الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاهِبُ) مَرَضًا مَخُوفًا (أَوْ فُلِّسَ فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ مَرِضَ الْوَاهِبُ أَوْ فُلِّسَ (قَبْضُهَا) أَيْ الْهِبَةِ وَمِثْلُهَا الصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ، وَقَيَّدْنَا الْهِبَةَ بِغَيْرِ الثَّوَابِ لِقَوْلِ الْجَلَّابِ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِلثَّوَابِ فَمَاتَ قَبْلَ دَفْعِ الْهِبَةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ وَلَيْسَتْ تَحْتَاجُ هِبَةُ الثَّوَابِ إلَى حِيَازَةٍ
(وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ) أَيْ الَّذِي وُهِبَ لَهُ وَكَانَ حُرًّا قَبْلَ قَبْضِ الْهِبَةِ (كَانَ لِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ فِيهَا) أَيْ الْهِبَةِ (عَلَى الْوَاهِبِ الصَّحِيحِ) غَيْرِ الْمُفْلِسِ قَبِلَ مُوَرِّثُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَقَيَّدْنَا بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، وَقُيِّدَ الْوَاهِبُ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَرِيضِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحُبْسِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَنَافِعِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا نَقَلَ ك. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَوْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الْوَصَايَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَصِحُّ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَيَلْزَمُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَ بَهْرَامُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ مَنْعَ الْوَقْفِ وَعَنْ الْجُمْهُورِ الْجَوَازَ.
قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ
ــ
[حاشية العدوي]
حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ] أَيْ أَوْ جُنَّ وَاتَّصَلَ كُلٌّ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا لَوْ مَرِضَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْحَوْزِ ثُمَّ صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً فَإِنَّهَا تُحَازُ وَتَتِمُّ.
[قَوْلُهُ: أَوْ فُلِّسَ] وَلَوْ بِإِحَاطَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ سَبَقَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا.
[قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ قَبْضُهَا] أَيْ لِبُطْلَانِهَا.
[قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ] أَيْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهَا، وَقَوْلُهُ: لَازِمَةٌ أَيْ إذَا وَقَعَتْ هِبَةُ الثَّوَابِ فِي مُقَابِلَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ حَاضِرًا أَوْ غَائِبٌ وَحَصَلَ الرِّضَا
[قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ هِبَةٌ لِفُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ حَصَلَ تَنَازُعٌ فِي قَصْدِ عَيْنِهِ وَعَدَمِ قَصْدِهَا فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَانْظُرْ أَيَّهمَا يَقْبَلُ، وَالظَّاهِرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَمِثْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُفْلِسِ] أَيْ غَيْرُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَحَاطَ الدَّيْن بِمَالِهِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ قِيَامٌ.
وَقَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الْمَرِيضِ أَيْ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ مَرِضَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيَامٌ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا إنَّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَمْ أَجِدْ فِي ذَلِكَ جَوَابًا هَلْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ أَمْ لَا اهـ.
[أَحْكَام الحبس]
[قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَحَبَسْته بِمَعْنَى وَقَفْته فَهُوَ حَبِيسٌ وَالْجَمْعُ حُبُسٌ مِثْلَ بَرِيدٍ وَبُرُدٍ، وَإِسْكَانُ الثَّانِي لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ اهـ.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى لُغَةِ التَّخْفِيفِ وَأَنَّهُ أَتَى بِالْجَمْعِ لَا بِالْمُفْرَدِ مَعَ أَنَّهُ فِي بَيَانِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ] مَصْدَرُ وَقَفَ الْمُجَرَّدِ عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَالرَّدِيئَةِ أَوْقَفَ، وَسُمِّيَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ وَمَحْبُوسَةٌ.
[قَوْلُهُ: إعْطَاءُ الْمَنَافِعِ] أَيْ الْجِنْسُ الْمُتَحَقِّقُ فِي وَاحِدَةٍ، هَذَا إذَا لَاحَظْت الْجَمْعَ بِاعْتِبَارِ الذَّوَاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ] أَيْ سَبِيلٌ هُوَ التَّأْبِيدُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّأْبِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمُدَّةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مِلْكًا.
[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ حُكْمُهُ النَّدْبُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: لَمْ تَحْبِسْ الْجَاهِلِيَّةُ فِيمَا عَلِمْت.
[قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِهِمَا] بَيَّنَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَهُوَ مِلْكٌ يُورَثُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ أَوْ يُعَلِّقُهُ عَلَى مَوْتِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا، وَبَعْدُ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَوَّلًا يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي اللُّزُومِ.
وَقَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ
وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازُ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ رضي الله عنهم وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ دُورًا وَحَوَائِطَ
وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الْوَاقِفُ وَمَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ وَإِلَيْهِمَا يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ: (وَمَنْ حَبَسَ) وَشَرْطُ الْأَوَّلِ: أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالثَّانِي: شَيْئَانِ الصِّيغَةُ وَهِيَ وَقَفْت وَتَصَدَّقْت وَحَبَسْت أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ عُرْفًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ كَالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي بَنَاهُ لِلصَّلَاةِ، وَالثَّالِثُ: الْمَوْقُوفُ وَهُوَ الْعَقَارُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (دَارًا) وَكَذَا يَجُوزُ وَقْفُ الْحَيَوَانِ وَالْعَرُوضِ، وَفِي وَقْفِ الطَّعَامِ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ كَالْقَمْحِ وَوَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ تَرَدُّدٌ. رَابِعُهَا؛ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ:
ــ
[حاشية العدوي]
الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي اللُّزُومِ.
[قَوْلُهُ: وَنَقَلَ بَهْرَامُ] هَذَا مُفَادُ قَوْلِهِ عَلَى مَا نَقَلَ ك.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ إلَخْ] أَيْ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْهُمْ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ] أَيْ تِسْعَ حَوَائِطَ.
[قَوْلُهُ: وَعُمَرَ] لَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ، وَفِي تت التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ حَبَسَ وَعُمَرُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ حَبَسُوا دُورًا وَحَوَائِطَ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَبَسَ دُورًا أَوْ حَوَائِطَ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ تَحْبِيسَهُمْ تَعَلَّقَ بِجِنْسِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ] اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْوَقْفُ الصِّيغَةُ.
وَقَوْلُهُ: وَإِلَيْهِمَا يُشِيرُ إلَخْ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ حَبَسَ لِلصِّيغَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّحْبِيسَ فِعْلٌ مُتَجَدِّدٌ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ إلَّا الصِّيغَةُ.
[قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ] أَيْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، فَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْهِبَةِ يُقَالُ هُنَا فَإِنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ بَلْ سَائِرُ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ: وَوَقْفُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا لَوْ وَقَعَ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا كَالْبَيْعِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ.
[قَوْلُهُ: وَالثَّانِي] أَيْ مَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ شَيْئَانِ.
[قَوْلُهُ: الصِّيغَةُ] هِيَ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى إعْطَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ بَلْ وَلَا التَّنْجِيزُ.
وَقَوْلُهُ: وَهِيَ وَقَفْت أَيْ أَنَّ صِيَغَهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ أَمَّا حَبَسْت وَوَقَفْت فَمُطْلَقًا وَأَمَّا تَصَدَّقْت فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَارِنَهُ قَيْدٌ كَأَنْ يَقُولَ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ كَالْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ قَيَّدَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِغْلَالِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَعَلَى الْجِهَةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ كَالتَّقْيِيدِ بِلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ كَقَوْلِهِ: دَارِي مَثَلًا صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا يَسْتَغِلُّونَهَا أَوْ يَسْكُنُونَهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ: دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى زَيْدٍ يَسْكُنُهَا أَوْ يَسْتَغِلُّهَا فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالتَّقْيِيدِ بِلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ أَيْضًا بِالْمَعْنَى مِنْ عَجَّ.
[قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ] هُوَ الشَّيْءُ الثَّانِي.
[قَوْلُهُ: عُرْفًا] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الدَّلَالَةِ أَيْ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ فِي الْعُرْفِ.
[قَوْلُهُ: كَالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ] وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخُصَّ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَلَا فَرْضًا دُونَ نَفْلٍ.
[قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ الْمَوْقُوفُ وَهُوَ الْعَقَارُ] شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ ذَاتِهِ أَوْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَوَقْفُ الْآبِقِ صَحِيحٌ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ الْقَسْمَ وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ الْبَيْعَ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقَسْمَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ يُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ أَرَادَهُ الشَّرِيكُ وَيُجْعَلُ الثَّمَنُ فِي مِثْلِهِ وَهَلْ يُجْبَرُ أَمْ لَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ.
[قَوْلُهُ: وَقْفُ الْحَيَوَانِ] أَيْ وَلَوْ رَقِيقًا.
[قَوْلُهُ: وَفِي وَقْفِ الطَّعَامِ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ] احْتِرَازًا عَنْ طَعَامٍ لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ بِأَنْ يَفْسُدَ بِتَأْخِيرِهِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَيْ وَقْفُ الطَّعَامِ وَالنَّقْدِ عَلَى مَنْ يَسْتَلِفُهُمَا وَيَرُدُّ مِثْلَهُمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ التَّرَدُّدَيْنِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ تَطُولُ إقَامَتُهُ وَنُزِّلَ بَدَلُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ دَوَامِ الْعَيْنِ.
وَالثَّانِي يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ وَالْوَقْفُ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ هَكَذَا تَرَدَّدَ عَجَّ.
وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ وَقْفِ مَا ذَكَرَ مِنْ الطَّعَامِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
[قَوْلُهُ:
(فَهِيَ) أَيْ الدَّارُ (عَلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَيُشْتَرَطُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِذَلِكَ كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ.
وَشَرْطُهُ أَيْ الْوَقْفُ الْحَوْزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ حِيزَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ لَمْ تُحَزْ حَتَّى مَاتَ الْوَاقِفُ أَوْ فُلِّسَ بَطَلَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ] وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ وَلَوْ لِلصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِ، أَيْ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ حُكْمًا كَالْمَسْجِدِ أَوْ حِسًّا كَالْآدَمِيِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْلُودِ بِالْفِعْلِ وَمَنْ سَيُولَدُ وَتُوقَفُ الْغَلَّةُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْهُ فَلَا يُوقَفُ، وَيُرَدُّ الْوَقْفُ وَالْغَلَّةُ لِمَالِكِهَا هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مَانِعٌ كَمَوْتِهِ فَيَبْطُلُ كَمَا قَالَ عَجَّ.
وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ قَرِيبًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ مَا عَدَا الْحَرْبِيَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: عَلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَيْنُ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الشَّيْءَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ فِي غَالِبِ مَصْرِفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْبَلَدِ غَالِبٌ فَإِنَّ غَلَّتَهَا تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ أَجَازَ أَوْ كَرِهَ كَاشْتِرَاطِ وَقْفِهِ عَلَى قِرَاءَةِ سَبْعٍ جَمَاعَةً أَوْ عَلَى ضَحِيَّةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَنْ الْوَاقِفِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَحِلُّ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا جَازَتْ مُخَالَفَتُهُ كَاشْتِرَاطِ قِرَاءَةِ دَرْسِ عِلْمٍ فِي مَحَلٍّ خَرِبٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ، أَوْ يَتَعَذَّرُ حُضُورُهُ مَثَلًا فَيَجُوزُ نَقْلُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَفِعْلُهُ كَشَرْطِهِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ كَأَنْ يُقَرِّرَ مَالِكِيًّا يَقْرَأُ فِي مَسْجِدٍ ثُمَّ يَمُوتُ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ إنْ مَاتَ الْمَالِكِيُّ أَنْ يُقَرِّرَ غَيْرَهُ مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ شَافِعِيٍّ.
[قَوْلُهُ: كَالْفُقَرَاءِ] أَيْ أَوْ كَانَ عَلَى كَمَسْجِدٍ لِتَعَذُّرِ الْقَبُولِ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ] أَيْ الْقَبُولُ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ] أَيْ مَعَ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا.
وَقَوْلُهُ: أَهْلًا لِلْقَبُولِ. وَالرَّدِّ، أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فَإِنْ رَدَّ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَرْجِعُ حَبْسًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، عَلَى مَا قَالَ الطِّخِّيخِيُّ، وَاعْتَمَدَ عَجَّ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَبْسًا عَلَى غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَهَذَا إذَا جَعَلَهُ حَبْسًا سَوَاءٌ قَبِلَهُ مَنْ عُيِّنَ لَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ قَصَدَهُ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّهُ إذَا رُدَّ عَادَ مِلْكًا لِلْمُحْبِسِ وَلَوْ أَخْبَرَ الْمُعَيَّنُ الْأَهْلَ بِأَنَّهُ وُقِفَ عَلَيْهِ كَذَا مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ فَسَكَتَ فَهَلْ يُعَدُّ السُّكُوتُ مِنْهُ قَبُولًا أَمْ لَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ] أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْقَبُولُ.
[قَوْلُهُ: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ] قَالَ عَجَّ: إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ الْمُعَيَّنَ الْغَيْرَ الْأَهْلِ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ أَصْلًا وَلَا يُقَامُ مَنْ يَقْبَلُ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ، وَأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَحْثٌ لَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ] أَيْ فَيُقِيمُ السُّلْطَانُ مَنْ يَقْبَلُهُ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ يَقْبَلُ.
[قَوْلُهُ: إنْ حِيزَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ] لَوْ قَالَ قَبْلَ كَمَوْتِهِ لَشَمِلَ بَقِيَّةَ الْمَوَانِعِ مِنْ فَلَسٍ أَوْ جُنُونٍ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى الْحَوْزِ وَيَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَصِفَةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ: الْعَدْلُ عَايَنْته تَحْتَ يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْوَاقِفِ، وَلَا يَكْفِي إقْرَارُ الْوَاقِفِ بِالْحَوْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ.
[قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ] كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَلَدًا كَبِيرًا لِلْوَاقِفِ وَحَقِيقَةُ الْحِيَازَةِ رَفْعُ يَدِ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ وَتَمْكِينُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الذَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ وَبَيْنَ النَّاسِ فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالطَّاحُونِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُحَزْ حَتَّى مَاتَ الْوَاقِفُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْفَلَسِ هُنَا إحَاطَةُ الدَّيْنِ وَمِثْلُ الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ مَرَضُهُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَامٌّ، فَلَوْ جُعِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَامًّا وَقَالَ: إنَّ الْحَوْزَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَفِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ كَذَا وَفِي الْمَسْجِدِ
الْوَقْفُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسْجِدِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حِيَازَةِ مُعَيَّنٍ بَلْ إذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِيهَا صَحَّ الْوَقْفُ، وَقَيَّدْنَا بِإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورِهِ لِقَوْلِهِ:(وَلَوْ كَانَتْ) الدَّارُ (حَبْسًا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ) الْحُرِّ (جَازَتْ حِيَازَتُهُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ) إذَا أُنِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ (وَلْيُكْرِهَا لَهُ) مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يَسْكُنُهَا فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهَا حَتَّى مَاتَ) أَوْ مَرِضَ أَوْ فُلِّسَ (بَطَلَتْ) صَوَابُهُ بَطَلَ أَيْ الْحَبْسُ، وَعَلَى إثْبَاتِ التَّاءِ يَحْتَمِلُ الْحِيَازَةَ، وَقَيَّدْنَا الصَّغِيرَ بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَإِنَّ سَيِّدَهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ
(فَإِنْ انْقَرَضَ مَنْ حُبِسَتْ) الدَّارُ (عَلَيْهِ رَجَعَتْ حَبْسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْبِسِ أَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَيَمُوتُ الشَّقِيقُ وَيَتْرُكُ ابْنًا ثُمَّ يَنْقَرِضُ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ دُونَ ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَالْعِبْرَةُ فِي رُجُوعِ الْحَبْسِ عَلَى الْأَقْرَبِ إنَّمَا هُوَ (يَوْمَ الْمَرْجِعِ) لَا يَوْمَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ الْبَعِيدُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ قَرِيبًا يَوْمَ الْمَرْجِعِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ
(وَمَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا) مَثَلًا (حَيَاتَهُ) أَيْ حَيَاةَ الرَّجُلِ (دَارًا رَجَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّاكِنِ) وَهُوَ الرَّجُلُ (مِلْكًا لِرَبِّهَا) أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ (وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا عَقِبَهُ) أَيْ عَقِبَ الرَّجُلِ (فَانْقَرَضُوا) فَحَقِيقَةُ الْعُمْرَى
ــ
[حاشية العدوي]
كَذَا لَكَانَ أَوْلَى.
[قَوْلُهُ: كَالْمَسْجِدِ] وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: بَلْ إذَا خَلَّى إلَخْ] بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَرَكَ مَا بَيْنَ النَّاسِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا.
[قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ] بَلْ غَيْرُ وَلَدِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: جَازَتْ حِيَازَتُهُ لَهُ] حَاصِلُ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَيْ أَوْ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَوْزِ الْوَقْفِ الْحَوْزُ الْحِسِّيُّ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْحَوْزُ الْحُكْمِيُّ أَيْ مِنْ الْأَبِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ وَالْمُقَامُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْحَائِزِ إلَى مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ لَكِنَّ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يُشْهِدَ الْوَاقِفُ عَلَى الْحَبْسِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ أَيْ يُشْهِدُ عَلَى التَّحْبِيسِ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَصْرِفَ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ فِي مَصَارِفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَرَفَ الْغَلَّةَ أَوْ احْتَمَلَ صَرْفَهَا أَيْ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ فِي دَارِ السُّكْنَى.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يُكْرِيَهَا وَلَا يَسْكُنَهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلْيُكْرِهَا وَلَا يَسْكُنْهَا.
[قَوْلُهُ: إذَا أَنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ] أَيْ عَلِمَ مِنْهُ الرُّشْدَ أَيْ فَغَايَةُ الْحِيَازَةِ الْبُلُوغُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الرُّشْدَ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أُنْثَى فَإِلَى الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيُؤْنَسُ مِنْهَا الرُّشْدُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ الرُّشْدَ فَيَسْتَمِرُّ الْوَلِيُّ حَائِزًا لَهُ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوْزِ مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ أَوْلَى، وَالرَّاجِحُ أَنَّ حَوْزَ الصَّغِيرِ الْمُمَيَّزِ وَأَوْلَى السَّفِيهُ كَافٍ مُطْلَقًا فِيمَا وَقَفَهُ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا وَحَازَ.
[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] وَأَمَّا لَوْ إكْرَاهًا مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ عَطَّلَهَا وَلَمْ يُكْرِهَا وَلَا سَكَنَهَا فَفِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ قَوْلَانِ، رَجَّحَ ابْنُ عُمَرَ الْأَوَّلَ قَائِلًا فَالْإِكْرَاءُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ دَارَ سُكْنَاهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجْرِي عَلَى الْهِبَةِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ الْكُلَّ أَوْ الْجُلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ مَرِضَ] أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَقَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْحِيَازَةَ إلَخْ وَيَحْتَمِلُ الدَّارَ أَيْ تَحْبِيسُهَا.
[قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا الصَّغِيرَ بِالْحُرِّ] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ حِيَازَةَ الْأُمِّ مَا حَبَسَتْهُ عَلَى وَلَدِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ انْقَرَضَ مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ] أَفْهَمَ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ كَزَيْدٍ وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى انْقِطَاعُهُمْ.
[قَوْلُهُ: رَجَعَتْ حَبْسًا] وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ الْمَرْجِعِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ لَكَانَ لَهَا جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَرِيبٌ يَوْمَ الْمَرْجِعِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يَدْخُلُ الْمُحْبِسُ فِي الْوَقْفِ إذَا كَانَ حَيًّا وَلَوْ صَارَ فَقِيرًا.
[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَالَ: أَعْمَرْتُ أَوْلَادَهُ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْمَرَهُ وَعَقِبَهُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ.
وَقَوْلُهُ: فَحَقِيقَةُ الْعُمْرَى مَأْخُوذَةٌ مِنْ
الْعُرْفِيَّةِ هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَعُمْرِ عَقِبِهِ لَا هِبَةُ الرَّقَبَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّقْيِيدُ بِعُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَلْ لَوْ قُيِّدَ بِعُمْرِ الْمُعَمِّرِ كَانَتْ عُمْرَى أَيْضًا، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى لَفْظِ أَعْمَرْتُكَ بَلْ لَوْ قَالَ: وَهَبْت لَك غَلَّتَهَا مُدَّةَ عُمْرِي كَانَتْ عُمْرَى.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْعُمْرَى الْجَوَازُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَجُوزَ لَكِنْ وَرَدَ بِهَا النَّصُّ فَهِيَ كَالْمُسْتَثْنَاةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ خَاصَّةٌ بِمَا يَطُولُ كَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ (بِخِلَافِ الْحَبْسِ) فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَبِّهِ بَلْ حَبْسًا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَمْلِيكُ الرِّقَابِ، وَالْعُمْرَى تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ (فَإِنْ مَاتَ الْمُعَمِّرُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (يَوْمئِذٍ كَانَتْ) مَا أَعْمَرَهُ وَهِيَ الدَّارُ (لِوَرَثَتِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ مِلْكًا) ع: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَعُودَ عَلَى يَوْمِ التَّعْبِيرِ، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا إنَّمَا مَلَكُوا الرِّقَابَ دُونَ الْمَنَافِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَوْتِ الْمُعَمِّرِ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُونَ الرِّقَابَ وَالْمَنَافِعَ
(وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ) الْمُعَيَّنِينَ (فَنُصِيبُهُ) يُقْسَمُ (عَلَى) رُءُوسِ (مَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْعُمْرِ لِوُقُوعِهِ ظَرْفًا لَهَا.
وَقَوْلُهُ: الْعُرْفِيَّةُ مَنْسُوبَةٌ لِلْعُرْفِ أَيْ عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهَا مَعْنًى آخَرَ لُغَوِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مُفَادُ الْمِصْبَاحِ أَنَّ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: هِبَةُ مَنَافِعَ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الظَّرْفِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَدْ قَالَ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطِي.
[قَوْلُهُ: هِبَةُ مَنَافِعَ] أَيْ بِدُونِ عِوَضٍ وَإِلَّا فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ.
[قَوْلُهُ: مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ] أَخْرَجَ الْحَبْسَ وَالْعَارِيَّةَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ] وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَهُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا عَقِبَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُفَادُهُ أَنَّهُ مَا أَعْمَرَهَا إلَّا لِلْعَقِبِ فَقَطْ، وَأَمَّا هَذِهِ الصُّورَةُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ كَابْنِ عَرَفَةَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: كَانَتْ عُمْرَى أَيْضًا] إلَّا أَنَّهَا عُمْرَى مَجَازًا وَعَارِيَّةٌ حَقِيقَةً، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهَا عُمْرَى حَقِيقَةً.
[قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ قَالَ إلَخْ] أَيْ أَوْ سَكَّنْتُك فَلِذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَفَادَ أَيْ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ كَأَعْمَرْتُكَ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى لَفْظِ أَعْمَرْتُكَ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: وَهَبْت لَك غَلَّتَهَا مُدَّةَ عُمُرِي كَانَتْ عُمْرَى وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.
قَالَ: فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعُمْرِ فَهَلْ ذَلِكَ مَقْصُودٌ أَوْ اتِّفَاقٌ قُلْت: هُوَ مَقْصُودٌ حَتَّى لَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَ الدَّارِ وَلَمْ يُقَيِّدْ خَرَجَتْ إلَى بَابٍ آخَرَ.
[قَوْلُهُ: حُكْمُ الْعُمْرَى الْجَوَازُ] بَلْ النَّدْبُ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَهِيَ فِي الْأَرْكَانِ كَالْهِبَةِ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَجُوزَ] أَيْ لِلْجَهَالَةِ إذْ لَا يُدْرَى هَلْ يَعِيشُ الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: فَهِيَ كَالْمُسْتَثْنَاةِ] أَيْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَثْنَاةً بِالْفِعْلِ أَيْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِقَوْلِهِمْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حُكْمَهَا النَّدْبُ وَقَدْ تَعْرِضُ كَرَاهَتُهَا كَمَا إذَا أَعْمَرَهَا لِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ فِيهَا، وَقَدْ يَعْرِضُ تَحْرِيمُهَا كَمَا إذَا تَحَقَّقَ فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهَا وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِمَالِكِ دَارٍ إنْ لَمْ تُعْمِرْهَا فُلَانًا قَتَلْتُكَ.
وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ فَلَا يَتَّصِفُ فِعْلُهُ بِالْوُجُوبِ.
[قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ] كَلَامُ بَعْضِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا خَلِيلٌ.
[قَوْلُهُ: يَوْمَ مَوْتِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَرَثَتُهُ أَيْ لِوَرَثَتِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْمَرْجِعِ، فَإِذَا مَاتَ عَنْ ابْنٍ رَقِيقٍ أَوْ كَافِرٍ وَأَخٍ أَوْ عَمٍّ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَمُتْ الْمُعَمَّرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ حَتَّى عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ الِابْنُ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْأَخِ لَا لِلِابْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا حِينَ مَوْتِهِ.
وَقَوْلُهُ: مِلْكًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ الْعَائِدِ عَلَى الدَّارِ لِتَأَوُّلِهِ بِالْمَمْلُوكَةِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ رَجَعَتْ رُجُوعَ الْمِلْكِ.
تَتِمَّةٌ: حَوْزُ الْعُمْرَى كَالْحَوْزِ فِي الْهِبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
[قَوْلُهُ: الْمُعَيَّنِينَ] حَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَثَلًا: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَلَمْ يُرَتِّبْ
بَقِيَ) مِنْ أَصْحَابِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ
(وَيُؤْثَرُ فِي الْحَبْسِ أَهْلُ الْحَاجَةِ بِالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ) مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ لَا يُفَضَّلُ ذُو الْحَاجَةِ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْحَبْسِ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْمُحْبِسِ، وَفَرَّقَ ابْنُ نَافِعٍ فَسَوَّى بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي السُّكْنَى بِخِلَافِ الْغَلَّةِ (وَمَنْ سَكَنَ) مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ (فَلَا يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ) ج: زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَ أَنْ سَكَنَ لِأَجْلِ فَقْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ سَكَنَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنْ كَانَ خُرُوجَ انْقِطَاعٍ سَقَطَ حَقُّهُ وَكَانَ مَنْ سَكَنَ أَوْلَى وَإِلَّا فَلَا، وَانْظُرْ قَوْلَهُ:(إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ شَرْطٌ فَيَمْضِي) أَيْ فَيَنْفُذُ هَلْ يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ: وَيُؤْثَرُ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ وَلَا يُمْنَعُ وَلَدُ الْوَلَدِ بِوُجُودِ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ، وَلِذَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ بِحُدُوثِ وَلَدٍ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ أَوْ لِآبَائِهِمْ كَمَا يُنْتَقَضُ بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْعَ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِهِ وَلَوْ صَغِيرًا فِي غَيْرِ دُورِ السُّكْنَى، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ بُيُوتَ سُكْنَى فَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّكَرُ مَعَ أَبِيهِ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَلَا تُعْطَى لِأَنَّهَا فِي كَفَالَةِ أَبِيهَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَهَكَذَا فَإِنْ مَاتَ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ لِأَخِيهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ.
وَلَوْ قَالَ: الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ السُّفْلَى لِأَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ يَحْجُبُ فَرْعَ نَفْسِهِ لَا فَرْعَ غَيْرِهِ، وَإِذَا قُسِمَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمُعَيَّنِينَ فَيُعْطَى الْفَقِيرُ كَالْغَنِيِّ وَالصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ وَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ إلَّا لِشَرْطِ خِلَافِهِ فَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ إلَّا فِي مُرَاجَعِ الْأَحْبَاسِ فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَا يُزَادُ الْفَقِيرُ عَلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ كَالْفُقَرَاءِ.
تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمُعَيَّنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ كَبَنِي زُهْرَةَ أَوْ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْقِسْمَةِ لَا مَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ قَبْلَهَا [قَوْلُهُ: يُقْسَمُ إلَخْ] قَدَّرَهُ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ.
[قَوْلُهُ: مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ] لَمْ يَكُنْ يُبْدِي الْكَبِيرَ، وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ تَارَةً يَكُونُ بَعْدَ الطِّيبِ فَهَذَا حَظُّهُ لِوَرَثَتِهِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً يَكُونُ قَبْلَ الْإِبَارِ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَ الْإِبَارِ وَقَبْلَ الطِّيبِ فَقِيلَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ اُنْظُرْ تَمَامَ الْأَقْوَالِ فِي ابْنِ نَاجِي.
وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ اتِّفَاقًا أَيْ وَيَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ.
[قَوْلُهُ: وَيُؤْثِرُ] أَيْ يَجِبُ عَلَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ أَنْ يُؤْثِرَ فِي قَسْمِ الْحَبْسِ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعِيَالِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ بِاجْتِهَادٍ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْإِرْفَاقُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقْرًا أَوْ غِنًى فَإِنَّهُ يُؤْثِرُ الْأَقْرَبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْجَمِيعِ وَلَا يُفَضِّلُ فَقِيرًا عَلَى غَنِيٍّ وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ وَيُعْطِي الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ بِخِلَافِهِ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُعْطِي إلَّا الْحَاضِرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، وَهَلْ مَعْنَى الْإِيثَارِ التَّفْضِيلُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ عَلَى غَيْرِهِ فُسِّرَ بِكُلٍّ وَجَعَلَ عج الثَّانِيَ أَحْسَنَ وَعَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ يُعْطِي الْمُحْتَاجَ وَلَوْ لَمْ يَفْضُلْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] أَيْ إلَّا لِشَرْطٍ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ سَكَنَ بِوَصْفِ الْأَحْوَجِيَّةِ ثُمَّ اسْتَغْنَى فَلَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالِاحْتِيَاجِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الدَّوَامِ، وَلِأَنَّهَا لَا تُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ فَإِنَّهُ سَبَقَ غَيْرَ الْأَحْوَجِ وَسَكَنَ أُخْرِجَ فَإِنْ تُسَاوَوْا فِي الْحَاجَةِ فَمَنْ سَبَقَ بِالسَّكَنِ فَهُوَ أَحَقُّ.
[قَوْلُهُ: خُرُوجَ انْقِطَاعٍ إلَخْ] وَمِثْلُ الِانْقِطَاعِ السَّفَرُ الْبَعِيدُ وَهُوَ الَّذِي يُظَنُّ مِنْهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ.
[قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا] أَيْ بِأَنْ سَافَرَ قَرِيبًا لِيَرْجِعَ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَقِّهِ إلَى أَنْ يَعُودَ فَلَهُ أَنْ يُكْرِي مَسْكَنَهُ إلَى أَنْ يَعُودَ، وَمَجْهُولُ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى الْعَوْدِ حَتَّى يَحْصُلَ الْإِيَاسُ مِنْ عَوْدِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ كَفُقَرَاءِ الْمَغَارِبَةِ مَثَلًا أَوْ عَلَى ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِوَصْفٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ سَكَنَ وَاحِدٌ