المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في الجهاد] - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ٢

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابٌ فِي الْجِهَادِ]

- ‌[الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ]

- ‌بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُور]

- ‌[الْأَيْمَانِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌الْكَفَّارَةُ) فِي الْيَمِينِ

- ‌[النُّذُور وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌ تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاح]

- ‌ الصَّدَاقُ

- ‌[الْوِلَايَة فِي النِّكَاح]

- ‌ مَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ

- ‌ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ

- ‌ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ

- ‌[حُكْمَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ]

- ‌ مُوجِبَ النَّفَقَةِ

- ‌نِكَاحُ التَّفْوِيضِ

- ‌[اخْتِلَاف دِين الزَّوْجَيْنِ]

- ‌ مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا

- ‌ شُرُوطِ الْوَلِيِّ

- ‌[الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[أَقْسَام الطَّلَاقَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌ الرَّجْعَةِ

- ‌ الْخُلْعِ

- ‌[أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]

- ‌[بَابٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌ صِفَةُ اللِّعَانِ

- ‌[أَحْكَامٍ اللِّعَان]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَنَفَقَةِ الْمُطَلَّقَة]

- ‌[حُكْم الْإِحْدَادُ]

- ‌[أَحْكَام الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[نَفَقَة الْمُطَلَّقَة]

- ‌[أَحْكَام الرَّضَاعَة]

- ‌[أَحْكَام الْحَضَانَةُ]

- ‌[بَاب النَّفَقَة]

- ‌ بَابٌ فِي الْبُيُوعِ

- ‌[الربا وَأَنْوَاعه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[مَسَائِلَ مَمْنُوعَةٍ فِي الْبَيْع]

- ‌[خِيَار النَّقِيصَة]

- ‌ خِيَارِ التَّرَوِّي

- ‌ حُكْمِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ

- ‌[تَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ بِزِيَادَةٍ]

- ‌ الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ الْأَجَلِ

- ‌ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

- ‌[بَيْع الثمر قَبْل بدو صلاحه]

- ‌[مَسَائِل مُتَنَوِّعَة فِي الْبَيْع]

- ‌[السَّلَم وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ

- ‌ بَيْعِ الْجُزَافِ

- ‌[سَوْم الْإِنْسَان عَلَيَّ سَوْم أخيه]

- ‌[مَا يَنْعَقِد بِهِ الْبَيْع]

- ‌[الْإِجَارَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[الْجَعَالَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[الْكِرَاء وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[الشَّرِكَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام]

- ‌[أَرْكَان الشَّرِكَة]

- ‌[أَقْسَام الشَّرِكَة]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[الْمُزَارَعَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌الْجَوَائِحِ

- ‌الْعَرَايَا

- ‌ بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[التَّدْبِير وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[الْكِتَابَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَام الْعِتْق وَالْوَلَاء]

- ‌بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ

- ‌[بَاب الْهِبَة وَالصَّدَقَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[مَطْلَبُ فِي الرَّهْنِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَارِيَّةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَدِيعَة]

- ‌[أَحْكَام اللُّقَطَة]

- ‌[الْغَصْب وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ الْمُثْبِتِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْحُدُود] [

- ‌[أَحْكَام الْقَسَامَة]

- ‌قَتْلُ الْغِيلَةِ)

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[الدِّيَة فِي النَّفْس]

- ‌ دِيَةَ الْأَعْضَاءِ

- ‌[دِيَة الْجِرَاحَات]

- ‌[عَلَيَّ مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[مِنْ يَقْتُلُونَ وجوبا]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[حَدّ الزِّنَا]

- ‌حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[حَدّ الشُّرْب]

- ‌[كَيْفِيَّة إقَامَة الْحَدّ]

- ‌[حَدّ السَّرِقَة]

- ‌[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

- ‌[الأقضية وَأَحْكَامهَا]

- ‌[أَحْكَام الشَّهَادَات]

- ‌[مَسَائِل فِي الْوَكَالَة]

- ‌[أَحْكَام الصُّلْح]

- ‌ مَسَائِلَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الضَّمَانِ

- ‌[أَحْكَام الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[أَحْكَام الْوَصِيَّةِ]

- ‌[أَحْكَام الْحِيَازَةِ]

- ‌[بَاب الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالسَّبَبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ]

- ‌ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ

- ‌[مِنْ يحجب الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات الْأَشِقَّاء]

- ‌ حُكْمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ

- ‌ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ

- ‌ مِيرَاثِ الْجَدَّاتِ

- ‌[مِيرَاث الْجَدّ]

- ‌[مَسْأَلَة المعادة]

- ‌[مَا يَرِثُهُ مَوْلَى النِّعْمَةِ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ]

- ‌ الْعَوْلِ

- ‌ الْمَسْأَلَةِ الْغَرَّاءِ

- ‌[بَابُ فِي بَيَانِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَجُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ السَّلَامِ]

- ‌ بَابٌ فِي التَّعَالُجِ]

- ‌ بَابٌ فِي الرُّؤْيَا]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[باب في الجهاد]

(بَابٌ فِي) حُكْمِ (الْجِهَادِ) وَبَعْضِ فُرُوعِهِ، وَهُوَ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ وَاصْطِلَاحًا: قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ حُضُورُهُ لَهُ أَوْ دُخُولُهُ أَرْضِهِ لَهُ.

وَلَهُ فَرَائِضُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَهِيَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَتَرْكُ الْغُلُولِ وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ وَالثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ، وَأَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ.

وَهُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي الْجِهَادِ]

ِ. عَقَّبَهُ بِالْأُضْحِيَّةِ، وَمَا مَعَهَا جَرْيًا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ أَلْحَقُوهُ بِالْعِبَادَاتِ، اعْتِبَارًا بِقَصْدِ الْمُجَاهِدِ، وَالشَّافِعِيَّةُ أَلْحَقُوهُ بِالْجِنَايَاتِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَبَعْضُ فُرُوعِهِ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ كُلَّ الْفُرُوعِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً مَأْخُوذٌ أَيْ مَعْنًى مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ، أَيْ زِيَادَةِ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ مَأْخُوذٌ ذَلِكَ مِنْ مُطْلَقِ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، أَيْ أَمْرٍ مَلْحُوظِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ. وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ لَفْظَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مَزِيدٌ مَعْنَاهُ لُغَةً، لَفْظٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْأَخْذِ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ] أَيْ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ الطَّاقَةُ. أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. وَقَوْلُهُ: وَالْمَشَقَّةِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَلَيْسَ فِيهِ جِهْدٌ، بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الْفَاكِهَانِيَّ قَالَ: مَا نَصُّهُ وَالْجِهَادُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ، وَهُوَ التَّعَبُ فَمَعْنَى الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمُبَالَغَةُ فِي إتْعَابِ النَّفْسِ، فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ. اهـ. فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[قَوْلُهُ: كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ] خَرَجَ قِتَالُ الذِّمِّيِّ الْمُحَارِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ نَقْضٍ، وَقَوْلُهُ: لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ يَقْتَضِي إنْ قَاتَلَ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ لِإِظْهَارِ الشُّجَاعَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَكُونُ مُجَاهِدًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ، حَيْثُ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُهَا حَيْثُ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ وَبَحَثَ فِيهِ عج: بِأَنَّ مَنْ قَاتَلَ الْعَدُوَّ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ يُحْكَمُ لَهُ، بِحُكْمِ الْمُجَاهِدِ بِإِعْطَاءِ حَظِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ لِيَكُونَ شَهِيدًا. اهـ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ حُضُورُهُ أَوْ دُخُولُهُ أَرْضِهِ لَهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى قِتَالٍ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَعَمُّ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ أَوْ الْحُضُورِ لِلْقِتَالِ، وَالضَّمِيرُ فِي الْحُضُورِ يَعُودُ عَلَى الْقِتَالِ، وَضَمِيرُ لَهُ يَعُودُ عَلَى إعْلَاءِ أَوْ عَلَى الْقِتَالِ، وَضَمِيرُ أَرْضِهِ يَحْتَمِلُ عَوْدُهُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْأَوَّلَ عَائِدٌ عَلَى الْقِتَالِ وَالثَّانِيَ لِلْقِتَالِ أَوْ لِإِعْلَاءِ الْكَلِمَةِ وَلَمْ يَقُلْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مُحَافَظَةً عَلَى ذِكْرِ الْجَلَالَةِ فِي الرَّسْمِ لِلْبَرَكَةِ، وَإِضَافَةُ الْكَلِمَةِ إلَى اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ} [الذاريات: 56] الْآيَةَ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ طَاعَةٌ الْإِمَامِ] أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى جِهَةٍ لِلْقِتَالِ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ وَتَرْكُ الْغُلُولِ هُوَ الْأَخْذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهَا، وَقَوْلُهُ وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ كَافِرًا فَيَجِبُ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَبِيحَ دَمَهُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ

ص: 3

قِسْمَانِ: فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَتَعَيَّنُ لِفَكِّ الْأُسَارَى، وَبِالنَّذْرِ وَبِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ، وَبِفِجَاءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ عَلَى مَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. فِي بَابِ جُمَلٍ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَالْجِهَادُ فَرِيضَةٌ يَحْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] فَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ لَمَا وَعَدَ اللَّهُ الْقَاعِدِينَ بِالْحُسْنَى، وَتَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ.

(وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ (إلَّا أَنْ يُعَاجِلُونَا) أَيْ يُبَادِرُونَا بِالْقِتَالِ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ لَا تُسْتَحَبُّ، بَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَتَسْقُطُ الدَّعْوَةُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ

ــ

[حاشية العدوي]

لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ الثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ.

[قَوْلُهُ: فَيَتَعَيَّنُ لِفَكِّ الْأُسَارَى] أَيْ فَيَتَعَيَّنُ لِأَجْلِ فَكِّ الْأُسَارَى، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتِيجَ فِي فَكِّهِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ صَارَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ لَا فَرْضَ عَيْنٍ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عَجُّ [قَوْلُهُ: وَبِالنَّذْرِ] أَيْ نَذْرِ أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: وَبِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ] يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَيَّنَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَسَعَهُ الْمُخَالَفَةُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَلِي الْعَدُوَّ أَمْ لَا، كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ أَمْ لَا، كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ مِنْ صَبِيٍّ مُطِيقٍ لِلْقِتَالِ أَوْ امْرَأَةٍ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ، مِنْ مَنْعِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَبِفِجَاءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ] يَعْنِي أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا فَجَأَ مَدِينَةَ قَوْمٍ مَثَلًا، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ الْعَدُوَّ، مَا لَمْ يَخَفْ مَنْ بِقُرْبِهِمْ مَعَرَّةَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فَلْيَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ] يَعْنِي أَنَّ الْجِهَادَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ مَعَ خَوْفِ الْمُحَارِبِ كَانَ فِي طَرِيقِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ عَلَى حِدَةٍ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ أَنْ يُعَيَّنَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِجِهَادِ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيَكُونُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ لِلْعَدُوِّ مَعَ قِلَّةِ خَوْفِ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَسَاوَى الطَّرِيقَانِ خَوْفًا، فَالنَّظَرُ لِلْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَذْهَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَإِلَّا وَجَبَ سَدُّ الْجَمِيعِ. وَقَوْلُنَا: فَرْضُ كِفَايَةٍ، لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ، الذَّكَرِ الْمُحَقِّقِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْقَادِرِ لَا عَلَى أَضْدَادِهِمْ، وَكَمَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْمُسْلِمِينَ يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ تَحْتَ ذِمَّتِنَا، فَيُطْلَبُونَ بِمُجَاهَدَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْكُفَّارِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ عُرِّفَ بِأَنَّهُ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فَاعِلِهِ بِالذَّاتِ مَعَ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ فَخَرَجَ سُنَّةُ الْكِفَايَةِ، وَمَا نُدِبَ كِفَايَةً، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِقِيَامِ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ أَجْرٌ أَمْ لَا. قَوْلَانِ: قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.

[قَوْلُهُ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] إلَخْ] أَيْ الْمَثُوبَةَ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ [قَوْلُهُ: الْعَدُوُّ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْعَدُوُّ خِلَافُ الصَّدِيقِ الْمُوَالِي وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ، وَعِدًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ، يَقَعُ الْعَدُوُّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمَجْمُوعِ اهـ.

فَقَوْلُ الْمُصَنَّفِ حَتَّى يُدْعَوْا بِالْجَمْعِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعَدُوِّ هُنَا وَاقِعًا عَلَى جَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَهَادَةُ] فِيهِ شَيْءٌ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ حَتَّى تُدْعَى كُلُّ فِرْقَةٍ إلَى الْخُرُوجِ عَمَّا كَفَرَتْ بِهِ فَيُدْعَى إلَى الشَّهَادَتَيْنِ، مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِمَضْمُونِهِمَا وَيُدْعَى إلَى عُمُومِ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى مَنْ يُنْكِرُ الْعُمُومَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ يُدْعَوْنَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ دِينٌ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَبَرِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ] أَيْ كُلُّ مَرَّةٍ فِي يَوْمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضٍ أَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ فَرْضٌ، أَيْ خِلَافُ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا دُعُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَوَّلِهِ قُوتِلُوا أَوَّلَ الرَّابِعِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لَا فِي بَقِيَّةِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَالْمُرْتَدِّ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ] هَذَا ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: إلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ هَلَاكِهِمْ.

قَالَ فِي

ص: 4

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الدَّعْوَةِ أَوَّلًا، لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا فِي الدَّعْوَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: الْوُجُوبَ مُطْلَقًا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَدَمَهُ لَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا تَجِبُ فِيمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ دُونَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ، وَالرَّابِعَ: تَجِبُ فِي الْجَيْشِ الْكَثِيرِ. ج وَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ، قَوْلَ الشَّيْخِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا قَوْلًا خَامِسًا وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَقَطْ، يُرِيدُ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ. انْتَهَى.

وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ دَعْوَتِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ) أَنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَجَابُوا إلَى أَحَدِهِمَا كُفَّ عَنْهُمْ (وَإِلَّا قُوتِلُوا) وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ وَصِفَةِ الدَّعْوَةِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَجَابُوا كُفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا، وَإِنْ أَجَابُوا طُولِبُوا بِالِانْتِقَالِ إلَى حَيْثُ يَنَالُهُمْ سُلْطَانُنَا فَإِنْ أَجَابُوا كَفَفْنَا عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِمْهَالِ فَلَوْ عَجَّلُوا عَنْ الدَّعْوَةِ قُوتِلُوا دُونَهَا. انْتَهَى.

وَلِقَبُولِ الْجِزْيَةِ شَرْطٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا) ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ، وَإِنَّمَا هَذَا الشَّرْطُ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِمْ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمِصْبَاحِ وَاسْتَأْصَلْته قَلَعْته بِأُصُولِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ: اسْتَأْصَلَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَيْ أَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا.

[قَوْلُهُ: هَذَا مَا يُعْطِيهِ] الْمُشَارُ لَهُ قَوْلُهُ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ لَا تُسْتَحَبُّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ] أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا فِي الدَّعْوَةِ إلَخْ] أَقُولُ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْمُنَاسَبُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إلَيْنَا عَائِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: الْوُجُوبُ مُطْلَقًا] هَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ [قَوْلُهُ: بَعُدَتْ دَارُهُ] أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ دُونَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ أَيْ فَلَا يُدْعَوْنَ لِعِلْمِهِمْ بِالدَّعْوَةِ، كَذَا رَأَيْتُ [قَوْلُهُ: تَجِبُ فِي الْجَيْشِ الْكَثِيرِ] أَيْ الْآمِنِ أَيْ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَقَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْجَيْشِ الْكَثِيرِ الْآمِنِ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ آمِنًا، تَكُونُ الدَّعْوَةُ سَبَبًا لِاسْتِعْدَادِ الْكُفَّارِ فَيَكُونُ ضَرَرًا لِلْمُسْلِمِينَ، خِلَافٌ مَا إذَا كَانَ آمِنًا فَلَا يُبَالِي أَيْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ آمِنًا، فَلَا تَجِبُ بَلْ تَحْرُمُ. هَذَا مَا يَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ الْقَوْلَيْنِ [قَوْلُهُ: قَوْلًا خَامِسًا] أَيْ فَيَكُونُ الثَّانِي قَائِلًا بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ] أَيْ لِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُمْ إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُدْعَوْنَ عَلَى التَّرْتِيبِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَظَاهِرٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا إلَخْ. لَيْسَ بَيَانًا لِلدَّعْوَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ لِلْجِزْيَةِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ لِمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي جَوَابِ الدَّعْوَةِ فَإِذَا دُعُوا لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوا لَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَجَابُوا لِلْجِزْيَةِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ إجَابَةٌ لِلْجِزْيَةِ بَعْدَ إبَايَةِ الْإِسْلَامِ. اهـ.

الْمُرَادُ مِنْ حَاشِيَةِ عج: بِالْمَعْنَى [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ] أَيْ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ [قَوْلُهُ: عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ] أَيْ إجْمَالًا أَيْ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا [قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِمْهَالِ] أَيْ تَرْكُ الْكُفَّارِ إيَّانَا إلَخْ، مِنْهُ نَسْتَفِيدُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا قُوتِلُوا، إلَّا أَنْ يُعَاجِلُوا فَلَا يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: عَجِلُوا] مِنْ بَابِ تَعِبَ أَيْ فَلَوْ أَسْرَعُوا لِمُقَاتَلَتِنَا كَافِّينَ عَنْ دَعْوَتِنَا أَيْ تَارِكِينَ لَهَا. [قَوْلُهُ: قُوتِلُوا دُونَهَا] أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ.

[قَوْلُهُ: وَلِقَبُولِ الْجِزْيَةِ شَرْطٌ] أَيْ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ لَهُ شَرْطٌ، أَيْ إذَا أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي أَيِّ مَحِلٍّ كَانَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا إلَخْ] لَا يُفِيدُ الْمُرَادُ وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا، فَإِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَهَذَا يُوجَدُ مَعَ

ص: 5

وَتُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فِي مَوْضِعِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، وَتَكَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ أَيْنَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَسَكَتَ عَنْ إسْلَامِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا، فَنَقُولُ سَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا تَقْدَحُ قُوَّةٌ فِي إسْلَامِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً قَبْلَ الصُّلْحِ.

(وَالْفِرَارُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَنْ يُوَلِّيَ (مِنْ الْعَدُوِّ) وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ (مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا كَانُوا) أَيْ الْعَدُوُّ مِنْ الْكُفَّارِ (مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُمْ فِي الْقُوَّةِ أَوْ أَشَدَّ أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ أَمْ لَا، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَنِيَّتُهُ إلَى آخِرِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ إذَا فَرَّ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ، بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَكِيدَةً لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] الْمُتَحَرِّفُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْبُعْدِ وَقَدْ يُوجَدُ ضِدُّهُ مَعَهُ كَمَا فِي عج [قَوْلُهُ: وَسَكَتَ عَنْ إسْلَامِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا] أَيْ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: لَا تَقْدَحُ فِي إسْلَامِهِمْ] أَيْ بِالْفِعْلِ لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ شُرَّاحَ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ قَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَنَصَّ الْبَعْضُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا لِلْجِزْيَةِ أَوْ أَجَابُوا لَهَا، وَلَكِنَّهُمْ بِمَحَلٍّ لَا تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فِيهِ وَلَمْ يَرْتَحِلُوا إلَى مَحَلٍّ يُؤْمَنُ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ، وَهُمْ بِمَحَلٍّ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُمْ قُوتِلُوا أَيْ أُخِذَ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا اهـ.

إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُ شُرَّاحِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسْلِمُوا بِالْفِعْلِ لَا وَعَدُوا بِالْإِسْلَامِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَاجِبَةٌ قَبْلَ الصُّلْحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تُوَضِّحُ الْمَقَامَ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَإِنْ كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَحِلُوا، وَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلُوا فَهُمْ عَاصُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِسْلَامُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ حَتَّى يَرْتَحِلَ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» .

[قَوْلُهُ: أَوْ جُهِلَ الْأَمْرَ] أَيْ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَضْعَفُ قُوَّةً مِنْ الْكُفَّارِ لَجَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ، حِينَئِذٍ يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ الْفِرَارِ إذَا كَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَإِلَّا جَازَ، وَإِذَا كَانُوا ضِعَافًا لَيْسَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الضَّعْفُ بِحَسَبِ الْعَدَدِ لَا الْقُوَّةِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونَ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتُوا لِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، إذَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ سِلَاحًا، وَأَكْثَرَ قُوَّةً وَجَلَدًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ إذَا كَانَ الْكُفَّارُ أَشَدَّ مِنْهُمْ سِلَاحًا، وَأَكْثَرَ قُوَّةَ وَجَلَدًا وَخَافُوا أَنْ يَغْلِبُوهُمْ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ الْفِرَارِ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ ضَعْفَهُمْ أَوْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ سِلَاحٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ لَمْ يَحْرُمْ الْفِرَارُ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ إلَخْ] الْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِمَحِلِّ مَدَدٍ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَهَذَا جَارٍ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ أَوْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَيَكْفِي بُلُوغُهُمْ هَذَا الْعَدَدَ وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْجَمِيعِ مِمَّنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْجِهَادِ، بَلْ لَوْ كَانَ فِيهِمْ عَبِيدٌ وَصِبْيَانُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْجِهَادِ.

[قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا فَرَّ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ كَالْمُتَحَرِّفِ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ، فَالْأَوْلَى

ص: 6

هُوَ الَّذِي يُرِي الْعَدُوَّ الِانْهِزَامَ حَتَّى يَتْبَعَهُ فَيَكِرُّ عَلَيْهِ وَالْمُتَحَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَمِيرِ أَوْ إلَى جَمَاعَةٍ بِقُرْبِهِ يَسْتَعِينُ بِهِمْ، (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْعَدُوُّ الْكُفَّارُ (أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ (فَلَا بَأْسَ) بِجَوَازِ (ذَلِكَ) الْفِرَارِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَهُوَ كَذَلِكَ.

فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَارْتَضَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ، وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَقَيَّدَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الشَّيْخِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ.

(وَيُقَاتَلُ الْعَدُوُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ أَنْ يُقَاتِلَ الْعَدُوَّ مِنْ الْكُفَّارِ (مَعَ كُلِّ بَرٍّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ الْمُوَفِّي بِالْعُهُودِ.

(وَ) مَعَ كُلِّ (فَاجِرٍ) وَهُوَ الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ (مِنْ الْوُلَاةِ) أَمَّا مَعَ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعَ الثَّانِي فَلِمَا صَحَّ، مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ الْقِتَالُ مَعَهُ لَكَانَ ضَرَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ.

(وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْأَعْلَاجِ) جَمْعُ عِلْجٍ: وَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ.

(وَلَا يُقْتَلُ أَحَدٌ) مِنْ الْعَدُوِّ (بَعْدَ أَمَانٍ) كَانَ الْأَمَانُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

أَنْ يُشِيرَ إلَى إخْرَاجِهِمَا أَوَّلًا، وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمُحْتَرِفِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَمِيرِ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَحَيِّزُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا بَيِّنًا، وَقَرُبَ الْمُنْحَازُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُنْحَازُ أَمِيرَ الْجَيْشِ.

تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي بُلُوغَ الْمُسْلِمِينَ النِّصْفَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ الْآتِيَةِ، بِمَا إذَا كَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَإِلَّا جَازَ الْفِرَارُ فَصَارَ حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ سِلَاحٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَكُونَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ. [قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِجَوَازِ ذَلِكَ] لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ جَوَازٍ فَذِكْرُهَا مُضِرٌّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ حِينَئِذٍ الْفِرَارُ أَوْ الثَّبَاتُ، أَوْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فَالْفِرَارُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَالثَّبَاتُ أَفْضَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.

قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَر أَلْفًا إلَخْ] قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِشُرُوطٍ.

[قَوْلُهُ: أَيْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هَذَا جَارٍ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كِفَايَةً، وَأَمَّا مَنْ يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ الْجِهَادُ، فَهَلْ يُقَاتِلُ مَعَ كُلِّ بَارٍّ وَفَاجِرٍ أَوْ لَا.

قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَفِّي بِالْعُهُودِ] أَيْ: الْعَادِلُ، [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ] شَامِلٌ لِمَنْ كَانَ جَوْرُهْ بِالْغَدْرِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ وُجُوبِ الْقِتَالِ مَعَهُ، وَلِمَنْ كَانَ فَاسِقًا وَلِمَنْ لَا يَعْدِلُ فِي الْخَمْسِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِهَادِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ كِفَايَةً، وَأَمَّا مَا يَنْدُبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِلْقِتَالِ مَعَ الْجَائِزِ فِي الْمَنْدُوبِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مِنْ أُسِرَ مِنْ الْأَعْلَاجِ] أَيْ إذَا كَانَ فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَشَارَ بِهِ لِمَنْ يَقُولُ لَا تُقْتَلُ الْأُسَارَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقَتْلِ أَحْسَنُ. اهـ.

أَقُولُ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَعْلَاجِ فَرْضُ مِثَالٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِنْ أَسَرُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي خَمْسَةٍ: الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ أَوْ الْمُفَادَاةِ أَوْ الْمَنِّ بِالنَّظَرِ. اهـ.

قَالَ خَلِيلٌ: فِي تَوْضِيحِهِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِبْقَاءِ، فَإِنْ قَتَلَ فَلَا تَفْصِيلَ، وَإِنْ أَبْقَى خُيِّرَ فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِرْقَاقِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْمَنِّ، وَقَوْلُهُ بِالنَّظَرِ رَاجِعٌ لِلْخَمْسَةِ، يَعْنِي أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَمَتَى وَجَدَ فِيهَا أَحْسَنَ تَعَيَّنَ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْمُفَادَاةُ أَوْ الْعِتْقُ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَأَيْنَ التَّخْيِيرُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْيِيرَ حَيْثُ رَأَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمُورِ مَصْلَحَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، مِنْ

ص: 7

الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] ؛ وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يُنْصَبُ لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ (وَلَا يُخْفَرُ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَدُوِّ (بِعَهْدٍ) وَالْإِخْفَارُ نَقْضُ الْعَهْدِ، وَلَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالْقَتْلِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ.

(وَلَا) يُقْتَلُ (النِّسَاءُ وَ) لَا (الصِّبْيَانُ) ؛ لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ قَتْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَضْرِبُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِرْقَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْفِدَاءِ، (وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ) جَمْعُ رَاهِبٍ وَهُوَ الْعَابِدُ.

(وَ) قَتْلُ (الْأَحْبَارُ) جَمْعُ حَبْرٍ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْعَالِمُ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ الْأَحْبَارِ الْأُجَرَاءُ وَيُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ قَتْلِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَنْ يَنْقَطِعَا عَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمَا حِسًّا فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ، وَمَعْنًى، فَلَا يُخَالِطَاهُمْ فِي رَأْيٍ وَلَا يُعِينَاهُمْ فِي تَدْبِيرٍ وَمَشُورَةٍ، وَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ لَا يُسْتَرَقَّانِ، وَيَتْرُكُ لَهُمَا مَا يَقُومُ بِهِمَا. وَاخْتَلَفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ، إذَا كَانَ مَالًا كَثِيرًا عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ، أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِيمَا رَأَيْتُ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَالُهُ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ، أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ يُتْرَكُ لَهُ كِفَايَتُهُ فَقَطْ، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ إذَا تَرَهَّبَتْ، حُكْمُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

التَّخْيِيرِ لَازِمُهُ، وَهُوَ عَدَمُ تَعَيُّنِ وَاحِدٍ مِنْهَا ابْتِدَاءً.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَمَانَةً مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ. اهـ. ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] أَيْ رَايَةٌ، كَمَا قَالَهُ شَارِحُو الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ.

قَالَ بَعْضٌ: وَالْمُرَادُ شُهْرَتُهُ فِي الْقِيَامَةِ بِصِفَةِ الْغَدْرِ؛ لِيَذُمَّهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، وَفِيهِ غُلِّظَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ لَا سِيَّمَا مِنْ صَاحِبِ الْوَلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ غَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُخْفَرُ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، مِنْ أَخْفَرَ لَا مِنْ خَفَرَ، قَالَ فِي الصَّحَاحِ، وَأَخْفَرْتُهُ إذَا نَقَضْتُ عَهْدَهُ.

[قَوْلُهُ: وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ] لَيْسَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ، لِفَضْلِ تَرَهُّبِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْ اللَّهِ أَبْعَدُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشِدَّةِ كُفْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تُرِكُوا لِتَرْكِهِمْ أَهْلِ دِينِهِمْ فَصَارُوا كَالنِّسَاءِ اهـ مِنْ تت.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَفْصَحُ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ الصَّحَاحِ، وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَتْحَ بَعْدُ، وَاقْتَصَرَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ عَلَى الْفَتْحِ وَكَذَا ثَعْلَبٌ. [قَوْلُهُ: الْأُجَرَاءُ] أَيْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ فَفِي الشَّيْخِ زَرُّوقٍ الْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ الْفَلَّاحِ وَالْأَجِيرِ وَالصَّانِعِ، إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَقَدَرَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَعِنْدَ سَحْنُونَ يُقْتَلُونَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ إذْ لَمْ يَسْتَثْنِهِمْ مِمَّنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ اهـ.

وَرَأَى بَعْضُ مُحَقِّقِي شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي حَالٍ، وَأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْتَلُ، وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ لَا يُقْتَلُ. [قَوْلُهُ: الْأَوَّلَيْنِ] لَعَلَّهُ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ أَوَّلَيْنِ، بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ أَوْ الْأُجَرَاءُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعِينُوهُمْ] عَيْنُ الَّذِي قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: فِي تَدْبِيرٍ] التَّدْبِيرُ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَقَوْلُهُ: مَشُورَةُ الْإِعَانَةِ فِي مَشُورَةٍ، هِيَ أَنْ يَدُلَّ الْمُسْتَشَارُ الْمُسْتَشِيرَ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ] وَعَلَى قَاتِلِهِمَا دِيَةُ حُرٍّ، تُدْفَعُ لِأَهْلِ دِينِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَيَتْرُكُ لَهُمَا مَا يَقُومُ بِهِمَا] أَيْ يَتْرُكُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا تُؤْخَذُ كُلُّهَا فَيَمُوتُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَمِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاتُهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إلَخْ] أَيْ الَّذِي هُوَ الثَّانِي [قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْيَسِيرِ] أَيْ فِي كَوْنِهِ يُتْرَكُ لَهُ وَالْكَثِيرُ لَا يُتْرَكُ لَهُ، هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ مُقَابِلًا لَهُ، أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ كِفَايَتُهُ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِدُ مَالًا كَثِيرًا أَمْ لَا، فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ] أَيْ مِنْ شَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَا تَدْبِيرٌ، أَمَّا إنْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ رَأْيٌ قُتِلَ. [قَوْلُهُ: حُكْمُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَيْسَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ الرِّجَالِ فَلَا يَتْرُكُهُنَّ، وَيَجُوزُ أَسْرُهُنَّ إذْ

ص: 8

قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) فَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ، وَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى الرُّهْبَانِ، وَمَا بَعْدَهُ وَاسْتُقْرِبَ لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ، مَعَ قَوْلِهِ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُقْتَلُ إذَا قَاتَلَتْ) ظَاهِرُهُ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَيَّدَهُ ع بِقَوْلِهِ: يَعْنِي حَالَ الْقِتَالِ.

وَأَمَّا إذَا بَرَدَ الْقِتَالُ فَلَا تُقْتَلُ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ، وَأَمَّا إذَا قَاتَلَتْ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تُقْتَلُ.

(وَيَجُوزُ أَمَانُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ) وَهُوَ الْخَسِيسُ الَّذِي إذَا غَابَ لَا يُنْتَظَرُ، وَإِذَا حَضَرَ لَا يُسْتَشَارُ (عَلَى بَقِيَّتِهِمْ) فَأَمَانُ الشَّرِيفِ أَحْرَى بِالْجَوَازِ، وَهَذَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَأَمَّا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَوْ بَلَدٍ فَلَا يَعْقِدُ لَهُمْ الْأَمَانَ إلَّا السُّلْطَانُ، فَإِنْ عَقَدَهُ غَيْرُهُ نَقَضَهُ إنْ شَاءَ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَشَرْطُ الْأَمَانِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَرٌ، فَلَوْ أَمَّنَ جَاسُوسًا أَوْ طَلِيعَةً أَوْ مَنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ لَمْ يَنْعَقِدْ اهـ. .

وَيَنْعَقِدُ الْأَمَانُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ وَبِالْكِنَايَةِ وَالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ) يَجُوزُ أَمَانُهَا (وَالصَّبِيُّ) مِثْلُهَا يَجُوزُ أَمَانُهُ (إذَا عَقَلَ الْأَمَانَ) أَيْ عَلِمَ أَنَّ نَقْضَ الْأَمَانِ حَرَامٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ يُثَابُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ: إنْ أَجَازَ ذَلِكَ) أَيْ أَمَانَ الصَّبِيِّ (الْإِمَامُ جَازَ) ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَجُزْ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ

ــ

[حاشية العدوي]

الرَّهْبَانِيَّةُ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الرِّجَالُ. [قَوْلُهُ: مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ] أَمَّا النِّسَاءُ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِنَّ، وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُهَا وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ] ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ ابْنُ عُمَرَ إلَخْ] مِنْ كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ وَهِيَ: إمَّا أَنْ تُقْتَلَ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا حَالَ الْمُنَاشَبَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَمَتَى قُتِلَتْ قُتِلَتْ حَالَ الْمُقَاتَلَةِ أَوْ بَعْدَهَا قُتِلَتْ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَمَتَى لَمْ تُقْتَلْ قُتِلَتْ حَالَ الْمُقَاتَلَةِ بِسِلَاحٍ لَا حَالَهَا بِدُونِهِ وَلَا بَعْدَهَا مُطْلَقًا، فَلَا تُقْتَلُ فِي ثَلَاثٍ وَتُقْتَلُ فِي خَمْسٍ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ بِسِلَاحٍ تُقْتَلُ مُطْلَقًا حَالَ الْقِتَالِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا، وَالصَّبِيُّ فِي التَّفْصِيلِ كَالْمَرْأَةِ وَلَوْ رَاهَقَ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَسِيسُ] الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَيْسَ عَدْلَ شَهَادَةٍ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِمَصْلَحَةِ الْأَمَانِ وَلَوْ خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ] أَيْ فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ مَخْصُوصِينَ. [قَوْلُهُ: نَقَضَهُ إنْ شَاءَ] أَيْ كَانَ لَهُ النَّظَرُ كَمَا يَنْظُرُ فِي التَّأْمِينِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ أَوْ الْجَاهِلِ، فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمَانِ الذِّمِّيِّ لِبَعْضِ الْحَرْبِيِّينَ لَا يَجُوزُ. وَاعْلَمْ أَنَّ ثَمَرَةَ الْأَمَانِ الْعَائِدَةَ عَلَى الْمُؤَمَّنِ، حُرْمَةُ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ، وَعَدَمُ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ، إنْ وَقَعَ الْأَمَانُ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَتْلُ فَقَطْ، وَيَرَى الْإِمَامُ رَأْيَهُ فِي غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ أَمَّنَ جَاسُوسًا إلَخْ] يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ أَوْ يُسْلِمُ. [قَوْلُهُ: الطَّلِيعَةُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، الطَّلِيعَةُ الْقَوْمُ يُبْعَثُونَ أَمَامَ الْجَيْشِ يَتَعَرَّفُونَ طِلْعَ الْعَدُوِّ بِالْكَسْرِ، أَيْ خَبَرَهُ وَالْجَمْعُ طَلَائِعُ اهـ. فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُغَايِرٌ لِلْجَاسُوسِ.

[قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ الْأَمَانُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ إلَخْ] كَأَمَّنْتُكَ [قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ] أَيْ يَفْهَمُ مِنْهَا الْكَافِرُ الْأَمَانَ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمُشِيرُ الْأَمَانَ بَلْ ضِدَّهُ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ بِهَا الْمُشِيرُ الْأَمَانَ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْأَمَانُ، وَإِنْ فَهِمَ مِنْهَا الْكَافِرُ ضِدَّ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَرْأَةُ إلَخْ] أَوْ الْعَبْدُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إنْ عَقَلَ الْأَمَانَ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ] مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ يَمْضِي إنْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْمَاجِشُونَ. إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ فِيهَا قُصُورٌ، مِنْ حَيْثُ إرْجَاعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلصَّبِيِّ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَجْعَلُ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَرْأَةَ بَلْ وَالْعَبْدَ، وَلِذَلِكَ أَرْجَعَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بَعْضُهُمْ إلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا أَمَانُ الْخَارِجِ عَنْ الْإِمَامِ الْمُسْلِمِ الْكَبِيرِ الْحُرِّ فَيَمْضِي، وَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الذِّمِّيِّ وَالْخَائِفِ مِنْهُمْ

ص: 9