الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها ذيول كثيرة تشير إلى الأئمة التالين فى اليمن (1). وحرى بنا أن نقف عند ثلاثة من شعراء الزيدية، أحدهم مكى هو يحيى بن يوسف الملقب بالنشو، والآخران يمنيان، هما موسى ابن يحيى بهران وعلى بن محمد العنسى الصنعانى.
يحيى بن يوسف النّشو
(2)
مكى مولدا ومنشأ وحياة، ولد سنة 712 للهجرة ولم يلبث أن حفظ القرآن الكريم واختلف إلى دروس ابن عمه شيخ العربية أبى العباس النحوى وأخذ كل ما عنده، واستمع إلى غير محدّث، ونال فى الحديث إجازات مختلفة. وعنى بالشعر والرسائل، فكتب الإنشاء لأمراء مكة فى زمنه: عطيفة وابنيه مبارك ومحمد وابن عمهما عجلان بن رميثة. وكانت ملكته الشعرية خصبة، ويقول مترجموه:«له شعر كثير سائر مدح وهجا به جماعة من الأعيان» . وتوفى سنة 782. ونجده يكثر من مدائح أمراء مكة الزيديين وفى مقدمتهم من سميناهم آنفا، وفى عطيفة المتوفى سنة 743 يقول فى بعض مدائحه له:
له همّة تسمو إلى كلّ غاية
…
هو الطّاهر الأنساب والعلم الفرد
هو الملك الماحى لمن كان قبله
…
فما فى ملوك الأرض طرّا له ندّ
هو المنعم المولى الجميل تفضلا
…
فمن سيبه قد أورق الحجر الصلد (3)
تخرّ له كلّ الملوك مهابة
…
وتخرس من إجلاله الألسن اللّدّ (4)
وواضح أنه يبالغ فى مديح عطيفة، ودائما يصفه بأنه سيف دين الله وأن المقادير تجرى بما يشاء، وينعته بالكرم والعدل، ويشيد بنسبه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو فخر ما وراءه فخر، ويمدح ابنه مباركا المتوفّى سنة 751 بنفس الشاكلة، وفيه يقول:
ورث الفخر عن جدود كرام
…
قد بنى فوق ما بنى أمثاله
شرف ما استفاده من بعيد
…
ملك أرفع الملوك جلاله
نسب بين أحمد وعلىّ
…
فهو من خير [آل] تلك السّلاله
وهو كالشمس مدرك آماله
…
وجميع البلاد تهوى وصاله
(1) انظر فى البسّلمة وذيولها نشر العرف لزيارة 2/ 113 وما بعدها.
(2)
راجع فى ترجمة يحيى وأشعاره العقد الثمين 7/ 452 وكذلك ترجمة عطيفة فى 6/ 102 وابنه مبارك فى 7/ 124 وابنه محمد فى 2/ 144 وابن أخيه عجلان فى 6/ 72.
(3)
السيب: العطاء. الصلد: الصلب.
(4)
اللد: شديدة العداوة.
وواضح أنه سلس اللغة، فالكلمات خفيفة الوقع على الآذان، وهى شديدة الاستواء والتناسق يلائم بعضها بعضا، ويشعر الإنسان إزاءها بجمال الجرس جمالا بديعا، جمالا يلذ الألسنة والآذان والقلوب، وله من قصيدة فى محمد بن عطيفة مدحه بها سنة 739 للهجرة:
إمام له فضل عظيم على الورى
…
كريم الأيادى بالسّماحة أوحد
يجود بما تحوى يداه تكرّما
…
ويعلم أن المال ليس يخلّد
فتى لم ير الراءون مثل صفاته
…
إذا قيل هذا حاتم فهو أجود
أجلّ الورى جاها وقدرا ورفعة
…
وأكرم من يرجى عطاه ويقصد
وعلى هذا النحو يشيع الانسجام فى كلماته، إذ يلائم بينها موسيقيا ملاءمات دقيقة، بحيث لا تجد فيها قصورا ولا انحرافا، وإنما تجد صفاء فى الجرس، سواء عمد إلى الأسلوب الرصين الجزل كما فى هذه الأبيات أو عمد إلى الأسلوب الرقيق كما فى الأبيات السالفة.
ومن قوله فى مديح عجلان بن رميثة المتوفى سنة 777 للهجرة:
ماذا يقول المدح فيه وما عسى
…
إذ كان يخدم جدّه جبريله
أما الملوك فكلّهم من دونه
…
كالبدر فى أفق السماء حلوله
سلطان مكة والمشاعر والصّفا
…
من لا يخاف من الزمان نزيله
لو حاول النّجم العظيم لناله
…
تنبيك عنه رماحه ونصوله
سكنت محبّته القلوب جميعها
…
لما تقارن سعده وقبوله
وكان عجلان محبوبا حقا للقريب والبعيد إذ كان دون أمراء مكة الحسنيين من آبائه وأقاربه يحبّ أهل السنة وينصرهم على الشيعة، ويقال إنه كان شافعى المذهب (1).
وقصيدة النّشو فيه بديعة، وقد افتتحها بغزل رائع، إذ يقول:
لولا الغرام ووجده ونحوله
…
ما كنت ترحمه وأنت عذوله
إن كنت تنكره فسل عن حاله
…
فالحبّ داء لا يفيق عليله
يا من يلوم على الهوى أهل الهوى
…
دع لومهم فالصّبر مات جميله
وأنشد صاحب العقد الثمين فى ترجمته للنشو مدائح له جيدة فى الشريف طفيل بن منصور الحسينى أمير المدينة، استهلها بغزل بديع، يتحدث فيه عن الغرام وأنه يجد بمحبوبته وجدا لا يشبهه وجد، إذ نزلت مع صواحبها بالمنحنى لا من الأودية والتلال، ولكن من أضلعه، ومن غزله الرقيق:
(1) النجوم الزاهرة 11/ 139.