الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس بأمور دينهم ووعظهم. وتظل هذه الحركة العلمية نشطة حتى العصور الأخيرة، على نحو ما يصور ذلك مثلا كتاب سلافة العصر لابن معصوم، وقد ترجم كتاب أنوار البدرين لطائفة منهم فى القرن الحادى عشر والثانى عشر مثل الشيخ سلمان آل عبد الجبار وله رسائل متنوعة فى المنطق وعلم الكلام. ومن يطلع على كتاب شعراء هجر من القرن الثانى عشر إلى القرن الرابع عشر يرى نشاطا علميا وأدبيا واسعا فى أواخر هذا العصر كان يعم البحرين، بمعناها العام: فى الأحساء وقطر والقطيف وجزيرة أوال (البحرين الحالية).
2 - علوم الأوائل
(1)
من مفاخر جزيرة العرب وحضرموت خاصة أنها قدّمت إلى الفكر العربى فى نهاية العصر العباسى الأول ومفتتح العصر العباسى الثانى أول فيلسوف بالمعنى الدقيق لكلمة فيلسوف، وهو يعقوب بن إسحق الكندى الذى تمثّل علوم الأوائل والفلسفة اليونانية تمثلا رائعا، فإذا هو لا يفقه ذلك كله فقها حسنا، بل يشارك فيه ويضيف إليه إضافات باهرة، سواء فى العلوم الطبيعية أو الرياضية أو فى المنطق والسياسة والأخلاق والطب.
وقد أحصى ابن النديم فى الفهرست له نحو مائتين وأربعين كتابا، وكثير منها ترجم إلى اللاتينية، ويقول ألدومييلى إن كتابه فى الهندسة أثّر أثرا بعيدا فى روجر بيكون.
والكندى ثمرة الحركة العلمية فى البصرة التى نشأ بها وفى بغداد التى عاش فيها، وطبيعى أن تكون بغداد مركز الحركة العلمية، غير أن مراكز أخرى أخذت تتكون فى هذا العصر بإيران وبمصر والشام، ولم تتحول الجزيرة ولا إقليم من أقاليمها إلى مركز ينافس هذه المراكز، وربما كانت اليمن الثرية بمواردها أكثر أقاليم الجزيرة استعدادا للمشاركة فى علوم الأوائل أو على الأقل فى تعلّمها تعلما حسنا. ونحن لا نصل إلى نهاية العصر العباسى الثانى حتى نجد أبا محمد الحسن الهمدانى المتوفى سنة 334 يتعمق علوم الأوائل، ويتقنها فهما وتحليلا، بل لقد ألف فيها مصنفات جيدة، ومن أهمها كتابه «سرائر الحكمة» وفيه
(1) انظر العلم عند العرب لألد وميبلى وترجمة الهمدانى فى مختصر الزوزنى لكتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطى (طبعة ليبزح) ص 163 وديوان السلطان الخطاب تحقيق إسماعيل قربان حسين (طبع دار المعارف-المقدمة) وترجمة ابن سينا فى ابن أبى أصيبعة وترجمة زيد بن عطية فى إنباه الرواة وكتاب العقود اللؤلؤية للخزرجى وتاريخ الشعراء الحضرميين وسلافة العصر لابن معصوم.
عرض علم هيئة الأفلاك ومقادير حركات الكواكب، وبيّن علم أحكام النجوم واستوفى ضروبه، وكذلك كتابه «القوى» فى الطب، وكتابه «الإكليل» الذى ألفه فى ملوك حمير وأنسابها وهو فى عشرة أجزاء كبار، وفيه مما يتصل بعلوم الأوائل «جمل من القرانات» فى النجوم وأوقاتها-كما يقول القفطى-ونبذ من علم الطبيعة وأصول أحكام النجوم وآراء الأوائل فى قدم العالم وحدوثه واختلافهم فى أدواره. ثم يقول القفطى: وله زيجه المعروف، وعليه اعتماد أهل اليمن.
ونظن ظنا أن الدعوة الإسماعيلية فى عصر الدولة الصّليحية (439 - 532 هـ) هيأت من بعض الوجوه للعناية بالفلسفة وعلوم الأوائل، إذ كانت ترتكز على المزج بين العقيدة الفاطمية ونظرية الفيض الأفلاطونية، وكانت تتخذ من رسائل إخوان الصفا دعاية لها، وهى من بعض الوجوه عرض للفلسفة اليونانية وخاصة لنظرية الفيض وما يتصل بها فى الأفلاطونية الحديثة وأيضا عرض لعلوم الأوائل. ونجد أحد دعاة الفاطميين فى اليمن المسمى الداعى الذؤيب وكذلك السلطان الخطاب يؤلف كل منهما رسالة فى النفس، ومعروف أنها من المباحث الفلسفية، ويحلل ناشر ديوان السلطان الخطاب مؤلفاته الفاطمية، وهى تصطبغ بصبغة فلسفية واضحة كالبحث فى الطبائع الأربع والنفس الناطقة والكثائف واللطائف والمعقولات والمحسوسات.
وفى ترجمة ابن سينا ذكر شخص همدانى يشدو الفلسفة وعلوم الأوائل، وقد وجه رسالة إلى علماء بغداد يسألهم فيها الإنصاف بينه وبين ابن سينا ولم نقع على اسم هذا الهمدانى. وفى الجزء الثانى من كتاب إنباه الرواة ترجمة لزيد بن عطية الصّعدى اللغوى، وفيها أنه «كان لغويا شاعرا منجما حاسبا هندسيا، يسلّم إليه المنجمون فى ديار صنعاء وصعدة النجوم والحساب، وله تصانيف فى ذلك، منها زيجان: كبير وصغير، ومنها «أحكام نجومية» و «فصول» .
ويبدو أن الدولة الرسولية بعثت فى اليمن اهتماما بالفلسفة وعلوم الأوائل وخاصة فى عهد سلطانها المظفر (647 - 694 هـ). وولديه السلطانين الأشرف والمؤيد، ولكل منهما فى الطب كتاب وكان الأشرف أكثر براعة فى الطب، يدل على ذلك كتاب أرسله أبوه المظفر إلى الظاهر بيبرس سلطان مصر يطلب منه طبيبا قائلا:«ولا يظن المقام العالى أننا نريد الطب لأنفسنا فإننا نعرف من الطب ما لا يعرفه غيرنا، وقد اشتغلنا به من أيام الشبيبة، وولدنا عمر-يقصد السلطان الأشرف-من العلماء بالطب، وله كتاب جامع فيه ليس لأحد مثله» . ومرّ بنا أن للسلطان المؤيد فيه كتابا سماه «العمدة» . ويذكر