الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّمَانَ لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ تَزُولُ بِالْبَيِّنَةِ (وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ) ع: وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ شَرَطَ الْمُعِيرُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ عَدَمَ الضَّمَانِ مِمَّا فِيهِ الضَّمَانُ لَا يَنْفَعُهُ. وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلَهُمَا أَيْضًا يَنْفَعُهُ وَيَعْمَلُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بَابٌ مَعْرُوفٌ، وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مِنْ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِمَّا لَا ضَمَانَ فِيهِ صُورَةً فَقَالَ:(إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) الْمُسْتَعِيرُ فَيَضْمَنَ وَوُجُوهُ التَّعَدِّي كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الزِّيَادَةُ فِي الْحِمْلِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَسَافَةِ، وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَيَكُونُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: تَلِفَتْ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنْ الرُّفْقَةِ بِتَلَفِهَا.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَعَرَّفَهَا ابْنُ الْحَاجِب بِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَحُكْمُهَا الْإِبَاحَةُ وَيَعْرِضُ لَهَا
ــ
[حاشية العدوي]
بِالِاسْتِعْمَالِ لِقُرْبِ مُدَّتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ بِهِ لِبُعْدِ مُدَّتِهَا غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى نَقْصِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ.
وَلَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ لَهَا شَخْصٌ فَإِنَّ الْمُعَارَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ وَلَهُ مَا زَادَ عَلَى مَا تَرَتَّبَ مِنْ قِيمَتِهَا نَاقِصَةً هَكَذَا قَرَّرَ بَعْضُ أَشْيَاخِي.
وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي: لَوْ أَخَذَ الْمُعِيرُ الْقِيمَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتْلِفِ لَهَا هَلْ لِلْمُسْتَعِيرِ حَقٌّ فِيمَا زَادَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ عَمَّا تَزِيدُهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَا يَنْقُصُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَقَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الذَّاتِ وَقَدْ ذَهَبَتْ.
قَالَهُ عج: وَإِذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَجْلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا يَنْقُصُهَا الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ ضَاعَتْ ضَيَاعًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَدِّهَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إخْفَائِهَا رَغْبَةً فِي أَخْذِهَا بِقِيمَتِهَا، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَنَقَصَتْ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نُقْصَانِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ قِيمَتَهَا مَعَ مُرَاعَاةِ نَقْصِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى هَلَاكِهِ] أَيْ أَوْ تَلَفِهِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ مِنْ الضَّمَانِ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ وَمِثْلُ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَوْ عَلِمَ أَنَّ التَّلَفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَسُوسٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ قَرْضِ فَأْرٍ لَكِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ وَفِي الضَّيَاعِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ كَدَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ يَوْمَ كَذَا ثُمَّ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
[قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ عَدَمَ الضَّمَانِ مِمَّا فِيهِ الضَّمَانُ] أَيْ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَيْضًا يَنْفَعُهُ إلَخْ] وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَقِيلَ: يُفْسِدُهُ وَيَكُونُ لِلْمُعِيرِ أُجْرَةُ مَا أَعَارَهُ وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بَابٌ مَعْرُوفٌ] أَيْ وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مِنْ الْمَعْرُوفِ.
[قَوْلُهُ: مِنْهَا الزِّيَادَةُ فِي الْحِمْلِ] هَذِهِ عِبَارَةٌ مُجْمَلَةٌ وَتَفْصِيلُهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِحَمْلِ شَيْءٍ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ فَإِنَّ صَاحِبَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ يَأْخُذُ كِرَاءَ الزَّائِدِ فَقَطْ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ فَإِنْ قِيلَ عَشْرَةً فَيُقَالُ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِي جَمِيع مَا حُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ الزَّائِدِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: خَمْسَةً دَفَعَ لِلْمُعِيرِ الْخَمْسَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي فَاللَّازِمُ الْقِيمَةُ كَذَا يَظْهَرُ فَلَوْ سَلِمَتْ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ أَوْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ وَسَلِمْت أَوْ عَطِبَتْ فَلَا شَيْءَ لِلْمُعِيرِ إلَّا كِرَاءَ الزَّائِدِ.
[قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَسَافَةِ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَعْطَبُ بِهِ أَوْ لَا حَيْثُ تَلِفَتْ، أَيْ وَمِنْهَا إذَا حَمَّلَهَا أَثْقَلَ مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ وَلَوْ أَقَلَّ قَدْرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلْفِت بِفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ مِثْلِهِ فَلَا ضَمَان، وَجَوَازُ فِعْلِ الْمِثْلِ جَائِزٌ وَلَوْ فِي الْمَسَافَةِ عَلَى الرَّاجِحِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجَرِ الْعُدُول عَنْ الْمَسَافَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا.
وَإِنْ سَاوَتْ إلَّا بِإِذْنِ الْمُكْرِي لِمَا فِي الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ تَلِفَتْ إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ: مَاتَتْ بِمَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يُوجَد لَهَا أَثَرٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
[أَحْكَام الْوَدِيعَة]
[قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْوَدِيعَةِ] مِنْ
الْوُجُوبُ كَالْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ عِنْدَ رَبِّهِ مِنْ ظَالِمٍ، وَالتَّحْرِيمُ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِأَنَّ فِي إمْسَاكِهِ إعَانَةً عَلَى عَدَمِ رَدِّهِ لِمَالِكِهِ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْمُودَعُ بِفَتْحِهَا، وَالشَّيْءُ الْمُودَعُ وَشَرْطُ الْأَوَّلَيْنِ كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فَمَنْ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ، وَكُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا لِغَيْرِهِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَاجِبٌ مَهْمَا طَلَبَ الْمَالِكُ وَانْتَفَى الْعُذْرُ إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ يُصَدَّقُ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ إلَيْك إلَّا أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: (وَالْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (إنْ قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَيْك صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ) فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِشْهَادٍ عَلَى رَدِّهَا لِأَنَّهُ حِينَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكْتَفِ بِأَمَانَتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ وَبِذَلِكَ قَيَّدَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمُدَوَّنَةَ أَمَّا إذَا دَفَعَهَا بِمَحْضَرِ شُهُودٍ وَلَمْ يُشْهِدْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] أَيْ مَا تَرَكَ عَادَةَ إحْسَانِهِ فِي الْوَحْيِ إلَيْك وَهِيَ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ لُغَةً الْأَمَانَةِ، وَاصْطِلَاحًا مَالٌ وُكِّلَ عَلَى حِفْظِهِ وَتَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ.
[قَوْلُهُ: اسْتِنَابَةٌ إلَخْ] يَدْخُلُ إيدَاعُ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَيَخْرُجُ وَضْعُ الْأَبِ وَلَدَهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقَالُ لَهُ مَالٌ، وَيَخْرُجُ وَضْعُ الْأَمَةِ مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ عِنْدَ أَمِينَةٍ لِأَنَّ وَضْعَهَا لَمْ يَكُنْ لِحِفْظِهَا وَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِخْبَارِ بِحَيْضِهَا، وَظَاهِرُ التَّعْرِيفِ كَالْمُدَوَّنَةِ شُمُولُهُ لِمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالرِّبَاعِ لِيَحْفَظَهَا الْمُودَعُ مِمَّنْ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا.
[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْإِبَاحَةُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ سِيَاقَ مَا يَأْتِي يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنْ حَيْثُ الْقَبُولُ أَيْ فَيُبَاحُ لِلْمُودَعِ أَنْ يَقْبَلَ الْوَدِيعَةَ، وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِأَنَّهُ قَضَاءُ حَاجَةٍ لَهُ نَعَمْ الْإِبَاحَةُ ظَاهِرَةٌ فِيهِ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ مِنْ جَانِبِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: كَالْخَوْفِ إلَخْ] الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِقَبُولِهَا لَا بِفِعْلِهَا إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي مَالٍ لَوْ تَرَكَهُ لَخَشِيَ ضَيَاعَهُ أَوْ ضَيَاعَ عِيَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: يَحْرُمُ قَبُولُهُ يُفِيدُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِنَفْسِ الْإِيدَاعِ بَلْ بِالْقَبُولِ مَعَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ أَيْضًا بِنَفْسِ الْإِيدَاعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: حُرْمَةُ الْإِيدَاعِ لَا تُتَوَهَّمُ، وَمَحِلُّ كَوْنِهِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَحْدِهَا لِيَرُدَّهَا لِرَبِّهَا أَوْ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ لِأَنَّ عِيَاضًا ذَكَرَ أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ يَضْمَنُهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا النَّدْبُ حَيْثُ يَخْشَى مَا يُوجِبُهَا دُونَ تَحَقُّقٍ، وَكَرَاهَتُهَا حَيْثُ يَخْشَى مَا يُحَرِّمُهَا دُونَ تَحَقُّقٍ.
[قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]] «كَانَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ سَادِنَ الْكَعْبَةِ وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام مِفْتَاحَهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهُ وَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ فِي شَأْنِك قُرْآنٌ وَقَرَأَ عَلِيٌّ فَأَسْلَمَ، فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّهَا فِي أَوْلَادِهِ أَبَدًا» فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَتْ وَارِدَةً فِي شَأْنِ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ؟ قُلْنَا: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ وَمِنْ عَمَلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا الْخِيَانَةُ فَهِيَ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ وَعَمَلِ الْفُسَّاقِ.
[قَوْلُهُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ] اعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ شَخْصٍ وَدِيعَةً أَيْ أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ عَامَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَخَانَهُ فِيهِ أَوْ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخَائِنَ أَوْدَعَ وَدِيعَةً عَنْ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ أَوْ بَاعَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ مِمَّا عَامَلَهُ فِيهِ نَظِيرَ مَا ظَلَمَهُ الْأَوَّلُ فِيهِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَأْخُذْ أَزْيَدَ مِنْ حَقِّك فَتَكُونَ خَائِنًا، وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ فَلَيْسَ خَائِنًا فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ مَنْطُوقُهُمَا وُجُوبُ رَدِّ الْأَمَانَةِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَصْلِ الْإِيدَاعِ فَأَيْنَ الْمُطَابِقَةُ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ؟ قُلْنَا: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رَدَّ الْأَمَانَةِ فَرْعُ الْإِيدَاعِ، وَلَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِيدَاعِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: فَمَنْ صَحَّ مِنْهُ إلَخْ] الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يُوَكِّلَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ إلَّا الصَّغِيرَةَ فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ وَاَلَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ هُوَ الْمُمَيِّزُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ
عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدُوا بِأَنِّي اسْتَوْدَعْته كَذَا وَكَذَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: صُدِّقَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَعَزَوْا لِلْمُدَوَّنَةِ الْيَمِينَ وَعَلَيْهِ قَرَّرَ ك فَقَالَ: ك يُرِيدُ وَيَحْلِفُ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ لَا يَحْلِفُ
(وَإِنْ قَالَ) الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ (ذَهَبَتْ) بِمَعْنَى تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ (فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ) قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ لَا، وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَقَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَلَاكِهَا فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ)
ــ
[حاشية العدوي]
وَحَكَى عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ وَخَالَفَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا رَشِيدًا، وَوَافَقَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ بَلَدِنَا لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُهَا وَلَا يَتَوَكَّلُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْإِيدَاعِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَكْسُ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ فَلَا يُودَعَانِ وَلَا يُسْتَوْدَعَانِ، لَكِنْ إنْ أَوْدَعَاكَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْكَ يَا رَشِيدُ حِفْظُهُ، وَأَمَّا إنْ أَوْدَعْت عِنْدَهُمَا فَأَتْلَفَا أَوْ فَرَّطَا لَمْ يَضْمَنَا وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا. وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ لَا يُسْتَوْدَعَانِ. بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى الصِّيغَةِ فَقِيلَ: شَرْطٌ، وَقِيلَ: رُكْنٌ وَهِيَ كُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الْحِفْظِ وَلَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ بِاللَّفْظِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَتَاعَهُ عِنْدَ جَالِسٍ رَشِيدٍ بَصِيرٍ سَاكِتٍ وَذَهَبَ الْوَاضِعُ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ حِفْظُهُ بِحَيْثُ إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَهُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا مِنْهُ بِالْإِيدَاعِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْمَنَ.
[قَوْلُهُ: حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا] هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى قَصْدِ التَّوَثُّقِ، وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَدَمَ قَبُولِ دَعْوَاهُ الرَّدَّ بِمُجَرَّدِهَا قَالَهُ عج وَكَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
قُلْت: وَعَلَيْهِ فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ قَصْدُ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ أَشْهَدَ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ وَأَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي قَصْدِهِ، وَفِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهَا لِلتَّوَثُّقِ عِلْمُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ قَصَدَ بِهَا التَّوَثُّقَ اهـ.
وَكَلَامُ بَعْضٍ يُؤْذِنُ بِاعْتِمَادِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَشْهَدَهَا الْمُودَعُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ فَكَالْعَدِمِ وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ خَوْفَ الْمَوْتِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ يَقُولَ الْمُودَعُ: أَخَافُ أَنْ يَقُولَ هِيَ سَلَفٌ فَأَشْهَدُ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا التَّوَثُّقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَيْكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَدَدْتهَا لِوَلَدِك لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ دَعْوَى الرَّدِّ لِلْيَدِ الَّتِي لَمْ تَدْفَعْ لَا تَنْفَعُ، وَضَابِطُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ إذَا كَانَتْ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْهُ لِلْيَدِ الَّتِي اسْتَأْمَنَتْهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَهُ أَوْ وَارِثِهِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الضَّمَانُ.
[قَوْلُهُ: كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا] الْمُتَّهَمُ هُوَ مَنْ يُشَارُ لَهُ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ مِنْ التَّسَاهُلِ فِي الْوَدِيعَةِ.
[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَذْكُرْ حَلِفَ الْمُتَّهَمِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا كَانَتْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ أَوْ اتِّهَامٍ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ حَلَفَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ عِنْدَ دَعْوَى التَّحْقِيقِ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ غُرِّمَ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ.
[قَوْلُهُ: ذَهَبَتْ بِمَعْنَى تَلِفَتْ] أَيْ أَوْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنِّي، وَأَمَّا لَوْ هَلَكَتْ بِتَقْصِيرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُوبِ حِفْظِهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِي إتْلَافِهَا أَوْ كَانَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الضَّمَانِ مَعَ الْإِذْنِ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: اُقْتُلْنِي أَوْ اُقْتُلْ وَلَدِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: احْرِقْ ثَوْبِي أَوْ اقْطَعْ يَدِي فَلَا ضَمَانَ مَعَ الْإِذْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ الْتَزَمَ حِفْظَهَا بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِذْنُ.
[قَوْلُهُ: قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ لَا] كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهَا أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ أَوْ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهَا حَاضِرًا فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ] وَقِيلَ: يَحْلِفُ
تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ كَرَّرَهُ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ (وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى وَدِيعَةٍ ضَمِنَهَا) وَأَوْجُهُ التَّعَدِّي أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْإِيدَاعُ عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالسَّفَرُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا فَتَهْلِكُ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ:(وَإِنْ كَانَتْ) الْوَدِيعَةُ (دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) مَرْبُوطَةً أَوْ مَخْتُومَةً فَتَسَلَّفَهَا أَوْ بَعْضَهَا (فَرَدَّهَا) مِثْلَهَا (فِي صُرَّتِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ) الْوَدِيعَةُ (فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِهِ) فَقِيلَ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَلِّهَا، وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَشُهِرَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ.
(وَمَنْ اتَّجَرَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُتَّهَمُ وَغَيْرُهُ، وَصَدَرَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَهُ تت.
وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَنَقُولُ مَحِلُّ كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُ إلَّا الْمُتَّهَمُ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى دَعْوَى تَحْقِيقٍ، وَأَمَّا دَعْوَى التَّحْقِيقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّهَمٍ وَغَيْرِهِ، وَغُرِّمَ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ فِي دَعْوَى الِاتِّهَامِ الْقَاصِرَةِ عَلَى الْمُتَّهَمِ وَبَعْدَ حَلِفِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ الَّتِي لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْمُتَّهَمِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ] قَدْ يُقَالُ هُوَ عَيْنُهُ فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: مِنْهَا الْإِيدَاعُ عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَخْ] أَيْ إذَا أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا فِي سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ أَمِينًا إذْ لَمْ يَرْضَ رَبُّهَا إلَّا بِأَمَانَتِهِ وَإِنَّمَا بَالَغْنَا فِي السَّفَرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهَا فِي السَّفَرِ كَانَ هَذَا مَظِنَّةَ الْإِذْنِ فِي الْإِيدَاعِ، وَمَحِلُّ الضَّمَانِ عَلَى الْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَهَا لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْدَعَهَا لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمُعْتَادَيْنِ لِلْإِيدَاعِ بِأَنْ تَطُولَ إقَامَتُهُمَا عِنْدَهُ وَيَثِقُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَتَا غَيْرَ مُعْتَادَتَيْنِ لِلْإِيدَاعِ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ زَوْجَتِهِ بِإِثْرِ تَزْوِيجِهَا أَوْ عِنْدَ أَمَتِهِ بِإِثْرِ شِرَائِهَا أَوْ لَمْ يَثِقْ بِدَفْعِ الْمَالِ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ، وَمِثْلُهُ عَبْدُهُ وَأُجِيرُهُ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَيُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ لِمَنْ ذَكَرَ وَحَلَفَ إنْ أَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ الدَّفْعَ إنْ اتَّهَمَ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا فَإِنْ نَكَلَ غُرِّمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَلِلْمُودِعِ بِالْكَسْرِ تَحْلِيفُهَا كَانَتْ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً.
وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ كَأَنْ انْهَدَمَ مَنْزِلُهُ أَوْ زَادَ عَلَى مَا عَلِمَ رَبُّهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ، وَمِنْ الْعُذْرِ الْجَارُ السُّوءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ عَلَى عَيْنِ الْعُذْرِ، بَلْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى عَيْنِ الْعُذْرِ بِلَا إشْهَادٍ لَكَفَى.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَمِنْهَا أَيْ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا إذَا نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ فَضَاعَتْ.
[قَوْلُهُ: مَرْبُوطَةً أَوْ مَخْتُومَةً] لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: فَرَدَّ مِثْلَهَا] هَذَا التَّقْدِيرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَرَدَّهَا.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ هَلَكَتْ] أَيْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ تت.
وَقَوْلُهُ فَرَدَّ مِثْلَهَا أَيْ ادَّعَى رَدَّ مِثْلِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الضَّمَانِ إلَّا أَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَدِيعَةِ مَكْرُوهًا أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهَا أَوْ لَا بِأَنْ كَانَ مَلِيًّا حِينَ تَصَرَّفَ فِيهَا وَكَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَإِلَّا حَرُمَ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ رَبِّهَا فَجَائِزٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، جَائِزٌ وَمُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ، وَإِذَا ادَّعَى الرَّدَّ لِمَوْضِعِهَا فَيُصَدَّقُ فِي الْمَكْرُوهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا عَدَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهَا لِيَدِ صَاحِبِهَا، وَلَا يَكْفِي شَهَادَتُهَا عَلَى رَدِّهَا لِمَوْضِعِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالسَّلَفِ الْحَقِيقِيِّ، وَيَدْخُلُ فِي الْمُعْدَمِ مَنْ عِنْدَهُ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ أَوْ مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ سَيِّئَ الْقَضَاءِ وَالظَّالِمُ وَمَنْ مَالُهُ حَرَامٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحِلَّ كَرَاهَةِ الْمِثْلِيِّ وَحُرْمَةِ الْمُقَوَّمِ وَالْمُعْدَمِ حَيْثُ جُهِلَ حَالُ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ، وَأَمَّا إنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ يَعْلَمُ سَمَاحَتَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ يَعْلَمُ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْجَمِيعِ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ] بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ رَدَّ مَا تَسَلَّفَهُ إلَى مَحِلِّهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الرَّدَّ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ الصُّرَّةُ شَرْطًا وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمِثْلُ إذَا كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَالْقِيمَةُ إذَا كَانَتْ مُقَوَّمَةً وَالضَّامِنُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ لَا مِنْ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْذُونِ، وَقَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَتَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ لَا فِي رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ سَيِّدُهُ ضَمَانَهَا بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتهَا عَنْ عَبْدِي فَلَا يُتْبَعُ،