الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاطنيها قبل ابتسام الصباح
…
فهى تغنيك عن سنا المصباح
أنت تدرى أن المدامة نار
…
فاقتدحها بالصبّ فى الأقداح
فهى تمحو بضوئها صبغة اللي
…
ل فيغدو وجه الدّجى وهو ضاح
أرسلنها ورديّة كدم الكب
…
ش أسالته مدية الذّباح
وواضح أن التكلف يسرى فى هذه الأبيات، وأن كلمة:«أنت تدرى» فى البيت الثانى أفسدت النّسق فيه. والشطر الثانى فى البيت الثالث تكرار للشطر الأول، وكان يكفيه أن يشبه الخمر بدم الكبش ولا يضيف كلمة «أسالته مدية الذباح» . ومع ذلك كله يعد جعفر الخطّى أهم شاعر ظهر فى زمنه بالقطيف والأحساء أو بعبارة أخرى بالبحرين، وهو بلا ريب أشعر من ترجم له ابن معصوم فى سلافة العصر والمحبى فى نفحة الريحانة بالقياس إلى مواطنيه.
5 - شعراء الفخر والهجاء
ظل الفخر والهجاء نشطين فى هذا العصر نشاطهما فى العصور السابقة، ولكن يلاحظ أن المصادر احتفظت بشعر الفخر أكثر من احتفاظها بشعر الهجاء، ومرّ بنا أن الطاهر الجزرى كان من شعراء قرواش صاحب الموصل وبواديه، وله ثلاث أبيات يصف فى أولها وثانيها الليل وظلماته وفى الثالث فرسه، واستطرد من وصفه فى كل بيت إلى هجاء شخص يقول (1):
وليل كوجه البرقعيدىّ ظلمة
…
وبرد أغانيه وطول قرونه (2)
قطعت دياجيه بنوم مشّرد
…
كعقل سليمان بن فهد ودينه
على أولق فيه التفات كأنه
…
أبو جابر فى خبطه وجنونه (3)
ويبدو أن البرقعيدى كان مغنيا ويصفه ببرودة غنائه وسوء خلقه إذ كان قوادا، والهجاء فى البيتين التاليين مقذع كما هو واضح. ومن الهجّائين المقذعين القاضى العثمانى اليمنى وله مدائح فى أمراء زبيد آل نجاح وفى غيرهم من أمراء الدول اليمنية، ومن أقذع هجائه قصيدته فى الداعى على بن محمد الصليحى حين قتله سعيد بن نجاح أمير زبيد، وفيها
(1) الدمية 1/ 128.
(2)
البرقعيدى: نسبة إلى برقعيد قرية بالموصل.
(3)
الفرس الأولق: شديد السرعة إلى درجة الجنون.
يصف مظلته التى كان يحتمى بها من حرارة الشمس، وكيف أن سعيدا رفع على عمودها رأسه، يقول (1):
بكرت مظلّته عليه فلم ترح
…
إلا على الملك الأجلّ سعيدها
ما كان أقبح شخصه فى ظلّها
…
ما كان أحسن رأسه فى عودها
وأراد ملك الأرض قاطبة فلم
…
يظفر بغير الباع من ملحودها
سود الأراقم قاتلت أسد الشّرى
…
يا رحمة لأسودها من سودها
وكان آل نجاح إفريقيين من الحبشة كما مر بنا، ولذلك كنى عنهم بسود الأراقم أى الأفاعى، والقصيدة مليئة بالتشفى من الصليحى وبهجاء مرير. وللشيخ محمد بن سعيد المكى فى هجاء بعض أهل عصره (2):
اترك العجب فما أنت سوى
…
رجل إما لضحك أو لغمّ
كغراب السوء يمشى مرحا
…
معجبا وهو أخو الشّؤم الأذمّ
يغسل الثّوب وفى أكتافه
…
وسخ العرض وآلات التّهم
ويلقانا الفخر فى كل مكان من الجزيرة على ألسنة الأمراء والشعراء، ومر بنا فخر عارم لقرواش أمير الموصل وبواديه، ولبهاء الدولة منصور بن دبيس المزيدى (474 - 479 هـ) أمير بوادى الحلّة قصيدة يفتخر فيها بمثل قوله (3):
أولئك قومى إن أعدّ الذى لهم
…
أكرّم وإن أفخر بهم لا أكذّب
هم ملجأ الجانى إذا كان خائفا
…
ومأوى الضّريك والفقير المعصّب (4)
بطاء عن الفحشاء لا يحضرونها
…
سراع إلى داعى الصّباح المثوّب (5)
مناعيش للمولى مساميح بالقرى
…
مصاليت تحت العارض المتلهّب (6)
وهو يفتخر بقومه، ويقول إنهم ملجأ الجانى يلوذ بحماهم، فلا تمتد إليه يد، ومأوى الفقراء والبؤساء، مع اجتناب للمحرمات لا يقترفونها، ومع مسارعة إلى الصلاة فى الفجر وطوال النهار، ومع إنعاش للصحاب وكرم مدرار ونفاذ فى الشدائد. ومن طريف ما للرسوليين من فخر موشح للسلطان المجاهد الرسولى يستهله بقوله (7):
(1) الخريدة (قسم الشام) 3/ 233، 377.
(2)
سلافة العصر ص 225.
(3)
الخريدة (قسم العراق) 4/ 1/158.
(4)
الضريك: البائس. المعصب: الذى لا يجد قوته.
(5)
داعى الصباح: المؤذن. المئوب: الداعى إلى الفرائض والنوافل.
(6)
مناعيش: يمنعون من الهلاك. القرى: الضيافة. مصاليت: نافذون فى الأمور.
(7)
الخزرجى 2/ 124.
نلت أنا العزّ بأطراف القنا
…
ليس بالعجز المعالى تجتنى
نحن بالسيف ملكنا اليمنا
…
كلّ فخر تدّعى الناس لنا
أعرق العالم فى الملك أنا
وهو يفاخر بأسرته فخرا شديدا، ويمضى فيسمى آباءه متحدثا أو مفاخرا بشجاعته وجوده وبذله للمال وانتجاع العفاة السائلين له وصفحه الجميل وعفوه. والفخر كثير فى اليمن، غير أننا نتركها إلى حضرموت وشاعرها ابن عقبة المتوفى سنة 695 وشعره يموج بالفخر من مثل قوله (1):
إنى امرؤ عفّ الإزار عن الخنا
…
لم أغش منذ نشأت باب المنكر
إنى على كسب العلوم مخيّم
…
وبكاى فى طلب العلا وتحسّرى
إنى من العرب الذين نجارهم
…
من خالص العقيان لبّ الجوهر
وتخذت أصحابا إذا نادمتهم
…
لم أخش منهم من ينمّ ويفترى
علمى وحلمى والحصان وصارمى
…
وندى يمينى والعفاف ودفترى
وابن عقبة يفتخر بسجاياه الكريمة من العفة والارتفاع عن المنكر والتحلى بالعلم فهو حبّه الذى يقف نفسه عليه ويبكيه بكاء المحيين لصواحبهم، ويفاخر بأصله العربى، ويحدثنا عن صحابه وندمائه من العلم والحلم والفروسية والبأس والجود والعفاف ودفاتر الدراسة، ويطيل فى الفخر بقومه من خولان وكهلان وكندة وملوكها الأقدمين. ويكتظ ديوان ابن مقرب العيونى بالفخر بآبائه والأمراء من أسرته حكام البحرين وبيان ما لهم من أمجاد ومآثر، ويفخر كثيرا بنفسه وبشعره، وقد يخلط فخره بالشكوى من الدهر، على شاكلة قوله:
تجاهل هذا الدهر بى فتكتّبت
…
علىّ بأنواع البلايا كتائبه
وإنى وإن أبدى اصعرارا بخدّه
…
وأوجف بى وازورّ للبغض جانبه (2)
لأغضى على بغضائه وازوراره
…
وأعجب من حرّ كريم يعاتبه
وأستقبل الخطب الجليل بثاقب
…
من العزم يعلو لاهب النار لاهبه
وكأنه يحس نفسه صخرة عاتية لا يستطيع الدهر مهما ألح عليه ببلاياه أن ينال منه شيئا، مهما أبدى من تكبر واستعلاء ومهما عدا عليه بكوارثه، ومهما انحرف عنه وأظهر من
(1) تاريخ الشعراء الحضرميين 1/ 67 وتاريخ حضرموت السياسى 2/ 169.
(2)
اصعرارا بخده: ميلا، كناية عن الكبر. أوجف بالخيل: عدا بها للقتال. ازور: مال وانحرف.