الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة العثمانية
(1)
تم للسلطان سليمان العثمانى الاستيلاء على العراق وبغداد فى سنة 941 ورفرف العلم العثمانى على البصرة فى سنة 946 وبذلك أصبح العراق جميعه ولاية عثمانية، بل قل ولايات عثمانية، إذ قسّم إلى أربع ولايات. ولاية البصرة، وولاية بغداد، وولاية شهرزور، وولاية الموصل. وفى حقب متفاوتة عدّت الأحساء والبحرين ولاية خامسة، وارتبطتا بالبصرة حينا وببغداد حينا آخر. وقسمت كل ولاية إلى ألوية، على رأس كل لواء سنجق أو أمير لواء. وكان الوالى يعدّ الرئيس للسلطة التنفيذية مع الإشراف على الشئون الإدارية، وكان يعاونه عدد من الموظفين، فى مقدمتهم «الكتخدا» وهو مدير مكتبه الخاص وكثيرا ما كان يخلفه بعد وفاته، و «الدفتر دار» وهو مدير الخزانة ومدبّر الشئون المالية. وكانت هناك دواوين مختلفة، أهمها ديوان الروزنامه أى ديوان الدفتر اليومى، وكان به كثير من الكتّاب أو كما كانوا يسمونهم أصحاب الأقلام.
وكان يوجد بجانب الوالى قاضى كبير يتبع قاضى القضاة فى الأناضول، وكان للقاضى نواب كثيرون فى كل ولاية يضطلعون بمهمة القضاء. ويشرف القاضى على تنفيذ القوانين حسب الشريعة الإسلامية كما يشرف على تنفيذ أوامر الدولة العثمانية.
وكانت توجد بجانب الوالى قوة عسكرية أساسية تحمى المدن والقلاع، وتعدّ فرعا من الإنكشارية جند الدولة العثمانية الذين كانت تأسرهم فى حروبها بأوربا، وهم لا يزالون علمانا وتربّيهم تربية عسكرية، وكانوا يمنحون إقطاعيات، وكثيرا ما توارثوها أو وقفوها، فلم تردّ إلى الدولة. وكانوا كثيرا ما يؤذون الناس فى بغداد والعراق ويتعدّون عليهم.
وكان يوجد بجانبهم للولاة جند يحصلون عليهم بطريق الأسر أو الشراء.
ويمر حكم الدولة العثمانية للعراق بثلاثة أدوار: الدور الأول يبتدئ من سنة 941 هـ/ 1534 م إلى سنة 1116 هـ/1704 م وأهم الأحداث فى هذا العهد فتن الجند كما حدث فى عام 1031 هـ/1621 م فقد ثاروا على والى بغداد بزعامة ضابط يسمى بكرا برتبة
(1) انظر فى الدولة العثمانية بالعراق تاريخ بغداد وتاريخ البصرة لنعمان الأعظمى وعشائر العراق لعباس العزاوى (طبع بغداد) والبلاد العربية والدولة العثمانية للحصرى (طبع القاهرة) وأربعة قرون من تاريخ العراق لستيفن لونكريك ترجمة جعفر خياط (طبع بيروت) وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان، والمماليك فى العراق لأحمد على الصوفى (طبع الموصل) والعراق: دراسة فى تطوره السياسى لفيليب إيرلند ترجمة جعفر خياط (طبع بيروت) وإمارة العمادية للدملوجى (طبع الموصل) ومقدمة تاريخ العرب الحديث 1500 - 1918 الجزء الأول-للدكتور عبد الكريم محمود غرايبة (طبع دمشق).
سوباشى وقتلوا الوالى يوسف باشا وتولى بكر مقاليد الحكم وحاربته الدولة، فاستعان ضدها بشاه إيران عباس الصفوى، وسرعان ما احتل هذا الشاه بغداد سنة 1033 هـ/ 1623 م وقتل بكرا ونكل بأهل السنة واعتقل الألوف منهم، وحاول شيعة بغداد مخلصين إنقاذ مواطنيهم فشهدوا لكثيرين منهم بأنهم شيعة.
وسارع الشاه إلى احتلال بقية العراق، غير أن البصرة استعصت عليه، إذ دافع عنها حكامها من آل أفراسياب وكانوا قد أتاحوا لها استقلالا ذاتيا عن العثمانيين من 1005 هـ/ 1597 م إلى 1078 هـ/1668 م للهجرة وقد دافعوا عن مدينتهم أمام جيوش عباس الصفوى دفاعا مجيدا فارتدت عنها.
وظلت بغداد وبقية العراق مع الإيرانيين نحو خمسة عشر عاما إلى أن استرجعهما العثمانيون بقيادة السلطان مراد الرابع سنة 1048 هـ/1638 م وفى هذه الأثناء سمح حكام البصرة للبرتغاليين بتأسيس وكالة تجارية لهم فيها سنة 1031 هـ/1622 م وبالمثل سمحوا للإنجليز فى سنة 1049 هـ/1639 م بتأسيس وكالة تجارية لهم، وأغلقت سنة 1069 هـ/1658.
وينتهى الدور الأول لحكم العثمانيين العراق سنة 1116 هـ/1704 م كما مرّ بنا، ويبتدئ دور ثان سمى دور المماليك، وفيه تعرّضت العراق لخطر إيرانى كبير، أدّى إلى أن يتسلّم صولجان الحكم فيها حسن باشا وابنه أحمد باشا ومماليكهما الذين أخذوهما بضرب من التربية يشبه صنيع الدولة فى إستانبول بالإنكشارية، وكان حسن باشا قد تدرّج فى مناصب الدولة إلى أن أصبح وزيرا، وولى بعض الولايات، ثم نقل إلى بغداد فى سنة 1116 فعمل على الاستقلال بها واتخاذ هؤلاء المماليك سندا له. وكانت الدولة حينئذ مشغولة بحروبها فى أوربا مع الروس والبلقان، فتركت لحسن باشا وابنه أحمد ومماليكهما إدارة بغداد والعراق.
وطبيعى أن تصبح المناصب العليا فيهما وقفا على المماليك. وقد آل إليهم حكمها بعد وفاة حسن باشا وابنه، وكان الوالى منهم إذا وثق بأحد المماليك زوجه ابنته واتخذه «كتخدا» أو أميرا للأمراء، حتى إذا توفى خلفه فى الحكم. وإذا عرفنا أنه حكم بغداد حينئذ عشرة من الولاة كان سبعة منهم من هؤلاء المماليك عرفنا أنه جدير بهذا الدور حقا أن يسمى دور المماليك، وآخرهم داود باشا. وكانوا فى سبيل الوصول إلى أريكة الحكم يكثرون من التآمر، مما زاد الأمن فى بغداد والعراق اضطرابا على اضطراب وفسادا على فساد.
ولما ساءت الأمور وتفاقم سوءها رأى الباب العالى فى سنة 1246 هـ/1830 م أنه لابد من ردّ الأمور إلى نصابها فى العراق، فأرسل حملة تأديبية أسرت داود باشا وقضت