الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 -
[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الظِّهَارِ (وَمَنْ تَظَاهَرَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا (مِنْ امْرَأَتِهِ) أَوْ أَمَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ صِهْرٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَلَا يَطَؤُهَا) وَلَا يُقَبِّلُهَا
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]
بَابُ الظِّهَارِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] الْمُسْلِمُ يَشْمَلُ الزَّوْجَ، وَالسَّيِّدَ فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ ظِهَارٌ، وَلَوْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَيْنَا، بِخِلَافِ إيلَائِهِ فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي الْإِيلَاءِ فَرُبَّمَا تُسْقِطُهُ عِنْدَ التَّرَافُعِ فَيَسْقُطُ، وَالظِّهَارُ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِدُونِ كَفَّارَتِهِ.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الظِّهَارِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ.
[قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ] يَشْمَلُ السَّكْرَانَ وَتَذْكِيرُ الْوَصْفِ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مُرَاهِقًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الطَّوْعِ فَلَا يَلْزَمُ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ وَيَشْمَلُ السَّفِيهَ وَلِوَلِيِّهِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ عَنْهُ لِإِجْحَافِهِ بِمَالِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَوْدَ الظِّهَارِ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ، وَلِلزَّوْجَةِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ لِوَلِيِّهِ.
فَإِنْ أَبَى فَهُوَ مُضَارٌّ وَفِي صِحَّةِ الظِّهَارِ مِنْ عَاجِزٍ عَنْ الْوَطْءِ قَادِرٍ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَجْبُوبٍ وَخَصِيٍّ وَشَيْخٍ فَانٍ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ قَوْلَانِ: وَالْأَوَّلُ أَقْوَى [قَوْلُهُ: مِنْ امْرَأَتِهِ] ، وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْرِمَةً مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْإِحْرَامِ، فَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ وَرَجْعِيَّتُهُ، وَالْأَمَةُ، وَلَوْ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَلَا مِنْ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَلَا مِنْ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وقَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] لَا مَفْهُومَ لَهُ فَالظِّهَارُ يَكُونُ مِنْ الْأَمَةِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ وَكِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، فَالصَّرِيحُ مَا فِيهِ ظَهْرٌ مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ وَطْءٍ مَنْكُوحَةً فِي عِدَّةٍ أَوْ بِكَوْنِهَا دَابَّةً.
فَإِنْ قَالَ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الدَّابَّةِ كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَالظَّاهِرَةُ مَا سَقَطَ فِيهِ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ الظَّهْرُ أَوْ مُؤَبَّدَةَ التَّحْرِيمِ نَحْوُ أَنْتِ عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّي أَوْ فَرْجِهَا أَوْ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي أَوْ غُلَامِي أَوْ فُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْخَفِيَّةُ كَاسْقِنِي فَالصَّرِيحُ لَا يَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَرَادَهُ فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَيَلْزَمُ الظِّهَارُ، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَقِيلَ: يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ لِنِيَّتِهِ وَلَا يَنْوِي فِيمَا دُونِ الثَّلَاثِ، وَبِالظِّهَارِ لِلَفْظِهِ وَقِيلَ: لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ فَقَطْ، وَالْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي تَنْصَرِفُ لِلْغَيْرِ بِنِيَّتِهِ.
فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ كَأُمِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَنْوِي، وَالْخَفِيَّةُ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ لِلظِّهَارِ إلَّا بِنِيَّةٍ كَاسْقِينِي إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: هَذَا التَّعْرِيفُ لِلْكِنَايَةِ الصَّرِيحَةِ، إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ فَالْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا بِظَهْرٍ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ [قَوْلُهُ: أَوْ صِهْرٍ] مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: أُمُّ الزَّوْجَةِ، وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُقَبِّلُهَا إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِ الْكَفَّارَةِ الِاسْتِمْتَاعُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ، وَوَجَبَ إنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ
وَلَا يَلْمُسُهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى صَدْرِهَا وَلَا إلَى شَعْرِهَا (حَتَّى يُكَفِّرَ) بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوَّلُهَا (بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ) أَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِيمَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ الْقُرْبَةُ، وَعِتْقُ الْكَافِرِ يُنَافِيهَا، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنْ مَنَعَ مِنْ كَمَالِ الْكَسْبِ، كَقَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ كَالْعَرَجِ الْخَفِيفِ، وَالْعَوَرِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الشَّرِكَةِ وَعَدَمِ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَشْتَرِطُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا احْتِرَازًا مِمَّنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ شَوَائِبِ الْعِوَضِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَ عَنْ ظِهَارِهِ عَبْدًا عَلَى دِينَارٍ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مُشْتَرَاةً بِشَرْطِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهَا فَكَانَتْ كَالْهِبَةِ.
تَنْبِيهٌ:
لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَتَدَايَنَ وَاشْتَرَى رَقَبَةً وَأَعْتَقَهَا أَجْزَأَهُ كَمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ فَتَرَكَهُ وَاغْتَسَلَ.
(فَإِنْ) عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ بِأَنْ (لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً وَلَا ثَمَنَهَا وَلَا قِيمَتَهَا (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ انْكَسَرَ
ــ
[حاشية العدوي]
فَيَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا وَيُؤَدِّبُهُ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا مَعَهُ فِي بَيْتٍ إنْ أُمِنَ وَيَلْزَمُهَا خِدْمَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا، بِشَرْطِ الِاسْتِتَارِ لِغَيْرِ وَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا لِجَوَازِ نَظَرِهِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِغَيْرِ قَصْدِ لَذَّةٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا إلَى شَعْرِهَا أَيْ وَلَا كَفَّيْهَا وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّامِلِ: وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا فِي بَيْتٍ إنْ أُمِنَ عَلَيْهَا وَلَهُ النَّظَرُ لِوَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا لِصَدْرِهَا وَفِيهَا وَلَا لِشَعْرِهَا وَقِيلَ: يَجُوزُ اهـ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّظَرَ لِلصَّدْرِ وَالشَّعْرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْوَجْهُ، وَالرَّأْسُ، وَالْأَطْرَافُ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا بِهَا اهـ.
وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ فَلَوْ كَفَّرَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا الْوُجُوبُ مَا دَامَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْعِصْمَةِ فَإِنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ، وَتَتَحَتَّمُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُظَاهِرِ بِوَطْئِهِ لِلْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا سَوَاءٌ بَقِيَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ طَلَّقَهَا وَسَوَاءٌ قَامَتْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَوْدِ فَقِيلَ: هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَقِيلَ: هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ مَعَ إرَادَةِ إمْسَاكِ الْعِصْمَةِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يُكَفِّرَ] غَايَةُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ الْعَوْدَ ثُمَّ يَذْكُرَ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَفَّرَ قَبْلَ الْعَوْدِ لَا تُجْزِئُهُ.
[قَوْلُهُ: بِعِتْقِ رَقَبَةٍ] أَيْ لَا جَنِينٍ فَلَا يُجْزِئُ وَلَكِنْ يُعْتَقُ بَعْدَ وَضْعِهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِيمَانِ إلَخْ] أَيْ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَصَغِيرِ الْكِتَابَةِ وَصَغِيرِ الْمَجُوسِيِّ كَكَبِيرِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ دِينَهُ، فَقَوْلُهُ: وَعِتْقُ الْكَافِرِ أَيْ الْكِتَابِيِّ الْكَبِيرِ كَالْكَبِيرِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ [قَوْلُهُ: كَقَطْعِ الْيَدِ] أَيْ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ هُمَا أَوْ الْعَمَى أَوْ الْبُكْمِ أَوْ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ قَلَّ أَوْ الْهَرَمِ الشَّدِيدِ أَوْ الْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَكَالْمُشْرِفِ، وَكَذَا قَطْعُ أُصْبُعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الْأُصْبُعُ خِنْصَرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَوْ زَائِدًا حَسَّ وَسَاوَى غَيْرَهُ فِي الْإِحْسَاسِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِ الذَّهَابُ، وَلَوْ خِلْقَةً فَإِذَا ذَهَبَ الْأُنْمُلَتَانِ فَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ.
كَمَا فِي الْحَطَّابِ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ أُذُنَيْنِ وَأَصَمُّ وَمُجْذَمٌ وَأَبْرَصُ وَأَفْلَحُ بِالْحَاءِ مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ، بِخِلَافِ ذِي الْمَرَضِ الْخَفِيفِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَالْعَرَجُ الْخَفِيفُ أَيْ وَأَمَّا الْعَرَجُ الشَّدِيدُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الشَّرِكَةِ إلَخْ] قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَ جَمِيعَهَا عَنْ ظِهَارِهِ، فَفِي الْإِجْزَاءِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ عَدَمُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْبَعْضَ وَأَكْمَلَ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ.
وَلَوْ كَانَ مَالِكًا لِلْجَمِيعِ فَأَعْتَقَ الْبَعْضَ لَمْ يُجْزِهِ [قَوْلُهُ: وَعَدَمِ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ] فَلَا يُجْزِئُ مُكَاتَبٌ وَمُدَبَّرٌ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَقِيلَ: بِالْإِجْزَاءِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ اشْتَرَى الْمُدَبَّرَ أَوْ الْمُكَاتَبَ فَأَعْتَقَهُ، مَضَى الْعِتْقُ وَلَمْ يَنْقَضِ الْبَيْعُ فَإِنْ قُلْنَا بِنَقْضِهِ فَلَا يُجْزِئُ عِتْقُهُمَا هُنَا [قَوْلُهُ: عَلَى دِينَارٍ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ] وَأَمَّا بِمَا فِي يَدِهِ فَيُجْزِئُ؛ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا تَكُونَ مُشْتَرَاةً بِشَرْطِ الْعِتْقِ] أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُحَقَّقَةَ الصِّحَّةِ لَا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً مَقْطُوعَةَ الْخَبَرِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ مِنْ الْعِتْقِ] أَيْ وَقْتَ إخْرَاجِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا ثَمَنَهَا] أَرَادَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَقَوْلُهُ
شَهْرٌ صَامَ أَحَدَهُمَا بِالْهِلَالِ وَتَمَّمَ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَنِيَّةُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ، وَالتَّتَابُعَ وَاجِبَانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ نِيَّةٍ، وَإِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ بِقَوْلِهِ:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] ، وَمَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ يَأْتِي.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ بِأَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ، أَوْ مُسْتَعْطِشًا مَثَلًا (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ (مُدَّيْنِ) بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام (لِكُلِّ مِسْكِينٍ) مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ، رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدِّ هِشَامٍ، وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِمُدِّهِ صلى الله عليه وسلم.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ: " أَطْعَمَ هَذَا فِي حَقِّ الْحُرِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ".
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَطَؤُهَا) يُرِيدُ وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يُبَاشِرُهَا (فِي لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (فَإِنْ فَعَلَ) الْمُظَاهِرُ (ذَلِكَ) أَيْ مَا نُهِيَ عَنْهُ بِأَنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ (فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ عز وجل مِمَّا فَعَلَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى.
(فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ) أَوْ اسْتِمْتَاعُهُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَلَا قِيمَتَهَا أَيْ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ فَقَطْ مِمَّا ذَكَرَ، وَلَوْ مُحْتَاجًا لَهُ لِأَجْلِ مَرَضٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ سُكْنَى مَسْكَنٍ لَا فَضْلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ [قَوْلُهُ: وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَنِيَّةُ الْكَفَّارَةِ] أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا بِحَيْثُ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَأَجَابَ بِذَلِكَ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْهُ تَمَادَى وُجُوبًا، وَفِيمَا دُونَهُ يُنْدَبُ لَهُ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ دُخُولِهِ فِي الثَّانِي، وَإِلَّا لَنُدِبَ لِتَمَامِ الثَّالِثِ فَالصُّوَرُ ثَلَاثٌ فَلَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَلَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ وَجَبَ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْيَسَارِ.
[قَوْلُهُ: الْبِنْيَةِ] بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ هَيْئَتِهِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا أَيْ ذَاتَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَعْطِشًا السِّينُ، وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ قَوِيَ الْعَطَشُ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ الصَّوْمُ [قَوْلُهُ: مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ] كُلِّهِمْ أَوْ جُلِّهِمْ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، كَالشَّعِيرِ، وَالْقَمْحِ، وَالسَّلْتِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْأَقِطِ، وَالذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، وَالدَّخَنِ، وَالتَّمْرِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بُرًّا إنْ اقْتَاتُوهُ، وَإِنْ اقْتَاتُوا غَيْرَهُ فَقَدْرُهُ شِبَعًا، بِأَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُدِّ الْكَائِنِ مِنْ الْبُرِّ كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ كَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ، فَيُقَالُ: كَذَا فَيُخْرِجُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ الْمُعْتَمَدُ الشِّبَعُ زَادَ عَلَى مُدِّ هِشَامٍ أَوْ نَقَصَ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مِثْلُ مَكِيلَةِ الْقَمْحِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا اُقْتِيتَ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَاللَّحْمِ، وَالْقَطَانِيِّ أَجْزَأَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ قَالَهُ تت، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْمُخْرَجِ مِنْ هَذِهِ أَنْ يَغْلِبَ اقْتِيَاتُهُ، وَكَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَكَانَ الِاقْتِيَاتُ مِنْ غَيْرِهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجُ مِمَّا وُجِدَ مِنْهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَشَارَ لَهُ عج.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: بِمُدِّ هِشَامٍ] وَهُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: مُدُّ هِشَامٍ قَدْرُ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ صلى الله عليه وسلم[قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ] فَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ انْتَظَرَ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ وَإِلَّا صَامَ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ خَرَاجَهُ إنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ كُلًّا مِنْهُمَا وَحَصَّلَ بِالصَّوْمِ ضَرَرًا فِي أَحَدِهِمَا فَلَهُ الْمَنْعُ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَذِنَ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] وَأُجِيبُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ لِابْتِدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَإِتْمَامِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَصِّصٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ [قَوْلُهُ: بِأَنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ] أَيْ عَمْدًا؛ لِأَنَّ
(بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ بِإِطْعَامٍ، أَوْ صَوْمٍ فَلْيَبْتَدِئْهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ وَسَكَتَ عَنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ.
(وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِ الْأَعْوَرِ فِي الظِّهَارِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَسُدُّ مَسَدَّ الْعَيْنَيْنِ (وَ) كَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِعِتْقِ (وَلَدِ الزِّنَا) ، وَالْآبِقِ، وَالسَّارِقِ، وَالزَّانِي (وَيُجْزِئُ الصَّغِيرُ) أَيْ عِتْقُهُ فِي الظِّهَارِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَهْدِ لِصِدْقِ اسْمِ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِ (وَ) لَكِنَّ عِتْقَ (مَنْ صَلَّى وَصَامَ) أَيْ عَقَلَهُمَا (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ مَعَايِشِهِ بِخِلَافِ الرَّضِيعِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِيهِ.
ــ
[حاشية العدوي]
النَّاسِيَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَوْبَةٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ] ، وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي يَسِيرًا كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا فَجَائِزٌ لَيْلًا وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَلَوْ عَالِمًا كَمَا لَا يُبْطِلُهُ نَهَارًا مَعَ النِّسْيَانِ.