفوية والعثمانية

- ‌الدولة المغولية الإيلخانية

- ‌الدولة الصفوية

- ‌الدولة العثمانية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - كثرة الشعراء

- ‌2 - رباعيّات وتعقيدات وموشحات

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ المتنبى

- ‌ سبط ابن التعاويذى

- ‌ صفى الدين الحلى

- ‌4 - شعراء المراثى والهجاء والشكوى

- ‌ السرى الرفاء

- ‌5 - شعراء التشيع

- ‌ الشريف الرضى

- ‌مهيار

- ‌ابن أبى الحديد

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ ابن المعلم

- ‌الحاجرى

- ‌التّلعفرىّ

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ ابن سكرة

- ‌ابن الحجّاج

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌ ابن السّراج البغدادى

- ‌المرتضى الشّهر زورىّ

- ‌الصّرصرىّ

- ‌4 - شعراء الفلسفة والشعر التعليمى

- ‌ ابن الشّبل البغدادى

- ‌ابن الهبّاريّة

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌الأحنف العكبرى

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع النثر:

- ‌2 - كتّاب الرسائل الديوانية

- ‌5 - الحريرى

- ‌القسم الثالثإيران

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌1 - دول متقابلة

- ‌الدولة السامانية

- ‌الدولة البويهيّة

- ‌الدولة الزّياريّة

- ‌الدولة الغزنوية

- ‌2 - دول متعاقبة

- ‌دولة السلاجقة

- ‌الدولة الخوارزمية

- ‌الدولة المغولية

- ‌3 - المجتمع

- ‌4 - التشيع

- ‌5 - الزهد والتصوف

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل: تفلسف ومشاركة

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

- ‌4 - علوم التفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - الشعر العربى على كل لسان

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعراء المديح

- ‌ على بن عبد العزيز الجرجانى

- ‌الطّغرائىّ

- ‌الأرّجانى

- ‌4 - شعراء المراثى

- ‌5 - شعراء الهجاء والفخر والشكوى

- ‌الأبيوردىّ

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌2 - شعراء اللهو والمجون

- ‌ أبو بكر القهستانى

- ‌3 - شعراء الزهد والتصوف

- ‌ عبد الكريم القشيرى

- ‌ يحيى السهروردى

- ‌4 - شعراء الحكمة والفلسفة

- ‌ أبو الفضل السكرى المروزى

- ‌5 - شعراء شعبيون

- ‌أبو دلف الخزرجى: مسعر بن مهلهل

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتّابه

- ‌1 - تنوع الكتابة

- ‌2 - كتّاب الرسائل

- ‌قابوس بن وشمكير

- ‌رشيد الدين الوطواط

- ‌3 - ابن العميد

- ‌خاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

فى ألم ومرارة عن قاسكودى جاما وأصحابه البرتغاليين فى الأرجوزة الأولى من «ثلاث أزهار فى معرفة البحار» :

وجا لكاليكوت خذ ذى الفائده

لعام تسعمايه وستّ زائده

وسار فيها مبغض الإسلام

والناس فى خوف وفى اهتمام

واشتروا البيوت ثم سكنوا

وصاحبوا وللسّوامر ركنوا

وهو يريد بالسوامر البرتغاليين نسبة إلى السامرىّ الذى صنع العجل وعبده بنو إسرائيل يريد أنهم كفار، ومع ذلك صاحبهم حكام ثغر كاليكوت فى الهند. وكأنما عرف قصر نظره وشناعة عمله بعد فوات الأوان. ومع أنه أكثر من الأراجيز والقصائد مما يدل على أن نبع الشاعرية عنده كان فياضا يختل الوزن عنده أحيانا.

وخلف ابن ماجد ربان من سدنة البحر وملاحيه هو سليمان بن أحمد المهرى من مهرة فى الشّحر بين حضرموت وعمان، عاش فى النصف الأول من القرن العاشر الهجرى، وله فى الملاحة كتب لا تقل أهمية عن كتب ابن ماجد، بل لعلها أوفى وأشمل فى بيانها لأحوال الملاحة فى المحيطين الهندى والهادى حتى بحر الصين، ومن كتبه «تحفة الفحول» و «العمدة المهرية فى ضبط العلوم البحرية» و «المنهج الفاخر فى علم البحر الزاخر» وتاريخها جميعا يرجع إلى النصف الأول من القرن العاشر، وقد درس قران أعمال سليمان المهرى البحرية دراسة وافية.

‌3 - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد

لا نبالغ إذا قلنا إن كل البلاد العربية كانت مشتركة فى التراث اللغوى والنحوى والبلاغى والنقدى، بحيث لم يكن يظهر كتاب مهم فى بيئة من البيئات العربية إلا ونجده قد نقل إلى البيئات الأخرى، ونعجب أننا اليوم مع سرعة المواصلات ونقل الكتب عن طريق البواخر والسيارات، بل عن طريق الطيارات، لا نبلغ مبلغ أسلافنا فى سرعة التواصل بينهم فى الكتب، لا فى مجالات الفقه والحديث وما إليهما من الدراسات الدينية فحسب بل أيضا فى جميع المجالات لغوية وغير لغوية. وساعدت على ذلك الرحلات السنوية للحج والزيارة والتقاء العلماء، وكان بعض العلماء إذا افتقد كتابا، ولم يستطع

ص: 62

الحصول عليه رغم تطوافه فى البلدان لجأ إلى النداء عليه فى الحج، ليخبره عنه بعض من رآه فى مكتبة من المكتبات المتناثرة بين الأندلس وأواسط آسيا حتى الهند. وكان العالم فى أى علم أو فن يرى أن علمه فيه لا يكتمل إلا إذا رحل شرقا وغربا وأبعد فى رحلته ليلقى العلماء ويقرأ كتب التراث الخاصة بالعلم أو الفن الذى يريد التعمق فيه. ونقلوا فى أثناء ذلك إلى بلدانهم ما كتبه الأسلاف ومعاصروهم، وفتحت المكتبات فى كل بلد صدرها لتستقبل الكتب وتجزى حملتها خير الجزاء.

ومعنى ذلك أننا إذا تحدثنا عن النشاط فى علم بأى بلد من البلدان العربية وسمينا فيه بعض علماء إنما نتخذهم رموزا للحركة العلمية الكبيرة، وهى أكبر جدا من أسمائهم، لأنها تعنى النشاط العلمى فى العالم العربى جميعه، إذ كانت كتبه ومصنفاته تصبّ فى كل البلدان العربية، وقام عليها علماء ومدرسون مختلفون يقدمونها للطلاب. وقد يضيفون إليها فى كل علم مصنفات جديدة وكان يكون عيدا لطلاب العلم وأساتذته أن يفد عليهم عالم من البلاد العربية، إذ كانت معرفتهم بكتبه ومصنفاته تسبقه، فكان بمجرد نزوله فى بلد يتحول فى التوّ محاضرا ويتحلق حوله الطلاب يفيدون من علمه.

كانت هناك إذن بين البلاد العربية دورة علمية، أشبه ما تكون بالدورة الدموية، تدور فيها الكتب والمؤلفات من بلد إلى آخر، ويدور العلماء أنفسهم. وكانت الجزيرة العربية تدخل فى هذه الدورة، تدخل فيها نجد بقراها التى أخذت تعنى بتعلم العربية منذ أن هجرت أو كادت الإعراب فى القرن السابع الهجرى وما بعده. أما الحجاز ومكة فكانا يعنيان باللغة من قديم، كما كانا يعنيان بالنحو، وكان يوجد لهما دائما مدرسون ينهضون بهما سوى من كان ينزل مكة والمدينة من كبار علماء العربية، ويكفى أن نذكر من بينهم عبد الله ابن طلحة (1) الأندلسى المتوفى بمكة سنة 523 وقد اشتهر بإحسانه لتدريس كتاب سيبويه على الطلاب فى الحرم المكى، مما جعل الزمخشرى (2) يرحل فى شبيته إلى مكة من موطنه خوارزم ليأخذه عنه، وقد جاور بمكة-بدوره-مدة طويلة ألف فيها كثيرا من كتبه، وكان لا يبارى فى اللغة والنحو وألف فيهما مؤلفات دوّت شهرتها فى العالم العربى، منها معجمه المشهور أساس البلاغة الذى رتب مواده بحسب الحرف الأول، وأدخل فيها كثيرا

(1) انظره فى التكملة لابن الأبار 2/ 815 والعقد الثمين 5/ 182 وبغية الوعاة والبحر المحيط لأبى حيان 4/ 372.

(2)

راجع فى الزمخشرى ابن خلكان (طبعة دار صادر ببيروت) 5/ 168 وانظر بقية مصادر ترجمته فى الفصل الثانى من القسم الخاص بإيران.

ص: 63

من الشواهد والأساليب الأدبية، ويغلب أن يقول فى ختام المادة:«ومن المجاز» فيقرن الأساليب المجازية إلى الأساليب الحقيقية. وألف فى غريب الحديث النبوى كتابه «الفائق» وهو معجم طريف للأحاديث المحتوية على بعض الألفاظ الغريبة، وصنف فى تفسير القرآن الكريم وألفاظه «الكشاف» وشهرته تملأ الخافقين. ومن بحوثه اللغوية شرح لأبيات سيبويه والمستقصى فى أمثال العرب والقسطاس فى العروض. ومن بحوثه النحوية كتابه المفصل، جعله فى أقسام أربعة: قسم للأسماء وقسم للأفعال وقسم للحروف وقسم للمشترك وأراد به الإمالة والوقف والإبدال والإعلال، ولابن يعيش شرح مطول على هذا الكتاب مشهور.

وللزمخشرى بجانبه فى النحو كتاب سماه النموذج. ولا ريب فى أن هذا العالم النحوى اللغوى العظيم بعث فى مكة حركة علمية مباركة فى فنون اللغة والنحو والتفسير ولا بد أن كثيرين شدّوا الرحال إليه فى مكة ليتلقوا عنه مصنفاته، وليحملوا عنه الإجازات بروايتها سماعا وإلقاء. وممن نزل بمكة وجاور بها سنين من كبار اللغويين الصغانى الحسن (1) بن محمد المتوفى سنة 650 وحياته تقصّ ما قلناه من وحدة الثقافة فى العالمين العربى والإسلامى، فقد ولد سنة 577 فى لاهور عاصمة إقليم بنجاب فى الهند، ونشأ فى إقليم صغان كورة من بلاد السّغد، ويذكر مترجموه شيخين له فى الهند، فالشيوخ ومعلمو العربية والشريعة منبثون فى أنحاء العالم الإسلامى، حتى فى أبعد دياره. ورحل فى طلب العلم إلى بغداد ودخل مكة وجاور بها سنتين، ودخل اليمن، واستطاع بمن لقيهم من الشيوخ فى موطنه وغير موطنه، وأهم من ذلك بما قرأ من كتب التراث، أن يصبح إماما من أئمة اللغة العربية، مما جعله موئلا للطلاب فى كل مكان نزل به وخاصة فى مكة. وعنى بوضع المعاجم والكتب فى اللغة، ومن أهمها: مجمع البحرين فى اثنى عشر مجلدا ويقول فى مقدمته إنه جمع فيه بين معجم الصحاح للجوهرى ومعجم له سماه «التكملة والذيل والصلة» . وعادة يفصل فى مجمع البحرين بين ما ينقله من الصحاح وما ينقله من معجمه بوضع حرف ص لما ينقله من الصحاح وحرف التاء لما ينقله من التكملة وحرف الحاء لما ينقله من الذيل والصلة. ونشر مجمع اللغة العربية معجم «التكملة والذيل والصلة» المذكور فى ستة مجلدات، وقد ضمنه ما فات الجوهرى فى صحاحه من بعض مواد اللغة وما وقع فيه من أغلاط وأوهام. وله كتاب فى الأضداد، وكتاب سماه النوادر فى اللغة روى فيه غرائب اللغة التى نصّ عليها علماء اللغة الأقدمون، وفى دار الكتب المصرية منه مخطوطة. وحاول بأخرة من عمره أن

(1) انظره فى العقد الثمين 4/ 176 والجواهر المضية 1/ 201 وشذرات الذهب 5/ 250 والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى 7/ 26.

ص: 64

يؤلف فى اللغة معجما كبيرا سماه العباب الزاخر، غير أن المنية عاجلته قبل إتمامه. ولا شك فى أن هذا الإنتاج الغزير يصوّر عالما لغويا كبيرا، وهو لم ينشأ فى الجزيرة ولا فى بلد عربى، وإنما نشأ فى الهند، ومع ذلك استطاع أن يصبح من الأفذاذ فى العربية على مر العصور، وهو شاهد على ما نقوله من أن العلم العربى كان ملقى بكل مكان فى العالم العربى والعالم الإسلامى الكبير. وممن نزل بمكة من كبار شيوخ العربية ابن عبد (1) المعطى أحمد بن محمد الملقب بنحوىّ الحجاز المتوفى بها سنة 788 وهو مغربى مصرى تتلمذ فى العربية على أبى حيان الغرناطى عالمها المشهور، قرأ عليه كتاب التسهيل لابن مالك النحوى المعروف، ثم جاور بمكة إلى أن توفى بها وانتصب فيها للتدريس والاشتغال بالعربية والعروض. ومن النحاة بعده محمد (2) بن أبى بكر المرجانى المكى المتوفى سنة 827. ومن يرجع إلى كتاب سلافة العصر يجد ابن معصوم يلقب غير شاعر بأنه من أئمة العربية. ولا ريب فى أن دراستها ظلت نشطة فى العصر العثمانى وحتى نهايته، فكان هناك معلمون مختلفون للعربية فى مكة والمدينة وقرى الحجاز المختلفة.

وتنشط اليمن طوال هذا العصر فى الدراسات اللغوية والنحوية، وهو يفتتح فى سنة 334 للهجرة بوفاة عالم لغوى يمنى مهم، هو الهمدانى (3) المذكور فيما مرّ، وفيه يقول القفطى فى إنباه الرواة «هو أحد عيون العلماء باللغة العربية وأشعار العرب وأيامها» .

وسبق أن نوهنا بكتابه الإكليل وهو فى سير الملوك الحميريين وأخبار اليمنيين الأولين، طبع منه الأجزاء: الأول والثانى والثامن، وكذلك الجزء العاشر وهو فى أنساب همدان قبيلته وأخبارها وبه أشعار كثيرة. وله كتاب يسمى «اليعسوب فى فقه الصيد وحلاله وحرامه وكيفيته وما جاء فيه من أشعار» يقول القفطى عنه: إنه جيد جدا ومفيد للمتأدبين، ومرّ بنا ذكر كتابه صفة جزيرة العرب، وهو يحمل مقدارا كبيرا من اللغة والشعر. وله القصيدة الدامغة افتخر فيها باليمن على مضر، طبعت مشروحة بالقاهرة. وكان يكاتب ابن الأنبارى وغيره من لغويى بغداد ويعترفون بفضله، ومن أجله رحل العالم النحوى المعروف ابن خالويه إلى اليمن وعنى بجمع ديوانه وتخريجه، إذ كان شاعرا مجيدا. وتمضى اليمن فى نشاطها اللغوى والنحوى طوال أزمنة الدول التى مرت بنا فى زبيد وصنعاء وعدن وصعدة إذ كان أمراؤها يتنافسون فى جمع العلماء بإماراتهم ومن حولهم: علماء العربية وغيرهم، ويلقانا

(1) انظره فى العقد الثمين 3/ 149 والدرر الكامنة لابن حجر 1/ 277.

(2)

العقد الثمين 1/ 429.

(3)

إنباه الرواة 1/ 279 وأخبار الحكماء ص 163 ومعجم الأدباء 7/ 230 وروضات الجنات 238.

ص: 65

منهم فى زبيد ببلاط جياش بن نجاح زيد بن عطية الذى سبق أن تحدثنا عن حذقه لعلوم الأوائل، وكان يعاصره فى بلاط الصليحيين إسماعيل (1) بن إبراهيم الربعى النحوى اللغوى الشاعر، من أهل صنعاء، وكان مؤدبا لأولاد الأمراء الصليحيين، وله قصيدة فى غريب اللغة جعل ترتيبها على ترتيب معجم العين المنسوب إلى الخليل بن أحمد وسماها «قيد الأوابد» وجعل لها شرحا ضمنه نوادر وطرائف من الأخبار والأشعار. ومن نحاة اليمن القاضى أبو بكر اليافعى المتوفى سنة 552 وله فى النحو مختصر سماه المفتاح، وسرعان ما تنجب اليمن نشوان (2) بن سعيد المتوفى سنة 580 وله فى اللغة كتب مختلفة، أهمها «شمس (3) العلوم وشفاء كلام العرب من الكلوم» فى ثمانية مجلدات، رتبه على حروف المعجم بحسب أوائل الكلمات لا أواخرها متابعا فى ذلك الزمخشرى فى معجمه أساس البلاغة، وحرص فيه على دقة الضبط بالنقط والحركات، وقسم كل باب فيه أو حرف قسمين: قسما للأسماء وقسما للأفعال، وعنى بأن يذكر فيه كثيرا من الكلمات اليمنية التى لم تسجلها المعاجم قبله، وأكثر فيه من شواهد القرآن الكريم والحديث النبوى والشعر والأمثال. وكان يعاصره الحسن (4) بن أبى عباد المتوفى سنة 590 ويقول القفطى إن له مختصرا فى النحو مشهورا فى اليمن يقرؤه المبتدئون، ويقول السيوطى فى البغية عنه:«إمام النحاة فى قطر اليمن كانت الرحلة فى علم النحو إليه وإلى ابن أخيه إبراهيم» . وكان يعاصرهما على (5) بن سليمان اليمنى النحوى المتوفى سنة 599 وله مصنف فى النحو سماه كشف المشكل فى مجلدين، وروى له ياقوت أبياتا يحصر فيها جموع التكسير.

وتنهض الدولة الرسولية بعلوم العربية نهضة واسعة، وكانوا يجزلون العطاء للعلماء فقصدوهم من كل فج ومرّ بنا أن الفيروزابادى (6) مجد الدين محمد بن يعقوب المتوفى سنة 817 بزبيد وفد على السلطان الأشرف، فأكرمه إكراما عظيما، وكان قبل أن يفد عليه جاور بمكة من سنة 770 إلى سنة 775 وكان له فيها دار كثيرا ما عاد إليها، وجعلها فى سنة 802 مدرسة باسم الملك الأشرف وقرر بها طلبة وثلاثة مدرسين: فى الحديث وفقه مالك وفقه الشافعى، وزار المدينة المنورة وقرر بها ما قرر بمكة، وكان الأشرف قد ولاه وظيفة قاضى

(1) إنباه الرواة 1/ 191.

(2)

انظر مصادره فى ترجمته بالفصل الثالث.

(3)

طبع الجزء الأول منه فى بريل ثم طبع بالقاهرة.

(4)

انظره فى معجم الأدباء 8/ 53 وإنباه الرواة 1/ 290 وبغية الوعاة وروضات الجنات 222 وانظر فى ابن أخيه الآتى ذكره معجم الأدباء 1/ 164 وله فى النحو مصنفات.

(5)

راجعه فى معجم الأدباء 13/ 243.

(6)

راجعه فى الضوء اللامع للسخاوى 10/ 79 وفى العقد الثمين 2/ 392 وبغية الوعاة والروض العاطر للنعمانى 2/ 249 والبدر الطالع للشوكانى 2/ 280 والشقائق النعمانية على هامش ابن خلكان 1/ 32.

ص: 66

القضاة باليمن، وظل يليها أكثر من عشرين سنة فى عهده وعهد ابنه السلطان الناصر إلى أن أدركته الوفاة. وكانت أكثر إقامته بزبيد، وأقام مدة بتعزّ، لما كان فوّض إليه من التدريس بمدارس البلدتين. وله مصنفات كثيرة فى الحديث وفى الفقه، ومرت بنا المنحة التى أهداها إليه السلطان الأشرف حين ألف فى الفقه كتابه الإسعاد، وله فى النحو كتاب سماه «مقصود ذوى الألباب فى علم الإعراب» . أما اللغة فكان فيها بحر لا يسبر غوره، ومن مصنفاته فيها مصنف فى الترادف سماه:«الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف» .

وله كتاب فى غريب الذكر الحكيم سماه «بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز» وقد طبعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى عدة مجلدات. ومن أروع أعماله معجمه النفيس «القاموس المحيط» الذى ألفه فى زبيد، ولا نغلو إذا قلنا إنه أروع المعاجم القديمة لجمعه بين الدقة والاختصار إذ هو فى أربعة مجلدات فقط، ولكن كلما قرأت مادة منه خيل إليك أنه حولها إلى ما يشبه بحثا قصيرا، وقد اتبع فى ترتيب مواده طريقة الصحاح للجوهرى فرتب المواد حسب الحرف الأخير لا حسب الحرف الأول كما صنع الزمخشرى فى أساس البلاغة، لأن الحرف الأخير فى المادة لا يتغير بخلاف الحرف الأول إذ تدخله زيادات مختلفة. وحاول بعض القدماء نقده ببيان ما فاته من بعض المواد أو ما سبق خطأ إلى وهمه، وكان آخر من نهض بذلك أحمد فارس الشدياق فى كتابه الجاسوس على القاموس، ومع ذلك فالمعجم بحق مفخرة للفيروزابادى، وقد ضمنه أسماء كثير من المواضع وأعلام الأشخاص وكثير من الكلمات الأعجمية المعربة، وهى جديرة بأن تجمع ويخرج فيها كتاب مستقل، ولنفاسة المعجم تعهده يمنى بصنع شرح مطول له هو السيد مرتضى (1) الزبيدى المتوفى سنة 1205 هـ/1790 م وقد اتخذ القاهرة مهاجرا له وموطنا منذ سنة 1167 هـ/ 1753 م وفيها ألف هذا الشرح الذى سماه «تاج العروس فى شرح جواهر القاموس» وهو مطبوع فى عشرة مجلدات، ويتلافى نواقص القاموس فى المادة اللغوية مستعينا بلسان العرب لابن منظور وغيره من المعاجم المطولة، ويتوسع فى الحديث عن المواضع والأعلام بحيث يصبح دائرة معارف جغرافية تاريخية، مع ما يعرضه من بعض الأحكام الشرعية والفوائد العلمية.

وهذه النهضة بعلوم العربية فى اليمن كانت تتسع لتشمل إمامة الزيديين فى صعدة وفيما يتبعهم أحيانا من البلدان مثل صنعاء وزبيد حتى إذا دانت لهم اليمن بعد عهد الطاهريين

(1) انظره فى فهرس الكتانى 1/ 198 والجبرتى 2/ 196 والخطط التوفيقية 3/ 94 ونشر العرف لزيارة (طبع المكتبة السلفية) 2/ 21.

ص: 67

نشروا هذه النهضة فى كل مكان. وكان العثمانيون فى أثناء احتلالهم لليمن يعنون بالمدارس وبتعليم العربية، وكان الزيديون ينافسونهم فى هذا المضمار والزبيدى نفسه من ثمرات هذا العصر المتأخر فى اليمن وهو رمز قوى لما كانت تحظى به العربية حينئذ من نشاط خصب.

ولم يكن هذا النشاط قاصرا على اليمن والحجاز بل كان عاما فى حضرموت وعمان والبحرين وكانت العناية تبدأ أولا بتحفيظ القرآن الكريم وبعض الأشعار، ثم يأخذ المتعلمون قسطا من العلوم اللغوية ليستعينوا به على ما يريدون أن يتعلموه من الدراسات الدينية، وهل من شك فى أن كل ما نقرأ من شعر وأدب فى هذه البيئات المختلفة إنما هو ثمرة العناية بالعربية وعلومها اللغوية، ونتخذ لهذه العناية مثالا هو الشيخ عبد الله البيتوشى (1)، وأصله شهرزورى تثقف ببغداد واستوطن الأحساء حتى توفى سنة 1211 هـ/1796 م وله حاشية على شرح الفاكهى لقطر الندى تأليف ابن هشام، وصرف العناية بكشف الكفاية وهو مطبوع بالقاهرة، وله مؤلفات ومنظومات شعرية مختلفة فى اللغة والنحو والدين. وكان فى كل بلدة وقرية معلمون رصدوا أنفسهم لتعليم العربية حتى نجد وقراها المتوغلة فى الصحراء لم تكن تخلو من هؤلاء المعلمين. ويدل على ذلك ما نجده فى كتاب «لمع الشهاب فى سيرة محمد بن عبد الوهاب» من أنه تعلم العربية على شيخ لزم دروسه يسمّى عبد الرحمن بن أحمد من أهل بريدة إحدى القرى المتعمقة فى بوادى نجد.

وإنه ليكفى من نشاط الجزيرة العربية فى هذا العصر فيما يخصّ الدراسات اللغوية أنها أهدت إلى العربية معجم الجمهرة لابن دريد، ثم أهدت مجموعة المعاجم التى خلفها الصغانى والقاموس المحيط للفيروزابادى وتاج العروس للزبيدى فنشاطها اللغوى كان نشاطا جما مثمرا.

وإذا انتقلنا إلى مباحث البلاغة كان ينبغى أن لا يبرح أذهاننا أن كل ما كانت تنتجه بيئة عربية فى علم من العلوم يصبح حقا مشاعا لكل البيئات الأخرى، ولذلك كنا نفاجأ من حين إلى حين بكتاب فى بيئة يتصل مباشرة بمباحث البيئات المختلفة، ومما يصور ذلك من بعض الوجوه مقدمة فى شرح نهج البلاغة لعلى بن أبى طالب، تلك التى قدم بها كمال الدين ميثم (2) بن على بن ميثم البحرانى المتوفى سنة 679 هـ/1280 من شرحه الأكبر المطبوع على الحجر بتبريز إذ له وراءه شرحان، وفيه تحدث عن البيان فى النهج ووزع

(1) انظر فيه كتاب البيتوشى لمحمد الخال قاضى السليمانية (طبع بغداد) وكتاب شعراء هجر لعبد الفتاح الحلو ص 17 وما بعدها.

(2)

راجع فى ميثم كتاب سليمان البحرانى عنه باسم السلافة البهية فى الترجمة الميثمية.

ص: 68

حديثه على ثلاث قواعد، جعل الأولى لدراسة الألفاظ والثانية لدراسة المعانى، والثالثة لدراسة الخطابة، والصلة بين مباحثه ومباحث السابقين له واضحة.

ولعل خير كتاب يصور النشاط البلاغى فى الجزيرة العربية لهذه العصور كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز للإمام الزيدى اليمنى يحيى (1) بن حمزة العلوى، المتوفى سنة 705 وهو يقول فى مقدمته إنه لم يطلع من كتب البلاغة إلا على أربعة كتب هى، المثل السائر لابن الأثير والتبيان فى علم البيان لابن الزملكانى ونهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز للفخر الرازى والمصباح فى البيان والبديع لبدر الدين بن مالك، ويشيد بعبد القاهر وكتابيه: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة وفيه يقول: «أول من أسس فى هذا العلم قواعده وأوضح براهينه وأظهر فوائده ورتب أفانينه الشيخ العالم النحرير، علم المحققين عبد القاهر الجرجانى» غير أنه يصرح بأنه لم يطلع على كتابيه المذكورين آنفا، إنما اطلع على شذرات منهما فى كتابات البلاغيين. وقد ذكر السكاكى مرارا، مما يدل على أنه اطلع على كتابه «المفتاح» ويقول إن الحافز الذى دفعه إلى تأليف كتابه أنه حين حاول أن يقرأ مع طلابه تفسير الزمخشرى المسمى بالكشاف وفيه مسائل بلاغية كثيرة طلبوا منه أن يؤلف لهم فى البلاغة كتابا، فاستجاب لهم، وأثر ابن الأثير والفخر الرازى والسكاكى بيّن فى الكتاب، وقد وزعه على مقدمات ومقاصد وتكملات، وسمى كل فرع من هذه الفروع فنا، وفن المقدمات عنده يتناول علم البيان والبلاغة والفصاحة والحقيقة والمجاز، وسلك فى الفصاحة والبلاغة علمى المعانى والبيان. ويتأثر بابن الأثير فيما كتبه عن معرفة الآلات الضرورية لإتقان البيان كاللغة والنحو والتصريف وحفظ القرآن. ونصوص الشعر والنثر، ويستوحى الفخر الرازى فيما كتبه عن أنواع الدلالات الوضعية والالتزامية، ويتحدث عن الحقيقة والمجاز ويذكر للحقيقة تعريفات مختلفة وينسب أحدها إلى ابن الأثير. ويطيل فى الحديث عن الحقيقة العرفية والشرعية، ويتضح هنا تأثره بعلم أصول الفقه. ويعرض المجاز وماهيته ويتحدث عن المجاز اللغوى أو المرسل وعلاقاته ويسمى المجاز العقلى باسم المجاز المركب وينقل عن الرازى بعض أحكام المجاز. وينتقل إلى الفصاحة ويقول إنها خلوص اللفظ من التعقيد ويطيل مستضيئا بابن الأثير فى بيان وجوه الحسن فى أفراد الحروف والكلمات. ويتحدث عن البلاغة مهتديا بابن الأثير مع الانتفاع بما ذكره الرازى من جمال الرصف لحروف منقوطة أو بعضها منقوط وبعضها غير منقوط ويذكر آراءه فى معنى

(1) انظره فى البدر الطالع للشوكانى 2/ 331 وكتابه «الطراز» نشرته دار الكتب المصرية فى ثلاثة مجلدات سنة 1914 وراجع كتابنا: البلاغة: تطور وتاريخ (طبع دار المعارف) ص 320.

ص: 69

الفصاحة والبلاغة وأن الطرف الأعلى للأخيرة هو الإعجاز. ويخرج إلى بيان مواقع الغلط فى اللفظ المفرد والمركب سواء من التصريف وفساده أو من النحو والغلط فيه. ويترك الفن الأول وهو المقدمات إلى الفن الثانى فى الكتاب، وهو المقاصد، ويعود إلى الحديث عن الدلالات الوضعية والعقلية أو الالتزامية، ويعرض أبواب البيان مبتدئا بالمجاز وأنواعه من الاستعارة والكناية والتمثيل، ويفصل القول فى الاستعارة وتعريفاتها عند الرمانى والفخر الرازى وابن الأثير، ويدخل فيها التشبيه البليغ ويمثل لها بشواهد كثيرة من القرآن الكريم والحديث ونصوص النثر والشعر، ويتحدث عن أقسامها على هدى الرازى وبدر الدين بن مالك، ويجعلها عدة أقسام باعتبارات مختلفة، أما باعتبار ذاتها فتنقسم إلى حقيقية وخيالية، وباعتبار لازمتها تنقسم إلى مجردة ومرشحة، وباعتبار حكمها تنقسم إلى حسنة وقبيحة، وباعتبار استخدامها تنقسم إلى استعارة محسوس لمحسوس أو معقول لمعقول.

ويخرج إلى التشبيه، ويذكر أن ابن الأثير أدخله فى المجاز، ويفصل القول فيه، متأثرا بالرازى وابن الأثير وبدر الدين بن مالك، ويجعله أقساما: قسما يشترك فيه المشبه والمشبه به فى الأوصاف المحسوسة، وقسما يشترك فيه المشبه والمشبه به فى الأوصاف التابعة للمحسوسات كالشكل والاستدارة والقوام والليونة والصلابة، وقسما يشترك فيه المشبه والمشبه به فى الأوصاف العقلية. ويؤكد أن مدار الجمال فى التشبيه والاستعارة على الإتيان بالخيال الغريب غير المألوف. ويعود إلى تقسيمات أخرى فى التشبيه باعتبارات مختلفة، إذ ينقسم باعتبار ذاته إلى أربعة أقسام: مفرد بمركب ومركب بمفرد ومفرد بمفرد ومركب بمركب، وينقسم باعتبار حكمه إلى قبيح وحسن وباعتبار صورته إلى ما يسميه طردا وعكسا وباعتبار أداته إلى مظهر ومضمر. ويعرض الكناية وتعريفات عبد القاهر وابن الأثير وبدر الدين بن مالك وبعض الأصوليين لها، ويقف مع ابن الأثير فى عدّها ضربا من المجاز قائلا إنها «اللفظ الدال على معنيين مختلفين: حقيقة ومجاز من غير واسطة لا على جهة التصريح» ويتحدث عن أقسامها وعن التعريض والتمثيل. وينتقل إلى الكلام عن علم المعانى، مازجا فيه بين مباحث الرازى وابن الأثير وبدر الدين بن مالك وابن الزملكانى، وقد ذكر فيه-على هدى الأخير-المعرفة والنكرة والأحرف الجارة وبعض صيغ الأفعال والأسماء والنفى، وأيضا ذكر على هداه وهدى ابن الأثير صور الالتفات. وتحدث عن الفصل والوصل والحذف والإيجاز وعنده أن الإيجاز قسمان: قسم بالقصر وقسم بالتقرير يريد به المساواة.

وعرض المبادئ والافتتاحات والتخلص وصورا من المبالغة، وهو فى كل ذلك يستلهم

ص: 70

ابن الأثير. وفصّل القول فى علم البديع*على هدى بدر الدين بن مالك، وجعله نوعين: نوعا يتعلق بالفصاحة اللفظية، وينتظم عشرين محسنا بلاغيا من مثل الجناس والترصيع والألغاز، وعدّ من هذا النوع الطباق ومردّه إلى المعنى، ونوعا ثانيا يتعلق بالفصاحة المعنوية وينتظم خمسة وثلاثين محسنا بلاغيّا. وينتقل إلى التكميلات الملحقة بالكتاب، وهى الفن الثالث من فنونه، وهو فن خاص ببيان البلاغة فى القرآن الكريم وآياته، وهو يوضح روعة فصاحته فى حروفه ومفرداته وتراكيبه ويطبّق على تعبيراته ومواطن الجمال فيها علوم المعانى والبيان البديع، ويتحدث فى إفاضة عن إعجازه البلاغى وجمال بيانه ونظمه وفصاحته ودقة معانيه الجمالية الإضافية.

وكانت قد نشطت منذ عصر يحيى بن حمزة العلوى البديعيات وهى قصائد فى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم تتضمن أبياتها كل ألوان البديع ومحسناته، ومن أجل ذلك توضع لها الشروح، وتوزع على المحسنات البديعية فى أبواب متلاحقة، وأول من صنع ذلك على بن عثمان الإربلى المتوفى سنة 670 وتبعه صفى الدين الحلّىّ المتوفى سنة 750 وتلاحقت بعده سيول من هذه البديعيات فى جميع الأقطار العربية. وممن شارك فى هذا الاتجاه من الجزيرة العربية ابن معصوم (1) الحسينى من أهل المدينة المتوفى سنة 1117 وهو صاحب كتاب السلافة ومطلع بديعيته:

حسن ابتدائى بذكرى جيرة الحرم

له براعة شوق تستهلّ دمى

وألف عليها شرحا سماه «أنوار الربيع فى أنواع البديع» وتتضمن ألفاظ الأبيات أسماء المحسنات البديعية، وذكر فى مقدمة شرحه أسماء من سبقوه إلى نظم البديعيات والتأليف محاكيا بذلك أصحاب البديعيات وشروحها قبله.

وعلى نحو ما كانت البحوث البلاغية والبديعية نشطة فى الجزيرة العربية كذلك كانت البحوث النقدية ومن خير ما يصور ذلك كتاب تنبيه الأديب على ما فى شعر أبى الطيب من الحسن والمعيب لعبد (2) الرحمن بن عبد الله باكثير الحضرمى المكى قاضى جدة المتوفى حوالى سنة 975 للهجرة وقد بدأ مؤلفه بالحديث عن الفصاحة ثم فتح بابا لعرض وجوه من النقد لنحو خمسين قصيدة للمتنبى مرتبة على الحروف الهجائية وعادة يذكر مطلع القصيدة ثم بعرض الأبيات المستهجنة فيها والمستحسنة، ويعقد بابا ثانيا يتحدث فيه عن السرقات الشعرية وسرقات المتنبى من الشعراء وسرقات الشعراء منه. ثم يسوق خاتمة فى

(1) انظره فى البدر الطالع 1/ 428 وأمل الآمل ص 52.

(2)

راجع مقدمة مقدمة محقق الكتاب: الدكتور رشيد عبد الرحمن صالح، وما بها من مصادر عن المؤلف.

ص: 71