الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ حُرًّا مُؤْمِنًا مَعْصُومًا، وَاحْتَرَزَ بِالْخَطَأِ مِنْ الْعَمْدِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَمْدَ بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ تَفْسِيرٌ لِلْكَفَّارَةِ أَيْ هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ وَلَا مُشْتَرَاةٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) بِمَعْنَى لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقَ رَقَبَةٍ (فَ) إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ (صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقًا وَلَا صَوْمًا انْتَظَرَ أَحَدَهُمَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْإِطْعَامُ (وَيُؤْمَرُ) الْقَاتِلُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّكْفِيرِ (إنْ عَفَا عَنْهُ) الْوَلِيُّ (فِي الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) لِعِظَمِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبُّ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ عَبْدًا، وَلِمَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا.
(وَيُقْتَلُ) وُجُوبًا (الزِّنْدِيقُ) حَدًّا لَا كُفْرًا (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ) وَهَذَا هُوَ الْمُنَافِقُ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُنَافِقِينَ خَشْيَةَ أَنْ يُقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ الْإِسْلَامِ.
(وَكَذَلِكَ) يُقْتَلُ (السَّاحِرُ) الَّذِي يُبَاشِرُ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِ يُبَاشِرُ احْتِرَازًا عَمَّنْ دَفَعَ مَالًا لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ السِّحْرَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إنْ عُثِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَاتِلِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: تَأْكِيدٌ لَا يَظْهَرُ بَلْ هُوَ مُبَالَغَةٌ
[كَفَّارَة الْقَتْل]
[قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَإِ] قَالَ تت: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا فَلِذَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَوْ شَرِيكًا، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ لَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ كَفَّارَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْتُولِينَ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْحُرِّ] فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ: الْمُسْلِمِ أَيْ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ.
[قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ حُرًّا] أَيْ فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ عَبْدٍ.
[قَوْلُهُ: مُؤْمِنًا] فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ كَافِرٍ.
[قَوْلُهُ: مَعْصُومًا] فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ حَرْبِيٍّ ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ تت.
[قَوْلُهُ: مُؤْمِنَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُشْتَرَطُ فِي رَقَبَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ يُطْلَبُ هُنَا.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الرِّقِّ لِلْمُكَفِّرِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ] أَيْ وَلَا رَبْطُ حُرِّيَّةٍ، أَيْ وَلَا مُرْتَبِطٌ بِرِقٍّ هُوَ حُرِّيَّةٌ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ] أَيْ فَلَوْ أَعْسَرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ لِبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَلِإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ لِأَجْلِ أَنْ يَصُومَهَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرِهِ [قَوْلُهُ: مُتَتَابِعَيْنِ] فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ الصَّوْمَ فَإِنْ أَفْطَرَ عَمْدًا ابْتَدَأَهُ وَنِسْيَانًا أَوْ لِحَيْضٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَبْتَدِئُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَ صَوْمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَوْ أَعْسَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ انْتِظَارَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ حَتَّى يَصُومَا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مَعَ عَدَمِ إثْمِ الْقَاتِلِ لِخَطَرِ أَمْرِ الدِّمَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْقَاتِلُ إلَخْ] أَيْ فَهِيَ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ الَّذِي لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا النَّارُ أَوْ عَفْوُ الْبَارِي.
[قَوْلُهُ: إنْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ] أَوْ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ] أَيْ فَإِذَا كَفَّرَ قَاتِلُ الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ التَّرْكِ كَذَا حَلَّ تت. أَقُولُ: وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا.
[قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ عَبْدًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا.
[قَوْلُهُ: أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ
[مِنْ يَقْتُلُونَ وجوبا]
[قَوْلُهُ: حَدًّا لَا كُفْرًا] أَيْ إنْ تَابَ حِينَ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَفَائِدَةُ قَتْلِهِ حَدًّا أَنَّ مَالَهُ لِوَارِثِهِ وَمِثْلُ تَوْبَتِهِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّنْدَقَةِ، وَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلَمْ يَتُبْ فَلَا يُورَثُ وَلِكَوْنِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَكُونُ قَتْلُهُ حَدًّا.
[قَوْلُهُ: الَّذِي يُبَاشِرُ] تَفْسِيرٌ لِلسَّاحِرِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ سَاحِرٍ لَيْسَ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ] فَيُقْتَلُ حَدًّا كَالزِّنْدِيقِ حَيْثُ كَانَ يُخْفِي ذَلِكَ وَتَابَ حِينَ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ لَقُتِلَ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ] لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ كَمَنْ يَسْتَأْجِرُ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَإِنَّ الَّذِي يُقْتَلُ هُوَ الْقَاتِلُ، وَأَمَّا الَّذِي يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ كَانَ سِحْرًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَإِلَّا عُوقِبَ بِغَيْرِ
إنْ لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ السِّحْرَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَا يُغَيِّرُ الْأَجْسَامَ وَيُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا.
(وَيُقْتَلُ مَنْ ارْتَدَّ) أَيْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ بَالِغًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (إلَّا أَنْ يَتُوبَ) فَلَا يُبَادَرُ بِقَتْلِهِ (وَ) لَكِنْ تُعْرَضُ التَّوْبَةُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى فَإِنَّهُ (يُؤَخَّرُ لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ عُقُوبَةٍ بِضَرْبٍ أَوْ تَجْوِيعٍ أَوْ تَعْطِيشٍ وَمِنْ غَيْرِ تَخْوِيفٍ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ) تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ " مَنْ " تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَتُؤَخَّرُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ
(وَمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ) عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ (وَأَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَقَالَ لَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَتْلِ.
[قَوْلُهُ: قُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ إلَخْ] هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَلِذَلِكَ قَالَ تت: وَيُؤَدَّبُ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ لِنَقْضِهِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَيُؤَدَّبُ إنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ أَحَدًا فَيُقْتَلُ بِهِ اهـ.
[قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ كُلُّ مَا يُغَيِّرُ الْأَجْسَامِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى كُلُّ مَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْأَجْسَامِ وَيُخْرِجُهَا عَنْ حَالِهَا وَلَوْ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةَ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ رَبْطُ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ وَإِذْهَابُ عَقْلِ غَيْرِهِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَأَوْلَى لَوْ غَيَّرَ صِفَةَ الْجِسْمِ كَتَغَيُّرِهِ مِنْ صُورَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ إلَى صُورَةِ الْحِمَارِيَّةِ وَظَاهِرُهُ كَانَ سَبَبُ التَّغَيُّرِ كَلَامًا مُكَفِّرًا فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا، وَقَدْ أَطْلَقَ مَالِكٌ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. نَعَمْ إنْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ كَلَامٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ ظَهَرَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَيُمْكِنُ رَدُّ تَفْسِيرِ الشَّارِحِ إلَيْهِ أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: بِأَنَّهُ كُلُّ مَا يُغَيِّرُ أَيْ مِمَّا عُظِّمَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي أَعْلَمَ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَيُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ مَنْ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِخْبَارِ عِنْدَ الْإِمَامِ هَكَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ أَصْبَغَ، وَاسْتَصْوَبَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَحْوِ آيَةِ {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 64] لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ السِّحْرِ الْمُكَفِّرِ
[قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ مَنْ ارْتَدَّ] قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ، وَتَقْرِيرُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ] أَيْ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ الْبَعِيدُ كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِهِ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْكُفْرَ، كَقَوْلِهِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ أَوْ أَتَى بِفِعْلٍ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ كَإِلْقَاءِ قُرْآنٍ فِي قَذَرٍ اخْتِيَارًا.
[قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بَالِغًا] وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَيُهَدَّدُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا بَلَغَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مُمَيِّزًا.
وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ إلَّا إذَا بَلَغَ وَأَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ.
[قَوْلُهُ: فَلَا يُبَادَرُ بِقَتْلِهِ وَلَكِنْ تُعْرَضُ التَّوْبَةُ عَلَيْهِ] أَيْ وَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ مَنْ ارْتَدَّ يُقْتَلُ عِنْدَ عَدَمِ التَّوْبَةِ فَلَا يُبَادَرُ بِهِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مُشْكِلٌ.
[قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ] أَيْ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
[قَوْلُهُ: يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ] فَإِنْ تَابَ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا قُتِلَ بِغُرُوبِ شَمْسِ.
الثَّالِثِ: وَتُحْسَبُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ مِنْ ثُبُوتِ الْكُفْرِ لَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ مَعَ تَأَخُّرِ الثُّبُوتِ، وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الثُّبُوتُ وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَخَّرُ ثَلَاثًا لِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ، فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مَضَى لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَاَلَّذِي يَسْتَتِيبُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِ تَخْوِيفٍ بِالْقَتْلِ] فَلَا يُقَالُ لَهُ: إنْ لَمْ تُسْلِمْ تُقْتَلُ، وَكَذَا لَا يُخَوَّفُ بِغَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا أَوْ مَكْرُوهٌ وَلَعَلَّهُ مَكْرُوهٌ وَانْظُرْهُ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارُ إلَخْ] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ قَتْلِ النِّسَاءِ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ قَتْلِهِنَّ لِأَنَّ مَحْمَلَهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا عَلَى الْمُرْتَدِّ.
[قَوْلُهُ: وَتُؤَخَّرُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ] أَيْ وَتَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ، وَإِنْ كَانَتْ تُرْضِعُ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى تَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ وَيَقْبَلُ الْوَلَدَ وَكَذَا تُؤَخَّرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ حَيْثُ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً أَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ كَانَتْ سُرِّيَّةً حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ وَلَوْ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِضَعْفٍ أَوْ يَأْسٍ
أُصَلِّي) الْآنَ وَأُصَلِّي بَعْدُ أَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي مُطْلَقًا أَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ (أُخِّرَ حَتَّى يَمْضِيَ) أَيْ يَخْرُجَ (وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ) خَرَجَ الْوَقْتُ وَ (لَمْ يُصَلِّهَا) أَيْ تِلْكَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ فِي الْمَكَانِ الْمَعْهُودِ وَلَا يُعَاقَبُ بِغَيْرِهِ وَلَا بِهِ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْقَتْلِ وَلَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً بَلْ يُهَدَّدُ أَوَّلًا وَيُضْرَبُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا لَا كُفْرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْقَتْلُ بِالْفَائِتَةِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ.
(وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا) وَتُجْزِيهِ وَإِنْ أَدَّى
ــ
[حاشية العدوي]
مَشْكُوكٍ فِيهِ فَلَا تَسْتَبْرِئُ إلَّا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحْمِلُ أَوْ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّهَا تَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهَا، وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا اسْتِبْرَاءَ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ حَمْلًا، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي ذَلِكَ أَوْ شَكُّوا.
تَنْبِيهٌ:
يُطْعَمُ الْمُرْتَدُّ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ رِدَّتِهِ، وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ فَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَالَ عِنْدَهُ
[قَوْلُهُ: وَأُصَلِّي بَعْدُ] أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَيْنُ قَوْلِهِ أَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ.
[قَوْلُهُ: أُخِّرَ حَتَّى يَمْضِيَ] مُفَادُ الشَّارِحِ إبْقَاءُ الْعِبَارَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّ التَّأْخِيرَ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى ضَعِيفٍ، وَنَحْنُ نُقَرِّرُهُ عَلَى وَجْهٍ بِهِ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ يَمْضِي مَعْنَاهُ أَيْ يَكَادُ يَمْضِي، أَيْ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا طُمَأْنِينَةٌ وَلَا اعْتِدَالٌ وَلَا قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ وَلَا طَهَارَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ، فَإِنْ قَامَ لِلْفِعْلِ لَمْ يُقْتَلْ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ فِي الْحَالِ هَذَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَاضِرَتَانِ أُخِّرَ لِبَقَاءِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرَيْنِ حَضَرًا وَلِثَلَاثٍ فِيهِمَا سَفَرًا وَلِأَرْبَعٍ فِي اللَّيْلَتَيْنِ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا طُمَأْنِينَةٌ وَلَا اعْتِدَالٌ مُطْلَقًا وَلَا فَاتِحَةٌ سِوَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ الْأُولَى فَقَطْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ وَغَيْرِهَا.
قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَبِقَوْلِنَا حَتَّى يَكَادَ يَمْضِي إلَخْ عُلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَطَلَبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَامْتَنَعَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُخِّرَ فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ آتِيًا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ الْفَائِتَةَ يُقْتَلُ بِهَا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْعِبَارَةِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: فِي الْمَكَانِ الْمَعْهُودِ] أَيْ الْمَعْهُودِ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً بَلْ يُهَدَّدُ أَوَّلًا وَيُضْرَبُ] وَهَلْ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالْقَتْلِ بِالْفَائِتَةِ أَوْ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ فَنَقُولُ: إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ تَهْدِيدُهُ وَلَوْ بِالضَّرْبِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُهَدَّدُ بِالْقَتْلِ بَعْدَ الضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى ضَاقَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ مَعَ الطَّهَارَةِ فَتَرَدَّدَ عج فِي قَتْلِهِ وَاسْتَظْهَرَ عَدَمَ قَتْلِهِ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ قَتْلَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لَا سَبِيلَ إلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الشُّرُوعِ مَعَ الْقُدْرَةِ قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ لِي وَمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ بِسَعَةِ وَقْتِهَا وَأُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ وَحَصَلَ تَوَانٍ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَيُقْتَلُ بِهَا لِأَجْلِ الطَّلَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَزِيَّةِ، قُلْت: فَعَلَيْهِ لَا يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ ذَهَبَ إلَى الْقَتْلِ بِالْفَائِتَةِ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَعْهُودَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي فَائِتَةٍ لَمْ يُطْلَبْ بِهَا فِي الْوَقْتِ.
تَتِمَّةٌ:
حُكْمُ مَنْ قَالَ: لَا أَتَوَضَّأُ أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لَا أَسْتُرُ عَوْرَتِي فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا أَرْكَعُ لَهَا أَوْ لَا أَسْجُدُ كَسَلًا حُكْمُ تَارِكِهَا، وَانْظُرْ هَلْ يُقَدَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ قَدْرُ مَا يَسْعَهُمَا مَعَ رَكْعَةٍ، وَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ أَوْ يُرَاعَى قَدْرُ رَكْعَةٍ مَعَ بَدَلِهِمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ] أَيْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْفَائِتَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ أَصْلًا أَوْ طُلِبَتْ بِضِيقِ وَقْتِهَا عَلَى مَا
ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِظُهُورِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَبَيْنَ التَّقَرُّبِ.
(وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ) الْوَاجِبَ (فَاَللَّهُ حَسْبُهُ) يَنْتَقِمُ مِنْهُ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ بِقَتْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ إذْ لَعَلَّهُ لَمْ تَتَوَفَّرْ عِنْدَهُ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي.
(وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ (جَحْدًا لَهَا) أَيْ لِوُجُوبِهَا أَوْ لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ جَحَدَ غَيْرَهَا مِنْ الْفَرَائِضِ كَالْحَجِّ أَوْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ (فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) كُفْرًا لَا حَدًّا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَمَنْ سَبَّ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا (قُتِلَ حَدًّا) إنْ تَابَ لَا كُفْرًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِهَذَا قَالَ:(وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) سَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ،
ــ
[حاشية العدوي]
تَقَدَّمَ
[قَوْلُهُ: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ] أَيْ عِنَادًا أَوْ تَأْوِيلًا.
[قَوْلُهُ: أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا] بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ قَهْرًا، أَوْ كُرْهًا بِمَعْنَى التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ فَبِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ] مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَإِذَا مَاتَ فَيَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا بِخِلَافِ دَمِ الْفَقِيرِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ الْمُمْتَنِعُ مَالًا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَلَاءِ لِلْإِمَامِ سَجْنُهُ حَتَّى يُظْهِرَ مَالَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ فِيهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْمَالِ وَاتُّهِمَ بِإِخْفَاءِ غَيْرِهِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَحْلِفُ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ] هُمْ الَّذِي خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لِلزَّكَاةِ الْإِمَامَ.
[قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ] قَدْ يُقَالُ إنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ نَائِبَةٌ عَنْ نِيَّتِهِ.
تَنْبِيهٌ:
مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كُفْرًا
[قَوْلُهُ: فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ.
[قَوْلُهُ: إذْ لَعَلَّهُ لَمْ تَتَوَفَّرْ] أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ فِي الظَّاهِرِ.
[قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ] قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَحَلَّ إلَخْ] أَيْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْكُفْرِ [قَوْلُهُ: كَالْمُرْتَدِّ] أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ.
[قَوْلُهُ: يُسْتَتَابُ] أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ التَّوْبَةَ. وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتُبْ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ الِارْتِدَادِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عِتْقٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّ ظَرْفَهُ الْعُمْرُ.
[قَوْلُهُ: وَمَنْ سَبَّ] أَيْ شَتَمَ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ] سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَقَوْلُهُ: الْبَالِغِينَ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ.
[قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّحَصُّنَ بِاَللَّهِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ عَابَهُ] أَيْ نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا فِي خُلُقٍ أَوْ دِينٍ.
[قَوْلُهُ: أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا] أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ كَأَنْ قَالَ: أَسْوَدُ أَوْ قَصِيرٌ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا بِقَوْلِهِ: أَوْ عَابَهُ لِأَنَّهُ إذَا نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ فَقَدْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا.
[قَوْلُهُ: قُتِلَ حَدًّا إنْ تَابَ إلَخْ] أَيْ أَوْ أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَيُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِهِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ لِأَجْلِ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ وَلَا دَعْوَى سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: قُتِلَ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي قَتْلِ السَّابِّ الْمُسْلِمِ أَوْ صُلْبِهِ حَيًّا.
[قَوْلُهُ: وَلِهَذَا] أَيْ وَلِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَتْلُهُ، وَلَا بُدَّ فَيَكُونُ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ قُتِلَ حَدًّا.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ] أَيْ كَالزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالسَّارِقِ سِوَى الْمُحَارِبِ فَإِنَّ حَدَّ الْحِرَابَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِتْيَانِهِ لِلْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنَّ قَتْلَهُ كُفْرٌ. اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
أَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ كَانَ قَتْلُهُ كُفْرًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - أَوْ جَحَدَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَمَنْ سَبَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا وَلَا يُقْتَلُ.
(وَمَنْ سَبَّهُ) صلى الله عليه وسلم (مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَوْ سَبَّ اللَّهَ عز وجل بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ قُتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) مَا ذَكَرَهُ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ج. وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ.
وَقَالَ ع: مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ الْمَشْهُورِ. مِثَالُ سَبِّهِ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا قَبِيحًا أَوْ يَقُولَ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَمِثَالُ سَبِّهِ بِمَا بِهِ كُفْرٌ أَنْ يَقُولَ سَاحِرٌ أَوْ يَقُولَ الْيَهُودِيُّ لَيْسَ بِرَسُولٍ إلَيْنَا وَإِنَّمَا رَسُولُنَا مُوسَى، أَوْ يَقُولَ النَّصْرَانِيُّ إنَّمَا رَسُولُنَا عِيسَى، وَمِثَالُ سَبِّ اللَّهِ عز وجل بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَنْ يَقُولَ: غَيْرُ كَرِيمٍ أَوْ يَقُولَ: غَيْرُ حَلِيمٍ، وَمِثَالُ سَبِّهِ بِمَا كُفْرٌ بِهِ أَنْ يَقُولَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَهُ صَاحِبَةٌ أَوْ لَهُ وَلَدٌ.
(وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ) إذَا مَاتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ وَكَانَ حُرًّا (لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) ع: وَانْظُرْ لِمَ سَكَتَ عَنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ. ع: يَحْتَمِلُ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِيهِمْ لِوَرَثَتِهِمْ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَحَكَى ج أَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
يَسْتَعْجِلُ بِقَتْلِ السَّابِّ وَمِثْلُهُ الزِّنْدِيقُ وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُمَا كُفْرًا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ ثَلَاثًا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُرْتَدِّ غَيْرِهِمَا.
[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ] أَيْ مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ جَحَدَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنْزَلَةِ] الْمُرَادُ مِمَّا عُلِمَ مَجِيءُ الْإِسْلَامِ بِهِ ضَرُورَةً.
[قَوْلُهُ: نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا] أَيْ عُوقِبَ عِقَابًا شَدِيدًا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ سَبَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ] أَيْ أَوْ اُخْتُلِفَ فِي مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ.
تَنْبِيهٌ:
سَكَتَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَنْ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا لَمْ يَتُبْ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ قَبُولُهَا، وَقِيلَ: لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ سَبِّ اللَّهِ وَسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَشَرٍ وَالْبَشَرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَشَرًا يَقْبَلُ الْعَيْبَ وَتَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ بِالْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ، وَالْبَارِي سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عَنْ سَائِرِ الْعُيُوبِ فَلَا يَلْحَقُهُ عَيْبٌ وَلَا مَعَرَّةٌ فَشُدِّدَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَسْبِقَ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ
[قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ] الْمُرَادُ بِمَا بِهِ كُفْرٌ مَا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ مَا لَمْ نُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسْلِمَ إلَخْ أَيْ فَيَكُونُ إسْلَامُهُ تَوْبَةً لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَوْبَةِ الْكَافِرِ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَتَوْبَةُ الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ، أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَدُّهُ، وَهُوَ زِنْدِيقٌ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ.
[قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ فِي سَبِّ إلَخْ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: وَقَالَ ع إلَخْ] أَيْ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا كَيْفَمَا وَقَعَ مِنْهُ السَّبُّ لَا بِمَا كَفَرُوا بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَهَلْ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا قَوْلَانِ. وَاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ قَوْلًا قَبِيحًا] لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ مَاصَدَقَاتِ ذَلِكَ مَا كَفَرُوا بِهِ فَلَا يُنَاسَبُ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ سَاحِرٌ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: غَيْرُ كَرِيمٍ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، أَيْ بَخِيلٌ.
[قَوْلُهُ: وَمِثَالُ سَبِّهِ بِمَا بِهِ كُفْرٌ] أَيْ فَلَا يُقْتَلُونَ بِهِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ عليه السلام. فَيَنْقَضِيَ أَمَدُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقَتْلِ لِأَنَّ حِلَّ أَخْذِهَا مُغَيًّا بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام
[قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ] بِأَنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ حُرًّا] وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ.
[قَوْلُهُ: لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ] فَيُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ كُفَّارًا وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّ مَالَهُ يَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا.
[قَوْلُهُ: مِمَّنْ ذَكَرَ] وَهُوَ أَشْيَاءُ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الزِّنْدِيقُ وَالسَّاحِرُ اللَّذَانِ تَابَا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ: يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ حَدًّا، بَلْ السَّاحِرُ مِنْ أَفْرَادِ الزِّنْدِيقِ عَلَى تَقْرِيرِهِ الَّذِي قُرِّرَ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَيْنِ مِيرَاثُهُمَا لِوَرَثَتِهِمَا، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُمَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ. الثَّالِثُ: مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَامْتَنَعَ مِنْهَا كَسَلًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ فَتَرِثُهُ
مِيرَاثَ الزِّنْدِيقِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ.
(وَالْمُحَارِبُ) الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ (لَا عَفْوَ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ) أَيْ أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا (فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) وُجُوبًا إذَا كَانَ مُكَلَّفًا وَلَوْ عَفَا عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) أَحَدًا (فَيَسَعُ) أَيْ يَبْذُلُ (الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ) اسْتِحْبَابًا (بِقَدْرِ جُرْمِهِ) أَيْ اكْتِسَابِهِ لِلْمَعَاصِي وَالطُّغْيَانِ (وَكَثْرَةِ مَقَامِهِ فِي فَسَادِهِ) فَيَفْعَلُ بِهِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ كَافِيًا فِي رَدْعِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ فَعَلَ بِهِ أَشَدَّ الْعُقُوبَاتِ الْآتِيَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ أَيْسَرَ الْعُقُوبَاتِ وَهُوَ النَّفْيُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَبْذُلُ الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ فَقَالَ:(فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ يُقَطِّعُهُ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يَنْفِيهِ إلَى بَلَدٍ يُسْجَنُ بِهَا حَتَّى يَتُوبَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ ع: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ إمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ أَوْ يَصْلُبَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ.
وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الصَّلْبَ حَدٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُقَدَّمُ الصَّلْبُ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ. بِالسَّيْفِ أَوْ الرُّمْحِ وَلَا يُقْتَلُ عَلَى صِفَةٍ يُعَذَّبُ بِهَا وَلَا بِحِجَارَةٍ، وَالصَّلْبُ الرَّبْطُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيَكُونُ قَائِمًا لَا مُنَكَّسًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مِنْهَا وَمَعْنَى
ــ
[حاشية العدوي]
وَرَثَتُهُ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا التَّارِكُ لَهَا جَحْدًا فَذَلِكَ مُرْتَدٌّ بِلَا رَيْبٍ.
الرَّابِعُ: السَّابُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتُبْ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُرْتَدِّ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ مِيرَاثَ الزِّنْدِيقِ] أَيْ الَّذِي تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قُلْت: وَكَذَا الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ يَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ كَافِرًا فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْغَيْرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ عَنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِ
[قَوْلُهُ: لَا عَفْوَ فِيهِ] جَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ] بَلْ وَلَوْ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ بِإِعَانَةٍ كَضَرْبٍ أَوْ إمْسَاكٍ، بَلْ وَلَوْ بِالْمُمَالَأَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ مَفْسَدَةٌ أَشَدُّ كَمَا كَانَ يَقَعُ فِي عَرَبِ أَفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَخْصًا وَقَتَلُوهُ بِهِ يُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ وَيَقْتُلُونَ بِهِ خَلَائِقَ كَثِيرَةً.
[قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مُكَلَّفًا] أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَاقَبُ حَارَبَ بِالسَّيْفِ أَوْ الْعَصَا. تَحْقِيقٌ [قَوْلُهُ: وَالطُّغْيَانِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
[قَوْلُهُ: فُعِلَ بِهِ أَشَدُّ] أَيْ نَدْبًا أَيْ وَإِذَا كَانَ ذَا تَدْبِيرٍ نُدِبَ قَتْلُهُ وَتَحْتَهُ أَمْرَانِ قُتِلَ فَقَطْ أَوْ صُلِبَ ثُمَّ قُتِلَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بَلْ يَنْدُبُ لَهُ النَّظَرُ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُوَّةٍ أَيْ وَلَا تَدْبِيرٍ، وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ حَالِ مَنْ كَثُرَ مَقَامُهُ فِي الْفَسَادِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا قُوَّةٍ وَلَا بَطْشٍ وَلَا تَدْبِيرٍ النَّفْيُ وَالضَّرْبُ كَمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ حَالِهِ نَادِمًا عَلَى ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ النَّفْيُ] أَيْ وَالضَّرْبُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْقُصُورِ وَعَدَمِ التَّطْبِيقِ لِكَلَامِهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِمَّا قَتَلَهُ.
[قَوْلُهُ: أَوْ يَصْلُبُهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ] فَيَصْلُبُهُ حَيًّا عَلَى خَشَبَةٍ يُرْبَطُ جَمِيعُهُ بِهَا لَا مِنْ أَعْلَاهُ فَقَطْ كَإِبْطَيْهِ وَوَجْهِهِ أَوْ ظَهْرُهُ لَهَا غَيْرَ مَنْكُوسٍ، فَالصَّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَقْتُلَهُ فَمَاتَ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَصْلُبْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ مِنْ الْحُدُودِ شَيْئًا، وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحَبْسِ لَصَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَدِّهِ.
[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ] فَإِنْ قُلْت: مَا جَوَابُ الْمَشْهُورِ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ قُلْت: جَوَابُهُ الْأَخْذُ مِنْ السُّنَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلْبَ وَحْدَهُ يَكْفِي كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ يَكْفِي.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الصَّلْبَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ.
[قَوْلُهُ: وَالرُّمْحِ] أَيْ بِوَضْعِهِ فِي لَبَّتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَائِمًا إلَخْ] وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ يَدَاهُ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الرَّاحَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، فَإِنْ لَمْ تُطْلَقْ فَلَا بَأْسَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ مَنْقُولًا.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ] لَعَلَّ الْمُرَادَ
الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى.
وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ فَقِيلَ: مِنْ الْكُوعِ، وَقِيلَ: تُقْطَعُ عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ. وَمِنْ الرِّجْل فَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ وَيُتْرَكُ لَهُ آخِرُ مُؤَخِّرِ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ وَالنَّفْيُ الْإِخْرَاجُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَأَقَلُّ الْبَلَدِ الْمَنْفِيِّ إلَيْهِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالْحَبْسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَالنَّفْيُ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ الْحُرِّ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَلَا يُنْفَيَانِ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بِنَفْيِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا رَضِيَتْ بِهِ وَوَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ فَقَالَ:(فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ) أَيْ لَمْ يُظْهَرْ (عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ) إلَى الْإِمَامِ (تَائِبًا وُضِعَ عَنْهُ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ) تَعَالَى (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ وَهِيَ الْقَتْلُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَاسْتَثْنَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَحَقُّ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ، وَصَرَّحَ بِالْحَقِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ:(وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ) الَّتِي جَنَاهَا فِي حَالِ حِرَابَتِهِ (مِنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ) ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
(وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ) جَمْعُ لِصٍّ (ضَامِنٌ لِجَمِيعِ مَا سَلَبُوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ) سَوَاءٌ أُخِذَ فِي حَالِ تَلَصُّصِهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا، وَسَوَاءٌ أَخَذَ الْمَالَ هُوَ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِينَ شَرِيكٌ، وَاللُّصُوصُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حُمَلَاءُ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ غَرِمَ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَّا الْمُجْتَمَعُونَ عَلَى السَّرِقَةِ فَكُلٌّ مُخَاطَبٌ بِمَا أَخَذَهُ خَاصَّةً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا تَعَاوَنُوا فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ.
وَقَوْلُهُ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ وَاحِدٌ
ــ
[حاشية العدوي]
مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى] قَالَ تت: فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الْقَطْعِ فِي وَقْتَيْنِ اهـ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً إلَخْ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ الْأَصَابِعِ.
[قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ الْكُوعِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ.
[قَوْلُهُ: عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ] أَيْ قَطْعًا آتِيًا عَلَى مُنْتَهَى الْأَصَابِعِ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ.
[قَوْلُهُ: وَالْحَبْسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ] أَيْ أَوْ يَمُوتَ لَا أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَيَكُونُ النَّفْيُ بَعْدَ الضَّرْبِ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ عَبْدًا تَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الصَّلْبِ ثُمَّ الْقَتْلِ، وَلَا يُنْفَى إلَّا بِرِضَا السَّيِّدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالنَّفْيِ إلَى بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ وَوَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً.
[قَوْلُهُ: حَتَّى جَاءَ إلَى الْإِمَامِ تَائِبًا] أَيْ أَوْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِرَابَةِ بِأَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، أَيْ فَحَدُّهَا يَسْقُطُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْمِينُهُ، وَإِنْ جَازَ لَهُ تَأْمِينُ الْكَافِرِ.
[قَوْلُهُ: وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ مُوسِرًا مِنْ حِينِ أَخَذَ الْمَالَ إلَى حِينِ إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ، وَإِنْ أَعْسَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِأَنْ جَاءَ تَائِبًا أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ إنْ وُجِدَ وَاتُّبِعَ بِهِ إنْ أَعْدَمَ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ النَّفْيُ أَوْ الْأَوَّلَانِ فَقَطْ دُونَ النَّفْيِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَالْأَوَّلُ مُرْتَضَى أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
وَالثَّانِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ اُنْظُرْ عج.
[قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ] أَيْ الْمُحَارِبِينَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا السَّارِقُ بَلْ الْمُحَارِبُ.
[قَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ] كَانَ مَا أَخَذَهُ أَصْحَابُهُ بَاقِيًا أَوْ لَا، نَابَهُ شَيْءٌ مِمَّا نَهَبُوهُ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ عَمَّنْ عَدَاهُ حَيْثُ لَزِمَ مَنْ عَدَاهُ الْغُرْمُ لِأَنَّهُ يَغْرَمُ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ.
[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْبُغَاةُ وَالْغُصَّابُ فَإِنْ وُجِدَ بِيَدِ غَاصِبٍ بَعْضُ مَالٍ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمْ اسْتَبَدَّ