المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تكرر الكفارة وعدم تكررها بتكرر اليمين - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ٢

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابٌ فِي الْجِهَادِ]

- ‌[الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ]

- ‌بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُور]

- ‌[الْأَيْمَانِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌الْكَفَّارَةُ) فِي الْيَمِينِ

- ‌[النُّذُور وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌ تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاح]

- ‌ الصَّدَاقُ

- ‌[الْوِلَايَة فِي النِّكَاح]

- ‌ مَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ

- ‌ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ

- ‌ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ

- ‌[حُكْمَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ]

- ‌ مُوجِبَ النَّفَقَةِ

- ‌نِكَاحُ التَّفْوِيضِ

- ‌[اخْتِلَاف دِين الزَّوْجَيْنِ]

- ‌ مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا

- ‌ شُرُوطِ الْوَلِيِّ

- ‌[الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[أَقْسَام الطَّلَاقَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌ الرَّجْعَةِ

- ‌ الْخُلْعِ

- ‌[أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]

- ‌[بَابٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌ صِفَةُ اللِّعَانِ

- ‌[أَحْكَامٍ اللِّعَان]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَنَفَقَةِ الْمُطَلَّقَة]

- ‌[حُكْم الْإِحْدَادُ]

- ‌[أَحْكَام الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[نَفَقَة الْمُطَلَّقَة]

- ‌[أَحْكَام الرَّضَاعَة]

- ‌[أَحْكَام الْحَضَانَةُ]

- ‌[بَاب النَّفَقَة]

- ‌ بَابٌ فِي الْبُيُوعِ

- ‌[الربا وَأَنْوَاعه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[مَسَائِلَ مَمْنُوعَةٍ فِي الْبَيْع]

- ‌[خِيَار النَّقِيصَة]

- ‌ خِيَارِ التَّرَوِّي

- ‌ حُكْمِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ

- ‌[تَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ بِزِيَادَةٍ]

- ‌ الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ الْأَجَلِ

- ‌ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

- ‌[بَيْع الثمر قَبْل بدو صلاحه]

- ‌[مَسَائِل مُتَنَوِّعَة فِي الْبَيْع]

- ‌[السَّلَم وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ

- ‌ بَيْعِ الْجُزَافِ

- ‌[سَوْم الْإِنْسَان عَلَيَّ سَوْم أخيه]

- ‌[مَا يَنْعَقِد بِهِ الْبَيْع]

- ‌[الْإِجَارَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[الْجَعَالَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[الْكِرَاء وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[الشَّرِكَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام]

- ‌[أَرْكَان الشَّرِكَة]

- ‌[أَقْسَام الشَّرِكَة]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[الْمُزَارَعَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌الْجَوَائِحِ

- ‌الْعَرَايَا

- ‌ بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[التَّدْبِير وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[الْكِتَابَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَام الْعِتْق وَالْوَلَاء]

- ‌بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ

- ‌[بَاب الْهِبَة وَالصَّدَقَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[مَطْلَبُ فِي الرَّهْنِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَارِيَّةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَدِيعَة]

- ‌[أَحْكَام اللُّقَطَة]

- ‌[الْغَصْب وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ الْمُثْبِتِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْحُدُود] [

- ‌[أَحْكَام الْقَسَامَة]

- ‌قَتْلُ الْغِيلَةِ)

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[الدِّيَة فِي النَّفْس]

- ‌ دِيَةَ الْأَعْضَاءِ

- ‌[دِيَة الْجِرَاحَات]

- ‌[عَلَيَّ مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[مِنْ يَقْتُلُونَ وجوبا]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[حَدّ الزِّنَا]

- ‌حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[حَدّ الشُّرْب]

- ‌[كَيْفِيَّة إقَامَة الْحَدّ]

- ‌[حَدّ السَّرِقَة]

- ‌[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

- ‌[الأقضية وَأَحْكَامهَا]

- ‌[أَحْكَام الشَّهَادَات]

- ‌[مَسَائِل فِي الْوَكَالَة]

- ‌[أَحْكَام الصُّلْح]

- ‌ مَسَائِلَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الضَّمَانِ

- ‌[أَحْكَام الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[أَحْكَام الْوَصِيَّةِ]

- ‌[أَحْكَام الْحِيَازَةِ]

- ‌[بَاب الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالسَّبَبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ]

- ‌ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ

- ‌[مِنْ يحجب الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات الْأَشِقَّاء]

- ‌ حُكْمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ

- ‌ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ

- ‌ مِيرَاثِ الْجَدَّاتِ

- ‌[مِيرَاث الْجَدّ]

- ‌[مَسْأَلَة المعادة]

- ‌[مَا يَرِثُهُ مَوْلَى النِّعْمَةِ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ]

- ‌ الْعَوْلِ

- ‌ الْمَسْأَلَةِ الْغَرَّاءِ

- ‌[بَابُ فِي بَيَانِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَجُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ السَّلَامِ]

- ‌ بَابٌ فِي التَّعَالُجِ]

- ‌ بَابٌ فِي الرُّؤْيَا]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌ تكرر الكفارة وعدم تكررها بتكرر اليمين

يُسَمِّ هَلْ هُوَ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرَةٍ أَوْ شِبْهِهِ) كَالنَّبِيذِ (أَوْ) نَذَرَ (مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ) كَالْمُبَاحَةِ وَالْمَكْرُوهِ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ لِيَمِينِهِ) فِي الْفَرْعَيْنِ، وَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَوْلُهُ (وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ) رَاجِعٌ لِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ فَقَطْ أَوْ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ قَوْلَانِ.

(وَإِنْ حَلَفَ) إنْسَانٌ (بِ) اسْمِ (اللَّهِ) أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ النَّفْسِيَّةِ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ (لَيَفْعَلَنَّ مَعْصِيَةً) مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ سَبِّ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ (فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) الَّذِي حَلَفَهُ (وَلَا يَفْعَلْ ذَلِكَ) الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَجَرَّأَ) أَيْ اقْتَحَمَ (فَفَعَلَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَمْ يُبَالِ بِعُقُوبَةِ عَاقِبَتِهِ (فَهُوَ آثِمٌ) لِفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى‌

‌ تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ

بِالصِّفَاتِ فَقَطْ أَوْ بِهَا وَبِالْأَسْمَاءِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ) ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ وَالْمِيثَاقَ يَمِينٌ فَإِذَا جَمَعَهُمَا فَقَدْ حَلَفَ يَمِينَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَعَدَّدُ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ وَصَحَّحُوا تَأْوِيلَهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَأَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَكَّدَ الْيَمِينَ فَكَرَّرَهَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ) مِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ.

وَإِذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَمْ تَتَعَدَّدْ

ــ

[حاشية العدوي]

النَّذْرَ أَيْ يَتَحَقَّقُ بِهِ مِنْ تَحَقُّقِ الْكُلِّيِّ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهِ، وَمِثْلُ النَّذْرِ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ الْيَمِينُ وَالْكَفَّارَةُ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَاللَّغْوِ وَالْغَمُوسِ وَالْكَفَّارَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ كَوْنِهِ نَذْرًا مُبْهَمًا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَكَعَلَيَّ نَذْرٌ حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْهُ فَإِنْ عَلَّقَهُ فَيَمِينٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صِيغَةُ نَذْرٍ مُطْلَقًا، وَعَلَيَّ كَذَا صِيغَتُهُ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ، وَإِلَّا فَيَمِينٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ وُجُودَ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَوَجَدْت فِي كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَلَهُ قَوْلَانِ: قَوْلٌ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.

[قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِ الْأَوَّلِ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً [قَوْلُهُ: خَمْرٍ] هُوَ الْمُسْكِرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ، وَالنَّبِيذُ هُوَ الْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ] الْمُرَادُ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْمَعَانِيَ [قَوْلُهُ: فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ] وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ النَّذْرِ وَلَا يَفْعَلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مِمَّا لَا تُكَفَّرُ كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَعِتْقُ الْعَبْدِ، لَكِنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَبَرَّ هَذَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْأَجَلِ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِالْأَجَلِ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَحِلُّ [قَوْلُهُ: أَيْ اقْتَحَمَ] أَيْ ارْتَكَبَ وَقَوْلُهُ وَفَعَلَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُبَالِ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ بِالصِّفَاتِ فَقَطْ مُتَعَلِّقٌ بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ أَيْ يُكَرِّرُ الْيَمِينَ بِالصِّفَاتِ أَوْ تَصْوِيرٌ لِلْيَمِينِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَحْلُوفَ بِهِ، وَأَرَادَ الصِّفَاتِ وَلَوْ بِحَسَبِ اللَّفْظِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ يَرْجِعَانِ إلَى صِفَةِ الْكَلَامِ.

[تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ]

[قَوْلُهُ: أَوْ بِهَا وَبِالْأَسْمَاءِ] أَيْ أَوْ بِالْأَسْمَاءِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: فِي يَمِينٍ] اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدٌ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنَّهُ غَيْرُ يَمِينٍ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ إلَخْ] إشَارَةٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الِاسْمُ أَوْ الصِّفَةُ الْمَحْلُوفُ بِهَا [قَوْلُهُ: فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ] أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَالِفُ بِتَعَدُّدِهَا التَّأْكِيدَ أَوْ الْإِنْشَاءَ أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَاتٍ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي أَوْ بِجَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ [قَوْلُهُ: تَأْوِيلُهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَصَحَّحُوا تَأْوِيلَ الْمُدَوَّنَةِ بِهِ [قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي إلَخْ] لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْأَسْمَاءِ مَعَ الصِّفَاتِ وَلِلْأَسْمَاءِ فَقَطْ بَلْ وَلِلصِّفَاتِ فَقَطْ وَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ السَّابِقِ

ص: 30

وَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا لَمْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ كَرَّرَ الْيَمِينَ بِذَلِكَ الِاسْمِ بِعَيْنِهِ أَوْ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَتَعَدَّدْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ تَعَدَّدَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ اهـ.

وَمَفْهُومٌ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهَا فِي شَيْئَيْنِ مَثَلًا لَزِمَ لِكُلِّ كَفَّارَةٍ يَمِينٌ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ. (وَمَنْ قَالَ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ: (أَشْرَكْت بِاَللَّهِ أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ) أَوْ عَابِدُ وَثَنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ (إنْ فَعَلَ كَذَا) ثُمَّ فَعَلَهُ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ (وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ) ظَاهِرُهُ وَلَا تُطْلَبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَقِيلَ تُطْلَبُ مِنْهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ.

(وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَرِّمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالَ مَسْأَلَتَانِ، أَشَارَ إلَى إحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ (إلَّا فِي زَوْجَتِهِ) إذَا قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ (فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا طَلَاقُهَا ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ (إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ) هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَنْوِي فِيهَا كَمَا سَيَقُولُ فِي النِّكَاحِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً بِذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لَا يَطَؤُهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ.

(وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً) لِلَّهِ تَعَالَى (أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

لِأَنَّهُ فِي هَذَا أَتَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ كَوَاللَّهِ [قَوْلُهُ: وَكَّدَ] أَرَادَ التَّوْكِيدَ [قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ] أَيْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ [قَوْلُهُ: أَوْ صِفَاتِهِ] أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ أَيْ أَوْ بِهِمَا [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ] وَقِيلَ تَتَعَدَّدُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ، وَالظِّهَارُ مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ بِتَعَدُّدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ إذَا كَرَّرَهَا بِغَيْرِ عَطْفٍ، أَيْ وَكَانَ نَسَقًا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ يُشَدَّدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.

[قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إلَخْ] أَيْ وَالِاعْتِصَامُ كَائِنٌ بِاَللَّهِ [قَوْلُهُ: أَوْ عَابِدِ وَثَنٍ] وَمِثْلُ ذَلِكَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ] الْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْبَةُ أَيْ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، كَعِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلَ كَذَا يَكُونُ مُرْتَدًّا أَوْ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ يَكُونُ وَاقِعًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَكَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُطْلَبُ مِنْهُ] أَيْ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: إذَا قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَعَزَلَ الزَّوْجَةَ أَوَّلًا قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزَّوْجَةِ، وَتِلْكَ النِّيَّةِ تَكْفِيهِ وَلَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ أَوَّلًا وَقَوْلُنَا أَوَّلًا احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ طَرَأَتْ نِيَّةُ الْعَزْلِ بَعْدَ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ نُطْقًا مُتَّصِلًا وَقَصْدِ حِلِّ الْيَمِينِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا] مُلَخَّصُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ [قَوْلُهُ: وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ] ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعِتْقَ فَهِيَ كَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يَلْزَمُ بِتَحْرِيمِهِ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ.

مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَلْتِ حَرُمْتِ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ (فِي جَوَابِهِ) تَفْصِيلٌ إنْ قَصَدَ كُلَّمَا حَلَّ لِي الْعَقْدُ عَلَيْك فَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ، وَإِنْ قَصَدَ كُلَّمَا حَلَلْت وَتَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حَرَامٌ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِكَثْرَةِ قَصْدِ التَّأَمُّلِ لَهُ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِمَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ هِبَتِهِ لَهُمْ أَوْ هَدْيٍ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ مُعَيَّنَةٌ

ص: 31

هَدْيًا) يَبْعَثُهُ (إلَى بَيْتِ اللَّهِ) الْحَرَامِ (أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ) ع يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ وَيُرِيدُ أَيْضًا مَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَمَّا إذَا سَمَّى لَزِمَهُ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ: أَوْ صَدَقَةُ شَيْءٍ سَمَّاهُ. وَيُرِيدُ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَمَّا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ وَلَوْ دِرْهَمًا، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ رضي الله عنه حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُك وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«يَجْزِيك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ» .

(وَمَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ) الْوَاحِدِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي (فَإِنْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلَ عليه الصلاة والسلام (أَهْدَى هَدْيًا) وَاحِدًا، وَأَعْلَاهُ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ شَاةٌ (يُذَبَّحُ بِمَكَّةَ) بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ أَوْ بِمِنًى إنْ أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ

ــ

[حاشية العدوي]

فَإِنَّهُ إذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَالِهِ مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ أَيْ عَدَدِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمِنْ عَرَضٍ، وَقِيمَةِ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ ثُمَّ إنْ عَجَزَ، وَكَانَ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ كِتَابَتِهِ أَخْرَجَ ثُلُثَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ.

وَكَذَا تُعْتَبَرُ أُجْرَةُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ لَا خِدْمَتُهُمَا وَلَا ذَاتُهُمَا وَالْمُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَوْجُودِ حِينَ يَمِينِهِ لَا مَا زَادَ بَعْدَهُ بِهِبَةٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَلَوْ حَلَفَ وَمَالُهُ أَلْفٌ فَحَنِثَ، وَهُوَ أَلْفَانِ لَزِمَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَعَكْسُهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ رِفْقًا بِهِ، فَإِنْ نَقَصَ يَوْمَ الْحِنْثِ عَنْ يَوْمِ الْيَمِينِ بِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَهَلَاكٍ، وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ فِي صِيغَةِ بِرٍّ فَمَا بَقِيَ يُجْزِئُ ثُلُثُهُ فَقَطْ بَعْدَ حِسَابِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَهْرِ زَوْجَتِهِ، وَقُلْنَا فِي صِيغَةِ بِرٍّ، وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ نَعَمْ يَتَّفِقُ مَعَ صِيغَةِ الْبِرِّ فِي أَنَّ مَا هَلَكَ بَعْدَ الْحِنْثِ بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ، لَكِنْ فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ كَمَا قَرَّرْنَا.

وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ مَالَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا نَقَصَ بِنَفَقَتِهِ لَا بِتَلَفٍ وَلَا بِتَفْرِيطٍ فَثُلُثُ مَا بَقِيَ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ [قَوْلُهُ: أَوْ هَدْيًا] كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِيٍّ [قَوْلُهُ: فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ] مِثَالُ الْأَوَّلِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ وَمِثَالُ النَّذْرِ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِي أَوْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي [قَوْلُهُ: وَيُرِيدُ أَيْضًا مَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا] وَيُرِيدُ أَيْضًا مَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالْوَصْفِ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ حِينَ حَلَفَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا سَمَّى وَيَتْرُكُ لَهُ مَا يَتْرُكُ لِلْمُفْلِسِ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا سَمَّى إلَخْ] الْفَرْقُ بَيْنَ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ وَبَيْنَ مَنْ سَمَّى يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا سَمَّاهُ أَنَّ مَنْ سَمَّى لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَلَوْ ثِيَابَ ظَهْرِهِ وَمَنْ قَالَ مَالِي وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مَالِي يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَخَفَّفَ عَنْهُ وَاكْتَفَى فِيهِ بِثُلُثِهِ.

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إخْرَاجُ ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ وَلَوْ لِمُعَيَّنٍ لَا يُقْضَى بِهِ وَمِثْلُهُ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالْحَبْسُ إذَا كَانَتْ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَوْ لِمُعَيَّنٍ لَقَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَعْرُوفٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ] بَشِيرٌ وَقِيلَ رِفَاعَةُ [قَوْلُهُ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ] مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكِ فَارْتَبَطَ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] الْآيَةَ. [قَوْلُهُ: أَهْجُرُ] بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ [قَوْلُهُ: وَأُجَاوِرُك] فِي مَسْجِدِك أَوْ أَسْكُنُ بِبَيْتٍ بِجِوَارِك [قَوْلُهُ: صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ] يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ] الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَنَفْسِهِ فِي أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ أَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَيْ قِصَّتَهُ مَعَ وَلَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لَا مَقَامَ مُصَلَّاهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَمَا إذَا نَوَى قَتْلَهُ، وَلَوْ مَعَ ذِكْرِ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ ذَكَرَ أَوْ نَوَى أَمْكِنَةً مِنْ أَمْكِنَةِ النَّحْرِ كَمَكَّةَ أَوْ مِنًى أَوْ مَوْضِعًا مِنْ مَوَاضِعِهَا، وَلَيْسَتْ مُزْدَلِفَةُ مِنْهَا أَوْ تَلَفَّظَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، كَأَنْ يَقُولَ عَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ نَحْرُهُ هَدْيًا، وَإِنْ

ص: 32

عَبْدِ الْوَهَّابِ أَوْ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ (وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَعْلَى مِنْهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَاحْتَرَزَ بِوَلَدِهِ مِمَّا إذَا حَلَفَ بِنَحْرِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَيَّدْنَاهُ بِالْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ الْهَدْيَ يَتَعَدَّدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَقَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لَا هَدْيَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ ذَلِكَ.

(وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ (فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ) لُزُومًا (مِنْ مَوْضِعِ حَلِفِهِ) يُرِيدُ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهِ حَالَ حَلِفِهِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ مَوْضِعًا بِعَيْنِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي قَوْلِهِ (فَلْيَمْشِ إنْ شَاءَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ)

ــ

[حاشية العدوي]

قَصَدَ حَقِيقَةَ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: إنْ قَصَدَ الْهَدْيَ وَالْقُرْبَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْتِزَامِ الْهَدْيِ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ أَيْ وَلَمْ يَنْوِ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ لَا لَفْظَ بِالْهَدْيِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ نَفْسَهُ، بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ نَفْسِي أَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَحْرُهُ أَوْ هُوَ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ حُرًّا، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: أَوْ وَاجِبٌ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ إلَخْ] يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَا إذَا فَعَلَ الْبَقَرَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِهُنَا؛ لِأَنَّ الشَّاةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَيُقَالُ هَذَا شَاةٌ لِلذَّكَرِ وَهَذِهِ شَاةٌ لِلْأُنْثَى وَشَاةٌ ذَكَرٌ وَشَاةٌ أُنْثَى [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِوَلَدِهِ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِنَحْرِهِ الْأَجْنَبِيَّ، وَذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْهَدْيَ يَتَعَدَّدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَقِيلَ هَدْيٌ كَافٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحَقَّ التَّعَدُّدُ.

[قَوْلُهُ: حَلَفَ بِالْمَشْيِ] مَفْهُومُهُ لَوْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ الْمَسِيرَ أَوْ الذَّهَابَ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا، فَإِنْ قِيلَ الْمَسِيرُ وَالذَّهَابُ كَالْمَشْيِ فَلِمَ لَزِمَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ فِي الْمَشْيِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُرْفَ اُشْتُهِرَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ نَحْوِ الْمَسِيرِ أَوْ الرُّكُوبِ، وَأَيْضًا السُّنَّةُ جَاءَتْ بِذَلِكَ [قَوْلُهُ: إلَى مَكَّةَ] أَيْ وَالْبَيْتِ أَوْ إلَى جُزْءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ كَالْحِجْرِ وَالْمُلْتَزَمِ وَالرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَّا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ عَرَفَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ أَوْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَةَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ.

تَنْبِيهٌ: وَمِثْلُ الْحَلِفِ النَّذْرُ. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إلَخْ] لَا يُقَالُ هَذِهِ صِيغَةُ نَذْرٍ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَلَفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ قَرَّرُوا أَنَّ عَلَيَّ بِدُونِ اللَّهِ صِيغَةُ يَمِينٍ لَا نَذْرٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً عَلَى شَيْءٍ مُمْتَنَعٍ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا هُنَا [قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعِ حَلِفِهِ] أَيْ أَوْ مِنْ مِثْلِهِ سَوَاءٌ حَنِثَ بِهِ أَمْ لَا خِلَافًا لِخَلِيلٍ أَيْ وَالنَّاذِرُ مِنْ مَوْضِعِ نَذْرِهِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ مَوْضِعًا] أَيْ فِي لَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ بِعَيْنِهِ لَمَّا كَانَ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ يَصْدُقُ بِشَخْصِهِ وَنَوْعِهِ.

وَالْمُرَادُ شَخْصُهُ احْتَاجَ لِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ أَيْ شَخْصِهِ وَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَعْيِينِ مَوْضِعٍ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ الْمَحِلَّ الَّذِي يَبْتَدِئُ الْمَشْيُ مِنْهُ وَجَرَى الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْ مَحِلٍّ خَاصٍّ فَإِنَّهُ يَمْشِي مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ عَمِلَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ذَهَبَ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ لِلْحَالِفِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لِلْحَالِفِينَ فَمِنْ مَوْضِعِ نَذْرِهِ أَوْ حَلِفِهِ أَوْ مِثْلِ حَلِفِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ فِي الْمَسَافَةِ لَا فِي

ص: 33

مَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ مَبْدَأَ الْمَشْيِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُنْتَهَاهُ، وَمُنْتَهَاهُ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ وَفِي الْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ لِلْحَالِفِ بِهِ مَحِلُّهُ إنْ اسْتَطَاعَهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ) إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْمَشْيِ (رَكِبَ ثُمَّ يَرْجِعُ) مَرَّةً (ثَانِيَةً) مَاشِيًا (إنْ قَدَرَ) عَلَيْهِ

ــ

[حاشية العدوي]

الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ بَقِيَ لَوْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَلَهُ طَرِيقَانِ إلَيْهَا مُتَسَاوِيَانِ إحْدَاهُمَا مُعْتَادَةٌ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُعْتَادَةٍ فَمَشَى فِي غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ . وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ مِنْ الْخَرَشِيِّ الْكَبِيرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ طَرِيقُ الْحَالِفِينَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَيَجُوزُ الْمَشْيُ وَلَوْ مِنْ الْقَرِيبَةِ حَيْثُ اُعْتِيدَ الْمَشْيُ فِيهِمَا.

تَنْبِيهٌ: قَالَ عج: فَإِذَا كَانَ بِوَسَطِ الْبَلَدِ وَحَلَفَ، مَشَى مِنْ طَرَفِ الْبَلَدِ لَا مِنْ مَوْضِعِ حَلِفِهِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا اتَّصَلَ بِالْبَلَدِ مِنْ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ، وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهَا، هَلْ هُوَ حُكْمُ الْبَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَصْرِ أَوْ لَا.

[قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ] هَذَا مُتَعَلِّقُ قَوْلِهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا بِالْمَشْيِ، وَلَوْ قَالَ فَلْيَمْشِ فِي حَجٍّ، وَإِنْ شَاءَ فِي عُمْرَةٍ لَكَانَ أَوْضَحَ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ اُعْتِيدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ النَّاذِرُ قَاطِنًا بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ التَّخْيِيرَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَحْسُنُ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي الْمَدِينَةِ وَمَا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ، وَهُمْ الَّذِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَأْتُوا إلَى مَكَّةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النُّسُكَيْنِ، وَأَمَّا مَا بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ الْغَرْبِ فَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْعُمْرَةَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَنْوِيَهَا حِينَ النَّذْرِ، وَهُوَ لِلَّخْمِيِّ [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ] الْأَحْسَنُ الْفَرَاغُ مِنْ السَّعْيِ وَكَذَا فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ، وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا لَا مِنْ أَرْكَانِهَا، فَإِنْ رَكِبَ بَعْدَ سَعْيِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ لَوْ رَكِبَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ كَذَا نَظَرَ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي الْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] فَيَرْكَبُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَيَرْكَبُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَمَّا إنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَلَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْإِفَاضَةِ الرُّكُوبُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ، وَإِلَّا فَيَمْشِي لِتَمَامِ السَّعْيِ لَا لِتَمَامِ الْإِفَاضَةِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْمَشْيِ إلَخْ] أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ حِينَ خُرُوجِهِ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَالَفَ ظَنُّهُ، وَعَجَزَ فَرَكِبَ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ مَرَّةً إلَخْ] هَذَا إذَا رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ حَيْثُ اسْتَوَتْ الْمَسَافَةُ جَمِيعُهَا فِي الصُّعُوبَةِ أَوْ فِي السُّهُولَةِ وَالْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، أَوْ بِحَسَبِ صُعُوبَةِ الْمَسَافَةِ وَسُهُولَتِهَا، وَأَمْنِهَا وَخَوْفِهَا مَعَ الْمِسَاحَةِ حَيْثُ اخْتَلَفَتْ الْمَسَافَةُ فِي ذَلِكَ، وَيُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي عج أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالْمِسَاحَةِ أَوْ بِحَسَبِ الْمِسَاحَةِ فَقَطْ، وَمِثْلُ رُكُوبِهِ الْكَثِيرِ إذَا رَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَالْإِفَاضَةَ مَعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فِي نَفْسِهِ أَشْبَهَ الْكَثِيرَ، وَالْمَنَاسِكُ هِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ بِمِنًى وَالْإِفَاضَةُ هِيَ رُجُوعُهُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ.

وَمِثْلُهُمَا لَوْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ فَقَطْ لَا الْإِفَاضَةَ فَقَطْ يَعْنِي إذَا رَكِبَ الْإِفَاضَةَ فَقَطْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ فَقَطْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ قَلِيلًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ ثَانِيًا، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ، وَمَحِلُّ كَوْنِهِ يَرْجِعُ مَرَّةً ثَانِيَةً إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامُ مُعَيَّنًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعَامُّ مُعَيَّنًا كَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا فِي عَامٍ كَذَا فَخَرَجَ وَرَكِبَ كُلَّ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يُهْدِي وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَلَوْ لَمْ يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ الْمُعَيَّنِ بَلْ تَرَكَ فِيهِ الْحَجَّ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ مَشَى وَتَرَاخَى حَتَّى فَاتَهُ يَأْثَمُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا.

[قَوْلُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ إلَخْ] فَإِذَا لَمْ يَقْدِرُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ كَمَا سَيَنُصُّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَمَحِلُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا إذَا كَانَ نَحْوَ الْمِصْرِيِّ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ عَنْ مَكَّةَ بُعْدًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ كَالْإِفْرِيقِيِّ لِبُعْدِ دَارِهِ وَمَشَقَّةِ رُجُوعِهِ، وَيُلْحَقُ بِكُلِّ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا الَّذِي بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُلْحَقُ

ص: 34

لِتَلَافِي مَا رَكِبَ (فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ) وَيَرْكَبُ الَّتِي مَشَى إذَا عَلِمَ مَا رَكِبَ فِيهِ، وَمَا مَشَى وَيَهْدِي لِتَفْرِقَةِ الْمَشْيِ بَدَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَبَقَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَشَاةً، وَإِنْ أَتَى بِالْأَدْنَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَعْلَى أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا مَشَى، وَمَا رَكِبَ فَإِنَّهُ يَمْشِي الطَّرِيقَ كُلَّهُ، ابْنُ الْمَوَّازِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَشْيَ الثَّانِيَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْهَدْيِ.

(وَإِنْ عَلِمَ) بِمَعْنَى ظَنَّ (أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ) عَلَى الْمَشْيِ (قَعَدَ، وَأَهْدَى، وَقَالَ عَطَاءٌ) بْنُ أَبِي رَبَاحٍ (لَا يَرْجِعُ) مَرَّةً (ثَانِيَةً، وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الْمَشْيِ ثَانِيًا (وَيُجْزِئُهُ الْهَدْيُ) هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ، وَأَمَّا (إذَا كَانَ صَرُورَةً) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ (جَعَلَ ذَلِكَ) الْمَشْيَ (فِي عُمْرَةٍ) وُجُوبًا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ نِيَّةٌ مَشَى فِيمَا نَوَى (فَإِذَا طَافَ وَسَعَى وَقَصَّرَ أَحْرَمَ) مِنْ الْحِلِّ اسْتِحْبَابًا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ أَحْرَمَ (مِنْ مَكَّةَ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ (بِفَرِيضَةٍ) وَهِيَ

ــ

[حاشية العدوي]

بِالْمِصْرِيِّ فَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ لِلِاحْتِيَاطِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَدْيَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ الْهَدْيَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ أَوْ لَا فَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ رَاكِبًا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ الْإِفَاضَةَ أَوْ هُمَا فَإِنَّهُ يَنْدُبُ فِي حَقِّهِ الْهَدْيُ [قَوْلُهُ: وَيَهْدِي] وَيُؤَخِّرُ الْهَدْيَ لِعَامِ رُجُوعِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ فِي عَامِ الْمَشْيِ لَأَجْزَأَهُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتَى بِالْأَدْنَى إلَخْ] أَيْ وَخَالَفَ الْمُسْتَحَبَّ [قَوْلُهُ: ابْنُ الْمَوَّازِ إلَخْ] كَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالتَّعَقُّبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَمَاكِنَ الرُّكُوبِ وَمَشَى الْجَمِيعَ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَكُونُ مَشْيُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ وَاجِبًا يُفِيدُ ذَلِكَ صَرِيحًا نَصُّ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِمَعْنَى ظَنَّ] مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَدْ دَارَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الرُّجُوعِ وَفَسَّرَ الشَّارِحُ الْعِلْمَ بِالظَّنِّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطَ الْعِلْمَ، وَأَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي.

تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: إذَا قُلْنَا بِلُزُومِ الرُّجُوعِ فَإِذَا رَجَعَ فِي زَمَنٍ قَابِلٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي حَجٍّ إنْ كَانَ حِينَ نَذْرِهِ نَذَرَ حَجًّا أَوْ نَوَاهُ أَوْ فِي عُمْرَةٍ إنْ نَذَرَهَا أَوْ نَوَاهَا فَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ حِينَ نَذْرِهِ أَوْ حَلِفِهِ بَلْ أَبْهَمَ وَمَشَى فِي أَحَدِهِمَا فَرَكِبَ فِيهِ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، ثَانِيًا فِي الزَّمَنِ الْقَابِلِ فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا. الثَّانِي: مَحِلُّ وُجُوبِ الرُّجُوعِ أَيْضًا عَلَى مَنْ رَكِبَ كَثِيرًا أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ حَيْثُ ظَنَّ حِينَ خُرُوجِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ، وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَالَفَ ظَنُّهُ كَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا، أَمَّا إنْ لَمْ يَظُنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ خُرُوجِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ الْقُدْرَةَ حِينَ يَمِينِهِ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تَوَهَّمَ أَوْ شَكَّ أَوْ عَلِمَ الْعَجْزَ لِضَعْفٍ أَوْ كِبَرٍ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ عَامٍ يَمْشِي مَقْدُورَهُ وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ وَرَكِبَ مَعْجُوزَهُ، وَأَهْدَى مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ، وَقُلْنَا ظَنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ يَمِينِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ يَمِينِهِ أَوْ نَوَى أَنْ لَا يَمْشِيَ إلَّا مَا يُطِيقُهُ وَلَوْ شَابًّا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ عَامٍ وَيَمْشِي مَقْدُورَهُ وَيَرْكَبُ مَعْجُوزَهُ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَا هَدْيَ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ عَطَاءٌ إلَخْ] هَذَا خِلَافٌ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ [قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كُلِّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّخْيِيرِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ أَنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي عُمْرَةٍ وُجُوبًا وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجْعَلُهُ فِيهَا اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَلَوْ أَحْرَمَ حِينَ أَتَى الْمِيقَاتَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يَأْتِي عَنْ نَذْرِهِ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ وَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ أَوَّلًا وَلَوْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا نَذْرًا انْصَرَفَ لِلْفَرْضِ، وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَهَلْ إجْزَاؤُهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَمْ يَنْذُرْ أَوْ يُعَيِّنْ فِي يَمِينِهِ حَجًّا بِأَنْ نَذَرَ عُمْرَةً أَوْ مَشْيًا مُطْلَقًا أَوْ حَلَفَ بِهِ، كَذَلِكَ وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ، وَأَمَّا إنْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا أَوْ عَيَّنَهُ فِي يَمِينِهِ وَنَوَى بِحَجِّهِ نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ فَلَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَوْ إجْزَاؤُهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ تَأْوِيلَانِ.

[قَوْلُهُ: أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ اسْتِحْبَابًا] أَيْ مِنْ

ص: 35

حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (وَكَانَ مُتَمَتِّعًا) إذَا صَادَفَتْ عُمْرَتُهُ أَوْ بَعْضُهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ (وَالْحَلَاقُ فِي غَيْرِ هَذَا) التَّمَتُّعِ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ (وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّقْصِيرُ فِي هَذَا) التَّمَتُّعِ (اسْتِبْقَاءً لِلشَّعْثِ فِي الْحَجِّ. وَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى الْمَدِينَةِ)

الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَيْهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَمْشِي أَوْ أَسِيرُ (أَتَاهُمَا رَاكِبًا) إنْ شَاءَ أَوْ مَاشِيًا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا مَاشِيًا وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا إلَّا (إنْ نَوَى الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ، وَقِيلَ النَّافِلَةَ (بِمَسْجِدَيْهِمَا) يُرِيدُ أَوْ سَمَّاهُمَا خَاصَّةً كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّاهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ فِيهِمَا وَلَا سَمَّاهُمَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمَشْيِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ.

هَذَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ سَاكِنًا بِغَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَفْضَلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ مَكَّةَ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الصَّلَاةَ بِأَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ رحمه الله فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا وَعَكْسُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَفْضُولًا وَصَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّتِهِ.

وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ (وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَسَاجِدَ)

ــ

[حاشية العدوي]

مِيقَاتِهِ؛ لِقَوْلِ خَلِيلٍ كَخُرُوجِ ذِي النَّفْسِ لِمِيقَاتِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ] أَيْ مِنْ جَوْفِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ بَابِهِ أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ [قَوْلُهُ: بِفَرِيضَةٍ وَهِيَ إلَخْ] أَيْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ فِي عَامِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِلْعَامِ الْقَابِلِ، بَهْرَامُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِحَجٍّ ثُمَّ يَحُجُّ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَالْحِلَاقُ فِي غَيْرِ هَذَا التَّمَتُّعِ] أَيْ وَغَيْرِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ وَالْقِرَانُ فَالشَّخْصُ غَيْرُ مُرَادٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْصِيرَ أَفْضَلُ فِي مُطْلَقِ التَّمَتُّعِ [قَوْلُهُ: لِلشَّعَثِ] أَيْ الْوَسَخِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّارِبِ وَشَعْرِ الْإِبْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ فِي بَابِ الْحَجِّ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَسِيرُ] أَيْ أَوْ آتِي مَثَلًا [قَوْلُهُ: إنْ نَوَى الصَّلَاةَ بِمَسْجِدَيْهِمَا] وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَالنَّافِلَةُ] فِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَالْمُقَدَّسُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ أَيْ الْمُطَهَّرُ، وَتَطْهِيرُهُ خُلُوُّهُ مِنْ الْأَصْنَامِ، وَإِبْعَادُهُ عَنْهَا وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ بِالْعَكْسِ أَيْ إنَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَهَذَا مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، وَاَلَّذِي فِي خَلِيلٍ وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ بِمَعْنَى أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي مَكَّةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا عَدَا الْمَوْضِعَ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَهُ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى الْكَعْبَةِ وَمِنْ السَّمَوَاتِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَيَلِيهِ الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا.

وَكَلَامُ الشَّارِحِ كَمَا عَلِمْت فِي الْمَسْجِدَيْنِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِمَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَنْ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ، وَلِمَا زِيدَ مِنْ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُكْمُ مَسْجِدِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ بِتَفْضِيلِ الْأَرْضِ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ مَا يَمَسُّ أَعْضَاءَهُ لَا أَعَمُّ وَالرَّوْضَةُ تَنْضَمُّ أَيْضًا لِمَوْضِعِ الْقَبْرِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّفْضِيلِ، بِالدَّلِيلِ الْوَاضِحِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لِبُقْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ

ص: 36

الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ (فَلَا يَأْتِيهَا) مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَيْهَا (مَاشِيًا وَلَا رَاكِبًا) قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ (لِ) أَجْلِ (الصَّلَاةِ نَذَرَهَا) أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهَا (وَلْيُصَلِّ) هَا (بِمَوْضِعِهِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصِّصٌ لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» .

(وَمَنْ نَذَرَ رِبَاطًا بِمَوْضِعٍ مِنْ الثُّغُورِ) وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (فَذَلِكَ) الْمَنْذُورُ وَاجِبٌ (عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ) ؛ لِأَنَّ الرِّبَاطَ قُرْبَةٌ، وَمَنْ الْتَزَمَ قُرْبَةً لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية العدوي]

بِخُصُوصِهَا إلَّا هِيَ، فَفِي الْحَدِيثِ «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِيّ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» إذْ لَا شَكَّ فِي تَفْضِيلِ الْجَنَّةِ عَلَى الدُّنْيَا.

فَائِدَةٌ. عَدَمُ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ قَالَ مَالِكٌ الْقَفْلُ أَيْ الرُّجُوعُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِوَارِ. [قَوْلُهُ: قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ] هَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَقِيلَ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ فِي الْقَرِيبِ، وَالْقَرِيبُ مَا عَلَى بُعْدِ أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ كَمَسْجِدِ قُبَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَالْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي نَذْرِ الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهَا كَذَلِكَ قَالَهُ عج. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا لَزِمَهُ بِمَوْضِعِهِ كَمَنْ نَذَرَهُمَا بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ اهـ.

[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ صَلَاةٍ نَذَرَهَا] أَيْ وَلَا لِاعْتِكَافٍ وَلَا لِصَوْمٍ [قَوْلُهُ: وَلْيُصَلِّهَا] أَيْ وَيَعْتَكِفُ أَوْ يَصُومُ بِمَوْضِعِهِ [قَوْلُهُ: الرِّحَالُ] جَمْعُ رَحْلٍ مَرْكَبُ الْبَعِيرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ مَحَلُّ الرُّكُوبِ الْمَنْسُوبِ لِلْبَعِيرِ

[قَوْلُهُ: رِبَاطًا] أَيْ أَوْ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً لَا لِنَذْرِ اعْتِكَافٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الرِّبَاطِ لَيْسَ مَحِلًّا لِلِاعْتِكَافِ، وَأَيْضًا الْمُرَابِطَةُ تُنَافِي الِاعْتِكَافَ لِقَصَرِهِ عَلَى مَا لَازِمُهُ الصَّلَاةُ وَالتِّلَاوَةُ. وَالذِّكْرُ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ وَيُقِيمُ بَعْدَهَا مُدَّةً لِلرِّبَاطِ فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ، مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ وَالْمَدَنِيَّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَسْقَلَانَ أَوْ إسْكَنْدَرِيَّةَ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَيَعُودُ مِنْ فَوْرِهِ وَلَيْسَ لِلرِّبَاطِ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَلَمْ يَأْتِهِمَا. اهـ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرِّبَاطَ قُرْبَةٌ] وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَذَرَ الرِّبَاطَ بِمَحَلٍّ وَهُوَ بِثَغْرٍ آخَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ مَا نُذِرَ الرِّبَاطُ فِيهِ مُسَاوِيًا لِمَا هُوَ بِهِ فِي الْخَوْفِ أَوْ أَقَلَّ رَابَطَ بِمَحَلِّ نَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا نُذِرَ الرِّبَاطُ فِيهِ أَشَدَّ خَوْفًا انْتَقَلَ إلَيْهِ لِفَضْلِ الزِّيَادَةِ فِيمَا كَثُرَ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الْخَوْفِ كَذَا يُفْهَمُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ.

`

ص: 37