الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جليلة (1). ولا يزال عيد عاشوراء حتى اليوم مأتما كبيرا يقام فى كل عام، يقيمه إمامية إيران والعراق.
5 - الزهد والتصوف
(2)
ظلت نزعة الزهد التى تحدثنا عنها فى كتابى العصر العباسى الأول والثانى متغلغلة فى نفوس كثيرين من أهل إيران وفقهائهم ومحدّثيهم، وكانت المساجد بيوتا مفتوحة للعبادة والنسك، وكان الوعاظ لا يزالون يعظون فيها داعين الناس إلى الزهد فى متاع الحياة الفانية وطلب ما عند الله من ثواب الآخرة. وأقبل كثيرون على حياة التقشف والنسك، واقرأ فى كتاب للمحدّثين مثل تذكرة الحفاظ للذهبى أو فى كتاب للفقهاء مثل طبقات الشافعية للسّبكى فستجد صورا قوية للزهد، وسترى من ظل صائما طول حياته، ومن بلغ من نسكه أن لا يرفع رأسه إلى السماء داعيا، ومن يدقق فى أحكام الشريعة مبالغا تحرجا وخوفا من الله مثل أبى محمد عبد الله بن يوسف الجوينى المتوفى سنة 438 فقد حكى السّبكى فى ترجمته أنه بلغ من ورعه وتحرجه أنه لم يكن يستند فى داره إلى الجدار المشترك بينه وبين جيرانه ولا يدقّ فيه وتدا وأن جارية أرضعت ابنه إمام الحرمين الفقيه المشهور لبنا وهو فى المهد، فقلبه، ليرده، حتى لم يدع فى باطنه شيئا، قائلا: هذه الجارية ليست لنا وليس من حقنا أن نتصرف فى شئ من لبنها. ولا ريب فى أن كثرة الوعاظ هى التى أعدت-من بعض الوجوه-لسريان هذه الروح المتحرجة الورعة، ويتوقف السبكى مرارا فى طبقاته ليصور لنا وعظ الوعاظ فى نيسابور وغيرها ومدى تأثيره فى نفوس السامعين كقوله عن أحدهم: «صار مجلسه روضة الحقائق والدقائق، وكلماته محرقة الأكباد والقلوب، ومواجيده مقطّرة الدماء من الجفون مكان الدموع، ومفطّرة الصدور
(1) المنتظم 7/ 149
(2)
راجع فى الزهد والتصوف المنتظم وابن الأثير وطبقات الشافعية للسبكى فى مواضع متفرقة وكتاب طبقات الصوفية للسلمى وحلية الأولياء لأبى نعيم والفصل فى الملل والنحل لابن حزم ورسالة القشيرى وإحياء علوم الدين للغزالى وصفة الصفوة لابن الجوزى وقوت القلوب للمكى ومصارع العشاق للسراج وبستان العارفين وتنبيه الغافلين للسمرقندى وطبقات الشعرانى، وانظر جولد تسيهر فى كتابه «العقيدة والشريعة فى الإسلام» ونيكلسون فى كتابه «فى التصوف الإسلامى وتاريخه» ترجمة أبو العلا عفيفى والملامتية والصوفية وأهل الفتوة لعفيفى وآدم مينز فى كتابه الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى.
بالتخويف والتفزيع» (1).
وأخذت موجة التصوف فى العصر تزداد حدة وقوة، وكان من مظاهر ذلك كثرة الرّبط المنظمة منذ القرن الرابع الهجرى، وأصل معنى الرباط مكان مرابطة الخيل للجهاد والحرب، وكأن زوايا المتصوفة كانت تبنى لهم فى هذا التاريخ على حافة قواعد الحرب الأمامية لجهاد أعداء الإسلام. واتسع مدلول الكلمة فيما بعد فأخذت تطلق على زوايا المتصوفة عامة، وكأنما أصبحت مكانا لتجمع المجاهدين أينما وجدت. ويقول المقدسى فى أواخر القرن الرابع الهجرى إنه كان فى إسبيجاب فيما وراء النهر على حافة الحرب مع الترك ألف وسبعمائة رباط، بينما كان فى بيكند ألف رباط (2)، وهى ثغر جليل بين بخارى ونهر جيحون. وإذا كان هذا العدد الضخم من الرباطات فى ثغرين من ثغور الحرب فيما وراء النهر فما بالنا بما كان ببقية الثغور. ويذكر الحجويرى الأفغانى أنه لقى ثلثمائة من مشايخ الصوفية بخراسان ولكل منهم طريقته (3).
ويشير المقدسى إلى كثرة الخانقاهات بإيران وماوراء النهر، وهى بيوت للعبادة كان يتخذها المتصوفة للنسك والإقامة، وهيأت هذه البيوت بسرعة لفكرة الشيخ ومريده، إذ كان يلزم شيوخ التصوف تلاميذ يأخذون عنهم طريقتهم وينشرونها، وكانوا يمنحون مريديهم خرقا حين يتم قبولهم رمزا إلى اعتزالهم متاع الحياة، بل كل الحياة وزخارفها، وكان ذلك يتم عن طريق مجاهدات كثيرة يقوم بها المريد قبل قبوله، وفى مقدمتها التجرد الكامل عن ضرورات الحياة ورفض مباهجها ونبذ متعها وتحمل آلام الفقر والجوع وكل ما يتعلق بالجسد، حتى الزواج فكان كثير منهم لا يتزوجون، بل قل إن كثرتهم الغالبة كانت لا تتزوج، ويحثّ أبو الليث السمرقندى المتوفى سنة 373 كل من يستطيع الاستغناء عن الزواج أن يظل أعزب (4) حتى يتجرد لعبادة الله ويتفرغ تفرغا كاملا. وحتى المرض ينبغى أن لا يهتم به الصوفى فيعرض نفسه على الأطباء للتداوى، فالطبيب هو الله، وهو جانب من عقيدتهم فى التوكل على الله حق التوكل، حتى ليهمل الصوفى كل تصرف شخصى، ويترك نفسه لعناية الله وقضائه، فلا يفكر فى رزقه ولا فى قوته ولا فى غده ثقة فى الله.
ودائما يرددون ذكر الله، واتسع ذلك عندهم حتى كانوا يعقدون له اجتماعات تقف بها طائفة منهم فى صفين متقابلين، وهى تذكر الله، متحركة بجسدها دون أقدامها يمينا
(1) طبقات الشافعية للسبكى 5/ 69.
(2)
أحسن التقاسيم للمقدسى 273، 282.
(3)
انظر كشف المحجوب للهجويرى-الترجمة العربية-للدكتورة إسعاد عبد الهادى (نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة) 1/ 391.
(4)
انظر كتابه بستان العارفين ص 197 - 198
ويسارا، ومنشد ينشد فى أعلى الصفين، وفى أثناء ذلك يهيم نفر منهم وينتشى، حتى ليحس كأنه غاب عن عالم حسه، وهو ما يسمونه بالسكر وكأنما يروى ريّا مسكرا بجمال الذات الإلهية، إذ تمتلئ بنور الله نفسه ويسلبها حواسها الجسدية، فتشعر كأنما تتجرد، عن كل إرادة، لمحبوبها الربانى، وهو ما يسمونه بالمحبة الإلهية، وكأنما الذكر رحيقها المسكر الذى يذيب الصوفىّ فى الجمال الربانى ويجعله يفنى فيه فى وجد لا يماثله وجد.
ومنذ الحلاج الذى تحدثنا عنه فى العصر العباسى الثانى أخذ بعض المتصوفة يؤمنون مثله بفكرة الاتحاد بالله، معتقدين أنه يتجلّى فيهم كما يتجلّى فى خلقه، وكأنهم يشاهدونه فى أنفسهم، أو كأنما يحلّ فيهم، مما هيأ لظهور فكرة الحلول عند بعض الغلاة من المتصوفة، وكانت هذه الأفكار سببا فى أن يحدث شئ من الانفصام بين أهل السنة والمتصوفة ووسّع الهوة بين الطرفين أمثال أبى سعيد بن أبى الخير (357 - 441 هـ). أكبر الصوفيين الإيرانيين المتفلسفين فى عصره، وكان يعلى عمل الصوفى بقلبه على أداء فرائض الإسلام وأحكامه، وفى ذلك يقول ابن حزم:«إن من الصوفية من يقول إن من عرف الله سقطت عنه الشرائع. . وبلغنا أن بنيسابور اليوم فى عصرنا هذا رجلا يكنى أبا سعيد بن أبى الخير من الصوفية مرة يلبس الصوف، ومرة يلبس الحرير المحرم على الرجال، ومرة يصلى فى اليوم ألف ركعة، ومرة لا يصلى فريضة ولا نافلة، وهذا كفر محض، ونعوذ بالله من الضلال» (1). وليس هذا كل ما أحدث الهوة بين المتصوفة وأهل السنة، فقد أوغل بعضهم فى آراء ضالة، حتى ليعتنق بعض آراء المزدكية فى العكوف على الخمر واستحلال المحرّم، وغلا بعضهم فى تقدير شيوخ الصوفية حتى قدّمهم على الرسل والأنبياء، يقول ابن حزم: وطائفة من الصوفية زعمت أن فى أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك، وحلّت له المحرمات كلها. . وقالوا إننا نرى الله ونكلمه، وكل ما قذف فى نفوسنا فهو حق» (2).
ولم تقف المسألة عند أفراد، فقد أخذت بعض طوائف الصوفية فى إيران يضعف عندها الوازع الدينى ويشيع عنها اهمال فرائض الإسلام، وسرعان ما تحولوا إلى طوائف من المتسولين، نذكر منهم جماعة الكرامية بخراسان وماوراء النهر، وكانوا، أو قل تحولوا، دراويش يطوفون فى البلدان لابسين أردية من الصوف، ومدلّين فوطا على رءوسهم تحيط
(1) الفصل لابن حزم 4/ 188.
(2)
الفصل 4/ 226.
بها قلانس طويلة، ويقول المقدسى إنهم لا يخلون من أربع خصال: التقى والعصبية والذل والكدية أى التسول (1). ومثلهم الملامتية، وكان مبدؤهم الأساسى الملامة، فالصوفى الكامل فى رأيهم من يرتكب أشياء يلومه عليها الناس، ومن أجل ذلك كانوا يقومون بأعمال ينكرها الشرع، وقد ينتهكون فيها حرمته، حتى يتم لهم مبدؤهم، وأعدوا مثل الكرامية لظهور فكرة الدراويش الرحّل الذين يعيشون على التسول، ويتخذونه ذريعة للبطالة، وكأنما أصبح الصوفى هو المتسول، ولا بأس من أن يسقط عنه الفروض الدينية أحيانا.
ولم يكن التسول يغضب أهل السنة بمقدار ما كان يغضبهم إنكار فرائض الإسلام وسننه، مما جعلهم يحملون على المتصوفة حملات شعواء، متهمين لهم بالزندقة والكفر، وزاد هذه الحملات اشتعالا ما وجدوه يتردد على ألسنة المتصوفة وفى كتبهم من كلام عن السكر والفناء واتحاد الصوفى بالذات الإلهية، ومن الحق أنه كان هناك كثيرون من الصوفية لا يلوكون كلمات الاتحاد بالله، ويرون أن الصوفى لا يبلغ مرتبة الكمال إلا إذا أدى الفرائض والسنن، مخلصا صادقا. غير أن هؤلاء لم يكونوا موضع الخصومة مع أهل السنة إنما كان موضعها دراويش الملامتية والكرامية وأمثال أبى سعيد بن أبى الخير، ممن أسقطوا فرائض الإسلام وشعائره.
وأخذ هذا الصدع بين الصوفية وأهل السنة يتفاقم، وكان لابد أن يرأب، حتى لا تنشق الأمة على نفسها انشقاقا قد يؤول إلى عواقب وخيمة، فقيّض الله لها صوفيين عظاما، تداركوا هذه الطامة الكبرى كان أولهم أبو نصر السرّاج (2) عبد الله بن على الطوسى الزاهد صاحب كتاب اللّمع المتوفى سنة 378 وفيه قال أبو عبد الرحمن السّلمىّ تلميذه فى كتابه «طبقات الصوفية»:«كان المنظور إليه فى ناحيته فى الفتوة ولسان القوم مع الاستظهار بعلوم الشريعة» . فتصوفه لم يكن تصوفا فلسفيا يتغلغل فى الحلول وما إليه، بل كان تصوفا سنيا يرتبط بأداء الفرائض الدينية. وكان رحالة تجوّل فى العالم الإسلامى من نيسابور إلى القاهرة، ووفد على بغداد فأفردت له غرفة خاصة فى جامع الشونيزية وأعطى رياسة الدراويش. ولا نغلو إذا ذهبنا إلى أنه يعدّ مؤسس مدرسة التصوف السنى فى عصره، وهو تصوف يستمد من الكتاب والسنة، وليس فيه حلول ولا شطحات.
(1) احسن التقاسيم ص 41.
(2)
انظر فى أبى نصر السراج الطوسى طبقات الصوفية للسلمى وكشف المحجوب للهجويرى وشذرات الذهب 3/ 91 وكتابه اللمع (نشره نيكلسون فى سلسلة جب التذكارية).
ويوضح مذهبه الصوفى كتابه اللمع الذى أشرنا إليه، وفيه يفيض فى الحديث عن حقيقة التصوف ومذهب الصوفية ومقاماتهم وأحوالهم. وتلقن عنه المذهب فى نيسابور تلميذه أبو عبد الرحمن السلمى، ولقّنه بدوره عبد الكريم (1) القشيرى النّيسابورى، وتتلمذ عبد الكريم أيضا على أبى على الدقّاق، وكان متصوفا سنيا، فوصل تلميذه بهذا التصوف، بل ملأ قلبه به حماسة كما ملأه نفورا من التصوف الفلسفى وما دخل عليه من أفكار بوذية هندية كفكرة التسول والمسكنة، وكذلك ما دخل عليه من أفكار الاتحاد بالذات العلية والحلول. وما توافى سنة 437 للهجرة حتى يؤلف رسالته المشهورة التى طوّفت الآفاق غربا وشرقا وقد وجهها إلى جماعات الصوفية فى البلدان الإسلامية، ليصحح لهم أفكارهم عن التصوف بما رسمه فيها من مبادئ التصوف السنى الحقيقى وما سجله من سير أعلام التصوف وأقوالهم، مما يصل التصوف وصلا وثيقا بالشريعة، وهو يستهلها بقوله:
وبهذه الرسالة العظيمة التى شرقت وغربت وطارت كل مطار رفع القشيرى الحواجز التى كانت قد استحكمت بين أهل السنة والمتصوفة بل لقد أثبت أنها أقواس وهمية، فالتصوف ليس خصما للشريعة، بل هى قوامه وصراطه الموصّل إليه وأساسه وعماده.
ولم يلبث متصوف كبير أن أحكم هذه الصلة إحكاما وثيقا، وهو أيضا نيسابورى، أصله طوسى حقا ولكنه تلقن التصوف السنى فى نيسابور حيث مدرسته الكبرى: مدرسة أبى نصر السراج والقشيرى، ونقصد أبا حامد (2) الغزالى المتوفّى سنة 505 وقد لزم فقهاء
(1) انظر مصادر ترجمة القشيرى فى الفصل الرابع من هذا القسم.
(2)
انظر فى الغزالى المنتظم 9/ 168 واللباب 2/ 170 والوافى بالوافيات 1/ 274 وابن خلكان (طبعة دار =
نيسابور وأخذ عنهم كل ما عندهم، وسرعان ما أصبح شيخا يشار إليه بالبنان، وأكبّ الطلاب على دروسه. وأخذت شهرته تطبّق الآفاق. وقدم على نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقى، فعيّنه أستاذا للفقه الشافعى فى مدرسته النظامية ببغداد سنة 484 ولم يلبث أن اعترته أزمة نفسية سنة 488 فبارح بغداد إلى أداء فريضة الحج، وولّى وجهه نحو الصوامع النائية فى مساجد بيت المقدس ودمشق معتزلا للناس مستغرقا فى تأمل الفرق الإسلامية، واستقر فى نفسه أنه ينبغى تخليص الأمة من الدقائق التى يخوض فيها المتكلمون ومن خلافات الفقهاء وما يتجادلون فيه من فروع دون طائل، وأخذ يحمل على الفقهاء والمتكلمين جميعا حملات عنيفة، مبينا أن ما هم فيه من جدال ليس من الدين فى شئ، وأن من شأنه أن يزعزع العقيدة العامة ويحدث بلبلة فى العقول. وبالمثل حمل على الفلسفة وأعلن عليها حربا شعواء فى كتابه «تهافت الفلاسفة» وخاصة على فلسفة ابن سينا المشائية، ووجّه حملاته بقوة إلى الإسماعيلية فى كتابه «فضائح الباطنية» . وهدته تأملاته فى عزلته إلى أنه لابد من الوصل بين التصوف والسنة كى ينمو الشعور الدينى ويصبح تجربة نفسية قلبية بحيث يتعانق عمل القلب وعمل الجوارح فى أداء الشعائر والفروض والنوافل حتى ينهض بها المسلم مصحوبة بالإخلاص وبصدق الشعور الباطنى، وحتى تكون محبة الله الدافع الأساسى لكل ما يصدر عنه من قول وفعل. وألّف على هذا الهدى كتابه «إحياء علوم الدين» محللا فيه الحياة الدينية والأخلاقية للمسلم على مبادئ تستمد من التصوف وروحه، ونقصد التصوف السنى الذى أقام هو والقشيرىّ والسرّاج بنيانه، والذى يرفض أفكار الصوفية الغالية مثل الاتحاد بالله والحلول. وقد جعل القلب أساس السعى إلى الله حتى يقرب منه المسلم وينال محبته ومبتغاه، وحقا لابد أن تؤدّى الفرائض والسنن، ولكن لابد معها من عمق الإخلاص وعمق الشعور الدينى وصدقه، إذ هو جوهر الحياة الدينية. وبذلك وصل الغزالى وصلا وثيقا بين أهل السنة والمتصوفة دون لجاج فى اتحاد المتصوف بالذات الإلهية ودون تعثر فى شباك الحلول، ومع الإيمان بأن أحكام الشريعة أساس الحياة الدينية الصادقة المفعمة بالإخلاص. ومن أهم ما نفذ إليه الغزالى فى
= صادر) 4/ 216 وطبقات الشافعية للسبكى (6/ 191) ومقدمة بويج لنشرته لكتابه التهافت طبع بيروت ومؤلفات الغزالى لعبد الرحمن بدوى ومحاضرات مهرجانه فى دمشق سنة 1961 وتاريخ الفلسفة فى الإسلام لدى بورض 196 وبراون ص 368 والعقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر القسم الرابع وفى التصوف الإسلامى لنيكلسون ترجمة عفيفى ص 139 وسيرة الغزالى لعبد الكريم العثمان (طبع دمشق) والحقيقة فى نظر الغزالى لسليمان دنيا (طبع دار المعارف بمصر).
أثناء كتاباته فكرة الحقيقة المحمدية، وهى تبدو واضحة-كما يقول نيكلسون (1) -فى كتابه «مشكاة الأنوار» وكأن الرسول صورة للأمر الإلهى أو الكلمة الإلهية. وكان لهذه الفكرة تأثير بعيد فى متصوفة الأجيال التالية، ونقصد فكرة الإنسان الكامل الذى يتمثل فى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد تكاملت للغزالى هذه النزعة الصوفية فى أثناء عزلته وخلوته بصوامع مساجد الشام مدة عشر سنوات، عاد بعدها إلى بغداد، ولكنه لم يعقد بها مجالس للفقه أو علم الكلام، وإنما عقد بها مجالس للوعظ حدّث فيها بكتابه «الإحياء» . وراجع إلى موطنه خراسان وألم بالمدرسة النظامية فى نيسابور مدة يسيرة وتركها إلى طوس مسقط رأسه.
وهناك أقام بجانب داره مدرسة للفقهاء «وخانقاه» للمتصوفة، واشتغل بالنسك والعبادة حتى لبّى نداء ربه بعد أن زاوج بين التصوف والشريعة مزاوجة بقيت على مر العصور التالية، وبعد أن هاجم الفلسفة هجوما عنيفا جعلها تسقط أمام التصوف وصولجانه.
وقد ازدهر التصوف السنى فى إيران وغير إيران من العالم الإسلامى، بفضل أعلامه الثلاثة السابقين وخاصة الغزالى، ولس معنى ذلك أن التصوف الفلسفى انتهى، فقد ظلت منه أسراب ولكنها أسراب فردية على نحو ما يلقانا عند يحيى السّهروردىّ (2) الإيرانى المولود بسهرورد سنة 545 للهجرة فى الإقليم الإيرانى المعروف باسم إقليم الجبال وقد أكبّ على كتب التصوف والفلسفة. واستوت له فلسفة صوفية إشراقية وسنعود إلى الحديث عنه فى الفصل الرابع. ومن أصحاب التصوف الفلسفى بعد السهروردى صدر الدين الشيرازى المتوفى سنة 1050 للهجرة وهو أهم من كتب بعده فى التصوف الإشراقى على نحو ما يتضح فى كتابه «الأسفار الأربعة» .
ومنذ الغزالى بل قبله منذ السراج والقشيرى ينشط نشاطا واسعا التصوف السنى فى إيران؛ وقد أخذت تظهر فيه مع مر الزمن طرق يتبعها كثيرون، من أهمها طريقة النقشبندية، وكان تيمور لنك يرعى أهلها، كما مر بنا فى القسم الخاص بالعراق، وعاصرتها طريقة البكطاشية، وقد غمست فى التشيع وفى شئ من التصوف الفلسفى. وبدون شك أنتجت إيران فى هذا العصر وخاصة منذ القرن السابع طائفة كبيرة من شعراء التصوف فى الفارسية فى مقدمتهم جلال الدين الرومى (604 - 672 هـ.) والشيخ سعدى الشيرازى المتوفى سنة 691 وله بعض قصائد عربية، وخلفه الصوفى الكبير حافظ الشيرازى المتوفى سنة 791 وفى الحق أن التصوف ظل مزدهرا فى إيران قرونا متطاولة.
(1) فى التصوف الإسلامى وتاريخه ص 146 وما بعدها.
(2)
انظر مصادر ترجمة يحيى السهروردى فى ترجمته فى الفصل الرابع من هذا القسم.