الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْحَاضِرِ مِنْ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَا يُحَازُ عَلَيْهِ كَذَا أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مُدَّةَ الْحَوْزِ عَشْرُ سِنِينَ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ وَالْمَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ.
تَنْبِيهٌ
ع: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ.
وَقَالَ ق: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا ذُكِرَ أَوَّلَ الْبَابِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حِيَازَةِ الْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ فَقَالَ: (وَلَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ عَشْرِ سِنِينَ بَلْ أَكْثَرَ ج كَخَمْسِينَ سَنَةً وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ: الْأَقَارِبُ كَغَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَدَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَأَبِيهِ حِيَازَةٌ وَإِنْ طَالَتْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصِّهْرَ كَالْقَرِيبِ نَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (إقْرَارُ الْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا (لِوَارِثِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ.
[قَوْلُهُ: كَذَا أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَذَا أَطْلَقَ فَيَقُولَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعِيدَةٌ وَالْأَمْرُ فِيهَا كَمَا قَالَ، وَقَرِيبَةٌ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ ثَبَتَ عَجْزُهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِذَاتِهِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَكَالْأَوَّلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَفِي سُقُوطِ حَقِّهِ قَوْلَانِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: ثُمَّ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لَا عُذْرَ لَهُ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْبَتَهُ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: وَمِثْلُ الْحَاضِرِ الْغَائِبُ عَلَى يَوْمَيْنِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ] ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ إلَخْ] وَمِثْلُهُمْ الْمَوَالِي أَعْلَوْنَ أَوْ أَسْفَلُونَ، أَيْ أَصْهَارٌ وَمَوَالٍ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ
[قَوْلُهُ: ج كَخَمْسِينَ سَنَةً] كُلٌّ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ سَوَاءٌ الشُّرَكَاءُ وَغَيْرُهُمْ. لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ فِي الْأَمَدِ الطَّوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الرَّاجِحِ. وَهَذَا فِي أَقَارِبَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ تَشَاجُرٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجَانِبِ.
[قَوْلُهُ: الْأَقَارِبُ كَغَيْرِهِمْ] أَيْ فَيَكْفِي الْعَشْرُ سِنِينَ أَيْ مَعَ التَّصَرُّفِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، لَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ مَذْكُورٌ فِي خَلِيلٍ فِي الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
[قَوْلُهُ: وَإِنْ طَالَتْ] أَيْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ بِحَيْثُ تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْحَائِزُ يَهْدِمُ وَيَبْنِي لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ وَلَا مَانِعَ فَلَا قِيَامَ لِلْحَاضِرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ لَهُ بَيِّنَةٌ.
وَأَمَّا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا أَوْ وَهَبَهُ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ مَعَ غَيْرِ كَلَامٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَاهُ مَعَ حُصُولِ هَذَا الْفِعْلِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصِّهْرَ] هُوَ قَرِيبُ الْمَرْأَةِ
[بَاب الْإِقْرَارِ]
[قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِقْرَارِ] وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ لَهُ وَالْمُقَرُّ بِهِ وَالصِّيغَةُ، فَشَرْطُ الْمُقِرِّ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ الْمُقَرِّ لَهُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُقَرِّ بِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَحَمْلٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ تَكْذِيبٌ لِلْمُقِرِّ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّكْذِيبِ، وَأَنْ لَا يُتَّهَمَ الْمُقِرُّ عَلَى الْإِقْرَارِ وَشَرْطُ الْمُقَرِّ بِهِ كَوْنُهُ حَقًّا بِحَيْثُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ وَصِيغَتُهُ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ فَعَلْت كَذَا مِمَّا يُوجِبُ فِعْلَهُ حُكْمًا.
[قَوْلُهُ: مَرَضًا مَخُوفًا] وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا فَحُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ.
[قَوْلُهُ: لِوَارِثِهِ] الْأَقْرَبُ أَوْ الْمُسَاوِي، أَمَّا الْأَقْرَبُ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَالْمُسَاوِي كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْبِرِّ وَالْعُقُوقِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْعَاقِّ فَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ بِالْجَوَازِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ نَظَرًا لِصُورَةِ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا أَقَرَّ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ كَخَالِهِ أَوْ أَقَرَّ
بِدَيْنٍ) لَهُ فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ صُورَةُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، وَصُورَةُ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِهِ أَنْ يَقُولَ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ قَبَضْته، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةٌ مِثْلُ أَنْ تَرِثَهُ ابْنَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ فَيُقِرَّ لِابْنَتِهِ بِمَالٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي التُّهْمَةَ فِي الْمَيْلِ إلَى ابْنَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ تُهْمَةٌ جَازَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ عَمِّهِ بِدَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِ.
(وَمَنْ أَوْصَى بِحَجٍّ أَنُفِذَ) مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مَا يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ مِنْ الْإِيصَاءِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا وَأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِهَا، (وَإِذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ) أَيْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لَأَنْ يَحُجَّ عَمَّنْ أَوْصَى بِحَجٍّ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ (قَبْلَ أَنْ يَصِلَ) إلَى مَكَّةَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْعَالَ الْحَجِّ (فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ) مِنْ الطَّرِيقِ (وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ كُلَّهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ (وَ) أَمَّا (مَا هَلَكَ بِيَدِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ مُلَاطِفٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ قَدْ وَرِثُوا فَلَا يُشْتَرَطُ خُصُوصُ الْوَلَدِ بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَرِثَهُ أَقْرَبُ سَوَاءٌ كَانَ يَسْتَغْرِقُ أَوْ لَا.
تَنْبِيهٌ
يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَجُرْحٍ أَوْ قَتْلِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ كَسَرِقَةِ نِصَابٍ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ وَلَوْ حُكْمًا كَالْمُكَاتَبِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَكُونُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ.
[قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْصَى بِحَجٍّ] اعْلَمْ أَنَّ كِرَاءَ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ ضَمَانٌ مَضْمُونٌ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ، وَضَمَانٌ مُعَيَّنٌ بِذَاتِهِ وَبَلَاغٌ وَجَعَالَةٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَارَةً يَكُونُ مَضْمُونًا فِي السَّنَةِ وَتَارَةً مُعَيَّنًا بِهَا، وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنَّمَا تَكَلَّمَا عَلَى الْبَلَاغِ وَعَلَى الضَّمَانِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِذَاتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ.
[قَوْلُهُ: أُنْفِذَ] أَيْ وُجُوبًا وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِوُجُوبِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَكْرُوهِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ. وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يُنَفَّذُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَمَحَلُّ الْإِنْفَاذِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَالِ مَرَضِهِ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَهُ. أَوْ فِي صِحَّتِهِ وَكَانَ غَيْرَ صَرُورَةً لَا إنْ كَانَ صَرُورَةً فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِالْحَجِّ.
[قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ] أَيْ فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ] هَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ الْمُرَادُ يُوصِي بِالْحَجِّ وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَحَبُّ إلَيْنَا] أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا] أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ أَيْ فِي إنْفَاذِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ، فَقَدْ عَلِمْت الْخِلَافَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ أَيْ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِهَا أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ» إلَخْ أَيْ وَأَمَّا الْحَجُّ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَلْ ثَوَابُهُ لِلْمَيِّتِ أَمْ لَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ. ج: وَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ لِلْخِلَافِ فِي حُصُولِ ثَوَابِهِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ. عَبْدُ الْحَقِّ وَلِذَلِكَ لَا تُقْرَأُ الْفَاتِحَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ] أَيْ أَوْصَدَ أَوْ أَخْطَأَ فِي الْعَدَدِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْعَالَ الْحَجِّ] أَيْ أَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ لِمَكَّةَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْعَالَ الْحَجِّ.
[قَوْلُهُ: فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّعُوبَةُ وَالسُّهُولَةُ وَالْخَوْفُ وَالْأَمْنُ لَا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ، فَقَدْ يَكُونُ رُبْعُهَا يُسَاوِي نِصْفَ الْكِرَاءِ لِصُعُوبَتِهِ وَعَكْسُهُ، فَيُقَالُ: بِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ الْإِجَارَةِ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِئْجَارِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِعَشَرَةٍ قِيلَ: وَبِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ مِنْ مَكَانِ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِثَمَانِيَةٍ رَدَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا بَقِيَتْ أَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَخَذَ وَارِثُهُ خُمُسَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا وَهَذَا فِي أَجْرِ الضَّمَانِ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ وَأَبَى وَارِثُهُ
فَهُوَ) أَيْ ضَمَانُهُ (مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُعَاوَضَتَهُ فِيهِ وَهُوَ الْعَمَلُ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِ الْعِوَضَ (وَإِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْبَلَاغِ فَ) إنَّهُ إذَا هَلَكَ يَكُونُ (الضَّمَانُ مِنْ الَّذِينَ وَاجْرُوهُ) صَوَابُهُ آجَرُوهُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَإِنَّمَا كَانَ الضَّمَانُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْبَلَاغِ هُوَ أَنْ يُعْطَى مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ فَإِنْ أَكْمَلَ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِعِوَضٍ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْلِكُ مَا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كِفَايَتِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ لَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ الْإِتْمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِمَوْتِهِ أَوْ صَدِّهِ قَبْلَ التَّمَامِ. وَحَقِيقَةُ أَجْرِ الضَّمَانِ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ.
تَنْبِيهٌ
وَحَيْثُ مَاتَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُسْتَأْجَرُ فِي إجَارَةِ الضَّمَانِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، وَفِي الْبَلَاغِ الْآتِيَةِ مِنْ مَحَلِّ الِانْتِهَاءِ أَيْ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يَبْتَدِئُ الْحَجَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُ إلَّا الْقَلِيلُ، أَيْ يَبْتَدِئُ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ بَلْ يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ الْحَجِّ.
[قَوْلُهُ: ضَمَانُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
[قَوْلُهُ: فِيهِ] لَا حَاجَةَ لَهُ فَكَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُعَاوَضَتَهُ أَيْ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ وَتَحْتَمِلُ عَلَيْهِ عِوَضُهُ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَحِينَئِذٍ إذَا ضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ تَكُونُ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ إلَخْ] شُرُوعٌ فِي الْبَلَاغِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ، فَإِذَا رَجَعَ رَدَّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ وَيَرُدُّ الثِّيَابَ أَيْضًا الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَا يُوَسِّعُ كَثِيرًا وَلَا يَقْتُرُ بَلْ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْخُذَ مَفْهُومَهُ لَوْ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ النَّفَقَةِ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَلَاغًا جَائِزًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ فِيهِ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ فَلَا تَصِحُّ تِلْكَ الْإِجَارَةُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الَّذِينَ وَاجْرُوهُ] أَيْ لِتَفْرِيطِهِمْ بِعَدَمِ إجَارَةِ الضَّمَانِ الَّتِي هِيَ أَحْوَطُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي أَوْصَى بِإِجَارَةِ الْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قُسِمَ.
[قَوْلُهُ: صَوَابُهُ آجَرُوهُ] أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ. وَقَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَيْ اسْتَحَقَّهُ وَلَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَ إلَخْ] هَذَا رُوحُ التَّعْلِيلِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ شَيْئًا] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ التَّكْمِيلِ لِعُذْرٍ مِنْ مَوْتٍ أَوْ صَدٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَتُحْمَلُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ عَلَى مَا إذَا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَإِذَا ضَاعَ الْمَالُ مِنْهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ رَجَعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْعَمَلِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَا فِي الذَّهَابِ وَلَا فِي الْإِيَابِ لِمَوْضِعِ الضَّيَاعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَاعَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى عَمَلِ الْحَجِّ وَيُكْمِلُ الْعَمَلَ، وَأَمَّا إذَا فَرَغَ الْمَالُ فَيَسْتَمِرُّ وَلَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِعِوَضٍ] أَيْ عِوَضٍ مُعَيَّنٍ كَثَلَاثِينَ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ أَيْ فَإِنْ عَجَزَ الْمَالُ عَنْ كِفَايَتِهِ أَيْ الْمُسْتَأْجَرِ. وَقَوْلُهُ: إتْمَامُهُ أَيْ لَزِمَ الْمُسْتَأْجَرَ إتْمَامُ الْحَجِّ.