الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى الْمَنْزِلِ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْخَلْطِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْصُلَ الْخَلْطُ.
وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ مَعَ غَيْرِهِ فَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُشَارَكَةٌ كَالْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. الثَّانِي: الصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيَكْفِي قَوْلُهُمْ: اشْتَرَكْنَا إذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ عُرْفًا، وَكَذَا خَلْطُ الْمَالَيْنِ، وَالْعَمَلُ بِهِمَا. الثَّالِثُ: الْمَحَلُّ وَهُوَ الْمَالُ، وَالْأَعْمَالُ
وَتَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ] أَيْ لِأَنَّهَا قَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ مَثَلًا [قَوْلُهُ:، وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] هَذَا ظَاهِرٌ فِي شِرْكَةِ الْأَمْوَالِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَحْصُلَ الْخَلْطُ إلَخْ] هَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
[أَرْكَان الشَّرِكَة]
[قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهَا إلَخْ] أَرَادَ بِالرُّكْنِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْأَرْكَانَ إنَّمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي شِرْكَةِ الْأَمْوَالِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: مَعَ غَيْرِهِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُشَارَكَةٌ كَالْعَبْدِ] أَيْ وَلَا يَصِحُّ مُشَارَكَةُ عَبْدٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا سَفِيهٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَتَوَكُّلِهِ عَلَى إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ مُرَجَّحَتَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَحْجُورِ الزَّوْجَةُ فَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا، وَأَوْرَدَ شِرْكَةَ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ، وَشِرْكَةَ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ لِصِحَّةِ شِرْكَتِهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ تَوَكُّلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ لَكِنَّ جَوَازَهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَا قَيْدٍ، وَفِي الثَّانِي بِقَيْدِ حُضُورِ الْمُسْلِمِ لِتَصَرُّفِ الْكَافِرِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ.
وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَ لِلْمُسْلِمِ شَكٌّ فِي عَمَلِ الذِّمِّيِّ بِالرِّبَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] ، وَإِنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِهِ فِي خَمْرٍ نُدِبَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِرِبْحِهِ وَرَأْسِ الْمَالِ جَمِيعًا لِوُجُوبِ إرَاقَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالٍ حَلَالٍ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَمَلُهُ بِالرِّبَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ فَقَطْ، وَإِنْ تَحَقَّقَ تَجْرُهُ بِخَمْرٍ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّصَدُّقُ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَالرِّبْحِ مَعًا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ بَيْنَ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَتَوَكُّلُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ رَشِيدٍ غَيْرِ عَدُوٍّ وَلَا كَافِرٍ، وَيَنْفَرِدُ التَّوْكِيلُ فِي عَدُوٍّ وَكَافِرٍ فَإِنَّهُمَا أَهْلُهُ دُونَ التَّوَكُّلِ، وَيَنْفَرِدُ التَّوَكُّلُ فِي مَحْجُورٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ عَلَى إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ دُونَ التَّوْكِيلِ [قَوْلُهُ: الدَّالَّةُ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ] الشِّرْكَةُ هِيَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالصِّيغَةُ مِنْ أَرْكَانِهَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: الثَّانِي الصِّيغَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ إلَخْ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الشِّرْكَةِ [قَوْلُهُ: فَيَكْفِي قَوْلُهُمْ اشْتَرَكْنَا] أَيْ الَّذِي هُوَ الصِّيغَةُ، أَيْ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: اشْتَرَكْنَا وَهِيَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا وَقَعَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُوَافِقُهُ الْآخَرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ] أَيْ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ. وَقَوْلُهُ، وَكَذَا خَلْطُ الْمَالَيْنِ هَذَا هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ الصِّيغَةِ. وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ الظَّاهِرُ حَذْفُهُ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَالُ، وَالْأَعْمَالُ] أَيْ مَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ، وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ.
تَنْبِيهٌ:
تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْمُفَاصَلَةَ فَلَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ نَضُوضَ الْمَالِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ كَالْقِرَاضِ.
[أَقْسَام الشَّرِكَة]
[قَوْلُهُ: وَتَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَوَّعُوهَا إلَى شِرْكَةِ أَبْدَانٍ وَيُقَالُ لَهَا شِرْكَةُ عَمَلٍ وَشِرْكَةِ مُفَاوَضَةٍ
أَقْسَامٍ شِرْكَةُ وُجُوهٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ، وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ وَحُكْمُهَا الْفَسَادُ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهِ إجَارَةً، وَالْآخَرُ: أَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ أَمْلِيَاءِ السُّوقِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْأَمْلِيَاءَ إنَّمَا يَتَّجِرُونَ فِي جَيِّدِ السِّلَعِ، وَأَنَّ الْفُقَرَاءَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. وَشَرِكَةُ أَمْوَالٍ تَأْتِي وَشَرِكَةُ أَبْدَانٍ، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِشُرُوطٍ أَحَدِهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(إذَا عَمِلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ) اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ أَوْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَصَرَّحَ ع بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَأَجَازَا فِي الْعُتْبِيَّةِ تَعَدُّدَ الْمَكَانِ إنْ اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ثَانِيهَا: اتِّحَادُ الْعَمَلِ أَوْ تَقَارُبُهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (عَمَلًا وَاحِدًا) كَخَيَّاطَيْنِ (أَوْ مُتَقَارِبًا) بِأَنْ يَتَوَقَّفَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا عَلَى عَمَلِ الْآخَرِ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُجَهِّزُ الْغَزْلَ لِلنَّسْجِ، وَالْآخَرُ يَنْسِجُ، أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ صَنْعَتُهُمَا. وَلَمْ تَتَلَازَمْ كَخَيَّاطٍ وَحَدَّادٍ لَمْ تَجُزْ الشِّرْكَةُ لِلْغَرَرِ إذْ قَدْ تُتَّفَقُ صَنْعَةُ هَذَا دُونَ هَذَا فَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، ثَالِثُهَا: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ يَتَقَارَبَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ عَمَلِ الْآخَرِ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الشِّرْكَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى قَدْرِ التَّفَاوُتِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ، فَلَوْ كَانَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ لَمْ يَجُزْ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ بِهَا التَّعَاوُنَ فَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ. خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ بَيْنَهُمَا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ نِصْفَ الْآلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ.
وَأَمَّا شِرْكَةُ الْأَمْوَالِ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ شِرْكَةُ مُفَاوَضَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
وَشِرْكَةِ عَنَانٍ وَشِرْكَةِ جَبْرٍ وَشِرْكَةِ ذِمَمٍ، وَيُقَالُ لَهَا شِرْكَةُ وُجُوهٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَشْمَلُ شِرْكَةَ الْوُجُوهِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهَا الْوَجْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَجَاهَةُ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: الْخَامِلِ] هُوَ السَّاقِطُ الَّذِي لَا نَبَاهَةَ لَهُ كَذَا فَسَّرُوا،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يُرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ لِظَنِّ أَنَّ مَتَاعَهُ غَيْرُ جَيِّدٍ.
[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْفَسَادُ] فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْوَجِيهِ جُعْلُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْوَجِيهِ فَيَنْبَغِي أَنَّ السِّلْعَةَ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً خُيِّرَ عَلَى مُقْتَضَى الْغِشِّ، وَإِنْ فَاتَتْ فَفِيهَا الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ الزَّرْقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. [قَوْلُهُ: ظَنًّا مِنْهُمْ] وَلَا يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ] هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَمَلًا وَاحِدًا. وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ مُتَقَارِبًا. [قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ] ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَّحِدْ بَلْ تَقَارَبَا تَكُونُ جَائِزَةً بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَوَفَّقَ الْأَشْيَاخُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ بِحَمْلِ الْعُتْبِيَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَكَانَانِ بِسُوقٍ وَاحِدٍ أَوْ سُوقَيْنِ نَفَاقُهُمَا وَاحِدٌ أَوْ تَجَوُّلُ أَيْدِيهِمَا بِالْعَمَلِ فِي الْمَكَانَيْنِ جَمِيعًا أَوْ يَجْتَمِعَانِ بِمَكَانٍ عَلَى أَخْذِ الْأَعْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا طَائِفَةً مِنْ الْعَمَلِ يَذْهَبُ بِهَا لِحَانُوتِهِ يَعْمَلُ فِيهَا لِرِفْقِهِ بِهِ لِسِعَتِهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ إلَخْ] أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُجَهِّزُ الدَّقِيقَ، وَالْآخَرُ يَعْجِنُ أَنْ يَخْبِزَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ يَتَقَارَبَا] أَيْ عُرْفًا كَعَمَلِ أَحَدِهِمَا مَا يَنْقُصُ أَوْ يَزِيدُ عَنْ الثُّلُثِ يَسِيرًا، وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ كَذَلِكَ، فَإِنْ احْتَاجَا مَعَ الصَّنْعَةِ لِمَالٍ أَخْرَجَ كُلٌّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ لَا أَزْيَدَ حَيْثُ كَانَ الْقَصْدُ الصَّنْعَةَ لَا الْمَالَ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لَهُ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ] لَمَّا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ.
حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ التَّعَاوُنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَعَمَلُ كُلٍّ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ رَفِيقِهِ. وَقَضِيَّةُ الشَّارِحِ أَنَّ قَصْدَ التَّعَاوُنِ يَكْفِي، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ تَعَاوُنٌ بِالْفِعْلِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تُفِيدُهُ الْعُتْبِيَّةُ، فَقَدْ سُئِلَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ صَيَّادِينَ مَعَهُمْ شِبَاكٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نَتَعَاوَنُ، وَمَا أَصَبْنَا فَبَيْنَنَا، فَنَصَبَ أَحَدُهُمْ شَبَكَةً فَأَخَذَ صَيْدًا وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَيْنِ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ فِيمَا أَصَابَ؛ لِأَنَّهَا شِرْكَةٌ لَا تَحِلُّ.
قَالَ فِي الْبَيَانِ: لِأَنَّ شِرْكَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا فِيهِ تَعَاوُنٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ] أَيْ لَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَكَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ كُلٌّ آلَةً وَأَجَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ آلَتِهِ بِنِصْفِ آلَةِ الْآخَرِ، وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورَ وَيَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ الطَّلَبُ، وَالصَّيْدُ وَقِرَاءَةُ
وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ اتِّفَاقًا، وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْغَيْبَةِ، وَالْحُضُورِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْكِرَاءِ، وَالِاكْتِرَاءِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مُفَاوَضَةٌ. الثَّانِي: شِرْكَةُ عِنَانٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْأَمْوَالِ) الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ إجْمَاعًا وَبِالطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ صِفَةً وَنَوْعًا
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَطْفَالِ إذَا كَانَ كُلٌّ يُحَفِّظُ الْقُرْآنَ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُحَفِّظُ النِّصْفَ الْأَعْلَى، وَالْآخَرُ الْأَسْفَلَ قِيلَ: لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَجُوزُ حَيْثُ وُجِدَ مَنْ يَقْرَأُ مِنْ الْأَعْلَى وَمَنْ يَقْرَأُ مِنْ الْأَسْفَلِ لِحُصُولِ التَّعَاوُنِ. [قَوْلُهُ: مُفَاوَضَةً] بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا مِنْ تَفَاوَضَ الرَّجُلَانِ فِي الْحَدِيثِ إذَا شَرَعَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَتَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْأَمْوَالِ صَادِقٌ بِهَا كَمَا يَصْدُقُ بِالْعِنَانِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ] أَيْ ذُو أَنْ يَجْعَلَ؛ لِأَنَّ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ مُحْتَوِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّهَا نَفْسُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَوْنِ الرِّبْحِ، وَالْخُسْرِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، فَمَتَى دَخَلَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَسَدَتْ، وَأَمَّا إنْ دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ سَكَتَا فَلَا تَفْسُدُ قَالَ عج. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: أَنْ يَجْعَلَ مَا إذَا اشْتَرَطَ كُلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُرَاجَعَةَ فَيُقَالُ لَهَا شِرْكَةُ عِنَانٍ بَقِيَ مَا إذَا قَالَا: اشْتَرَكْنَا مُقْتَصِرَيْنِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مِنْ شِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ، وَلَكِنْ فِي ابْنِ نَاجِي وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ فِي قَوْلِ: كُلُّ تَصَرُّفٌ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهِ قَوْلَيْنِ فِي كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً أَمْ لَا اهـ.
وَاسْتَظْهَرَ عج الْفَسَادَ فِيمَا إذَا اُشْتُرِطَ عَلَى أَحَدِهِمَا نَفْيُ الِاسْتِبْدَادِ، وَأُطْلِقَ لِلْآخَرِ التَّصَرُّفُ وَلَا يُفْسِدُ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ انْفِرَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِمَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْسِهِ عَلَى حِدَةٍ إذَا اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ الشِّرْكَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْكِرَاءِ، وَالِاكْتِرَاءِ] أَيْ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَأَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ سِلْعَةً اشْتَرَاهَا هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ بِمَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَابَاةً فَتَكُونُ كَالْمَعْرُوفِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا جَرَّ بِهِ نَفْعًا لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنْهُ إقَالَتُهُ خَوْفَ عَدْمِ الْغَرِيمِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّظَرِ.
[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ] أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْثَرِ أَيْ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ بِعِنَانِ صَاحِبِهِ أَيْ بِلِجَامِهِ، وَبِفَتْحِهَا أَيْ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْأَكْثَرِ مِنْ عَنَّ يَعِنُّ إذَا عَرَضَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ] يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَطْ أَوْ الدَّرَاهِمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَطْ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهَا أَيْ ذَهَبًا وَوَرِقًا مِنْ جَانِبٍ وَمِنْ الْآخَرِ كَذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، فَيُشْتَرَطُ مُسَاوَاةُ ذَهَبِ أَحَدِهِمَا لِذَهَبِ الْآخَرِ وَزْنًا وَصَرْفًا وَقِيمَةً وَفِضَّةِ أَحَدِهِمَا لِفِضَّةِ الْآخَرِ كَذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا ذُكِرَ عَمِلَا عَلَى الْقِيمَةِ، وَالصَّرْفِ أَوْ لَمْ يَعْمَلَا عَلَيْهِمَا بِأَنْ عَمِلَا عَلَى الْوَزْنِ وَأَلْغَيَا مَا ذُكِرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا وَزْنًا أَدَّى إلَى بَيْعِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا، وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ وَقْتَ الْمُعَاقَدَةِ وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ.
[وَاعْلَمْ] أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّفَاقِ وَزْنِهِمَا وَقِيمَتِهَا وَصَرْفِهِمَا أَنْ يَكُونَ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُهُمَا مُتَّفِقًا فِيمَا ذُكِرَ مَعَ مَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ أَوْ مَعَ مَا يُقَابِلُهُ مِمَّا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مِثْقَالَيْنِ، وَالْآخَرُ عَشَرَةً وَأَخَذَ كُلٌّ قَدْرَ نَصِيبِهِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ وَلَا يُقْصَدُ فِي الصَّرْفِ أَوْ الْقِيمَةِ لَا الْوَزْنِ سَوَاءٌ جَعَلَاهَا عَلَى وَزْنِ رَأْسِ الْمَالَيْنِ وَأَلْغَيَا مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ أَوْ عَمِلَاهَا عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ، وَلِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ الْيَسِيرُ فِيهِ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ إذَا اجْتَمَعَ الْيَسِيرُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا.
تَنْبِيهٌ:
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصَّرْفُ تَفْسُدُ، وَإِذَا وَقَعَتْ فُسِخَتْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ بِعَيْنِهِ فِي سِكَّتِهِ، وَالرِّبْحُ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ السِّكَّةِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِتِبْرٍ وَمَسْكُوكٍ، وَلَوْ تَسَاوَيَا وَزْنًا إنْ كَثُرَ فَضْلُ السِّكَّةِ، وَإِنْ سَاوَتْهَا جَوْدَةُ التِّبْرِ فَقَوْلَانِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِذَهَبٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوَرِقٍ مِنْ الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَجَّلَ كُلٌّ مَا أَخْرَجَهُ لِاجْتِمَاعِ الشِّرْكَةِ
عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ قِيلَ: لِأَنَّهُ بَيْعُ إطْعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَحَيْثُ قِيلَ بِالْجَوَازِ فَإِنَّمَا هُوَ (عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (وَ) عَلَى أَنْ يَكُونَ (الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا شَرَطَا مِنْ الرِّبْحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ) فَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مَثَلًا مِائَةً، وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ فَالرِّبْحُ، وَالْخُسْرَانُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَقَوْلُهُ:(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ رَأْسُ الْمَالِ وَيَسْتَوِيَا فِي الرِّبْحِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا إلَى آخِرِهِ.
الثَّالِثُ: شِرْكَةُ مُضَارَبَةٍ وَتُسَمَّى قِرَاضًا أَيْضًا وَعَبَّرَ بِهِ فَقَالَ: (وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ) بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ (بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَا مَغْشُوشَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
وَظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَ التَّعَامُلُ بِهِمَا بِالْعَدَدِ أَوْ بِالْوَزْنِ (وَقَدْ أُرْخِصَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِرَاضِ (بِنِقَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى فَجَرَّاتُ (الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) ج: اُخْتُلِفَ فِي الْقِرَاضِ بِالنِّقَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ: الْمَنْعُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْجَوَازُ وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالصَّرْفِ فَإِنْ عَمِلَا فَلِكُلٍّ رَأْسُ مَالِهِ وَيَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ لِكُلِّ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ دِينَارٌ وَلِكُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ وَكَذَلِكَ الْوَضِيعَةُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامُهَا هَذَا حَيْثُ اتَّفَقَ مَا أَخْرَجَاهُ، وَكَذَا تَصِحُّ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا، وَالْآخَرُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلٌّ عَرْضًا اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ، وَالْقِيمَةِ أَوْ اخْتَلَفَا وَيُعْتَبَرُ فِي الشِّرْكَةِ بِالْعَرْضِ كَانَ مِنْ جَانِبٍ أَوْ جَانِبَيْنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاشْتِرَاكِ حَيْثُ كَانَتْ صَحِيحَةً، وَإِنْ فَسَدَتْ فَرَأْسُ مَالِ كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَا بِيعَ بِهِ الْعَرْضُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمَ الْبَيْعِ.
[قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ مَالِكٌ] أَيْ مَنَعَ الْمُتَّفَقَ صِفَةً وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَأَوْلَى عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ] أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلٍّ عَلَى مَا بَاعَ، فَإِذَا بَاعَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ بَائِعًا لِلطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ حَصَلَ خَلْطُ الطَّعَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَمِرُّ طَعَامُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مُشْتَرِيهِ وَقَبْضُهُ وَتَفْرِيغُهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا.
[قَوْلُهُ: فَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِذَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَأْتِي بِرُبْعِ الْمَالِ، وَيَعْمَلُ الرُّبْعَ وَلَهُ رُبْعُ الرِّبْحِ، وَالْآخَرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَمَلِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الرِّبْحِ جَازَتْ الشِّرْكَةُ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ فِي الْعَمَلِ كَمَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ، وَإِذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً بِدُخُولِهِمَا عَلَى التَّفَاوُتِ فَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عِشْرِينَ مِثْلًا، وَالْآخَرُ عَشَرَةً وَشَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ، وَالْعَمَلِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى عَمِلَا فَإِنَّ الرِّبْحَ يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْعِشْرِينَ عَلَى صَاحِبِ الْعَشَرَةِ بِفَاضِلِ الرِّبْحِ، وَهُوَ السُّدُسُ وَيَنْزِعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ قَبَضَهُ لِيَكْمُلَ لَهُ الثُّلُثَانِ وَيَرْجِعَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ بِفَاضِلِ عَمَلِهِ وَهُوَ أَجْرُ سُدُسِ الْعَمَلِ. وَمَفْهُومُ الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الرُّبْعِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِجَارٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَخْتَلِفَ إلَخْ أَيْ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّفَاوُتُ بِأَنْ دَخَلَا عَلَى التَّسَاوِي أَوْ سَكَتَا صَحَّتْ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.
[قَوْلُهُ: شِرْكَةُ مُضَارَبَةٍ] هَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ السَّيْرُ أَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ فِي الرِّبْحِ بِنَصِيبٍ كَمَا قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى قِرَاضًا أَيْضًا] بِكَسْرِ الْقَافِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْقِرَاضُ أَرْكَانُهُ الْعَاقِدَانِ وَهُمَا كَالْوَكِيلِ، وَالْمُوَكِّلِ، وَالْمَالُ، وَالصِّيغَةُ، وَالْجُزْءُ الْمَعْمُولُ لِلْعَامِلِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا مَغْشُوشِينَ] أَيْ حَيْثُ تُعُومِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرْجَ كَالْكَامِلَةِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ النَّقْدِ الْخَالِصِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَامَلِ بِهِ فَكَالْعَرْضِ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ الَّذِي يُعْطَى عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ مِثْلُهُ مَغْشُوشًا. [قَوْلُهُ: فَجَرَاتُ إلَخْ] وَمِثْلُهَا التِّبْرُ. [قَوْلُهُ: عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ] الْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا
ذَلِكَ (وَلَا يَجُوزُ) الْقِرَاضُ (بِالْعُرُوضِ) وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ فِي الْأَصْلِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ إذَا كَانَ الْعَامِلُ لَا يَدْرِي كَمْ يَرْبَحُ فِي الْمَالِ فَيَعْمَلُ مِقْدَارَ الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ لَهُ، وَكَذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْبَحُ أَمْ لَا وَهَلْ يَرْجِعُ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ أَمْ لَا فَكَانَ ذَلِكَ غَرَرًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَهُ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّعَامُلِ بِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ، وَمَا عَدَاهُ مَمْنُوعٌ بِالْأَصْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّقَارِ، وَالْعُرُوضِ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا يُتَعَامَلُ بِأَعْيَانِهَا، وَالنِّقَارُ أَعْيَانٌ وَأَثْمَانٌ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ.
(وَ) إذَا امْتَنَعَ الْقِرَاضُ بِهَا فَإِنَّ الْعَامِلَ (يَكُونُ إنْ نَزَلَ) أَيْ وَقَعَ الْقِرَاضُ بِهَا (أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا) وَيَكُونُ (عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِابْنِ رُشْدٍ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ، وَأَمَّا عَمَلُهُ
ــ
[حاشية العدوي]
فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ] أَيْ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا مَسْكُوكَ وَإِلَّا مُنِعَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُرَادُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً.
وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِالْوُقُوعِ، وَالْفُلُوسِ الْجُدُدِ كَالنِّقَارِ إنْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ جَازَ جَعْلُهَا رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ] أَيْ اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ حَمَلَ الْعُرُوضَ عَلَى الْمُقَوَّمَاتِ وَحِينَئِذٍ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَزِيدَ الْمَعْدُودَاتِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَلَوْ حَمَلَ الْعُرُوضَ عَلَى مَا عَدَا الْعَيْنَ لَشَمَلَ الْمِثْلِيَّ بِأَنْوَاعِهِ كَمَا يُفِيدُ تت. وَكَانَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْعُرُوضِ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ حَيْثُ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالتَّعَامُلِ بِهَا وَيَدْخُلُ الْحَدِيدُ، وَالرَّصَاصُ، وَالْوَدْعُ لَوْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ.
[قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْعَامِلُ لَا يَدْرِي] الْأَوْلَى حَذْفُ كَانَ يَقُولُ إذْ الْعَامِلُ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إذْ الْعَامِلُ لَا يَدْرِي، هَلْ يَرْبَحُ أَوْ لَا وَعَلَى تَقْدِيرِ الرِّبْحِ كَمْ مِقْدَارُهُ، وَالشَّارِعُ حَقِيقَةً اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمُصْطَفَى مَجَازٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَلِحَاجَةِ النَّاسِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ فَيَجِبُ أَيْ يَتَعَيَّنُ. [قَوْلُهُ: مِقْدَارُ مَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ] وَهُوَ النَّقْدُ الْمَضْرُوبُ لَا يُقَالُ الشَّارِعُ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْجُدُدِ وَلَا بِنِقَارِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، فَلِمَاذَا رَخَّصَ فِيهَا الْجَوَابُ؟ مَا قَالَهُ الشَّارِعُ أَنَّ النِّقَارَ أَيْ، وَمَا شَابَهَهُ أَعْيَانٌ وَأَثْمَانٌ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ، وَالْجُدُدُ عِنْدَ انْفِرَادِ التَّعَامُلِ بِهَا كَذَلِكَ حَتَّى قِيلَ إنَّهَا مِنْ النُّقُودِ. [قَوْلُهُ: بِالْأَصْلِ] أَيْ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: أَعْيَانٌ أَيْ يُتَعَامَلُ بِأَعْيَانِهَا بِحَيْثُ تَكُونُ ثَمَنًا فَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ لَا يَخْفَى أَنَّ مِمَّا مَا صَدَقَاتُ رَأْسِ الْمَالِ الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمُصَادَرَةُ ثُمَّ فِي الْمَقَامِ إشْكَالٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ النِّقَارَ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا قَدْ يُتَعَامَلُ بِهَا عَلَى فَرْضِ ضَرْبِهَا، وَهَذَا مَفْقُودٌ بِالْفَرْضِ. [قَوْلُهُ: أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا] أَيْ الْعُرُوضِ فَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ بَيْعَهَا حَيْثُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهَا، فَقَوْلُهُ أَجِيرًا أَيْ كَأَجِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَأْجَرْ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ] أَيْ إذَا اتَّجَرَ بِالثَّمَنِ.
[قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَفْصِيلٌ] وَهُوَ مَا نَصُّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ لِثَمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ الْعُرُوض، أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَفْسَهُ أَوْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمَ التَّفَاضُلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا وَيُرَدُّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ أَيْ فِي الْعَمَلِ بِهِ إذَا لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى رَبِّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمَالِ أَنَّ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا الثَّوْبَ اذْهَبْ بِهِ إلَى فُلَانٍ يَبِيعُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَخُذْ مِنْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا بَيْنِي وَبَيْنِك، أَيْ فَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ ثَمَنَ الثَّوْبِ فَهُوَ جَائِزٌ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ عِبَارَتَهُ تُفِيدُ أَنَّ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ تَفْصِيلٌ آخَرُ مُغَايِرٌ لِتَفْصِيلِ ابْنِ رُشْدِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَيَجْرِي فِيهِ تَقْيِيدُ ابْنِ رُشْدٍ. وَنَصَّ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: كَفُلُوسٍ وَعَرْضٍ إنْ تَوَلَّى ذَلِكَ تَشْبِيهًا فِي الْمَنْعِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ اهـ. فَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: وَكَلَامُ
فِي الْقِرَاضِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِبْحٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
ثُمَّ بَيَّنَ أُمُورًا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْعَامِلُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْعَامِلِ) أَيْ وُجُوبًا (كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ) الْمُرَادُ بِهِ نَفَقَتُهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا السَّفَرُ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ تَنْمِيَةَ الْمَالِ، أَمَّا إذَا سَافَرَ لِزِيَارَةِ أَهْلِهِ أَوْ لِحَجٍّ أَوْ لِغَزْوٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَهُ بَالٌ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(إذَا سَافَرَ فِي الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ) ظَاهِرُهُ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّعَامِ (وَ) أَمَّا الْكِسْوَةُ فَ (إنَّمَا يُكْتَسَى فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ) لَا الْقَرِيبِ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا لَا قَلِيلًا، وَحَدُّ الْقَرِيبِ مِثْلُ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَحَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ خَمْسُونَ دِينَارًا ذَهَبًا فَأَكْثَرُ (وَلَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ رَضِيَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا جَعَلَ ثَمَنَ الْعَرْضِ الْمَبِيعِ بِهِ هُوَ الْقِرَاضَ، وَأَمَّا إذَا جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ نَفْسَ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتَهُ الْآنَ أَوْ يَوْمَ الْمُفَاصَلَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَوَلَّى بَيْعَهُ غَيْرُهُ اهـ.
وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُنَافِي تَفْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ. تَتِمَّةٌ:
كَمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا مَضْرُوبًا أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك قِرَاضًا أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ لِي قِرَاضًا بِالرَّهْنِ الَّذِي عِنْدَك أَوْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَك، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ مَجْهُولَ الْكَمِّيَّةِ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ كَرُبْعِ الرِّبْحِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ لَا غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ. وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ لَفْظِهِ الْخَاصَّ بَلْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّتُهَا بِالْمُعَاطَاةِ.
[قَوْلُهُ: ذَهَابًا وَإِيَابًا] أَيْ كَإِقَامَتِهِ بِالْبَلَدِ الَّتِي يَتَّجِرُ بِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ فَإِنْ بَنَى بِهَا أَيْ أَوْ دُعِيَ لِلدُّخُولِ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ فَإِنَّ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَفِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا السَّفَرُ] فَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ السَّفَرِ إنْفَاقٌ أَيْ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ التَّزَوُّدُ لِلسَّفَرِ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُقْتَاتُ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَهُ النَّفَقَةُ [قَوْلُهُ: لِزِيَارَةِ أَهْلِهِ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُنْفِقُ لَا فِي ذَهَابِهِ وَلَا فِي إيَابِهِ إلَّا فِي السَّفَرِ لِبَلَدِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّمَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ فِي مُدَّةِ الذَّهَابِ، وَالْإِقَامَةِ لَا فِي مُدَّةِ رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ أَوْ الْقُرْبَةِ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَالذَّهَابِ فَلَا يُنْفَقُ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ مِنْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ.
فَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا لَا الْأَقَارِبُ، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ السُّرِّيَّةُ وَمِثْلُ سَفَرِ الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ السَّفَرُ لِسَائِرِ الْقُرَبِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَا فَرْقَ فِي سُقُوطِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْإِنْفَاقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِلْمَالِ أَوْ مَتْبُوعَةً، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْفَاقُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ أَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنْ هَلَكَ أَوْ زَادَ إنْفَاقُهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ بِطُرُوِّ حَادِثٍ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي إذَا أَنْفَقَ سَرَفًا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ وَيَلْحَقُ بِالْإِنْفَاقِ الْجَائِزِ أُجْرَةُ نَحْوِ حَجَّامٍ وَصَاحِبِ حَمَّامٍ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ لَهُ التَّاجِرُ عُرْفًا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ، وَيَجُوزُ لَهُ إكْرَاءُ خَادِمٍ فِي السَّفَرِ مِنْ مَالٍ يَتَحَمَّلُهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لَأَنْ يَخْدُمَهُ خَادِمٌ وَإِلَّا لَمْ يُسْتَخْدَمْ كَفِي حَضَرٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ فِي الْقِرَاضِ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِخْدَامِهِ، وَإِنْ تَأَهَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْمَالُ لَمْ يُسْتَخْدَمْ.
وَأَمَّا عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ وَكَوْنِهِ لِغَيْرِ حَجٍّ وَغَزْوٍ وَقُرْبَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِخْدَامِ [قَوْلُهُ: إذَا سَافَرَ إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إذَا اتَّجَرَ بِهِ فِي بَلَدٍ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ يَسِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ] أَيْ فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَالْكَثْرَةِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ بِالْعُرْفِ. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لِأَحَدٍ لِمَا تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ، وَوَقَعَ لِمَالِكٍ السَّبْعُونَ يَسِيرٌ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْخَمْسِينَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى السَّفَرِ الْبَعِيدِ، وَالثَّانِي عَلَى الْقَرِيبِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْقَرِيبِ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِبُعْدِ السَّفَرِ بُعْدُ مَسَافَتِهِ، أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهُ وَطَالَ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ فَلَوْ فَسَّرَ الْبَعْدَ بِمَا تَطُولُ فِيهِ الْمُدَّةُ لَشَمِلَهَا أَيْ بِحَيْثُ يُمْتَهَنُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ] أَيْ فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ