الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإحيائها والاقتداء بالسلف الصالح. ولذلك يسمى الوهابيون سلفية. ومما دعا إليه محمد بن عبد الوهاب الإيمان بالقدر وأن لا يفزع أحد إلى التأويل فى آيات القرآن الكريم.
وإنما عرضنا ذلك كله لنتبين الأسس التى دعا إليها محمد بن عبد الوهاب والتى صدر عنها بالتالى شعراء الدعوة الوهابية، ولعل القارئ لا يعجب إذا عرف أنه من أوائل الشعراء الذين تصدوا بقوة لرفع علمها وتمثل مبادئها شاعر يمنى من الأسرة الزيدية، هو
محمد بن إسماعيل الحسنى الصنعانى
، وأن أبرع الشعراء الوهابيين الذين خلفوه فى هذا العصر هو ابن مشرف الأحسائى. ويتكاثر بعده شعراء الدعوة وفى مقدمتهم سليمان بن سحمان وابن عثيمين، ولن نعرض لهما لأنهما يدخلان فى العصر الحديث، ومن شعراء الدعوة المبكرين حسين بن غنام الأحسائى المتوفى سنة 1225 هـ/1810 م، وله مرثية فى ابن عبد الوهاب حين لبى نداء ربه افتتحها بقوله (1):
إلى الله فى كشف الشدائد نفزع
…
وليس إلى غير المهيمن مفزع
وقصائد كثيرة نظمت فى الإشادة بابن عبد الوهاب ومبادئه، ومن أهمها قصيدة للإمام محمد بن على الشوكانى اليمنى المار ذكره. ونقف قليلا عند محمد بن إسماعيل وابن مشرف.
محمد بن إسماعيل الحسنى الصنعانى (2)
ولد بحصن كحلان باليمن سنة 1099 هـ/1687 م وانتقل مع أبيه إلى صنعاء سنة 1110 هـ/1698 م فأتم بها حفظ القرآن، وسرعان ما أخذ يختلف إلى العلماء ينهل من حلقاتهم ودروسهم، فتعلم النحو وعلوم البلاغة والفقه والمنطق وعلم الكلام والأصول، وعكف على أمهات الكتب الكبيرة يقرأ ويدرس فى الفقه وفى النحو وفى غيرهما، وأخذ يدرس كتب الحديث الكبرى على كبار الحفّاظ المحدثين من مثل صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن أبى داود، ونال فى ذلك إجازات مختلفة لا فى صنعاء فحسب، بل أيضا على كبار المحدثين فى مكة والمدينة، وعنى بالتبحّر فى فقه الشافعى وفى الأصول. ودرس للناس بصنعاء الحديث سنوات طويلة، وله فيه على الجامع الصغير شرح فى أربعة مجلدات، وله فى الفقه كتاب العدة على شرح العمدة لابن دقيق العيد، وله شرح فى علوم الحديث
(1) شعراء هجر ص 50.
(2)
انظر فى ترجمة محمد بن إسماعيل وأشعاره البدر الطالع للشوكانى 2/ 133 ونشر العرف لزبارة 2/ 505 و 2/ 764 وفى مواضع مختلفة. وديوانه طبع بمطبعة المدنى بالقاهرة سنة 1964 باسم ديوان الأمير الصنعانى. وراجع مقدمة على السيد صبح المدنى للديوان.
والآثار فى مجلدين، غير كتب كثيرة فى الأصول وفى النحو وفى بعض الفتاوى. ومن كتبه «إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة» ويبدو أنه كتبه فى الاحتجاج للدعوة الوهابية لأن مترجميه يقولون إنه ترك فيه مقالة الأصحاب ورجّح أدلّة السنة والكتاب. وكان يشتغل بالتدريس ويجمع إليه أحيانا الخطابة. ويجمع كل من كتبوا عنه أنه كان مجتهدا ينفر من التقليد ومن كل رأى فقهى لا دليل عليه، ويقول الشوكانى إنه كان «من الأئمة المجددين لمعالم الدين» وكان الشوكانى مثله يعجب بالدعوة الوهابية، ومر بنا أن هذه الدعوة أعلنت سنة 1158 للهجرة حين وضع محمد بن سعود يده فى يد محمد بن عبد الوهاب وعاهده على نصرته، على أن تكون للأول وذريته السلطة الزمنية وللثانى وذريته السلطة الروحية. وما نتقدم مع هذا العهد والإعلان للدعوة أكثر من خمس سنين، حتى نجد صوتا مدويا ينطلق من صنعاء باليمن، هو صوت محمد بن إسماعيل إذ يرسل بقصيدة دالية طنانة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب مشيدا وممجدا لدعوته استهلها بقوله:
سلام على نجد ومن حلّ فى نجد
…
وإن كان تسليمى على البعد لا يجدى
وقد مضى فيها يعلن إعجابه بمبادئ الدعوة الوهابية، وهاجم الصوفية وما يزعم غلاتهم من القول بالحلول، كما هاجم المتصوفة والطرق الصوفية وأورادها، وأظهر استحسانه لما قيل من حرق الوهابيين لدلائل الخيرات، يقول مبررا صنيعهم:
غلوّ نهى عنه الرسول وفرية
…
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدى
أحاديث لا تعزى إلى عالم ولا
…
تساوى لفلس إن رجعت إلى النّقد
وهو يضع بذلك دليلين يجوّزان حرقها فى رأيه: ما بها من غلو ومن أحاديث ضعيفة واهية، ويقول إنها من البدع المستحدثة. وكان ما ينى ينصح قومه بالانصراف عن مثل هذه الأوراد. وكان يؤذيه أشد الإيذاء تصديقهم للمنجمين وإيمانهم بأنهم يطّلعون على الغيب. ويكتب إلى الإمام المهدى العباس سنة 1170 قصيدة دالية ينهاه عن الاستماع إلى المنجمين وافتراءاتهم الكاذبة، وفيها يقول:
ولا تستمع من عابد لنجومه
…
تقاويم زور ليس تغنى ولا تجدى
أكاذيب يمليها لكلّ مغفّل
…
يصدّقها من ضلّ عن طرق الرّشد
ووالله ما عند النجوم دلالة
…
على نحس يوم فى الزمان ولا سعد
ووالله ما غير الإله بعالم
…
بما فى غد مما يسرّ وما يبدى
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله: «كذب المنجمون ولو صدقوا» . وله قصيدة جعل مقدمتها فى ديوانه على هذا النمط: «هذه نفثة مصدور، وكلمة صادرة عن قلب
من ضياع الشريعة محرور، وفيها تفاؤل بمن يقوم بالدين، ويحيى شريعة سيد المرسلين، وفيها إيقاظ للهمم لو كانت نائمة، ولكنها ميتة لا ترجى لها قائمة. والجهاد باللسان أحد الأقسام. نسأل الله قبول الأعمال وحسن الختام». وفيها يصور جهاد المصلح الدينى المنتظر هو وأنصاره فى سبيل دعوته، وكيف يخوضون إليها غمار الحروب، حتى تبسط سلطانها على الناس، يقول:
يحفّ به قوم على كلّ سابح
…
تعدّ المنايا فى الحروب مناها
ولا جمعوا مالا ولا كسبوا لهم
…
قصورا ولا باهوا برفع بناها
وما ادّخروا إلا حساما وذابلا
…
ومهرا يبارى الرّيح عند سراها
وما قصدوا من سفكهم لدم العدا
…
وتطويقهم بالسّيف بيض طلاها (1)
سوى أنهم يحيون شرعة أحمد
…
وينفون عنها داءها بدواها
سيغسل عنها السيف أدران بدعة
…
فيشرق فى الآفاق نور سناها
ويذكر بعض مترجميه أن الشاعر نظم هذه القصيدة فى سن مبكرة، ولكن مقدمتها وما ترسمه من الجهاد لمصلح دينى وأنصاره يريدون إحياء السنة المحمدية وغسلها من أدران البدع المستحدثة فى الحياة اليومية، وأنهم لا يريدون بذلك مالا ولا قصورا مشيدة، إنما يريدون درء المنكرات، وإنهم ليحملون فى سبيل ذلك السيوف حتى يكف الناس عن هذا الغى والضلال. كل ذلك يشهد بأن المقصود فى القصيدة محمد بن عبد الوهاب وأنصاره بزعامة محمد بن سعود الذين جردوا سيوفهم ورماحهم لحمل الناس فى الجزيرة العربية على الدعوة الوهابية. وفى الديوان دالية يعلن فيها تبرءه من ابن عبد الوهاب ودعوته، وأكبر الظن أنها موضوعة على لسانه أقحمت من قديم على الديوان تقربا للأمراء الزيديين من بيته، وفى الحق أنه كان يحمل نفسا ثائرة تحب الحق وتؤثره ولو كان فيه خصومة لأهله ويبدو أن بعض خصومه استغلوا موقفه مع الوهابيين فكانوا يشون به لأئمته مما أدى أحيانا إلى سجنه على نحو ما نرى فى قوله سنة 1166 للهجرة:
وما حبسونى أننى جئت منكرا
…
ولا أننى نافست فى الملك والكرسى
ولكننى أحببت سنّة أحمد
…
وأبرزتها شمسا على العرب والفرس
وكان أهل بيته من الأئمة يتلقبون ألقابا كثيرة، وقد لا يكتفى الإمام بلقب واحد بل يتخذ لقبين أو أكثر مثل الإمام المتوكل على الله شرف الدين والإمام الأعظم المهدى لدين
(1) الطلى: جمع طلية وهى أصل العنق.