الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران: 77] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» (وَ) إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ لَا تُكَفِّرُ الْيَمِينَ فَ (لِيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ، وَمَا هِيَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ.
(وَ
الْكَفَّارَةُ) فِي الْيَمِينِ
بِاَللَّهِ تَعَالَى تَتَنَوَّعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: ثَلَاثَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهِيَ الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالْعِتْقُ، وَوَاحِدٌ مُرَتَّبٌ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ الصَّوْمُ، وَأَفْضَلُهَا الْإِطْعَامُ وَلِذَا بَدَأَ بِهِ فَقَالَ. (إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِطْعَامَ لَهُ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ الْعَدَدُ مُعْتَبَرٌ مِنْ قَوْلِهِ عَشَرَةِ، فَلَا يُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ لِأَكْثَرَ وَلَا لِأَقَلَّ وَلَا لِوَاحِدٍ مِرَارًا فَإِذَا أَعْطَى خَمْسَةً مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ بَنَى عَلَى خَمْسَةٍ، وَإِنْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ نِصْفَ مُدٍّ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يُجْزِهِ. ثَانِيهَا أَنْ يَكُونُوا مَسَاكِينَ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى أَغْنِيَاءٍ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: الْكَفَّارَةُ] أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ، وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ كُفِّرَتْ، وَاللَّغْوُ كَذَلِكَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ لَمْ تُكَفَّرْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَمُوسَ وَاللَّغْوَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا إنْ تَعَلَّقَتَا بِمَاضٍ اتِّفَاقًا، وَفِيهِمَا الْكَفَّارَةُ إنْ تَعَلَّقَتَا بِمُسْتَقْبَلٍ اتِّفَاقًا فَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِحَالٍ كُفِّرَتْ الْغَمُوسُ دُونَ اللَّغْوِ قَالَ عج:
كَفِّرْ غَمُوسًا بِلَا مَاضٍ تَكُونُ كَذَا
…
لَغْوٌ بِمُسْتَقْبَلٍ لَا غَيْرُ فَامْتَثِلَا
[قَوْلُهُ: يَشْتَرُونَ] أَيْ يَسْتَبْدِلُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَيْ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ الْمُصَدِّقِ لِمَا مَعَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاَللَّهِ لَنُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَنَنْصُرَنَّهُ ثَمَنًا قَلِيلًا مَتَاعَ الدُّنْيَا لَا خَلَاقَ وَلَا نَصِيبَ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ يُثْنِي عَلَيْهِمْ فَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ، وَأَيْمَانِهِمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي الْآيَةِ مُتَعَلِّقُهَا خَاصٌّ. [قَوْلُهُ: مَنْ اقْتَطَعَ] أَيْ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ مُتَمَلِّكًا. [قَوْلُهُ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ] مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، لِذَلِكَ إذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ يُحْرَمُ الدُّخُولَ مَعَ الْفَائِزِينَ أَوَّلًا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: وَيَتَقَرَّبُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٍ] أَيْ وَصَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ.
[الْكَفَّارَة فِي الْيَمِين]
[قَوْلُهُ: مُدًّا] لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَيْ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَمِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ حَفْنَتَانِ بِكَفَّيْ الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ، وَيُعْطِي مِنْهَا صَاحِبَ دَارٍ وَخَادِمٍ لَا فَضْلَ لَهُ عَنْ ثَمَنِهِمَا كَالزَّكَاةِ وَاسْتَظْهَرَ كَوْنُ الْكَفَّارَةِ وَاجِبَةً عَلَى الْفَوْرِ. [قَوْلُهُ: بَنَى عَلَى خَمْسَةٍ] وَكَمَّلَ لِخَمْسَةٍ أُخْرَى وَلَهُ نَزْعُ الزَّائِدِ، بِشَرْطِ إنْ يَبْقَى بِيَدِ الْمِسْكَيْنِ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَكَانَ وَقْتُ الدَّفْعِ لَهُ بَيَّنَ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ [قَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ] أَيْ إلَّا أَنْ يُكَمِّلَ الْقَدْرَ، وَمَحِلُّ إجْزَاءِ التَّكْمِيلِ إنْ بَقِيَ بِيَدِ كُلِّ مِسْكِينٍ مَا أَخَذَ لِيُكَمِّلَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدِّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ تَفْرِقَةُ الْمُدِّ فِي أَوْقَاتٍ أَوْ يُجْزِئُ التَّكْمِيلُ، وَلَوْ بَعْدَ ذَهَابِ مَا أَخَذَ أَوَّلًا مِنْ يَدِهِ، قَوْلَانِ وَلَهُ نَزْعُ الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْمِسْكِينِ لَمْ يُتْلِفْهُ وَكَانَ وَقْتُ الدَّفْعِ لَهُ بَيَّنَ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَلَكِنْ يَنْزِعُ فِي هَذِهِ بِالْقُرْعَةِ لَا بِالتَّخْيِيرِ، إذْ لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَمَحِلُّ دُخُولِ الْقُرْعَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخِذَ بَعْدَ الْعَشَرَةِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ.
[قَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ وَكَانَتْ بَاقِيَةً بِأَيْدِيهِمْ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَيُعْطِيهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ بِأَيْدِيهِمْ لَمْ يَضْمَنُوهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَغَرُّوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَأَكَلُوهَا وَصَانُوا بِهَا أَنْفُسَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ فَيَضْمَنُوهَا أَيْضًا. كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا فَاتَتْ وَلَمْ يَعْلَمُوا وَهُوَ الْأَحْسَنُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَائِهَا إذَا فَاتَتْ فَيَغْرَمُونَهَا لِلْمَسَاكِينِ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ أَحْسَنُ قَالَهُ عج: ثُمَّ قَالَ تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ
فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ.
رَابِعُهَا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبِيدِ الْقِنِّ أَوْ مَنْ فِيهِمْ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ. خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ شَيْئَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ إمَّا رَطْلَانِ مِنْ الْخُبْزِ بِالرَّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ مَعَ أُدْمِ زَيْتٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ لَحْمٍ، وَإِمَّا شَبَّعَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، كَانَ فِيمَا أَطْعَمَهُمْ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ دُونَ عَشَاءٍ وَلَا عَشَاءٌ دُونَ غَدَاءٍ (، وَأَحَبُّ إلَيْنَا) يَعْنِي نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنْ لَوْ زَادَ عَلَى الْمُدِّ مِثْلَ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفٍ وَذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدِّ (بِقَدْرِ مَا يَكُونُ مِنْ وَسَطِ عَيْشِهِمْ) وَوَسَطُ الْعَيْشِ الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ غَالِبًا.
وَقَوْلُهُ: (فِي غَلَاءٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ثُلُثِ مُدٍّ وَقَوْلُهُ (أَوْ رُخْصٍ) رَاجِعٌ إلَى نِصْفِ مُدٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ حَتَّى بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهَا مَحْدُودَةٌ بِالثُّلُثِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَبِالنِّصْفِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ بِالْمَدِينَةِ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا وَلِقَنَاعَةِ أَهْلِهَا بِالْيَسِيرِ، وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَخْرَجَ مُدًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ)
ــ
[حاشية العدوي]
هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ فَيَدْفَعُهَا جَمِيعَهَا لِغَيْرِ الْبَالِغِينَ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ بَالِغٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ] أَيْ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا أَهْلَهَا، فَلَوْ اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ أَعَادَهَا وُجُوبًا، وَانْظُرْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً هَلْ تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ أَوْ لَا، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَغُرُّوهُ فَإِنْ غَرُّوهُ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِهَا.
[قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبِيدِ] ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالُوا: لِأَنَّ الْعَبْدَ غَنِيٌّ بِمَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْقِنِّ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ مَجْبُورٌ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ فَرُبَّمَا كَانَ سَيِّدُهُمْ فَقِيرًا وَلَا يُمْكِنُ الْبَيْعُ فِيهِمْ، لَكِنْ يُقَالُ السَّيِّدُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَبُتَّ عِتْقَهُمْ فَهُمْ كَالْأَغْنِيَاءِ تَحْقِيقٌ [قَوْلُهُ: إمَّا رَطْلَانِ] الرَّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ أَصْغَرُ مِنْ الرَّطْلِ الْمِصْرِيِّ بِيَسِيرٍ [قَوْلُهُ: مَعَ أُدْمٍ] وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ، وَالرَّاجِحُ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: أَوْ لَبَنٍ] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَلِيبُ لَا الْمَضْرُوبُ. اهـ. تت
وَأَعْلَى مَا ذُكِرَ اللَّحْمُ، وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ، تَحْقِيقٌ أَيْ الزَّيْتُ الطَّيِّبُ، وَقِيلَ أَوْ بَقْلٌ أَوْ قُطْنِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَبْخُ اللَّحْمِ أَوْ الْقُطْنِيَّةِ وَلَا مَا يُطْبَخَانِ بِهِ، وَإِنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِأُدْمٍ وَكَذَا الْمَاءُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: وَإِمَّا شَبَّعَهُمْ غَدَاءً إلَخْ] أَيْ أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ وَلَا يَكْفِي غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ وَلَوْ بَلَغَ مُدًّا، وَيُعْتَبَرُ الشِّبْعُ الْمُتَوَسِّطُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ جُوعٌ فَإِذَا أَطْعَمَهُمْ مَرَّتَيْنِ عَنْ شِبَعٍ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَا الْمَرَضُ كَمَا فِي الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] أَيْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤَلِّفِ وَمُقَابِلُهُ تَرْجِيعُهُ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْبِيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقُولُ بِهَا أَشْهَبُ وَلَا ابْنُ وَهْبٍ، فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُدِّ الْمَنْدُوبَةِ بِالِاجْتِهَادِ.
[قَوْلُهُ: الزِّيَادَةَ] أَيْ الزِّيَادَةَ الْمَعْهُودَةَ الَّتِي هِيَ الثُّلُثُ أَوْ النِّصْفُ [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَكُونُ] مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِقَدْرِ وُجُودِ أَيْ حَالَ عَيْشِهِمْ الْوَسَطِ [قَوْلُهُ: وَوَسَطِ الْعَيْشِ الْحَبُّ] أَيْ فَمَعْنًى وَسَطٌ مُخْتَارٌ أَيْ بِقَدْرِ عَيْشِهِمْ الْوَسَطِ، أَيْ الْمُخْتَارِ لَهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ غَالِبًا أَيْ لِأَهْلِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا الْمُكَفَّرِ [قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ثُلُثِ مُدٍّ] أَيْ مُرْتَبِطٌ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مِنْ بَيَانًا لِحَالِ الْعَيْشِ الْوَسَطِ أَيْ حَالِهِ مِنْ رَخَاءٍ وَرُخْصٍ، فَالثُّلُثُ فِي الْغَلَاءِ وَالنِّصْفُ فِي الرُّخْصِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفِهِ أَيْ مَثَلًا فَالْمَدَارُ عَلَى الزِّيَادَةِ بِحَسَبِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، فَقَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الزِّيَادَةَ بِالِاجْتِهَادِ أَيْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: إنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّهَا مَحْدُودَةٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَشَرْحِهِ، أَيْ شَرْحِ بَهْرَامَ وَكَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيٌّ [قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا إلَخْ] أَيْ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَلْ كَغَيْرِهِمْ، فِي اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ
أَيْ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، آتِيًا بِالْوَاوِ الْمُؤْذِنَة بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ فَقَالَ (وَإِنْ كَسَاهُمْ) أَيْ، وَإِنْ اخْتَارَ كِسْوَةَ الْعَشَرَةِ مَسَاكِينَ (كَسَاهُمْ لِلرَّجُلِ قَمِيصٌ وَلِلْمَرْأَةِ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْكِسْوَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَسَطِ كِسْوَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الثَّالِثَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، آتِيًا بِأَوْ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّخْيِيرِ فَقَالَ (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) شَرَطُوا فِيهَا شُرُوطًا أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مُؤْمِنَةٍ) فَلَا تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ. ثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَشِينُ، كَالْعَمَى وَالْهَرَمِ وَالْعَرَجِ الشَّدِيدَيْنِ، أَمَّا مَا لَا يَشِينُ كَقَطْعِ الظُّفُرِ فَيُجْزِئُ. ثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ. رَابِعُهَا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمُشْتَرَكَةِ. خَامِسُهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.
تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ لِيَتَخَلَّصَ لِلْوَظَائِفِ الْوَاجِبَاتِ. الثَّانِي
ــ
[حاشية العدوي]
مَفْقُودَانِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، أَيْ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَيَقُولُ بِالزِّيَادَةِ، إلَّا أَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ وَأَشْهَبُ يَحُدُّهَا بِالثُّلُثِ وَابْنُ وَهْبٍ بِالنِّصْفِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ الثَّلَاثَةَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُفَادُ خَلِيلٍ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَا شَرَحْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ، وَأَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ تَبِعَنَا فِيهِ بَعْضُ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُفَادَ بَعْضِ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ قَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ. وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي قَدْرِهَا وَسَكَتُوا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُفَادُ خَلِيلٍ فِي تَوْضِيحِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِكِفَايَةِ الْمُدِّ، وَأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ الثَّلَاثَةِ يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الْمُدُّ اتِّفَاقًا.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا إلَخْ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُبْطِلُ.
[قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ] الْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ، وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى؛ وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي إعْطَاءِ الْكِسْوَةِ وَالْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي إعْطَاءِ الْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطَى مِثْلُ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا فِي الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْكَبِيرَ فِي الْأَكْلِ، وَفِي الْكِسْوَةِ يُعْطَى كِسْوَةَ كَبِيرٍ مِنْ أَوْسَاطِ الرِّجَالِ، وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَخِيطًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ جَدِيدَةً أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ حَيْثُ كَانَتْ قَوِيَّةً لَمْ تَذْهَبْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَمِيصُ بَلْ الثَّوْبُ السَّاتِرُ كَافٍ سَوَاءٌ كَانَ قَمِيصًا أَمْ لَا، وَلَا تُجْزِئُ عِمَامَةٌ وَحْدَهَا، وَلَا إزَارٌ لَا يَبْلُغُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِهِ مُشْتَمِلًا فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَجْزَأَ.
[قَوْلُهُ: كَالْعَمَى إلَخْ] وَالْجُنُونِ وَالْبُكْمِ وَقَطْعِ الْأُذُنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُذْكَرُ فِي الظِّهَارِ وَيُجْزِئُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ فَاقِدُ النَّظَرِ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ فَقَدَ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ بَعْضَ نَظَرِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَيْضًا [قَوْلُهُ: كَقَطْعِ الظُّفُرِ] لَا قَطْعَ الْأُصْبُعِ، فَذَهَابُ أُنْمُلَتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ] أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا يُثَابُ، وَمَنْ تَرَكَهُمَا يُعَاقَبُ وَظَاهِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ ظَاهِرًا فِيمَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ الْوَاجِبَاتِ أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةً، وَلَا يَخْفَى شُمُولُهُ لِلصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَرَادِعِيِّ، وَعِبَارَةُ الْبَرَادِعِيِّ وَعِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ مَنْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ وَالصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ.
قَالَ الشَّيْخُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى وَصَامَ يَكُونُ إسْلَامُهُ حَقِيقَةً بِالْفِعْلِ، وَفِي الصَّغِيرِ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا. اهـ.
فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عِتْقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا السِّنَّ مُجْزٍ، وَإِنْ رَضِيعًا كَمَا فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَذَلِكَ فَكَبُرَ أَخَرْسَ