الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[48 -
بَابٌ فِي الرُّؤْيَا]
(بَابٌ فِي الرُّؤْيَا) أَيْ فِي بَيَانِ كَوْنِ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي مَنَامِهِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ، وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَا (وَ) فِي (التَّثَاؤُبِ) أَيْ بَيَانُ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ تَثَاءَبَ (وَالْعُطَاسُ) أَيْ بَيَانُ مَا يَقُولُ مَنْ عَطَسَ وَمَنْ سَمِعَهُ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ) وَبَيَانِ تَفْسِيرِهَا (وَ) اللَّعِبِ بِ (غَيْرِهَا) وَهُوَ الشِّطْرَنْجُ، وَحُكْمِ الْجُلُوسِ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا وَحُكْمُ السَّلَامِ عَلَيْهِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (السَّبْقِ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَ) السَّبْقِ (بِالرَّمْيِ) بِالسِّهَامِ (وَ) بَيَانِ حُكْمِ (غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَقَتْلِ الْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَبَيَانِ أَفْضَلِ الْعُلُومِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ:«الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ» الْمُرَادُ بِهِ الْمُمْتَثِلُ لِلْأَوَامِرِ الْمُجْتَنِبُ لِلنَّوَاهِي «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» مَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أُوحِيَ إلَيْهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. عَشْرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يُلْقِيهِ الْمَلَكُ وَذَلِكَ نِصْفُ سَنَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا]
[قَوْلُهُ: الرُّؤْيَا] بِالْقَصْرِ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: خَوَاطِرُ وَاعْتِقَادَاتٌ، وَقِيلَ: هِيَ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِهِمَا وَأُذُنَانِ يَسْمَعُ بِهِمَا اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: الرُّؤْيَا مِثَالٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ فِي مَنَامِهِ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ أَوْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ فِي بَيَانِ كَوْنِ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
[قَوْلُهُ: وَفِي التَّثَاؤُبِ] بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ أَوْ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَهُوَ فَتْرَةٌ تَعْتَرِي الشَّخْصَ فَيَفْتَحُ عِنْدَهَا فَمَهُ وَهُوَ بِالْهَمْزِ وَتَثَاوَبَ بِالْوَاوِ عَامِّيٌّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ.
[قَوْلُهُ: وَالْعُطَاسُ] مَصْدَرُ عَطَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالطَّاءِ يَعْطُسُ وَيَعْطِسُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا إذَا أَتَتْهُ الْعَطْسَةُ.
[قَوْلُهُ: الْحَسَنَةُ] أَيْ الصَّادِقَةُ أَوْ الْمُبَشِّرَةُ احْتِمَالَانِ لِلْبَاجِيِّ أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرَهَا الْحَلْمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ تَهْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَخْلِيطِهِ، وَأَمَّا الْحُلُمُ بِضَمِّ الْحَاءِ فَهُوَ بُلُوغُ السِّنِّ هَذَا مَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَشَارِحُ الْمُوَطَّأِ قَدْ ضَبَطَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ» بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِضَمِّهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ] وَكَذَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَاحْتَرَزَ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ غَيْرِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ سَبْعِينَ أَوْ أَكْثَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَكُونُ رُؤْيَا الْفَاسِقِ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الرَّجُلُ الصَّالِحُ الْمُؤْمِنُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرُّؤْيَا الصَّالِحِ اهـ.
[قَوْلُهُ: جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ] أَيْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ إنْ أُطْلِقَتْ فَآثَارُهَا بَاقِيَةٌ وَعِلْمُهَا بَاقٍ عَلَى أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْجُزْءِ إثْبَاتُ الْكُلِّ.
[قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ] أَيْ وَعِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ، وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَ صلى الله عليه وسلم بَيَانَهُ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ مَا.
وَأَمَّا تَفْصِيلُ النِّسْبَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ
وَنِصْفُ سَنَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ» كَذَا صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» .
(وَمَنْ تَثَاءَبَ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ إذَا فَتَحَ فَاهُ (فَلْيَضَعْ يَدَهُ) الْيُمْنَى ظَاهِرَهَا أَوْ بَاطِنَهَا (عَلَى فِيهِ) أَوْ ظَاهِرَ الْيُسْرَى اسْتِحْبَابًا عَلَى فِيهِ، فَإِذَا زَالَ عَنْهُ التَّثَاؤُبُ نَفَثَ ثَلَاثًا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (وَمَنْ عَطَسَ) خَارِجَ الصَّلَاةِ (فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ) اسْتِحْبَابًا وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَا، وَقِيلَ: يَزِيدُ: رَبَّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ (وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ) أَوْ سَمِعَ مَنْ سَمِعَهُ (يَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ:
ــ
[حاشية العدوي]
الرُّؤْيَا نَوْعٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَلَى ضُرُوبٍ [قَوْلُهُ: وَنِصْفُ سَنَةٍ] قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَبْقَى سَبْعِينَ جُزْءًا لَا مَعْنَى لَهُ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ، فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ جُزْءًا وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ أَثَرًا وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ خَبَرًا فَكَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَأَيَّامِ الصِّيَامِ فَإِنَّا لَا نَصِلُ مِنْ عِلْمِهَا إلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا.
[قَوْلُهُ: فَلْيَتْفُلْ] بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ، اُخْتُلِفَ فِي التَّفْلِ وَالنَّفْثِ فَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَلَا يَكُونَانِ إلَّا بِرِيقٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي التَّفْلِ رِيقٌ يَسِيرٌ وَلَا يَكُونُ فِي النَّفْثِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَرْدُ الشَّيْطَانِ وَإِظْهَارُ احْتِقَارِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ، فَالْمَعْنَى فَلْيَتْفُلْ طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا.
[قَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ] لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ، وَقِيلَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَلَا تَنَافِي.
[قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَيْ لِلتَّأْكِيدِ.
[قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَسْتَعِذْ. . . إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ» . . . إلَخْ فَعَلَيْهِ لَيْسَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ التَّفَلِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ رِوَايَاتٍ ثَلَاثًا وَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تِلْكَ الرِّوَايَةَ، نَعَمْ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ فِيهَا مُوَافَقَةٌ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَنَصِّهَا وَفِي رِوَايَةٍ:«وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَوَقَعَ الْخَلَلُ.
[قَوْلُهُ: وَلْيَتَحَوَّلْ] حِكْمَةُ التَّحَوُّلِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ التَّفَاؤُلُ بِأَنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُ الْمَكْرُوهَ بِالْحَسَنِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَعُودَ لِمَنَامِهِ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ يَعُودُ لَهُ الشَّيْطَانُ.
تَنْبِيهٌ:
الِاحْتِيَاطُ لِمَنْ رَأَى مَا يُحِبُّ كَتْمُ مَا رَآهُ إلَّا عَنْ حَبِيبٍ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا بِخِلَافِ مَنْ رَأَى الْمَكْرُوهَ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ الصَّلَاةُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّحْدِيثِ بِمَا يَرَاهُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ.
[قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ] وَلَا يُقَالُ تَثَاوُبٌ بِالْوَاوِ كَذَا فِي كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ.
[قَوْلُهُ: إذَا فَتَحَ فَاهُ. . . إلَخْ] أَيْ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي عَضَلَاتِ الْفَكِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَمِنْ الشَّيْطَانِ، [قَوْلُهُ: أَوْ ظَاهِرُ الْيُسْرَى] وَلَا يَضَعُ بَاطِنَ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِمُبَاشَرَةِ الْأَقْذَارِ عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ شَرْطًا كَمَا قَالَ تت بَلْ الْمَقْصُودُ سَدُّ الْفَمِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: نَفَثَ ثَلَاثًا] تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ النَّفْثِ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ] وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَيَشْرَعُ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ نَفْثٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفُثُ فِي حَالِ التَّثَاؤُبِ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَتَثَاءَبْ نَبِيٌّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ عَطَسَ] بِفَتَحَاتٍ فِي الْمَاضِي وَبِفَتْحِ أَوْ ضَمِّ الْعَيْنِ فِي الْمُضَارِعِ.
[قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ مُسْمِعًا لِمَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ كَيْ يُشَمِّتَهُ.
[قَوْلُهُ: حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ] أَيْ فِي قَلْبِهِ، وَعَنْ سَحْنُونَ وَلَا فِي نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ لِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ أَهَمُّ بِالِاشْتِغَالِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ.
[قَوْلُهُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ] أَيْ مَالِكِ
يَرْحَمُك اللَّهُ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ع، وَنَقَلَ ج عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ وَيَبْلُغُ بِالتَّشْمِيتِ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ الْعَاطِسُ عَلَى الثَّلَاثِ قَالَ لَهُ: إنَّك مَضْنُوكٌ» وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْمَدْ الْعَاطِسُ لَا يُشَمَّتُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ: (يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ) لَهُ (يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) وَالثَّانِي أَفْضَلُ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ
(وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) بِقِمَارٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْعَالَمِينَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ فِي كُلِّ حَالٍ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا مِنْ حَالَةٍ إلَّا وَهُنَاكَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فِي الْمُصِيبَةِ، وَقَوْلُهُ: حَمْدًا كَثِيرًا مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ لَا بِالْحَمْدِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَرَّرُوا وَوَجْهُهُ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ.
[قَوْلُهُ: كَثِيرًا] أَيْ شَيْئًا كَثِيرًا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَحْمُودِ بِهِ، وَقَوْلُهُ: طَيِّبًا أَيْ مِنْ حَيْثُ خُلُوصِهِ مِنْ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَقَوْلُهُ: مُبَارَكًا فِيهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ عَوْدِهِ لِصَلَاحِ الْحَالِ أَوْ بِالثَّوَابِ الْأُخْرَوِيِّ عَلَى طَرِيقِ التَّرَجِّي مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَكْرَمِ.
تَنْبِيهٌ:
فِي عِبَارَتِهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ قَائِلَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ زِيَادَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَزِيَادَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِابْنِ عُمَرَ وَحَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ لِغَيْرِهِمَا.
[قَوْلُهُ: مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ] أَيْ بِخُصُوصِ لَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ مَنْ فِي صَلَاةٍ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ قَالَ يَرْحَمُك اللَّهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا.
[قَوْلُهُ: أَوْ سَمِعَ مَنْ سَمِعَهُ] أَيْ أَوْ سَمِعَ شَخْصًا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْعَاطِسُ هُوَ الْحَامِدُ إلَّا أَنَّ الْمُشَمِّتَ تَارَةً يَسْمَعُ الْحَامِدَ وَتَارَةً لَا يَسْمَعُهُ بَلْ يَسْمَعُ شَخْصًا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ، أَيْ وَمِثْلُ سَمَاعِ الْعَاطِسِ سَمَاعُ تَشْمِيتِ النَّاسِ لَهُ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْمَعْ حَمْدَ الْعَاطِسِ فَلَا يُشَمِّتْهُ إلَّا أَنْ يَرَى تَشْمِيتَ النَّاسِ لَهُ فَيُشَمِّتَهُ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَاطِسِ، أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى الْحَمْدِ إنْ تَرَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَلَا يُشَمِّتُهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ كَمَا تَقُولُ الْعَوَامُّ.
[قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا] رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً مُتَجَالَّةً أَوْ غَيْرَهَا حَيْثُ لَا تَمِيلُ إلَيْهَا النُّفُوسُ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى الِافْتِتَانُ بِهَا فَلَا يُشَمِّتُهَا كَمَا لَا تَرُدُّ سَلَامًا، وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ: هَدَاك اللَّهُ لَا يَرْحَمُك اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُرْحَمُ إلَّا الْمُؤْمِنُ.
[قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
[قَوْلُهُ: وَيَبْلُغُ بِالتَّشْمِيتِ] بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْك الشَّمَاتَةَ وَجَنَّبَك مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْك، وَبِالْمُهْمَلَةِ جَعَلَك اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
[قَوْلُهُ: مَضْنُوكٌ] بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ مَزْكُومٌ وَالضُّنَاكُ بِالضَّمِّ الزُّكَامُ، يُقَالُ: أَضْنَكَهُ اللَّهُ وَأَزْكَمَهُ.
قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْقِيَاسُ مُضْنَكٌ وَمُزْكَمٌ لَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى ضَنَكَ وَزَكَمَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ لِأَنَّ الزُّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَأَشَارَ إلَى الْحَثِّ عَلَى تَدَارُكِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُهْمِلُهَا فَيَعْظُمُ أَثَرُهَا وَكَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُ حِكْمَةٌ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ إنَّك لَمَزْكُومٌ الِاعْتِذَارُ لَهُ بِذَلِكَ أَيْ عَنْ عَدَمِ تَشْمِيتِهِ.
وَقَالَ عج: يَسْقُطُ طَلَبُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَيَقُولُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: عَافَاكَ اللَّهُ إنَّك لَمَضْنُوكٌ وَلَا يَسْقُطُ طَلَبُ الْحَمْدِ عَنْ الْعَاطِسِ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ هَذَا حَيْثُ تَوَالَى الْعُطَاسُ، [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ] أَيْ وَيَنْدُبُ أَنْ يَرُدَّ الْعَاطِسَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: بِالْكُمِّ] قِيلَ: الْبَالُ الْحَالُ وَقِيلَ الْقَلْبُ.
[قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَفْضَلُ] وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْلَى إذْ لَا يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الذُّنُوبِ، وَصَاحِبُ الذُّنُوبِ يَحْتَاجُ لِلْمَغْفِرَةِ قَالَ: وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْمُسْلِمِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَمُنِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْإِيمَانِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ بَلْ مَعْرِفَةُ تَفَاصِيلِ أَجْزَائِهِ وَإِعَانَتُهُ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ.
وَلَا بِغَيْرِهِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . ع: وَالنَّرْدُ قِطَعٌ تَكُونُ مِنْ الْعَاجِ أَوْ مِنْ الْبَقْسِ مُلَوَّنَةٌ يُلْعَبُ بِهَا لَيْسَ فِيهَا كَيْسٌ وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ لَعِبِهَا تُشْبِهُ اللَّعِبَ بِالْكَعْبِ فِي الْأَوْجُهِ.
(وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ اللَّعِبُ (بِالشَّطْرَنْجِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ: بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ وَأَشَرُّ (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيُبَاحُ (أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ اللُّعْبَتَيْنِ فِي غَيْرِ حَالِ اللَّعِبِ.
وَأَمَّا فِي حَالِ اللَّعِبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَعْصِيَةٍ. الْقَرَافِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: النَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ مِنْ الْمَيْسِرِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَتَى لَعِبَ عَلَى الْقِمَارِ حَرُمَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَيْسِرٌ. الْبَاجِيُّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْقِمَارِ فِيهَا تَرْكُ الشَّهَادَةِ، وَعَلَى غَيْرِ قِمَارٍ لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا أَدْمَنَ، وَالْمُدْمِنُ لَا يَخْلُو مِنْ الْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُكَسِّرُهَا وَيَضْرِبُ اللَّاعِبَ بِهَا مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُسْأَلَ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ أَهْدِنَا.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ الْمَغْفِرَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ وَالْهِدَايَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الذُّنُوبِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُشَمِّتِ، تَنْبِيهٌ:
إنَّمَا كَانَ الْمُشَمِّتُ يَقُولُ: يَرْحَمُك اللَّهُ بِالْإِفْرَادِ وَالْعَاطِسُ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ بِالْجَمْعِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ أَيْضًا فَلِذَلِكَ طُلِبَ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ الْمُشَمِّتِ جَمْعٌ قَالَهُ عِجْ
[قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ] أَيْ يَحْرُمُ، [قَوْلُهُ: بِقِمَارٍ وَلَا بِغَيْرِهِ] أَرَادَ لَا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ. . . إلَخْ] بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ.
[قَوْلُهُ: فَقَدْ عَصَى اللَّهَ. . . إلَخْ] لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَيَشْغَلُ الْقَلْبَ فَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِهِ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَنُوزِعَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالنَّرْدُ هُوَ الطَّاوِلَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي مِصْرَ قِيلَ: إنَّ الْأَوَائِلَ لَمَّا نَظَرُوا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَجَدُوهَا عَلَى أُسْلُوبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَجْرِي بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ فَوَضَعُوا لَهُ النَّرْدَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِهِ، وَالثَّانِي مَا يَجْرِي بِحُكْمِ السَّعْيِ وَالتَّحَيُّلِ فَوَضَعُوا لَهُ الشِّطْرَنْجَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِذَلِكَ وَتَنْهَضَ الْخَوَاطِرُ إلَى عَمَلِ مِثْلِهِ مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ، وَيُقَالُ: إنَّ وَاضِعَ النَّرْدِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ أَصْحَابِ الْجَبْرِ وَوَاضِعَ الشِّطْرَنْجِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَدَرِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْعَاجِ] أَيْ الَّذِي هُوَ عَظْمُ الْفِيلِ، وَمُرَادُهُ أَيْ أَوْ غَيْرُهُمَا.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا كَيْسٌ] الْكَيْسُ الْفَطِنَةُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا فَطَانَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ، [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ لَعِبِهَا] أَيْ بِحَيْثُ إذَا ظَهَرَ شَيْءٌ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لَا بِالِاخْتِيَارِ أَيْ فَرَمْيُهَا قَبْلَ اللَّعِبِ يُحَصِّلُ فِكْرَةً فِيهَا بِحَيْثُ لَا تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَلِذَا قَالَ، وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ اللَّعِبِ أَيْ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ.
[قَوْلُهُ: تُشْبِهُ اللَّعِبَ بِالْكَعْبِ] أَيْ اللَّعِبَ بِكِعَابِ الضَّأْنِ فَهُوَ لُعْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ تَذْهَبُ فِيهَا الْأَمْوَالُ غَيْرَ النَّرْدِ.
[قَوْلُهُ: فِي الْأَوْجُهِ] أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ أَوْجُهٌ تَقَعُ الْقِطْعَةُ عَلَيْهَا فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُنْ كَذَا، وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَكُونُ كَذَا هَذَا مَا أَرَادَ اللَّهُ بِفَهْمِهِ وَانْظُرْهُ.
[قَوْلُهُ: أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ] أَيْ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى فِكْرٍ وَتَقْدِيرٍ وَحِسَابِ التَّنَقُّلَاتِ قَبْلَ التَّنَقُّلِ بِخِلَافِ النَّرْدِ يَلْعَبُ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَحْسِبُهُ، فَلِذَا قَالَ: وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ اللَّعِبِ أَيْ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي حَالِ اللَّعِبِ. . . إلَخْ] أَيْ وَكَذَا سَائِرُ الْمَعَاصِي لَا يُسَلَّمُ عَلَى أَهْلِهَا فِي حَالِ عِصْيَانِهِمْ [قَوْلُهُ: مَتَى لَعِبَ] أَيْ الشَّطْرَنْجَ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَيْسِرٌ] أَيْ كَالْمَيْسِرِ وَالْمَيْسِرُ مِثْلُ مَسْجِدٍ قِمَارُ الْعَرَبِ بِالْأَزْلَامِ، يُقَالُ: قَامَرْته قِمَارًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ فَقَمَرْتُهُ قَمْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ غَلَبْته بِالْقِمَارِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْقِمَارِ] أَيْ بِأَجْرٍ [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَدَمْنَ] وَالْإِدْمَانُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمُدْمِنُ لَا يَخْلُو. . . إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: تَسْقُطُ عِنْدَ الْإِدْمَانِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ حَرَامٌ فَإِدْمَانُهُ يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ]
بَقَاءَهَا دَاعٍ لِلَّعِبِ بِهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إذَا وَجَدَ الْوَصِيُّ فِي التَّرِكَةِ شَطْرَنْجًا فَلَا يَبِيعُهَا حَتَّى يَنْحِتَهَا فَيَبِيعَهَا حَطَبًا إنْ أَمِنَ مِنْ السُّلْطَانِ، فَإِنْ خَافَ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا بِإِذْنِهِ انْتَهَى. (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (الْجُلُوسُ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا) مَخَافَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (النَّظَرُ إلَيْهِمْ)(مَخَافَةَ أَنْ يَشْغَلَ خَاطِرَهُ بِذَلِكَ وَأَنْ يَمِيلَ إلَيْهِمْ)
(وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْجَوَازِ (بِالسَّبْقِ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَصْدَرُ، وَبِفَتْحِهَا اسْمُ الْخَطَرِ بِعَيْنِهِ (بِالْخَيْلِ وَبِالْإِبِلِ وَبِالسِّهَامِ بِالرَّمْيِ) بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ وَلَا يَجُوزُ السَّبْقُ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّبْقِ إعْلَامُ الْغَايَةِ وَتَبْيِينُ الْمَوْقِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْمَكَانِ سُنَّةٌ فِي ذَلِكَ فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ أَعْيَانِ الْخَيْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَرْيِهَا وَلَا مَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مُحْتَلِمٌ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ لِلْمُسَابَقَةِ بِجُعْلٍ ثَلَاثَ صُورٍ فَقَالَ:(وَإِنْ أَخْرَجَا شَيْئًا جَعَلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا) عَلَى أَنَّهُ (يَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُحَلِّلَ إنْ سَبَقَ) هُوَ أَيْ الْمُحَلِّلُ (وَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُحَلِّلِ مِنْ جَاعِلِ الْجُعَلِ (لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُحَلِّلُ (شَيْءٌ) وَيَأْخُذُ السَّابِقُ الْجَمِيعَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَنْعُ.
(وَقَالَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) رحمه الله (إنَّمَا يَجُوزُ) السَّبْقُ إلَّا (أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ) مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ (سَبَقًا)
ــ
[حاشية العدوي]
هِيَ صِيغَةُ ذَمٍّ وَشَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرَامِ فَلَعَلَّهُ اسْتَعْمَلَهَا فِي اللَّوْمِ هُنَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجِبُ تَرْكُهُ وَأَنَّهُ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَدَمْنَ يَكُونُ التَّرْكُ وَاجِبًا لِأَنَّ مَعَهُ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْقِمَارِ وَالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ الْعِبَادَةِ.
[قَوْلُهُ: إنْ أَمِنَ مِنْ السُّلْطَانِ] أَيْ إمَّا لِكَوْنِهِ يَرَى جَوَازَهَا أَوْ لِغَرَضٍ لَهُ فِيهَا.
تَنْبِيهٌ:
وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اللَّعِبِ بِالطَّابِ وَالْمَنْقَلَةِ وَذَكَرَ بَهْرَامٌ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْحُرْمَةَ فِي الطَّابِ وَجَعَلَ مِثْلَهُ النَّرْدَ، وَأَمَّا الْمِنْقَلَةُ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضَ الْكَرَاهَةِ فِيهَا وَكُلُّ هَذَا حَيْثُ لَا قِمَارَ وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ.
[قَوْلُهُ: الْجُلُوسُ إلَى] أَيْ عِنْدَ وَقَوْلُهُ بِهَا أَيْ بِتِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْمَلَاهِي.
[قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ] أَيْ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَا يُوجِبُ التَّكَلُّمَ فِيهِ وَالْوَاجِبُ حِفْظُ الْعِرْضِ.
[قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ النَّظَرُ] أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ [قَوْلُهُ: النَّظَرُ إلَيْهِمْ] أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي يَلْعَبُ وَجَمَعَهُ فِي إلَيْهِمْ الْعَائِدِ عَلَى مَنْ مُرَاعَاةً لِلَفْظِهَا فِي الْأَوَّلِ وَلِمَعْنَاهَا فِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مُرَاعَاةَ اللَّفْظِ.
[قَوْلُهُ: اسْمُ الْخَطَرِ بِعَيْنِهِ] أَيْ اسْمُ الشَّيْءِ الْمَجْعُولِ بَيْنَهُمَا، وَالْجَمْعُ أَخْطَارٌ مِثْلَ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ.
[قَوْلُهُ: بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ] أَيْ بِالْخَيْلِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَا الْإِبِلُ أَيْ أَوْ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ.
[قَوْلُهُ: بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ] أَيْ كَالْحَمِيرِ وَالطَّيْرِ وَالسُّفُنِ وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ إذَا وَقَعَتْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ.
[قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّبْقِ] أَيْ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُولُ مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ، [قَوْلُهُ: وَتَبْيِينُ الْمَوْقِفِ] أَيْ الْمَبْدَأِ.
[قَوْلُهُ: سُنَّةٌ] أَيْ طَرِيقَةٌ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَبْدَأِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَرْيِهَا] أَيْ بَلْ يُشْتَرَطُ جَهْلُ كُلٍّ سَبْقَ فَرَسِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهَا] أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ مِنْ كَوْنِهِ جَسِيمًا أَوْ لَطِيفًا.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مُحْتَلِمٌ] أَيْ فَيُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُسَابَقَةِ مَعَ الْجُعْلِ وَهِيَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ تَعْيِينُ عَدَدِ الْإِصَابَةِ وَنَوْعِهَا مِنْ خَزْقٍ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّهْمِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، وَلَا تَعْيِينُ الْوَتَرِ وَلَا مَوْضِعُ الْإِصَابَةِ.
[قَوْلُهُ: جُعْلًا] فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ أَخْرَجَ، وَجَوَابُ إنَّ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ جَازَ عَقْدُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ جُعْلًا شَرْطًا فِي الْجَوَابِ أَيْ جَازَ الْعَقْدُ إنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا أَيْ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ سَبْقِهِ.
[قَوْلُهُ: الْمُسَيِّبُ] بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
[قَوْلُهُ: وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ] مِنْهُمْ ابْنُ الْمَوَّازِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ. . . إلَخْ] أَيْ فَلِلْإِمَامِ فِيهَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ.
[قَوْلُهُ: كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ
بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ جُعْلًا عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) وَهُوَ الْآخَرُ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يُخْرِجْ جُعْلًا (أَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ الْغَيْرُ الْجُعْلَ (وَإِنْ سَبَقَ) هُوَ أَيْ الرَّجُلُ خَارِجَ الْجُعْلِ (كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ثَمَّ (غَيْرُ جَاعِلِ السَّبَقِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الْجُعْلُ (وَآخَرُ) وَهُوَ مَنْ يُسَابِقُهُ فَقَطْ (فَ) إنَّهُ (إذَا سَبَقَ جَاعِلُ السَّبْقِ أَكَلَهُ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُسَابَقَةَ ك: هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَخْرَجَ السَّبْقِ لَا يَجُوزُ سَبْقُهُ أَبَدًا، فَهَذَا إذَا سَبَقَ يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ أَمْ لَا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الْأَصْلِ.
(وَجَاءَ) عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْحَيَّاتِ بِالْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (أَنْ تُؤْذَنَ) أَيْ تُعْلَمَ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) الِاسْتِئْذَانَ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرُ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ (فَهُوَ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ تَقُولَ: إنْ كُنْت تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْتَ مُسْلِمٌ فَلَا تَظْهَرْ لَنَا خِلَافَ الْيَوْمِ وَلَا تُؤْذِنَا، فَإِنْ ظَهَرْت لَنَا قَتَلْنَاك.
وَمَحَلُّ الِاسْتِئْذَانِ فِي غَيْرِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرِ لِمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ مَا عَلَى ظَهْرِهِ خَطَّانِ أَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَالْآخَرُ أَزْرَقُ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ الذَّنَبِ» وَقِيلَ أَزْرَقُ. (وَلَا تُؤْذَنُ) الْحَيَّاتُ (فِي الصَّحْرَاءِ) وَنَحْوِهَا كَالطُّرُقَاتِ (وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ (وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقُمَّلِ وَالْبَرَاغِيثِ) وَغَيْرِهِمَا كَالْبَقِّ وَالْبَعُوضِ (بِالنَّارِ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ مَا لَمْ يَضُرَّ لِكَثْرَتِهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُتَسَابِقِينَ] لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْجُعْلَ يَكُونُ لِمَنْ سَبَقَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَخْرَجِ فِي السَّبْقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ حَضَرَ.
[قَوْلُهُ: إنَّ مَخْرَجَ السَّبَقِ] بِفَتْحِ الْبَاءِ [قَوْلُهُ: لَا يَحُوزُ] بِالْحَاءِ أَيْ لَا يَأْخُذُ سَبَقَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ.
[قَوْلُهُ: اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ] بَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَرَسَانِ لَا أَكْثَرَ فَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا سَبْقًا فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الصَّحِيحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّ السَّبْقَ لِمَنْ سَبَقَ مِنْ مَخْرَجِهِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلسَّابِقِ. .
[قَوْلُهُ: الْحَيَّاتُ] جَمْعُ حَيَّةٍ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْهَا الْهَاءُ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جِنْسٍ كَبَطَّةٍ عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ رَأَيْت حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ أَيْ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى.
[قَوْلُهُ: بِالْمَدِينَةِ] أَيْ بُيُوتِهَا أَوْ أَزِقَّتِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِ الِاسْتِئْذَانِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» الْقَرَافِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ.
[قَوْلُهُ: فِي غَيْرِهَا] أَيْ مِنْ الْعُمْرَانِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ. . . إلَخْ] وَقِيلَ تَقُولُ: أُنْشِدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذِيَنَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: إنْ كُنْت] أَيْ أَيُّهَا الشَّخْصُ.
[قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذِي. . . إلَخْ] وَأَمَّا هُمَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْذَانُهُمَا وَيُقْتَلَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا قَالَ عج [قَوْلُهُ: الطُّفْيَتَيْنِ] بِطَاءٍ وَفَاءٍ وَيَاءٍ وَتَاءٍ الطَّاءُ مَضْمُومَةٌ تَثْنِيَةُ طُفْيَةٍ وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ أَنَّهُمَا يَخْطَفَانِ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْأَبْصَارَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ.
قَالَ الْأَبِيُّ: إمَّا لِلْفَزَعِ، أَوْ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَاصِّيَّةُ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ نَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ لَا بَيْنَ الذَّاتَيْنِ، فَالْمَعْنَى اُقْتُلُوا الْحَيَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْأَبْتَرِيَّةِ وَكَوْنِهَا ذَاتَ طُفْيَتَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَبِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِهِمَا مَعًا لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيهِمَا وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تُؤْذَنُ الْحَيَّاتُ فِي الصَّحْرَاءِ] أَيْ وَنَحْوِهَا كَالْأَوْدِيَةِ وَكُلِّ مَوْضِعٍ لَا عِمَارَةَ فِيهِ أَيْ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا إذْ الْإِذْنُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا إنَّمَا هُوَ فِي الْعُمْرَانِ.
[قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ حَيَّاتِ الصَّحْرَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِيمَا ظَهَرَ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ.
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ] أَيْ تَنْزِيهًا، [قَوْلُهُ: بِالنَّارِ] أَيْ لَا بِالشَّمْسِ أَوْ بِالْقَصْعِ وَالْفَرْكِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ] لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ حُرْمَةُ حَرْقِهَا لَا كَرَاهَتُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِيهَا الْإِيذَاءُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ مَكْرُوهٌ وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ،
فَيَجُوزُ لِأَنَّ فِي تَتَبُّعِهَا بِغَيْرِ النَّارِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً (وَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَتْلِ النَّمْلِ إذَا آذَتْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَرْكِهَا) ج: وَأَتَى الشَّيْخُ بِالْمَشِيئَةِ كَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَقِفْ فِيهِ لَمَالِكٍ عَلَى شَيْءٍ (وَلَوْ لَمْ تُقْتَلْ) النَّمْلُ (كَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهَا وَيُقْتَلُ الْوَزَغُ) حَيْثُ وُجِدَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ جَمْعُ ضِفْدَعٍ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِهَا
(وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ غِبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» غِبِّيَّةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ مَعَ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ الْكِبْرُ وَالتَّجَبُّرُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ التَّكَبُّرِ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْكِبْرِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ الْفَخْرِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إذَايَةٌ بِالْفِعْلِ.
[قَوْلُهُ: وَالْبَعُوضُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ عَلَى الْبَقِّ.
[قَوْلُهُ: بِقَتْلِ النَّمْلِ] وَلَوْ بِالنَّارِ.
[قَوْلُهُ: إذَا آذَتْ] ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْأَذِيَّةُ فِي الْبَدَنِ أَوْ الْمَالِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ إلَّا الْمُؤْذِيَ مِمَّا ذُكِرَ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَذِيَّتِهِ، وَلَا بَأْسَ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي وَالشَّرْطَانِ فِي الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي إلَّا أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فِي الْمَفْهُومِ، فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ يَحْرُمُ وَمَفْهُومُ الثَّانِي يُكْرَهُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ. . . إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَأَتَى الشَّيْخُ بِالْمَشِيئَةِ. . . إلَخْ] أَيْ إنَّمَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ الْجَوَازِ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِمَا قِيلَ إنَّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ وَتُقَدِّسُهُ.
[قَوْلُهُ: أَحَبُّ إلَيْنَا] أَيْ كَانَ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْقَتْلِ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ الْقَتْلِ، أَيْ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَرْكِهَا بِأَنْ أَمْكَنَهُ التَّبَعُّدُ وَقَدْ آذَتْ يُكْرَهُ قَتْلُهَا وَلَوْ بِالنَّارِ.
قَالَ عج: فَأَحَبُّ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ وَلَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَتْلَ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ تُؤْذِ مُنِعَ قَتْلُهَا وَلَا يُرَاعِي هُنَا الْقُدْرَةَ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا عَدَمِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَهَا حَالَ عَدَمِ الْأَذَاةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِغَيْرِ النَّارِ وَحَالَ الْأَذَاةِ جَائِزٌ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا وَلَوْ بِالنَّارِ، وَجَوَازًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ أَذِيَّتِهَا وَقْتَهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ بِالنَّارِ، لَكِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ النَّمْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْ قَتْلِهِ فَقِيلَ: مُطْلَقُ النَّمْلِ وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الطَّوِيلُ الْأَرْجُلِ لِعَدَمِ أَذِيَّتِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَشَأْنُهُ الْإِيذَاءُ.
[قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ الْوَزَغُ] بِفَتْحِ الزَّايِ، الْوَاحِدَةُ وَزَغَةٌ مُحَرَّكَةُ الزَّايِ أَيْضًا وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَوْزَاغٍ وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ] وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذِيَّةٌ وَلَا كَثْرَةٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَثَّ وَرَغَّبَ فِي قَتْلِ الْوَزَغَةِ حَيْثُ قَالَ: «مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» وَقِيلَ خَمْسُونَ: «وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّالِثَةِ فَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ» وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّارِعُ عَلَى قَتْلِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ يَهُودِيَّةً مَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكَوْنِهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ الَّتِي حَرَقَتْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السَّمُومِ حَتَّى قِيلَ إنَّهَا أَكْثَرُ سُمًّا مِنْ الْحَيَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ] مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ تُؤْذِ وَإِلَّا جَازَ قَتْلُهَا حَيْثُ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا وَإِلَّا نُدِبَ عَدَمُ قَتْلِهَا.
[قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ قَتْلِهَا] أَيْ؛ لِمَا قِيلَ إنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيَوَانَاتِ تَسْبِيحًا حَتَّى قِيلَ إنَّ صَوْتَهَا جَمِيعُهُ ذِكْرٌ وَلِأَنَّهَا أَطْفَأَتْ مِنْ نَارِ إبْرَاهِيمَ ثُلُثَيْهَا وَلَهُ أَكْلُهَا بِالذَّكَاةِ إنْ كَانَتْ بَرِّيَّةً.
[قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ] أَيْ مُعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ.
[قَوْلُهُ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ] أَيْ لِأَنَّكُمْ مَا بَيْنَ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ أَيْ مُمْتَثِلٌ لِلْمَأْمُورَاتِ مُجْتَنِبٌ لِلْمَنْهِيَّاتِ فَيَكُونُ مُرْتَفِعًا عِنْدَ اللَّهِ بِتَقْوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسِيبًا وَقَوْلُهُ: أَوْ فَاجِرٍ أَيْ كَافِرٌ شِقِّي بِعَدَمِ تَقْوَاهُ وَلَوْ كَانَ نَسِيبًا فَالتَّفَاضُلُ بِالْآبَاءِ لَا يُكْسِبُ شَيْئًا.
[قَوْلُهُ: الْكِبْرُ وَالتَّجَبُّرُ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْكِبْرَ وَالتَّجَبُّرَ أَيْ الَّذِي هُوَ التَّكَبُّرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنًى لِكُلٍّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ أَيْ وَإِنْ كَانَ بِالْعَيْنِ مَأْخُوذًا مِنْ الْعِبْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ، وَيُسْتَعَارُ لِمَا يُكَلَّفُ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الْعِظَامِ
بِالْآبَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا مِنْ التُّرَابِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْفَرْعِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِالتَّقْوَى وَاصْطَفَاهُ بِكَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِهِ.
ثُمَّ أَتَى بِحَدِيثٍ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الْفَخْرِ بِالْآبَاءِ فَقَالَ: «وَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ» مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ يَجْتَمِعُونَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ «عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ» فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ «وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ» لَا يُقَالُ لِمَنْ جَهِلَهُ جَاهِلٌ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَقَالَ: (وَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه (تَعَلَّمُوا) وُجُوبًا (مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا كُلُّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ فَقَطْ (وَقَالَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) رحمه الله (وَأَكْرَهُ) قِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ) فِيمَا (قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ) مِثْلُ أَنْ يَعُدَّ أَجْدَادَهُ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكُفَّارَ.
وَقَوْلُهُ: «وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّ مَا رَأَى» تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ع: أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى وَيَحْرُمُ (أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا) ق: يَعْنِي الرَّائِيَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَالَهُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ، وَبِالْغَيْنِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ التَّنَاهِي فِي الْجَهَالَةِ، وَوَجْهُ الْأَخْذِ أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ وَنَشَأَ مِنْ الْجَهْلِ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَخْذِ.
[قَوْلُهُ: التَّكَبُّرُ] أَرَادَ بِهِ الِاتِّصَافَ أَيْ الِاتِّصَافَ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ إظْهَارُ الْعَظَمَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَرُؤْيَةُ الْغَيْرِ أَنَّهُ حَقِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ عَبَّرَ فِي التَّحْقِيقِ بِالتَّلَبُّسِ بَدَلَ التَّكَبُّرِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْكِبْرِ] بَيَانٌ لِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] كَالْعُجْبِ.
[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ] أَيْ وَيَفْتَخِرُ [قَوْلُهُ: بِكَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِهِ] أَيْ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ التَّفَاخُرِ لِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ وَالتَّحَاقُدِ.
[قَوْلُهُ: فِي رَجُلٍ] أَيْ فِي شَأْنِ رَجُلٍ [قَوْلُهُ: عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ] أَيْ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ الذَّمُّ وَالْإِثْمُ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي.
[قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَحْقِيرٌ فِي ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: تَعَلَّمُوا] أَيْ لِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ فَوَسِيلَتُهُ كَذَلِكَ قَالَهُ ج، وَقَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَنْسَابِهِ إلَى مُنْتَهَى أَجْدَادِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثَةِ أَجْدَادٍ وَنَحْوِهَا اهـ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ] وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلِذَلِكَ عَطَّلَ تت بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِ الشِّرْكِ وَالِافْتِخَارِ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفَخْرَ بِالدِّينِ لَا بِالْكُفْرِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ. . . إلَخْ] هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَعَلَّمُ مِنْ نَسَبِهِ شَيْئًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى جَدٍّ كَافِرٍ أَمْسَكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدٌّ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْهُ شَيْئًا، تَنْبِيهٌ:
فَضْلُ الْعَالِمِ يَفُوقُ فَضْلَ النَّسَبِ فَالْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّرِيفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِسَالَةٍ لَهُ.
[قَوْلُهُ: فِي النِّسْبَةِ] أَيْ الِانْتِسَابُ [قَوْلُهُ: فِي] بِمَعْنَى اللَّامِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْآبَاءِ] بَيَانٌ لِمَا.
[قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَعُدَّ]، كَذَا فِي التَّحْقِيقِ التَّعْبِيرُ بِمِثْلِ كَمَا هُنَا وَإِذَا كَانَ الْحَالُ فَقَوْلُهُ: حَتَّى. . . إلَخْ مَا بَعْدَهَا دَاخِلٌ لَا أَنَّهَا بِمَعْنَى إلَى
[قَوْلُهُ: الصَّالِحَةُ] أَيْ الْحَسَنَةُ.
[قَوْلُهُ: فَلْيَتْفُلْ] أَيْ أَوْ يَنْفُثْ أَوْ يَبْزُقْ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَرَّرَهُ إشَارَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ
وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِهَا يُفَسِّرُهَا وَهُوَ الْعَالِمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَفِرَاسَةٌ (وَلَا يَعْبُرُهَا) أَيْ الرُّؤْيَا الْمُعَبِّرُ (عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ) وَهَذَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَغَرَرٌ بِالرَّائِي فَيَنْبَغِي إنْ ظَهَرَ لَهُ خَيْرٌ ذَكَرَهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَكْرُوهٌ يَقُولُ خَيْرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَصْمُتُ
(وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَمُّ أَحَدٍ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ رضي الله عنه: أَنْشِدْ وَمَعَك رُوحُ الْقُدُسِ» . (وَمَا خَفَّ مِنْ) إنْشَادِ (الشِّعْرِ) وَنَظْمِهِ (فَهُوَ أَحْسَنُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ (وَ) لَا (مِنْ الشُّغْلِ بِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ بَطَالَةٌ وَاشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْأَوْلَى،
ثُمَّ بَيَّنَ مَا هُوَ أَوْلَى بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَقَالَ: (وَأَوْلَى) بِمَعْنَى وَأَوْجَبُ (الْعُلُومِ وَأَفْضَلُهَا وَأَقْرَبُهَا) أَيْ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا (إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِلْمُ
ــ
[حاشية العدوي]
رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَ ذِكْرَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تَقْفُ] أَيْ لَا تَتْبَعْ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَالِمُ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْبِيرُهَا بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ كَمَا يَقَعُ الْآنَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَأَوْصَافِ الرَّائِينَ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ بِأَنَّهُ رَأَى نَفْسَهُ أَذَّنَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ: تَسْرِقُ وَتُقْطَعُ يَدُك وَسَأَلَهُ آخَرُ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَهُ: تَحُجُّ فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فَسَّرَهُ لَهُ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْت هَذَا سُمَيَّتُهُ حَسَنَةٌ وَالْآخَرُ سُمَيَّتُهُ قَبِيحَةٌ وَلَا تَخْرُجُ الرُّؤْيَةُ عَنْ مَعْنَاهَا وَلَوْ فُسِّرَتْ بِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَخْرُجُ عَلَى مَا عُبِّرَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَسَّرَهَا بِمَعْنَاهَا أَوْ بِغَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: بِالْكِتَابِ] أَيْ بِمَدْلُولِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالسُّنَّةِ [قَوْلُهُ: وَكَلَامِ الْعَرَبِ] أَيْ بِمَعَانِي كَلَامِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ. . . إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثَبَتَ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ " وَصَلَاحِ " عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
[قَوْلُهُ: وَفِرَاسَةٌ] ضَبَطَهَا جَمْعٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَبَطَهَا بَعْضُ مُحَقِّقِي الْعَجَمِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفُسِّرَتْ بِتَفَاسِيرَ فَقِيلَ سَوَاطِعُ أَنْوَارٍ تَلْمَعُ فِي الْقَلْبِ يُدْرِكُ بِهَا الْمَعَانِيَ، وَقِيلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ وَقِيلَ: ظِلٌّ صَائِبٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ] لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ قَالَهُ تت، أَيْ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ شِعْرَ غَيْرِهِ وَأَمَّا إنْشَاؤُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
وَلَوْلَا الشِّعْرُ بِالْعُلَمَاءِ يُزْرِي
…
لَكُنْت الْيَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إنْشَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ تت.
[قَوْلُهُ: لِحَسَّانَ] هُوَ ابْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عُمَرَ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً نِصْفُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنِصْفُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَكَذَا عَاشَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ.
[قَوْلُهُ: أَنْشِدْ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنْشِدْ الشِّعْرَ إنْشَادًا، [قَوْلُهُ: وَمَعَك. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمُدُّهُ بِأَبْلَغِ جَوَابٍ وَإِلْهَامِهِ لِإِصَابَةِ الصَّوَابِ وَإِنْطَاقِهِ بِمَا هُوَ أَلْيَقُ بِالْمَقَامِ.
[قَوْلُهُ: رُوحُ الْقُدْسِ] بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِهَا جِبْرِيلُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ بِمَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ فَهُوَ كَالْمُبْدِئِ لِحَيَاةِ الْقَلْبِ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ مُبْدِئَةٌ لِحَيَاةِ الْجَسَدِ وَأُضِيفَ إلَى الْقُدْسِ لِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ عَنْ الْعُيُوبِ.
[قَوْلُهُ: وَنَظْمِهِ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إنْشَادَ الشِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ شِعْرِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ: وَنَظْمِهِ أَيْ إنْشَاءِ شِعْرٍ مِنْ نَفْسِهِ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ أَحْسَنُ] أَيْ مِنْ كَثْرَتِهِ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ الشُّغْلِ بِهِ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ بَطَالَةٌ] أَيْ بَطَالَةٌ مِمَّا كَانَ أَوْلَى وَاشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْأَوْلَى زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ بَلْ بِالْمَكْرُوهِ أَيْ لِقِلَّةِ سَلَامَةِ فَاعِلِهِ مِنْ التَّجَاوُزِ لِأَنَّ غَالِبَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُبَالَغَاتٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الشَّوَاهِدِ وَالْأَمْثَالِ لِأَجْلِ التَّأْلِيفِ وَالتَّدْرِيسِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَحْفَظَ النَّاسِ لِلشَّوَاهِدِ وَالْمُثُلِ
[قَوْلُهُ: وَأَوْجَبُ الْعُلُومِ] أَيْ الْأَشَدُّ تَأَكُّدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالِ، وَقَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهَا أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالِ لِيُنَاسِبَ الطَّرَفَيْنِ: الْأَوَّلَ وَهَذَا الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَأَقْرَبُهَا وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ تَرْجِعُ لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَقْرَبُ وَأَنَّ
دِينِهِ) وَهُوَ عِلْمُ الْعَقَائِدِ (وَ) عِلْمُ (شَرَائِعِهِ) وَهُوَ عِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (مِمَّا أَمَرَ) اللَّهُ (بِهِ) مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (وَنَهَى عَنْهُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.
وَقَوْلُهُ: (وَدَعَا إلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ (فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي فَهْمِ دِينِ اللَّهِ وَعِلْمِ شَرَائِعِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالْفَهْمُ فِيهِ) وَقَوْلُهُ: (وَالتَّهَمُّمُ) أَيْ الِاهْتِمَامُ (بِرِعَايَتِهِ) أَيْ بِحِفْظِهِ (وَالْعَمَلُ بِهِ) مَعْطُوفَانِ عَلَى قَوْلِهِ: عِلْمُ دِينِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ. ثُمَّ عَقَّبَ أَفْضَلَ الْعُلُومِ بِبَيَانِ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ:(وَالْعِلْمُ) أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ (أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ) لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مَعَاجِيمِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُفَاضَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ مَا عَدَا مَا ذُكِرَ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مَعَ أَنَّ مُفَادَ مَا قَبْلَهُ التَّقَرُّبُ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ عِلْمُ الْعَقَائِدِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: عِلْمُ دِينِهِ أَيْ فَأَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمُضَافِ فَنَّ التَّوْحِيدِ، وَأَرَادَ بِالدِّينِ أَحْكَامًا خَاصَّةً وَهِيَ الْعَقَائِدُ أَيْ النِّسَبُ الْمُعْتَقَدَةُ أَيْ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْفَنِّ.
[قَوْلُهُ: وَعِلْمُ شَرَائِعِهِ] أَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمُضَافِ فَنَّ الْفِقْهِ، وَأَرَادَ بِالشَّرَائِعِ النِّسَبَ التَّامَّةَ الْجُزْئِيَّةَ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الَّذِي هُوَ النِّسَبُ الْكُلِّيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْمَعَانِي.
[قَوْلُهُ: عِلْمُ الْحَلَالِ] أَيْ الْعِلْمُ الْمَنْسُوبُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبَيَّنُ فِيهِ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ أَوْ هَذَا وَاجِبٌ وَهَذَا مَنْدُوبٌ وَهَكَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ.
[قَوْلُهُ: مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَعِلْمُ شَرَائِعِهِ أَيْ عِلْمُ شَرَائِعِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ أَيْ مِنْ مُفِيدِ وَصْفِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ بِوَصْفِ الْوُجُوبِ وَبِوَصْفِ النَّدْبِ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ لَيْسَتْ نَفْسَ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَكْرُوهَاتُ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ وَالْمُبَاحَاتُ [قَوْلُهُ: وَحَضَّ عَلَيْهِ] أَيْ حَثَّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: تَكْرَارٌ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ عَيْنُ قَوْلِهِ وَدَعَا إلَيْهِ فَهُمَا رَاجِعَانِ لِلْمَأْمُورِ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ] أَيْ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ السُّنَّةِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ فِي فَهْمِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي عِلْمِ دِينِ اللَّهِ. . . إلَخْ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ عِلْمٌ بِمَعْنَى مَعْلُومٍ لَا بِمَعْنَى الْفَهْمِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ. . . إلَخْ أَيْ الْحَالُ أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ. . . إلَخْ، [قَوْلُهُ: الِاهْتِمَامُ] تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمُرَادِفِهِ الْأَوْضَحِ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: أَيْ يَحْفَظُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرِّعَايَةَ الْمُفَسَّرَةَ بِالْحِفْظِ تَجْمَعُ فَهْمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ فَفِي الْكَلَامِ إطْنَابٌ.
[قَوْلُهُ: مَعْطُوفَانِ. . . إلَخْ] الْمَعْطُوفُ الْأَوَّلُ هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: وَالْفِقْهُ وَالْفَهْمُ، وَالْمَعْطُوفُ الثَّانِي هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ وَالتَّهَمُّمُ وَالْعَمَلُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّسَامُحِ لِأَنَّ أَوْجَبَ الْعُلُومِ وَأَفْضَلَهَا وَأَقْرَبَهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْعِلْمِ يُفِيدُ أَنَّ الْفَهْمَ وَالِاهْتِمَامَ وَالْعَمَلَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ الْمَعْلُومَاتُ أَيْ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ الْأَوَّلَ وَبَعْضَ الثَّانِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالطَّرَفَيْنِ أَعْنِي عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ.
وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّرَفِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ عِلْمُ الشَّرَائِعِ وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ وَأَقْرَبِيَّتِهِمْ وَأَحَبِّيَتَهُمَا إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ فَهْمِهِمَا وَحِفْظِهِمَا وَالْعَمَلِ بِهِمَا الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ تَعْلِيمُهُمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَعْطُوفَانِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ.
[قَوْلُهُ: أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ] الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَوْجَبَ وَأَفْضَلَ وَأَقْرَبَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعَى أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمَلُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُدَّعِي مِنْ التَّعَالِيلِ لَا خُصُوصَ الطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ] مُفَادُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالُ وَمِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ ثُمَّ إنَّ قَضِيَّةَ هَذَا التَّفْضِيلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِلَا عَمَلٍ فِيهِ فَضْلٌ وَقُرْبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ حُرْمَةِ الْأُمُورِ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا.
[قَوْلُهُ: أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ] أَيْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَرَادَ بِهِ عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ.
[قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ
الْفِقْهُ وَأَفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ» قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُذَاكَرَةُ فِي الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ
(وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ) قُرْبُ رِضًا وَمَحَبَّةٍ (إلَى اللَّهِ عز وجل وَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً) أَيْ خَوْفًا (وَ) أَكْثَرُهُمْ (فِيمَا عِنْدَهُ رَغْبَةً) أَيْ رَجَاءً (وَالْعِلْمُ) الْمُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (دَلِيلٌ إلَى الْخَيْرَاتِ وَقَائِدٌ إلَيْهَا) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْفِقْهُ] أَيْ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَيْ مَا يُتَعَبَّدُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: الْفِقْهُ أَيْ التَّفَهُّمُ فِي عِلْمِ دِينِهِ وَعِلْمِ شَرَائِعِهِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الْمُنَاوِيَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ مَا نَصُّهُ.
قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: الْفِقْهُ الْفَهْمُ وَانْكِشَافُ الْغِطَاءِ فَإِذَا عَبَدَ اللَّهَ بِمَا أَمَرَ وَنَهَى بَعْدَ أَنْ فَهِمَهُ انْكَشَفَ لَهُ الْغِطَاءُ عَنْ تَدْبِيرِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى فَهِيَ الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ الْمَحْضَةُ، وَقَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ. . . إلَخْ أَيْ وَأَفْضَلُ التَّدَيُّنِ الْوَرَعُ الَّذِي هُوَ كَمَا قِيلَ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ مِنْ كُلِّ طَرْفَةٍ، وَالْوَرَعُ يَكُونُ فِي خَوَاطِرِ الْقُلُوبِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخَلِّي عَنْ الشُّبُهَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمُحْتَمَلَاتِ وَعَبَّرَ فِي الْفِقْهِ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ كَالْعِبَادَةِ وَفِي الْوَرَعِ بِالدِّينِ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى الْيَقِينِ الْقَلْبِيِّ الَّذِي بِهِ يُدَانُ اللَّهُ سبحانه وتعالى.
[قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ] لَمْ يَقُلْ وَقَالَ مَالِكٌ. . . إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ تَأَدُّبًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِإِيهَامِ الْعَطْفِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَلِيلٌ لِلْمُدَّعِي مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الْأَوَّلُ.
[قَوْلُهُ: الْمُذَاكَرَةُ] مُفَاعَلَةٌ تَقْتَضِي مُتَعَدِّدًا أَيْ تَذَكُّرُ الْفِقْهِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ نَمَاءِ الْعِلْمِ وَزِيَادَتِهِ وَشِدَّةِ التَّوَثُّقِ، وَهُوَ يَشْمَلُ إفَادَتَهُ لِلْمُتَعَلِّمِينَ وَتَفَهُّمَهُ مِنْ الْمُتَسَاوِينَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلُ وَإِلَّا فَتَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ أَيْضًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَرَادَ بِهَا مَا عَدَا السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالرَّوَاتِبَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى لِطَالِبِ الْعِلْمِ فِعْلُ الرَّوَاتِبِ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُذَاكَرَةُ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ النَّافِلَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَرَادَ بِهِ أَيْضًا مَا يَشْمَلُ آلَاتِهِ الْمُتَوَقِّفِ هُوَ عَلَيْهَا وَرُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«مَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْبِرِّ فِي الْجِهَادِ إلَّا كَبَصْقَةٍ فِي بَحْرٍ وَمَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْجِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَبَصْقَةٍ فِي بَحْرٍ» وَرُوِيَ أَيْضًا: «لَبَابٌ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا» وَأَيْضًا قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إذَا جَاءَ الْمَوْتُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ» ، [قَوْلُهُ: فِي الْفِقْهِ] أَرَادَ بِهِ عِلْمَ الْفِقْهِ
[قَوْلُهُ: قُرْبُ رِضًا وَمَحَبَّةٍ] هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا إمَّا إرَادَةُ الْإِنْعَامِ أَوْ الْإِنْعَامُ فَهُمَا إمَّا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِمَّا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ هِيَ الْمَيْلُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى الْمَوْلَى عز وجل، وَأَرَادَ مَيْلًا يَلْزَمُهُ مَا ذُكِرَ لَا مُطْلَقَ الْمَيْلِ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فَهُوَ كَالْعَدَمِ، [قَوْلُهُ: وَأَوْلَاهُمْ بِهِ] أَيْ بِمَعُونَتِهِ وَنَصْرِهِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ خَوْفًا] مُفَادُهُ أَنَّ الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ مُتَرَادِفَانِ، وَقِيلَ: الْخَوْفُ هَرَبُ الْقَلْبِ مِنْ حُلُولِ الْمَكْرُوهِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِهِ، وَالْخَشْيَةُ أَخَصُّ مِنْ الْخَوْفِ فَهِيَ لِلْعُلَمَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ أَيْ فَخَشْيَةُ اللَّهِ هِيَ خَوْفُ عِقَابِهِ مَعَ تَعْظِيمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ فِي فِعْلِهِ بِخِلَافِ مُطْلَقِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَهْدِيدِ الظَّالِمِ لَهُ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» قَالَ الْعِزُّ: فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ حَالَةٌ تَنْشَأُ عَنْ مُلَاحَظَةِ شِدَّةِ النِّقْمَةِ الْمُمْكِنِ وُقُوعُهَا، وَقَدْ دَلَّتْ الْقَوَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُعَذَّبٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَوْفُ فَكَيْفَ أَشَدُّ الْخَوْفِ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الذُّهُولَ جَائِزٌ عَلَيْهِ فَإِذَا ذَهَلَ عَنْ مُوجِبَاتِ نَفْيِ الْعِقَابِ حَدَثَ لَهُ الْخَوْفُ لَكِنْ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ اجْتِمَاعُ أَكْثَرِيَّةِ الْخَوْفِ وَأَكْثَرِيَّةِ الرَّجَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ مِنْ شِدَّةِ التَّحَرُّزِ مَا لَا يَلْزَمُ الثَّانِيَ، وَالتَّنَافِي فِي اللَّوَازِمِ يُوجِبُ التَّنَافِيَ فِي الْمَلْزُومَاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فِي وَقْتَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الْخَوْفُ فِي وَقْتٍ يَشْتَدُّ تَحَرُّزُهُ بِحَيْثُ يُلْجِئُهُ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ فَضْلًا عَنْ الْمُشْتَبَهِ، وَإِذَا قَامَ بِهِ الرَّجَاءُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَتَقَوَّى لَا تَقُومُ بِهِ شِدَّةُ التَّحَرُّزِ فَلَرُبَّمَا قَدِمَ عَلَى الْمُتَشَابِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ.
[قَوْلُهُ: الْمُقَرِّبُ. . . إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ الْمُقَرِّبُ إذْ الْعِلْمُ حَقِيقَةً مَا أَوْرَثَ خَشْيَةً وَعَمَلًا قَالَهُ عج نَقْلًا عَنْ سَيِّدِي
فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا، إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحَيَّتَانِ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالَمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَحْمَدَ بَابَا، [قَوْلُهُ: وَقَائِدٌ إلَيْهَا] عَطْفٌ مُرَادِفٌ.
[قَوْلُهُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا] أَيْ طَرِيقًا حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً، وَنَكَّرَهَا لِيَتَنَاوَلَ أَنْوَاعَ الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إلَى تَحْصِيلِ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: يَلْتَمِسُ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ أَيْ يَطْلُبُ فَاسْتَعَارَ لَهُ اللَّمْسَ.
[قَوْلُهُ: فِيهِ] أَيْ فِي غَايَتِهِ أَوْ بِسَبَبِهِ وَإِرَادَةُ الْحَقِيقَةِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ لِبُعْدِهِ.
[قَوْلُهُ: عِلْمًا] نَكَّرَهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ عِلْمٍ وَآلَتَهُ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا جَلَّ وَقَلَّ وَتَقْيِيدُهُ بِقَصْدِ وَجْهِ اللَّهِ لَا حَاجَةَ لَهُ لِاشْتِرَاطِهِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ لَكِنْ قَدْ يُعْتَذَرُ لِقَائِلِهِ هُنَا بِأَنَّ تَطَرُّقَ الرِّيَاءِ بِالْعِلْمِ أَكْثَرُ فَاحْتِيجَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْإِخْلَاصِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَلْتَمِسُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الْجَزَاءِ الْمَوْعُودِ بِهِ حُصُولُهُ فَيَحْصُلُ إذَا بَذَلَ الْجَهْدَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا لِنَحْوِ بَلَادَةٍ.
[قَوْلُهُ: لَهُ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِهِ وَنُسَخِ تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وتت، وَفِي الْجَامِعِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ السُّلُوكِ الْمَفْهُومِ مِنْ سَلَكَ أَوْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ طَرِيقًا فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعَبٍ وَنَصَبٍ، وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا فَمَنْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فِي طَلَبِهِ سَهُلَتْ لَهُ سُبُلُ الْجَنَّةِ سِيَّمَا إنْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُجَازِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يَسْلُكَ بِهِ طَرِيقًا لَا صُعُوبَةَ فِيهِ وَلَا هَوْلَ إلَى أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ سَالِمًا [قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ] يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ وَيَحْتَمِلُ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ.
[قَوْلُهُ: لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا] جَمْعُ جَنَاحٍ وَهُوَ لِلطَّائِرِ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِنْ الْمَجَازِ: خَفَضَ لَهُ جَنَاحَهُ.
[قَوْلُهُ: لِطَالِبِ الْعِلْمِ] الشَّرْعِيِّ أَيْ أَوْ آلَتِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا لِنَعْمَلَ بِهِ وَتَعْلِيمُهُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ.
[قَوْلُهُ: رِضًا بِمَا يَصْنَعُ] وَفِي رِوَايَةٍ بِمَا يَطْلُبُ، وَوَضْعُ أَجْنِحَتِهَا عِبَارَةٌ عَنْ حُضُورِهَا مَجْلِسَهُ أَوْ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بُلُوغِ مَقَاصِدِهِ أَوْ قِيَامِهِمْ فِي كَيْدِ أَعْدَائِهِ وَكِفَايَتِهِ شَرَّهُمْ أَوْ عَنْ تَوَاضُعِهَا وَدُعَائِهَا لَهُ أَوْ وَضْعِ الْأَجْنِحَةِ لِتَكُونَ مَوْطِئًا لَهُ إذَا مَشَى أَوْ إظْلَالِهِمْ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْعَالِمَ] هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ، [قَوْلُهُ: لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ] أَيْ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ غُفْرَانَ ذَنْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ أَوْ إنْعَامًا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَنْبٌ، فَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
[قَوْلُهُ: مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ] أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ.
[قَوْلُهُ: وَمَنْ فِي الْأَرْضِ] أَيْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: حَتَّى الْحِيتَانُ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَبَالَغَ عَلَى الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَسْتُورَةً بِالْبَحْرِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ رُبَّمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّنْ يَسْتَغْفِرُ فَأَفَادَ أَنَّهُ حَتَّى الْحِيتَانُ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجَمَادَاتِ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَغْفِرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مَنْ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ وَكَانَ كَافِرًا أَوْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلِاسْتِغْفَارِ.
[قَوْلُهُ: وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ] أَرَادَ بِالْعَالِمِ مَنْ صَرَفَ زَمَانَهُ لِلتَّعْلِيمِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّصْنِيفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِالْعَابِدِ مَنْ انْقَطَعَ بِالْعِبَادَةِ تَارِكًا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَلَا يُرَادُ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُفَضَّلَ عَارٍ عَنْ الْعَمَلِ وَالْعَابِدَ عَنْ الْعِلْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ غَالِبٌ عَلَى عَمَلِهِ وَعَمَلَ هَذَا غَالِبٌ عَلَى عَمَلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ كَثْرَةُ ثَوَابِ مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ لِلْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا وَمَأْكَلِهَا وَمَشْرَبِهَا وَنَعِيمِهَا الْجُسْمَانِيِّ أَوْ مَا يُمْنَحُ مِنْ مَقَامَاتِ الْقُرْبِ وَلَذَّةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ وَلَذَّةِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ كَشْفِ الْغِطَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: فِيهِ أَنَّ نُورَ الْعِلْمِ يَزِيدُ عَلَى نُورِ الْعِبَادَةِ كَمَا مَثَّلَ بِالْقَمَرِ بِالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ الْكَوَاكِبِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ] هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ أَيْ عُلَمَاءَ الشَّرْعِ.
[قَوْلُهُ: الْأَنْبِيَاءُ] بِنَاءً عَلَى تَرَادُفِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ أَوْ إطْلَاقًا لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَوْ وَرَثَةَ هَذَا الْجِنْسِ إلْحَاقًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا بِمَنْ كَانَ رَسُولًا.
[قَوْلُهُ: دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا] أَيْ وَلَا غَيْرَهُمَا، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِعُمُومِ نَفْعِهِمَا وَشِدَّةِ التَّعَلُّقِ بِادِّخَارِهِمَا غَالِبًا.
[قَوْلُهُ: الْعِلْمُ] أَيْ جِنْسُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الشَّامِلِ لِأُصُولِ الدِّينِ وَالْفُرُوعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ
بِحَظٍّ وَافِرٍ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَاللَّجَأُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْجِيمِ أَيْ الِاسْتِنَادُ وَالرُّجُوعُ (إلَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَيْ الْقُرْآنِ (وَ) إلَى (سُنَّةِ نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَتَقْرِيرَاتُهُ (وَ) إلَى (اتِّبَاعِ سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الْمُؤْمِنِينَ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِجْمَاعُ (وَ) اتِّبَاعِ (خَيْرِ الْقُرُونِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم (مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وَقَوْلُهُ: (نَجَاةٌ) خَبَرُ اللَّجَأِ ثُمَّ بَيَّنَ ثَمَرَةَ الرُّجُوعِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: (فَفِي الْمَفْزَعِ) أَيْ اللَّجَأِ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (الْعِصْمَةُ) أَيْ الْحِفْظُ وَالِامْتِنَاعُ وَقَوْلُهُ: (وَفِي اتِّبَاعِ) سَبِيلِ (السَّلَفِ الصَّالِحِ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ (النَّجَاةُ) أَيْ الْخَلَاصُ تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:(وَهُمْ الْقُدْوَةُ) مُثَلَّثُ الْقَافِ (فِي تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِخْرَاجِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ) التَّأْوِيلُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ".
ــ
[حاشية العدوي]
فِي الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الثَّانِي عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا وَأَخَذْنَاهُ عَنْهُ قَدْ جَاءُوا بِهِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ عُلَمَاءُ كُلِّ أَمَةٍ وَرَثَةُ نَبِيِّهَا، [قَوْلُهُ: فَمَنْ أَخَذَهُ] أَيْ تَنَاوَلَهُ.
[قَوْلُهُ: أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ] أَيْ بِنَصِيبٍ تَامٍّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا وَرِثَهُ خَوَاصُّهُ فَهُوَ أَعْظَمُ وِرَاثَةً، وَفِي التَّعْبِيرِ بِأَخَذَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَعْيٍ فِي تَحْصِيلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنَالُ عَادَةً بِدُونِهِ وَأَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى حُصُولِهِ بِدُونِهِ طَمَعٌ مَذْمُومٌ.
[قَوْلُهُ: وَالرُّجُوعُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا] أَيْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَيُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ أَوْصَافَهُ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا] أَيْ بِالطَّرِيقِ، وَقَوْلُهُ: هُنَا يُفِيدُ أَنَّ طَرِيقَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يُرَادُ بِهَا مَعْنًى غَيْرُ الْإِجْمَاعِ كَأَنْ يُرَادَ طَرِيقَتُهُمْ مِنْ التَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ]، مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَيْ أُظْهِرَتْ لِلنَّاسِ [قَوْلُهُ: نَجَاةٌ] أَيْ خَلَاصٌ مِنْ الْهَلَاكِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَعْلَمُ أَحْكَامَهَا، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَيَكْفِيهِ اتِّبَاعُ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ ثَمَرَةَ الرُّجُوعِ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ النَّجَاةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى بِسَبَبِ نَجَاةٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَبَبَ النَّجَاةِ بِقَوْلِهِ: فَفِي. . . إلَخْ.
[قَوْلُهُ: أَيْ اللَّجَأُ] أَيْ فَأَرَادَ بِالْمَفْزَعِ الْفَزَعَ [قَوْلُهُ: أَيْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِتَابِ. . . إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ: وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ [قَوْلُهُ: وَالِامْتِنَاعُ] أَيْ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ] أَيْ لَا خُصُوصَ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَكْرَارَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ تَكْرَارٌ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ] لَا مُطْلَقِ الْأَهْلِ لَكِنَّ هَذَا فِيمَنْ عَدَا الْأَوَّلَ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ] أَيْ اتَّصَفَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَجَعَلَهُ فِي التَّحْقِيقِ تَكْرَارًا بِقَيْدِ أَنْ يُرَادَ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ خُصُوصُ الصَّحْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ حَكَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ ك ثُمَّ قَالَ ك: وَإِنَّمَا كَانُوا قُدْوَةً فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الْعِلْمَ الْكَامِلَ وَالْوَرَعَ الْفَاضِلَ وَالنَّظَرَ السَّدِيدَ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمْ الْإِصَابَةُ وَلَوْلَا هَذِهِ الشُّرُوطُ مَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ.
[قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ. . . إلَخْ] عَلَى تَسْلِيمِ التَّكْرَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا الشَّامِلِ لِأَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُمْ الْقُدْوَةُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ إلَّا الصَّحْبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِنْبَاطِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ، وَأَمَّا عَلَى قَصْرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى الصَّحْبِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّكْرَارُ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَهُمْ الْقُدْوَةُ. . . إلَخْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ يُقَلَّدُ فِيمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يَتَأَوَّلُهُ وَأَمَّا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: مُثَلَّثُ الْقَافِ] إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَيْ الْمُتَّبَعُونَ.
[قَوْلُهُ: لَا صَلَاةَ. . . إلَخْ] فَظَاهِرُهُ لَا صَلَاةَ صَحِيحَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ الْأَصْلِيِّ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَلَا يَصِحُّ قَطْعًا فَيُلْتَفَتُ إلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ، وَهُوَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَيَكُونُ نَفْيُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ الظَّاهِرُ فَتَقْدِيرُهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ صَرَفَ النَّظَرَ عَنْ ظَاهِرِهِ