الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَأْخُذُ صَاحِبُ السُّدُسِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثُلُثُ الْحِصَّةِ فَيَصِيرُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثًا الدَّارِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: يُقْسَمُ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ الشَّفِيعَيْنِ وَاسْتُظْهِرَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُعَلَّلَةٌ بِالضَّرَرِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الشُّرَكَاءُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ
. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ فَقَالَ: (وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا بِالْحِيَازَةِ) الْحَبْسُ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ تُعْتَصَرُ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ، وَالْآخَرُ أَنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْمُوَاصَلَةِ وَالْوِدَادِ وَالصَّدَقَةَ لِابْتِغَاءِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا عَدَا الْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ النَّدْبُ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90]{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ وَالسُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ؛ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ ثَمَرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا
ــ
[حاشية العدوي]
النِّصْفُ فَبَاعَهُ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ فَإِنَّ لِصَاحِبَيْ الثُّمُنَيْنِ أَنْ يَأْخُذَا بِالشُّفْعَةِ نِصْفَ الْمَبِيعِ وَبَاقِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا.
[بَاب الْهِبَة وَالصَّدَقَة]
[قَوْلُهُ: وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ] أَفْهَمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ تَصِحُّ وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا وَيُقْضَى عَلَى الْفَاعِلِ بِدَفْعِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهَا وَحِيَازَتُهَا كَالرَّهْنِ فِي مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يَكْفِي الْإِشْهَادُ.
[قَوْلُهُ: الْهِبَةُ تُعْتَصَرُ إلَخْ] أَيْ إنَّ الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ هِبَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا.
وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهُ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَخْ] يَعْنِي: أَنَّ عَوْدَ الْهِبَةِ إلَى مِلْكِ وَاهِبِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَائِزٌ.
وَأَمَّا عَوْدُ الصَّدَقَةِ إلَى مِلْكِ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ مَكْرُوهٌ هَذَا إذَا كَانَ الْعَوْدُ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ بِمِيرَاثٍ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي شِرَاءِ الْعَرِيَّةِ وَالْعُمْرَى، وَكَذَا مِنْ سَبَلَ مَاءً عَلَى مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ وَسَيَأْتِي.
[قَوْلُهُ: وَالْوِدَادَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْهِبَةُ لَا لِثَوَابِ تَمْلِيكِ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلَ لِوَجْهِ الْمُعْطَى، فَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: ذِي مَنْفَعَةٍ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا.
وَقَوْلُهُ: لِوَجْهِ الْمُعْطِي أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنَّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ لِإِرَادَةِ الثَّوَابِ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطِي عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ هِبَةَ الثَّوَابِ.
[قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] إلَخْ] أَيْ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْحُقُوقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ.
وَقَوْلُهُ: {وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] أَيْ إلَى مَنْ أَسَاءَ إلَيْكُمْ أَوْ الْفَرْضُ وَالنَّدْبُ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] أَيْ وَإِعْطَاءُ ذِي الْقَرَابَةِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ.
وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] أَيْ حُبِّ اللَّهِ أَوْ حُبِّ الْمَالِ أَوْ حُبِّ الْإِيتَاءِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ وَهُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ بِإِعْطَائِهِ.
[قَوْلُهُ: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]] أَيْ فَنِعْمَ شَيْئًا إبْدَاؤُهَا.
[قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ] مَا زَائِدَةٌ أَيْ إلَى غَيْرِ آيَةٍ أَيْ أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ.
[قَوْلُهُ: بِعَدْلِ تَمْرَةٍ] بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَالْعَدْلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمِثْلُ وَبِالْكَسْرِ الْحِمْلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ بِقِيمَةِ تَمْرَةٍ.
وَقَوْلُهُ: طَيِّبٌ أَيْ حَلَالٌ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ تَأْكِيدًا لِتَقْرِيرِ الْمَطْلُوبِ فِي النَّفَقَةِ.
وَقَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَكَرَ الْيَمِينَ لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ لِمَا عَزَّ وَالْأُخْرَى لِمَا هَانَ.
وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَنِسْبَةُ الْأَيْدِي إلَيْهِ تَعَالَى اسْتِعَارَةٌ لِحَقَائِقِ أَنْوَارٍ عُلْوِيَّةٍ يَظْهَرُ عَنْهَا تَصَرُّفُهُ وَبَطْشُهُ بَدْءًا وَإِعَادَةً وَتِلْكَ الْأَنْوَارُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُوحِ الْقُرْبِ وَعَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا وَسِعَةِ دَوَائِرهَا تَكُونُ رُتْبَةُ التَّخْصِيصِ لِمَا ظَهَرَ عَنْهَا، فَنُورُ الْفَضْلِ بِالْيَمِينِ وَنُورُ الْعَدْلِ بِالْيَدِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى يَتَعَالَى عَنْ الْجَارِحَةِ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُرَبِّيهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِمُضَاعَفَةِ
يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ.
الثَّانِي: فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَوَّلُهَا: الْوَاهِبُ وَهُوَ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْهِبَةُ.
ثَانِيهَا: الْمَوْهُوبُ لَهُ وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ الْهِبَةَ وَلَوْ لَمْ يَدُمْ.
ثَالِثُهَا: الْمَوْهُوبُ وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ لَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.
رَابِعُهَا: الصِّيغَةُ كَوَهَبْتُكَ وَأَعْطَيْتُك.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي شَرْطِهَا وَهُوَ الْحَوْزُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَتِمُّ إلَخْ.
وَلَمْ يَقُلْ وَلَا تَصِحُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَوْزِ إذْنُ الْوَاهِبِ بَلْ لَوْ وَجَدَهَا سَائِبَةً فَأَخَذَهَا فَهُوَ حَوْزٌ وَفَائِدَةُ تَمَامِهَا بِالْحَوْزِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ حِيَازَتِهَا بَطَلَتْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ مَاتَ) الْوَاهِبُ (قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ) يَرِثُهُ الْوَرَثَةُ وَتَبْطُلُ لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا طَلَبَ الْهِبَةَ مِنْ الْوَاهِبِ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ فَجَدَّ فِي تَحْصِيلِ الْقَبْضِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَجْرِ [قَوْلُهُ: فَلُوَّهُ] بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْرُ حِينَ يُفْطَمُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى تَرْبِيَةِ غَيْرِ الْأُمِّ وَجَمْعُهُ أَفْلَاءُ كَعَدُوٍّ وَأَعْدَاءٍ. وَفِي رِوَايَةٍ فَلْوَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْأُنْثَى فَلُوَّةٌ بِالْهَاءِ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى تَكُونَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ حَتَّى تَكُونَ التَّمْرَةُ.
وَقَوْلُهُ: مِثْلُ الْجَبَلِ أَيْ فَتَثْقُلُ فِي مِيزَاتِهِ أَوْ الْمُرَادُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ.
[قَوْلُهُ: فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهِيَ إلَخْ] حَيْثُ قَالَ: فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا فَكَيْفَ يَقُولُ الْهِبَةُ فَقَطْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهَا حَيْثُ قَالَ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي شَرْطِهَا إنْ قُرِئَ مَا يَأْتِي بِالْإِفْرَادِ وَإِنْ قُرِئَ بِالتَّثْنِيَةِ صَحَّ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا شَرْطًا فِيهِمَا وَفِي الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَمَّا هُنَا بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْهِبَةِ وَتَكُونُ الصَّدَقَةُ مِثْلَهَا لِقَوْلِهِ: فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا وَحِينَئِذٍ فَمَا وَجْهُ جَعْلِ الْهِبَةِ أَصْلًا فِي الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ الصَّدَقَةَ مِثْلَهَا.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ] أَيْ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَهَبَهُ.
[قَوْلُهُ: فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ] أَمَّا هِبَةُ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُرْتَدِّ فَبَاطِلَةٌ، وَأَمَّا هِبَةُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ فَصَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ وَالْوَرَثَةِ كَهِبَةِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَصَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْغَرِيمِ.
[قَوْلُهُ: مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ الْهِبَةَ] وَلَوْ لَمْ يَدُمْ احْتِرَازًا عَنْ حِمَارٍ وَجَمَلٍ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يَدُمْ دَخَلَ عَطِيَّةُ الرَّقِيقِ لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ حَيْثُ عَلِمَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ أَوْ قَبِلَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ.
[قَوْلُهُ: يَقْبَلُ النَّقْلَ] أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَيَشْمَلُ كَلْبَ الصَّيْدِ وَجِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَكْرَارِ الْمِثَالِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْلِ نَقْلُ الْمِلْكِ لَا نَقْلُ الذَّاتِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ] أَيْ وَالشُّفْعَةُ وَرَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْحَبْسِ فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ كَالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِمَا شَيْءٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِهِبَةِ مَا ذَكَرَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: الصِّيغَةُ كَوَهَبْتُكَ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَفْظًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَقُولُ: كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُعْطَى لَهُ وَلَوْ فِعْلًا كَدَفْعِ دِينَارٍ لِفَقِيرٍ وَكَتَحْلِيَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ] عَطْفُ الِاسْتِقْرَارِ تَفْسِيرٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَوْ نَائِبِهِ، وَقُلْنَا فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ احْتِرَازًا عَنْ عَطِيَّةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ عَلَى يَتِيمٍ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي فَتَصِحُّ الْعَطِيَّةُ لِهَؤُلَاءِ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ الْمُعْطِي إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا أَحْضَرَهَا لَهُمْ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ وَكَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ] الْمُنَاسِبُ تَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ وَهُوَ الْمُتَبَرِّعُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ لَا خُصُوصِ الْوَاهِبِ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ فَتَدَبَّرْ. وَمِثْلُ الْمَوْتِ إحَاطَةُ الدُّيُونِ بِمَالِهِ أَوْ جُنُونُهُ أَوْ مَرَضُهُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ:
الْوَاهِبُ فَإِنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إذَا جَحَدَ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ وَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَيِّنَةً وَسَعَى فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْهِبَةِ فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ:(إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَذَلِكَ نَافِدٌ مِنْ الثُّلُثِ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ.
ع: مَعْنَاهُ إذَا وَهَبَ شَيْئًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ حَبَسَهُ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَقْسِيمِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: مَا قُيِّدَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ أَنْ لَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ لِيَتِيمٍ (أَوْ لِفَقِيرٍ) حُكْمُهَا (كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ) لَهُ (فِيهَا) أَمَّا مَنْعُهُ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِلْفَقِيرِ فَإِنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْهِبَةُ لِلرَّحِمِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ:(وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَكَلَامُهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهَا
أَحَدُهَا: يَرْجِعُ فِيهَا مُطْلَقًا.
ثَانِيهَا: تَرْجِعُ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ.
ثَالِثُهَا: لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِجَارِيَتِهِ فَتَتْبَعُهَا نَفْسُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَى هَذَا بِأَنْ يُقَالَ يُرِيدُ الْأَمْنَ ضَرُورَةً.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يُرَادُ بِهِ الْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ
ــ
[حاشية العدوي]
حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ] أَيْ أَوْ فُلِّسَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ [قَوْلُهُ: فِي الْمَرَضِ] أَيْ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْهُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ كَانَتْ لِوَارِثٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ حَيْثُ كَانَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَا دَيْنٍ.
[قَوْلُهُ: فَذَلِكَ] أَيْ التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْحَبْسِ فِي الْمَرَضِ.
[قَوْلُهُ: نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ] لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ] أَيْ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ [قَوْلُهُ: غَيْرُ جَائِزَةٍ] أَيْ غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ كَانَ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: مَا قُيِّدَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ] أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ عَرَضُهَا الْمَعْلُومُ.
[قَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ إلَخْ] أَيْ الْهِبَةُ لِلرَّحِمِ لِأَجْلِ صِلَتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ إلَخْ] وَلَوْ غَنِيًّا.
[قَوْلُهُ: أَوْ لِيَتِيمٍ] أَيْ مِنْ حَيْثُ يُتْمُهُ.
وَقَوْلُهُ: لِفَقِيرٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ فَقْرُهُ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ لِأَجْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِأَجْلِ فَقْرِهِ أَوْ لِأَجْلِ يُتْمِهِ كَمَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأُمِّ كَالصَّدَقَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِصَارُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عَوْدَ الْهِبَةِ لِمَا ذُكِرَ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ كَالصَّدَقَةِ فَلَا يُقْصَرُ الرَّحِمُ وَالْفَقِيرُ وَالْيَتِيمُ عَلَى خُصُوصِ الْوَلَدِ، بَلْ وَلَا يُقْصَرُ الْحُكْمُ عَلَى خُصُوصِ الرَّحِمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بَلْ مُطْلَقُ قَرِيبٍ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَدَقَةٌ.
وَلَوْ صَرَّحَ فِيهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِقَوْلِهِ رحمه الله: أَحَدُهُمَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْعُهُ إلَخْ] يُرَادُ بِالْمَنْعِ الْحُرْمَةُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الثَّانِي.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا] الْأُولَى فَإِنَّهُمَا أَيْ الصَّدَقَةُ أَيْ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَالْهِبَةُ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ.
وَقَوْلُهُ: وَابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ الثَّوَابُ الْأُخْرَوِيُّ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَدَمَ طَلَبِهِ الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ طَلَبُهُ الثَّوَابَ الْأُخْرَوِيَّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي وَهُوَ مَرْتَبَةُ الْكُمَّلِ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَ بِأَعْمَالِهِمْ إلَّا اللَّهَ فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الثَّوَابَ الْأُخْرَوِيَّ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لِلرَّحِمِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ هَذَا لَا يَتِمُّ مَعَ تَصْدِيرِهِ بِقَوْلِهِ: أَحَدُهَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا.
وَقَوْلُهُ: هُنَا عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ أَيْ عَلَى طَرِيقٍ هِيَ الثَّوَابُ حَقِيقَةً، وَسَكَتَ عَنْ الْيَتِيمِ فَنَقُولُ: إنَّ الْهِبَةَ لَهُ مِنْ حَيْثُ يُتْمُهُ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ.
[قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ] أَيْ وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّأْوِيلِ فَيُوَافِقُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا] وَيَسْتَقْصِي فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ وَيُشْهِدُ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ لَا بِالِاعْتِصَارِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَحَبَّةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَلَهُ] أَيْ لِلْأَبِ دِنْيَةً لِإِخْرَاجِ الْجَدِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ
الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى، وَاحْتُرِزَ بِالْهِبَةِ عَنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا كَمَا قَدَّمْنَا لَا تُعْتَصَرُ وَقَيَّدَ اعْتِصَارَ الْأَبِ مِنْ الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ:(مَا لَمْ يُنْكَحْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْهِبَةِ (أَوْ يُدَايَنُ) لَهَا (أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا) مِثْلُ أَنْ يَهَبَهُ حَدِيدًا فَيَصْنَعُهُ آنِيَةً (وَ) أَمَّا (الْأُمُّ) فَإِنَّهَا لَا (تُعْتَصَرُ) إلَّا (مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ لَمْ تُعْتَصَرْ) فَقَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ) تَكْرَارٌ، وَيُسَمَّى يَتِيمًا مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا بَلَغَ لَمْ يُسَمَّ يَتِيمًا ثُمَّ بَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي يَكُونُ الْوَلَدُ بِهَا يَتِيمًا فَقَالَ:(وَالْيَتِيمُ) فِي الْعُقَلَاءِ (مِنْ قِبَلِ الْأَبِ) وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ فَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حِيَازَةِ الْأَبِ لِلِابْنِ فَقَالَ: (وَمَا) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي (وَهَبَهُ) الْأَبُ (لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَحِيَازَتُهُ لَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ.
[قَوْلُهُ: مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ] أَيْ لَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَلَا لِفَقْرِهِ وَلَا لِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ بَلْ وَهَبَهُ لِوَجْهِهِ، وَالْحَبْسُ كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الصَّدَقَةِ الْحَبْسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا حِيزَتْ الْهِبَةُ أَوْ لَا.
[قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ اعْتِصَارَ الْأَبِ مِنْ الْكَبِيرِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا.
[قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنْكَحْ أَوْ يُدَايَنْ إلَخْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَصْدِ الْمُنْكِحِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي دَايَنَهُ، وَأَمَّا قَصْدُهُ هُوَ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكْفِي قَصْدُ الِابْنِ، فَلَوْ قَصَدَ ذَاتَهُ بِالْإِنْكَارِ أَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً لَا يُنْكَحُ وَلَا يُدَايَنُ الشَّخْصُ لِأَجْلِهَا فَلَا يُفَوِّتَانِ الِاعْتِصَارَ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِنْكَاحِ الْعَقْدُ دَخَلَ أَوْ لَا بَقِيَ نِكَاحُهُ أَوْ زَالَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ.
[قَوْلُهُ: أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا] أَيْ حَادِثًا يُنْقِصُهَا فِي ذَاتِهَا أَوْ يَزِيدُهَا فَإِنَّهَا تَفُوتُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ اعْتِصَارُهَا إلَّا أَنْ يَزُولَ النَّقْصُ أَوْ يَرْجِعَ الزَّائِدُ فَإِنَّهُ يَعُودُ الِاعْتِصَارُ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْصِ بَيْنَ الْحِسِّيِّ كَهُزَالِ الْحَيَوَانِ الَّذِي كَانَ سَمِينًا وَالْمَعْنَوِيِّ كَنِسْيَانِ الْعَبْدِ صَنْعَةً، وَكَذَا تَفُوتُ الْهِبَةُ الْمِثْلِيَّةُ بِخَلْطِهَا بِمِثْلِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأُمُّ] أَيْ دِنْيَةً [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُعْتَصَرُ] أَيْ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا.
[قَوْلُهُ: مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا] أَيْ وَلَوْ مَجْنُونًا زَمَنَ الْهِبَةِ جُنُونًا مُطْبِقًا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِهِبَتِهَا صِلَةَ رَحِمٍ أَوْ ثَوَابَ آخِرَةٍ أَوْ لِفَقْرِهِ فَلَا تُعْتَصَرُ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ حِينَ الْهِبَةِ لَا أَبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهَا لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ وَلَوْ بَلَغَ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ لِكَبِيرٍ أَيْ بَالِغٍ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ الصَّغِيرَ ذَا الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ صَغِيرًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَمُقَابِلُهُ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَبٌ حِينَ الْهِبَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ.
فَإِذَا مَاتَ لَمْ تُعْتَصَرْ وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَكْرَارَ بِأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَدَثَتْ الْهِبَةُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ ثُمَّ يَتِمَ، وَأَمَّا هَذِهِ فَالْهِبَةُ فِي حَالَةِ الْيُتْمِ بِالْفِعْلِ، وَادَّعَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ لِأَنَّهُ كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إذْ لَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ] أَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت وَنَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْيَتِيمُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ هَذَا فِي الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ فَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَمِنْ الطَّيْرِ مِنْ قَبْلِهِمَا مَعًا اهـ.
[قَوْلُهُ: وَمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ] عَبَّرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَحْجُورِهِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوهٍ لِشُمُولِهِ لِلسَّفِيهِ وَغَيْرِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ شُمُولِهِ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ إذْ هُوَ مَحْجُورُ السَّيِّدِ لَا مَحْجُورُ الْأَبِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ أَيْ الْإِشْهَادُ بِأَنَّهُ وَهَبَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ عَلَى الْإِشْهَادِ بِالْحِيَازَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ صَرْفُ غَلَّةِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِمَنْ وَهَبَهُ لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغُبْرِينِيُّ وَالرَّصَّاعُ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَوَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ الْحِيَازَةَ هُنَا تَصِحُّ وَلَوْ صَرَفَ الْوَلِيُّ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَهُنَا شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْوَلِيُّ مِنْ الْغَلَّةِ وَصَرَفَهُ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ الْمَحْجُورُ مُطْلَقًا أَوْ يُقَالُ: إنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِصَارِ وَكَانَ أَصْلُهُ مِمَّا يُعْتَصَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهِ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ،
جَائِزَةٌ) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَسْكُنْ) الْأَبُ (ذَلِكَ) الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ دَارًا (أَوْ يَلْبَسْهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَالْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَهَبْتُك الدَّارَ الَّتِي صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَلَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهَبْتُك دَارًا مِنْ دُورِي.
ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ إلَّا وَالِدُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ تَحُوزُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الصَّغِيرِ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ:(وَأَمَّا) الِابْنُ (الْكَبِيرُ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهُ) أَيْ حِيَازَةِ الْأَبِ (لَهُ) هَذَا إذَا كَانَ رَشِيدًا، فَإِنْ حَازَ لَهُ لَمْ تَصِحَّ حِيَازَتُهُ لَهُ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَتَجُوزُ حِيَازَتُهُ لَهُ
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ) يُرِيدُ أَوْ غَيْرُهُ (فِي صَدَقَتِهِ) مَفْهُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّهْيَ عِنْدَ ذَلِكَ لِلنَّدَبِ (وَلَا تَرْجِعُ) الصَّدَقَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُتَصَدِّقِ بَعْدَ الْحَوْزِ مُطْلَقًا أَعْنِي كَانَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (بِالْمِيرَاثِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهَا بِهِ إذْ لَا تَسَبُّبَ مِنْهُ فِي رُجُوعِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُجُوعُهَا إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ رُخِّصَ فِي شِرَائِهَا لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الِابْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
تَنْبِيهٌ: ق: أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ لِسَائِلٍ صَدَقَةً فَوَجَدَهُ قَدْ ذَهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ
ــ
[حاشية العدوي]
وَقَدْ ذَكَرَ شَارِحُ الْحُدُودِ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ هَلْ يَكُونُ اعْتِصَارًا أَمْ لَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِشَرْطَيْنِ، أَيْ وَبَقِيَ ثَالِثٌ وَهُوَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْهِبَةِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِالْحِيَازَةِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: الَّذِي وَهَبَهُ الْأَبُ أَيْ الرَّشِيدُ.
[قَوْلُهُ: فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ] أَيْ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ عِنْدَ الْأَبِ إلَى أَنْ فُلِّسَ أَوْ مَاتَ
[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَسْكُنْ إلَخْ] وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ دَارَ سُكْنَاهُ وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا لِجَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ اسْتَمَرَّ لَابِسًا لِمَا وَهَبَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَأَمَّا إنْ سَكَنَ الْأَقَلَّ وَأَكْرَى الْأَكْثَرَ فَلَا بُطْلَانَ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ دَارَ سُكْنَاهُ لِكِبَارِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا سَكَنَهُ فَقَطْ وَيَصِحُّ مَا حَازَهُ الْوَلَدُ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ.
[قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهَبْتُك دَارًا مِنْ دُورِي] إنَّمَا قَالَ مِثْلَ لَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا وَهَبَ لَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَحَازَهَا حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ فَلَسٍ بَطَلَتْ الْهِبَةُ.
وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ شُهُودِهَا بِخِلَافِ لَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا وَوَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ فَلَا تَبْطُلُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي.
[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ إلَّا وَالِدُهُ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَحُوزُ لَهُ الْأَخُ الْكَبِيرُ إذَا وَهَبَهُ شَيْئًا [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأُمُّ تَحُوزُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً] أَيْ لِلْأَبِ أَوْ وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً فَلَا تَصِحُّ حِيَازَتُهَا مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ.
وَلَوْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلَدِ الذَّكَرِ الْحُرِّ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَيَحُوزُ لَهُ سَيِّدُهُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا وَمَا وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَيَحُوزُ لَهَا وَلَوْ بَلَغَتْ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَوْ تَبَيَّنَ مِنْهَا الرُّشْدَ
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِابْنُ الْكَبِيرُ] أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ شَيْئًا وَاسْتَمَرَّ حَائِزًا لَهُ حَتَّى بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْهُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَأَمَّا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ حَائِزًا لَهُ.
وَاخْتُلِفَ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَجُهِلَ حَالُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتَمَرَّ أَبُوهُ حَائِزًا حَتَّى مَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّفَهِ فَلَا تَبْطُلُ أَوْ عَلَى الرُّشْدِ فَتَبْطُلُ قَوْلَانِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ] قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ، فَفِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: فِي صَدَقَتِهِ] وَأَمَّا الْهِبَةُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لَهُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلنَّدَبِ] أَيْ لِأَجْلِهِ وَلَوْ قَالَ لِلْكَرَاهَةِ لَكَانَ حَسَنًا.
[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الِابْنِ] وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ عَمَّرَ شَخْصًا دَارِهِ فَيَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا وَمَنْ سَبَّلَ مَاءً عَلَى غَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ الشُّرْبُ مِنْهُ.
كَانَ السَّائِلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ) الْمُتَصَدِّقُ (مِنْ لَبَنِ مَا) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي (تَصَدَّقَ بِهِ) كَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ (وَ) كَذَا (لَا يَشْتَرِي) الْمُتَصَدِّقُ (مَا) أَيْ الشَّيْءَ الَّذِي (تَصَدَّقَ بِهِ) لَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ يُفْسَخُ وَقِيلَ يَمْضِي مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْهِبَةِ وَهُوَ مَا قُيِّدَ بِثَوَابٍ فَقَالَ: (وَالْمَوْهُوبُ) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي وَهَبَ لَهُ (لِ) أَجْلِ أَخْذٍ (لِعِوَضٍ) مِنْهُ (إمَّا أَثَابَ) أَيْ عَاوَضَ (الْقِيمَةَ أَوْ رَدَّ الْهِبَةَ) ق: تَعَرَّضَ هُنَا لِهِبَةِ الثَّوَابِ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهِ وَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِعُضْوٍ مَجْهُولٍ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ، وَأَثَابَ فِعْلٌ وَالْقِيمَةُ مَفْعُولٌ وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إمَّا عَاوَضَ الْقِيمَةَ عَنْ عَيْنِ الْهِبَةِ أَوْ رَدَّهَا يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:(فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَذَلِكَ) أَيْ الْإِثَابَةُ بِالْقِيمَةِ أَوْ رَدُّ الْهِبَةِ (إذَا كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ هَذَا: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ هُنَا إلَخْ] أَيْ فَالشُّرْبُ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى.
[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ] أَيْ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِلْمُصَنِّفِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُعَارَضَةَ كَمَا أَفَادَهُ عج بِأَنْ يُقَالَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي لَبَنٍ لَا سَمْنَ لَهُ، وَكَلَامُهَا فِي لَبَنٍ لَهُ سَمْنٌ وَوَفَّقَ بِتَوْفِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَكَانَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ.
[قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَشْتَرِي إلَخْ] مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَخْ [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ] أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
[قَوْلُهُ: مَا قُيِّدَ بِثَوَابٍ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ كَمَا إذَا قَالَ: أَعْطَيْتُك هَذَا لِتُثِيبَنِيَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَيَأْتِي يُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ عَاوَضَ] أَيْ دَفَعَ الْقِيمَةَ عِوَضًا أَيْ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرٌ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ كَمَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ حَيْثُ لَمْ تَفُتْ الْهِبَةُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقِيمَةَ، وَإِذَا أَتَى بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ أَخْذُهَا وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِيهَا وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْمَوْهُوبُ مِمَّا يُعَوِّضُ عَنْهَا قِيمَتَهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَأَنَّهُ إذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ قِيمَتُهَا بِقَبْضِهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِفَوْتِهَا عِنْدَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَهُ أَوْ ذَكَرَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ.
وَأَمَّا إنْ ذَكَرَهُ وَعَيَّنَهُ وَرَضِيَ الْآخَرُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَسَوَاءٌ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ لَا وَلِوَاهِبِ الثَّوَابِ طَلَبُ الثَّوَابِ وَلَوْ مُعَجَّلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ عُرْسٌ إلَّا لِعَادَةٍ، وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُحَاسِبَ الْوَاهِبَ بِمَا أَكَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عِنْدَ إحْضَارِ الْهِبَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ جَرَتْ بِذَلِكَ عَادَةٌ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَهَلْ يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ عَلَى قِيمَةِ هِبَتِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ كُلٌّ بِالطَّلَاقِ عَلَى نَقِيضِ مَا أَرَادَ صَاحِبُهُ لَقُضِيَ بِتَحْنِيثِ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هِبَةَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ قَوْلَانِ وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ رِبَا الْفَضْلِ وَإِلَّا امْتَنَعَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُعَاطَاةِ.
وَقَوْلُهُ: وَهِيَ عَقْدٌ هَذَا تَعْرِيفٌ آخَرُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي سِلْكٍ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ آخَرُ كَأَنْ يَقُولَ أَوْ هِيَ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ لِمَا إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْهِبَةِ عَلَى ثَوَابٍ مُعَيَّنٍ.
[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ] أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
قَالَ الْبَاجِيُّ.
هِبَةُ الثَّوَابِ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ اهـ.
أَيْ الْجَوَازُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مَا عَدَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ خُصَّ بِأَنْ لَا يَهَبَ لِلثَّوَابِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوهَبَ لَهُ لِيُثِيبَ قَالَهُ تت.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَتْ] أَيْ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا] أَيْ يَوْمَ الْقَبْضِ
يُرَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُظَنُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْوَاهِبُ (أَرَادَ) بِهِبَتِهِ (الثَّوَابَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) يُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْهِبَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَلَّابِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً مُطْلَقًا وَادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ وَحُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى الْهِبَةِ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مَعَ يَمِينِهِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَأَلْزَمَهُ الْيَمِينُ شِرَاءً شَهِدَ الْعُرْفُ بِطَلَبِ الثَّوَابِ أَمْ لَا
(وَ) مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ فَأَكْثَرُ وَمَعَهُ مَالٌ (يُكْرَهُ) لَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَنْ يَهَبَ
ــ
[حاشية العدوي]
[قَوْلُهُ: أَيْ الْإِثَابَةُ] فَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، أَيْ الْمَذْكُورُ مَعْنًى عَلَى حَدِّ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]
[قَوْلُهُ: يَظُنُّ] أَيْ يَظُنُّ النَّاسُ [قَوْلُهُ: يَعْرِفُ ذَلِكَ] أَيْ يَظُنُّ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالْفَقِيرِ يَدْفَعُ شَيْئًا لِغَنِيٍّ بِخِلَافِ هِبَةِ الْغَنِيِّ لِفَقِيرٍ أَوْ عَالِمٍ أَوْ صَالِحٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي قَصْدِهِ الثَّوَابَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَظُنُّونَ فِي ذَلِكَ قَصْدَ الثَّوَابِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ] فِيهِ أَنَّ الْقَسْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إذَا كَانَ يَرَى، وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ.
[قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَهَبَا مُطْلَقًا أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ] أَيْ كَهِبَةِ فَقِيرٍ لِغَنِيٍّ وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ قَرِينَةِ الْحَالِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ مِنْ سَائِرِ مَنْ يَهَبُ لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُهُ لَا يَطْلُبُ ثَوَابًا أَصْلًا، وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ مَعْلُومَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ قَطْعًا وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ مِنْ أَشْخَاصٍ دُونَ آخَرِينَ كَمَا إذَا وَهَبَ كَبِيرٌ لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مَالًا وَجَاهًا فَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ إنْ رُوعِيَ حَالُ الْوَاهِبِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ، وَإِنْ رُوعِيَ حَالُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ حَالِهِ كَانَ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ إلَّا عَلَى حَالِ الْوَاهِبِ فَقَطْ، وَيُمْكِنُ دُخُولُ تِلْكَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ [قَوْلُهُ: فَأَلْزَمَهُ الْيَمِينُ] وَقِيلَ الْيَمِينُ عِنْدَ إشْكَالِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ فَقَطْ أَوْ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إذَا اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ الْوَاهِبُ إنَّمَا وَهَبْت لِلثَّوَابِ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ ثَوَابٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ إنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ شَهِدَ لِلْمَوْهُوبِ وَلَوْ حُكْمًا لِقَرِينَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ اُنْظُرْ تَتِمَّتَهُ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ.
الثَّانِي: يُثَابُ عَنْ الشَّيْءِ مَا يَقْضِي عَنْهُ بِبَيْعٍ وَإِنْ مَعِيبًا حَيْثُ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ فَيُثَابُ عَنْ الْعَرَضِ طَعَامًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا، وَيُثَابُ عَنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثَابَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً وَلَا عَكْسُهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الصَّرْفِ الْمُؤَجَّلِ، وَلَا عَنْ الْعَيْنِ مِنْ صِفَتِهَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَدَلِ الْمُؤَخَّرِ، وَلَا عَنْ الْحَيَوَانِ مِنْ لَحْمِ جِنْسِهِ وَلَا عَكْسُهُ، وَيُثَابُ عَنْ الطَّعَامِ عَرَضًا أَوْ دَنَانِيرَ لَا طَعَامٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ إلَّا أَنْ يَقَعَ قَضَاءُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ نَاجِزًا فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِ
[قَوْلُهُ: يُكْرَهُ لَهُ] أَيْ لِلشَّخْصِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ لَا، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَاقًّا أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ] أَيْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَأَمَّا فِي حَالِ مَرَضِهِ الْمَخُوفِ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةُ الْوَارِثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَتْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ حَوْزُهَا حَتَّى مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا كُرِهَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عُقُوقِ الْبَاقِينَ وَحِرْمَانِهِمْ وَيُؤَدِّي إلَى تَبَاغُضِهِمْ وَالْمَطْلُوبُ الْحِرْصُ عَلَى الْمُوَاصَلَةِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ]
لِبَعْضِ وَلَدِهِ مَالَهُ كُلَّهُ) أَوْ جُلَّهُ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ أَوْلَادُهُ الْآخَرُونَ فَيَمْنَعُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» (وَأَمَّا) إذَا وَهَبَ لَهُ (الشَّيْءَ) الْيَسِيرَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِهِ (فَذَلِكَ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَقَيَّدْنَا بِالْيَسِيرِ لِقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا.
قُلْت: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما، وَكَذَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، أَمَّا إذَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِلَّهِ) عز وجل وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا لَمْ يَمْنَعْهُ وَلَدُهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا لَمْ يَمْرَضْ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ جَائِزٌ بِشَرْطِهِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَنْ مُؤْنَتِهِ
(وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً) لِغَيْرِ الثَّوَابِ (فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ) لَهُ (حَتَّى مَرِضَ
ــ
[حاشية العدوي]
وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ.
[قَوْلُهُ: وَلَدُهُ] مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ وَلَوْ مَرِيضًا.
[قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيَمْضِي مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الْآخَرُونَ فَلَهُمْ رَدُّهُ هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَدْ نَسَبَ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا لِلَّخْمِيِّ وَقَضِيَّةُ عَجَّ اعْتِمَادُهُ وَانْظُرْهُ.
[قَوْلُهُ: مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ] صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ وَصَحِيحُ مُسْلِمٍ فَفِيهِ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَعَلْت هَذَا بِوَلَدِك كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لَا قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» . فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ اهـ.
وَبَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَاحِدٌ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّدَقَةِ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ، وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ الْجُلُّ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ.
[قَوْلُهُ: الْيَسِيرُ] أَيْ مَا عَدَا الْجُلِّ فَيَصْدُقُ بِالنِّصْفِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْأَبِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا سِوَى هِبَةِ الثَّوَابِ.
[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ] هَذَا الِاسْتِدْلَال لَا يُوَافِقُ تَقْيِيدَهُ لِأَنَّ كَلَامَ الْجَلَّابِ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَسِيرًا وَوَهَبَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَتَقْيِيدُهُ بِأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ الْيَسِيرَ مِنْ مَالِهِ لَا أَنَّ مَالَهُ يَسِيرٌ وَوَهَبَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ عَجَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْجَلَّابِ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَسِيرًا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَيِّدَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا وَيُكْرَه بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ: وَحَرِّرْ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ] أَيْ لِبِنْتِهِ عَائِشَةَ إلَّا أَنَّ هِبَتَهَا لَمْ تَتِمَّ لِأَنَّهُ وَهَبَهَا بَعْضَ الثِّمَارِ وَتَأَخَّرَتْ عَنْ حَوْزِهَا حَتَّى مَرِضَ أَبُوهَا مَرَضَ الْمَوْتِ فَبَطَلَتْ الْهِبَةُ لَهَا.
[قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ] وَسَكَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ.
[قَوْلُهُ: بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ] وَأَمَّا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَسَوَّى بَيْنَهُمْ فَلَا كَرَاهَةَ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَاضٍ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ وَمُفَادُ عَجَّ اعْتِمَادُهُ، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِأَلَّا يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ وَلَا نَذْرٍ، وَإِمَّا إذَا كَانَ فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
[قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يَمْرَضْ] وَأَمَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَتَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَ إلَخْ] وَقَالَ التَّادَلِيُّ: يُرِيدُ مَعَ كَرَاهَةٍ إذْ لَا قَائِلَ بِجَوَازِهِ دُونَهَا اهـ.
وَلَعَلَّ الشَّارِحَ رَدَّهُ بِقَوْلِهِ وَالْمَشْهُورُ إلَخْ وَحَرِّرْ.
[قَوْلُهُ: جَائِزٌ بِشَرْطِهِ] مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ، ثُمَّ نَقُولُ: أَرَادَ بِالْجَوَازِ خِلَافَ الْأَوْلَى أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ رَاضِيَةً لَا تَخْشَى ضَجَرًا وَإِلَّا نُدِبَ، وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ ضَيَاعُ عِيَالِهِ وَإِلَّا حَرُمَ، كَمَا إذَا كَانَ يَخْشَى اكْتِسَابَ مَالٍ حَرَامٍ بِتَصَدُّقِهِ بِكُلِّ مَالِهِ الْحَلَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخْشَى اكْتِسَابَ شُبْهَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَنَدْبِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِصَدَقَتِهِ طَالِبَ عِلْمٍ وَمُنْقَطِعًا لِعِبَادَةٍ وَصَدِيقًا فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقْصِدُ بِصَدَقَتِهَا أَهْلَ الْعِلْمِ وَكَذَا ابْنُ الْمُبَارَكِ.
[قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الثَّوَابِ] أَيْ لِغَيْرِ ثَوَابِ الدُّنْيَا بَلْ لِوَجْهِ الْمُعْطِي.
[قَوْلُهُ: فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ] أَيْ وَلَمْ يَجِدَّ فِي حَوْزِهَا.
[قَوْلُهُ: