الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[44 -
بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ (الْفِطْرَةِ) أَيْ الْخِصَالُ الَّتِي يَكْمُلُ الْمَرْءُ بِهَا حَتَّى يَكُونَ عَلَى أَفْضَلِ الصِّفَاتِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْخِتَانِ وَ) حُكْمِ (حَلْقِ الشَّعْرِ) صَرَّحَ بِهَذَيْنِ وَإِنْ كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي الْفِطْرَةِ دَلَالَةً عَلَى تَأَكُّدِهِمَا (وَ) فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ مِنْ (اللِّبَاسِ) وَمَا لَا يَجُوزُ (وَ) فِي بَيَانِ (سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ) فِي بَيَانِ (مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَالصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ، وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ:(وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ) أَوَّلُهَا (قَصُّ الشَّارِبِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «قُصُّوا الشَّارِبَ» فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ (وَهُوَ الْإِطَارُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا (وَهُوَ) أَيْ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ]
بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْخِصَالِ] أَيْ بَعْضِ الْخِصَالِ الَّتِي يَكْمُلُ بِهَا الْمَرْءُ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِابْنِ عُمَرَ. وَفَسَّرَهَا الْفَاكِهَانِيُّ بِالسُّنَّةِ [قَوْلُهُ: الْمَرْءُ] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمُّهَا لُغَةٌ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَ لُغَةً قَاصِرًا عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا امْرَأَةٌ بِالتَّاءِ، أَيْ الَّتِي يُحْكَمُ بِكَمَالِ الْمَرْءِ بِسَبَبِهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى أَفْضَلِ الصِّفَاتِ أَيْ أَفْضَلِ الْهَيْئَاتِ
[قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْخِتَانِ] أَيْ وَالْخِفَاضِ أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ.
[قَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهَذَيْنِ] أَيْ الْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَقَيَّدَ بِالْحُكْمِ فِي هَذَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْفِطْرَةِ الشَّامِلَةِ لِهَذَيْنِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ إلَّا فِي هَذَيْنِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ حَلْقَ غَيْرِ الْعَانَةِ لَيْسَ مِنْ الْفِطْرَةِ، وَهُوَ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْحُكْمِ فِيهِ لِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلْقِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَلْقِ حَلْقُ الشَّعْرِ غَيْرِ الْعَانَةِ وَلَا يَحْتَاجُ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ كَوْنِهِ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ. [قَوْلُهُ: دَلَالَةً عَلَى تَأَكُّدِهِمَا] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ خُصُوصُ الْعَانَةِ لِأَنَّ حَلْقَ غَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ جَائِزٌ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ إلَّا فِي غَيْرِ الْعَانَةِ، وَأَفَادَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَنَّ حَلْقَ الْعَانَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّأْكِيدِ إلَّا فِي الْخِتَانِ فَانْظُرْهُ. وَعَلَّلَ تت فِي الْخِتَانِ بِالرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ بِالْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: مِنْ اللِّبَاسِ] اللِّبَاسُ مَا يُلْبَسُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِصْبَاحِ فَحِينَئِذٍ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مِنْ اللِّبَاسِ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ بِهِ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَيُؤْمَرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ] أَيْ فَأُفْرِدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ مُتَعَدِّدٌ.
[قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْبَابِ. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ تَقَارُبُ الْمَعْنَى بَلْ مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ عَقِبَهُ وَأَنَّ الْبَابَ جَمَعَهُمَا.
[قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِصَالَ بِتَمَامِهَا، وَهَذَا يُفِيدُ خِلَافَهُ فَيُقَدَّرُ فِي التَّرْجَمَةِ مُضَافٌ كَمَا بَيَّنَّا لِيَلْتَئِمَ الْكَلَامُ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ] التَّعْبِيرُ بِمِنْ يُفِيدُ أَنَّ الْخِصَالَ أَكْثَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ الْفِطْرَةُ عَشَرَةٌ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ فَاَلَّتِي فِي الرَّأْسِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ، وَقِيلَ الْخَامِسُ إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالْخَمْسَةُ الَّتِي فِي الْجَسَدِ نَتْفُ الْجَنَاحَيْنِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالْخِتَانُ وَالِاسْتِنْجَاءُ [قَوْلُهُ: قَصُّ الشَّارِبِ] هِيَ قُصَّةٌ خَفِيفَةٌ فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: فَسَّرَهُ] أَيْ فَسَّرَ الشَّارِبَ الْمَطْلُوبَ قَصُّهُ لَا الشَّارِبَ مُطْلَقًا.
الْإِطَارُ (طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرُ عَلَى الشَّفَةِ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ فِي قَصِّهِ (لَا إحْفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ اسْتِئْصَالُهُ (وَ) ثَانِيهَا (قَصُّ الْأَظْفَارِ) لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَةِ لِلْجُمُعَةِ وَلَا حَدَّ فِي الْبُدَاءَةِ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ (وَ) ثَالِثُهَا (نَتْفُ الْجَنَاحَيْنِ) أَيْ الْإِبْطَيْنِ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّتْفِ فَلَهُ حَلْقُهُ بِالْحَدِيدِ وَتَنْوِيرُهُ بِالنُّورَةِ (وَ) رَابِعُهَا (حَلْقُ الْعَانَةِ) سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَا تَنْتِفُهَا الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
أَقُولُ: إنْ كَانَ مُسْتَنِدًا لِقَوْلِ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَلَا يَجُزُّهُ فَيَمْتَثِلُ بِنَفْسِهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِي النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ وَيُؤَدَّبُ مَنْ جَزَّ شَارِبَهُ وَيُبَالَغُ فِي عُقُوبَتِهِ لِأَنَّ حَلْقَهُ مُثْلَةٌ وَهُوَ فِعْلُ النَّصَارَى اهـ. فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ الْإِطَارُ يَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِطَرَفِ الشَّفَةِ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَاجِيُّ فَقَدْ قَالَ: الْإِطَارُ مَا احْمَرَّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ وَهُوَ جَوَانِبُ الْفَمِ
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِطَارُ] أَيْ وَالشَّارِبُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ الْإِطَارُ بِوَزْنِ كِتَابٍ.
[قَوْلُهُ: الشَّعْرِ] أَيْ النَّابِتِ عَلَى الشَّفَةِ، وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَدِيرُ صِفَةٌ لِطَرَفِ الشَّعْرِ وَالِاسْتِدَارَةُ بِالشَّيْءِ الْإِحَاطَةُ بِهِ، فَالْمَعْنَى الْمُحِيطُ بِالشَّفَةِ هَذَا مَعْنَاهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا النَّازِلُ عَلَى طَرَفِ الشَّفَةِ وَهُوَ مَا احْمَرَّ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ] أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَصُّ الطَّرَفِ هُوَ السُّنَّةُ [قَوْلُهُ: لَا إحْفَاؤُهُ] أَيْ لَا إحْفَاؤُهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي قَصِّهِ هَذَا مَدْلُولُهُ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَصَّ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْإِحْفَاءَ وَأَخْذَ الطَّرَفِ، وَلَكِنَّ الْمَطْلُوبَ إنَّمَا هُوَ الْقَصُّ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِطَارَ وَالشَّارِبَ بِمَعْنًى أَيْ طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِقَوْلِ بَعْضٍ إنَّ الشَّارِبَ اسْمٌ لِمَحَلِّ الشَّعْرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
تَنْبِيهٌ:
أَخَذَ مَالِكٌ بِخَبَرِ «قُصُّوا الشَّارِبَ» وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِمَا السُّنَّةُ جُزْءٌ بِخَبَرِ: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» قَالَ تت: وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِأَنْ يَقُصَّ مِنْ أَعْلَاهُ وَيَحْلِقَ مِنْ طَرَفِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَصَّ الشَّارِبَ إبْرَاهِيمُ وَهَلْ السَّبَّالَتَانِ كَذَلِكَ أَيْ يَقُصُّهُمَا أَوْ لَا بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا، وَفَعَلَهُ مَالِكٌ قَوْلَانِ، وَفِي الْقَصِّ فَوَائِدُ؛ تَسْهِيلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَزِيَادَةُ الْفَصَاحَةِ وَزَوَالُ الْأَدْرَانِ وَتَحْسِينُ الْهَيْئَةِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ اسْتِئْصَالُهُ] أَيْ زَوَالُهُ مِنْ أَصْلِهِ [قَوْلُهُ: وَثَانِيهَا قَصُّ الْأَظْفَارِ] هُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَا عَدَا الْمُحْرِمَ وَالْمَيِّتَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي. . . إلَخْ] أَيْ لَيْسَ لِلْقَصِّ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِطْرَةِ حَدٌّ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَرَى إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى مِثْلِهَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ، وَظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ تت حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى مِثْلِهِ خُصُوصُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ عِنْدَنَا مِنْ التَّحَرُّجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ قَصُّهَا بِالْأَسْنَانِ وَهُوَ مِمَّا يُورِثُ الْفَقْرَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ
[قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ فِي الْبُدَاءَةِ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَا فِي غَيْرِهَا، فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ لَا حَدَّ مَنْدُوبٌ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ فَإِنَّ الْمَازِرِيَّ أَنْكَرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ قَوْلَهُ: يَبْدَأُ بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ مَا يَلِيهَا، ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى عَلَى صِفَةٍ دَائِرَةٍ فَإِذَا أَتَمَّهَا خَتَمَ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى قَائِلًا إنَّ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبْطَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِلْجَنَاحَيْنِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ نَتْفُ شَعْرِ الْإِبْطَيْنِ وَيُنْدَبُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَالْبُدَاءَةُ بِالْأَيْمَنِ.
[قَوْلُهُ: عَبَّرَ بِذَلِكَ] أَيْ بِالْجَنَاحَيْنِ مُرِيدًا الْإِبْطَيْنِ [قَوْلُهُ: عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ] أَيْ الْمُصَرِّحَةِ لِأَنَّ الْجَنَاحَ إنَّمَا هُوَ لِلطَّائِرِ وَالْعَلَاقَةُ الْمُشَابَهَةُ [قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّتْفِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَدْبِ النَّتْفِ فَغَيْرُهُ مِنْ الْحَلْقِ وَالنُّورَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ [قَوْلُهُ: فَلَهُ حَلْقُهُ بِالْحَدِيدِ] أَيْ فَيُؤْذَنُ لَهُ فِي حَلْقِهِ بِالْحَدِيدِ، أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سُنَّةٌ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ تَتَحَقَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ النَّتْفِ
ذَلِكَ يَضُرُّ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرْخِي الْمَحَلُّ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، وَيَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالنُّورَةِ (وَلَا بَأْسَ بِحَلَاقِ غَيْرِهَا) أَيْ الْعَانَةِ (مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ.
وَأَمَّا النِّسَاءُ فَحَلْقُ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ بِهِنَّ مُثْلَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِالْجَسَدِ عَنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ لِأَنَّ حَلْقَهُمَا بِدْعَةٌ (وَ) خَامِسُهَا (الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ) وَهُوَ زَوَالُ الْغُرْلَةِ مِنْ الذَّكَرِ (سُنَّةٌ) زَادَ فِي الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، صَرَّحَ بِحُكْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ:(وَالْخِفَاضُ فِي النِّسَاءِ) وَهُوَ قَطْعُ النَّاتِئِ فِي أَعْلَى فَرْجِ الْأُنْثَى كَأَنَّهُ عُرْفُ الدِّيكِ (مَكْرُمَةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ كَرَامَةٌ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ.
(وَأَمَرَ النَّبِيُّ) صلى الله عليه وسلم فِي الْمُوَطَّأِ (أَنْ تُعْفَى) أَيْ تُوَفَّرُ (اللِّحْيَةُ) وَقَوْلُهُ: (وَتُوَفَّرُ
ــ
[حاشية العدوي]
عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَغَيْرُهُ عِنْدَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ اسْتِوَاءُ الْحَلْقِ وَالنُّورَةِ وَهِيَ بِضَمِّ النُّونِ مَعْرُوفَةٌ
[قَوْلُهُ: حَلْقُ الْعَانَةِ] هِيَ مَا فَوْقَ الْعَسِيبِ وَالْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَنْتِفُهَا الْمَرْأَةُ] أَيْ وَلَا الرَّجُلُ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَالْعِلَّةُ رُبَّمَا أَنْتَجَتْ التَّحْرِيمَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَهْلُ مِصْرَ يَنْتِفُونَ شَعْرَ الْعَانَةِ وَهُوَ مِنْ التَّنْمِيصِ وَيُرْخِي الْمَحَلَّ وَيُؤْذِيهِ وَيُبْطِلُ كَثِيرًا مِنْ مَنَافِعِهِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسْتَرْخِي الْمَحَلُّ] أَيْ بِهِ [قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ إزَالَتُهَا] أَيْ الْعَانَةِ مُطْلَقًا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى فَالْحَلْقُ أَحْسَنُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى الْحَلْقُ وَبَعْدَهُ الْإِزَالَةُ بِالنُّورَةِ وَالنَّتْفُ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْحَلْقُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِلْفَرْجِ وَلِأَنَّ نَزْعَهُ بِالنُّورَةِ يُشْبِهُ الزَّعْرَاءَ الَّتِي لَمْ يَنْبُتْ لَهَا شَعْرٌ وَذَلِكَ عَيْبٌ كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ تَنَوَّرَ قَلِيلًا. [قَوْلُهُ: مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ] كَشَعْرِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى شَعْرِ حَلْقَةِ الدُّبُرِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ، وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَيْ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ صَرَّحَ بِالْإِبَاحَةِ وَقِيلَ سُنَّةٌ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّسَاءُ. . . إلَخْ] أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إزَالَةُ مَا فِي إزَالَتِهِ جَمَالٌ وَلَوْ شَعْرَ اللِّحْيَةِ إنْ نَبَتَ لَهَا لِحْيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إبْقَاءُ مَا فِي إبْقَائِهِ جَمَالٌ فَيُحَرَّمُ عَلَيْهَا حَلْقُ شَعْرِهَا [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِالْجَسَدِ] عِبَارَتُهُ تُفِيدُ أَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ مِنْ الْجَسَدِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهُ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِابْنِ نَاجِي فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ ق: وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسَ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَلْقَهُمَا بِدْعَةٌ] أَيْ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ فِي اللِّحْيَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَلْقُ لِحْيَتِهَا وَبِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ فِي الرَّأْسِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَيْضًا لَا الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ حَلْقَ رَأْسِهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمَا ذَكَرْته مِنْ الْكَرَاهَةِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَحَاصِلُ مَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا رُجِّحَ.
وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ: الْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ الْحَلْقِ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّمِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْمُتَعَمِّمِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ لَمْ يُبْقِهِ لِهَوَى نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ أَوْ يُحَرَّمُ وَقَالَ بَعْضٌ مَا مَعْنَاهُ إنَّ عَدَمَ حَلْقِ الرَّأْسِ الْيَوْمَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ إبْقَاءُ الشَّعْرِ شِعَارَ مَنْ يَدَّعِي الْوِلَايَةَ فَإِبْقَاؤُهُ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ.
[قَوْلُهُ: الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ] أَرَادَ بِالرِّجَالِ الذُّكُورَ كَانُوا بَالِغِينَ أَوْ غَيْرَ بَالِغِينَ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، إلَّا أَنَّ الْبَالِغَ يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ لِحُرْمَةِ نَظَرِ عَوْرَةِ الْكَبِيرِ، وَسُنَّةِ الْخِتَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهِ وَكَذَا الْخُنْثَى يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ زَوَالُ الْغُرْلَةِ] بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَهِيَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ غِشَاءُ الْحَشَفَةِ.
تَنْبِيهٌ:
يُنْدَبُ خِتَانُ الصَّبِيِّ إذَا أُمِرَ بِالصَّلَاةِ مِنْ سَبْعٍ إلَى عَشَرَةٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُخْتَنَ فِي السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِ لِأَنَّهُ عَادَةُ الْيَهُودِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَتَأَمَّلْ حَاصِلَ مَا يُفِيدُهُ الْمَقَامُ. [قَوْلُهُ: زَادَ فِي الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ أَيْ فَيُزَادُ هُنَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَجُوزُ إمَامَةُ تَارِكِهِ اخْتِيَارًا وَلَا شَهَادَتُهُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقِيلَ يَجْزِيهِ وَقِيلَ: يُجْرِي الْمُوسَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا يُقْطَعُ قُطِعَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَالْخِفَاضُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُنْدَبُ فِيهِ السَّتْرُ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْفَاعِلَةِ وَالْمَفْعُولِ لَهَا وَلِذَلِكَ لَا يُصْنَعُ
وَلَا تُقَصُّ) تَأْكِيدٌ وَقَوْلُهُ: (قَالَ مَالِكٌ) رحمه الله (وَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ (مِنْ طُولِهَا إذَا طَالَتْ كَثِيرًا) وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا لِنَحْوِ الشُّهْرَةِ (وَ) مَا قَالَهُ مَالِكٌ (قَالَهُ) قَبْلَهُ (غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ) رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
(وَيُكْرَهُ صِبَاغُ الشَّعْرِ) الْأَبْيَضِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الشُّقْرَةِ (بِالسَّوَادِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ) فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَالْجِهَادِ، أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ.
وَأَمَّا فِي الْجِهَادِ لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ الشَّبَابَ فَيُؤْجَرُ
ــ
[حاشية العدوي]
لِلْخِفَاضِ طَعَامٌ بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُشْهَرَ وَيُدْعَى إلَيْهِ النَّاسُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ] أَيْ لَا سُنَّةً كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَنُكْتَةُ الْعُدُولِ عَنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إلَى اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ اتِّبَاعُ لَفْظِ الْحَدِيثِ. [قَوْله: لِأَمْرِهِ] أَيْ لِقَوْلِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ فَتَدَبَّرْ. .
[قَوْلُهُ: فِي الْمُوَطَّأِ] أَيْ فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى» وَهُوَ لِلْوُجُوبِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِالْقَصِّ مُثْلَةٌ، وَلِلنَّدَبِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مُثْلَةٌ وَلَمْ تَطُلْ كَثِيرًا فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ مِنْ إقَامَةِ الْمُسَبَّبِ مَقَامَ السَّبَبِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْفَاءِ التَّرْكُ وَتَرْكُ الْقَصِّ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْبِيرَهَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. [قَوْلُهُ: تُعْفَى] مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: رحمه الله] سَيَأْتِي يَقُولُ فِي الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَدْ تُعُورِفَتْ لَفْظَةُ الرِّضَا فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْأَكَابِرِ وَمَالِكٌ مِنْهُمْ فَالْمُنَاسِبُ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرِّضَا بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتِهِ أَمَّا الرَّحْمَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا وَاضِحٌ.
وَأَمَّا الرِّضَا فَلِمَا ذَكَرَهُ الْغُنَيْمِيُّ مِمَّا ذَكَرْته. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَمَّا قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ. . . إلَخْ. فَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ [قَوْلُهُ: مِنْ طُولِهَا] وَكَذَا يُنْدَبُ الْأَخْذُ مِنْ عَوَارِضِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي.
[قَوْلُهُ: إذَا طَالَتْ كَثِيرًا] أَيْ لَا إنْ لَمْ تَطُلْ أَوْ طَالَتْ قَلِيلًا، وَفَسَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْكَثْرَةَ بِأَنْ خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ لِغَالِبِ النَّاسِ، أَيْ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُصَّ الزَّائِدَ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَقْبُحُ بِهِ الْمَنْظَرُ فَإِنْ قُلْت: وَمَا حُكْمُ الْقَصِّ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ أَوْ الطُّولِ الْقَلِيلِ؟ قُلْت: صَرَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَصُّ إنْ لَمْ تَكُنْ طَالَتْ كَالْحَلْقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ كَمَا أَفَدْنَاك سَابِقًا إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِالْقَصِّ مُثْلَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ أَوْ الطُّولِ الْقَلِيلِ وَتَجَاوَزَ فِي الْقَصِّ.
وَأَمَّا إذَا طَالَتْ قَلِيلًا وَكَانَ الْقَصُّ لَا يَحْصُلُ بِهِ مُثْلَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَحُرِّرَ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ مِنْهَا] أَيْ أَنَّهَا إذَا طَالَتْ كَثِيرًا وَقُلْنَا: لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا فَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ أَيْ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا تَحْسُنُ بِهِ الْهَيْئَةُ، وَمُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ يَقُصُّ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُقَابِلَ لَا يَقْضِي بِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا طَالَتْ كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُفَادُ شَارِحِنَا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَثْرَةِ الطُّولِ كَثْرَةٌ يَكُونُ بِهَا تَشْوِيهٌ وَشُهْرَةٌ فَذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا طَالَتْ كَثِيرًا فَلَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ تَفْسِيرَ الطُّولِ الْكَثِيرِ.
[قَوْلُهُ: لِنَحْوِ الشُّهْرَةِ] أَيْ جِهَةِ الشُّهْرَةِ أَيْ فِي جِهَةِ الشُّهْرَةِ، أَيْ الِاشْتِهَارِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ فِي جِهَةِ الشُّهْرَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَهِرَ فَالْمَقْصُودُ ذَلِكَ اللَّازِمُ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا بِحَيْثُ تَشْتَهِرُ.
[قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ. . . إلَخْ] تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ دَلِيلٌ لَهُ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ
[قَوْلُهُ: أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصْدُقُ بِاثْنَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً لَا مَا يَشْمَلُ الِاثْنَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّقْوِيَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمُوَافَقَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا هُمْ الْأَكْثَرُ لِكَوْنِ الْقَصْدِ الْقُوَّةَ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَحْتَمِلُ وَهُمْ الْأَكْثَرُ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقُوَّةِ الْكَامِلَةَ، وَالْمُقَابِلُ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَوْ طَالَتْ بِحَيْثُ صَارَتْ لَحَدِّ الشُّهْرَةِ أَيْ يُكْرَهُ الْأَخْذُ جُمْلَةً إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِحَمْلٍ لَا بَأْسَ لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ أَكْثَرَ مِنْ
عَلَيْهِ (وَ) أَمَّا صَبْغُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ فَ (لَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ) بِالْمَدِّ (وَبِالْكَتْمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَرَقُ السَّلَمِ وَهُوَ يُصَفِّرُ الشَّعْرَ وَالْحِنَّاءُ تُحَمِّرُهُ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلنَّدَبِ وَالْإِبَاحَةِ وَهِيَ أَقْرَبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّوَادَ صَرْفُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ مَالِكًا مِنْهُمْ وَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِمُخَالَفَةِ مَنْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ نَقْضًا لِإِجْمَاعِهِمْ فَتَدَبَّرْ.
تَتِمَّةٌ:
نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ حَلْقِ مَا تَحْتَ الْحَنَكِ حَتَّى قَالَ: إنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ حَلْقَهُ مِنْ الزِّينَةِ فَتَكُونُ إزَالَتُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ وَيُجْمَعُ بِحَمْلِ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى بَقَائِهِ تَضَرُّرُ الشَّخْصِ وَلَا تَشْوِيهُ خِلْقَتِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى بَقَائِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ جَوَازَ إزَالَةِ شَعْرِ الْخَدِّ وَنُدِبَ قَصُّ شَعْرِ الْأَنْفِ لَا نَتْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ وَنَتْفُهُ يُورِثُ الْأَكْلَةَ، وَيَحْرُمُ إزَالَةُ شَعْرِ الْعَنْفَقَةِ كَمَا يَحْرُمُ إزَالَةُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَإِزَالَةُ الشَّيْبِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا يُكْرَهُ تَخْفِيفُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ بِالْمُوسَى تَحْسِينًا وَتَزْيِينًا. .
[قَوْلُهُ: مِنْ الشُّقْرَةِ] أَيْ وَمَا فِي مَعْنَى الشُّقْرَةِ الْأَبْيَضِ مِنْ ذِي الشُّقْرَةِ أَوْ وَمَا فِي مَعْنَى الْبَيَاضِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَبْيَضَ مِنْ نَفْسِ الشُّقْرَةِ وَالشُّقْرَةُ مِنْ الْأَلْوَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ حُمْرَةٌ تَعْلُو بَيَاضًا فِي الْإِنْسَانِ وَحُمْرَةٌ صَافِيَةٌ فِي الْخَيْلِ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ] لَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا التَّنْزِيهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ هُنَا، وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ دَفَعَ هَذَا الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ تت إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهَا مَتَى أُطْلِقَتْ لَا تَنْصَرِفُ إلَّا لِلتَّنْزِيهِ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ] أَيْ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَوَّدَ لِحْيَتَهُ لِلَوْنِهَا الْأَبْيَضِ، وَكَذَا مُرِيدُ نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَيَصْبُغُ شَعْرَ لِحْيَتِهِ الْأَبْيَضَ، وَالْحَاصِلُ كَمَا يُفِيدُهُ زَرُّوقٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلتَّغْرِيرِ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ لِلْجِهَادِ نُدِبَ وَإِنْ كَانَ لِلتَّشَابُبِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَقَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ] أَيْ لِيُوقِعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ أَيْ بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِدَ الْمُقَابِلَ لَهُ شَابٌّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ.
[قَوْلُهُ: فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ] أَيْ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا لِكَوْنِهِ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَكُنْ لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ فَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَيْ وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إلَّا لِمُقْتَضٍ لِلتَّحْرِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَ الْجِهَادِ مِنْ كُلِّ قِتَالٍ جَائِزٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَوْ أَرَادَ بِالْجِهَادِ مَا يَشْمَلُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَبْغُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ] أَيْ صَبْغُ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ بِغَيْرِ السَّوَادِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرُ السَّوَادِ يَصْدُقُ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْخُضْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَائِزُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَا كَانَ بِالْحِنَّاءِ وَبِالْكَتَمِ مِمَّا يُصَفِّرُ أَوْ يُحَمِّرُ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ. . . إلَخْ هَذَا مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَتُهُ، وَكَلَامُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَقْضِي بِحَصْرِ الْكَرَاهَةِ فِي السَّوَادِ مَعَ تَفْصِيلٍ يَتَعَيَّنُ حِفْظُهُ وَنَصُّهُ.
وَأَمَّا الْخِضَابُ فَلِلتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ مُسْتَحَبٌّ وَلِلتَّصَابِي مَكْرُوهٌ وَلِلْعَادَةِ مُبَاحٌ وَلِلتَّغْرِيرِ فِي نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءِ أَمَةٍ أَوْ نَحْوِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ السَّوَادُ لِأَنَّهُ تَشَابُبٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ لَا لِإِيهَامِ النَّاسِ أَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَّا كُرِهَ. وَلِذَا نَقَلَ الْمِعْيَارُ عَنْ النَّوَوِيِّ مُرْتَضِيًا لَهُ مَا يُفِيدُ أَنَّ تَبْيِيضَهَا بِكِبْرِيتٍ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ وَالتَّعْظِيمِ.
وَأَمَّا لَا لِذَلِكَ بَلْ لِإِظْهَارِ الضَّعْفِ مَثَلًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَالْحَاصِلُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ زَرُّوقٍ وَالتَّحْقِيقُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ قَاصِرَةٌ عَلَى السَّوَادِ إلَّا لِغَرَضِ الْجِهَادِ فَلَا يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ مَفْهُومًا فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: بِالْحِنَّاءِ. . . إلَخْ] قَالَ تت: وَجَوَازُهُ لِلرِّجَالِ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ دُونَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ اهـ. بَلْ قَالَ الْحَطَّابُ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ تَرْكُ الْحِنَّاءِ قَالَ عج: وَحَدُّهُ لِلسِّوَارَيْنِ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا اهـ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا حَنَّتْ عَلَى آدَمَ حِينَ سَقَطَتْ عَنْهُ ثِيَابُ الْجَنَّةِ. وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ فَكَانَ كُلَّمَا أَتَى إلَى شَجَرَةٍ لِيَسْتَتِرَ بِهَا هَرَبَتْ مِنْهُ إلَّا الْحِنَّاءَ وَالْكَتَمَ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَرَقُ السَّلَمِ] السَّلَمُ شَجَرٌ الْوَاحِدَةُ سَلَمَةٌ مِثْلُ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ
[قَوْلُهُ: وَهُوَ يُصَفِّرُ الشَّعْرَ وَالْحِنَّاءُ تُحَمِّرُهُ] اُنْظُرْ هَلْ يُعْطَى حُكْمَهُمَا كُلُّ شَيْءٍ
لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ مَعَ ذَهَابِ الْأَوَّلِ وَالتَّحْمِيرُ وَنَحْوُهُ تَغْيِيرٌ لَا صَبْغٌ لِبَقَاءِ صِفَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْتَبِسُ الشَّيْبُ عَلَى أَحَدٍ بِاحْمِرَارِهِ وَيَلْتَبِسُ بِاسْوِدَادِهِ.
(وَنَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ الذَّكَرَ (عَنْ لِبَاسِ) أَيْ لُبْسِ (الْحَرِيرِ وَ) عَنْ (تَخَتُّمِ الذَّهَبِ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ: الذَّكَرَ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِبَاسٌ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ وَالِاتِّكَاءَ عَلَيْهِ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْسِ لَمَّا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» (وَ) نَهَى عليه الصلاة والسلام (عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) فِي الْقَبَسِ، «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَاتَمُ شَبَهٍ يَعْنِي مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
يُصَفِّرُ أَوْ يُحَمِّرُ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَيَانِ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالصُّفْرَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. . . إلَخْ. أَوْ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحْسَنُ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ» .
[قَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْرَبُ] أَقُولُ: لَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْفَاكِهَانِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْرَبُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ نَاجِي، وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْإِبَاحَةِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي الْبَيَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجَوَازُ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. أَقُولُ: وَيَشْهَدُ لِلْقَوْلِ بِالنَّدْبِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْخُلَفَاءَ كُلَّهُمْ صَبَغُوا إلَّا عَلِيًّا وَقِيلَ: حَتَّى عَلِيًّا لِأَنَّهُ رُئِيَ وَلِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ مَرَّةً فَهُوَ مِمَّا يُغَيِّرُ فِي قَوْلِ ابْنِ نَاجِي الْأَقْرَبُ الْإِبَاحَةُ [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ. . . إلَخْ] عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الصَّبْغُ بِالسَّوَادِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ. . . إلَخْ فَهَذَا يُفِيدُ حَصْرَ الْكَرَاهَةِ فِي السَّوَادِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَلَوْ الْخُضْرَةَ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بَأْسَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ غَيْرَ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
[قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ السَّوَادِ شَامِلٌ لِكُلِّ الْأَلْوَانِ وَلَوْ الْخُضْرَةَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْخُضْرَةِ سَوَادٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَوَادُ الْعِرَاقِ
[قَوْلُهُ: صَرْفُ لَوْنٍ] أَيْ ذُو صَرْفِ لَوْنٍ لِأَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ نَفْسَ الصَّرْفِ [قَوْلُهُ: بِاحْمِرَارِهِ] أَيْ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَيَلْتَبِسُ بِاسْوِدَادِهِ] الْمُوهِمِ كَوْنَهُ شَابًّا خُلَاصَتُهُ أَنَّ كَرَاهَةَ تَغْيِيرِهِ الشَّعْرَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إيهَامِ التَّشَابُبِ أَيْ مَنْ رَآهُ يَقَعُ فِي وَهْمِهِ أَنَّهُ شَابٌّ، فَإِنْ قُلْت: كَمَا يَقَعُ فِي وَهْمِ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ شَابٌّ كَذَلِكَ يَقَعُ فِيمَنْ يُغَيِّرُ بِمَا يُبَيِّضُ أَنَّهُ شَيْخٌ، فَلِمَ كُرِهَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي بِالْقَيْدِ الْمُتَقَدِّمِ؟ قُلْت: تَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَى إيهَامِ الشُّبُوبِيَّةِ يَكْثُرُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ لُبْسِ] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاللِّبَاسِ مَا يُلْبَسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمِصْبَاحُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ. [قَوْلُهُ: الذَّكَرَ] مَفْهُومُهُ الْجَوَازُ لِلْإِنَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ نَعْلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا كَسَرِيرٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ الصَّغِيرُ لُبْسُهُ لِلْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَالْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيِّهِ وَأَمَّا لُبْسُهُ الْفِضَّةَ فَجَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: كَانَ لِعُذْرٍ] أَيْ كَحَكَّةٍ أَوْ جِهَادٍ. . . إلَخْ. بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرِيرِ وَهَذَا الظَّاهِرُ هُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْسِ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَوْ فَرَشَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، أَيْ وَلَوْ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي إجَازَتِهِ تَبَعًا لَهَا وَكَانَتْ مُصَاحِبَةً لَهُ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْخِيَاطَةُ بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ رَايَةً فِي الْحَرْبِ، وَكَذَا يَحْرُمُ مَا بُطِّنَ بِحَرِيرٍ أَوْ حُشِيَ بِهِ مِثْلُ الصُّوفِ أَوْ رُقِّمَ بِهِ إذَا كَانَ الْحَرِيرُ فِيهِ كَثِيرًا، وَيَحْرُمُ السِّجَافُ حَيْثُ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِي قَدْرِ عَرْضِ الْأُصْبُعِ أَوْ الْأَرْبَعِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْحَرِيرِ وَجَعْلُهُ سِتَارَةً مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: وَالدِّيبَاجِ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: مَا غَلُظَ مِنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَعَطَفَهُ عَلَى الْحَرِيرِ لِيُفِيدَ النَّهْيَ عَنْهُ لِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ صَارَ جِنْسًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ.
[قَوْلُهُ: وَنَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْحُرْمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: فِي اللُّبْسِ] كِتَابٌ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ شَرَحَ بِهِ الْمُوَطَّأَ يُقَالُ لَهُ كِتَابُ الْقَبَسِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ، وَالْقَبَسُ بِفَتْحَتَيْنِ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يَقْتَبِسُهَا الشَّخْصُ، فَكَأَنَّهُ سَمَّى كِتَابَهُ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى شِدَّةِ تَعَلُّقِ هَذَا الشَّرْحِ بِهَذَا الْكِتَابِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ كَتَمَكُّنِ شُعْلَةِ النَّارِ مِمَّنْ
النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ. وَجَاءَ إلَيْهِ آخَرُ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ. وَجَاءَ إلَيْهِ آخَرُ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ: اطْرَحْ عَنْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ج: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَدُلُّ لِظَاهِرِهَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» أَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ (وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي حِلْيَةِ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ.
ــ
[حاشية العدوي]
تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِلَى كَوْنِهِ صَارَ وَاضِحًا بِهِ كَمَا يَتَّضِحُ مَنْ يَكُونُ بِظَلَامٍ بِشُعْلَةِ النَّارِ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ، وَأَتَى بِذَلِكَ دَلِيلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَهَى. . . إلَخْ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ دَلِيلٌ ضِمْنِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ وَلَمْ يَأْتِ بِحَدِيثٍ صَرِيحٍ فِي النَّهْيِ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ صَرِيحٍ فِي النَّهْيِ مَعْزُوٍّ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَنِينَ بِتَخْرِيجِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إلَى آخِرِ مَا قَالَ. وَقَوْلُهُ: جَاءَ رَجُلٌ لَمْ يُعَيِّنْ اسْمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ [قَوْلُهُ: يَعْنِي مِنْ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ] تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ شَبَهٍ بِفَتْحَتَيْنِ مَعْنَاهُ يُشْبِهُ الذَّهَبَ فِي لَوْنِهِ وَهُوَ نُحَاسٌ أَحْمَرُ يُضَافُ إلَيْهِ أَشْيَاءُ وَيُسْبَكُ مَعَهَا فَيُكْسَبُ لَوْنَ الذَّهَبِ. [قَوْلُهُ: إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ] الْأَصْنَامُ جَمْعُ صَنَمٍ.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الصَّنَمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْجَمْعُ أَصْنَامٌ اهـ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَشُمُّ مِنْك رِيحَ الصَّنَمِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ ذَلِكَ الْخَاتَمَ مِنْ جِنْسِ مَا قَدْ يُتَّخَذُ مِنْهُ الصَّنَمُ فَاجْتَنِبْهُ لِأَنَّ الْمُتَحَلِّيَ بِهِ كَالشَّبِيهِ بِعَابِدِ الصَّنَمِ [قَوْلُهُ: حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ] أَيْ مَا يَتَحَلَّى بِهِ أَيْ يَتَزَيَّنُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ وَهُمْ الْكُفَّارُ فَإِنَّ سَلَاسِلَهُمْ وَأَغْلَالَهُمْ فِي النَّارِ مِنْ الْحَدِيدِ كَذَا ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ شَارِحُ الْحَدِيثِ. أَقُولُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَتَخَتَّمُونَ بِخَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ تَحْقِيرًا لَهُمْ كَمَا أَنَّ جَعْلَهُ زِينَةً كَذَلِكَ وَهَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: اطْرَحْ عَنْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أَيْ فَلَا يَتَحَلَّى بِهَا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَنْ دَخَلَهَا بِالْفِعْلِ وَأَنْتَ لَمْ تَدْخُلْهَا بِالْفِعْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ زِينَةٌ لِمَنْ حَلَّ بِهَا وَقَطَعَ الْعَقَبَاتِ وَفَازَ بِالدَّرَجَاتِ وَكَانَ جَزَاءً لَهُ عَنْ اتِّبَاعِهِ شَرْحَ سَيِّدِ السَّادَاتِ إلَى أَنْ حَلَّ بِهِ كَأْسُ الْمَنِيَّاتِ، وَأَنْتَ لَمْ تَكُنْ الْآنَ مِنْ أُولَئِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ مَكْرُوهٌ وَبِالذَّهَبِ حَرَامٌ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُلَوِّحُ لِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِالْأَمْرِ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ إلَّا فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا تَرَى فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ] أَيْ كَوْنُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهَا فِي بَابِ الْإِحْدَادِ لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا وَلَا قُرْطًا وَلَا خَاتَمَ حَدِيدٍ، مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لِغَيْرِ إحْدَادٍ مِنْ النِّسَاءِ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِظَاهِرِهَا أَيْ لِظَاهِرِهَا الَّذِي هُوَ الْجَوَازُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كُنَّا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ كَكَرَاهَةِ التَّخَتُّمِ بِالنُّحَاسِ إلَّا لِمَنْ بِهِ ضَرَرُ الصَّفْرَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ النُّحَاسِ وَإِلَّا لِخَوْفِ الْجِنِّ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا] أَيْ الْتَمِسْ أَيُّهَا الطَّالِبُ لِلتَّزْوِيجِ شَيْئًا تَجْعَلُهُ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَمَسُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَاسْمُ كَانَ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: الْتَمِسْ شَيْئًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ قَلَّ، وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهُ لَا يُعْقَدُ نِكَاحٌ إلَّا بِصَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ إذْ خَاتَمُ الْحَدِيدِ نِهَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ: إنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُسْتَحَبُّ رُبُعُ دِينَارٍ، وَالرَّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ فَإِنْ وَقَعَ بِدُونِهِ أُمِرَ بِالتَّكْمِيلِ فَإِنْ أَبَى فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ دَخَلَ لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ وَلَا يُفْسَخُ وَوَجَّهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَشْهُورَ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّرِقَةِ بِجَامِعِ اسْتِحْلَالِ الْعُضْوِ الْمُحْتَرَمِ [قَوْلُهُ: أَجَابَ الْجُمْهُورُ] الْقَائِلُونَ بِالنَّهْيِ لَا بِالْجَوَازِ.
[قَوْلُهُ: الْمُبَالَغَةَ] أَيْ الْمُبَالَغَةَ فِي الْتِمَاسِ شَيْءٍ لِلتَّزْوِيجِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُلْتَمَسَ خَاتَمُ حَدِيدٍ مِمَّا شَأْنُهُ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِهِ أَيْ فَلَمْ يُرِدْ إفَادَةَ جَوَازِ لُبْسِهِ، بَلْ إنَّمَا أَرَادَ التَّأَكُّدَ فِي الِالْتِمَاسِ وَأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ نِكَاحٌ إلَّا بِصَدَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَزِمَ عَلَيْهِ ارْتِكَابُ مَحْذُورٍ، وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ
وَالْمُصْحَفِ)
أَمَّا حِلْيَةُ الْخَاتَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ أَنْ تَكُونَ فِي شَيْءٍ جَائِزٍ غَيْرِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ كَالْجِلْدِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ كُلُّهُ مِنْ فِضَّةٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ رضي الله عنهم حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» .
وَأَمَّا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ فَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ
ــ
[حاشية العدوي]
آخَرَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الِالْتِمَاسِ وَالِاتِّخَاذِ جَوَازُ اللُّبْسِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَحْصِيلَهُ لِتَنْتَفِعَ بِقِيمَتِهِ الْمَرْأَةُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا حِلْيَةُ الْخَاتَمِ] فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: خَاتَمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَخَاتَامٌ كَسَابَاطٍ، وَخَيْتَامٌ كَبَيْطَارٍ وَجَمْعُهُ خَوَاتِيمُ [قَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ] عِبَارَتُهُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إذْ هُوَ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْفَصَّ يَكُونُ فِي عُودٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ مَا عَدَا الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالرَّصَاصَ.
[قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ. . . إلَخْ] أَيْ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ فِي حِلْيَتِهِ لِلْبَيَانِ أَيْ لَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي شَيْءٍ يَتَحَلَّى بِهِ أَيْ يَتَزَيَّنُ بِهِ الَّذِي هُوَ الْخَاتَمُ، فَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا بَأْسَ بِحِلْيَةٍ، وَتِلْكَ الْحِلْيَةُ هِيَ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ أَيْ وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ الْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: مِنْ فِضَّةٍ] أَيْ فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُ بَلْ يُنْدَبُ بِشَرْطِ قَصْدِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ عَجَبًا وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لَا مُتَعَدِّدًا وَلَوْ كَانَ وَزْنُ الْجَمِيعِ دِرْهَمَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ دِرْهَمَيْنِ فَأَقَلَّ لَا أَزْيَدَ.
[قَوْلُهُ: اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ] أَيْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا أَيْ صَانِعُهُ حَبَشِيٌّ أَوْ مَصْنُوعٌ كَمَا يَصْنَعُهُ الْحَبَشَةُ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي رِوَايَةِ أَنَّ فَصَّهُ مِنْهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: فَكَانَ فِي يَدِهِ] أَيْ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ يَخْتِمُ بِهِ الْأَحْكَامَ وَالرَّسَائِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، يُقَالُ: هَذَا فِي يَدِ فُلَانٍ أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ جَعَلَهُ أَمِينًا عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ فِي يَدِهِ أَيْ فِي إصْبَعِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلُبْسُ مَلَابِسِهِمْ وَأَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَجُمِعَ بِأَنَّهُمْ لَبِسُوهُ أَحْيَانًا لِلْمُتَبَرِّكِ وَكَانَ مَقَرُّهُ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ وَثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ بِدُونِ تَرَاخٍ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ.
وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: فَكَانَ فِي يَدِهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْحَقِيقَةُ مَعَ اتِّخَاذِ قِطْعَةِ فِضَّةٍ يُنْقَشُ عَلَيْهَا لِيُخْتَمَ بِهَا إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَظْهَرَ الْجَوَازَ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُصْطَفَى لَا يُورَثُ وَإِلَّا لَأَخَذَ وَرَثَتُهُ الْخَاتَمَ وَلِهَذَا أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْخَاتَمَ وَالْقَدَحَ وَالسِّلَاحَ وَنَحْوَهَا مِنْ آثَارِهِ، فَجَعَلَ الْقَدَحَ عِنْدَ أَنَسٍ يُخْرِجُهُ لِمُرِيدِ تَبَرُّكٍ، وَجَعَلَ الْخَاتَمَ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ لِلْحَاجَةِ الَّتِي اتَّخَذَهُ النَّبِيُّ إلَيْهَا فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ خَلِيفَتِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
[قَوْلُهُ: حَتَّى وَقَعَ] أَيْ سَقَطَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَكَثَ الْخَاتَمُ فِي يَدِهِ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ فَسَقَطَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غُلَامِهِ مُعَيْقِيبٍ، وَالْأُولَى مَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَبَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ، وَيَحْتَمِلُ كَمَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَهُ مِنْ مُعَيْقِيبٍ لِيَخْتِمَ بِهِ شَيْئًا اسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ فِي حَالِ تَفَكُّرِهِ إلَى مُعَيْقِيبٍ فَاشْتَغَلَ بِأَخْذِهِ فَسَقَطَ فَنُسِبَ سُقُوطُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
[قَوْلُهُ: أَرِيسٍ] كَجَلِيسٍ بِصَرْفٍ وَعَدَمِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءَ.
قَالَ بَعْضٌ: بُسْتَانٌ مَعْرُوفٌ بِبِئْرِ أَرِيسٍ فِيهِ بِئْرٌ وَقَعَ فِيهِ الْخَاتَمُ، فَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ.
وَقَالَ السَّمْهُودِيُّ: بِئْرُ أَرِيسٍ نِسْبَةٌ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ اسْمُهُ أَرِيسٌ وَهُوَ الْفَلَاحُ بِلُغَةِ أَهْلِ الشَّامِ اهـ.
وَقَدْ بَالَغَ عُثْمَانُ فِي التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ وَنَزَحَ الْبِئْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ مَا فِيهِ فَلَمْ يُوجَدْ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَمْرَ الْخِلَافَةِ مَنُوطٌ بِذَلِكَ الْخَاتَمِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: فَكَانَ فِي خَاتَمِ الْمُصْطَفَى مِنْ الْأَسْرَارِ كَمَا كَانَ فِي خَاتَمِ سُلَيْمَانَ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا فَقَدَ خَاتَمَهُ ذَهَبَ مُلْكُهُ وَعُثْمَانُ لَمَّا فَقَدَ الْخَاتَمَ انْتَقَضَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَكَانَ مَبْدَأُ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَفَضَتْ إلَى قَتْلِهِ وَاتَّصَلَتْ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزَةِ الْبِئْرِ.
[قَوْلُهُ: نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ] أَيْ مُتَعَلِّقُ نَقْشِهِ مُحَمَّدٌ أَوْ نَقْشُهُ
إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ تَعْظِيمًا لَهُ (وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ التَّحْلِيَةِ بِالْفِضَّةِ (فِي لِجَامٍ وَلَا سَرْجٍ وَلَا سِكِّينٍ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ (وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ) دُونَ الرِّجَالِ (بِالذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ:(وَنَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) تَكْرَارٌ (وَالِاخْتِيَارُ) عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله (مِمَّا) أَيْ مِنْ الَّذِي (رُوِيَ) عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فِي التَّخَتُّمِ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ بِالْيَمِينِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ:«كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إلَى خِنْصَرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى» .
(وَاخْتُلِفَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ) بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ مَا
ــ
[حاشية العدوي]
نَقْشُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَنْقُوشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَتْ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرُهُ الْأَوَّلُ، وَرَسُولُ سَطْرُهُ الثَّانِي، وَاَللَّهِ سَطْرُهُ الثَّالِثُ. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ حَتَّى أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي أَعْلَى السَّطْرِ الثَّلَاثَةِ وَمُحَمَّدٌ فِي أَسْفَلِهَا وَكَذَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ رَجَبٍ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ] وَكَذَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِهِ كَقَبْضَتِهِ أَوْ انْفَصَلَتْ عَنْهُ كَغِمْدِهِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي سَيْفِ الرَّجُلِ وَأَمَّا سَيْفُ الْمَرْأَةِ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهُ وَلَوْ جَاهَدَتْ، وَمَفْهُومُ السَّيْفِ أَنَّ بَقِيَّةَ آلَاتِ الْحَرْبِ يَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا لِأَنَّ السَّيْفَ أَعْظَمُ آلَاتِ الْحَرْبِ.
[قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ] أَيْ تَخْوِيفًا لَهُ أَيْ فَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ يُجَاهِدُ بِهِ لَا غَيْرُ وَإِلَّا حَرُمَ.
[قَوْلُهُ: تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ] وَالْمُصْحَفُ مُثَلَّثُ الْمِيمِ مِنْ أُصْحِفَ بِالضَّمِّ أَيْ جُعِلَتْ فِيهِ الصُّحُفُ، وَكَذَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ خَارِجٍ فَلَا يُكْتَبُ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَا يُجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْشَارُ وَالْأَحْزَابُ وَالْأَخْمَاسُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، كَمَا يُكْرَهُ بِالْحُمْرَةِ أَفَادَهُ بَعْضُ شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ [قَوْلُهُ: مِنْ التَّحْلِيَةِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ التَّحْلِيَةِ أَيْ فَيَقُولُ: وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ] أَيْ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ حِلْيَةَ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُعْفَى عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ بِالذَّهَبِ] وَأَوْلَى بِالْفِضَّةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: يَتَخَتَّمُ بَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعُ الْمَلْبُوسَاتِ مِنْ النُّقُودِ وَلَوْ نَعْلًا وَقَبْقَابًا، وَمَا أُلْحِقَ بِاللِّبَاسِ كَالْأَزْرَارِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَلْبُوسِ كَمُكْحُلَةٍ أَوْ مِرْوَدٍ أَوْ كُرْسِيٍّ فَلَا يَجُوزُ بِهَا.
[قَوْلُهُ: وَنُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ] لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَمِثْلُ الْحَدِيدِ النُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ، وَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْعَقِيقُ وَالْقَزْدِيرُ وَالْخَشَبُ فَجَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا فِي خُصُوصِ النِّسَاءِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي خُصُوصِ الرِّجَالِ.
[قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ] أَيْ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مَالِكٍ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَحْسَنُ وَنَصُّهُ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ مَالِكٌ [قَوْلُهُ فِي التَّخَتُّمِ] أَيْ فِي الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ مِنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أَيْ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَخَتَّمَ فِي الْيَمِينِ وَفِي الْيَسَارِ»
[قَوْلُهُ: التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ جَعْلُهُ فِي الْخِنْصَرِ وَكَانَ مَالِكٌ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ] أَيْ الصَّادِقِ بِالْخَاتَمِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ بَيِّنٍ وَإِنَّمَا هَكَذَا جَاءَ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ قَالَ فِي الْقَبَسِ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَفِي يَسَارِهِ وَاسْتَقَرَّ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، فَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ مَكْرُوهٌ وَيَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ فِي الْخِنْصَرِ وَيَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي الْكَفَّ لِأَنَّ بِذَلِكَ أَتَتْ السُّنَّةُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ حَسَنٌ، فَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ خَلَعَهُ كَمَا يَخْلَعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخَلَاءِ اهـ. وَلِأَنَّ كَوْنَهُ فِي الْيَسَارِ أَبْعَدُ عَنْ الْإِعْجَابِ.
[قَوْلُهُ: اتَّخَذَ خَاتَمًا. . . إلَخْ] وَسَبَبُ اتِّخَاذِهِ صلى الله عليه وسلم الْخَاتَمَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ إلَى أَنْ مَاتَ. [قَوْلُهُ: فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ] أَيْ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ [قَوْلُهُ: كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ] أَيْ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[قَوْلُهُ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلَحْمَتُهُ صُوفٌ مَثَلًا عَلَى أَقْوَالٍ أَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (فَأُجِيزَ وَكُرِهَ) صَحَّحَ فِي الْقَبَسِ الْأَوَّلَ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ، وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ وَكَانَ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ: إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» . (وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ) اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ (إلَّا الْخَطَّ الرَّقِيقَ) وَهُوَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُصْبُعٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ظَاهِرُهُ بِاتِّفَاقٍ (وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ) عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ (مِنْ الرَّقِيقِ مَا) أَيْ الَّذِي (يَصِفُهُنَّ إذَا خَرَجْنَ) مِنْ بُيُوتِهِنَّ، أَمَّا إذَا لَبِسْنَهُ فِي بُيُوتِهِنَّ مَعَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَالَ. . . إلَخْ] أَيْ أَنَسٌ.
[قَوْلُهُ: عَلَى أَقْوَالٍ] أَيْ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الشَّارِحُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَزِّ فَيَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَشُوبَةِ بِالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَقَدْ قَرَّرَ شَيْخُنَا رحمه الله نَحْوَهُ قَائِلًا إنَّ مَا كَانَ لُحْمَتُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَسَدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ يَحْرُمُ مُعْتَمِدًا مَا لِلْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرَةٍ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَيْ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ وَمَا سَدَاه مِنْ صُوفٍ مَثَلًا وَلُحْمَتُهُ حَرِيرٌ كَذَلِكَ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا أَحَدُ هَذَيْنِ فِيهِ مِنْ الْحَرِيرِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوَّلًا، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْخَزَّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرُهُ حَرِيرًا إذْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُ هَذَيْنِ فِيهِ حَرِيرًا وَهُوَ أَكْثَرُ قَالَهُ عج
[قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ] وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ فَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: فِي حُلَّةٍ] بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَكَانُوا يَأْتَزِرُونَ بِبُرْدٍ وَيَرْتَدُونَ بِآخَرَ وَيُسَمَّيَانِ حُلَّةً وَالْجَمْعُ حُلَلٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ.
[قَوْلُهُ: عُطَارِدٍ] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ. ابْنُ حَاجِبٍ التَّمِيمِيُّ: وَفَدَ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَصْلُ الْقِصَّةِ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عُطَارِدًا يُقِيمُ حُلَّةً بِالسُّوقِ وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك.
وَفِي رِوَايَةٍ فَلَبِسْتهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفْدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ أَيْ لَا حَظَّ وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَيْرِ» وَهَذَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَإِلَّا فَالْمُؤْمِنُ الْعَاصِي لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ فَلَهُ خَلَاقٌ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى إبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ] فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ حَرِيرًا خَالِصًا فَلَيْسَ فِيهِ شَاهِدٌ حِينَئِذٍ لِلْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ.
[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ] يُتَصَوَّرُ فِي نَحْوِ الْحُبْكَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيمَا يُجْعَلُ عَلَى رُءُوسِ النِّسَاءِ مِنْ حَبْرَةٍ وَنَحْوِهَا كَذَا قَالَ عج
[قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ] مَوْضُوعُ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ أُصْبُعٍ إلَى أَرْبَعٍ بِدُخُولِ الْغَايَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُصْبُعٍ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأُصْبُعُ الْمُتَوَسِّطُ أَفَادَهُ عج
[قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ بِاتِّفَاقٍ] وَقِيلَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَحْرِيمَ لُبْسِ مَا يَصِفُ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَحَكَى فِي الْقَبَسِ أَنَّ لُبْسَ الرَّقِيقِ مِنْ الثِّيَابِ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَعَ الزَّوْجِ اهـ.
[قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ.
[قَوْلُهُ: يَصِفُهُنَّ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ الَّذِينَ يُوصَفْنَ فِيهِ فَإِسْنَادُ الْوَصْفِ لِلثِّيَابِ اسْتِعَارَةٌ أَيْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَعَالِي الْجَسَدِ كَالثَّدْيَيْنِ وَالرِّدْفِ، وَإِذَا الْتَصَقَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إلَّا اللَّحْمُ وَغَابَ عَنْ الْعَيْنَيْنِ لِوَقْتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ مَا يَشِفُّ حُكْمُ مَا يَصِفُ. ق: وَمِثْلُهُ أَيْ وَمِثْلُ مَا يَصِفُ الثَّوْبُ الَّذِي يَشِفُّ لَا يَخْرُجْنَ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي إذَا قُوبِلَ الْجَسَدُ مِنْهُ يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ اهـ.
وَقَوْلُهُ: اسْتِعَارَةٌ أَيْ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِاَلَّذِي يَصِفُ مَا تَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ أَيْ يَظْهَرُ جِرْمُهَا إذَا كَانَتْ بَارِزَةً كَالثَّدْيَيْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَارِزَةً فَلَا يَظْهَرُ جِرْمُهَا مَا لَمْ يَلْتَصِقْ فَيَظْهَرُ جِرْمُهَا، وَأَرَادَ بِاَلَّذِي يَشِفُّ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْجِرْمُ وَلَوْ لَمْ يَبْرُزْ وَلَوْ لَمْ يَلْتَصِقْ فَلَمْ يُرِدْ بِاَلَّذِي يَصِفُ مَا يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ كَمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فَلَا يُخَالِفُ حِينَئِذٍ مَا فِي عج.
وَنَصُّهُ بَعْدَ يَصِفُهُنَّ أَيْ مَا تَظْهَرُ مِنْهُ الْبَشَرَةُ لَا مَا يَظْهَرُ مِنْهُ جِرْمُ الْعَوْرَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ، أَقُولُ:
أَزْوَاجِهِنَّ فَيَجُوزُ.
(وَلَا يَجُرُّ الرَّجُلُ إزَارَهُ بَطَرًا) أَيْ كِبْرًا (وَلَا ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَمْدُودًا بِمَعْنَى الْبَطَرِ، وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَذَلِكَ إذَا قَصَدَتْ الْخُيَلَاءَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ ذِرَاعًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ (وَ) إذَا لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ فِعْلُ ذَلِكَ فَ (لِيَكُنْ)
ــ
[حاشية العدوي]
وَحَيْثُ عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءُ إذْ يَظْهَرُ حُرْمَةُ لُبْسِ الْقَمِيصِ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ لَوْنُ الْعَوْرَةِ مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَبَسِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الَّذِي لَا يَشِفُّ [قَوْلُهُ: إذَا خَرَجْنَ. . . إلَخْ] ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْبَسُ أَيْ وَلَا يَلْبَسُ إذَا خَرَجْنَ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ الْمُرَادُ لَا يُلْبَسُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيِّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. [قَوْلُهُ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ] أَيْ أَوْ مَعَ سَادَاتِهِنَّ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَجُرُّ. . . إلَخْ] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: بَطَرًا] أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَرِّ بَطَرًا أَيْ ذَا بَطَرٍ أَوْ جَرَّ بَطَرٍ أَوْ حَالَ كَوْنِ الرَّجُلِ ذَا بَطَرٍ. وَقَوْلُهُ: أَيْ كِبْرًا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَطَرًا بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ كِبْرًا أَوْ لَعَلَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الرَّجُلِ، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْكِبْرِ فَلَيْسَ الْكِبْرُ تَفْسِيرًا لَهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبَطَرِ دَهَشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا
[قَوْلُهُ: وَلَا ثَوْبَهُ] مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: إزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ قَمِيصٌ أَوْ سَرَاوِيلُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُسَمَّى ثَوْبًا، فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت فَهَلَّا اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ الْعَامِّ عَنْ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ؟ قُلْت: اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ خَصَّ الْإِزَارَ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِانْدِرَاجِهِ فِي الْعَامِّ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْخُيَلَاءِ] أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَرِّ نَاشِئًا مِنْ الْخُيَلَاءِ.
[قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا] قَدَّمَ الضَّمَّ لِأَكْثَرِيَّتِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْبَطَرِ] وَالْبَطَرُ هُوَ الْكِبْرُ أَيْ فَقَدْ تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ] وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» . ثُمَّ أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجُرَّ ثَوْبَهُ أَوْ إزَارَهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ كِبْرًا أَوْ عُجْبًا. وَتَقْيِيدُهُمْ جَوَازَهُ لِلْمَرْأَةِ بِقَصْدِ السَّتْرِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ عج بِأَنَّ قَوْلَهُ بَطَرًا أَوْ مَظِنَّةَ بَطَرٍ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ
[قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ. . . إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَصَدَتْ السَّتْرَ [قَوْلُهُ: يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ ذِرَاعًا] أَيْ إذَا اُحْتِيجَ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ. . . إلَخْ] نَصَّهَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُرْخِيهِ شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ كَيْفَ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ إذْ بِهِ يَحْصُلُ أَمْنُ الِانْكِشَافِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَهَا حَالَةَ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ قَدْرُ شِبْرٍ، وَحَالَةَ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ.
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: هَلْ ابْتِدَاءُ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ الرِّجَالُ وَهُوَ مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ أَوْ حَدُّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّالِثُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيَّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا؟ قَالَ: شِبْرًا قَالَتْ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» فَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَجُرَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ ذِرَاعًا أَيْ لِأَنَّ الْجَرَّ السَّحْبُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ لِمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ: «رَخَّصَ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ الْمَأْذُونَ شِبْرَانِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ تُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا اهـ. لَفْظُ شَارِحِ الْمُوَطَّأِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا خُفَّ لَهَا وَلَا جَوْرَبَ وَإِلَّا فَلَا تَزِيدُ قَالَهُ
الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِزَارِ وَالثَّوْبِ (إلَى الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ أَنْظَفُ لِثَوْبِهِ) وَإِزَارِهِ (وَأَتْقَى لِرَبِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي الْعُجْبَ وَالْكِبْرَ.
(وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ (عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ) بِالْمَدِّ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (وَهِيَ) أَيْ صِفَةُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ أَنْ تَكُونَ (عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ) أَيْ إزَارٌ (يَرْفَعُ ذَلِكَ) أَيْ طَرَفُ مَا يَشْتَمِلُ بِهِ (مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الْيُسْرَى (وَيَسْدُلُ) الْجِهَةَ (الْأُخْرَى) وَهِيَ
ــ
[حاشية العدوي]
عج.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ يَلْبَسْنَ خِفَافًا وَلَا جَوَارِبَ بَلْ النَّعْلَ أَوْ يَمْشِينَ حَافِيَاتٍ. قَالَ: وَيَقْتَصِرْنَ فِي إرْخَاءِ الذَّيْلِ عَلَى السَّتْرِ.
[قَوْلُهُ: فِعْلُ ذَلِكَ] أَيْ الْجَرِّ خُيَلَاءَ [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِزَارِ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُنْظُرْ كَيْفَ أَتَى فَاللَّامُ الْأَمْرِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْحَظْرِ وَمَعْنَاهُ الْإِبَاحَةُ كَذَا ذَكَرَهُ عج. ثُمَّ أَقُولُ: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لَا مُبَاحٌ وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ فِيهِ النَّظَافَةُ وَالتَّقْوَى فَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَنْظِيفٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَقْوًى فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُنْظُرْ كَيْفَ اسْتَعْمَلَ أَفْعَلَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْوَصْفِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا جَرَّهُ فَهُوَ ضِدُّ التَّنْظِيفِ، وَإِذَا جَرَّهُ أَيْضًا فَقَدْ عَصَاهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ فَتَأَمَّلْ. وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ لِخَبَرِ:«إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ بَطَرًا» . اهـ.
وَإِزْرَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الْحَالَةُ وَهَيْئَةُ الِاتِّزَارِ يَعْنِي الْحَالَةَ الْمُرْضِيَةَ، ثُمَّ إنَّ الْحَطَّابَ ذَكَرَ تَفْصِيلًا فَقَالَ مَا نَصُّهُ: الْمُسْتَحَبُّ فِي الثِّيَابِ أَنْ تَكُونَ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَإِلَى طَرَفِ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدَيْنِ، وَالْمُبَاحُ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ لِلْكَعْبِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ حَرَامٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِقَصْدِ الْكِبْرِ، وَيَجُوزُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَجْلِ السَّتْرِ اهـ.
قَالَ عج: قُلْت وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تُخْرِجُ صَاحِبَهَا لِلْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ حَرَامٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُ كَلَامُ الْحَطَّابِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ بِدُونِ قَصْدِ الْكِبْرِ فَمُفَادُ الْحَطَّابِ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عج مُفَادُ الذَّخِيرَةِ الْحُرْمَةُ وَقَدْ تَرْجَمَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ مُتَعَارِضٌ مَعَ آخِرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْكَرَاهَةُ الشَّدِيدَةُ. وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ «وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ» أَيْ فَفِي قُرْبِ النَّارِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ أَنْظَفُ] أَيْ لِعَدَمِ وُصُولِهِ لِلْأَرْضِ.
[قَوْلُهُ: وَأَتْقَى لِرَبِّهِ] أَيْ أَبْعَدُ لِمَقْتِ رَبِّهِ لِانْتِفَاءِ مَا يُوجِبُ غَضَبَهُ لِقُرْبِ تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ التَّوَاضُعِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَنْفِي الْعُجْبَ وَالْكِبْرَ] الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُلَاحَظَةُ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ بِعَيْنِ الْكَمَالِ مَعَ نِسْيَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْكِبْرُ فَهُوَ ذَلِكَ مَعَ احْتِقَارِ غَيْرِهِ كَذَا أَفَادَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَإِذًا الْكِبْرُ أَخُصُّ مِنْ الْعُجْبِ وَهُوَ الْفَرْدُ الْأَشَدُّ حُرْمَةً.
[قَوْلُهُ: عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ] حَقِيقَةُ الصَّمَّاءِ الِاشْتِمَالُ أَيْ الِالْتِحَافُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَكِنْ بِحَيْثُ يَكُونُ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ الِاشْتِمَالُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعُهُ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَشَارِحُنَا فَسَّرَ الْآخَرَ بِالْيُسْرَى وتت فَسَّرَهَا بِالْيُمْنَى، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمَلَةٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ فَقَدْ فُسِّرَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِجَعْلِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ، وَفَسَّرَهَا اللُّغَوِيُّونَ بِأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا يَلْتَفُّ فِيهِ وَلَا يَجْعَلَ لِيَدَيْهِ مَخْرَجًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ يَدَيْهِ بَدَتْ عَوْرَتُهُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: أَنْ يَرُدَّ الْكِسَاءَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَعَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَرُدَّهُ ثَانِيَةً مِنْ خَلْفِهِ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى وَعَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ فَيُغَطِّيَهُمَا جَمِيعًا، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ اشْتِمَالٍ هُوَ الصَّمَّاءُ. وَقَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ أَيْ صِفَةُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ أَيْ الصِّفَةُ الَّتِي هِيَ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، أَيْ ذُو أَنْ تَكُونَ أَيْ حَقِيقَةُ ذَاتِ كَوْنٍ. . . إلَخْ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلصَّمَّاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَا مُطْلَقًا
[قَوْلُهُ: أَيْ إزَارٍ] لَا خُصُوصِيَّةَ فَالْمُرَادُ مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: يَرْفَعُ ذَلِكَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَكُونَ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، أَيْ ذُو أَنْ تَكُونَ وَذُو رَفْعٍ مِنْك لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَيْ طَرَفَ الْمُشَارُ إلَيْهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ صَرِيحًا بَلْ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّ ذُو أَنْ تَكُونَ مَعْنَاهُ حَقِيقَةُ ذَاتٍ. . . إلَخْ وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِشَيْءٍ يَشْتَمِلُ لَهُ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ لَهُ طَرَفًا
الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَقَوْلُهُ:(وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ اشْتِمَالِك) أَيْ تَحْتَ مَا تَشْتَمِلُ بِهِ (ثَوْبٌ) تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الِاشْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ) أَيْ إزَارٌ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمَالِكٍ بِالْمَنْعِ اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْإِبَاحَةُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ.
(وَيُؤْمَرُ) الْمُكَلَّفُ (بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ) عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وُجُوبًا إجْمَاعًا، وَفِي الْخَلْوَةِ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِزَارَةُ) الرَّجُلُ (الْمُؤْمِنُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ (إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ)
ــ
[حاشية العدوي]
وَبَعْضُهُمْ رَجَّعَهُ لِلْمُشْتَمَلِ بِهِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ.
[قَوْلُهُ: وَيَسْدُلُ] بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْجِهَةَ الْأُخْرَى] الْجِهَاتُ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، فَالْعِبَارَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَيَسْدُلُ ذَا الْجِهَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الْيُمْنَى وَذُوهَا وَهُوَ الطَّرَفُ الْآخَرُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ التَّكَلُّفِ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ: وَهِيَ عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ أَيْ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ جُمْلَةً حَالِيَّةً. وَقَوْلُهُ: يَرْفَعُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَيُنْهَى عَنْ الِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَالصَّمَّاءُ رَفْعُك الطَّرَفَ. . . إلَخْ أَيْ ذُو رَفْعِك أَيْ الَّذِي هُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.
[قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَ. . . إلَخْ] يَقْتَضِي أَنَّهُ غَطَّاهَا ابْتِدَاءً. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ ذَلِكَ يَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْيُسْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُغَطِّهَا ابْتِدَاءً فَتَنَاقَضَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الصَّمَّاءَ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا يُغَطِّي يَدَهُ ابْتِدَاءً، ثُمَّ إذَا بَدَا لَهُ أَمْرٌ يَرْفَعُ طَرَفَهَا مِنْ نَاحِيَةِ شِمَالِهِ لَا يَمِينِهِ أَيْ يَرْفَعُ شِمَالَهُ مِنْ تَحْتِ الْإِزَارِ. فَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ أَيْ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ نَاحِيَةِ يَسَارِهِ إذَا بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يُنَافِي آخِرَهُ، أَيْ فَيَكُونُ ذَاهِبًا فِي تَفْسِيرِهَا إلَى طَرِيقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ.
وَأَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَالْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الرَّفْعَ مُتَوَهَّمٌ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ السَّاتِرِ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ مَعَ السَّاتِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ كَشْفِ الْكُلِّ.
[قَوْلُهُ: أَيْ تَحْتَ مَا تَشْتَمِلُ بِهِ] أَيْ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ [قَوْلُهُ: أَيْ إزَارٍ] مَثَلًا لِيَدْخُلَ نَحْوُ السِّرْوَالِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْقَوْلَيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ] أَيْ فَفِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» ، وَعِلَّةٌ أُخْرَى زَادَهَا فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَيَفْعَلَهُ وَلَا إزَارَ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْعَالِمَ يَفْعَلُهُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ] أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ.
[قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْمُكَلَّفُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ] قَالَ عج: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرٌ اهـ.
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُرَاهِقًا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ كَكَبِيرٍ وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُ عَوْرَتِهِ فَهَلْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّتْرُ كَالْكَبِيرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهِ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلْيُحَرَّرْ.
[قَوْلُهُ: عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ] احْتِرَازًا عَنْ حَالَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهَا وَلَوْ بِخَلْوَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَهَلْ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْعَاقِلِ كَالْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَفِيهِ قُصُورٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَازَ الْغُسْلِ فِي الْفَضَاءِ ابْنُ رُشْدٍ لِقَصْرِ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ [قَوْلُهُ: وَفِي الْخَلْوَةِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِيُؤْمَرُ الشَّامِلُ لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا، وَفِي نَظَرِ الْإِنْسَانِ لِعَوْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُلِيَ بِالزِّنَا. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ] هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَاسْتَصْوَبَ الْكَسْرَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ] مِثْلُهُ لتت أَيْ لَا الْمَرَّةُ حَتَّى يَكُونَ بِالْفَتْحِ.
وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» .
(وَالْفَخِذُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ، وَالْوَرِكُ (عَوْرَةٌ) عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِي مِنْهُ (وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا)«؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَشَفَ فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَانْكَشَفَ فَخِذُهُ أَيْضًا حِينَ أَجْرَى فَرَسَهُ» .
(وَلَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ) بِالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ
ــ
[حاشية العدوي]
فَائِدَةٌ:
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَنْتَصِبُ الرَّجُلُ عُرْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِذَا اغْتَسَلَ فَلْيَنْضَمَّ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ.
قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ أَحَدٌ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ إلَّا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا فَيَكْفِيهِ مِئْزَرٌ.
[قَوْلُهُ: إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ] وَيُبَاحُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْكَعْبَيْنِ.
[قَوْلُهُ: إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ] يَعْنِي الْحَالَةَ الْمُرْضِيَةَ مِنْ الْمُؤْمِنِ الْحَسَنَةَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ.
[قَوْلُهُ: أَنْصَافِ] وَجَمَعَ أَنْصَافَ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: مِثْلُ رُءُوسِ الْكَبْشَيْنِ وَذَلِكَ عَلَامَةُ التَّوَاضُعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَلَمَةَ كَانَ عُثْمَانُ يَأْتَزِرُ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ.
وَقَالَ: كَانَتْ إزْرَةُ صَاحِبِي يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [قَوْلُهُ: لَا جُنَاحَ] أَيْ لَا حَرَجَ.
[قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ] فَيَجُوزُ إسْبَالُهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ فَلَهُ حَالَتَانِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ] مَا مَوْصُولٌ، وَبَعْضُ صِلَتِهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَانَ وَأَسْفَلَ خَبَرُهُ فَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ مَا هُوَ أَسْفَلُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِأَسْفَلَ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ الْكَعْبَيْنِ.
[قَوْلُهُ: فَفِي النَّارِ] دَخَلَتْ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ مَا مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِ الْإِزَارِ الْمُسْبَلِ فَهُوَ فِي النَّارِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنَالُهُ الْإِزَارُ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَكَنَّى بِالثَّوْبِ عَنْ بَدَنِ لَابِسِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْقَدَمِ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يُفِيدُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ مِنْ وَادِي إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، أَوْ يَكُونُ مِنْ الْوَعِيدِ لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَةَ أَحَقُّ بِذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ] أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ.
[قَوْلُهُ: بَطَرًا] بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ أَوْ كَسْرِهَا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَرَّ رِوَايَتَانِ.
[قَوْلُهُ: وَالْفَخِذُ] مُؤَنَّثَةٌ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْفَاءِ وَكَسْرُ الْخَاءِ، وَسُكُونُهَا مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِهَا، وَكَسْرُهُمَا.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ كَشْفُهُ مَعَ مَنْ ذُكِرَ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ ذُكِرَ نَظَرُهُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ يَجُوزُ كَشْفُهَا مَعَ الْخَوَاصِّ وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِمْ، أَيْ يُكْرَهُ مَعَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ كَرِهَ النَّظَرَ إلَيْهِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى كَوْنُهُ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا خَفَّ أَمْرُهُ فَغَايَةُ مَا يُقَالُ: يُكْرَهُ مَعَ غَيْرِ الْخَاصَّةِ وَالْحُرْمَةُ بَعِيدَةٌ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّظَرَ لِفَخِذِ الْأَمَةِ حَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ.
[قَوْلُهُ: كَشَفَ فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ. . . إلَخْ] فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا فَخِذَيْهِ وَسَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَدَخَلَ، وَتَحَدَّثَ مَعَهُ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُبَالِهِ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تُبَالِهِ أَيْ لَمْ تَهْتَمَّ لِدُخُولِهِمَا وَتَسْتُرْ فَخِذَيْك، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْت وَسَوَّيْت ثِيَابَك فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَالِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُ مَزِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ فُهِمَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ لَيْسَ مِنْ الْخَوَاصِّ، وَوَجْهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَسْوِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْخَوَاصِّ بَلْ حَيَاءً مِنْهُ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَسْتَحِي مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَانْكَشَفَ فَخِذُهُ أَيْضًا حِين أَجْرَى فَرَسَهُ] قَدْ يُقَالُ: هَذَا غَلَبَةٌ لَا اخْتِيَارٌ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُغَطِّهِ حِينَ انْكَشَفَ مَعَ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ لَهُ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ
عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ عَنْ الْعَرَبِ.
وَقَالَ ك وَغَيْرُهُ: هُوَ مُذَكَّرٌ اتِّفَاقًا (إلَّا بِمِئْزَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَمْزِ وَتَرْكُهُ مَا يُؤْتَزَرُ بِهِ (وَلَا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّهَا سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلْهَا الرِّجَالُ إلَّا بِإِزَارٍ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» .
(وَلَا يَتَلَاصَقُ رَجُلَانِ وَلَا امْرَأَتَانِ فِي لِحَافٍ) أَوْ ثَوْبٍ (وَاحِدٍ) غَيْرَ مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَمْ لَا، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ
ــ
[حاشية العدوي]
إلَّا بِدَلِيلٍ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ وَالصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ يَحْرُمُ كَشْفُ الْفَخِذِ وَلَوْ مَعَ الْخَاصَّةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ. . . إلَخْ] أَيْ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ. . . إلَخْ. قَالَ تت: وَالنَّهْيُ يَشْمَلُ الْوُجُوبَ إنْ لَمْ يَكُنْ خَالِيًا وَالِاسْتِحْبَابَ إنْ كَانَ خَالِيًا انْتَهَى أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْمِئْزَرِ.
[قَوْلُهُ: الْحَمَّامَ] مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ.
[قَوْلُهُ: إلَّا بِمِئْزَرٍ] أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ لَوْنُ الْعَوْرَةِ كَمَا قَالَهُ عج، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهِ بِالْمِئْزَرِ وَلَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَجَوَازُ الدُّخُولِ بِالْمِئْزَرِ لَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَرْكُ دُخُولِهِ أَحْسَنُ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ دُخُولَ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ خَالِيًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَإِنْ دَخَلَ مَعَ مَنْ يَسْتَتِرُ جَازَ وَتَرْكُهُ حَسَنٌ أَيْ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ، أَمَّا مَعَ مَنْ لَا يَسْتَتِرُ فَلَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ وَالنَّظَرَ إلَيْهَا حَرَامٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ جُرْحَةً فِيهِ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ.
[قَوْلُهُ: وَالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ] وَالْهَمْزُ هُوَ الْأَصْلُ فَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ] أَيْ بِمِئْزَرٍ أَيْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ. . . إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ الْمُقْتَضِي كَوْنَ دُخُولِهِنَّ حَرَامًا بِمِئْزَرٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ اخْتَارَ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّهِنَّ دُونَ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ بِمِئْزَرٍ.
[قَوْلُهُ: إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ] أَيْ فَلَا تَدْخُلُهَا لِحَيْضٍ أَوْ جَنَابَةٍ كَمَا قَالَ عج، أَيْ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُوجِبٌ لَهُمَا لِدُخُولِ الْحَمَّامِ فَتَكُونَانِ كَالْمَرِيضَةِ وَالنُّفَسَاءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ شَأْنَهُمَا الِاحْتِيَاجُ لِدُخُولِ الْحَمَّامِ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَيْ فَحُكْمُ هَذَا التَّلَاصُقِ الْحُرْمَةُ فِيمَا بَيْنَ الْبَالِغِينَ، أَيْ يَحْرُمُ التَّلَاصُقُ غَيْرَ مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ، وَكُرِهَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ بِالْعَوْرَةِ مَعَ حَائِلٍ كَثِيفٍ أَيْ بِغَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ فِيهِمَا وَإِلَّا حَرُمَ.
وَأَمَّا تَلَاصُقُ غَيْرِ الْبَالِغِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْعَشْرَ فَلَا حَرَجَ لِأَنَّ طَلَبَ الْوَلِيِّ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْمَضَاجِعِ بَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَبَعْدَ بُلُوغِهَا كُرِهَ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَأَمَّا تَلَاصُقُ بَالِغٍ وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ حَائِلٍ فَحَرَامٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَالْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيِّهِ، وَأَمَّا بِحَائِلٍ فَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ إلَّا لِقَصْدِ لَذَّةٍ فَحَرَامٌ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ عج.
قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِي قَوْلِهِ يُكْرَهُ لِلْوَلِيِّ تَلَاصُقُ عَوْرَةِ الصَّبِيِّ ابْنِ عَشْرٍ فَفَوْقُ بِعَوْرَةِ الْبَالِغِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ، وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي تَلَاصُقِ الْمَرْأَتَيْنِ.
وَأَمَّا رَجُلٌ وَأُنْثَى فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ تَلَاصُقِهِمَا تَحْتَ لِحَافٍ وَلَوْ بِغَيْرِ عَوْرَةٍ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ حَيْثُ كَانَا بَالِغَيْنِ أَوْ الرَّجُلُ أَوْ الْأُنْثَى مَعَ مُنَاهَزَةِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الْمُنَاهِزَ كَكَبِيرٍ هَكَذَا يَظْهَرُ اهـ.
[قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ. . . إلَخْ] خَبَرٌ مَقْصُودٌ بِهِ نَهْيُ التَّحْرِيمِ، وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَكَذَا عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُفْضِ. . . إلَخْ] مِنْ أَفْضَى أَيْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِأَنْ يَلْتَصِقَا، وَأَرَادَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَبِالنَّهْيِ مَا يَشْمَلُ نَهْيَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ جَوَازُ اضْطِجَاعِ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْكِسَاءِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ وَسَطُ الْكِسَاءِ حَائِلًا بَيْنَهُمَا، وَهَلْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي ثَوْبٍ دُونَ الْآخَرِ يَنْتَفِي التَّلَاصُقُ تَقْرِيرَانِ.
[قَوْلُهُ:
وَاحِدٍ» .
(وَلَا تَخْرُجُ امْرَأَةٌ) غَيْرَ مُتَجَالَّةٍ (إلَّا مُسْتَتِرَةً فِيمَا لَا بُدَّ) أَيْ لَا غِنَى (لَهَا مِنْهُ مِنْ شُهُودِ مَوْتِ أَبَوَيْهَا أَوْ ذِي قَرَابَتِهَا) كَالْأَخِ (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاحُ لَهَا) الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ كَجِنَازَةِ مَنْ ذُكِرَ وَحُضُورِ عُرْسِهِ وَلِخُرُوجِهَا شُرُوطٌ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ طَرَفَيْ النَّهَارِ مَا لَمْ تَضْطَرَّ لِلْخُرُوجِ فِي غَيْرِهِمَا، وَأَنْ تَلْبَسَ أَدْنَى ثِيَابِهَا وَأَنْ تَمْشِيَ فِي حَافَتَيْ الطَّرِيقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا رِيحٌ طَيِّبٌ وَأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ النَّظَرُ إلَيْهِ (وَلَا تَحْضُرُ) الْمَرْأَةُ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا أُبِيحَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ (مَا فِيهِ نَوْحٌ) أَيْ صَوْتُ (نَائِحَةٍ أَوْ لَهْوٌ مِنْ مِزْمَارٍ أَوْ عُودٍ وَشِبْهِهِ مِنْ الْمَلَاهِي الْمُلْهِيَةِ) وَهَذَا النَّهْيُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِلْحُرْمَةِ لَا يَجُوزُ حُضُورُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا فِعْلُهُ (إلَّا الدُّفُّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ (فِي النِّكَاحِ) خَاصَّةً لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا لِذِي هَيْئَةٍ (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْكَبَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ طَبْلٌ صَغِيرٌ يُجَلَّدُ
ــ
[حاشية العدوي]
غَيْرُ مُتَجَالَّةٍ] أَيْ وَلَا يُخْشَى مِنْ خُرُوجِهَا الْفِتْنَةُ أَيْ مِنْ شَابَّةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَرَبُ الرِّجَالِ مِنْهَا، أَيْ وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِحَوَائِجِهَا كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَلِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى الِافْتِتَانُ بِهَا لِنَجَابَتِهَا فَهَذِهِ لَا تَخْرُجُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ
[قَوْلُهُ: مِنْ شُهُودِ. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ حُضُورِهَا مَوْتَ أَبَوَيْهَا أَوْ أَحَدِهِمَا.
[قَوْلُهُ: كَالْأَخِ] أَيْ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ، وَيُكْرَهُ لَهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْكَافَ مُدْخِلَةً لِجَمِيعِ الْأَقَارِبِ وَيُفِيدُ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: شُهُودِ وَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى مَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ وَمِثْلُ خُرُوجِهَا لِشُهُودِ مَوْتِ مَنْ ذُكِرَ خُرُوجُهَا لِنَحْوِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ بِصَدَدِ إفَادَةِ مَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: مِمَّا يُبَاحُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِنَفْسِ الْأَمْرِ.
[قَوْلُهُ: كَجِنَازَةِ مَنْ ذُكِرَ وَحُضُورِ عُرْسِهِ] وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ حُضُورَ مَوَاسِمِهِ وَأَعْيَادِهِ وَزِيَارَتِهِ وَحَاجَتِهَا الَّتِي لَا تَجِدُ مَنْ يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ تَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِالْخُرُوجِ لَهَا وَلَوْ شَرَطَ لَهَا فِي صُلْبِ عَقْدِهَا.
[قَوْلُهُ: شُرُوطٌ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ شُرُوطَ الْكَمَالِ كَمَا تَبَيَّنَ.
[قَوْلُهُ: طَرَفَيْ النَّهَارِ] مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَمَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَهَذَا مِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُضْطَرَّ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: مَا لَمْ تُضْطَرَّ لِلْخُرُوجِ فِي غَيْرِهِمَا اضْطِرَارًا فَادِحًا، فَإِذَا اُضْطُرَّتْ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهَا الْخُرُوجُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَلْبَسَ أَدْنَى ثِيَابِهَا] أَيْ دَنِيءَ ثِيَابِهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ بَعْضٍ: وَأَنْ تَخْرُجَ فِي خَشِنِ ثِيَابِهَا أَوْ أَنَّ قَصْدَهُ شَرْطُ الْكَمَالِ وَأَمَّا شَرْطُ الْجَوَازِ فَيَتَحَقَّقُ بِالدَّنِيءِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَمْشِيَ فِي حَافَّتَيْ الطَّرِيقِ] أَيْ لَا فِي وَسَطِهَا هَذَا شَرْطُ الْكَمَالِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ. . . إلَخْ] هَذَا شَرْطُ الْجَوَازِ، وَيُزَادُ أَنْ لَا يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَا يُخْشَى مَفْسَدَتُهُ، وَأَنْ تَخْرُجَ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَقْصُودَةِ بِالْخُرُوجِ فِيهَا وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِيمَا قَبْلَهُ.
[قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهَا] بِأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا أَوْ يَظْهَرَ وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا لِمَنْ لَا يَلْتَذُّ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ لَهْوٌ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: نَوْحٌ أَيْ وَلَا تَحْضُرُ امْرَأَةٌ أَيْ وَلَا رَجُلٌ.
[قَوْلُهُ: أَوْ عُودٍ] هُوَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيُحَرِّكُهُ لَهُ صَوْتٌ عَجِيبٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمَلَاهِي] وَهِيَ كُلُّ مَا يَشْغَلُ النَّفْسَ عَمَّا يَعْنِيهَا مِمَّا تَسْتَلِذُّهُ النَّفْسُ مِنْ الْغِنَاءِ، وَشَبَهِهِ مِنْ الْأَوْتَارِ وَالرَّبَابِ وَالطُّنْبُورِ.
[قَوْلُهُ: الْمُلْهِيَةِ] وَصْفٌ كَاشِفٌ. [قَوْلُهُ: لِلْحُرْمَةِ] إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ فِي قَوْلِهِ: مَا فِيهِ نَوْحُ نَائِحَةٍ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاعَدَةِ وَالرِّضَا بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا حِينَئِذٍ حُضُورُ مَوْتِ أَبَوَيْهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَنْتَهِي الْحُضُورُ إلَى التَّحْرِيمِ.
[قَوْلُهُ: يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ] بَلْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصَرَاصِرَ فَيَحْرُمُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: خَاصَّةً] أَيْ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ ضَرْبِهِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ كَالْخِتَانِ وَالْوِلَادَةِ وَمُقَابِلُهُ جَوَازُهُ فِي كُلِّ فَرَحٍ لِلْمُسْلِمِينَ كَقُدُومِ غَائِبٍ وَالْأَعْيَادِ وَالْخِتَانِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ، وَهَلْ الْمُرَادُ الْجَوَازُ الَّذِي لَا أَجْرَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ أَوْ الَّذِي فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، أَوْ الَّذِي تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهِ أَقْوَالٌ قَالَهُ تت
مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ.
(وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) شَابَّةٍ (لَيْسَتْ بِذِي مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ قَائِلًا: «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَاهَا) بِمَعْنَى يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرَى مَا لَيْسَتْ مَحْرَمًا مِنْهُ (لِ) أَجْلِ (عُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا) أَوْ لَهَا (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَنَظَرِ الطَّبِيبِ (أَوْ إذَا خَطَبَهَا) لِنَفْسِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَجَالَّةِ (وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ) وَهِيَ الَّتِي لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا لِكِبَرِ سِنِّهَا (فَ) يُبَاحُ (لَهُ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ (أَنْ يَرَى وَجْهَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ وَمَا قَالَهُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
(وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: إلَّا لِذِي هَيْئَةٍ] ضَعِيفٌ «فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَضَرَ ضَرْبَ الدُّفِّ» فَحُضُورُهُ ضَرْبَ الدُّفِّ يُؤْذِنُ بِجَوَازِهِ، وَإِذَا جَازَ لِذِي الْهَيْئَةِ السَّمَاعُ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الضَّرْبِ مِنْهُ بِمَعْنًى لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى أَوْ مَكْرُوهًا وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ سَمَاعُهُ وَمَا حَرُمَ فِعْلُهُ حَرُمَ سَمَاعُهُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحَتَيْنِ] وَأَمَّا بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ الْمُقَابِلُ لِلصِّغَرِ، وَأَمَّا بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الْبَاءِ فَهُوَ الطَّعْنُ فِي السِّنِّ.
[قَوْلُهُ: يُجَلَّدُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ. . . إلَخْ] مِثْلُهُ لِصَاحِبِ الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَالْكَبَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الطَّبْلُ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ وَجَمْعُهُ كِبَارٌ مِثْلُ جَبَلٍ وَجِبَالٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ اهـ. إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْت فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْغِرْبَالَ هُوَ الْمُدَوَّرُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَالْكَبَرُ هُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ الْمُدَوَّرُ الْمُجَلَّدُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْقَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ يُمْنَعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَبَادَرٍ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ] قَالَ تت: وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَيَسْتَوْجِبَانِ الْعُقُوبَةَ، وَلَوْ ادَّعَيَا الزَّوْجِيَّةَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَاهَا أَوْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ شَابٌّ وَامْرَأَةٌ شَابَّةٌ لَيْسَتْ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ وَلَا مِلْكَ لَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُمَا جَائِزَةٌ وَمِنْ الرَّجُلَيْنِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُمَا أَيْضًا جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا شَابٌّ فَيُمْنَعَ لِأَنَّ مَعَهُمَا شَيْطَانَيْنِ، وَمَعَ الْمَرْأَةِ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَوْلَهُ: رَجُلٌ بِقَوْلِنَا شَابٌّ فَإِنَّ خَلْوَةَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِالْمَرْأَةِ شَابَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَجَالَّةً جَائِزَةٌ.
وَقَيَّدْنَا قَوْلَهُ بِالْمَرْأَةِ بِقَوْلِنَا شَابَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ خَلْوَةِ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ شَابًّا بِالْمُتَجَالَّةِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَقَوْلُنَا: لَيْسَتْ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَقَوْلُنَا: لَا مِلْكَ لَهَا عَلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرَى مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو مَحْرَمِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ك: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْظَرٌ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا وَجْهَهَا، وَلَهَا أَنْ تَرَاهُ كُلَّهُ إذَا كَانَ وَغْدًا يُؤْمَنُ مِنْهُ التَّلَذُّذُ بِخِلَافِ الشَّابِّ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ: لَا نَصَّ فِي خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِخَادِمِ زَوْجَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ، فَإِذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ جَازَ، هَذَا حِلُّ مَا قَصَدَهُ شَارِحُنَا لِأَنَّ كَلَامَهُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا إلَّا أَنَّنَا نَزِيدُ شَيْئًا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَقَامُ فَنَقُولُ: يَجُوزُ لِعَبْدِ الْمَرْأَةِ الَّذِي لَيْسَ بِشِرْكٍ وَمُكَاتَبِهَا الْوَغْدَيْنِ النَّظَرُ لِشَعْرِهَا وَبَقِيَّةِ أَطْرَافِهَا الَّتِي يَنْظُرُهَا مَحْرَمُهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْمَشْهُورَةِ بِالدِّينِ.
وَأَمَّا عَبْدُ زَوْجِهَا فَيَجُوزُ إنْ كَانَ خَصِيًّا وَقَبِيحَ مَنْظَرٍ ثُمَّ نَقُولُ: وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ عَمَّمَ فَقَالَ: وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالشَّيْخِ وَالشَّابِّ. وَقَوْلُهُ: شَابَّةٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْمُتَجَالَّةِ خُصُوصًا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا فِي السِّنِّ لِأَنَّ الشَّيْخَ يَمِيلُ لِلشَّيْخَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا] ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى كَوْنِهِ ثَالِثَهُمَا أَنَّهُ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِهَا وَتَقْوَيْ شَهْوَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ رَاقَبَهُ وَخَشِيَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا. . . إلَخْ] أَيْ حَيْثُ كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ لِلشَّاهِدَيْنِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ لِرُؤْيَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَالطَّبِيبِ وَالْخَاطِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِخَلْوَةٍ بِالْمَرْأَةِ وَإِلَّا حَرَّمْت هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُ هَذَا وَأَنَّهُ يَجُوزُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقًا حَيْثُ أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ.
[قَوْلُهُ: لَا أَرَبَ] أَيْ لَا حَاجَةَ.
[قَوْلُهُ: وَنُهِيَ النِّسَاءُ. . . إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِلنِّسَاءِ وَإِنَّمَا خَصَّ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ اللَّاتِي
(النِّسَاءُ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ وَعَنْ الْوَشْمِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» .
(وَمَنْ لَبِسَ) بِمَعْنَى أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ
ــ
[حاشية العدوي]
يَغْلِبُ مِنْهُنَّ ذَلِكَ عِنْدَ قِصَرِ أَوْ عَدَمِ شُعُورِهِنَّ مَثَلًا.
[قَوْلُهُ: عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ] قَالَ تت: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَصْلِ أَنَّهَا لَوْ جَعَلَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا فِي الْوِقَايَةِ وَلَمْ تَصِلْهُ جَازَ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ الْوَشْمِ] أَيْ فِي الْوَجْهِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ النَّقْشُ بِالْإِبْرَةِ مَثَلًا حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ وَيُخْشَى الْجُرْحُ بِالْكُحْلِ أَوْ الْهِبَابِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَسْوَدُ لِيُخَضِّرَ الْمَحَلَّ، وَالنَّهْيُ لِلْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ أَشَدُّ وَهُوَ كَبِيرَةٌ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. نَعَمْ قَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَيَّنَ بِهِ لِزَوْجِهَا وَقَدْ جَاءَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَسْمَاءَ رضي الله عنها، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُعَارَضَةَ لِإِمْكَانِ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ كَالْمُعْتَدَّةِ كَمَا فِي النَّامِصَةِ وَلَا يُكَلَّفُ صَاحِبُهُ بِإِزَالَتِهِ وَلَوْ وَقَعَ مُحَرَّمًا، وَمَحَلُّ حُرْمَتِهِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِلدَّوَاءِ وَإِلَّا جَازَ. [قَوْلُهُ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ] أَيْ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرٍ آخَرَ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا كَانَ الْمَوْصُولُ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا، بَلْ قَالَ مَالِكٌ وَالطَّبَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ: الْوَصْلُ مَمْنُوعٌ بِكُلِّ شَيْءٍ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرَقٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ وَلَا بَأْسَ بِوَصْلِهِ بِصُوفٍ أَوْ خِرَقٍ أَوْ غَيْرِهَا. الْقَاضِي: فَأَمَّا الرَّبْطُ بِالْخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ وَلَا هُوَ فِي مَعْنًى مَقْصُودٍ لِلْوَصْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِينِ انْتَهَى. أَيْ الَّتِي تَطْلُبُ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا ذَلِكَ وَيُفْعَلَ بِهَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَالْوَاشِمَةَ] أَيْ الَّتِي تَغْرِزُ الْإِبْرَةَ فِي الْجَسَدِ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ كُحْلٌ أَوْ نَحْوُهُ فَيَخْضَرُّ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُسْتَوْشِمَة أَيْ الَّتِي تَطْلُبُ فِعْلَهُ وَيُفْعَلُ بِهَا.
[قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَمِّصَاتِ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالنُّونِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ بَعْدَ الْأَلِفِ فَوْقِيَّةً جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَنْتِفُ شَعْرَ الْحَاجِبِ حَتَّى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ فَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْتِفُ الْحَاجِبَ حَتَّى تُرِقَّهُ كَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد، وَالْمُتَنَمِّصَةُ هِيَ الْمَعْمُولُ لَهَا ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ النَّامِصَةِ عَنْ أَبِي دَاوُد وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُصَنِّفِ: وَفَسَّرَهَا عِيَاضٌ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّهَا الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي جَوَازَ نَتْفِ شَعْرِ مَا عَدَا الْحَاجِبَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ، وَتَفْسِيرُ عِيَاضٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ
[قَوْلُهُ: وَالْمُتَفَلِّجَات] . . . إلَخْ جَمْعُ مُتَفَلِّجَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَبْرُدُ أَسْنَانَهَا لِيَتَبَاعَدَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ أَوْ يَكُونُ فِي أَسْنَانِهَا طُولٌ فَتُزِيلُهُ بِالْمِبْرَدِ.
تَنْبِيهٌ:
التَّعْبِيرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لَهَا دُونَ الْأَخِيرَيْنِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ فِيهِمَا الْقَاصِرَيْنِ عَلَى الْفَاعِلَةِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا تَبَعًا لِشَارِحِهِ تَفَنُّنٌ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ هَذَا مَا ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[قَوْلُهُ: لِلْحُسْنِ] اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَتَنَازَعَ فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ وَالْأَظْهَرُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخِيرَةِ: قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ: مَفْهُومُهُ أَنَّ الْمَفْعُولَ لِطَلَبِ الْحُسْنِ هُوَ الْحَرَامُ فَلَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعِلَاجٍ أَوْ عَيْبٍ فِي السِّنِّ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ اهـ.
[قَوْلُهُ: الْمُغَيِّرَاتِ] بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِمَنْ فَعَلَ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِوُجُوبِ اللَّعْنِ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ، إلَّا أَنَّ الشِّهَابَ الْقَرَافِيُّ قَالَ: لَمْ أَرَ لِلْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَدْلِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ لِتَكْثِيرِ الصَّدَاقِ، وَيُشْكِلُ ذَلِكَ إذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ وَبِالْوَشْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَدْلِيسٌ، وَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّغْيِيرَ لِلْجَمَالِ غَيْرُ مُنْكَرٍ فِي الشَّرْعِ كَالْخِتَانِ وَقَصِّ الظُّفُرِ وَالشَّعْرِ وَصَبْغِ الْحِنَّاءِ وَصَبْغِ الشَّعْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَرَادَ. . . إلَخْ] أَيْ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ اللُّبْسِ بِالْفِعْلِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ:
(خُفًّا أَوْ نَعْلًا بَدَأَ بِيَمِينِهِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (وَإِذَا) أَرَادَ (نَزْعَهُمَا بَدَأَ بِشِمَالِهِ) لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ قَائِمًا وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ.
(وَتُكْرَهُ التَّمَاثِيلُ) أَيْ عَمَلُهَا وَهِيَ الصُّورُ الَّتِي تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ الْحَيَوَانِ أَوْ الْأَشْجَارِ (فِي الْأَسِرَّةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَرِيرٍ وَهُوَ مَعْلُومٌ (وَ) فِي (الْقِبَابِ) جَمْعُ قُبَّةٍ وَهِيَ مَا يُجْعَلُ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى الْهَوْدَجِ مَثَلًا.
(وَ) فِي (الْجُدَرَانِ) بِضَمِّ الْجِيمِ جَمْعُ جُدُرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْحَائِطُ.
(وَ) فِي (الْخَاتَمِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَلُبْسِ الرَّقْمِ) أَيْ التَّصْوِيرُ (فِي الثَّوْبِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ التَّمَاثِيلِ الْمَكْرُوهَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْتَهَنُ (وَتَرْكُهُ) أَيْ الرَّقْمُ فِي الثَّوْبِ وَفِي نُسْخَةٍ وَغَيْرِهِ (أَحْسَنُ) مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ.
ــ
[حاشية العدوي]
بَدَأَ بِيَمِينِهِ] لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ كَاللُّبْسِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ فَالتَّيَاسُرُ مِثْلُ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَالِامْتِخَاطِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَخَلْعِ السَّرَاوِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ نَائِمًا] أَيْ كَمَا يَجُوزُ جَالِسًا فَلَا بَأْسَ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ] أَيْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا خَلَعَ بَدَأَ بِشِمَالِهِ وَلَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» فَإِذَا انْقَطَعَ قِبَالُ نَعْلِهِ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إبَاحَةِ وُقُوفِهِ فِي نَعْلٍ حَتَّى يُصْلِحَ الْأُخْرَى فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبُغُ إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ، وَمَنَعَا مَعًا الْمَشْيَ فِيهَا حَتَّى يُصْلِحَ الْأُخْرَى فِي وَقْتِ الْإِصْلَاحِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ أَقْطَعَ الرِّجْلِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِمَشْيِهِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَكُرِهَ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ.
[قَوْلُهُ: التَّمَاثِيلُ] جَمْعُ تِمْثَالٍ بِكَسْرِ التَّاءِ لَيْسَ إلَّا أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.
[قَوْلُهُ: أَوْ الْأَشْجَارِ. . . إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْأَشْجَارُ وَلَوْ لَهَا ظِلٌّ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَصْدَهُ التَّمْثِيلُ لِلصُّورِ مِنْ حَيْثُ هِيَ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْلُومٌ] مِنْ أَنَّهُ الَّذِي يُطَّلَعُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْقِبَابِ] بِكَسْرِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ: جَمْعُ قُبَّةٍ بِضَمِّ الْقَافِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْهَوْدَجِ] مَرْكَبُ النِّسَاءِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَدْخَلَ تَحْتَهُ السَّرِيرَ وَالْخَيْمَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ التِّمْثَالُ مَنْقُوشًا فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ صُورَةً مُسْتَقِلَّةً لَهَا ظِلٌّ كَصُورَةِ سَبُعٍ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا كَانَتْ كَامِلَةً صُنِعَتْ مِنْ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ كَحَجَرٍ أَمْ لَا كَعَجِينٍ، وَأَمَّا النَّاقِصَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى.
تَنْبِيهٌ:
يُسْتَثْنَى مِنْ الْمُحَرَّمِ تَصْوِيرُ لُعْبَةٍ عَلَى هَيْئَةِ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ لِتَلْعَبَ بِهَا الْبَنَاتُ الصِّغَارُ فَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصِنَاعَتُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِأَنَّ بِهِنَّ التَّدَرُّبَ عَلَى حَمْلِ الْأَطْفَالِ وَحَرُمَ لِلْكِبَارِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُمْتَهَنُ] مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي الْأَسِرَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَوْضِعٍ يُمْتَهَنُ.
[قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ وَغَيْرِهِ] بَدَلُ وَتَرْكُهُ أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ وَغَيْرُ الرَّقْمِ أَحْسَنُ مِنْ الرَّقْمِ الثَّانِي وَغَيْرُ الثَّوْبِ الْمَرْقُومِ وَهُوَ مَا لَا رَقْمَ فِيهِ أَحْسَنُ مِمَّا فِيهِ الرَّقْمُ.
[قَوْلُهُ: أَحْسَنُ] أَيْ فَفِعْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ] أَيْ وَلَوْ فِي الثَّوْبِ أَيْ فَفِي تَرْكِهِ سَلَامَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّمْثَالَ إنْ كَانَ لِغَيْرِ حَيَوَانٍ كَالشَّجَرِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِحَيَوَانٍ فَمَا لَهُ ظِلٌّ وَيُقِيمُ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُقِمْ كَالْعَجِينِ خِلَافًا لِأَصْبُغَ، وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَهَنٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَهَنًا فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصُّورِ الْكَامِلَةِ، وَأَمَّا نَاقِصُ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَمَا يُكْرَهُ يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ يُبَاحُ. .