الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبِنَاءِ) بِطَلَاقٍ ظَاهِرُهُ وُجُوبًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَغَارِبَةِ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَا صَدَاقَ فِيهِ، وَإِنْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ فَإِنَّ لَهَا فِيهِ نِصْفَهُمَا (فَإِنْ) لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ (دَخَلَ بِهَا مَضَى) أَيْ ثَبَتَ (وَكَانَ فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ) أَيْ مِثْلِهَا فِي الْحَالِ وَالْمَالِ وَالْجَمَالِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى أُخْتِهَا وَقَرَابَتِهَا إذْ يُزَوَّجُ الْفَقِيرُ لِقَرَابَتِهِ وَالْبَعِيدُ لِغِنَاهُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ لِمِثْلِهَا مَنْ مِثْلُهُ.
(وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِ) أَجْلِ خَلَلٍ فِي (عَقْدِهِ) كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ (وَ) إذَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ فِيهِ، وَإِذَا (فُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَفِيهِ الْمُسَمَّى) إنْ سَمَّى مَا يَجُوزُ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى مَا لَا يَجُوزُ أَوْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَفِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ (وَتَقَعُ بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ الَّذِي يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَكَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ (الْحُرْمَةُ كَمَا تَقَعُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ) ق مَعْنَى وُقُوعِ الْحُرْمَةِ بِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا، وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا لَوْ فُسِخَ
ــ
[حاشية العدوي]
لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
[حُكْمَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ]
[قَوْلُهُ: وَاسْتِحْبَابًا إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ] لَا مَفْهُومَ لِلدِّرْهَمَيْنِ بَلْ حَيْثُ كَانَ نَاقِصًا عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ.
وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: إنَّ نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ لَقَبٌ عِنْدَهُمْ لِكُلِّ مَا نَقَصَ الصَّدَاقُ فِيهِ عَنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ، وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ فَيُفْسَخُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَكَذَا إنْ حَصَلَتْ فُرْقَةٌ بَيْنَ مُتَلَاعِنَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ [قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ] أَرَادَ بِالْحَالِ الدِّينَ وَالْحَسَبَ وَالنَّسَبَ أَيْ مُحَافَظَةً عَلَى أُصُولِ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا هَذَا مَعْنَى الدِّينِ.
وَالْحَسَبُ هُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ كَالْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ الزَّمَنُ وَالْبَلَدُ، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ يَرْغَبُ فِي وُجُودِهَا، وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ كَمَا إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْمَالِ وَالْفَقِيرَةُ سَوَاءً، لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي بَلَدِهَا فَلَوْ كَانَ مَنْشَؤُهَا بَلَدًا غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَالرِّيفِيَّةِ تَحِلُّ بِمِصْرٍ قَالَ الْبَرْمُونِيُّ: لَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ إذَا اُعْتُبِرَتْ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَيَوْمَ الْوَطْءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْفَوَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَكَذَا فِيمَا خَلَا عَنْ عَقْدٍ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْوَطْءِ، فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ فَبِاعْتِبَارِ أُخْتِهَا الْمُوَافِقَةِ لَهَا فِيهَا إذَا كَانَتْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ لَا أُمِّهَا، وَلَا أُخْتِهَا لِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، فَقَدْ تَكُونُ قُرَشِيَّةً، وَأُمُّهَا مِنْ الْمَوَالِي.
[قَوْلُهُ: إذْ يُزَوَّجُ الْفَقِيرُ لِقَرَابَتِهِ] أَيْ إذْ قَدْ تُزَوَّجُ أُخْتُهَا لِلْفَقِيرِ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِكَوْنِهَا قَرِيبَةً لَهُ. وَقَوْلُهُ وَالْبَعِيدُ أَيْ إذْ قَدْ تُزَوَّجُ أُخْتُهَا لِلْبَعِيدِ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ لِغِنَاهُ [قَوْلُهُ: مَنْ مِثْلُهُ] أَيْ مَعَ مِثْلِهِ.
[قَوْلُهُ: كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ] أَوْ كَانَ الْوَلِيُّ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ رَقِيقًا أَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ الْإِحْرَامِ، أَوْ كَانَ صَرِيحَ شِغَارٍ أَوْ وَقَعَ لِأَجَلٍ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَكِنْ الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِطَلَاقٍ فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا شَيْءَ فِيهِ [قَوْلُهُ: فَفِيهِ الْمُسَمَّى] أَيْ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ وَبِنَاؤُهُ لَا إنْ كَانَ صَبِيًّا فَوَطْؤُهُ كَالْعَدَمِ لَا يَلْزَمُ بِهِ صَدَاقٌ، وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ إلَّا أَنَّهَا تُعَاضُ الْمُتَلَذَّذَ بِهَا أَيْ تُعْطَى شَيْئًا وُجُوبًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ بِقَدْرِ حَالِهِ وَحَالِهَا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي النِّكَاحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ كَذَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، فَظَهَرَ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ إلَّا إذَا وَطِئَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَعِنْدَ التَّنَازُعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ.
تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ فَلَا بُدَّ فِي فَسْخِهِ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِنْ عُقِدَ عَلَى مَنْ نُكِحَتْ فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِفَسْخِهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى حُكْمٍ فَيُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَوْ لَفَظَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ.
النِّكَاحُ الْفَاسِدُ الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ تَقَعْ بِهِ حُرْمَةٌ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِعَقْدِهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ.
وَلَمَّا شَبَّهَ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ بِالصَّحِيحِ فِي الْحُرْمَةِ وَخَشِيَ تَوَهُّمَ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِأَدَاةِ الِاسْتِدْرَاكِ فَقَالَ: (وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْبِنَاءِ (الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَمَا قَالَهُ هُنَا مُفَسِّرٌ لِمَا قَالَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ يُحَصِّنُ الزَّوْجَيْنِ، وَيُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِلَّذِي طَلَّقَهَا.
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى الرِّجَالِ (مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ فَقَالَ عز وجل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ أُمٍّ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي وَلَدْتُك، وَإِنْ عَلَتْ فَأُمُّك الْمُبَاشِرَةُ لِلْوِلَادَةِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْك، وَكَذَا أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَأُمُّ الْجَدِّ لِلْأُمِّ {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ بِنْتٍ، وَهِيَ كُلُّ مَنْ لَك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ، وَإِنْ بَعُدَتْ {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ أُخْتٍ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ شَارَكَتْك فِي رَحِمٍ أَوْ صُلْبٍ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ عَمَّةٍ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ اجْتَمَعَتْ مَعَ أَبِيك فِي رَحِمٍ أَوْ صُلْبٍ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ خَالَةٍ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّك فِي رَحِمٍ أَوْ صُلْبٍ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {وَبَنَاتُ الأَخِ} [النساء: 23] ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِأَخِيك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ فَهِيَ بِنْتُ أَخِيك كَانَ الْأَخُ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِأُخْتِك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ فَهِيَ بِنْتُ أُخْتِك كَانَتْ الْأُخْتُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: الْحُرْمَةُ] بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِعَقْدِهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، أَيْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ، أَيْ بِأَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، أَيْ فَيَكُونُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَطْءِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي التَّحْقِيقِ، مِثَالُ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ نِكَاحُ الْمَحْرَمِ وَالشِّغَارِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ أُمَّهَاتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ الْأُمِّ بَنَاتُهَا، وَأَمَّا الْمُجْمَعُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إلَّا وَطْؤُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُدْرَأَ الْحَدُّ كَمَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً غَيْرَ عَالِمٍ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبِنَاءِ] أَيْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ وَطَلُقَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ بِحَيْثُ ثَبَتَ النِّكَاحُ حَلَّتْ، وَأَمَّا لَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ أَوَّلِ وَطْأَةٍ فَفِي حِلِّهَا تَرَدُّدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ وَطْءٌ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ التَّحْرِيمُ بِالْوَطْءِ دُونَ التَّحْلِيلِ احْتِيَاطًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا [قَوْلُهُ: وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ] كَذَا فِيمَا بِيَدِي مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ وَنُسْخَةُ التَّحْقِيقِ. وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَفَادَ تت أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ نُسْخَتَيْنِ النُّسْخَةُ الَّتِي فِي التَّحْقِيقِ وَنُسْخَةٌ، وَلَا يُحَصَّنُ الزَّوْجَيْنِ بِإِسْقَاطِ بِهِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: مُفَسِّرٌ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ] أَيْ بَعْضُهُنَّ بِالرَّضَاعِ وَبَعْضُهُنَّ بِالصِّهْرِ، وَهِيَ قَرَابَاتُ الزَّوْجَةِ وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ فَاَلَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالرَّضَاعِ اثْنَتَانِ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ، وَبَقِيَّةُ السَّبْعِ حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالصِّهْرِ وَبَقِيَّةُ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ تَمَامُ السَّبْعِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السُّنَّةِ.
قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: الْمُحَرَّمُ بِالصِّهْرِ أَرْبَعٌ زَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ وَأُمُّ الزَّوْجَةِ وَابْنَتُهَا. [قَوْلُهُ: فِي رَحِمٍ] أَيْ وَهِيَ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ فَالْمُشَارِكَةُ فِي الصُّلْبِ هِيَ الَّتِي لِلْأَبِ وَاَلَّتِي فِيهِمَا مَعًا هِيَ الشَّقِيقَةُ. [قَوْلُهُ: مَعَ أَبِيك] أَيْ أَوْ جَدِّك، وَعَمَّاتُ الْآبَاءِ، وَعَمَّاتُ الْأُمَّهَاتِ، وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ تَحْرُمُ عَلَيْك، إنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِهِ، وَقِبَلِ الْأُمِّ، وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَلَا تَحْرُمُ قَالَهُ تت، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ إلَخْ أَيْ الْعَمَّةُ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْعَمَّةِ لَا لِعَمَّةِ الْعَمَّةِ، وَقَوْلُهُ، وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إلَخْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أُخْتَ أَبِي مِنْ أُمِّهِ أَبُوهَا أَجْنَبِيٌّ، وَأُخْتُهُ كَذَلِكَ، فَلَيْسَتْ بِأَصْلِيٍّ، وَلَا فَرْعِيٍّ، وَلَا زَوْجَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا فَرْعِ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِي قَالَهُ عج. وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أُخْتُ الْجَدِّ لِأَبِيهِ، وَمِنْ قِبَلِهِمَا مَعًا أُخْتُهُ شَقِيقَةٌ [قَوْلُهُ:{وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23]] وَخَالَةُ الْخَالَةِ تَحْرُمُ إنْ كَانَتْ الْخَالَةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا، وَقِبَلِ الْأَبِ، وَأَمَّا مِنْ
شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (فَهَؤُلَاءِ) السَّبْعَةُ (مِنْ الْقَرَابَةِ) .
أَمَّا السَّبْعَةُ (اللَّوَاتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ) فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا شَابَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَجَالَّةً حَيَّةً كَانَتْ أَوْ مَيِّتَةً {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] كَانَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ إلَّا الْأُمَّ وَالْأُخْتَ، فَالْأُمُّ أَصْلٌ، وَالْأُخْتُ فَرْعٌ فَنَبَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا عَلَى زَوْجَتِك وِلَادَةٌ فَهِيَ أُمُّ امْرَأَتِك، وَإِنْ عَلَتْ.
وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ فِيمَنْ دَخَلَ بِهَا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ كَمَا سَيَذْكُرُ وَكَذَا تَحْرُمُ أُمُّ الزَّوْجَةِ بِالرَّضَاعِ {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] جَمْعُ رَبِيبَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَرْبُوبَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ رَبَّهَا يُرَبِّهَا إذَا وَلِيَ أَمْرَهَا، وَهِيَ بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ:{اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ إجْمَاعًا فَالرَّبِيبَةُ تَحْرُمُ عَلَى مَنْ دَخَلَ بِأُمِّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ، وَالْحِجْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا مُقَدَّمُ ثَوْبِ الْإِنْسَانِ، وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْهُ فِي حَالِ اللُّبْسِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ اللَّفْظَةُ فِي الْحِفْظِ وَالسَّتْرِ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الدُّخُولِ مِنْ قَوْله تَعَالَى
ــ
[حاشية العدوي]
قِبَلِ الْأَبِ فَقَطْ فَلَا تَحْرُمُ خَالَةُ الْخَالَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالَتِي إذَا كَانَتْ أُخْتَ أُمِّي لِأُمِّهَا أَوْ شَقِيقَتَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّي فِي أُمِّهَا فَهِيَ فَرْعٌ أَصْلِيٌّ، الْأَوْلَى فَتَحْرُمُ خَالَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ أُمِّي لِأَبِيهَا فَأُمُّهَا وَأُخْتُ أُمِّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنِّي فَلَيْسَتْ فَصْلَ أَصْلِيٍّ.
[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ بِكْرًا إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ بَلْ لَوْ كَانَتْ خُنْثَى مُشْكِلًا [قَوْلُهُ: أَوْ مَيِّتَةً] أَيْ حَيْثُ كَانَ فِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ عَلَى الْأَظْهَرِ [قَوْلُهُ:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]] الْمُرَادُ بِالْأَخَوَاتِ الَّتِي مِنْ الرَّضَاعِ بَنَاتُ الْمَرْأَةِ الْمُرْضَعِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ بِالْمُرَادِ بِهِنَّ مَنْ رَضَعَ هُوَ، وَإِيَّاهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَرْضَعَتْ بِنْتًا قَبْلَهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ كَانَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ صَاحَبَتْك فِي الرَّضَاعِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ قَبْلَ أَنْ تُرْضِعَ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَضِعَتْ [قَوْلُهُ: فَرْعٌ] أَيْ لِذَلِكَ الْأَصْلِ [قَوْلُهُ: وَالْفُرُوعِ] أَيْ فُرُوعِ الْأُصُولِ [قَوْلُهُ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]] سَوَاءٌ عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا فِي حَالِ بُلُوغِهِ أَوْ صِبَاهُ [قَوْلُهُ: وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ] وَغَيْرُهُمْ كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَقَدْ قَالَا: إنَّ قَوْلَهُ عز وجل {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] شَرْطٌ فِي هَذِهِ وَفِي الرَّبِيبَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا.
[قَوْلُهُ: إذَا وَلِيَ إلَخْ] أَيْ تَقُولُ ذَلِكَ إذَا وَلِيَ أَمْرَهَا أَيْ فَمَعْنَى مَرْبُوبَةٍ مُوَلًّى أَمْرُهَا، وَرُجُوعُهُ لِلْمَاضِي ظَاهِرٌ وَلِلْمُضَارِعِ بِأَنْ يُرَادَ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَقُولُ فَحِينَئِذٍ قَوْله تَعَالَى {اللاتِي} [النساء: 23] إلَخْ وَصْفٌ كَاشِفٌ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْرِ أَغْلَبِيَّةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْرِ أَغْلَبِيَّةٌ، بِقَوْلِهِ ثُمَّ اتَّسَعَ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ فَسُمِّيَ رَبِيبًا إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ رَبِيبَةً إذَا كَانَ أُنْثَى، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَرْبِيَةٌ أَقُولُ فَالْوَصْفُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ مُخَصِّصًا، وَصَحَّ عَدَمُ ذِكْرِهِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَبْلُ [قَوْلُهُ: لَا مَفْهُومَ لَهُ] الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا] أَيْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْحِجْرِ.
وَقَالَ تت خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا] يُوَافِقُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ طَرَفَ الثَّوْبِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَلَى الْكَسْرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْحِفْظِ وَالسَّتْرِ. [قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَأَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا كَانَ تَحْتَهُمَا مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ عُرْفًا فَهُوَ عَيْنُ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ [قَوْلُهُ: فِي الْحِفْظِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَفِظْته صُنْته عَنْ الِابْتِذَالِ، وَعَطْفُ السَّتْرِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَقَوْلُهُ مَجَازًا أَيْ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْحِجْرَ سَبَبٌ لِلسَّتْرِ فِي الْجُمْلَةِ
{اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه هُوَ الْجِمَاعُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ التَّمَتُّعُ مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْأَصْلُ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مِثْلُهُ يَحِلُّ بِحِلِّهِ، وَيَحْرُمُ بِحُرْمِهِ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالرَّبِيبَةُ حَلَالٌ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَلَا تَلَذَّذَ مِنْهَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ حِينَئِذٍ فِي نِكَاحِ الرَّبِيبَةِ {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] جَمْعُ حَلِيلَةٍ، وَهِيَ زَوْجَةُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ وقَوْله تَعَالَى:{الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] تَخْصِيصٌ لِيَخْرُجَ مِنْ عُمُومِهِ التَّبَنِّي، وَكَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَمَةَ الِابْنِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] سَوَاءٌ
ــ
[حاشية العدوي]
[قَوْلُهُ: هُوَ الْجِمَاعُ] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَوْلُهُ {دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] أَيْ دَخَلْتُمْ مَعَهُنَّ السِّتْرَ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ أَفَادَهُ الشِّهَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ [قَوْلُهُ: مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ] أَيْ وَالْجِمَاعِ أَيْ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالدُّخُولِ اللَّمْسَ وَالْجِمَاعَ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ فَقَطْ أَيْ، وَقِيسَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ اللَّمْسَ الشَّامِلَ لِلْقُبْلَةِ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ دُونَ هَذَا الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ قَبِيلٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْجِمَاعِ لَيْسَ حَقِيقَةً أَيْ بَلْ كِنَايَةً مَشْهُورَةً فَكَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ] أَيْ وَحَاصِلُ الْقَوْلِ [قَوْلُهُ: إنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْأَصْلُ] أَيْ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الدُّخُولُ مَعَهُنَّ السِّتْرَ [قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْجِمَاعِ أَيْ قِيسَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ الشَّامِلُ لِلْقُبْلَةِ أَيْ وَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ، يَعُمُّهُمَا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ فَلَا تَنَافِيَ فِي عِبَارَتِهِ [قَوْلُهُ: يَحِلُّ بِحِلِّهِ] أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ يَحِلُّ فِيهِ اللَّمْسُ، وَقَوْلُهُ بِحُرْمِهِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا أَيْ حُرْمَتِهِ أَيْ: أَيُّ مَوْضِعٍ يَحْرُمُ فِيهِ الْوَطْءُ يَحْرُمُ فِيهِ اللَّمْسُ، وَقَوْلُهُ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ أَيْ شُمُولِهِ أَيْ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِأَفْرَادِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ الْجِمَاعُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَيْ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ. وَمَجَازِهِ وَلَا يَأْتِي الطَّرِيقُ الثَّالِثُ لِتَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالدُّخُولِ إلَّا عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّمَسُّحِ بِأَنْ يُرَادَ الشُّمُولُ، وَلَوْ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ تَرْكِيبُهُ الصَّعْبِ وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ لَذَّةً بِزَوْجَتِهِ، وَلَوْ بِقُبْلَةِ فَمٍ أَوْ لَمْسٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ، وَلَوْ بِنَظَرٍ وَوُجِدَتْ حَرُمَتْ فَبِنْتُهَا رَبِيبَةٌ، وَإِنْ انْتَفَيَا فَلَا تَحْرُمُ، وَإِنْ قَصَدَهَا فَقَطْ أَوْ وَجَدَهَا فَقَطْ فَقَوْلَانِ فِي كُلٍّ أَقْوَاهُمَا فِي الثَّانِي، التَّحْرِيمُ وَالْأَرْبَعَةُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ.
وَأَمَّا هُمَا فَلَا تَحْرِيمَ بِهِمَا مُطْلَقًا، كَبَاطِنِ الْجَسَدِ مَعَ انْتِفَائِهِمَا، وَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِالْكَلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرِّمٍ اتِّفَاقًا.
وَقَالَ عج وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الْفُصُولِ بِالتَّلَذُّذِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَقْتَ التَّلَذُّذِ صَغِيرَةً جِدًّا فَلَيْسَ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ. اهـ.
[قَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]] الْحَاصِلُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِالْأُمَّهَاتِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ يُحَرِّم بَنَاتِهِنَّ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ قُوَّةُ مَحَبَّةِ الْأُمِّ لِلْبِنْتِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ [قَوْلُهُ:{وَحَلائِلُ} [النساء: 23] إلَخْ] الْمُرَادُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ الْأَبْنَاءُ أَيْ مُطْلَقُ الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَفَلَتْ، وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ لَهُ صَغِيرًا جِدًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا تَلَذَّذَ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ حَلَائِلُ أَبْنَاءِ الْبَنَاتِ.
[قَوْلُهُ: تَخْصِيصٌ] أَيْ مُخَصَّصٌ أَوْ ذُو تَخْصِيصٍ لِقَوْلِهِ أَبْنَاؤُكُمْ، وَقَوْلُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُمُومِهِ أَيْ مِنْ عُمُومِ أَبْنَائِكُمْ الْأَبْنَاءُ بِالتَّبَنِّي. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ حُرْمَةُ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ بِالتَّبَنِّي الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَيْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ [قَوْلُهُ: مِنْ الرَّضَاعِ] صِفَةٌ لِلِابْنِ أَيْ فَالِابْنُ مِنْ الرَّضَاعِ حُكْمُ ابْنِ الصُّلْبِ فِي حُرْمَةِ حَلِيلَتِهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَمَةِ الِابْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى
كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ لِلْوَطْءِ أَمَّا الْجَمْعُ لِلِاسْتِخْدَامِ فَقَطْ فَجَائِزٌ إجْمَاعًا، {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ، وَأَزَالَهُ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي نِكَاحِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً، وَفَاحِشَةً شَائِعَةً وَنِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا نَسَخَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِينَا:(وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الْأَبُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَبِالْعَقْدِ تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ، وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ إلَّا سِتًّا، وَجَعَلَ السَّابِعَةَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَبِ حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ أَنَّهَا حَلِيلَةٌ أَوْ لَا يَصْدُقُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ] أَيْ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ لَهُ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الْمُتَلَذِّذِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَالِكٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ التَّلَذُّذِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ فِيهِ الشَّكُّ فَأَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ الِابْنُ نَكَحْتهَا أَوْ وَطِئْت الْأَمَةَ عِنْدَ قَصْدِ الْأَبِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ نُدِبَ التَّنَزُّهُ وَفِي وُجُوبِهِ إنْ فَشَا تَأْوِيلَانِ.
[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ] أَوْ مَانِعَةِ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ أَيْ فَيُصَدَّقُ بِصُورَةٍ ثَالِثَةٍ أَيْ بِأَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ بِنِكَاحٍ وَأُخْرَى بِمِلْكٍ فَيَمْتَنِعُ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْجِمْعُ لِلِاسْتِخْدَامِ] وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا إذَا جَمَعَهُمَا لِلِاسْتِخْدَامِ فَيَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ وَاحِدَةً لِلْوَطْءِ وَوَاحِدَةً لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ [قَوْلُهُ:{إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]] أَيْ إلَّا الْجَمْعَ الَّذِي قَدْ سَلَفَ، وَقَوْلُهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي قَدْ سَلَفَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُخَاطَبِينَ. وَقَوْلُهُ: وَوَقَعَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَزَالَهُ الْإِسْلَامُ أَيْ أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ أَيْ أَبْطَلَ اسْتِمْرَارَهُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ] أَيْ يَمْحُوهُ مِنْ الصُّحُفِ [قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ] أَيْ يَقْطَعُهُ أَيْ يَمْحُوهُ مِنْ الصُّحُفِ بِحَيْثُ صَارَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] نَعَمْ قَدْ اُسْتُشْكِلَ مَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ شَرِيعَةَ قَوْمٍ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ حَتَّى يُقَالَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ فَتَدَبَّرْ، فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَتْ أَيْ نِكَاحُ مَنْكُوحَاتٍ إلَخْ، وَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ خَصْلَةً، وَقَوْلُهُ جَاهِلِيَّةً أَيْ مَنْسُوبَةً لِلْجَهْلِ لِكَوْنِهَا نَاشِئَةً عَنْهُ، وَقَوْلُهُ وَفَاحِشَةً أَيْ بَالِغَةً فِي الْقُبْحِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ [قَوْلُهُ: كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلِنَا] ظَاهِرُهُ حَتَّى عِيسَى [قَوْلُهُ: وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: 22]] ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَصْلِ تَلَذُّذٌ بِهِ، وَحُرْمَةُ حَلِيلَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَ الْأَبُ عَلَيْهَا فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَقَيَّدْنَا الْفَاسِدَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ إلَّا وَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ وَمِثْلُ حَلِيلَةِ الْأَصْلِ مَوْطُوءَتُهُ بِالْمِلْكِ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا الْأَصْلُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّلَذُّذُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْآبَاءِ الْجِنْسُ فَيَدْخُلُ الْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبٌ] أَيْ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْآبَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْقِسْمَةِ عَلَى الْآحَادِ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ] أَيْ فَإِنَّكُمْ لَا تُؤَاخَذُونَ بِهِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا سِتًّا] صَوَابُهُ خَمْسًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ السَّابِعَةَ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ بِالصِّهْرِ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ بِسَبَبِ عَقْدِ أَصْلِك أَوْ فَرْعِك عَلَيْهِ أَوْ عَقْدِك عَلَى غَيْرِهَا، كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا، وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِالْجَمْعِ فَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا الضَّابِطُ عَلَيْهَا. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ غَلَّبَ الْمُحَرَّمَ
السَّابِعَةَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ صَرِيحًا إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ، وَكَانَ جَمِيعُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حُكْمُهُمْ حُكْمُهَا أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عُمُومًا.
فَقَالَ «وَحَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ، وَكَانَ غَيْرُهُمَا مُلْحَقًا بِهِمَا بِالسُّنَّةِ نَبَّهَ، عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:«وَنَهَى أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا» خَرَّجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ ابْنُ شَاسٍ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا، لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَالْحِلِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
بِالصِّهْرِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالْجَمْعِ [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ.
[قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: 24]] أَيْ يَحْرُمُ نِكَاحُ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِنَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَفِي عَدِّهَا مِمَّا ذُكِرَ تَغْلِيبٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: «وَحَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ] ، وَهِيَ السَّبْعُ اللَّاتِي فِي الْآيَةِ، فَكَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، فَأُمُّك رِضَاعًا كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ رَضَعَتْ عَلَى زَوْجَتِك بِلَبَنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُك مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَأَخَوَاتُك كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ وُلِدَ لِفَحْلِهَا، فَإِنْ جَاءَ مِنْ أُمِّك وَفَحْلِهَا، وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ شَقِيقٌ لَك مِنْ الرَّضَاعِ.
وَإِنْ وُلِدَ لِأُمِّك مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَحْلِ وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَإِنْ وُلِدَ لِأَبِيك مِنْ غَيْرِ أُمِّك مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ فَهُوَ أَخُوك لِأَبِيك، وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتُ الرَّضِيعِ، وَأَخَوَاتُ أُمِّ الرَّضِيعِ خَالَاتٌ لَهُ، وَبَنَاتُ الْأَخِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةُ أَخِيك بِلَبَنِهِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ الْأَخَوَاتُ [قَوْلُهُ: بِالرَّضَاعِ] أَيْ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَقَوْلُهُ مِنْ النَّسَبِ أَيْ مَا يَحْرُمُ مِنْ أَجْلِ النَّسَبِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْ فِي الثَّانِي لِدَفْعِ الثِّقَلِ فِي اللَّفْظِ [قَوْلُهُ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إلَخْ] مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ وَالرَّضَاعَةُ بِمَعْنَى الرَّضَاعِ فَهُوَ مَصْدَرٌ ثَانٍ لِرَضَعَ، كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: الرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا [قَوْلُهُ: وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ.
قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ قُرْآنًا، وَأَلْحَقَتْ السُّنَّةُ بِهِمَا الْجَمْعَ بَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» . " [قَوْلُهُ: وَنَهَى أَنْ تُنْكَحَ إلَخْ] قَالَ تت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ، وَيُتَصَوَّرُ الْعَمَّتَانِ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ وَالْخَالَتَانِ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ، وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا أُمَّ الْآخَرِ وَالْآخَرُ بِنْتَ الْآخَرِ وَالنَّسَبُ وَالرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ [قَوْلُهُ: خَرَّجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . "[قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْقَصْدُ خُصُوصَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ إلَخْ] وَاحْتَرَزَ بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعَةِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ ابْنَتِهِ.
وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَلَا يَحْرُمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَلْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْأَخِيرَةِ لَوْ قُدِّرَتْ السَّيِّدَةُ ذَكَرًا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَطْءُ جَارِيَتِهِ [قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ] الْمُنَاسِبُ لَحَرُمَ الْجَمْعُ [قَوْلُهُ: فِي الْعَقْدِ وَالْحِلِّ] أَيْ حِلِّيَّةِ الْوَطْءِ فَإِنْ جَمَعَهُمَا فِي الْعَقْدِ بَطَلَ النِّكَاحَانِ وَفُسِخَا أَبَدًا، وَإِنْ حَصَلَ دُخُولٌ بِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ، وَلَا مَهْرٍ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْحِلِّ فَإِنْ عَلِمَتْ الْأُولَى فُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، وَثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَمِثْلُ الْعِلْمِ لَوْ صَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ لِيَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيُفْسَخُ نِكَاحُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا ثَانِيَةٌ لَكِنْ
وَجْهِ التَّفْسِيرِ فَقَالَ: (فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً حَرُمَتْ بِ) مُجَرَّدِ (الْعَقْدِ) عَلَيْهَا (دُونَ أَنْ تُمَسَّ) أَيْ تُوطَأَ (عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ) بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ حُرْمَتُهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَقَوْلُهُ: حَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وَقَوْلُهُ: أَبْنَائِهِ، تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَقَوْلُهُ: (وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَبِالْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ تَحْرُمُ الْأُمُّ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَوْلُهُ:(وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِالْأُمِّ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا) وَلَوْ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِ الْوَجْهِ (بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ) يَتَلَذَّذُ مِنْهَا (بِشُبْهَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ) شُبْهَةٍ (مِنْ مِلْكٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] فَبِالْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ لَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُهَا الدُّخُولُ بِهَا أَوْ التَّلَذُّذُ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِجَسَدِهَا وَالنَّظَرُ لِلْوَجْهِ لَغْوٌ اتِّفَاقًا، مِثَالُ التَّلَذُّذِ بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرٌ.
وَمِثَالُ الشُّبْهَةِ مِنْ النِّكَاحِ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ غَيْرَ عَالِمٍ، وَمِثَالُ الشُّبْهَةِ مِنْ مِلْكٍ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً، وَيَتَلَذَّذَ مِنْهَا فَتُسْتَحَقَّ مِنْهُ أَوْ يَظْهَرَ بِهَا عَيْبٌ فَتُرَدُّ.
(وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ) مِثْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَنَصُّهَا وَإِنْ زَنَى بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا فَلْيُفَارِقْهَا، حَمَلَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ هَذِهِ الْمُفَارَقَةَ عَلَى الْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْكَلَامَانِ، فَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ رَجَّحَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا فِي الْمُوَطَّأِ، وَأَفْتَى بِالتَّحْرِيمِ إلَى أَنْ مَاتَ.
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى الْمُسْلِمِ (وَطْءَ الْكَوَافِرِ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ك الشِّرْكُ يَشْمَلُ الْمَجُوسَ وَالصَّابِئَةَ وَعَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ
ــ
[حاشية العدوي]
بِطَلَاقٍ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ الْعِلْمَ بِأَوَّلِيَّةِ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا.
[قَوْلُهُ: فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً] أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا] لَوْ قَالَ بِمُجَرَّدِهِ لَكَفَى إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيضَاحَ [قَوْلُهُ: عَلَى آبَائِهِ] أَيْ أُصُولِهِ. وَقَوْلُهُ، وَأَبْنَائِهِ أَيْ فُرُوعِهِ [قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا] لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْوَجْهِ] وَمِثْلُ الْوَجْهِ الْكَفَّانِ [قَوْلُهُ: أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ إلَخْ] خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأُمِّ [قَوْلُهُ: الدُّخُولُ بِهَا] أَوْ وَطْؤُهَا [قَوْلُهُ: وَالنَّظَرِ لِلْوَجْهِ] أَيْ بِلَذَّةٍ وَمِثْلُهُ الْيَدَانِ [قَوْلُهُ: غَيْرَ عَالِمٍ] رَاجِعٌ لَهُمَا، وَلَيْسَ قَصْدُهُ الْحَصْرَ فِيهِمَا بَلْ الضَّابِطُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَاسِدًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَكِنْ يَدْرَأُ الْحَدَّ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ بِمُعْتَدَّةٍ أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ غَيْرَ عَالِمٍ، وَيَتَلَذَّذُ بِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، وَأَصْلُهَا وَلَوْ حَمْلَ الشُّبْهَةِ مِنْ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ، لَكَانَ أَوْلَى إذَا قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ، وَمَا فَسَّرَ بِهِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ، لَا يُفِيدُ حُكْمَ مَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَمَتَهُ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ وَطْءَ الْغَلَطِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ قَوْلِهِ غَلَطًا فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ قَالَهُ عج. .
[قَوْلُهُ: وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ] الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهُ بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهِ أُصُولُهَا، وَلَا فُرُوعُهَا بَلْ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَائِهِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى يَجُوزُ لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ نِكَاحُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: فَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ رَجَّحَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ] ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَلَيْهِ خَلَا ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِالتَّحْرِيمِ إلَى أَنْ مَاتَ] فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الرَّاجِحُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ بِالزِّنَا مَعَ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُ، مَعَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ مِنْهُ لَا يُنْسَبُ إلَى قَائِلِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ رَاجِحًا؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْحَابَهُ أَخَذُوا مِنْ قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَصَارَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: مُخَالِفًا لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَسْتَنْبِطُهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مِنْ قَوَاعِدِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ.
[قَوْلُهُ: الْكَوَافِرِ] جَمْعُ كَافِرَةٍ قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ رحمه الله[قَوْلُهُ: الشِّرْكُ] أَيْ أَهْلُ الشِّرْكِ [قَوْلُهُ: وَالصَّابِئَةَ] قَوْمٌ عَدَلُوا عَنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة وَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ [قَوْلُهُ: وَعَبَدَةَ الْأَوْثَانِ] جَمْعُ وَثَنٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْوَثَنُ
اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا.
(وَيَحِلُّ) لِلْمُسْلِمِ (وَطْءُ) الْإِمَاءِ (الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ) دُونَ النِّكَاحِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3](وَيَحِلُّ) لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا (وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ بَاقِيَةً عَلَى دِينِهَا أَوْ انْتَقَلَتْ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ إمَائِهِنَّ) أَيْ إمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) لَا (لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ) مُسْلِمَيْنِ سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَشَرَطَ الْإِيمَانَ فِيهِنَّ وَلِأَنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ لِلْكُفَّارِ.
(وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) سَوَاءٌ كَانَ كَامِلَ الرِّقِّ أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ عَقْدٍ مِنْ حُرِّيَّةٍ، كَالْمُكَاتِبِ لِتَعَارُضِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا سَلْطَنَةُ الزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ لَهَا عَلَيْهِ سَلْطَنَةُ الْمِلْكِ، وَإِذَا طَالَبَتْهُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ طَالَبَهَا بِنَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ (عَبْدَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ كَعَبْدِهَا إذْ لَوْ مَاتَ لَوَرِثَتْهُ؛ وَلِأَنَّ لَهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الصَّنَمُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهُمْ أَيْ كَعَابِدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا] يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ النَّصَارَى {ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73] وَفِي حَقِّ الْيَهُودِ {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] تَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ] ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْبِيرِهِ بِيَحِلُّ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحِلِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَمَشَى عَلَيْهَا الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ؛ لِأَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَتَتَأَكَّدُ الْكَرَاهَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَلَا مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْكَنِيسَةِ، وَهَذَا رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ عَلَى دِينِهَا، وَأَيْضًا رُبَّمَا تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالْوَلَدُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِهَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ جَارٍ فِي قَوْلِهِ، وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ إلَخْ] وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تُظْهِرُ إحْدَاهُمَا وَتُخْفِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تُظْهِرُ إحْدَاهُمَا وَتُخْفِي الْمَجُوسِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهَا تُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ قَالَهُ عج فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ مُحْتَجًّا بِآيَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهَا: إنَّ رَبَّهَا عِيسَى.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا شَرُفَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَنِسْبَتُهُمْ إلَى الْمُخَاطَبَةِ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، أُبِيحَ نِسَاؤُهُمْ وَطَعَامُهُمْ وَفَاتَ غَيْرُهُمْ هَذَا الشَّرَفُ بِحِرْمَانِهِمْ.
[قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] إلَخْ] أَيْ الْحَرَائِرُ أَوْ الْعَفَائِفُ الْكِتَابِيَّاتُ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا] عَجَزَ عَنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ لِكَافِرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: طَوْلًا] أَيْ فَضْلًا مِنْ الْمَالِ [قَوْلُهُ: الْمُحْصَنَاتُ] أَيْ الْحَرَائِرُ [قَوْلُهُ: فَمَا مَلَكَتْ إلَخْ] أَيْ فَلْيَنْكِحْ مَمْلُوكَةً مِنْ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ لِلْكُفَّارِ] ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَبَاهُ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا.
تَنْبِيهٌ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ حَيْثُ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْحُرَّةَ الْمَجُوسِيَّةَ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَيُرْجَمُ الزَّوْجُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ بِخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ بِمَجُوسِيٍّ أَوْ بِكَافِرٍ غَيْرِهِ لَمْ تُحَدَّ، وَإِنْ تَعَمَّدَتْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إسْنَادَ النِّكَاحِ إلَى الرَّجُلِ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ، وَإِلَى الْمَرْأَةِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ الضَّعِيفَةِ، وَانْظُرْ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ هَلْ يُحَدُّ أَمْ لَا وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِحِلِّ وَطْءِ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ الْمَجُوسِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا]، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ [قَوْلُهُ: سَلْطَنَةُ الزَّوْجِيَّةِ] أَيْ وِلَايَةُ الزَّوْجِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدَ وَلَدِهَا] الْمُرَادُ
شُبْهَةً فِي مَالِهِ، إذْ لَا تُقْطَعُ إذَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِهِ.
(وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَتَزَوَّجُ (الرَّجُلُ أَمَتَهُ) أَيْ أَمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ الْبُضْعُ، وَالْمِلْكُ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِكَمَالِهَا فَمِلْكُ الْمَنَافِعِ دَاخِلٌ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا فَائِدَةَ لِلنِّكَاحِ.
(وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ (أَمَةَ وَلَدِهِ) لِلشُّبْهَةِ الَّتِي لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ، وَلِذَا لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ، فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ نَفْسِهِ فَإِنَّ وَقَعَ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِثْلُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى أَمَتِهِ فُسِخَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَكَذَا إنْ طَرَأَ الْمِلْكُ بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
(وَلَهُ) أَيْ وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ) الْحُرِّ، وَإِنْ عَلَا، إنْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا الْوَالِدُ بِوَطْءٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ (وَ) كَذَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ (أَمَةَ أُمِّهِ) الْحُرَّةِ، وَإِنْ عَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِهِمَا، إذْ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِمَا قُطِعَ أَوْ زَنَى بِأَمَةِ أَحَدِهِمَا حُدَّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِمَا خَوْفُ الْعَنَتِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ يُعْتَقُ عَلَى أَبَوَيْهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إذَا كَانَا عَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلسَّيِّدِ.
(وَ) يُبَاحُ (لَهُ) أَيْضًا (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ) هَذَا وَاضِحٌ إذَا كَانَتْ الْبِنْتُ مَعَهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَانْفَصَلَتْ مِنْ الرَّضَاعِ، أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ تُرْضِعُهَا أَوْ طَلَّقَهَا الْأَبُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِرَجُلٍ، وَأَوْلَدَهَا بِنْتًا، فَهَلْ لِابْنِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذِهِ الْبِنْتَ أَمْ لَا، فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ وَاسْتُظْهِرَ الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ احْتِيَاطًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَكْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ:(وَتَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ ابْنَ زَوْجَةِ أَبِيهَا مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ أَبِيهَا هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَبُوهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ، أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ تُرْضِعُهُ فَهُوَ أَخُو الرَّبِيبَةِ مِنْ الرَّضَاعِ.
(وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ) الْمُسْلِمَيْنِ (نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ) اتِّفَاقًا فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
بِالْوَلَدِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ ابْنَ ابْنِهَا، وَإِنْ نَزَلَ، وَيَشْمَلُ الْأُنْثَى أَيْضًا [قَوْلُهُ: إذْ لَوْ مَاتَ لَوَرِثَتْهُ] هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِي تَزَوُّجِ الرَّجُلِ أَمَةَ وَالِدِهِ مَعَ أَنَّهُ مَاضٍ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً أَوْ مُبَعَّضَةً قِنَّةً مَحْضَةً، أَوْ ذَاتَ شَائِبَةٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَاتِبَةِ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا [قَوْلُهُ: لِأَنَّ النِّكَاحَ] أَيْ الْعَقْدَ، وَقَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ مِلْكٌ أَيْ سَبَبُ مِلْكٍ [قَوْلُهُ: الْمَنَافِعِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ بِالْبُضْعِ [قَوْلُهُ: فَمِلْكُ الْمَنَافِعِ دَاخِلٌ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ مَا يَشْمَلُ مِلْكَ ذَاتِهَا بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَمِلْكِ الِانْتِفَاعِ، فَالْأَوْلَى أَيْضًا أَنْ يُعَبِّرَ بِالِانْتِفَاعِ، وَقَوْلُهُ فَلَا فَائِدَةَ إلَخْ هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُنْتِجُ عَدَمَ الْجَوَازِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ] أَيْ أَمَةَ وَلَدِهِ، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَطْءِ الْوَلَدِ عَلَى الرَّاجِحِ [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى أَمَتِهِ] أَيْ أَوْ أَمَةِ فَرْعِهِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ] أَيْ فَاللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ، وَهَلْ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ أَمَةً وَرِثَهَا الِابْنُ هَلْ يَطَؤُهَا، أَوْ لَا فَنَقُولُ لَا يَخْلُو بِأَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ قَارَبَهَا أَمْ لَا فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ عَلِيَّةَ فَلَا يَقْرَبُهَا " وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَلِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِلْوَطْءِ، وَالْغَالِبُ فِي الْوَخْشِ أَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِلْخِدْمَةِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: أَمَةَ وَالِدِهِ، وَأَمَةَ أُمِّهِ] أَيْ حَيْثُ كَانَتْ مُسْلِمَةً.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّقِيقَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ الْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَمْلِكَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ رَقِيقَيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَلَدَهُ يُعْتَقُ عَلَى أَبَوَيْهِ] يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ نِكَاحِ الْحُرِّ أَمَةَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا عَلَى أُخْتِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ الرَّشِيدَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ إلَّا الْأَصْلُ، وَإِنْ عَلَا وَالْفَرْعُ، وَإِنْ سَفَلَ، وَالْحَاشِيَةُ الْقَرِيبَةُ، وَهِيَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لَا أَوْلَادُهُمْ، وَلَا الْأَعْمَامُ، وَلَا الْعَمَّاتُ.
[قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ] وَمَوْضُوعُهَا أَنَّ لَبَنَ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَقَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ خَلِيلٌ وَلِذَا اقْتَصَرَ تت عَلَيْهِ مُعَلِّلًا لَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَلَدِ إلَخْ] أَيْ أَوْ تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ تُرْضِعُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَطْءٌ فَإِنَّهَا تَحِلُّ.
[قَوْلُهُ: نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ] أَيْ أَوْ بَعْضُهُمْ حَرَائِرُ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ وَسَوَاءٌ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٌ أَوْ عُقُودٌ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ]
مُنْدَرِجٌ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ، وَيَمْتَنِعُ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ، وَهَلْ يُحَدَّانِ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حَدَّ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَتَحِلُّ الْخَامِسَةُ بِطَلَاقِ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعِيًّا، عَلَى الْمَشْهُورِ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ (وَ) يَجُوزُ (لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ) مَمْلُوكَاتٍ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَ) يَجُوزُ (لِلْحُرِّ ذَلِكَ) أَيْ تَزَوُّجُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ مَمْلُوكَاتٍ لِلْغَيْرِ بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا:(إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ)، وَهُوَ الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25](وَ) الْآخَرُ إذَا (لَمْ يَجِدْ لِلْحَرَائِرِ طَوْلًا) ، وَهُوَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ إمَاءٍ لِلْحُرِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْحُرِّ الْأَمَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا تَنْبِيهًا، عَلَى أَنَّ الْحُرَّ يُفَارِقُ الْعَبْدَ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَصْرَهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَحُدُودِهِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَذَّةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا يَتَشَطَّرُ الْعَذَابُ [قَوْلُهُ: بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ] وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ جَوَازُ الزَّائِدِ عَلَى أَرْبَعٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمِنْ جَمَاعَةٍ مَنْ نَسَبَهُ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَمَنْ يَبْلُغُ بِهِ إلَى التِّسْعِ خَاصَّةً.
[قَوْلُهُ: وَهَلْ يُحَدَّانِ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُحَدَّ وَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُ الْخَمْسَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَطَلَ فِيهِنَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بِهَا مِنْهُنَّ صَدَاقُهَا، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ الْعَقْدُ فُسِخَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: لَا رَجْعِيًّا إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَهَا، لَا تَحِلُّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ خَرَجَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَتَأَخَّرَ حَمْلُهَا خَمْسَ سِنِينَ [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ] ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ مِنْ نِسَائِهِ، وَالْوَلَدُ لَا يَكُونُ أَشْرَفَ مِنْ أَبِيهِ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ] أَيْ سَوَاءٌ خَشِيَ الْعَنَتَ أَمْ لَا كَانَ وَاجِدًا لِطَوْلِ الْحُرَّةِ أَمْ لَا لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء: 3] كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ فَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، بَلْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ وَهْبٍ، يُفِيدُهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَعِبَارَةُ الْفَاكِهَانِيِّ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ نُسَخِهِ [قَوْلُهُ: إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ إلَخْ] قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَضَعْفِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ حَرُمَتْ الْأَمَةُ، وَسُمِّيَ الزِّنَا عَنَتًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلتَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ خَافَ زِنًا أَنَّ مُطْلَقَ الْخَوْفِ كَافٍ، وَلَوْ وَهْمًا.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ إلَخْ] لَكِنْ رَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَهْرَ حُرَّةٍ، وَلَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَهُ تَزْوِيجُهَا.
قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ الصَّدَاقِ دُونَ النَّفَقَةِ لَا تُفِيدُهُ لِطَلَاقِهَا عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ، إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ تَتَزَوَّجُهُ عَالِمَةً بِعَجْزِهِ، وَهَذَا الَّذِي تَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةُ يَكُونُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَلِيءٍ أَوْ مَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ أَوْ إجَارَتَهُ إلَّا دَارَ سُكْنَاهُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالْكِتَابَةُ طَوْلٌ وَكَذَا خِدْمَةُ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهَا الطَّوْلُ، وَأَمَّا عَبْدُ الْخِدْمَةِ وَدَابَّةُ رُكُوبِهِ، وَكُتُبُ الْفِقْهِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فَمِنْ جُمْلَةِ الطَّوْلِ، وَقَوْلُهُ إلَّا دَارَ سُكْنَاهُ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ عَدَمَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ مُسَوِّغُ لِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الْأَمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ رَضِيَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بِمَهْرٍ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلطَّوْلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ السَّلَفُ، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُعْطِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ أُخْرَى حَيْثُ تَكْفِيهِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَلَهُ، وَهَكَذَا إلَى أَرْبَعٍ. اهـ.
[قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] أَيْ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ، وَالطَّوْلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَهْرُ حُرَّةٍ وَلَوْ كِتَابِيَّةً عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَنَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْحَرَائِرِ إلَّا مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ مَالًا كَثِيرًا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعَادَةِ فَإِنَّ لَهُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ، وَمَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنْ فُقِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مِلْكًا لِمَنْ لَا يُعْتَقُ وَلَدُهُ مِنْهَا عَلَيْهِ مِثْلَ أَمَةِ الْأَبِ الْحُرِّ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ كَالْخَصِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَمَةُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ لِلْأَمْنِ مِنْ اسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ جَمْعُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ أَوْ أَرْبَعِ إمَاءٍ وَكَانَ الْجَمْعُ مَظِنَّةَ الْمُفَاضَلَةِ لِبَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، وَهِيَ حَرَامٌ، أَتَى فَاللَّامُ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ فَقَالَ:(وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ نِسَائِهِ) سَوَاءٌ كُنَّ حَرَائِرَ أَوْ إمَاءً مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ مَرْضَى أَوْ أَصِحَّاءَ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا أَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
مَا أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ يَتَحَدَّدُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَزْيَدُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ] أَيْ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَرْبَعُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ، وَالْعَبْدَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ [قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً إلَخْ] ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَلْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قُدْرَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ لَا يَكُونُ طَوْلًا بَلْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. اهـ.
[قَوْلُهُ: مَالًا كَثِيرًا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعَادَةِ] أَيْ بِأَنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ، وَفِي شِرَاءِ النَّعْلَيْنِ لِلْحَجِّ [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ] وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرَاهُمَا شَرْطَيْنِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ زَالَ الْمُبِيحُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضٌ أَنَّهُ لَا فَسْخَ أَيْضًا إنْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِهِ [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَمَةِ الْأَبِ الْحُرِّ] أَيْ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ، وَإِنْ عَلَا أَوْ جَدَّتِهِ أَيْ بِقَيْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ حُرًّا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ عَبْدًا وَالزَّوْجُ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ رِقًّا لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى، وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِثْلَ أَمَةِ الْأَبِ الْحُرِّ إلَخْ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ يُعْتَقُ إلَخْ.
وَالْأَحْسَنُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا لِيَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا إنْ كَانَتْ مِلْكًا لِمَنْ يُعْتَقُ وَلَدُهُ مِنْهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: كَالْخَصِيِّ إلَخْ] أَيْ وَكَالْمَجْبُوبِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَعَقِيمٍ وَعَقِيمَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِجَزْمِ الْعُرْفِ بِأَمْنِ حَمْلِهَا فِيهِمَا.
تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يُعَفَّ إلَّا بِأَرْبَعٍ تَزَوَّجَهُنَّ وَإِنْ خَشِيَ الزِّنَا فِي أَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَزَوَّجَهَا.
[قَوْلُهُ وَلْيَعْدِلْ] أَيْ الزَّوْجُ بَيْنَ نِسَائِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَاتٌ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ لِأَجْلِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، لَكِنْ بِشَرْطِ انْتِفَاعِهِنَّ بِحُضُورِهِ وَعَدَمِ الْخَوْفِ عَلَيْهِنَّ، وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْوَلِيِّ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إطَافَةُ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِنَّ بِحُضُورِ الصَّبِيِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَاتِ الدُّخُولُ بِهِنَّ، وَإِطَاقَتُهُنَّ لِلْوَطْءِ فَلَا قَسْمَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَا لِصَغِيرَةٍ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا [قَوْلُهُ: بَيْنَ نِسَائِهِ] أَفْهَمَ التَّعْبِيرُ بِالنِّسَاءِ أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا يَجِبُ الْبَيَاتُ عِنْدَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ.
وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الْبَيَاتِ عِنْدَهَا أَوْ يُحْضِرُ لَهَا مُؤْنِسَةً؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ بِهَا، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْخَوْفُ مِنْ اللُّصُوصِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا إذَا شَكَتْ قِلَّةَ الْوَطْءِ يَقْضِي لَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ بِلَيْلَةٍ كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا شَكَا الزَّوْجُ قِلَّةَ الْجِمَاعِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ عَلَيْهَا، بِمَا تُطِيقُهُ كَالْأَجِيرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَقْضِي بِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ نُفَسَاءَ] جَرَى فِي قَوْلِهِ مَرْضَى أَوْ أَصِحَّاءَ عَلَى الْجَمْعِ وَجَرَى فِي رَتْقَاءَ وَمَا بَعْدَهَا عَلَى الْإِفْرَادِ تَفَنُّنًا وَمَرْضَى بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَجَمْعُ رَتْقَاءَ رُتْقٌ
مُحَرَّمَةً أَوْ مُولًى مِنْهَا أَوْ مُظَاهِرًا، مِنْهَا وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَرِيضًا مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ جَازَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] وَالسُّنَّةُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فَمَنْ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ نِسَائِهٍ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ.
وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْعَدْلُ الْوَاجِبُ يَكُونُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِحَسَبِ حَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَالشَّرِيفَةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا وَالدَّنِيَّةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا، وَفِي الْمَبِيتِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْوَطْءِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّرَ نَفْسَهُ لِيَنْشَطَ لِلْأُخْرَى، وَالْقَسْمُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَقْسِمُ بِيَوْمَيْنِ إلَّا بِرِضَاهُنَّ، وَإِنْ كَانَ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ قَسَمَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا يَجْلِسُ؛ لِيَتَحَدَّثَ مَعَهَا، وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتٍ يَأْتِي إلَيْهَا فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إبْعَادُ الدَّارَيْنِ وَمَنَعَ مَالِكٌ جَمْعَهُمَا فِي.
ــ
[حاشية العدوي]
بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَجَمْعُ نُفَسَاءَ نِفَاسٌ بِكَسْرِ النُّونِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ] أَيْ الْعَدْلِ [قَوْلُهُ: فَوَاحِدَةً إلَخْ] أَيْ فَاخْتَارُوا وَاحِدَةً أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إنْ خَافَ الْجَوْرَ قَالَهُ تت. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: امْرَأَتَانِ] أَيْ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ، وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا أَيْ فِي الْقَسْمِ.
وَقَوْلُهُ جَاءَ أَيْ حُشِرَ، وَقَوْلُهُ وَشِقُّهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ نِصْفُهُ أَوْ جَانِبُهُ، وَقَوْلُهُ سَاقِطٌ أَيْ ذَاهِبٌ أَوْ أَشَلُّ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ [قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ] هَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهَادَةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامَةِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ بَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ الْكَرَاهَةَ فِي جَانِبِ الْإِمَامَةِ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ كَافِرٌ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ فِي زَمَنِ الِاسْتِتَابَةِ [قَوْلُهُ: وَالْعَدْلُ الْوَاجِبُ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّهُ يَقْصُرُ الْعَدْلَ عَلَى الْمَبِيتِ فَقَطْ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَحَالُهُمَا لَا يَخْتَلِفُ تَعَدَّدَتْ الزَّوْجَاتُ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: فَالشَّرِيفَةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا] مَعَ اعْتِبَارِ وُسْعِهِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ وَالدَّنِيَّةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ وُسْعِهِ أَيْضًا، فَإِذَا كَانَتْ لِدَنَاءَتِهَا لَا تَتَعَاطَى أَكْلَ اللَّحْمِ وَتَزَوَّجَهَا غَنِيٌّ يَقْدِرُ عَلَى الضَّأْنِ لِغِنَاهُ فَيُطْعِمُهَا لَحْمَ الْبَقَرِ فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا وَحَالَهُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ فِي الْوَطْءِ]، وَلَا فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْإِقْبَالِ وَالنَّظَرِ وَالْمُفَاكَهَةِ بِالْكَلَامِ [قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّرَ نَفْسَهُ إلَخْ] أَيْ إنْ كَانَ يَكُفُّ عَنْهَا بَعْدَ مَيْلِهِ لِلْوَطْءِ لِتَوَفُّرِ لَذَّتِهِ، وَقُوَّتِهِ إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا حَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْكَفِّ، وَيُحْمَلُ عِنْدَ الْكَفِّ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ وَقْتَ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ مَظِنَّةُ قَصْدِ الضَّرَرِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَقْسِمُ بِيَوْمَيْنِ] أَيْ فَأَقَلُّ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا زِيَادَةَ عَلَيْهَا، وَلَا نَقْصَ عَنْهَا إلَّا بِرِضَاهُنَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالْبُدَاءَةُ نَدْبًا بِاللَّيْلِ، وَيُكَمِّلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَيُقِيمُ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرِهِ عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ أَحَبَّ، وَلَا يَحْسِبُ، وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّيْلُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَ الَّتِي خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا أَيْ لِيُكْمِلَ لَهَا يَوْمَهَا [قَوْلُهُ: بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ] الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِيَكُونَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بَدَلًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا] الْمُرَادُ بِيَوْمِهَا نَوْبَتُهَا [قَوْلُهُ: إلَّا لِحَاجَةٍ] أَيْ غَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ أَيْ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي تِلْكَ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ، وَتِلْكَ الْحَاجَةُ كَمُنَاوَلَةِ ثَوْبٍ وَشَبَهِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَجْلِسُ لِيَتَحَدَّثَ] أَيْ لَا يُقِيمُ عِنْدَ مَنْ دَخَلَ بِهَا إلَّا لِعُذْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ كَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَجْرٍ لَهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبَلَدَيْنِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدَةِ، أَيْ بِأَنْ يَرْتَفِقَ أَهْلُ كُلٍّ بِالْأُخْرَى، وَأَمَّا إنْ كَانَتَا بِبَلَدَيْنِ لَا فِي حُكْمِ الْوَاحِدَةِ فَلَهُ الدُّخُولُ عَلَى ضَرَّتِهَا يَوْمَهَا لِسَفَرِهِ لَهَا بِبَلَدِهَا، وَوَطِئَهَا بَقِيَّةَ نَهَارِ الَّتِي سَافَرَ مِنْ عِنْدِهَا، وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُمَا بِجُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ، وَلَا يَزِيدُ مُدَّةَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَتَجْرٍ.
[قَوْلُهُ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتٍ] أَيْ وَأَمَّا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُنَّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَنْزِلٌ مُسْتَقِلٌّ بِمَرَافِقِهِ وَمَنَافِعِهِ مِنْ كَنِيفٍ
فِرَاشٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَلَوْ رَضِيَتَا، وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بَيْنَ نِسَائِهِ مِنْ الْإِمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْوَطْءِ.
(وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وُجُوبًا (النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى) لِلزَّوْجَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً (بِقَدْرِ وُجْدِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى إلَّا حَالُ الزَّوْجِ فَقَطْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُرَاعِي حَالُهُمَا مَعًا فَيُنْفِقُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا فِي عُسْرِهِ، وَيُسْرِهِ وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ، وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْأَكْلُ مَعَهُ.
وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
وَمَطْبَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ لَهُ إذَا أَتَى زَوْجَتَهُ لِيَبِيتَ عِنْدَهَا فَأَغْلَقَتْ بَابَهَا فِي وَجْهِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبِيتَ فِي حُجْرَتِهَا أَيْ لِبَرْدٍ أَوْ لِخَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ ازْدِرَائِهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ عج، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْهَبَ إلَى ضَرَّتِهَا لِيَبِيتَ عِنْدَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَبِيتَ فِي حُجْرَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى ضَرَّتِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَذْهَبُ، وَإِنْ كَانَتْ ظَالِمَةً وَكَثُرَ ذَلِكَ مِنْهَا بَلْ يُؤَدِّبُهَا، وَلَهُ وَضْعُ ثِيَابِهِ عِنْدَ وَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى لِغَيْرِ مَيْلٍ، وَلَا ضَرَرٍ.
[قَوْلُهُ: وَمَنَعَ مَالِكٌ جَمْعَهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ] وَخَالَفَ مَالِكًا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَكَرِهَهُ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمَاءِ فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ.
قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الْمُرُوءَةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فَيُمْنَعُ فِي الْإِمَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِشَرَفِ الْحَرَائِرِ عَلَى الْإِمَاءِ. اهـ.
[قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ نِسَائِهِ] أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِنَّ أَحْرَارًا أَوْ إمَاءً أَوْ بَعْضِهِنَّ أَحْرَارًا وَبَعْضِهِنَّ إمَاءً.
[قَوْلُهُ: أَيْ الزَّوْجِ] أَيْ الْبَالِغِ الْمُوسِرِ النَّفَقَةِ أَيْ مِنْ قُوتٍ، وَإِدَامٍ، وَإِنْ أَكُولَةً إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ كَوْنَهَا غَيْرَ أَكُولَةٍ فَلَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْوَسَطِ، وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ إلَّا الْمَرِيضَةَ، وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَا تَأْكُلُ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ مَا تَأْكُلُهُ حَالَ مَرَضِهَا عَلَى حَالِ صِحَّتِهَا فَقَدْرُ صِحَّتِهَا فَقَطْ ثُمَّ لُزُومُ مَا تَأْكُلُهُ الْمَرِيضَةُ شَامِلٌ لِنَحْوِ سُكَّرٍ وَلَوْزٍ، حَيْثُ كَانَا غِذَاءَيْنِ لَهَا لَا دَوَاءً وَعَلَيْهِ الْمَاءُ لِشُرْبِهَا وَطَهَارَتِهَا.
وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مِنْ جَنَابَةٍ مِنْ غَيْرِ وَطْئِهِ، وَشَمَلَ الْغَلَطَ وَالزِّنَا وَاحْتِلَامَهَا مَعَ الْإِنْزَالِ وَلِمُسْتَحَبٍّ كَغُسْلِ عِيدٍ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَمَسْنُونٍ كَإِحْرَامٍ وَجُمُعَةٍ تُرِيدُ حُضُورَهَا، وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ وَالْمِلْحُ وَالْحَصِيرُ وَالسَّرِيرُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ وَالزِّينَةُ الَّتِي تَتَضَرَّرُ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهَا كَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ الْمُعْتَادَيْنِ وَالْإِخْدَامِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا، وَهِيَ أَهْلٌ لِلْإِخْدَامِ أَوْ كَانَ مَلِيًّا، وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُخْدِمَهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّوَاءُ لِمَرَضِهَا، وَلَا أُجْرَةُ نَحْوِ الْحِجَامَةِ، وَلَا الْمُعَالَجَةُ فِي الْمَرَضِ، وَلَا ثِيَابُ الْمُخْرَجِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ الْأَمْصَارِ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ، وَمَا حُكْمُهُ كَالْخَزِّ، وَلَوْ مِنْ الزَّوْجِ الْمُتَّسِعِ الْحَالِ، وَكَوْنُ حَالِهَا ذَلِكَ وَحُمِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُفْرَضُ اللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي الْجُمُعَةِ لِمُتَّسَعٍ وَمَرَّةً فِي كُلَّ جُمُعَةٍ لِمُتَوَسِّطٍ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا يُفْرَضُ كُلَّ يَوْمٍ.
قَالَ بَهْرَامُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً. اهـ.
وَانْظُرْ الْفَقِيرَ هَلْ لَا يُفْرَضُ اللَّحْمُ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ يُفْرَضُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ حَيْثُ كَانَتْ عَادَةَ أَمْثَالِهِ، وَلَوْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ فِي حَقِّ الْقَادِرِ فِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَالْمُتَوَسِّطِ مَرَّتَانِ وَالْمُنْحَطِّ الْحَالِ مَرَّةً، وَلَا يُفْرَضُ عَسَلٌ، وَلَا سَمْنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إدَامَيْنِ عَادَةً وَفَاكِهَةٌ لَا رَطْبَةٌ، وَلَا يَابِسَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إدَامَيْنِ عَادَةً، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ مَا يَصْلُحُ لَهَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَوْ مُطَلَّقَةً بَائِنًا لَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا.
[قَوْلُهُ: بِقَدْرِ وُجْدِهِ] بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ وُسْعِهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُرَاعَى حَالُهُمَا] هَذَا إذَا سَاوَاهَا حَالُهُ فَإِنْ زَادَ حَالُهَا اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ فَقَطْ، فَإِنْ نَقَصَتْ حَالَتُهَا عَنْ حَالَتِهِ وَعَنْ وُسْعِهِ اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ مُتَوَسِّطًا لَا حَالُهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ] أَيْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الَّذِي يُقْضَى بِهِ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْأَصْلِ، هُوَ مَا يُفْرَضُ لَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لَا ثَمَنُهُ، وَأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَ الثَّمَنَ عَنْ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهَا الْأَكْلُ مَعَهُ] أَيْ فَتَقُولُ لَهُ ادْفَعْ لِي نَفَقَتِي أَنَا أُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي