الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ اتِّخَاذِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ.
الثَّالِثُ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَهُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَمَا شَارَكَهُمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا كَالْمُعَاطَاةِ.
وَافْتَتَحَ الْبَابَ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَحَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ أَيْضًا، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَمَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
تَعَلَّقَ بِالْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلِ أَوْ التَّفْصِيلِ فَقَطْ أَفْسَدَ الْعَقْدَ، أَمَّا إنْ جُهِلَتْ جُمْلَتُهُ وَعُلِمَ تَفْصِيلُهُ فَلَا يَضُرُّ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَيُرِيدُ أَخْذَ الْجَمِيعِ.
مِثَالُ الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلِ وَاضِحٌ وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ كَثُلُثٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ عَكْسِهِ وَيَبِيعَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً بِكَذَا فَالثَّلَاثُ فَاسِدَةٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ كُلٍّ أَوْ سُدُسُهُ أَوْ نِصْفُهُ وَلِلْآخَرِ الْبَاقِي فَلَا جَهْلَ. فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا جَهْلَ فِي الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَيَجُوزُ، وَالْمَنْعُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَفِ الْجَهْلُ، فَإِنْ انْتَفَى جَازَ، كَمَا إذَا سَمَّيَا أَيْ عَيَّنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرًا مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَقَعُ الشِّرَاءُ بِهِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمُشْتَرِي لَهُ أَوْ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهُ وَقَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَ مَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا دَفَعَهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَوَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ عَلَى حَسَبِ الْقِيمَتَيْنِ أَوْ يَتَسَاوَيَا [قَوْلُهُ: غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْ اتِّخَاذِهِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّخَاذُهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْ بَيْعِهِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ
[قَوْلُهُ: الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ] الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْإِيجَابُ مَصْدَرُ أَوْجَبَ أَيْ أَثْبَتَ، وَلَمَّا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُبْتَدِئَ فِي الْأَصْلِ عُدَّ مُثْبِتًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْإِثْبَاتُ، إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا دَلَّ صَرِيحًا كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت أَوْ الْتِزَامًا كَخُذْ وَهَاتِ وَعَاوَضْتُكَ هَذَا بِهَذَا، وَقَوْلُهُ: كَالْمُعَاطَاةِ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ إشَارَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ، وَقَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ مِنْ الْآخَرِ أَوْ قَوْلٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَفِعْلٌ مِنْ الْآخَرِ.
أَمَّا الْمُعَاطَاةُ فَهِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَيُعْطِيَهُ الْمَثْمُونَ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا اسْتِيجَابٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ فِعْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَمْثِلَةُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ ظَاهِرَةٌ، وَالْمُعَاطَاةُ الْمَحْضَةُ الْعَارِيَّةُ عَنْ قَوْلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اللُّزُومِ فِيهَا مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَالْمُثَمَّنِ فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنْ دَفَعَ ثَمَنَ رَغِيفٍ لِشَخْصٍ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّغِيفَ، وَأَمَّا أَصْلُ وُجُودِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِهِمَا فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الثَّمَنَ وُجِدَ بِذَلِكَ أَصْلُ الْعَقْدِ لَا لُزُومُهُ، وَكَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِتَقَدُّمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك وَلَا يَشْتَرِطُ كَمَا قَالَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي فَوْرِيَّةَ الْإِيجَابِ بَلْ الْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ مَا تَأَخَّرَ.
[الربا وَأَنْوَاعه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]
[قَوْلُهُ: تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَصَدَ التِّلَاوَةَ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لِلتَّنْصِيصِ عَلَى التِّلَاوَةِ وَلِلتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لَا مَدْلُولًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ قَصْدِ التِّلَاوَةِ يَكُونُ مَدْلُولًا أَيْ دَعْوَةً مُفْتَقِرَةً لِلدَّلِيلِ [قَوْلُهُ:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]] أَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْجَوَازُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أَيْضًا] أَيْ كَمَا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ [قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ] أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ إلَخْ] فِي التَّفْرِيعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ [قَوْلُهُ: بِلَا خِلَافٍ] أَيْ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ [قَوْلُهُ: يُسْتَتَابُ] أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَبِلَا عَطَشٍ وَبِلَا مُعَاقَبَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ إنْ سَبَقَهُ الْفَجْرُ وَلَا تُلَفَّقُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا فَرْقَ
بَاعَ بَيْعَ رِبًا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ يُؤَدَّبُ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ وَيُفْسَخُ، فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ.
وَالْأَلِفُ، وَاللَّامُ الَّتِي فِي الرِّبَا لِلْعَهْدِ وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ:(وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ) وَهِيَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (فِي الدُّيُونِ إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ) دَيْنَهُ (وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ) أَيْ يَزِيدَ (لَهُ فِيهِ) مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ أَنْوَاعِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ رِبَا نَسَاءٍ وَهُوَ هَذَا، وَرِبَا مُزَابَنَةٍ وَهُوَ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَرِبَا فَضْلٍ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ
ــ
[حاشية العدوي]
بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَيُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ دُونَ عِيَالِهِ
[قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ بَيْعَ رِبًا] أَرَادَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَهُوَ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ حَلَالًا لِأَجَلٍ [قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ] بِأَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ حَرَامًا كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ.
تَنْبِيهٌ:
فَإِنْ قَبَضَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ رَدَّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ فَهُوَ لَهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بَلْ يَسْقُطُ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: لِلْعَهْدِ] أَيْ الْمَعْهُودِ خَارِجًا عِلْمًا لَا ذِكْرًا صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً عَلَى طَرِيقَةِ فَنِّ الْمَعَانِي أَوْ الْمَعْهُودِ ذِهْنًا عَلَى طَرِيقَةِ النَّحْوِيِّينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ. الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ بَيْعٍ التَّفَاضُلُ فِيهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الرِّبَا فِي اللِّسَانِ الزِّيَادَةُ فَعَلَى هَذَا الْأَلِفُ، وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ] أَيْ الْأَزْمِنَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ نِسْبَةً إلَى الْجَهْلِ بِقِسْمَيْهِ مُرَكَّبًا وَبَسِيطًا. [قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ بِتَقْدِيرِ دَيْنِهِ مَفْعُولًا لِيَقْضِيَهُ يُعْلَمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَقْضِيَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَيَحْتَمِلُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَلَامِهِ أَنْ يَعُودَ عَلَى الدَّيْنِ، وَضَمِيرُ لَهُ يَعُودُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَضَمِيرُ يُرْبِي عَائِدٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الدَّيْنِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَنَقُولُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِهِ لَيْسَ مِنْ الرِّبَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي الدُّيُونِ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ دَيْنَهُ يَزِيدُ لَهُ فِيهِ أَيْ أَنَّ رِبَاهُمْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ.
وَهَلْ قَوْلُهُ فِي الدُّيُونِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ بَقِيَّةَ أَنْوَاعِ الرِّبَا فَيَكُونُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهَا؟ [قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ أَيْ يَزِيدَ لَهُ فِيهِ] أَيْ وَيُؤَخِّرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ، وَإِنْ وَقَعَ وَأَخَّرَ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ، وَفِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْحُرْمَةِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ عِنْدَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ عَلَى رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَمِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ مُخَالِفٍ لِجِنْسِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ حِينَ التَّأْخِيرِ قَدْرَ الدَّيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت، وَلَعَلَّهُ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضٍ تَبِعَهُ الشَّيْخَانِ وَظَاهِرُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ حِينَ كَتْبِي هَذَا مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَنَّهُ نَوْعَانِ فَقَطْ وَانْظُرْهُ. [قَوْلُهُ: رِبَا نَسَاءٍ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ بَلْ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: مُزَابَنَةً] مَأْخُوذٌ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ بَيْعُ مَعْلُومٍ] اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ بَيْعَ إرْدَبِّ سِمْسِمٍ بِقِنْطَارٍ مِنْ زَيْتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُزَابَنَةِ.
تَنْبِيهٌ:
يَجُوزُ إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ شَمِلَ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبًا أَصْلًا، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَاكِهَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ لَكِنْ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلهُ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي الْجَوَازِ.
بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ) بِالْمَدِّ، وَالْهَمْزِ كَخَطِيئَةٍ (بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ) مِنْهُ (الذَّهَبُ) أَيْ بَيْعُ الذَّهَبِ (بِالذَّهَبِ) يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا، وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» الْحَدِيثَ. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا: الْمُبَادَلَةُ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ مَسْكُوكَةً عَدًّا بِأَوْزَانٍ مِنْهَا سُدُسًا سُدُسًا فَأَقَلَّ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ مُتَفَاضِلًا زِيَادَةَ إيضَاحٍ فَقَالَ:(وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُ (فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ) .
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِهِ] احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ.
وَلَوْ بِنَاقِلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَبَيْعِ إنَاءِ نُحَاسٍ بِنُحَاسٍ كَانَا جُزَافَيْنِ أَوْ كَانَ الْجُزَافُ أَحَدَهُمَا. [قَوْلُهُ: بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ] سَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَوْ مَصُوغَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ [قَوْلُهُ: يَدًا بِيَدٍ] أَيْ ذَا يَدٍ كَائِنَةٍ مَعَ يَدٍ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ، وَكِلَاهُمَا أَعْنِي يَدًا بِيَدٍ وَمُتَفَاضِلًا حَالٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ حَالٌ مِنْهُمَا، وَالثَّانِي حَالٌ مِنْ الْأَحَدِ الْمُقَدَّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا فِي حَالَةِ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ، وَحَالَةُ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ذَا فَضْلٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مُتَفَاضِلَيْنِ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ] أَيْ إلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلَيْنِ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ، أَيْ مَعَ الْحُلُولِ، وَالتَّقَابُضِ بِالْمَجْلِسِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَشِفُّوا] بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَا تُفَضِّلُوا، وَالشِّفُّ بِكَسْرِ الشِّينِ الزِّيَادَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى النُّقْصَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ، أَيْ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ، أَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» .
وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» . [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا الْمُسَافِرُ يَكُونُ مَعَهُ الْعَيْنُ غَيْرُ مَسْكُوكَةٍ. وَلَا تَرُوجُ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِلسَّكَّاكِ لِيَدْفَعَ لَهُ بَدَلَهَا مَسْكُوكًا وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ أُجْرَةِ السِّكَّةِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ زَائِدَةٌ، وَعَلَى كَوْنِهَا عَرْضًا تُفْرَضُ مَعَ الْعَيْنِ عَيْنًا، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُسَافِرِ مِنْ السَّفَرِ عِنْدَ تَأْخِيرِهِ لِضَرْبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ إعْطَاءِ دِرْهَمٍ وَأَخْذِ نِصْفِهِ وَيَأْخُذُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ طَعَامًا اُنْظُرْهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
[قَوْلُهُ: سُدُسًا إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي تَسْمَحُ بِهِ النُّفُوسُ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ دِرْهَمٍ] الْأَوْلَى فِي كُلِّ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ فَرَضَهُ فِي الدَّنَانِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الْمُبَادَلَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شُرُوطٍ، أَنْ تَقَعَ بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مُبَادَلَةً أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَنْ تَكُونَ مَسْكُوكَةً لَا مَسْكُورًا وَتِبْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ السِّكَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مَسْكُوكَةً وَأَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ بِهِ عَدًّا لَا وَزْنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: عَدًّا، وَأَنْ يَكُونَ دُونَ سَبْعَةٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُعْطِيَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ، فَلَوْ زَادَتْ عَلَى السِّتَّةِ وَلَمْ تَصِلْ لِلسَّبْعَةِ فَيَمْتَنِعُ وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: سِتَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ لَا وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَايَعَةِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَزْنٍ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا فِي الْوَزْنِ جَازَتْ الْمُبَادَلَةُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ. [قَوْلُهُ: وَالْفِضَّةُ] قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُمِّيَتْ الْفِضَّةُ فِضَّةً لِانْفِضَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفَضُّ وَتَنْكَسِرُ، وَسُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بِالْقُرْبِ أَوْ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ عَنْ صَاحِبِهِ الْفَقْرَ، وَالْبُؤْسَ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَكَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ.
[قَوْلُهُ: إلَّا يَدًا بِيَدٍ] أَيْ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرِّبَا فِي الطَّعَامِ (وَ) قَسَّمَ ذَلِكَ سِتَّةَ أَقْسَامٍ (الطَّعَامُ مِنْ الْحُبُوبِ) الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ (وَ) مِنْ (الْقَطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْفُولُ، وَالْحِمَّصُ، وَالْبَسِيلَةُ وَأَوْلَاهَا الْجُلْبَانُ، وَالْكِرْسِنَّةُ (وَ) مِنْ (شَبَهِهَا) أَيْ الْقَطْنِيَّةِ (مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ) وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ بِنْيَةُ الْآدَمِيَّةِ كَاللَّحْمِ، وَالسَّمْنِ (أَوْ إدَامٌ) وَهُوَ مَا يَتَّبِعُ الْقُوتَ مِنْ مُصْلِحَاتِهِ كَالْمِلْحِ، وَالْبَصَلِ (لَا يَجُوزُ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَالطَّعَامُ أَيْ الطَّعَامُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ (الْجِنْسُ) أَيْ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ (مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ) وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِالْمِكْيَالِ الشَّرْعِيِّ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْعَادِيِّ،
وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: مِمَّا يُدَّخَرُ إلَى آخِرِهِ أَنَّ عِلَّةَ رِبَا
ــ
[حاشية العدوي]
تَنْبِيهٌ:
بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُرَاطَلَةٌ وَمُبَادَلَةٌ وَصَرْفٌ، فَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَالْمُبَادَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا، وَالصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ، وَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الْجَمِيعِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ بِعَدَمِهَا، وَلَوْ قَرِيبًا أَوْ غَلَبَةً، وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَتَجِبُ فِي الْمُرَاطَلَةِ وَفِي الْمُبَادَلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي النُّقُودِ، فَقِيلَ: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْرُجُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّبَا وَيَدْخُلُهَا عَلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَمْنَعْ الرِّبَا فِيهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهَا النَّاسُ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيُّ، وَحُمِلَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْفُلُوسِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلتَّوَسُّطِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ كَمَا قَالَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ.
[قَوْلُهُ: الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ الْحُبُوبِ ذَوَاتِ السَّنَابِلِ وَهِيَ الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ وَذَوَاتِ الْأَغْلَافِ وَهِيَ الذُّرَةُ، وَالدَّخَنُ، وَالْأُرْزُ اهـ.
وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَطْنِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُبُوبِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَهَا فِي التَّحْقِيقِ ذَاتَ الْمَزَاوِدِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْقَافِ] أَيْ أَوْ ضَمِّهَا وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ، وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُجْمَعُ عَلَى قَطَانِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَالْبَسِيلَةُ] هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ بِالْبَسِيلَةِ. [قَوْلُهُ:، وَالْكِرْسِنَّةُ] بِكَسْرِ الْكَافِّ وَتَشْدِيدِ النُّونِ.
قَالَ تت: قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ وَفِي لَوْنِهَا حُمْرَةٌ. الْبَاجِيُّ: هِيَ الْبِسِلَّةُ. وَتَرَكَ الشَّارِحُ مِنْ الْقَطَانِيِّ ثَلَاثَةً التُّرْمُسَ، وَاللُّوبِيَا، وَالْعَدَسَ
فَالْقَطَانِيُّ ثَمَانِيَةٌ بِزِيَادَةِ الْكِرْسِنَّةِ عَلَى أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ، وَسُمِّيَتْ الْقُطْنِيَّةُ قُطْنِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَحَلِّ وَلَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ شَبَهِهَا أَيْ الْقُطْنِيَّةِ] جَعَلَ مَا ذَكَرَ مُشَبَّهًا لِلْقُطْنِيَّةِ دُونَ الْحُبُوبِ مَعَ أَنَّهُ يُشْبِهُ كُلًّا مِنْهُمَا أَيْ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَالِادِّخَارِ لَا فِي الصِّفَةِ أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلْقُوتِ الْمُشَبَّهِ فَقَوْلُهُ: كَاللَّحْمِ، وَالسَّمْنِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ، وَإِلَّا فَهُوَ شَامِلٌ لِلْحَبِّ، وَالْقَطَانِيِّ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالزَّيْتَ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ، وَالْبَصَلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَهُ مُصْلِحًا يُنَافِي كَوْنَهُ أُدْمًا. [قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ] أَيْ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. [قَوْلُهُ: بِالْمِكْيَالِ الشَّرْعِيِّ إنْ وُجِدَ] أَيْ وَاعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الرِّبَوِيِّ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا، فَلَا يُبَاعُ قَمْحٌ مِثْلًا بِمِثْلِهِ وَزْنًا وَلَا نَقْدٌ بِمِثْلِهِ كَيْلًا، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ الشَّرْعِيَّيْنِ مَا وَضَعَهُمَا السُّلْطَانُ كَذَا ذَكَرُوا أَيْ فَمَا اعْتَبَرَهُ السُّلْطَانُ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ عُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوا.
وَلَوْ خَالَفَ وَضْعُ السُّلْطَانِ وَضْعَ مَنْ قَبْلَهُ كَأَنْ يَكُونَ وَضَعَ مَنْ قَبْلَهُ الْكَيْلَ فِي الْقَمْحِ وَوَضَعَ هُوَ الْوَزْنَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ الشَّارِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِعْيَارٌ مُعَيَّنٌ فَبِالْعَادَةِ الْعَامَّةِ كَاللَّحْمِ، وَالْجُبْنِ فِي كُلِّ بَلَدٍ أَوْ الْخَاصَّةِ كَالْأُرْزِ الْمُخْتَلِفِ الْعَادَةِ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، فَلَا يَخْرُجُ فِي بَلَدٍ عَمَّا اعْتَادَتْهُ، وَلَوْ اُعْتِيدَ بِوَجْهَيْنِ اُعْتُبِرَ بِأَيِّهِمَا إنْ تَسَاوَيَا وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَوْزُونَيْنِ وَلَا مَكِيلَيْنِ كَالْبَيْضِ فَبِالتَّحَرِّي، وَإِنْ اقْتَضَى مُسَاوَاةَ بَيْضَةِ بِبَيْضَتَيْنِ فَإِنْ عَسِرَ الْوَزْنُ فِيمَا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ عَنْ الشَّارِعِ وَزْنًا لِكَوْنِهِ فِي سَفَرٍ أَوْ بَادِيَةٍ جَازَ التَّحَرِّي إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ تَحَرِّيهِ لِكَثْرَتِهِ جِدًّا، وَأَمَّا الْكَيْلُ، وَالْعَدَدُ فَلَا يَعْسُرَانِ إذْ يَجُوزُ الْكَيْلُ بِغَيْرِ الْمَعْهُودِ كَذَا فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِنَوْعٍ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَلَا يَكُونُ إشَارَةً لِعِلَّةٍ عَامَّةٍ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ
الْفَضْلِ فِي الطَّعَامِ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. ثَانِيهِمَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ) أَيْ بَيْعُهُ (بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ) ثَالِثُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِ) جَوَازِ (بَيْعِ الْفَوَاكِهِ وَ) بَيْعِ (الْبُقُولِ، وَمَا لَا يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ) ع: اُنْظُرْ قَوْلَهُ، وَمَا لَا يُدَّخَرُ هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَمْ لَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَمَا لَا يُدَّخَرُ تَفْسِيرًا يَعْنِي وَهُوَ مَا لَا يُدَّخَرُ.
وَذَكَرَ احْتِمَالًا آخَرَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الْفَوَاكِهُ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ أَصْلًا كَالتُّفَّاحِ، وَالْمِشْمِشِ يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ تُدَّخَرُ نَادِرًا فِي قُطْرٍ دُونَ قُطْرٍ كَالْكُمَّثْرَى يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَتْ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ) مَا قَالَهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِيهَا مُنَاجَزَةً، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ.
وَأَمَّا الْبُقُولُ إنْ كَانَتْ لَا تُدَّخَرُ أَصْلًا كَالْخَسِّ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدَّخَرُ غَالِبًا وَتُدَّخَرُ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَاللِّفْتِ بِالْخَلِّ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَتْ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالثُّومِ
ــ
[حاشية العدوي]
الرِّبَوِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعِلَّةَ لَمَّا اتَّحَدَتْ فِي الْوَاقِعِ صَحَّ الْأَخْذُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: إنَّ عِلَّةَ إلَخْ] أَيْ عَلَامَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤَثِّرَةَ إذْ الْمُؤَثِّرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
[قَوْلُهُ: رِبَا الْفَضْلِ] وَأَمَّا عِلَّةُ حُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ فَهِيَ مُطْلَقُ الطَّعْمِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ لَا لِلتَّدَاوِي، وَأَمَّا عِلَّةُ حُرْمَةِ رِبَا الْمُزَابَنَةِ فَهِيَ الْغَرَرُ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَانْظُرْهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَرُمَ.
وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ. [قَوْلُهُ: الِاقْتِيَاتُ] مَعْنَاهُ قِيَامُ بِنْيَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ، وَمَعْنَى الِادِّخَارِ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْأَمْرِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً، فَلَوْ اُدُّخِرَ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ كَالْبِطِّيخِ، وَالتُّفَّاحِ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَالِادِّخَارُ إمَّا بِالشَّخْصِ وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ بِالنَّوْعِ كَاللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا بِشَخْصِهِ إلَّا أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِالنَّوْعِ، فَبَقَاءُ النَّوْعِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ فَهُوَ، وَإِنْ لَمْ يُدَّخَرْ فَهُوَ مَوْجُودٌ نَوْعًا، وَيُجْلَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ، وَالِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، وَالْإِصْلَاحُ فِي الْمُصْلِحِ مِنْ فِلْفِلٍ وَمِلْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ:
إنَّمَا كَانَ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ عِلَّةً لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ لِخَزْنِ النَّاسِ لَهُ حِرْصًا عَلَى طَلَبِ وُفُورِ الرِّبْحِ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمُقَابِلُهُ أَقْوَالُ الِاقْتِيَاتِ، وَالِادِّخَارِ، وَغَلَبَةِ الْعَيْشِ، وَالِاقْتِيَاتِ فَقَطْ، وَالِادِّخَارُ لِلْأَكْلِ غَالِبًا فَقَطْ، فَالتِّينُ، وَالزَّيْتُ، وَالْبَيْضُ، وَالْجَرَادُ رِبَوِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ التَّادَلِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ أَنَّ حَدَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ. [قَوْلُهُ: كَانَ مِنْ جِنْسِهِ] كَقَمْحٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ] كَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يُدَّخَرُ كَالرُّمَّانِ، وَالْبِطِّيخِ لِدُخُولِ رِبَا النَّسَاءِ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ فَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْبَوَادِي مِنْ شِرَاءِ الْبَصَلِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَلَى الْبَابِ ثُمَّ يَدْخُلُونَ وَيَأْتُونَ بِالطَّعَامِ لَيْسَ بِجَائِزٍ ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ. [قَوْلُهُ: بِجَوَازِ بَيْعِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَا بَأْسَ بِمَعْنَى يَجُوزُ.
[قَوْلُهُ: وَذَكَرَ احْتِمَالًا آخَرَ] وَهُوَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِنَبَ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ عَلَى قَوْلٍ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَمْ لَا، وَهَلْ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ أَوْ بِحَالِهِ، فَمَنْ اعْتَبَرَهُ بِأَصْلِهِ أَجْرَى فِيهِ الرِّبَا، وَمَنْ اعْتَبَرَهُ بِحَالِهِ لَمْ يُجْرِ فِيهِ الرِّبَا اهـ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: بَيْعُ الْفَوَاكِهِ كَالْخَوْخِ، وَالْمِشْمِشِ. وَقَوْلُهُ: وَالْبُقُولُ كَالْخَسِّ، وَالْهُنْدُبَا مِنْ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَمَا لَا يُدَّخَرُ أَيْ وَكُلُّ مَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْخُضَرِ وَهِيَ كُلُّ مَا يَخْرُجُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ كَالْمُلُوخِيَّةِ، وَالْأَمْرُ وَاضِحٌ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ] مَبْنِيٌّ عَلَى
وَالْبَصَلِ امْتَنَعَ التَّفَاضُلُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: (وَسَائِرِ الْإِدَامِ، وَالطَّعَامِ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَالشَّرَابِ) مِثْلُ الْعَسَلِ، وَالْخَلِّ أَيْ: يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِيهِ (إلَّا الْمَاءِ وَحْدَهُ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ وَبَيْعُهُ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا.
خَامِسُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الشَّرَابِ (وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ، وَالثِّمَارِ بِالطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ) لِحَدِيثِ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» .
سَادِسُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ (إلَّا فِي الْخُضَرِ، وَالْفَوَاكِهِ) وَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُنَاجَزَةً أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ فَقَالَ: (وَالْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ) وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَأَنَّهُ حِنْطَةٌ (كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ) الْكَافُ زَائِدَةٌ، مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: هُمَا جِنْسَانِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَدَلِيلُ كُلٍّ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ. ابْنُ بَشِيرٍ: اتَّفَقَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ فَقَطْ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ الْعَسَلِ] الْعَسَلُ الْمُخْتَلِفُ الْأَصْلِ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي اسْتِعْمَالِهَا، وَأَمَّا الْخُلُولُ فَكُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْحُمُوضَةُ كَمَا أَنَّ الْأَنْبِذَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَغَى مِنْهَا الشُّرْبُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّبِيذِ مَا بَقِيَ عَلَى حَلَاوَتِهِ وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحُمُوضَةِ كَمَا فِي بَهْرَامَ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَاءَ وَحْدَهُ] اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَذْبُ هُوَ مَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ، وَلَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْقَيْسُونِيِّ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَثَانِيهِمَا الْأُجَاجُ وَهُوَ مَا لَا يُشْرَبُ لِمَرَارَتِهِ كَالْبَحْرِ الْمَالِحِ وَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ، فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ.
وَأَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ جَازَ، وَلَوْ إلَى أَجَلٍ، وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالْقِلَّةِ، وَالْكَثْرَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، وَيَمْتَنِعُ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ إنْ كَانَ هُوَ الْمُعَجَّلَ فَفِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ هُوَ الْكَثِيرَ فَفِيهِ تُهْمَةُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا] أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: مَسْأَلَةِ التَّفَاضُلِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَذْبِ كَمَا أَفَادَهُ صَرِيحُ بَعْضِهِمْ، فَالْمُقَابَلُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَهُ رِبَوِيًّا خَرَّجَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنَعَ بَيْعَهُ بِالطَّعَامِ لِأَجَلٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ التَّخْرِيجَ بِأَنَّ رِبَا النَّسَاءِ أَعَمُّ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ رِبَا الْفَضْلِ.
[قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ] أَيْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» .
[قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْخُضَرِ، وَالْفَوَاكِهِ] شَمَلَ كَلَامُهُ مَا يُدَّخَرُ مِنْهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ لَكِنْ قَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِيهَا، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْخُضَرِ، وَالْفَوَاكِهِ وَبَيْنَ مَنْعِهِ فِي الطَّعَامِ أَنَّ الطَّعَامَ فِيهِ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ، وَإِنْ اُدُّخِرَ بَعْضُهُ لَا يُقْتَاتُ غَالِبًا. [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ] عَلَّلَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَحُكْمُ الْمُسْتَثْنَى عُلِمَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَعَ الْفَوَاكِهِ الْخُضَرَ وَذَكَرَ مَعَهَا هُنَاكَ الْبُقُولَ اهـ.
[قَوْلُهُ: ضَرْبٌ] أَيْ نَوْعٌ [قَوْلُهُ: كَجِنْسٍ وَاحِدٍ] أَيْ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا يَحِلُّ أَيْ مِنْ التَّمَاثُلِ، وَالتَّنَاجُزِ. وَقَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ أَيْ مِنْ عَدَمِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْكَافُ زَائِدَةٌ] أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اتِّحَادُ جِنْسِيَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ فَلَمْ يَلْزَمْ اتِّحَادٌ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ كُلٍّ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ. قَالَ السُّيُورِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ: إنَّهُمَا جِنْسَانِ أَيْ الْقَمْحَ، وَالشَّعِيرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ
الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّ طَحْنَ هَذِهِ الْحُبُوبِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ أُصُولِهَا.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ (وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ) أَعْلَاهُ وَرَدِيئُهُ أَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ (وَ) كَذَلِكَ (التَّمْرُ) يَابِسُهُ (كُلُّهُ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا (صِنْفٌ) وَاحِدٌ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا، وَيَحْرُمُ مُتَفَاضِلًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام (وَالْقَطْنِيَّةُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا (أَصْنَافٌ فِي) بَابِ (الْبُيُوعِ وَ) هَذَا لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ (اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ) الْإِمَامِ (مَالِكٍ) رحمه الله، فَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا أَصْنَافٌ وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا صِنْفٌ (وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي) الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ (الزَّكَاةِ أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ)
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا اتَّحَدَ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَاخْتَلَفَ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْقَطَانِيِّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا اتَّحَدَ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
فَقَدْ أَرْبَى» .
وَقَالَ ك: وَتَمَسَّكَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ فَاشِيًّا بِأَنَّهَا جِنْسٌ.
وَتَكَلَّمَ مَالِكٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَيْهِمْ نَزَلَتْ أَوَّلًا، وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِيهَا فَيُلْتَفَتُ إلَى عَوَائِدِهِمْ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَمْحَ، وَالشَّعِيرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ السُّلْتَ يَلْحَقُ بِهِمَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ اهـ كَلَامُ التَّحْقِيقِ، وَالشَّيْخُ زَرُّوقٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ قَالَ: وَفِي إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي السُّلْتِ مِثْلُهُمَا نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ] الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ. [قَوْلُهُ: بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا] أَيْ وَأَمَّا مُتَمَاثِلًا فَيَجُوزُ، وَهَلْ الْجَوَازُ إنْ وَزْنًا هُوَ حَمْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ أَوْ الْجَوَازُ مُطْلَقًا أَيْ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا وَهُوَ حَمْلُ غَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ] فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ لَكِنْ يُتَحَرَّى مَا فِي الْعَجِينِ مِنْ الدَّقِيقِ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ رِبَوِيٍّ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ.
[قَوْلُهُ: وَالزَّبِيبُ]، وَكَذَا الْعِنَبُ كُلُّهُ جِنْسٌ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِمَّا ذَكَرَ التَّمَاثُلُ وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. [قَوْلُهُ: أَعْلَاهُ] أَيْ جَيِّدُهُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ التَّمْرُ يَابِسُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّمْرَ لَا يَكُونُ إلَّا يَابِسًا فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ يَابِسُهُ بِالضَّمِيرِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ الْيَابِسُ فَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ، وَيُجَابُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّمْرَ صِنْفٌ، وَالرُّطَبَ صِنْفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ إمَّا بَلَحٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ أَوْ بُسْرٌ أَوْ رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ، فَالْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ لَا سِتَّةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسَةِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً الْمُكَرَّرُ مِنْهَا عَشْرَةٌ وَبَاقِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ بَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِمِثْلِهِ وَبِالْأَرْبَعِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ بِمِثْلِهِ وَبِالثَّلَاثِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الْبُسْرِ بِمِثْلِهِ وَبِالِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ وَبِالتَّمْرِ، وَبَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْجَائِزُ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيْعُ كُلٍّ بِمِثْلِهِ وَبَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَهُ.
وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّامِخِ، وَأَمَّا مَا بَلَغَ حَدَّ الرَّامِخِ فَهُوَ رِبَوِيٌّ بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّامِخِ فَلَيْسَ بِطَعَامٍ أَصْلًا، وَأَمَّا الطَّلْعُ، وَالْإِغْرِيضُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ بِشَرْطِ التَّمَاثُلِ، وَالتَّنَاجُزِ إلَّا الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ فَلَا يُبَاعُ الْقَمْحُ الْيَابِسُ بِالْبَلِيلَةِ وَلَا الْفُولُ الْيَابِسُ بِالنَّابِتِ وَلَا النَّبِيذُ بِالتَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبُ مُتَمَاثِلًا وَأَوْلَى مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ الْخَلِّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِهَا، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا لِبُعْدِ الْخَلِّ عَنْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ.
وَأَمَّا الْخَلُّ، وَالنَّبِيذُ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَالتَّنَاجُزِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ لِقُرْبِ الْخَلِّ مِنْ النَّبِيذِ. [قَوْلُهُ: قَدِيمًا وَجَدِيدًا إلَخْ] فَيَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُبَاعُ جَدِيدٌ بِقَدِيمٍ؛ لِأَنَّهُ جَافٌّ بِرَطْبٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا صِنْفٌ إلَخْ] رِفْقًا بِالْفُقَرَاءِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَيْ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهَا أَصْنَافٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ يُقَدَّمُ مَا فِيهَا عَلَى الْمَوَّازِيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ عَلَى مَا فِي تت أَنَّهُ قِيلَ إنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الْبَابَيْنِ، وَقُلْ: أَصْنَافٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَصْنَافٌ فِي الْبُيُوعِ أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْأُرْزُ، وَالدَّخَنُ، وَالذُّرَةُ أَجْنَاسٌ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ فِي الْبُيُوعِ، وَالزَّكَاةِ، وَمَحَلُّ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمُقْتَاتُ مُقَيَّدٌ
أَجْنَاسِ الْقُوتِ فَقَالَ: (وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ) الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْمَعْزِ (وَ) مِنْ (الْوَحْشِ) كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ كُلِّهِ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا وَيَحْرُمُ مُتَفَاضِلًا، (وَ) كَذَلِكَ (لُحُومُ الطَّيْرِ كُلِّهِ) إنْسِيُّهُ وَوَحْشِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ طَيْرَ مَاءٍ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ (وَ) كَذَلِكَ (لُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ كُلِّهِ صِنْفٌ) وَاحِدٌ (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ) فَلَا يُبَاعُ شَحْمُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ بِلَحْمِهَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا شَحْمُ الْحُوتِ بِالْحُوتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ (وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ) مِنْ الْأَنْعَامِ (وَجُبْنُهُ وَسَمْنُهُ صِنْفٌ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ. ك: وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَلَا أَصْحَابُهُ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ عِنْدِي مِنْ مُشْكِلَاتِ الرِّسَالَةِ.
وَقَالَ ق: قَالَ الْجُزُولِيُّ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ صِنْفٌ، وَجُبْنُهُ صِنْفٌ، وَسَمْنُهُ صِنْفٌ فَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ صِنْفٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ.
ــ
[حاشية العدوي]
بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ أَصْلِهِ وَإِلَّا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ قَوِيٍّ بِحَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ كَقَلْيِ الْقَمْحِ أَوْ طَبْخِهِ أَوْ جَعْلِهِ خُبْزًا لَا بِطَحْنِهِ، وَلَوْ عُجِنَ وَلَا بِصَلْقِهِ إلَّا التُّرْمُسُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ جِنْسًا آخَرَ بِصَلْقِهِ وَوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ حَتَّى صَارَ حُلْوًا.
وَأَمَّا صَلْقُ الْقَمْحِ أَوْ الْفُولِ أَوْ الْحِمَّصِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ فَلِذَا لَا يُبَاعُ الْيَابِسُ بِالْمَصْلُوقِ مِنْهَا.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْحُبُوبِ إلَخْ] لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْحُبُوبِ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ مَا اتَّحَدَ. وَقَوْلُهُ: وَالْقَطَانِيُّ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَاخْتُلِفَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ مِمَّا اتَّحَدَ جِنْسُهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَجْنَاسِ الْقُوتِ] أَيْ الْمُقْتَاتِ وَأَرَادَ الْجِنْسَ اللُّغَوِيَّ الشَّامِلَ لِلنَّوْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مِنْ أَجْنَاسِ الْقُوتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ] ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ طَبْخِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ طَبْخِهَا بِأَبْزَارٍ أَمْ لَا.
وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الطَّبْخَ بِالْأَبْزَارِ نَاقِلٌ فَالْمُرَادُ نَاقِلٌ لَهُ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، وَمُرَادُهُ: ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَيْ الْمُبَاحَةِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ مَعَ الْمَكْرُوهِ مِثْلُ السَّبُعِ، وَالضَّبُعِ، وَالْمُهْرِ فَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَبْقَاهَا بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْأَنْعَامِ بِالْخَيْلِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ نَقْدًا وَمُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا. [قَوْلُهُ: وَلُحُومُ الطَّيْرِ إلَخْ] أَيْ الْمُبَاحِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ مَعَ الْمَكْرُوهِ مِثْلُ الْوَطْوَاطِ فَيُكْرَهُ التَّفَاضُلُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ عِنْدَنَا كُلَّهُ مُبَاحٌ مَا عَدَا الْوَطْوَاطَ فَفِي.
عَجٍّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ الطَّيْرِ مَا جَرَى فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ طَيْرَ مَاءٍ] أَيْ طَيْرًا بَرِّيًّا يُلَازِمُ الْمَاءَ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ] أَيْ مِنْ سَمَكٍ وَتِمْسَاحٍ وَآدَمِيِّ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَخِنْزِيرِهِ الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ الصِّيرُ بِتَمْلِيحِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَفِي عج أَنَّ الْبَطَارِخَ فِي حُكْمِ الْمُودَعِ فِي السَّمَكِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَيُبَاعُ بِالسَّمَكِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا كَمَا يُبَاعُ الطَّيْرُ وَلَحْمُهُ بِبِيضِهِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا. [قَوْلُهُ: مِنْ شَحْمٍ] أَيْ أَوْ كَبِدٍ أَوْ قَلْبٍ أَوْ طِحَالٍ أَوْ رَأْسٍ بَلْ الْعَظْمُ، وَالْجِلْدُ، وَالْمَرَقُ كَذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَظْمُ مُتَّصِلًا فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ فِي حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ.
وَأَمَّا لَوْ انْفَصَلَ عَنْ اللَّحْمِ فَلَا يَكُونُ كَهُوَ إذَا كَانَ يُمْكِنُ أَكْلُهُ كَالْقَرْقُوشَةِ لَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ فَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا كَنَوَى الْبَلَحِ، وَمَحَلِّ كَوْنِ اللَّحْمِ جِنْسًا مَا لَمْ يُنْقَلْ اللَّحْمُ عَنْ أَصْلِهِ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاضُلُ.
وَالنَّقْلُ يَكُونُ بِالطَّبْخِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْأَبْزَارِ، وَلَوْ كَأُرْزٍ أَوْ بَصَلٍ زِيَادَةً عَلَى الْمِلْحِ، وَمِثْلُ طَبْخِهِ بِالْأَبْزَارِ شَيُّهُ أَوْ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاءِ بِأَبْزَارٍ، وَأَمَّا بِغَيْرِ أَبْزَارٍ فَلَا يُنْقَلُ اللَّحْمُ النِّيءُ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ، وَلَوْ طُبِخَ لَحْمٌ مِنْ جِنْسَيْنِ فِي قِدْرٍ أَوْ قُدُورٍ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَأَمَّا بِأَبْزَارٍ فَقِيلَ بَاقِيَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَقِيلَ: صَارَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْأَنْعَامِ] لَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ بَلْ جَمِيعُ الْأَلْبَانِ حَتَّى مِنْ الْآدَمِيِّ صِنْفٌ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ جَوَازُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ بَيْعِ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ مُتَمَاثِلًا، وَكَذَا بِالْجُبْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قَالَ الْجُزُولِيُّ] أَيْ جَوَابًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ لَكِنْ يَرِدُ إشْكَالٌ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ إيهَامُ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِالسَّمْنِ أَوْ الْجُبْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ
ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ نَوْعًا مِنْ أُصُولِ الرِّبَا فَقَالَ: (وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا) رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِالطَّعَامِ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا (إذَا كَانَ شِرَاؤُهُ) أَيْ شِرَاءُ الْمُبْتَاعِ (ذَلِكَ) الطَّعَامِ (عَلَى وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ) ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ هَذَا الْقَيْدِ زِيَادَةَ إيضَاحٍ فَقَالَ:(بِخِلَافِ الْجُزَافِ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَلْبَانِ صِنْفٌ، وَجَمِيعَ الْأَسْمَانِ صِنْفٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مَعَ غَيْرِهَا أَصْنَافٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ جَمِيعِ الْأَلْبَانِ صِنْفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْأَلْبَانِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَلْبَانَ مَعَ الزُّبْدِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا مَعَ الْجُبْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّبَنَ مَعَ فُرُوعِهِ سَبْعَةٌ: حَلِيبٌ وَمَخِيضٌ وَمَضْرُوبٌ وَجُبْنٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَأَقِطٌ، وَالصُّوَرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ بَيْعِ الْأَنْوَاعِ بِبَعْضِهَا أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ فَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِنَوْعِهِ مُتَمَاثِلًا جَائِزٌ يَدًا بِيَدٍ فَهَذِهِ سَبْعٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ، وَالزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَالْجُبْنِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا وَهَذِهِ ثَمَانِ صُوَرٍ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ جَائِزَةً، وَبَقِيَ ثَلَاثُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ وَبَيْعُ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ، وَالْبَاقِيَةُ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَالْجُبْنِ وَبِالْأَقِطِ وَبَيْعُ الزُّبْدِ بِمَا بَعْدَهُ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِمَا بَعْدَهُ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمَخِيضُ، وَالْمَضْرُوبُ كِلَاهُمَا لَبَنٌ اُسْتُخْرِجَ زُبْدُهُ، فَالْمَخِيضُ الَّذِي يُمْخَضُ فِي الْقِرْبَةِ، وَالْمَضْرُوبُ هُوَ الَّذِي يُعْمَلُ آنِيَةً بِصِنَاعَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الزُّبْدِ اهـ.
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي التَّحْقِيقِ عَنْ الْجُزُولِيِّ فِي تَتْمِيمِ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ بَيْعِ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ مُتَمَاثِلًا مَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ أَيْبَسَ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ، وَكَذَا فِي الْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ اهـ. بِالْمَعْنَى وَفِي عَجَّ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ بِالْجُبْنِ، وَلَوْ كَانَ الْجُبْنُ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ؛ لِأَنَّ التَّجْبِينَ نَاقِلٌ. وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الْجُبْنُ مِنْ حَلِيبٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ فَيَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ.
وَقَالَ عج: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ جَوَازُ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ مُتَمَاثِلًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْحَلِيبِ، وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَاعَاةٌ لِاتِّحَادِ مَنْفَعَةِ الْجُبْنِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْحَلِيبِ، وَالْمَأْخُوذَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي أَقِطٍ مِنْ حَلِيبٍ بِأَقِطٍ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ وَجْهَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ أَنَّ تَجْفِيفَ الْأَقِطِ نَاقِلٌ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ لِذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الْحَلِيبِ بِالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجُبْنُ مِنْ الْحَلِيبِ وَمِنْ غَيْرِهِ صِنْفًا وَاحِدًا نَزَلَ الْجُبْنُ مِنْ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ الْجُبْنِ مِنْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَقِطِ وَفِي مَنْعِ بَيْعِ الزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ بِالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ نَظَرٌ لِتَبَاعُدِ مَنْفَعَةِ الزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ وَجْهَ إلَخْ يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَخِيضِ أَوْ الْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ لَا بُدَّ مِنْ التَّمَاثُلِ، وَفِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ الْجَائِزَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُمَاثَلَةِ فِي بَيْعِ كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ السَّبْعَةِ بِمِثْلِهَا، وَكَذَا إذَا بِيعَ الْمَخِيضُ أَوْ الْمَضْرُوبُ بِحَلِيبٍ فَإِنْ بِيعَا بِزُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ جُبْنٍ أَيْ مِنْ حَلِيبٍ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمُمَاثَلَةُ اهـ.
[قَوْلُهُ: مِنْ أُصُولِ الرِّبَا] أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا فَأَنْوَاعُهُ بِانْضِمَامِ هَذَا إلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلَعَلَّهُ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِهِمْ تَبِعَهُ وَإِلَّا فَالْمَفْهُومُ مِنْ خَلِيلٍ اثْنَانِ فَقَطْ رِبَا الْفَضْلِ، وَالنَّسَاءِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا] أَيْ طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَالِيَّةً كَالشِّرَاءِ مَثَلًا، أَوْ غَيْرَ مَالِيَّةٍ كَأَخْذِ الرَّجُلِ طَعَامًا مِنْ زَوْجَتِهِ فِي مُقَابَلَةِ خُلْعٍ أَوْ إفْتَاءٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَسَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَلَا أُحِبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى خِطَابِهِمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْعَ وَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ الشُّوَنِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إذْ أَصْلُهُ صَدَقَةٌ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَخْ] قِيلَ:
عَدَدٍ، فَإِنَّ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. ك؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ.
وَقَالَ ق: النَّظَرُ إلَى الْجُزَافِ قَبْضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا جَعَلْنَا قَبْضًا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. (وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ) رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ (أَوْ) كُلُّ (إدَامٍ) كَالشَّحْمِ، وَاللَّحْمِ (أَوْ) كُلُّ الْأَبْزَارِ كَالْمِلْحِ أَوْ (كُلُّ شَرَابٍ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ (إلَّا الْمَاءُ وَحْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَكَرَّرَ الطَّعَامَ لِيُنَبِّهَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ لَا يُمْنَعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ رِبَوِيًّا (وَمَا يَكُونُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ) كَالْعَسَلِ يُرَكَّبُ (وَ) مَا يَكُونُ مِنْ (الزَّرَارِيعُ الَّتِي لَا يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ) وَتُؤْكَلُ عَلَى حَالِهَا كَالسَّلْقِ، وَالْجَزَرِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الزَّرَارِيعِ الَّتِي يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ لِغَيْرِ الْأَكْلِ كَالْكَتَّانِ (فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِيمَا) أَيْ الَّذِي (يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ) فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ (التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالتَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهَا
(وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) فَيَجُوزُ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ وَغَيْرِهِ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَلَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية العدوي]
تَعَبُّدٌ وَقِيلَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ سُهُولَةُ الْوُصُولِ إلَى الطَّعَامِ لِيَتَوَصَّلَ إلَيْهِ الْقَوِيُّ، وَالضَّعِيفُ، وَلَوْ جَازَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَرُبَّمَا أَخْفَى بِإِمْكَانِ شِرَائِهِ مِنْ مَالِكِهِ وَبَيْعِهِ خُفْيَةً فَلَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ الْفَقِيرُ وَلِأَجْلِ نَفْعِ الْكَيَّالِ، وَالْجَمَّالِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَعَنْ مَالِكٍ مَنْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ] أَيْ وَأَمَّا مَا أُخِذَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَالشَّارِحُ لَمْ يُتِمَّ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ وَتَتْمِيمُهُ بِخِلَافِ الْجُزَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَسَاوَى تَعْلِيلَ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. [قَوْلُهُ: النَّظَرُ إلَى الْجُزَافِ قَبْضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: لَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَيْهِ قَبْضًا، وَالطَّعَامُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَالْجُزَافُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
[قَوْلُهُ: دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ] الْمُنَاسِبُ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَوْلُهُ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ أَيْ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي كُلٍّ [قَوْلُهُ: إدَامٌ] الْإِدَامُ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا وَجَمْعُهُ أُدْمٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُفْرَدِ، وَيُجْمَعُ عَلَى آدَامٍ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ] فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ مِنْ الْأَبْزَارِ، وَالْأَبْزَارُ جَمْعُهَا أَبَازِيرُ وَاحِدُهَا بِزْرٌ بِكَسْرٍ فِي الْأَصَحِّ وَيُفْتَحُ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ] الْأَوْلَى لَيْسَ بِطَعَامٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَنَّهُ طَعَامٌ فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الشَّرَفِ، وَالِاحْتِرَامِ وَفِي أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْغِذَاءُ كَالطَّعَامِ الْحَقِيقِيِّ. [قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ الطَّعَامَ إلَخْ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ كَرَّرَ الطَّعَامَ إلَّا أَنَّ الْأَنْسَبَ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ الْمُقْتَضِي لِتَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ.
[قَوْلُهُ: لِيُنَبِّهَ] أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِأَدَاةِ الْعُمُومِ،، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: كَالْعَسَلِ يُرَكَّبُ] أَيْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَقَاقِيرِ فَيُجْعَلُ دَوَاءً، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَعْنِي أَدْوِيَةَ الْحُكَمَاءِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الزَّرَارِيعِ] صَوَابُهُ " الزَّرَائِعِ "؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ زَرِيعَةٌ خَفِيفَةُ الرَّاءِ، وَالتَّشْدِيدُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: كَالسِّلْقِ] أَيْ وَكَزَرِيعَةِ السِّلْقِ، وَالسِّلْقُ بِكَسْرِ السِّينِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ وَكَحَبِّ الْفُجْلِ الْأَبْيَضِ وَحَبِّ الْبَصَلِ، وَيُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ تِلْكَ الزَّرَائِعِ تُؤْكَلُ أَيْ شَأْنُهَا الْأَكْلُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا تُرَادُ لِلزَّارِعَةِ فَتَدَبَّرْ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الَّتِي لَا يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ أَيْ شَأْنُهَا أَنَّهَا لَا تُعْتَصَرُ احْتِرَازًا عَنْ حَبِّ السِّمْسِمِ، وَالْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ، وَالزَّيْتُونِ فَهَذِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَكَذَا مُصْلِحُ الطَّعَامِ كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَثُومٍ وَتَابِلٍ كَفِلْفِلٍ وَكُزْبَرَةٍ وَأَنِيسُونَ وَشَمَارِ وَكَمُّونَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ. [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْأَكْلِ كَالْكَتَّانِ] أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ] أَيْ وَصْفُ ذَلِكَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ الْبَيْعِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْطُوفِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ] أَيْ يَجُوزُ لِمَنْ اقْتَرَضَ طَعَامًا مِنْ شَخْصٍ لَمْ يَشْتَرِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ مُقْرِضِهِ، وَلَوْ