المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في بيان جمل من الفرائض وجمل من السنن الواجبة والرغائب] - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ٢

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابٌ فِي الْجِهَادِ]

- ‌[الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ]

- ‌بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُور]

- ‌[الْأَيْمَانِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌الْكَفَّارَةُ) فِي الْيَمِينِ

- ‌[النُّذُور وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌ تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاح]

- ‌ الصَّدَاقُ

- ‌[الْوِلَايَة فِي النِّكَاح]

- ‌ مَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ

- ‌ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ

- ‌ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ

- ‌[حُكْمَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ]

- ‌ مُوجِبَ النَّفَقَةِ

- ‌نِكَاحُ التَّفْوِيضِ

- ‌[اخْتِلَاف دِين الزَّوْجَيْنِ]

- ‌ مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا

- ‌ شُرُوطِ الْوَلِيِّ

- ‌[الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[أَقْسَام الطَّلَاقَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌ الرَّجْعَةِ

- ‌ الْخُلْعِ

- ‌[أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]

- ‌[بَابٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌ صِفَةُ اللِّعَانِ

- ‌[أَحْكَامٍ اللِّعَان]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَنَفَقَةِ الْمُطَلَّقَة]

- ‌[حُكْم الْإِحْدَادُ]

- ‌[أَحْكَام الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[نَفَقَة الْمُطَلَّقَة]

- ‌[أَحْكَام الرَّضَاعَة]

- ‌[أَحْكَام الْحَضَانَةُ]

- ‌[بَاب النَّفَقَة]

- ‌ بَابٌ فِي الْبُيُوعِ

- ‌[الربا وَأَنْوَاعه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[مَسَائِلَ مَمْنُوعَةٍ فِي الْبَيْع]

- ‌[خِيَار النَّقِيصَة]

- ‌ خِيَارِ التَّرَوِّي

- ‌ حُكْمِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ

- ‌[تَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ بِزِيَادَةٍ]

- ‌ الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ الْأَجَلِ

- ‌ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

- ‌[بَيْع الثمر قَبْل بدو صلاحه]

- ‌[مَسَائِل مُتَنَوِّعَة فِي الْبَيْع]

- ‌[السَّلَم وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ

- ‌ بَيْعِ الْجُزَافِ

- ‌[سَوْم الْإِنْسَان عَلَيَّ سَوْم أخيه]

- ‌[مَا يَنْعَقِد بِهِ الْبَيْع]

- ‌[الْإِجَارَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[الْجَعَالَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[الْكِرَاء وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[الشَّرِكَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام]

- ‌[أَرْكَان الشَّرِكَة]

- ‌[أَقْسَام الشَّرِكَة]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[الْمُزَارَعَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌الْجَوَائِحِ

- ‌الْعَرَايَا

- ‌ بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[التَّدْبِير وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[الْكِتَابَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَام الْعِتْق وَالْوَلَاء]

- ‌بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ

- ‌[بَاب الْهِبَة وَالصَّدَقَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[مَطْلَبُ فِي الرَّهْنِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَارِيَّةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَدِيعَة]

- ‌[أَحْكَام اللُّقَطَة]

- ‌[الْغَصْب وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ الْمُثْبِتِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْحُدُود] [

- ‌[أَحْكَام الْقَسَامَة]

- ‌قَتْلُ الْغِيلَةِ)

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[الدِّيَة فِي النَّفْس]

- ‌ دِيَةَ الْأَعْضَاءِ

- ‌[دِيَة الْجِرَاحَات]

- ‌[عَلَيَّ مِنْ تجب الدِّيَة]

- ‌[كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[مِنْ يَقْتُلُونَ وجوبا]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[حَدّ الزِّنَا]

- ‌حَدَّ الْقَذْفِ

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[حَدّ الشُّرْب]

- ‌[كَيْفِيَّة إقَامَة الْحَدّ]

- ‌[حَدّ السَّرِقَة]

- ‌[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

- ‌[الأقضية وَأَحْكَامهَا]

- ‌[أَحْكَام الشَّهَادَات]

- ‌[مَسَائِل فِي الْوَكَالَة]

- ‌[أَحْكَام الصُّلْح]

- ‌ مَسَائِلَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الضَّمَانِ

- ‌[أَحْكَام الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[أَحْكَام الْوَصِيَّةِ]

- ‌[أَحْكَام الْحِيَازَةِ]

- ‌[بَاب الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالسَّبَبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ]

- ‌ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ

- ‌[مِنْ يحجب الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات الْأَشِقَّاء]

- ‌ حُكْمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ

- ‌ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ

- ‌ مِيرَاثِ الْجَدَّاتِ

- ‌[مِيرَاث الْجَدّ]

- ‌[مَسْأَلَة المعادة]

- ‌[مَا يَرِثُهُ مَوْلَى النِّعْمَةِ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ]

- ‌ الْعَوْلِ

- ‌ الْمَسْأَلَةِ الْغَرَّاءِ

- ‌[بَابُ فِي بَيَانِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَجُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ السَّلَامِ]

- ‌ بَابٌ فِي التَّعَالُجِ]

- ‌ بَابٌ فِي الرُّؤْيَا]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[باب في بيان جمل من الفرائض وجمل من السنن الواجبة والرغائب]

[43 - بَابُ جُمَلٍ](بَابُ جُمَلٍ) أَيْ فِي بَيَانِ جُمَلٍ (مِنْ الْفَرَائِضِ وَ) جُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ (وَ) جُمَلٍ مِنْ (الرَّغَائِبِ) وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ مَسَائِلُ لَا يُنَاسِبُ وَضْعُهَا فِي رُبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الْفِقْهِ فَجَمَعَهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ تَصَانِيفِهَا وَسَمَّوْهَا بِالْجَامِعِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرًا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ مِنْ الْجَامِعِ وَذِكْرُهَا مُنَافٍ لِمَا اشْتَرَطَهُ مِنْ الِاخْتِصَارِ قِيلَ: إنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ: بِأَنِّي لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ زَهِدُوا فِي الْعِلْمِ وَرَغِبُوا عَنْ تَعْلِيمِهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِنَشْرِ الْعِلْمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، قَصَدْتُ إلَى تَجْدِيدِ عُيُونِ مَا تَقَدَّمَ إذْ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ عَيْنَ مَا كُلِّفَ بِهِ وَيَعْمَلَ عَلَى الْجَزْمِ فِيمَا خُوطِبَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْلُكُ بِالصَّحَابَةِ سَبِيلًا فَإِذَا رَأَى مِنْهُمْ.

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابُ فِي بَيَانِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَجُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ]

بَابُ جُمَلٍ.

[قَوْلُهُ: جُمَلٍ] جَمْعُ جُمْلَةٍ فَقَوْلُهُ مَثَلًا: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ جُمْلَةٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَرِيضَةٌ وَقِسْ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْوَاجِبَةِ] أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ] أَيْ مَا اخْتَصَّ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ ضِدُّ الْقُبْحِ أَفَادَ ذَلِكَ الْمُخْتَارُ.

وَقَالَ الْهَيْتَمِيُّ: جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ حَسَنٌ لَا مُحْسَنٌ إلَّا تَقْدِيرًا اهـ.

[قَوْلُهُ: فِي رُبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الْفِقْهِ] قَالَ الْقَرَافِيُّ: هِيَ الْعِبَادَاتُ وَالْمُعَامَلَاتُ وَالْأَقْضِيَةُ وَالْجِنَايَاتُ اهـ.

وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ مِنْ صَنِيعِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: فَجَمَعَهَا الْمَالِكِيَّةُ] أَيْ جَمَعَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ. [قَوْلُهُ: بِالْجَامِعِ] أَيْ بِالْكِتَابِ الْجَامِعِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ بَعْضٍ، وَلَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ مَنْ يُعَبِّرُ بِكِتَابٍ.

وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَنْ يُعَبِّرُ بِبَابٍ فَيُقَالُ: بِالْبَابِ الْجَامِعِ أَيْ لِلْمَسَائِلِ الْمُشَتَّتَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ غَيْرَهَا مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [قَوْلُهُ: وَذِكْرُهَا] أَيْ مَعَ أَنَّ ذِكْرَهَا مُنَافٍ أَيْ فَيُعْتَرَضُ بِوَجْهَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا لَيْسَ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنَافٍ. [قَوْلُهُ: اشْتَرَطَهُ] أَيْ الْتَزَمَهُ [قَوْلُهُ: عَنْ ذَلِكَ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ الْأَمْرَانِ، وَجَوَابُهُ يَأْتِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَأَنَا وَإِنْ كُنْتُ الْتَزَمْتُ الِاخْتِصَارَ لَكِنْ عَنَّ لِي مَا أَوْجَبَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ حَيْثُ رَأَيْتُ النَّاسَ زَهِدُوا إلَخْ. أَوْ أَنَّ ذِكْرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُنَافِي الِاخْتِصَارَ. [قَوْلُهُ: زَهِدُوا فِي الْعِلْمِ] تَعَلُّمًا بِدَلِيلِ الْعَطْفِ، أَوْ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا، وَالْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ بِصَدَدِ التَّعْلِيمِ وَالزُّهْدُ فِي الشَّيْءِ الرَّغْبَةُ عَنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَسَاسُ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ أُمِرْنَا] أَمْرَ إيجَابٍ عَيْنِيًّا، أَوْ كِفَائِيًّا، أَوْ نَدْبٍ بِحَسَبِ الْوَقْتِ [قَوْلُهُ: بِنَشْرِ] النَّشْرُ التَّفْرِيقُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِظْهَارُ وَالْإِشْهَارُ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَشَرَ الرَّاعِي غَنَمَهُ نَشْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَرَّقَهَا بَعْدَ أَنْ آوَاهَا فَتَجَوَّزَ الشَّارِحُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ.

[قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ الْإِمْكَانِ أَيْ مُلْتَبِسًا بِمُعْتَبَرٍ هُوَ الْإِمْكَانُ أَيْ الطَّاقَةُ. [قَوْلُهُ: قَصَدْت إلَى تَجْدِيدِ عُيُونِ] أَيْ إلَى تَجْدِيدِ ذِكْرِ نَفْسِ مَا تَقَدَّمَ بِذَاتِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مُتَعَدِّدًا عَبَّرَ بِعُيُونٍ دُونَ عَيْنٍ أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي أُمِرْنَا بِنَشْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَحْفَظَ عَيْنَ مَا كُلِّفَ بِهِ] أَيْ وَتَجْدِيدُ ذِكْرِ ذَاتِ مَا تَقَدَّمَ يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَعْنَى كُلِّفَ بِهِ أَيْ أُلْزِمَ بِهِ هَذَا فِي جَانِبِ الْوَاجِبِ. وَتَقُولُ فِي جَانِبِ الْمَنْدُوبِ وَالسُّنَّةِ إذْ الْمَنْدُوبُ وَالْمَسْنُونُ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ عَيْنَ مَا سُنَّ مِنْهُ، أَوْ نُدِبَ، وَاحْتَجَبَ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَطْرَافَ الثَّلَاثَةَ. [قَوْلُهُ: وَيَعْمَلَ عَلَى الْجَزْمِ]

ص: 397

مِلَلًا سَلَكَ بِهِمْ مَسْلَكًا آخَرَ تَنْشِيطًا لَهُمْ وَإِذْهَابًا لِلْكَسَلِ، وَابْتَدَأَ هَذَا الْبَابَ بِمَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ فَقَالَ:(الْوُضُوءُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا (فَرِيضَةٌ) تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الطَّهَارَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْوُضُوءُ (مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ) وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ.

وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مُشْتَمِلًا عَلَى فَرَائِضَ وَغَيْرِهَا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَرِيضَةٌ فَرْضِيَّةُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (إلَّا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسْحَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ (فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ) وَلَمْ يَفِ بِذِكْرِ السُّنَنِ.

(وَالسِّوَاكُ) فِي الْوُضُوءِ (مُسْتَحَبٌّ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: (مُرَغَّبٌ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لَهُ إذْ كُلُّ مُسْتَحَبٍّ فِي الشَّرْعِ مُرَغَّبٌ فِيهِ.

(وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَثْلِيثِ الْخَاءِ وَهُوَ لُغَةً التَّخْفِيفُ وَشَرْعًا إبَاحَةُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ وَهُوَ رُخْصَةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَهُ شُرُوطٌ تَقَدَّمَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ بِالْمَثُوبَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِهَا.

وَقَوْلُهُ: فِيمَا خُوطِبَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَعْمَلُ بَقِيَ أَنَّ مَا خُوطِبَ بِهِ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ، وَبِالثَّانِي الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فَإِنْ قُلْتَ حَيْثُ أَجَبْتَ بِذَلِكَ هَلَّا قَالَ وَيَعْمَلُ مَا خُوطِبَ بِهِ بِدُونِ فِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ؟ قُلْتُ: الْإِتْيَانُ بِفِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكَ الْمُطْلَقُ مَحْصُورًا فِيمَا خُوطِبْت بِهِ، وَأَرَادَ خُوطِبَ بِهِ، وَلَوْ نَدْبًا فَإِنْ قُلْت: يُنْكِرُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إذْ الْوَاجِبُ إلَخْ قُلْتُ: لَا إذْ مَصَبُّ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ عَلَى الْجَزْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ وَعَدَ بِالثَّوَابِ وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ يَجِبُ الْجَزْمُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ] دَلِيلٌ ثَانٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ [قَوْلُهُ: سَبِيلًا] أَيْ طَرِيقًا [قَوْلُهُ: مَلَلًا] أَيْ سَآمَةً [قَوْلُهُ: مَسْلَكًا آخَرَ] لَمْ يَقُلْ سَبِيلًا آخَرَ تَفَنُّنًا دَفْعًا لِلثِّقَلِ الَّذِي حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ [قَوْلُهُ: تَنْشِيطًا لَهُمْ] أَيْ لِأَجْلِ جَعْلِهِمْ مُسْرِعِينَ لِمَا طُلِبَ مِنْهُمْ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذْهَابًا لِلْكَسَلِ عَطْفٌ لَازِمٌ، وَالْكَسَلُ مَصْدَرُ كَسِلَ مِنْ بَابِ تَعِبَ. يُقَالُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ كَسِلَ كَسَلًا فَهُوَ كَسِلٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَكَسْلَانُ أَيْضًا وَامْرَأَةٌ كَسِلَةٌ وَكَسْلَى اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. أَيْ وَمَا كَانَ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَالْجِنَايَاتِ وَالْفَرَائِضِ مَسْلَكٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِعِبَادَاتِ الرَّبِّ وَهَذَا الَّذِي كَرَّرَهُ مَسْلَكٌ آخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِعِبَادَاتِ الرَّبِّ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِإِذْهَابِ الْكَسَلِ فَتَكْرَارُهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بَلْ مُفِيدٌ. [قَوْلُهُ: فِقْهِيَّةٍ] نَسَبَهُ لِلْفِقْهِ مِنْ نِسْبَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا إنْ أُرِيدَ مِنْهُ الْعِلْمُ بِالْإِحْكَامِ أَيْ النِّسَبِ التَّامَّةِ، وَمِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ إنْ أُرِيدَ مِنْهُ النِّسَبُ التَّامَّةُ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ] مَفْهُومُ لَقَبٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوُضُوءَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ فَرِيضَةٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: أَوْ نَفْلًا] بِمَعْنَى أَنَّهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ نَفْلًا بِدُونِ الْوُضُوءِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ صَلَاةً نَافِلَةً. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ [قَوْلُهُ: وَالنَّظَافَةُ] عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُسْنُ مِنْ مَعْنَى الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ.

قَالَ زَرُّوقٌ: وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ بِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ، وَفِي الْبَاطِنِ بِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ، قَالُوا: وَذَلِكَ فِي الصَّغَائِرِ وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إجْمَاعًا: فَمَنْ تَابَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَبَائِرُ لَمْ يَبْقَ لَهُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[قَوْلُهُ: وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ] فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَتْ أَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا فَرَائِضَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ يَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَفِ بِذِكْرِ السُّنَنِ إلَخْ] أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي السُّنَنِ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِيُنَبِّهَ عَلَى خِلَافِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ كُلٍّ مِنْهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَضَائِلَ.

[قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ] بِمَعْنَى الِاسْتِيَاكِ [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُرَغَّبِ فِيهِ الْمُؤَكَّدَ فِي طَلَبِهِ، فَبِالنَّظَرِ لِمَا قُلْنَا لَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ إذْ كُلٌّ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] أَيْ ذُو رُخْصَةٍ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرُّخْصَةَ إبَاحَةُ الْمَمْنُوعِ إلَخْ.

وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْحَ جَائِزٌ جَوَازًا مَرْجُوحًا. [قَوْلُهُ: التَّخْفِيفُ] أَيْ التَّسْهِيلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمِصْبَاحِ إبَاحَةُ الشَّيْءِ أَيْ الْإِذْنُ فِيهِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْمَمْنُوعِ] أَيْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ فِيهِ الْحَذْفُ

ص: 398

الْكَلَامُ عَلَيْهَا فَقَوْلُهُ: (وَتَخْفِيفٌ) عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ تَوْكِيدٌ.

(وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ) وَهِيَ الْإِنْزَالُ وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ.

(وَ) مِنْ (دَمِ حَيْضٍ وَ) مِنْ دَمِ (النِّفَاسِ فَرِيضَةٌ) .

(وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ لِ) أَجْلِ (الصَّلَاةِ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهَذَا الْمُفَسِّرُ لِقَوْلِهِ: فِي الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ لَهَا وَاجِبٌ، وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ وَالْغُسْلَ سُنَّةٌ.

(وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ) صَرَّحَ ع: بِمَشْهُورِيَّتِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ك: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ.

(وَالْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَرِيضَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ (لِأَنَّهُ جُنُبٌ) فِي الْغَالِبِ فَالذِّمِّيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَسْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ غُسْلُهُ حَتَّى يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ إسْلَامِهِ مُجْمِعًا عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ غُسْلُهُ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْعَزْمِ اتِّفَاقًا.

(وَغَسْلُ الْمَيِّتِ) غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ (سُنَّةٌ) عَلَى مَا شَهَرَهُ الْمَغَارِبَةُ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَفْتَوْا بِهِ.

(وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَرِيضَةٌ) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ عَارٍ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إجْمَاعًا مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا اُسْتُتِيبَ فَإِنْ لَمْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَالْإِيصَالُ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَسْحُ.

وَقَوْلُهُ: مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ وَهُوَ إمْكَانُ الْغُسْلِ. وَيُقَابِلُ الرُّخْصَةَ الْعَزِيمَةُ وَهِيَ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: عَطْفُ بَيَانٍ] أَيْ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَقَصْدُهُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ رُخْصَةٌ أَيْ تَفْسِيرٌ بِحَسَبِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ الْمَمْنُوعِ التَّخْفِيفُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ تَأْكِيدٌ أَيْ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعَطْفِ تَأْكِيدُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَقْوِيَتُهُ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لُغَوِيٌّ أَيْ بِاعْتِبَارِ اللَّازِمِ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِنْزَالُ] أَيْ مُسَبِّبُ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهَا الْحَدَثُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ بِحَسَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَمِنْ دَمِ حَيْضٍ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ: وَمِنْ دَمِ النِّفَاسِ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاسِ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ دَمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا. .

[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ] أَيْ الْكَائِنِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ] مِنْ آثَارِ كَوْنِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَيْ فَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ أَنَّهُ لِلْيَوْمِ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي كُلِّ أَجْزَائِهِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا مُفَسِّرٌ إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ مَعْنَاهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَخِّرُ] هَذَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ فِي مُدَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ جَفَافُ آخِرِ عُضْوٍ مِنْ آخِرِ غَسْلَةٍ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: قَبْلَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ] أَيْ الْكَائِنِ قَبْلَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ سُنَّةٌ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا فَلَا يَلْزَمُ تَرْكُ الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ قِطْعَةٌ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُسْلَيْنِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ك إلَخْ] ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» . [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُنُبٌ فِي الْغَالِبِ] أَيْ فَمَا وَجَبَ الْغُسْلُ إلَّا لِلْجَنَابَةِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَجْنُبْ فَلَا يَجِبُ وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ عِبَادَةٌ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ لَمْ تَسْبِقْ مِنْهُ جَنَابَةٌ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ كَمَا عَلِمْتَ الْمَشْهُورُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ رُكْنٌ فِي الْإِيمَانِ، أَوْ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ. [قَوْلُهُ: مُجْمِعًا عَلَى الْإِسْلَامِ] أَيْ عَازِمًا عَلَى الْإِسْلَامِ.

[قَوْلُهُ: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ] أَيْ تَغْسِيلُهُ [قَوْلُهُ: غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ] وَأَمَّا غُسْلُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ فَهُوَ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَمَنْ لَمْ يُفْقَدْ جُلُّهُ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ غُسْلَ شَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ حَرَامٌ وَمَا عَدَاهُ مِمَّا أَخْرَجَ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ] يُحْتَمَلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَشْهُورٌ، أَوْ رَاجِحٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَشْهُورِ فَقِيلَ: مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَقِيلَ: مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ، وَقِيلَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الرَّاجِحُ فَهُوَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فَهُوَ عَيْنُ الْمَشْهُورِ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. [قَوْلُهُ: وَأَفْتَوْا بِهِ] مِنْ آثَارِ الِاعْتِمَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَتْوَى وَلَا الْعَمَلُ بِغَيْرِ الْمُعْتَمَدِ.

[قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَرِيضَةٌ أَيْ مَفْرُوضَةٌ [قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ] إنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ إجْمَاعًا وَإِلَّا

ص: 399

يَتُبْ قُتِلَ كُفْرًا، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا أُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا.

(وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) وَهِيَ اللَّهُ أَكْبَرُ (فَرِيضَةٌ) عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا مِنْ فَذٍّ وَإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُهَا فَقِيلَ: يَدْخُلُ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَقِيلَ بِمَا دَخَلَ بِهِ الْإِسْلَامَ (وَبَاقِي التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ) ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ جَمِيعَ التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(وَالدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ) أَيْ الْفَرِيضَةِ (فَرِيضَةٌ) وَمَحِلُّ النِّيَّةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ فِي اللَّهُ وَبَيْنَ الرَّاءِ فِي أَكْبَرُ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ هَذَا فَلَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إنْ تَقَدَّمَتْ بِكَثِيرٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ، ثُمَّ عَزَبَتْ فَتُجْزِئُ عَلَى الْأَشْهَرِ وَإِنْ نَوَى عِنْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ عَزَبَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَتُجْزِئُ وَالْكَمَالُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً.

(وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ) قَائِمَتَيْنِ حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ (سُنَّةٌ) عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مَشْهُورُهَا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ.

(وَالْقِرَاءَةُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ فِي الْجُلِّ (فَرِيضَةٌ) وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَحْمِلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ (وَمَا زَادَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْفَرْضِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سُنَّةٌ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَمُسْتَحَبٌّ.

(وَالْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ لِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ إحْرَامٍ وَقِرَاءَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي آيَةِ {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا} [النساء: 103] لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا عَلَى الْكَافِرِ. [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا] أَيْ فَرِيضَةً إجْمَاعًا، أَيْ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ، أَوْ فَرْضًا إجْمَاعًا أَيْ إجْمَاعِيًّا، أَوْ حَالَ كَوْنِ الْفَرْضِ إجْمَاعِيًّا أَوْ ذَا إجْمَاعٍ، أَوْ مُبَالَغَةٍ. [قَوْلُهُ: اُسْتُتِيبَ] أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا] أَيْ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: فَقِيلَ: يَدْخُلُ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ] أَيْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْقَادِرِ يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنْ أَتَى بِهَا بِلُغَتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ الْفَرِيضَةُ] دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي كَوْنَهَا فَرْضًا بَلْ الْمُرَادُ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ أَيْ الْمَفْرُوضَةَ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ فَرِيضَتَهَا [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ دُخُولُ فَرِيضَةٍ، أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النِّيَّةَ مَعْدُودَةٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا.

وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الدُّخُولَ الْمَذْكُورَ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرُ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرَائِضِ أَزْيَدَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ فَالْمُخَلِّصُ جَعْلُ الْبَاءِ فِي بِنِيَّةِ لِلتَّصْوِيرِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ الْهَمْزَةِ] أَيْ الزَّمَنُ الْكَائِنُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ أَيْ الزَّمَنُ الْكَائِنُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَبَيْنَ نِهَايَةِ الرَّاءِ، أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ النِّيَّةُ وَقَعَتْ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِتَمَامِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْكَمَالِ وَإِلَّا فَلَوْ أَوْقَعَ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لَكَفَى. [قَوْلُهُ: فِي أَثْنَائِهَا] أَيْ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: وَالْكَمَالُ] أَيْ وَالْأَفْضَلُ [قَوْلُهُ: مُسْتَصْحَبَةً] اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ يَسْتَصْحِبُهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ. أَيْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحِبَةً لَهُ.

[قَوْلُهُ: قَائِمَتَيْنِ] لَمَّا كَانَ الرَّفْعُ يَصْدُقُ بِقِيَامِ الْيَدَيْنِ وَبِامْتِدَادِهِمَا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْخَلْفِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ.

قَالَ قَائِمَتَيْنِ أَقُولُ وَلَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّاهِبِ وَالرَّاغِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ]، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَالدُّونُ صَادِقٌ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ فَظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ الْإِرْشَادِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ إلَخْ] نَذْكُرُهَا لَك لِيَتَّضِحَ لَك الْمَقَامُ، فَنَقُولُ: قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَضِيلَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يُرْفَعُ أَصْلًا حَكَاهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ مَالِكٍ.

[قَوْلُهُ: الْمَفْرُوضَةِ] الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ الْمَفْرُوضَةِ لِيَشْمَلَ النَّافِلَةَ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْجُلِّ]، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سُنَّةٌ] عِبَارَةٌ قَاصِرَةٌ وَالْأَحْسَنُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ لَا أَنَّ جَمِيعَ السُّورَةِ سُنَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقُولُ: وَأَقَلُّ هَذَا الزَّائِدِ آيَةٌ فَلَا يَكْفِي بَعْضُهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَالٌ كَبَعْضِ آيَةِ الدَّيْنِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي النَّفْلِ] أَيْ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي النَّفْلِ.

[قَوْلُهُ: لِمَا يَكُونُ فِيهِ إلَخْ] أَيْ الْقِيَامِ أَيْ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَفِي وُجُوبِهِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِهِ تَأْوِيلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّ الْخِلَافَ

ص: 400

الْفَاتِحَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُكَبِّرُ فِيهِ لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ.

(وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ (فَرِيضَةٌ) بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ.

(وَالْجِلْسَةُ الْأُولَى) فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ (سُنَّةٌ وَ) الْجِلْسَةُ (الثَّانِيَةُ) فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ بِمِقْدَارِ مَا يُوقِعُ فِيهِ السَّلَامَ خَاصَّةً (فَرِيضَةٌ) وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ.

(وَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ) ج: عَلَى الْمَعْرُوفِ (وَالتَّيَامُنُ بِهِ) أَيْ بِالسَّلَامِ (قَلِيلًا) لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَيَسْتَتِمَّهُ عَنْ يَمِينِهِ (سُنَّةٌ) وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ فَضِيلَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ.

(وَتَرْكُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ) لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ (فَرِيضَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ سَاكِتِينَ، فَمَنْ تَكَلَّمَ عَمْدًا لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ أَوْ جَهْلًا أَوْ إكْرَاهًا أَوْ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ مَثَلًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا النَّاسِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ.

(وَالتَّشَهُّدَانِ) أَيْ كُلُّ تَشَهُّدٍ (سُنَّةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ) فَقَطْ سِرًّا (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ) تَأْكِيدٌ وَلَا سُجُودَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُ فَإِنْ سَجَدَ لِتَرْكِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَسَائِرِ الْفَضَائِلِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ وَلَا يُكَبِّرُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَرِيضَةٌ) فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي الْفَرْضِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فِي حَالِ الْمَرَضِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَيَسَّرَ لَهُ. وَإِلَّا فِي النَّفْلِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ لِلرَّاكِبِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ.

(وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيُ إلَيْهَا فَرِيضَةٌ) أَيْ فَرْضُ عَيْنٍ، أَمَّا فَرْضِيَّةُ الصَّلَاةِ فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ بَالِغٍ مُقِيمٍ، وَيَخُصُّهَا بِالنِّيَّةِ أَيْ يَنْوِي أَنَّهَا جُمُعَةٌ، وَأَمَّا فَرْضِيَّةُ السَّعْيِ فَهُوَ.

ــ

[حاشية العدوي]

حَتَّى فِي الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ إحْرَامٍ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ وَرُكُوعٍ.

[قَوْلُهُ: وَالرُّكُوعُ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْقِيَامُ وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُمَا وَكَذَا سَائِرُ أَفْعَالِهَا مِمَّا عُلِمَ فَرْضِيَّتُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] خَبَرُ الْقِيَامُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فَرِيضَةٌ لَكِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَرْضَانِ حَتَّى فِي النَّافِلَةِ.

[قَوْلُهُ: وَالْجَلْسَةُ] بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَرَّةُ. [قَوْلُهُ: فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ] أَيْ، أَوْ مَا فِيهِ أَكْثَرُ [قَوْلُهُ: وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ] أَيْ وَالزِّيَادَةُ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالْمُرَادُ مَا كَانَ ظَرْفًا لِلسُّنَّةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ ظَرْفًا لِلْمَنْدُوبِ كَالدُّعَاءِ فَذَلِكَ الظَّرْفُ مَنْدُوبٌ وَبِالْجُمْلَةِ يُعْطَى الظَّرْفُ حُكْمَ الْمَظْرُوفِ.

[قَوْلُهُ: وَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ] أَيْ كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ لَهَا سَلَامٌ، فَخَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَلَا يُطْلَبُ لَهَا سَلَامٌ وَلَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّيَامُنُ إلَخْ] أَيْ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ، وَقَوْلُهُ: قَلِيلًا أَيْ بِحَيْثُ تُرَى صَفْحَةُ وَجْهِهِ. وَقَوْلُهُ: لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ إلَخْ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَبْتَدِئُ السَّلَامَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ لَا قُبَالَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. .

[قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الْكَلَامِ] أَيْ وَكَذَا تَرْكُ كُلِّ فِعْلٍ كَثِيرٍ [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ] صَادِقٌ بِالْكَلَامِ لِمُجَاوَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيَقْصُرْ الْكَلَامَ عَلَى مَا عَدَا الْمُجَاوَبَةَ [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَيْ، أَوْ حَرِيقٍ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ] أَيْ يَسِيرًا، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَيَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَا النَّاسِي أَيْ الْيَسِيرُ وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَمُبْطِلٌ.

[قَوْلُهُ: سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ سَهْوًا، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ مِنْ وُجُوبِ الْأَخِيرِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ لِتَرْكِهِ] أَيْ مُتَعَمِّدًا، أَوْ جَاهِلًا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْجَلَّابُ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، وَمَا رَوَاهُ عَلِيٌّ مِنْ أَنَّ مَالِكًا كَبَّرَ لَهُ.

[قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا] كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. [قَوْلُهُ: فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ] أَيْ فِي حَالَةِ الْتِحَامِ الْحَرْبِ.

[قَوْلُهُ: فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ] وَمُقَابِلُهُ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ

ص: 401

مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ.

(وَالْوِتْرُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا أَيْ صَلَاتُهُ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ (وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَ) صَلَاةُ (الْخُسُوفِ) أَيْ خُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَ) صَلَاةُ (الِاسْتِسْقَاءِ) سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَآكَدُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ صَلَاةُ الْوِتْرِ ثُمَّ الْعِيدَيْنِ ثُمَّ الْخُسُوفِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهَا) بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةُ. فَالصَّلَاةُ فِي نَفْسِهَا فَرِيضَةٌ وَعَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ سُنَّةٌ وَقِيلَ رُخْصَةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. .

ع: وَانْظُرْ قَوْلَهُ: (وَهُوَ فِعْلٌ يَسْتَدْرِكُونَ بِهِ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فِي الْجَمَاعَةِ فَضِيلَةٌ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ اهـ. .

(وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ وَالْجَمْعُ) بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (لَيْلَةَ الْمَطَرِ) وَفِي الطِّينِ وَالظُّلْمَةِ (تَخْفِيفٌ) أَيْ رُخْصَةٌ (وَ) إنَّمَا كَانَ رُخْصَةً؛ لِأَنَّهُ (قَدْ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَقَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا اُسْتُشْهِدَ بِفِعْلِهِمْ دُونَ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ النَّسْخُ دُونَ فِعْلِهِمْ.

(وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ) بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (وَبِالْمُزْدَلِفَةِ) بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَبَعْدَ حَطِّ الرِّحَالِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.

(وَجَمْعُ الْمُسَافِرِ) سَفَرًا وَاجِبًا كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ أَوْ مَنْدُوبًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ مُبَاحًا كَالتِّجَارَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ.

[قَوْلُهُ: أَيْ صَلَاتُهُ] أَيْ صَلَاةٌ هِيَ الْوِتْرُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ثُمَّ يَرِدُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ صَلَاةٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا تَقَعُ سُنَّةً مَعَ الْجَمَاعَةِ وَتُنْدَبُ لِمَنْ فَاتَتْهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الزَّوَالُ فَتَفُوتَ. [قَوْلُهُ: خُسُوفُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ صَلَاةَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مَنْدُوبَةٌ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعِيدَيْنِ] وَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: الْآيَةَ] الشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ سُنَّةً.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِرُخْصِيَّتِهَا غَيْرُ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّتِهَا.

[قَوْلُهُ: وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَهُوَ فِعْلٌ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي حُكْمِ الْكَيْفِيَّةِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ فِعْلٌ يَسْتَدْرِكُونَ بِهِ إلَخْ بَيَانٌ لِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالسُّنِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: يَسْتَدْرِكُونَ بِهِ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَصْفٌ لِمَنْ عَلِمَ حُصُولَ سُنِّيَّةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَعَ أَنَّ وَصْفَ ذَلِكَ الْمُحَصَّلِ النَّدْبُ، فَصَارَ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَلَوْ مِنْ الْبَعْضِ سُنَّةٌ وَذَهَابُ الشَّخْصِ لِيُحَصِّلَ الْفَضْلَ مَعَهُمْ مَنْدُوبٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الَّذِي وَصْفُهُ النَّدْبُ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ وَصْفَهُ السُّنِّيَّةَ إلَّا أَنَّ تت حَلَّ الْمُصَنِّفَ بِمَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَقَالَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَسْتَدْرِكُونَ إلَخْ مَعْنَاهُ أَيْ يُحَصِّلُونَ بِهِ السُّنَّةَ [قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ] أَيْ الَّذِي عَلِمَ حُصُولَ السُّنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ الْمُعَارَضُ بِهَا خِلَافُ الَّتِي بَعْدَهَا. وَقَوْلُهُ: وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ أَيْ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ.

[قَوْلُهُ: قَوْلُهُ تَخْفِيفٌ] أَيْ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فَإِنْ قُلْت: فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَكَيْفَ يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ لَهَا غَيْرُ وَاجِبٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا يَرِدُ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ بَاقِيًا.

[قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ] جَمْعَ تَقْدِيمٍ. وَقَوْلُهُ: وَبِالْمُزْدَلِفَةِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَبَعْدَ حَطِّ الرِّحَالِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَكَانَ هَذَا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْعَادَةُ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] حَذْفُهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ، بَلْ الْمُخْتَصَرُ يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَجَمْعُ الْمُسَافِرِ] أَيْ فِي الْبَرِّ. [قَوْلُهُ: كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ] أَيْ كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ. وَقَوْلُهُ: كَحَجِّ التَّطَوُّعِ أَيْ كَالسَّفَرِ الْحَجُّ التَّطَوُّعُ، وَإِضَافَةُ حَجٍّ لِلتَّطَوُّعِ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِ اللَّامِ

ص: 402

سَوَاءٌ كَانَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ (فِي) حَالِ (جَدِّ السَّيْرِ رُخْصَةٌ) وَظَاهِرُ اشْتِرَاطِ جَدِّ السَّيْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ وَلَا يُرَخَّصُ فِي السَّفَرِ الْحَرَامِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَا فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ كَالسَّفَرِ لِصَيْدِ اللَّهْوِ.

(وَجَمْعُ الْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ) عِنْدَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ (تَخْفِيفٌ) أَيْ رُخْصَةٌ فَإِذَا جَمَعَ وَلَمْ يُغْلَبْ عَلَى عَقْلِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا، وَالْجَمْعُ فِي الظُّهْرَيْنِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَفِي الْعِشَاءَيْنِ عِنْدَ الْغُرُوبِ (وَكَذَلِكَ جَمْعُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَسَطَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ (لِ) أَجْلِ (عِلَّةٍ بِهِ) تَخْفِيفٌ (فَيَكُونُ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ)

ــ

[حاشية العدوي]

لِلْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّك تَقُولُ: فُلَانٌ ذُو تَطَوُّعٍ بِالْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: كَالتِّجَارَةِ أَيْ كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ [قَوْلُهُ: فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صُورِيٌّ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا هَذَا مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ، وَقَوْلُهُ: فِي حَالِ جَدِّ السَّيْرِ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ فِي حَالٍ هُوَ جَدُّ السَّيْرِ. [قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ تَكُونُ وُجُوبًا وَنَدْبًا وَإِبَاحَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي سَلَكَهُ جَائِزٌ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى لِلْعَاصِي وَغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَدُّ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ الْحِلِّ إذًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا فِيهِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، أَوْ تَأْخِيرُهُ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ح فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لِلْمُسَافِرِ إذَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ نَازِلٌ فِي الْمَنْهَلِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوَّلَ وَقْتِ الْأُولَى، وَإِذَا نَوَى النُّزُولَ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ وَفِي الِاصْفِرَارِ يُخَيَّرُ فِي تَقْدِيمِ الْعَصْرِ أَوْ تَأْخِيرِهِ، وَإِذَا زَالَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ سَائِرٌ أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى النُّزُولَ فِي الِاصْفِرَارِ، أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَفِي وَقْتَيْهِمَا فَهَذِهِ أَحْوَالٌ سِتَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَجْرِي فِي الْعِشَاءَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ اعْتِمَادِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَدِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَرُخِّصَ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ بِبَرٍّ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ وَفِيهَا شَرْطُ الْجَدِّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُرَخَّصُ فِي السَّفَرِ الْحَرَامِ] لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا فِيهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ رُخْصَةٌ] أَيْ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفٌ أَيْ رُخْصَةٌ فَلِمَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفٌ بَدَلَ قَوْلِهِ رُخْصَةٌ، قُلْت: تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ بَحَثَ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا تَخْفِيفًا بَلْ هُوَ تَثْقِيلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُغْلَبُ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا فَتَسْقُطُ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَا يَجْمَعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي عَقْلِهِ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا اهـ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا] أَيْ نَدْبًا.

تَنْبِيهٌ:

لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُ مَنْ خَافَ الْمَوْتَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ، أَوْ خَافَتْ الْحَيْضَ قَالَ بَهْرَامُ: لَا يُشْرَعُ لَهُ الْجَمْعُ وَذَكَرَ عج فُرُوقًا فَانْظُرْهَا.

[قَوْلُهُ: وَسَطَ وَقْتِ الظُّهْرِ] أَرَادَ بِهِ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ جَمْعُهُ صُورِيًّا. [قَوْلُهُ: لِعِلَّةٍ بِهِ] أَيْ غَيْرِ مَا سَبَقَ كَحُصُولِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ بِإِيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَلْحَقُ بِالْمَرِيضِ كُلُّ مَنْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ بِالْوُضُوءِ، أَوْ الْقِيَامِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا صَلَّاهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ إذَا صَلَّاهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهُمَا جَمْعًا صُورِيًّا.

تَنْبِيهٌ:

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَبْطُونِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا يَنْضَبِطُ إسْهَالُ بَطْنِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَضْبِطُ وَقْتَ إسْهَالِ بَطْنِهِ مَثَلًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ عِنْدَ الْأُولَى، أَوْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى عِنْدَ الثَّانِيَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ. [قَوْلُهُ: تَخْفِيفٌ] أَيْ رُخْصَةٌ، فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ لِلصَّحِيحِ ذَلِكَ قُلْت: نَعَمْ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ، فَالرُّخْصَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: تَخْفِيفٌ مُفَادُ التَّشْبِيهِ

ص: 403

لِأَنَّهُ إذَا جَمَعَ كَانَ لَهُ قِيَامٌ وَاحِدٌ وَوُضُوءٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ كَانَ لَهُ قِيَامَانِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

(وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُرَخَّصُ فِيهِ الْجَمْعُ (رُخْصَةٌ) إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا (وَالْإِقْصَارُ) أَيْ قَصْرُ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ.

(وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ) لَهُمَا نِيَّةٌ تَخُصُّهُمَا (وَقِيلَ) هُمَا (مِنْ السُّنَنِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ.

(وَصَلَاةُ الضُّحَى) بِالْقَصْرِ (نَافِلَةٌ) وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا فَضِيلَةٌ وَوَقْتُهَا مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ.

(وَكَذَلِكَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ نَافِلَةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ) رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا) أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقُومُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً (غُفِرَ لَهُ

ــ

[حاشية العدوي]

وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَجَمْعُهُ كَذَلِكَ أَيْ تَخْفِيفٌ. وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ جَوَابَ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَيَكُونُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهِ إذَا رَفَقَ بِهِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ قِيَامَانِ] أَيْ وَوُضُوءَانِ.

[قَوْلُهُ: وَيُرَخَّصُ فِيهِ الْجَمْعُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْمَسَافَةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقَدْ أَحْسَنَ فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ حَذَفَهَا [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] أَيْ فَيَكُونُ ظَاهِرُهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ضَعِيفًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الرُّخْصَةَ تَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: أَيْ قَصْرُ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِي الْمُقَامِ أَنَّ اللُّغَةَ الْفُصْحَى قَصَرْت الصَّلَاةَ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ قَصْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهِيَ اللُّغَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَفِي لُغَةٍ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، فَيُقَالُ: أَقْصَرْتهَا وَقَصَّرْتهَا أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِغَيْرِ الْفُصْحَى، وَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ قَصْرُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ] أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْمَسَافَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَغَيْرُهَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ] أَيْ فَلَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ وَإِنَّمَا كَانَ الْفِطْرُ مَكْرُوهًا وَالْقَصْرُ سُنَّةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْقَصْرِ عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ تَشْتَغِلُ مَعَهُ الذِّمَّةُ.

قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[قَوْلُهُ: بِالْقَصْرِ] فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، أَمَّا الضُّحَى بِالْقَصْرِ فَاسْمٌ لِأَوَّلِ حِلِّ النَّافِلَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لِلزَّوَالِ ضَحَاءٌ بِالْمَدِّ وَقَبْلَ حِلِّ النَّافِلَةِ ضَحْوَةٌ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بِالْقَصْرِ بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ] أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ وَالنَّافِلَةُ مَا دُونَ السُّنَّةِ وَالرَّغِيبَةِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ] وَأَوْسَطُهَا سِتٌّ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ. لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَقَالَ عج: يُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِيَةِ بِنِيَّةِ الضُّحَى.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ] أَيْ الْمُسَمَّى بِالتَّرَاوِيحِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ] أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِيَامَ فِي فِعْلِهَا وَيَجْلِسُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّفْلِ جَمَاعَةً كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ] صَادِقٌ بِالْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: وَالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْكَمِّيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ] أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِ نَافِلَةً وَفِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ. [قَوْلُهُ: إيمَانًا] أَيْ مُصَدِّقًا لِمَا وَعَدَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى جل جلاله مِنْ الْأَجْرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ إلَخْ] أَيْ عَادَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَقُومُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً] أَيْ لَا يَقُومُهُ قِيَامَ رِيَاءٍ وَلَا قِيَامَ سُمْعَةٍ، أَوْ لَا يَقُومُهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُرَائِيًا وَلَا فِي حَالِ كَوْنِهِ مُسْمِعًا، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ الشَّامِلُ لِلْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَالطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ فَيُفَسِّرُونَ الِاحْتِسَابَ بِأَنْ يَعْمَلَ الْأَعْمَالَ مَحَبَّةً فِي الْمَعْبُودِ لَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ وَلَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ.

قَالَ اللَّقَانِيُّ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ

ص: 404

مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ غَيْرَ الْكَبَائِرِ (وَالْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا) .

وَالصَّلَاةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ مَا عَدَا شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ (فَرِيضَةٌ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) عَنْ الْبَاقِينَ (وَكَذَلِكَ مُوَارَاتُهُمْ بِالدَّفْنِ) أَيْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَغَسْلُهُمْ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ.

(وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَامَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ عَنْ الْبَاقِينَ (إلَّا) فِي (مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) كَالتَّوْحِيدِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لَا يَحْمِلُهُ

ــ

[حاشية العدوي]

النَّاسُ، وَالسُّمْعَةُ أَنْ يَعْمَلَ لِيَسْمَعَ النَّاسُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيُكْرِمُونَهُ بِإِحْسَانٍ، أَوْ مَدْحٍ، أَوْ تَعْظِيمِ جَاهِهِ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ اهـ.

[قَوْلُهُ: غَيْرِ الْكَبَائِرِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الصَّغَائِرُ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، أَوْ مَحْضُ الْعَفْوِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاعِلِ صَغَائِرُ فَقِيلَ: يُكَفِّرُ بِهِ أَجْزَاءً مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبَائِرُ وَلَا صَغَائِرُ يُرْفَعُ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَيُقَالُ هَكَذَا مَعَ كُلِّ مُكَفِّرٍ وَالْأَحْسَنُ مَا أَفَادَهُ تت عَنْ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ: الذُّنُوبُ كَالْأَمْرَاضِ مِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالصَّلَاةِ، وَمِنْهَا مَا يَذْهَبُ بِالصَّوْمِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالْوُضُوءِ وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالتَّوْبَةِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالْجِهَادِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُكَفِّرُ مَا وَجَدَتْ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تُكَفِّرُ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ] بِمَعْنَى الصَّلَاةُ فِي جُزْءٍ [قَوْلُهُ: مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا] ؛ لِأَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ شَعَائِرِ الصَّالِحِينَ وَالْأَفْضَلُ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ، وَيَحْصُلُ الْفَضْلُ بِقَدْرِ حَلْبِ النَّاقَةِ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمُقَامِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الْقِيَامِ بِمَعْنَى التَّرَاوِيحِ وَهُنَا عَلَى الْقِيَامِ بِمَعْنَى التَّهَجُّدِ فِي اللَّيْلِ.

[قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ مِنْ فُرُوضِ إلَخْ] وَقِيلَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا الْمُوَارَاةُ بِالدَّفْنِ فَفَرْضٌ بِاتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ يَجِبُ مُوَارَاةُ الْكَافِرِ، وَلَوْ حَرْبِيًّا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الضِّيعَةُ بِتَكْفِينِهِ فِي شَيْءٍ وَدَفْنِهِ، وَقِيلَ: يُتْرَكُ الْحَرْبِيُّ. [قَوْلُهُ: وَغُسْلُهُمْ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُلَائَمَةِ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ يَقُولُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّةِ الْغُسْلِ يَقُولُ بِسُنِّيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ كُلٍّ مِنْ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّيْخِ فِي تَكْرَارِ حُكْمِ غُسْلِ الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُوَارَاتِهِمْ بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ وَاجِبَةٌ كِفَايَةً بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا غُسْلُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فَفِيهَا خِلَافٌ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنَّةِ وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ فِي كُلٍّ.

[قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ الْمُكَلَّفِينَ بَلْ قَدْ يُقَالُ: وَلَا مَفْهُومَ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْبَاقِينَ] مُتَعَلِّقٌ بِ يَحْمِلُ [قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا يَلْزَمُ] أَيْ إلَّا الطَّلَبَ فِي الَّذِي يَلْزَمُ. [قَوْلُهُ: فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ] أَيْ فِي ذَاتِهِ الْخَاصَّةِ أَيْ الَّتِي هِيَ شَيْءٌ خَاصٌّ وَهُوَ وَصْفٌ مُؤَكَّدٌ وَالْخَاصَّةُ مُقَابِلُ الْعَامَّةِ. [قَوْلُهُ: كَالتَّوْحِيدِ] أَيْ كَعَقَائِدِ التَّوْحِيدِ بِأَنْ يَعْرِفَهَا بِدَلِيلٍ، وَلَوْ إجْمَالِيًّا، وَأَمَّا بِالدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ بِأَنْ يُقَرِّرَ الدَّلِيلَ وَيَحِلَّ شُبَهَهُ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَقُومُ بِهِ الْوَاحِدُ فِي الْقُطْرِ الَّذِي يَشُقُّ الْوُصُولُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْوُضُوءِ إلَخْ أَيْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ.

تَنْبِيهٌ.:

يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ إلَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَأُمُورِ دِينِهِ] أَيْ وَمَسَائِلِ دِينِهِ، أَيْ وَمَسَائِلَ هِيَ دِينُهُ أَيْ مَا يَتَعَبَّدُ بِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ] أَيْ مَا

ص: 405

أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ.

(وَفَرِيضَةُ الْجِهَادِ عَامَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا مِنْهُمْ) فَتَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ (إلَّا أَنْ يَغْشَى) أَيْ يُفْجَأَ بِمَعْنَى يُغِيرُ (الْعَدُوُّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ فَيَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ) كُلِّهِمْ (قِتَالُهُمْ إذَا كَانُوا مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ) فَإِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ جَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ (وَالرِّبَاطُ) وَهُوَ الْإِقَامَةُ (فِي ثُغُورِ) أَيْ الْفُرَجِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ (الْمُسْلِمِينَ) وَالْكُفَّارِ (وَسَدُّهَا وَحِيَاطَتُهَا) أَيْ حِفْظُهَا (وَاجِبٌ) وُجُوبَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ) عَنْ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

(وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ) عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الصِّيَامِ.

(وَالِاعْتِكَافُ) وَهُوَ مُلَازَمَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ (نَافِلَةٌ) عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

يَلْزَمُ الرَّجُلَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَرْضُ عَيْنٍ، ظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّرَفَيْنِ. قَوْلُهُ: عَامَّةٌ وَقَوْلُهُ يَحْمِلُهَا وَأَنَّ مَعْنَى عَامَّةٌ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَرْضُ عَيْنٍ مُقَابِلٌ لِلْأَوَّلِ.

وَقَوْلُهُ: لَا يَحْمِلُهُ مُقَابِلٌ لِلثَّانِي مَعَ أَنَّ عَامَّةَ تَفْسِيرِهِ صَادِقٌ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ، وَمَعْنَى فَرْضِ عَيْنٍ أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلْإِخْبَارِ بِهِ فَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ: لَا يَحْمِلُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ضَرُورِيِّ الذِّكْرِ فَالْقَصْدُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ لُزُومِهِ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ اللَّازِمُ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مَا ذُكِرَ فَمَا الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ؟ قُلْت: بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ عِلْمُ الْقَضَاءِ مِثْلُ الشُّفْعَةِ وَالتَّعْمِيرِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالدِّيَاتِ انْتَهَى. وَبَعْضُهُمْ شَرَحَ الْمُصَنَّفَ بِمَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْبَاقِي بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْعِلْمِ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهُ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَأُصُولٍ وَكَلَامٍ وَنَحْوٍ وَلُغَةٍ إقْرَاءً وَتَأْلِيفًا، أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ. [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ] أَيْ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذُكِرَ إلَّا الرِّجَالُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ. وَقَوْلُهُ: خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَيْ ظَهَرَ ظُهُورَ الْأَمْرِ الْغَالِبِ أَيْ كَظُهُورِهِ، أَوْ فِي مَكَانِ الْأَمْرِ الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ وَظُهُورُ الْغَالِبِ أَوْ مَكَانُ ظُهُورِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ.

[قَوْلُهُ: وَفَرِيضَةُ الْجِهَادِ] أَيْ وَفَرِيضَةٌ هِيَ الْجِهَادُ أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ قَادِرٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُغِيرُ] لَمَّا كَانَ فِي اللَّفْظِ خَفَاءٌ عَبَّرَ بِمَعْنًى وَمَعْنَى يُغِيرُ يَهْجُمُ [قَوْلُهُ: مَحَلَّةَ قَوْمٍ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: فَرْضًا] مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَا هُوَ بِمَعْنَاهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَيَجِبُ وُجُوبًا، أَوْ حَالٌ مِنْ الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَجِبُ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْوُجُوبِ فَرْضًا عَلَى مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ عَلَى الطَّلَبِ الْمُتَأَكِّدِ، وَالْمُرَادُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانُوا أَكْثَرَ إلَخْ] أَيْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفِرَارُ، وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ عَدَدَ الرِّجَالِ حَيْثُ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: جَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ] أَيْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْفِرَارِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195][قَوْلُهُ: فِي ثُغُورِ] جَمْعُ ثَغْرٍ كَفَلْسٍ [قَوْلُهُ: أَيْ الْفُرَجِ إلَخْ] تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِهَادِ. [قَوْلُهُ: الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ] أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ظَاهِرِهِ تَوْضِيحًا وَتَبْيِينًا لِلثُّغُورِ، أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْخَوْفُ، وَلَوْ أَنَّهُ فَسَّرَ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ تت بِأَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ الْفُرَجُ الْكَائِنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ انْتَهَى لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: وَسَدُّهَا] أَيْ مَنْعُ الْعَدُوِّ مِنْ التَّوَصُّلِ لَهَا فَهُوَ سَدٌّ مَعْنَوِيٌّ، وَعَطْفُ الْحِيَاطَةِ عَلَيْهِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ إلَخْ] خَبَرُ الرِّبَاطِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَعَلَّهُ أُفْرِدَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَاحِدًا. [قَوْلُهُ: يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ] أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الرِّبَاطِ وَالسَّدِّ وَالْحِيَاطَةِ.

[قَوْلُهُ: شَهْرِ رَمَضَانَ] مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى لِلِاسْمِ، أَوْ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالشَّهْرُ مَأْخُوذٌ مِنْ شَهَرْته، وَرَمَضَانُ مِنْ الرَّمْضَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَحْمِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يُحْرِقُ الذُّنُوبَ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مُلَازَمَةُ إلَخْ] هَذَا بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ فَهُوَ مُطْلَقُ اللُّزُومِ وَالْإِقَامَةِ [قَوْلُهُ: مَكَان مَخْصُوصٍ] هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُبَاحُ. وَقَوْلُهُ: عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصِ الذِّكْرِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُلَازَمَةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ مَعَ عَمَلٍ مَخْصُوصٍ، زَادَ

ص: 406

الْمَشْهُورِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ.

(وَالتَّنَفُّلُ بِالصَّوْمِ) فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا (مُرَغَّبٌ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] قِيلَ هُمْ الصَّائِمُونَ، وَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَمَّا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ عز وجل:«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمِهَا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عز وجل عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ (وَكَذَلِكَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْقَابِلَةَ. وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» ".

(وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ شَهْرِ (رَجَبٍ) مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ» (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ شَهْرِ (شَعْبَانَ)

ــ

[حاشية العدوي]

فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى شَرَائِطَ أَحْكَمَتْهَا السُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] مُقَابِلُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ حَكَاهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا] أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حِسَابٍ] حَالٌ مِنْ الْأَجْرِ أَيْ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ حِسَابُ الْحِسَابِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ هُمْ الصَّائِمُونَ] أَيْ قَالَ: بَعْضُهُمْ هُمْ الصَّائِمُونَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهِمْ الصَّابِرُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: أَنَّ رَجُلًا] بَدَلٌ مِنْ مَا أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَأَنَّ مَفْتُوحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ الرَّجُلَ. [قَوْلُهُ: عَمَّا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ] لَيْسَ الْقَصْدُ كُلَّ مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ وَلَا جِنْسَ مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، بَلْ الْقَصْدُ الْجِنْسُ فِي تَحَقُّقِهِ فِي فَرَدَّ الْمُبَيِّنَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ كُلُّ عَمَلِ فَهُوَ بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ مَا مَاثَلَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ فَقَطْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ وَجَوْدَتِهِ وَإِحْكَامِهِ، وَإِنْ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: هَذَا أَجْوَدُ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمُهَا وَالْأَحْكَامُ الْخُلُوُّ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِلْجَوَابِ الْمَقْصُودِ. [قَوْلُهُ: ابْنِ آدَمَ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجِنَّ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِي] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لِي أَيْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرِي، وَقِيلَ: تَشَبَّهَ بِوَصْفِي اهـ.

[قَوْلُهُ: وَأَنَا أَجْزِي بِهِ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ أَقْضِي دَيْنَهُ بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَحْكَمِهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَتْقَنَهَا أَيْ الَّذِي مَعْنَاهُ بَيِّنٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَبْقَى إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ ثَوَابَهُ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ بِخِلَافِ ثَوَابِ غَيْرِهِ، وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوَابَهُ كَثَوَابِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِالْمَظَالِمِ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. الثَّانِي: أَنَّ تَضْعِيفَ الْحَسَنَةِ غَيْرَ الصَّوْمِ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ إنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ بِهِ غَيْرِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ عُبِدَ بِهِ غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: عَبْدَهُ] أَيْ جِنْسَ عَبْدِهِ [قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ وَهُوَ اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ] أَيْ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ عَاشُورَاءَ أَفَادَهُ تت بِقَوْلِهِ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ. [قَوْلُهُ: بِمَا رَوَاهُ] أَيْ بِسَبَبِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ إلَخْ] هَلْ صُورَةُ السُّؤَالِ مَا الَّذِي يُكَفِّرُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَوْ شَيْءٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ مَنُوطٌ بِالْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ [قَوْلُهُ: رَجَبٍ] سُمِّيَ رَجَبًا مِنْ التَّرْجِيبِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ. [قَوْلهُ: حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ] أَيْ بِحَيْثُ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يَصُومُهُ كُلَّهُ، وَالشَّاهِدُ فِي هَذَا الطَّرَفِ دُونَ الطَّرَفِ الَّذِي بَعْدَهُ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِهِ يَفْضُلُ ثَوَابَ صَوْمِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ بَاقِي الْحُرُمِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ دُونَ بَاقِيهَا وَجْهٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ بَلْ وَرَدَ أَنَّ صَوْمَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ رَجَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحُرُمِ عج.

ص: 407

مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ (يَوْمِ عَرَفَةَ) وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُرَغَّبٌ فِيهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ (يَوْمِ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ» يَعْنِي الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. (وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ أَفْضَلُ) وَفِي نُسْخَةٍ أَحْسَنُ (مِنْهُ لِلْحَاجِّ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» .

(وَزَكَاةُ الْعَيْنِ) الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَ) زَكَاةُ (الْحَرْثِ) الْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا (وَ) زَكَاةُ (الْمَاشِيَةِ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (فَرِيضَةٌ) تَقَدَّمَ دَلِيلُ هَذَا فِي بَابِهِ (وَزَكَاةُ الْفِطْرِ سُنَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَقِيلَ السُّنَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَعْنَى فَرَضَهَا قَدَّرَهَا.

(وَحَجُّ الْبَيْتِ) الْحَرَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ (فَرِيضَةٌ) فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِهِ (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْحَجِّ (وَالتَّلْبِيَةُ) فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَجِّ أَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَقِيقَتِهَا ثَمَّةَ (وَالنِّيَّةُ بِالْحَجِّ فَرِيضَةٌ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .

(وَالطَّوَافُ لِلْإِفَاضَةِ) وَهُوَ الَّذِي يُفْعَلُ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ (فَرِيضَةٌ) بِلَا خِلَافٍ.

(وَ) كَذَلِكَ (السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَرِيضَةٌ وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ الْمُتَّصِلُ بِهِ)

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: شَعْبَانَ] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سُمِّيَ شَعْبَانَ لِتَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ فِيهِ لِلْقِتَالِ. [قَوْلُهُ: مِنْهُ] أَيْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَوْلُهُ: فِي شَعْبَانَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ أَيْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ صِيَامًا حَالَةَ كَوْنِهِ كَائِنًا فِي شَعْبَانَ.

وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَإِنْ صَدَقَتْ بِمُسَاوَاةِ شَعْبَانَ لِغَيْرِهِ وَبِزِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا تُعُورِفَتْ فِي زِيَادَةِ شَعْبَانَ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا أَيْ إلَّا زَمَنًا قَلِيلًا مِنْهُ أَيْ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْقِلَّةِ. [قَوْلُهُ: يَوْمِ التَّرْوِيَةِ] سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى لِحُجَّاجِ الْعَرَبِ يَسْقُونَهُمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام أَصْبَحَ يَتَرَوَّى فِي أَمْرِ الرُّؤْيَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. [قَوْلُهُ: مُرَغَّبٌ فِيهِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ [قَوْلُهُ: الْعَمَلُ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: الصَّالِحُ صِفَتُهُ.

وَقَوْلُهُ: أَفْضَلُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْهُ أَيْ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ لَيْسَ أَيَّامٌ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ، وَهِيَ وَإِنْ صَدَقَتْ بِالْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهَا تُعُورِفَتْ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ] فِي الْعِبَارَةِ تَغْلِيبٌ لِظُهُورِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْعَشْرِ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ لَيْسَ يَوْمَ صِيَامٍ، أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَوْمِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلًا وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَجِّ لَأَغْنَاهُ عَنْ هَذَا. [قَوْلُهُ: فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ] أَيْ لِيَتَقَوَّى عَلَى الْوُقُوفِ [قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ.

[قَوْلُهُ: الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] وَسُمِّيَا بِالْعَيْنِ لِشَرَفِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنْ عَيْنِ الْجَارِحَةِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَاحْتَرَزَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَنْ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ، وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا، وَيَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عُرُوضُ التِّجَارَةِ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا] أَفَادَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْقَطَانِيُّ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالزَّيْتُونُ [قَوْلُهُ: وَاجِبَةٌ] أَيْ كُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى فَرَضَهَا قَدَّرَهَا] أَيْ وَالتَّقْدِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالسُّنَّةِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مُؤَكَّدَةٌ] الَّذِي شَهَرَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ وُجُوبُ التَّلْبِيَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى تَارِكِهَا، وَأَوَّلُ مَنْ لَبَّى الْمَلَائِكَةُ كَمَا أَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَجِّ أَنَّهَا فَرْضٌ] أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَجْعَلُهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ.

[قَوْلُهُ: وَالطَّوَافُ لِلْإِفَاضَةِ] هُوَ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ إلَخْ] تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ يُوجِبُ التَّنَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ

ص: 408

أَيْ بِالسَّعْيِ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ (وَاجِبٌ) وُجُوبُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ آكَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ. ع: اُنْظُرْ كَيْفَ اسْتَعْمَلَ أَفْضَلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ.

(وَالطَّوَافُ لِلْوَدَاعِ سُنَّةٌ) وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.

(وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ سُنَّةٌ) لَا دَمَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ فَقَوْلُهُ: (وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ تَكْرَارٌ.

(وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَرِيضَةٌ) بِلَا خِلَافٍ.

(وَمَبِيتُ الْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.

(وَوُقُوفُ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مَأْمُورٌ بِهِ) اسْتِحْبَابًا (وَرَمْيُ الْجِمَارِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرَهَا (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ.

(وَكَذَلِكَ)(الْحِلَاقُ) فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وَتَقْبِيلُ الرُّكْنِ) يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي أَوَّلِ شَوْطٍ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَفِيمَا عَدَا الشَّوْطَ الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ.

(وَالْغُسْلُ لِ) أَجْلِ (الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ) لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَيُطْلَبُ فِيهِ الِاتِّصَالُ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ.

(وَالرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ وَغُسْلُ عَرَفَةَ) لِأَجْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (سُنَّةٌ) .

وَقَوْلُهُ: (وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ) تَكْرَارٌ (وَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ) وَهِيَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَاحِدُ وَحْدَهُ (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) ك: لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ كَانَتْ لَهُ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ كَانَتْ لَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً» .

(وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَذًّا أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ) وَيَلِيهِمَا فِي الْفَضْلِ مَسْجِدُ إيلِيَاءَ. ع قَوْلُهُ: (وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ التَّضْعِيفِ) أَيْ الزِّيَادَةِ (بِذَلِكَ) التَّفْضِيلِ

ــ

[حاشية العدوي]

يَكُونَ الطَّوَافُ الْمَذْكُورُ فَرْضًا فَيُنَافِي قَوْلَهُ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: بِهِ] أَيْ بِالسَّعْيِ، وَذَهَبَ بَعْضٌ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ الْمُتَّصِلِ رَاجِعٌ لِلسَّعْيِ.

وَقَوْلُهُ: بِهِ عَائِدٌ عَلَى الطَّوَافِ وَهُوَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ] الْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى الْمُصَنَّفُ عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ فِيهِ الدَّمُ بِتَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: ع اُنْظُرْ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ طَوَافُ الْقُدُومِ يَتَرَتَّبُ الْإِثْمُ عَلَى تَرْكِهِ كَالْإِفَاضَةِ إلَّا أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَنْجَبِرُ بِخِلَافِ طَوَافِ الْقُدُومِ.

[قَوْلُهُ: وَالطَّوَافُ لِلْوَدَاعِ سُنَّةٌ] أَيْ خَفِيفَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ إلَخْ] الرَّاجِحُ النَّدْبُ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا دَمَ فِي تَرْكِهِ، وَلَيْلَةُ عَرَفَةَ هِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ. [قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ إلَخْ] أَيْ إذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ إلَخْ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَاجِبٌ تَكْرَارٌ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَرِيضَةٌ] أَيْ لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ بِهِ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِفَوَاتِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةَ» .

[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ النُّزُولُ بِقَدْرِ حَطِّ الرِّحَالِ وَيَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ.

[قَوْلُهُ: سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ الرَّاجِحُ الْوُجُوبُ يُلْزِمُ الدَّمَ، وَلَوْ بِتَرْكِ حَصَاةٍ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْحِلَاقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ الرَّاجِحُ الْوُجُوبُ لِلْحَلْقِ أَوْ بَدَلُهُ مِنْ التَّقْصِيرِ لِلُزُومِ الدَّمِ لِمَنْ تَرَكَهُ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ. وَقَوْلُهُ: دُونَ الْمَرْأَةِ أَيْ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْوَاجِبُ فِي حَقِّهَا التَّقْصِيرُ.

[قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ] أَيْ وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: لِلنَّظَافَةِ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ، وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ.

[قَوْلُهُ: وَالرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ] أَيْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَالْفَرْضُ مُجْزٍ فِي تَحْصِيلِ سُنَّةِ الْإِحْرَامِ.

[قَوْلُهُ: وَغُسْلُ عَرَفَةَ سُنَّةٌ] ضَعِيفٌ الرَّاجِحُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ غُسْلُ الْإِحْرَامِ هُوَ السُّنَّةُ وَمَا عَدَاهُ مَنْدُوبٌ عَلَى الرَّاجِحِ.

[قَوْلُهُ: اثْنَانِ] أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ [قَوْلُهُ: بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ] وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا [قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ، أَوْ الْخَمْسَ وَالْعِشْرِينَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَصْلِ، وَمَعْنَى الْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْجُزْءِ أَكْبَرَ مِنْ الدَّرَجَةِ، وَالْأَفْضَلُ فِي النَّوَافِلِ الِانْفِرَادُ إلَّا التَّرَاوِيحَ.

[قَوْلُهُ: مَسْجِدُ إيلِيَاءَ] أَيْ وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَيَلِي تِلْكَ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَ مَسْجِدُ قُبَاءَ وَلَا تَفَاضُلَ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ مِنْ حَيْثُ الْبُقْعَةِ، فَالصَّلَاةُ فِي نَحْوِ الْأَزْهَرِ كَالصَّلَاةِ فِي

ص: 409

(بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام) لَمْ يَرِدْ بِهِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الشُّيُوخِ مَا هُوَ ظَاهِرُهُ مِنْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ بِمَاذَا يُفَضَّلُ أَحَدُ الْمَسْجِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ مَكَّةُ أَفْضَلُ أَوْ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ الْخِلَافِ قَبْرَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ بِإِجْمَاعٍ، وَمَعْنَى التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي الْأُخْرَى. ع وَقَوْلُهُ:(وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ) عليه الصلاة والسلام (أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ وَسِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْمَسَاجِدِ) وَاخْتُلِفَ هَلْ الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ أَوْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (فَأَهْلُ) أَيْ عُلَمَاءُ (الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام (أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ) قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ.

وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام بِمِائَةِ صَلَاةٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَصَحَّحَاهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . (وَهَذَا) التَّفْضِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ (فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَ) فِعْلُهَا (فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ) عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَفِي الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي الْبُيُوتِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ التَّنَفُّلِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا لِلْغُرَبَاءِ فَإِنَّ تَنَفُّلَهُمْ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

غَيْرِهِ.

وَعِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرُ هَذِهِ الْبِقَاعِ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ [قَوْلُهُ: التَّفْضِيلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمُتَقَدِّمَ تَفْضِيلُ الْمَسْجِدَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا فَيَكُونُ هُوَ الْمُشَارُ لَهُ فَيُنَافِي قَوْلَهُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَخْ.

وَالْجَوَابُ يَمْنَعُ أَنَّ الْمُشَارَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ بَلْ هُوَ مَا قُرِّرَ فِي الْأَذْهَانِ مِنْ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ. [قَوْلُهُ: بِمَاذَا] مُتَعَلِّقٌ بِ يَفْضُلُ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي جَوَابِ بِمَاذَا يَفْضُلُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَيَانَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قُلْتُ: الْخِلَافُ الْجَارِي بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ هُوَ الْجَارِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا عَدَا الْكَعْبَةَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ بِاتِّفَاقٍ [قَوْلُهُ: قَبْرَ سَيِّدِنَا] أَيْ مَا لَاصَقَ جَسَدَهُ الشَّرِيفَ لَا كُلَّ الْقَبْرِ. [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ إلَخْ] مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ مَعْنَى آخِرِهِ لَا كُلَّهُ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ إلَخْ] قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِأَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: فِيمَا سِوَاهُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي السِّوَى بَيْتُ الْمَقْدِسِ. [قَوْلُهُ: فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ] بِالْفَاءِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَلَا مَعْنَى لِتَفْرِيعِ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ فَلِذَلِكَ تَرَى الشَّارِحَ ذَكَرَ فِي الْحَلِّ مَا يَتَرَتَّبُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ. . . إلَخْ وَنُسْخَةُ تت وَالتَّحْقِيقُ بِالْوَاوِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّضْعِيفَ. [قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا فَهُوَ قَائِلٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْبُيُوتِ. [قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاتِكُمْ] أَيْ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَخْ، أَوْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهَا فِي الْإِثْبَاتِ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَكْتُوبَةَ] وَأُلْحِقَ بِهَا الرَّغِيبَةُ وَالسُّنَّةُ كَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَفِي غَيْرِ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ فَيُنْدَبُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] مِثْلَهُ لِابْنِ غَازِي وَمِنْ هَذَا يُسْتَفَادُ أَنَّ فِعْلَ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرِيبِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَالْمُجَاوِرُ بِهَا

ص: 410

مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلَيْهِ. (وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ سُكَّانِهَا فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُجَاوِرُونَ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ (مِنْ الطَّوَافِ) لِئَلَّا يُزَاحِمُوا الْغُرَبَاءَ (وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ) وَهُمْ أَهْلُ الْمَوْسِمِ (أَحَبُّ) إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ (لِ) قِلَّةِ (وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ) وَهَذَا آخِرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ.

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَاذَا يَجِبُ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمَا يَحْرُمُ فَقَالَ (وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضَ عَيْنٍ (غَضُّ الْبَصَرِ) أَيْ كَسْرُ الْعَيْنِ (عَنْ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ الْمَحَارِمِ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَمْرَدِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30](وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى) إلَى الْمَحَارِمُ (بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ) أَيْ قَصْدٍ (حَرَجٌ) أَيْ إثْمٌ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) حَرَجَ (فِي النَّظَرِ إلَى الْمُتَجَالَّةِ) الَّتِي لَا أَرَبَ فِيهَا لِلرِّجَالِ وَلَا يُتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا (وَ) كَذَا (لَا) حَرَجَ (فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ) وَتَأَمُّلِ صِفَتِهَا (لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا) فِي نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُ الشَّاهِدِ

ــ

[حاشية العدوي]

حُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِهَا حَيْثُ كَانَ يُعْرَفُ كَمَا فِي عج [قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُجَاوِرُونَ] أَيْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ بَعْدَ الْمَوْسِمِ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ الْمُرَادُ بِالْمُجَاوِرِينَ الَّذِينَ طَالَتْ مُدَّتُهُمْ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ. [قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ] ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا يَكُونُ حَوْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَيَتَيَسَّرُ، وَلَوْ لِلْخَارِجِ مِنْ مَكَّةَ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ فِي الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلَ مِنْ الطَّوَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْغُرَبَاءِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَفْضَلِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِمُسَاوَاةِ النَّافِلَةِ لِلْفَرِيضَةِ فِي الْفَضِيلَةِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا آخِرُ] أَيْ قَوْلُهُ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ.

[قَوْلُهُ: مَاذَا يَجِبُ] أَيْ جَوَابُ مَاذَا يَجِبُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْجَوَارِحِ] أَيْ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ، وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّخْصِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْجَوَارِحِ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ عَلَى عَدَدِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْفَرَائِضِ] أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِالْفَرْضِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مُخَالَطَةَ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُكَلَّفِ مُخَالَطَتُهُ لِئَلَّا يَتَطَبَّعَ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ ذَرِيعَةً لِلْفَسَادِ [قَوْلُهُ: غَضُّ الْبَصَرِ] قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَبِيرَةٌ وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ الْجَوَارِحِ آفَةً عَلَى الْقَلْبِ، وَأَسْرَعُ الْأُمُورِ فِي خَرَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ كَسْرُ الْعَيْنِ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَصَرِ الْجَارِحَةُ الْمَعْلُومَةُ لَا الْإِدْرَاكُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ] أَيْ يَحْرُمُ اسْتِمْتَاعُهُنَّ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ] رَاجِعٌ لِلْأَمْرَدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يَجِبُ غَضُّهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِقَارِ أَوْ فِي كِتَابِ إنْسَانٍ لِخَبَرِ:«مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا نَظَرَ فِي فَرْجِ أُمِّهِ» . [قَوْلُهُ: مِنْ أَبْصَارِهِمْ إلَخْ] اُخْتُلِفَ فِي مِنْ فَقِيلَ لِلتَّبْعِيضِ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ أَظْهَرُ مَا فِيهَا وَالْمُرَادُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا يَحْرُمُ وَالِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ، وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ وَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ كَوْنَهَا زَائِدَةً وَأَبَاهُ سِيبَوَيْهِ يَعْنِي: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَادُ عِنْدَهُ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ قَالَهُ تت.

وَانْظُرْ كَيْفَ تُجْعَلُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَضَّ اسْمٌ لِلْكَسْرِ وَالْبَصَرَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ التَّبْعِيضَ بِاعْتِبَارِ مَنْظُورِهَا لَا بِاعْتِبَارِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ قَصْدٍ] أَيْ لِلنَّظَرِ عَنْ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ] بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ لَا حَاجَةَ لِلرِّجَالِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا] أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا مَنْ يَلْتَذُّ بِهَا فَيُنَزَّلُ عَلَى النَّظَرِ لِلشَّابَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. [قَوْلُهُ: لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ إلَخْ] الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلشَّابَّةِ أَيْ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ بِغَيْرِ قَصْدِ التَّلَذُّذِ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَيْسَ هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعٍ] كَانَتْ بَائِعَةً أَوْ مُشْتَرِيَةً، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِ أَيْ كَإِجَارَةٍ أَيْ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ.

[قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الشَّاهِدِ الطَّبِيبُ] هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا تُعْرَفُ لِلشَّاهِدِ لَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا، فَإِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُخْشَى الِافْتِتَانُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا وَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ عَيْنِهَا

ص: 411

الطَّبِيبُ وَالْجَرَايِحِيُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ شِبْهِ الْعُذْرِ مِنْ شَهَادَةٍ فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَوْرَةِ لَكِنْ يَبْقُرُ الثَّوْبَ قُبَالَةَ الْعِلَّةِ وَيَنْظُرُ إلَيْهَا (وَقَدْ أُرْخِصَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ (لِلْخَاطِبِ) لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَاطِبِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ اتِّفَاقًا.

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضَ عَيْنٍ (صَوْنُ اللِّسَانِ) أَيْ حِفْظُهُ (عَنْ الْكَذِبِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْجُمْلَةِ.

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ

ــ

[حاشية العدوي]

بِوَصْفِهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَإِلَّا نَظَرَ إلَى أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ وَضَيَاعِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيُرْتَكَبُ، فَإِنْ تَسَاوَيَا اُنْظُرْ مَا الْحُكْمُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ شَهَادَةٍ] بَيَانٌ لِلْعُذْرِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ هَذَا إذَا كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا بِرُؤْيَتِهِ بِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ وَيَصِفْنَهُ لَهُ فَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ بِجَوَازِ رُؤْيَةِ الرَّجُلِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ. وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ يَبْقُرُ الثَّوْبَ قُبَالَةَ الْعِلَّةِ وَيَنْظُرُ إلَيْهَا] أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقُرْ الثَّوْبَ لَرُبَّمَا تَعَدَّى نَظَرُهُ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ. [قَوْلُهُ: لِلْخَاطِبِ لِنَفْسِهِ] أَيْ إذَا كَانَ قَصْدُهُ مُجَرَّدَ عِلْمِ صِفَتِهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ] أَيْ وَيُكْرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَالِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مِثْلِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَظِنَّةُ قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَإِنَّمَا نُدِبَ النَّظَرُ إلَى خُصُوصِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَبِرُؤْيَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ.

وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ] أَيْ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَانْظُرْ إلَيْهَا» . . . " الْحَدِيثُ. أَيْ أَرَدْت التَّزْوِيجَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ اتِّفَاقًا] ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِوَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِدُونِ لَذَّةٍ وَقَصْدِهَا.

[قَوْلُهُ: فَرْضِ عَيْنٍ] أَيْ أَعْنِي فَرْضَ عَيْنٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِخْبَارُ] أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي وُقُوعِهِ.

قَالَ عج: الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَنَّ كَذِبَ الْخَبَرِ هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ طَابَقَ الِاعْتِقَادَ أَمْ لَا، وَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلِاعْتِقَادِ، وَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ وَالِاعْتِقَادِ، وَيَتَّجِهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِمَا طَابَقَ اعْتِقَادَهُ وَكَانَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ قَالَهُ عج.

وَمَصْدُوقُ الشَّيْءِ زَيْدٌ مَثَلًا أَيْ بِأَنْ تَقُولَ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَلَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَقَدْ أَخْبَرْتُ عَنْ زَيْدٍ حَالَةَ كَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَيْ زَيْدٌ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي مِثَالِنَا عَدَمُ الْقِيَامِ وَقْتَ أَخْبَرْت بِالْقِيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّيْءِ الْقِيَامَ مَثَلًا أَيْ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ الْقِيَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُخْبِرَ بِثُبُوتِهِ وَاَلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ انْتِفَاؤُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ إلَخْ] فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَأَكْذِبُ عَلَى امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَإِنْ قُلْت لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْخَيْرِيَّةِ يُجَامِعُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى الْعُمُومِ يُؤْذِنُ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ قَدْ يَتَّصِفُ بِالْخَيْرِيَّةِ بِالنِّيَّةِ كَأَنْ يَقْصِدَ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى عِبَادَةِ الْمَوْلَى، وَالْمَكْرُوهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِ النَّفْيُ الْعَامُّ إلَّا أَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ مُؤْذِنٌ عُرْفًا بِثُبُوتِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الشَّرُّ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، أَحَدُهَا: الْوُجُوبُ

ص: 412

اللِّسَانِ عَنْ شَهَادَةِ (الزُّورِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» .

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ (الْفَحْشَاءِ) أَيْ الْفَاحِشَةِ وَهِيَ كُلُّ مُحَرَّمٍ.

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ (الْغِيبَةِ) وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ لِلْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ أَنْ لَوْ سَمِعَهُ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ــ

[حاشية العدوي]

وَهُوَ مَا كَانَ لِإِنْقَاذِ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ، أَوْ مَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ ظَالِمٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ تت وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ النَّاصِرِ وَحَرَامٌ وَهُوَ قِسْمَانِ قِسْمٌ تُكَفِّرُهُ التَّوْبَةُ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. الثَّانِي: أَنْ يَقْتَطِعَ بِهِ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَتَجِبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَيُطْلَبُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ الْمُسَامَحَةُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ حَقِّهِ، وَمَنْدُوبٌ كَإِخْبَارِ الْكُفَّارِ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَظْفَرُونَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَمُبَاحٌ كَالْكَذِبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَرْغِيبًا فِي الصُّلْحِ وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ وَصَدَّرَ بِهِ تت وَمَكْرُوهٌ كَالْكَذِبِ لِلزَّوْجَةِ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُبَاحٌ لِتَطْيِيبِ خَاطِرِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَمِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُثْنِيَ الْإِنْسَانُ عَلَى آخَرَ فِي كِتَابٍ وَفِي غَيْرِهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: انْزِلْ عِنْدَنَا وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْهُ إذْ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَسْلَمُ عِرْضُهُ.

[قَوْلُهُ: الزُّورِ] وَهِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ وَافَقَ الْوَاقِعَ وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْكَذِبِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الزُّورَ يَخْتَصُّ بِالشَّهَادَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ زُورِ الصَّدْرِ وَهُوَ اعْوِجَاجُهُ لَا مِنْ تَزْوِيرِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ تَحْسِينُهُ. [قَوْلُهُ: «أُنَبِّئُكُمْ» ] بِالتَّشْدِيدِ وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أُخْبِرُكُمْ [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَيْ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا تَأْكِيدًا لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ عَلَى إحْضَارِ فَهْمِهِ. [قَوْلُهُ: «قَالُوا بَلَى» ] أَيْ أَخْبِرْنَا [قَوْلُهُ: «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» ] أَيْ هِيَ الْإِشْرَاكُ إلَخْ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْقِسَامِ الْكَبَائِرِ فِي عِظَمِهَا إلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ الصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا أَكْبَرُ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ بِأَنْ يَفْعَلَ الْوَلَدُ مَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ اسْتِوَاءُ رُتْبَتِهَا فِي نَفْسِهَا كَمَا إذَا قُلْت: زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَفْضَلُ مِنْ بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فِي الْفَضِيلَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مُتَفَاوِتَيْنِ فِيهَا فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ أَكْبَرُ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَوْلُهُ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ أَيْ تَأْكِيدًا لِلْحُرْمَةِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ» ] وَفَصَلَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ وَالِاسْتِفْتَاحِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الزُّورِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَإِضَافَةُ الْقَوْلِ إلَى الزُّورِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأْكِيدِ فَإِنَّنَا لَوْ حَمَلْنَا الْقَوْلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ مُطْلَقًا كَبِيرَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَرَاتِبُ الْكَذِبِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهِ [قَوْلُهُ:«فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا» ] قَالَ أَنَسٌ: «فَمَا زَالَ عليه الصلاة والسلام يُكَرِّرُهَا» [قَوْلُهُ: حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ] أَيْ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَكَرَاهِيَةً لِمَا يُزْعِجُهُ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ كُلُّ مُحَرَّمٍ] أَيْ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ كَمَا يُفِيدُهُ تت، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْفَاحِشَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا خُصُوصُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذْ هُوَ فَرْدٌ مِنْهَا وَهُوَ الْقَوْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَوْنُ اللِّسَانِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ فِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ] أَيْ يَقُولُ فِي غَيْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِ فَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَكْرَهُ أَنْ يُذْكَرَ بِطَاعَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مَدْحٌ وَالْمَدْحُ لَيْسَ شَأْنُهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا بَحَثَهُ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا مَدَحَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَيْسَ فِيهِ فَيَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَذِبٌ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غِيبَةٌ قَالَهُ عج.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَدَنِهِ أَوْ دِينِهِ، أَوْ خُلُقِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ وَالِدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ خَادِمِهِ، أَوْ حِرْفَتِهِ، أَوْ لَوْنِهِ، أَوْ مَمْلُوكِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ ذَكَرْته بِلَفْظِك، أَوْ كِتَابِك، أَوْ أَشَرْت إلَيْهِ بِيَدِك، أَوْ رَأْسِك أَوْ قَلْبِك، وَالْمُرَادُ عَقْدُ الْقَلْبِ وَحُكْمُهُ عَلَى الْغَيْرِ بِالسُّوءِ وَأَمَّا الْخَاطِرُ الْقَلْبِيُّ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ عِنْدَنَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ غِيبَةَ الْعَالِمِ وَحَامِلِ

ص: 413

{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلَّا فِي مَسَائِلَ تَأْتِي وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا.

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ (عَنْ النَّمِيمَةِ) وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْهَمَّازُونَ وَاللَّمَّازُونَ وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ يَحْشُرُهُمْ اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْكِلَابِ» .

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ (عَنْ الْبَاطِلِ كُلِّهِ) وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَمِنْهُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ، وَغِيبَةَ غَيْرِهِمَا صَغِيرَةٌ وَقَوْلُهُ فِي غِيبَتِهِ وَأَمَّا فِي حُضُورِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ غِيبَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا] لَمْ يَذْكُرْ السُّنَّةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا] أَيْ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَنْهَى الْفَاعِلَ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ، فَإِذَا كَانَ يَتَمَدَّحُ بِمَا شَأْنُهُ أَنْ يُكْرَهَ كَسَارِقٍ، أَوْ مُحَارِبٍ فَهُوَ غَيْرُ حَرَامٍ.

خَاتِمَةٌ.:

الْغِيبَةُ لَهَا جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا وَالْأُخْرَى مِنْ حَيْثُ أَذِيَّةِ الْمُغْتَابِ، فَالْأُولَى يَنْفَعُ فِيهَا التَّوْبَةُ بِمُجَرَّدِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ طَلَبِ عَفْوِ الْمُغْتَابِ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَوْ بِالْبَرَاءَةِ الْمَجْهُولِ مُتَعَلِّقُهَا عِنْدَنَا.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ إلَخْ] أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: فُلَانٌ يَقُولُ فِيك كَذَا.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا تُطْلَقُ فِي الْغَالِبِ عَلَى هَذَا وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِذَلِكَ بَلْ حَدُّهَا كَشْفُ مَا يَكْرَهُ كَشْفَهُ سَوَاءٌ كَرِهَهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ، أَوْ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَوْ ثَالِثٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَشْفُ بِالْقَوْلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ أَوْ الرَّمْزِ، أَوْ الْإِيحَاءِ، أَوْ نَحْوِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ مِنْ الْأَقْوَالِ، أَوْ الْأَعْمَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَيْبًا، أَوْ غَيْرَهُ فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السَّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: لِمَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ إلَخْ] هُوَ لَقَبٌ لِلْحَافِظِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيِّ. [قَوْلُهُ: «الْهَمَّازُونَ» ] الْهَمْزُ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ بِحُضُورِهِ، وَالتَّهَمُّزُ تَعْيِيبُهُ بِغِيَابِهِ وَقِيلَ بِعَكْسِهِ [قَوْلُهُ:«وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ» ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ [قَوْلُهُ: الْبَاغُونَ] أَيْ الطَّالِبُونَ [قَوْلُهُ: لِلْبُرَآءِ] جَمْعُ بَرِيءٍ عَلَى وَزْنِ فُعَلَاءَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الممتحنة: 4] وَقَوْلُهُ: الْعَنَتَ هُوَ وَالْبُرَآءُ مَفْعُولَانِ لِلْبَاغِينَ، أَيْ الطَّالِبُونَ الْعَنَتَ لِلْبُرَآءِ إلَخْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعَنَتُ الْمَشَقَّةُ وَالْفَسَادُ وَالْهَلَاكُ وَالْإِثْمُ وَالْغَلَطُ وَالْخَطَأُ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ وَأُطْلِقَ الْعَنَتُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كُلَّهَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَيْبُ بَدَلَ الْعَنَتِ. [قَوْلُهُ:«يَحْشُرُهُمْ اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْكِلَابِ» ] أَيْ فِي صُورَةِ الْكِلَابِ.

قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: وَقَدْ بَحَثَ عَنْ فَاعِلِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَطُّ إلَّا وَلَدُ زِنًا.

تَنْبِيهٌ:

اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ: قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّنَّةَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل اهـ، تَأَمَّلْهُ.

[قَوْلُهُ: عَنْ الْبَاطِلِ كُلِّهِ] أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: صَوْنُ اللِّسَانِ وَجَمْعُ بَاطِلٍ بَوَاطِلُ، وَبَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بُطُولًا وَبُطْلًا وَبُطْلَانًا بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَيْ فَسَدَ، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ] أَيْ فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصَى إلَخْ] ضَمَّنَهُ مَعْنَى أَبْعَدَ أَيْ شَدِيدَ الْبُعْدِ مِنْ الْإِحْصَاءِ أَيْ الضَّبْطِ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ كَالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالْقَذْفِ، أَوْ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْغَصْبِ وَالْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْغِشِّ وَاللَّهْوِ وَتَأْخِيرِ

ص: 414

كَثْرَةُ الْمُزَاحِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ اسْتِدْلَالًا لِمَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: (قَالَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» قِيلَ: أَوْ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْمَعْنَى فَلْيَقُلْ خَيْرًا وَلْيَصْمُتْ عَنْ الشَّرِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلْيَقُلْ خَيْرًا يُثَابُ عَلَيْهِ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ شَرٍّ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ (وَ) الْآخَرُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام (قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» الَّذِي لَا يَعْنِيهِ كُلُّ مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ لِدِينِهِ وَلَا لِآخِرَتِهِ، وَاَلَّذِي يَعْنِيهِ مَا يَخَافُ فِيهِ فَوَاتَ الْأَجْرِ.

(وَحَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151](وَ) حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَرْبَى الرِّبَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا اخْتِيَارًا، أَوْ الْأَخْلَاقِ كَالْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ كَثْرَةُ الْمِزَاحِ] أَيْ وَمِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْهُ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: كَثْرَةُ الْمِزَاحِ] عَلَّلَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ الْهَيْبَةِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تُمَازِحُ الشَّرِيفَ فَيَحْتَقِرَك وَلَا الدَّنِيءَ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْك إلَى أَنْ قَالَ: وَيُسْتَعَانُ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْخَلْوَةِ وَمُجَانَبَةِ النَّاسِ انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُنْتِجُ الْوُجُوبَ الْمُدَّعَى لَهُ وَأَفَادَ أَنَّ قِلَّةَ الْمِزَاحِ لَيْسَتْ مِنْ الْبَاطِلِ وَلِذَا وَقَعَتْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

تَنْبِيهٌ:

الْمِزَاحُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَصْدَرُ مَازَحْته مِنْ بَابِ قَاتَلَ، وَبِضَمِّ الْمِيمِ اسْمٌ مِنْ مَزَحَ مَزْحًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَمَزَاحًا بِالْفَتْحِ. [قَوْلُهُ: اسْتِدْلَالًا لِمَا تَقَدَّمَ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُمَا لَا يُنْتِجَانِ خُصُوصَ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ. [قَوْلُهُ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ» ] أَيْ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ. [قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَوْلِ الْخَيْرِ، أَوْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَلِذَلِكَ أُوِّلَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ] أَيْ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا بِالْأَمْرَيْنِ فِعْلِ الْخَيْرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ الشَّرِّ.

وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ فِعْلِ الْخَيْرِ أَوْ الصَّمْتِ عَنْ الشَّرِّ لَا الصَّمْتِ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ كَمَا هُوَ مَبْنَى الْإِشْكَالِ. [قَوْلُهُ: مِنْ حُسْنِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ: مِنْ حُسْنِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي لَيْسَ هُوَ الْإِسْلَامُ وَلَا جُزْءًا مِنْهُ بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ أَوْصَافِ الْإِسْلَامِ الْحَسَنَةِ، وَآثَرَ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ الرَّاجِعَةِ لِلْإِيمَانِ فَهِيَ اضْطِرَارِيَّةٌ مَانِعَةٌ لِمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي النُّفُوسِ، وَالْيَاءُ مِنْ لَا يَعْنِيهِ وَمِنْ يَعْنِيهِ مَفْتُوحَةٌ. [قَوْلُهُ: كُلُّ مَا لَا تَعُودُ إلَخْ] دَخَلَ فِيهِ مَا يُفْعَلُ لِمُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي. [قَوْلُهُ: وَلَا لِآخِرَتِهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَا لِآخِرَتِهِ، أَوْ دُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَعْنِي مَا وَصَلَ لِآخِرَتِهِ، أَوْ دُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَا لِآخِرَتِهِ بِحَسَبِ الِانْتِهَاءِ فَيَكُونُ عَيْنُ مَا زَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَلَا يَكُونُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: مَا يُخَافُ فِيهِ] أَيْ فِي تَرْكِهِ فَوَاتُ الثَّوَابِ، أَيْ مَا يُعْتَقَدُ فِي تَرْكِهِ فَوَاتُ الثَّوَابِ.

[قَوْلُهُ: دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ تت: وَمِنْ دِمَائِهِمْ جِرَاحَاتُهُمْ، وَكَذَا دِمَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهِدِ. [قَوْلُهُ: وَأَمْوَالَهُمْ] وَكَذَا أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَحَقِيقَةُ الْمَالِ كُلُّ مَا يُمْلَكُ شَرْعًا، وَلَوْ قَلَّ. [قَوْلُهُ: وَأَعْرَاضَهُمْ] جَمْعُ عِرْضٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ مَفْهُومَ الْمُسْلِمِينَ مُعَطَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْمَالِ بِخِلَافِ الْأَعْرَاضِ، أَيْ فَلَا شَيْءَ

ص: 415

عِنْدَ اللَّهِ اسْتِحْلَالُ عِرْضِ الْمُسْلِمِ» .

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا بِحَقِّهَا) رَاجِعٌ لِلْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَحَقُّ الْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرَضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَحَقُّ الْأَعْرَاضِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا وَحَقُّ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «وَلَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إيمَانِهِ» بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَوْ يَزْنِي بَعْدَ إحْصَانِهِ أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) وَهُوَ الْحِرَابَةُ (أَوْ يَمْرُقَ) أَيْ يَخْرُجَ (مِنْ الدِّينِ) مُرُوقَ السَّهْمِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ اعْتِقَادَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» . .

(وَلْتَكُفَّ يَدَك) الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ عَلَيْك (عَمَّا لَا يَحِلُّ لَك) تَنَاوُلُهُ (مِنْ مَالٍ) كَالسَّرِقَةِ (أَوْ) مُبَاشَرَةِ (جَسَدٍ) غَيْرِ جَسَدِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ فَرْجِ بَهِيمَةٍ (أَوْ) مُبَاشَرَةِ (دَمٍ) قَتْلًا أَوْ جَرْحًا أَوْ كِتَابَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ النُّطْقُ بِهِ.

(وَلَا تَسْعَ بِقَدَمَيْك فِيمَا لَا يَحِلُّ لَك) الْمَشْيُ إلَيْهِ كَالزِّنَا (وَلَا تُبَاشِرُ بِفَرْجِك أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِك مَا لَا يَحِلُّ لَك) كَالزِّنَا (قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] إلَى قَوْلِهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] .

(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى {الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [الأنعام: 151] عَلَى الْجَوَارِحِ (وَمَا بَطَنَ) فِي

ــ

[حاشية العدوي]

فِي أَعْرَاضِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا يَحِلُّ عِرْضُ الْكَافِرِ قَالَ: وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وَهُوَ مِنْ النَّاسِ اهـ.

وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: «إنَّ أَرْبَى الرِّبَا» إلَخْ] أَيْ إنَّ أَشَدَّ الرِّبَا وَأَعْظَمَهُ، وَأَرَادَ بِالرِّبَا الْأَمْرَ الْمُجَاوِزَ لِلْحَدِّ. [قَوْلُهُ: اسْتِحْلَالُ عِرْضِ الْمُسْلِمِ] أَيْ اعْتِقَادُ حِلِّيَتِهِ هَذَا مَدْلُولُهُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّكَلُّمُ فِي عِرْضِهِ، لَكِنْ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي عِرْضِهِ كَانَ كَأَنَّهُ مُسْتَحِلٌّ لَهُ فَلِذَا أُطْلِقَ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَحَقُّ الْإِعْرَاضِ إلَخْ] أَيْ فَلَمَّا تَجَاهَرَ بِذَلِكَ صَارَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَالْعِرْضُ قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ: عِرْضُ الرَّجُلِ قِيلَ نَفْسُهُ وَقِيلَ حَسَبُهُ. [قَوْلُهُ: وَحَقُّ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ] السِّينُ وَالتَّاءُ لَيْسَتَا لِلطَّلَبِ بَلْ زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَسَادٍ إلَخْ] كَذَا الرِّوَايَةُ بِالْجَرِّ وَالْمَعْنَى، أَوْ كَانَ ذَا فَسَادٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحِرَابَةُ] تَفْسِيرٌ لِلْفَسَادِ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَخْرُجُ] تَفْسِيرٌ لِيَمْرُقَ، وَعَدَلَ عَنْ يَخْرُجُ الْوَاضِحُ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْتَقِدَ اعْتِقَادَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ] أَيْ فَالْمُرَادُ هُنَا الْخُرُوجُ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى اعْتِقَادِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَيْ أَهْلِ الْمَيْلِ الْمَذْمُومِ ذَمًّا قَوِيًّا وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ الْكُفْرَ، كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ مُفَصَّلَةً، أَوْ لَا يَعْلَمُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَا يَكْفُرُونَ بَلْ يُؤَدَّبُونَ.

قَالَ تت: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: يَمْرُقُونَ] فِي الْمِصْبَاحِ: مَرَقَ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ مُرُوقًا مِنْ بَابِ قَعَدَ نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ.

وَالرَّمِيَّةُ مَا يُرْمَى مِنْ الْحَيَوَانِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَالْجَمْعُ رَمِيَّاتٌ وَرَمَايَا مِثْلُ عَطِيَّةٍ وَعَطِيَّاتٍ، وَأَصْلُهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا.

[قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ إلَخْ] ذَكَرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِلْكَفِّ. [قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَك تَنَاوُلُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحِلَّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ لَا نَفْسِ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَدْخُولَ مِنْ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ تَنَاوُلِ مَالٍ لِيَكُونَ قَوْلُهُ، أَوْ مُبَاشَرَةُ جَسَدٍ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ. [قَوْلُهُ: كَالسَّرِقَةِ] تَفْسِيرٌ لِتَنَاوُلِ الْمَالِ، أَوْ لِلْمَالِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَسْرُوقُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ] أَيْ مِنْ جَسَدِ مَا يُلْتَذُّ بِهِ كَانَ الَّذِي يُلْتَذُّ بِهِ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: أَوْ فَرْجَ بَهِيمَةٍ] مَعْطُوفٌ عَلَى جَسَدٍ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: قَتْلًا أَوْ جَرْحًا] أَيْ كَانَتْ مُبَاشَرَةُ الدَّمِ قَتْلًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابَةً] مَعْطُوفٌ عَلَى تَنَاوُلِ مَالٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَلْتَكُفَّ يَدَكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَك مِنْ تَنَاوُلِ مَالٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: لَك الْمَشْيُ إلَيْهِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السَّعْيُ، وَعَدَلَ عَنْهُ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِتَكْرَارِ عَيْنِ اللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: كَالزِّنَا] تَفْسِيرٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْفَرْجِ، وَأُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ اللِّوَاطُ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ. [قَوْلُهُ:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]] أَيْ الْمُتَجَاوِزُونَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ.

[قَوْلُهُ: الْفَوَاحِشَ] قَالَ تت: وَهِيَ كُلُّ مُسْتَقْبَحٍ مِنْ قَوْلٍ

ص: 416

الضَّمَائِرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: 33] قِيلَ: الْإِثْمُ الْخَمْرُ.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى (أَنْ يُقْرَبَ النِّسَاءَ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ أَوْ) فِي دَمِ (نِفَاسِهِنَّ) بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَبِمَا تَحْتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا الْمَنْعُ (وَحَرَّمَ) اللَّهُ سبحانه وتعالى (مِنْ النِّسَاءِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا إيَّاهُ) فِي بَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَحَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ إلَخْ.

(وَأَمَرَ) اللَّهُ سبحانه وتعالى الْمُؤْمِنِينَ (بِأَكْلِ الطَّيِّبِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا الِانْتِفَاعُ (وَهُوَ) أَيْ الطَّيِّبُ (الْحَلَالُ) وَالْحَلَالُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ، فَإِذَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَك بِأَكْلِ الطَّيِّبِ (فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَوْ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: فِي الضَّمَائِرِ] أَيْ الْقُلُوبِ جَمْعُ ضَمِيرٍ بِمَعْنَى الْقَلْبِ فَيَدْخُلُ فِيمَا بَطَنَ الْغِيبَةَ بِالْقَلْبِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ الْإِثْمُ الْخَمْرُ] أَيْ وَقِيلَ كُلُّ مُحَرَّمٍ.

[قَوْلُهُ: فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ] أَيْ زَمَنِ خُرُوجِهِ وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الدَّمِ وَيُرَادُ بِالنِّفَاسِ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ فَيَحْرُمُ جِمَاعُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِدُ الْوَلَدَ جَافًّا قَبْلَ الْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا يَقُولُهُ إذْ لَا يَحِلُّ التَّمَتُّعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلَا حَرَجَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ] قَالَ الْمُفَسِّرُ: فَعَلَى التَّشْدِيدِ يَغْتَسِلْنَ أَصْلُهُ يَتَطَهَّرْنَ أُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، وَعَلَى التَّخْفِيفِ يَنْقَطِعُ دَمُهُنَّ اهـ.

أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَلِذَا قَالَ تت: وَالْمَنْعُ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222][قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ] أَيْ عَلَى مَنْعِ قُرْبَانِ النِّسَاءِ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ، أَوْ نِفَاسِهِنَّ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقِيلَ: تَعَبُّدٌ وَقِيلَ: خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ فَيُخَافُ عَلَيْهِ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرَعُ، وَقِيلَ: خِيفَةَ مَا يُصِيبُ الْوَاطِئَ مِنْ الْأَذَى ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ إلَخْ] يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَبِمَا تَحْتَهُ إلَخْ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ أَيْ وَكَانَ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَأَرَادَ بِمَا تَحْتَهُ أَيْ مَا عَدَا الْفَرْجَ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ مَعَ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ وَلَوْلَا حِكَايَتُهُ الْخِلَافَ لَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَحْتَهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، أَوْ نَزَلَ عَنْ الرُّكْبَةِ، أَوْ بِهِمَا فَلَا حَرَجَ وَلَوْ بِالْوَطْءِ بِغَيْرِ حَائِلٍ.

تَنْبِيهٌ:

مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ لَا يَخُصُّ الْمُسْلِمَةَ بَلْ الْكَافِرَةُ كَذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ قَبْلِ غُسْلِهَا وَيُجْبِرُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْغُسْلِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَأَمَّا الَّذِي يُحِلُّ الْوَطْءَ فَلَا.

[قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَالتَّخْصِيصُ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ الِامْتِثَالُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا الِانْتِفَاعُ] أَيْ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَحِلُّ لَك إلَخْ.

وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُنَا عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ إلَّا طَيِّبًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَتُهُ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الرِّزْقَ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ بِالْفِعْلِ كَانَ حَرَامًا، أَوْ حَلَالًا، فَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِإِضَافَةِ الطَّيِّبَاتِ الْمَأْمُورِ بِأَكْلِهَا لِمَا اُنْتُفِعَ بِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَا رَزَقْنَاكُمْ أَيْ مَا كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَكُونَ رِزْقًا لَكُمْ لَا أَنَّهُ رِزْقٌ لَكُمْ بِالْفِعْلِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ إلَخْ] أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْخَالِقِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ تَعْرِيفِ الْحَلَالِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: مَا جُهِلَ أَصْلُهُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: مَا عُلِمَ أَصْلُهُ، وَقِيلَ: مَا عُلِمَ أَصْلُهُ وَأَصْلُ أَصْلِهِ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا يَنْبَغِي الْيَوْمَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ

ص: 417

إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ فِي بَطْنِهِ حَرَامٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً حَرَامًا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَلْبَسَ إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَرْكَبَ) شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ (إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا فَرُكُوبُ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالٍ حَرَامٍ حَرَامٌ (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَسْكُنَ إلَّا طَيِّبًا) فَلَا يَجُوزُ لَك سُكْنَى مَا اُشْتُرِيَ بِمَالٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى ضَابِطِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(وَتَسْتَعْمِلُ سَائِرَ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا (وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَلَالِ أُمُورٌ (مُشْتَبِهَاتٌ مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا كَانَ كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ) بِكَسْرِ الشِّينِ لَا غَيْرَ (أَنْ يَقَعَ فِيهِ) كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (أَكْلَ) أَيْ أَخْذَ (الْمَالِ بِالْبَاطِلِ) وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ شَرْعًا (وَمِنْ) وُجُوهِ (الْبَاطِلِ الْغَصْبُ) وَهُوَ اسْتِيلَاءُ يَدٍ عَادِيَةٍ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ.

(وَ) مِنْهُ (التَّعَدِّي) فِي الْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ (وَ) مِنْهُ (الْخِيَانَةُ) وَهُوَ أَنْ يَخُونَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ فِي أَمَانَتِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي مَالِهِ.

(وَ) مِنْهُ (الرِّبَا) وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْأَجَلِ.

(وَ) مِنْهُ (السُّحْتُ) أَيْ الْحَرَامُ قِيلَ هُوَ الرِّشْوَةُ أَوْ هُوَ مَا يَأْخُذُهُ

ــ

[حاشية العدوي]

أَصْلِ شَيْءٍ فَإِنَّ الْأُصُولَ قَدْ فَسَدَتْ وَاسْتَحْكَمَ فَسَادُهَا بَلْ أَخْذُ الشَّيْءِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ أَوْلَى لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ تَحْرِيمُهُ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَتِهِ، أَوْ شُبْهَتِهِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَلَا شُبْهَةً انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: لَمْ يَقْبَلْ] الْقَبُولُ أَخَصُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ، فَإِنَّ الْقَبُولَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْأَجْرِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِجْزَاءُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْ الذِّمَّةِ، فَصَلَاةُ هَذَا مَثَلًا مُجْزِئَةٌ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ لَكِنْ لَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ صَبَاحًا] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي عُرُوقِهِ وَأَعْصَابِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَفَادَهُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ التِّرْمِذِيِّ [قَوْلُهُ: مُشْتَبِهَاتٌ] أَيْ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهِيَ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِلِّهَا وَحُرْمَتِهَا وَقِيلَ: مَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ. [قَوْلُهُ: الْحِمَى] الْمَحَلُّ الْمَحْمِيُّ لِغَيْرِهِ أَيْ الَّذِي يَحْمِيهِ صَاحِبُ الشَّوْكَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الرَّعْيِ فِيهِ، وَالْقَصْدُ مِنْ الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُتَشَابِهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى اسْتِعْمَالِ مُحَقَّقِ الْحِلِّ. [قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ] أَيْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَتُهُ، أَيْ وَفَاعِلُ الْمُتَشَابِهِ لَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَا تَطَرَّقَ لِفِعْلِهِ مِنْ فِعْلِ الْحَلَالِ الْمَحْضِ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَتَطَرَّقَ لِفِعْلِ الْحَرَامِ الْمَحْضِ. [قَوْلُهُ: يُوشِكُ] أَيْ يَقْرُبُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ يُسْرِعُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ سَطْوَةِ صَاحِبِ الْحِمَى، فَشَبَّهَ أَصْلَ الشُّبْهَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَى أَخْذِ الْحَرَامِ وَمَنْ تَرَكَ أَخْذَهَا أَمِنَ غَلَبَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَخَذَ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ بَلْ الْأَخْذُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْأَخْذِ بِالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا يُكْتَسَبُ إنَّمَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْمَالِ] أَيْ الْمَمْلُوكِ لِلْغَيْرِ اخْتِيَارًا احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ السَّمَكِ وَثِمَارِ الْجِبَالِ وَعَنْ حَالِ الضَّرُورَةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ وُجُوهِ الْبَاطِلِ] أَيْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ. [قَوْلُهُ: اسْتِيلَاءُ يَدٍ عَادِيَةٍ] أَيْ قَاصِدَةٍ مِلْكَ الذَّاتِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ مَعَهُ الْغَوْثُ. فَتَخْرُجُ الْحِرَابَةُ فَلَيْسَتْ غَصْبًا شَرْعًا، وَكَذَا قَصْدُ أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ فَإِنَّ قَصْدَ أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ تَعَدٍّ لَا غَصْبٌ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ التَّعَدِّي إلَخْ] أَيْ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَيْ وَمِنْ وُجُوهِهِ. [قَوْلُهُ: التَّعَدِّي فِي الْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ] كَأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيهِمَا، أَوْ يَزِيدَ فِي الْحَمْلِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْخِيَانَةُ] أَيْ الْبَاطِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: أَنْ يَخُونَ الرَّجُلُ] أَيْ مَثَلًا إذْ مِثْلُهُ الْمَرْأَةُ. [قَوْلُهُ: فِي أَمَانَتِهِ] أَيْ فِيمَا ائْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ: أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي نَفْسِهِ] أَيْ كَأَنْ يَقْتُلَهُ، أَوْ يَفْعَلَ فِيهِ فَاحِشَةً. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي أَهْلِهِ] كَأَنْ يَزْنِيَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْغَيْرُ كَافِرًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ] أَيْ كَأَنْ يَبِيعَهُ رِبَوِيًّا بِمِثْلِيٍّ مُتَفَاضِلًا فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا، وَكَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ ثَمَنُ سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ فَيُؤَخِّرُ إلَى أَجَلٍ آخَرَ بِزِيَادَةِ دِينَارٍ مَثَلًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَأْخِيرًا لِلْأَجَلِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ إمَّا رِبَا فَضْلٍ، أَوْ نَسَاءٍ،

ص: 418

الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَالْقَاضِي عَلَى حُكْمِهِ، وَثَمَنُ الْجَاهِ وَالسُّؤَالِ لِلتَّكْثِيرِ وَنَحْوِهِ.

(وَ) مِنْهُ (الْقِمَارُ) وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ.

(وَ) مِنْهُ (الْغَرَرُ) الْكَثِيرُ دُونَ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ (وَ) مِنْهُ (الْغِشُّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ خَلْطُ الْجِنْسِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ الدَّنِيءِ.

(وَ) مِنْهُ (الْخَدِيعَةُ) بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْفِعْلِ (وَ) مِنْهُ (الْخِلَابَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَفُسِّرَتْ بِالْخَدِيعَةِ.

(وَحَرَّمَ اللَّهُ) سبحانه وتعالى (أَكْلُ الْمَيْتَةِ) مَا عَدَا مَيْتَةَ الْبَحْرِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَكْلَ (الدَّمِ وَ) حَرَّمَ (لَحْمَ الْخِنْزِيرِ) أَيْ أَكْلَهُ أَوْ كُلَّ شَيْءٍ

ــ

[حاشية العدوي]

وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، أَوْ الْأَجَلِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ سَائِغٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَرَامُ] هَذَا تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ فَقَطْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: السُّحْتُ بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي تَخْفِيفًا كُلُّ مَالٍ حَرَامٍ لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ وَلَا أَكْلُهُ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ شَامِلٌ لِلْمَغْصُوبِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَمِنْهُ السُّحْتُ أَيْ وَمِنْهُ أَخْذُ السُّحْتِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي أَوْجُهِ الْبَاطِلِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْله: قِيلَ هُوَ الرِّشْوَةُ] لَيْسَ قَصْدُهُ التَّضْعِيفَ أَيْ وَقِيلَ: هُوَ الرِّشْوَةُ، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسُّحْتِ كُلَّ مَالٍ حَرَامٍ بَلْ هُوَ الرِّشْوَةُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فَلَا يَكُونُ إشَارَةً لِتَفْسِيرٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ: الرِّشْوَةُ كَذَا فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ بِالْأَلِفِ وَاَلَّذِي فِي غَيْرِهِ بِالْهَاءِ وَكَذَا فِي الْمِصْبَاحِ بِالْهَاءِ.

[قَوْلُهُ: وَثَمَنُ الْجَاهِ] هُوَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ شَفَاعَةٍ سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الشَّافِعُ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ أَمْ لَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ كَبِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ مَوْضِعِ الْخَوْفِ إلَى مَوْضِعِ الْأَمْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: وَالسُّؤَالُ لِلتَّكْثِيرِ] أَيْ يَسْأَلُ مِنْ النَّاسِ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ مَالِهِ لَا لِاحْتِيَاجٍ وَنَحْوِهِ أَيْ كَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَهُوَ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا مِمَّنْ يَزْنِي بِهَا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْقِمَارُ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَامَرْته قِمَارًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ، وَقَمَرْتُهُ قَمْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ غَلَبْته انْتَهَى. أَيْ: إذْ فِي لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ مُغَالَبَةٌ فَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ أَيْ كَالنَّرْدِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَإِنْ بِدُونِ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: الْغَرَرُ الْكَثِيرُ] أَيْ كَشِرَاءِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ.

وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ أَيْ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ غَرَرٍ يَسِيرٍ أَيْ كَالْحُبُوبِ الْمُبَاعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ نَحْوِ طِينٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَرَرِ الْمُغْتَفَرِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ لَا تَشْمَلُ شُرْبَ الْمَاءِ مِنْ السِّقَاءِ وَدُخُولَ الْحَمَّامِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خَلْطُ. . . إلَخْ] أَيْ وَمِنْ الْغِشِّ تَلْطِيخُ الثَّوْبِ بِالنَّشَا وَسَقْيُ الْحَيَوَانِ بِالْمَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ إطْعَامِهِ شَيْئًا مِنْ الْمِلْحِ. [قَوْلُهُ: الْخَدِيعَةُ بِالْكَلَامِ. . . إلَخْ] أَيْ لِيُتَوَصَّلَ إلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَأَنْ يَقُولَ مَنْ يَتَعَاطَى الْبَيْعَ لِرَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِ: نَهَارٌ مُبَارَكٌ حَصَلَ أُنْسُكُمْ، قَصْدُهُ التَّوَصُّلُ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالْفِعْلِ] أَيْ كَأَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِالْمَأْكُولِ يَأْكُلُهُ. وَقَوْلُهُ: وَفُسِّرَتْ بِالْخَدِيعَةِ أَيْ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ.

تَنْبِيهٌ:

مَنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ كَفَرَ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مَعْلُومَةَ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَيَجِبُ التَّوْبَةُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ وَيَجِبُ رَدُّهُ أَوْ عِوَضُهُ لِرَبِّهِ، أَوْ وَارِثِهِ حَيْثُ عُرِفَ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ.

[قَوْلُهُ: مَا عَدَا مَيْتَةَ الْبَحْرِ] أَيْ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّ مَيْتَتَهُ تُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُهُ] ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ عَلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْخِنْزِيرِ.

قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: هَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ كُلُّهُ إجْمَاعًا أَيْ خِنْزِيرِ الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ.

تَنْبِيهٌ:

اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقِيلَ تَعَبُّدٌ وَقِيلَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، فَالْمَيْتَةُ يُخَافُ عَلَى آكِلِهَا؛ لِأَنَّهَا سُمٌّ، وَالدَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْغَيْرَةَ.

ص: 419

مِنْهُ.

(وَ) حَرَّمَ أَكْلُ (مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) أَيْ مَا ذُبِحَ وَرُفِعَتْ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلُ أَنْ يَذْكُرُوا عَلَيْهِ اسْمَ الْمَسِيحِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَكْلَ (مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) كَالْأَصْنَامِ، وَفِي كَلَامِهِ هُنَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: فِي الضَّحَايَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ مُعَارَضَةٌ. ع: أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَيَبْقَى مَا فِي الضَّحَايَا عَلَى إطْلَاقِهِ.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَكْلَ (مَا) أَيْ الَّذِي (أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ تَرَدٍّ) أَيْ سُقُوطٌ مِنْ عُلُوٍّ إلَى سُفْلٍ مِثْلُ أَنْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ) وَيُذَكَّى فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ الذَّكَاةِ أَوْ السُّقُوطِ (أَوْ) أَيْ وَكَذَلِكَ حَرَّمَ مَا أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ (وَقْذَةٌ) أَيْ رَمْيَةٌ (بِعَصًا أَوْ غَيْرِهَا) كَالْحَجَرِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى (الْمُنْخَنِقَةَ) أَيْ أَكْلَهَا وَهِيَ مَا تُخْنَقُ (بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِثْلُ أَنْ تُخْنَقَ بَيْنَ عُودَيْنِ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَوْله تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَخْ الْآيَةُ وَتَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ.

(إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى) أَكْلِ (ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهَا (كَ) الْمُضْطَرِّ لِأَكْلِ (الْمَيْتَةِ وَذَلِكَ) أَيْ تَحْرِيمُ أَكْلِ الْمُتَرَدِّيَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا (إذَا صَارَتْ بِذَلِكَ) الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ التَّرَدِّي أَوْ الْوَقْذُ أَوْ الْخَنْقُ (إلَى حَالٍ لَا حَيَاةَ بَعْدَهُ) عَادَةً فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ (فَلَا زَكَاةَ) تُؤَثِّرُ (فِيهَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا أَمْ لَا (وَلَا بَأْسَ لِلْمُضْطَرِّ) الَّذِي بَلَغَ الْجُوعُ مِنْهُ مَبْلَغًا يَخَافُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ (أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ) مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ أَفْضَلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَرُفِعَتْ عَلَيْهِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلْإِهْلَالِ، [قَوْلُهُ: مُعَارَضَةٌ] وَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ذَبَائِحُهُمْ لِقَصْدِ عِيسَى مَثَلًا أَيْ فَيَكُونُ مُفِيدًا لِحِلِّ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ] أَيْ فَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُهِلَّ عَلَيْهَا رَأْسًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ شَيْءٍ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ عَطْفُ قَوْلِهِ: أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ.

[قَوْلُهُ: وَيَبْقَى مَا فِي الضَّحَايَا عَلَى إطْلَاقِهِ] حَاصِلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ مُطْلَقًا أُهِلَّ عَلَيْهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ لَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَبْحَ الْكِتَابِيِّ لَا يَحِلُّ إذَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. . . إلَخْ] وَسَكَتَ عَنْ النَّطِيحَةِ وَهِيَ الْمَنْطُوحَةُ وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ وَهِيَ الَّتِي يَضْرِبُهَا السَّبُعُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَرَدِّيَةِ كَذَا ذُكِرَ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، أَيْ وَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا تَحْقِيقًا، أَوْ شَكًّا لَمْ تُفِدْ الذَّكَاةُ فِيهَا.

وَأَمَّا إذَا لَمْ تُنْفَذْ مَقَاتِلُهَا فَالذَّكَاةُ مُفِيدَةٌ فِيهَا وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا. [قَوْلُهُ: الَّذِي بَلَغَ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَحَصَلَ لَهُ الْهَلَاكُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْ ظَنَّهُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ يُشْرِفُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُهُ، أَيْ وَيَشْرَبُ مِنْ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ سِوَى مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَالْخَمْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ الْعَطَشَ إلَّا لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُسِيغُهَا غَيْرُهُ، وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْغُصَّةِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا إلَّا لِقَرِينَةِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا.

[قَوْلُهُ: مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مَا عَدَا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ. [قَوْلُهُ: فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ] أَيْ فَيَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِخِلَافِ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173]] دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ بَاغٍ] أَيْ لِلَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَا عَادٍ} أَيْ وَلَا مُعْتَدٍ بِأَكْلِهَا بِأَنْ يَجِدَ غَيْرَهَا أَيْ فَيَكُونَ قَوْلُهُ غَيْرَ بَاغٍ. . . إلَخْ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ. [قَوْلُهُ: عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ] وَمُقَابِلُهُ الْجَوَازُ أَيْ وَقَدْ صُحِّحَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي الْحُرْمَةِ وَهَلْ هِيَ تَعَبُّدٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ

ص: 420

{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29](وَ) إذَا أَكَلَ لَا بَأْسَ أَنْ (يَشْبَعَ) مِنْهَا عَلَى مَا بِهِ الْفَتْوَى قَالَهُ ج. وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ خَاصَّةً وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (وَ) اُخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ لَهُ أَنْ (يَتَزَوَّدَ) مِنْهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ (فَ) إنَّهُ (إنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا طَرَحَهَا) .

(وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ (إذَا دُبِغَ) فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ وَحْدَهُ فَقَطْ، أَمَّا إذَا لَمْ يُدْبَغْ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُبَاعُ) عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ وَبَيْعِهَا وَيُنْتَفَعُ بِصُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا وَمَا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجِبُ غَسْلُهُ (وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا وَلَا بِقَرْنِهَا وَأَظْلَافِهَا) أَيْ أَخْفَافِهَا (وَأَنْيَابِهَا وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ) حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ إلَى هُنَا تَقَدَّمَ فِي الضَّحَايَا وَهُوَ سَاقِطٌ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. .

(وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ) لَحْمِهِ وَشَحْمِهِ وَعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ (حَرَامٌ) أَيْ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ. ع: مَنْ أَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ مُسْتَحِلًّا لَهُ قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَمَنْ أَكَلَهُ مُعْتَقِدًا التَّحْرِيمَ عُوقِبَ وَاخْتُلِفَ هَلْ تَحْرِيمُهُ تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِقَسَاوَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

لِلْأَذِيَّةِ لِمَا قِيلَ إذَا مَاتَتْ صَارَتْ سُمًّا، وَتُقَدَّمُ الْمَيْتَةُ عَلَى صَيْدِ الْمُحْرِمِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ وَاجِبٌ] وَأُجِيبَ بِأَنْ لَا بَأْسَ بِمَعْنَى الْإِذْنِ أَيْ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِبَاحَةُ، فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَا بِهِ الْفَتْوَى] أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مَالِكٍ] مُقَابِلٌ لِمَا بِهِ الْفَتْوَى وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَيَتَزَوَّدَ] أَيْ إلَى مَحَلٍّ يَظُنُّ فِيهِ وُجُودَ مَا يُغْنِي عَنْهَا مِنْ الْمُبَاحِ وَلَوْ بِالشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ ذَلِكَ] وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِذَا تَزَوَّدَ مِنْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ، ثُمَّ وَجَدَ مَيْتَةً تُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ طَرَحَهُ وَأَخَذَ الْمَيْتَةَ. [قَوْلُهُ: طَرَحَهَا] أَيْ وُجُوبًا.

[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ إلَخْ] إلَّا مِنْ خِنْزِيرٍ لِدَنَاءَتِهِ وَآدَمِيٍّ لِشَرَفِهِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: إذَا دُبِغَ] أَيْ بِمَا أَزَالَ الرِّيحَ وَالدُّسُومَةَ وَالرُّطُوبَةَ وَحَفِظَهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ. [قَوْلُهُ: فِي الْيَابِسَاتِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا فِي الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ قُوَّةُ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِلصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ نَاجِي، وَالْمُقَابِلُ فِي الطَّرَفِ الثَّانِي قَوْلَانِ قِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا دُبِغَ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ. . . إلَخْ] هِيَ كُلُّ مَا لَهُ جَرَاءَةٌ أَيْ شِدَّةٌ عَلَى الِافْتِرَاسِ وَالْعَدَاءِ. [قَوْلُهُ: إذَا ذُكِّيَتْ] أَيْ وَلَوْ بِقَصْدِ أَخْذِ لَحْمِهَا فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَبَيْعُهَا] وَأَوْلَى غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ بِوَضْعِ الْمَائِعِ غَيْرِ الْمَاءِ فِيهِ لِطَهَارَتِهِ بِالذَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: بِصُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا] أَيْ، وَلَوْ مَيْتَةَ خِنْزِيرٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا أَيْضًا لِلطَّهَارَةِ بِالْجَزِّ لَكِنْ يَجِبُ الْبَيَانُ عِنْدَ الْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ] أَيْ إنْ جُزَّ أَيْضًا وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا رَاجِعٌ لِلْمَيْتَةِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَيْتَةً بِالْفِعْلِ، أَيْ مَيْتَةً بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. [قَوْلُهُ: وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ] أَيْ يُنْدَبُ أَيْ فِي حَالَةِ الشَّكِّ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ فَيَجِبُ.

[قَوْلُهُ: بِرِيشِهَا] أَيْ قَصَبَةِ رِيشِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ الزَّغَبَ كَالشَّعْرِ فِي طَهَارَتِهِ بِالْجَزِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِقَرْنِهَا] أَيْ مُطْلَقًا طَرَفُهَا وَأَصْلُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْيَابِهَا] قَالَ تت: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَنْيَابِ بَلْ سَائِرُ أَسْنَانِهَا وَكَأَنَّهُ خَصَّ النَّابَ لِقَوْلِهِ: وَكُرِهَ إلَخْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ أَيْ قَوْلِهِ: وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ] أَيْ غَيْرِ الْمُذَكَّى. [قَوْلُهُ: حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ] مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، أَيْ وَعَارَضَ التَّحْرِيمَ أَنَّهُ صَارَ زِينَةً يُتَزَيَّنُ بِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُذَكًّى فَأَمْرُهُ وَاضِحٌ. [قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ] وَرُجِّحَ.

[قَوْلُهُ: وَالِانْتِفَاعُ بِهِ] مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ أَكَلَهُ مُعْتَقِدًا لِلتَّحْرِيمِ] أَيْ وَكَذَا شَاكًّا فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً. [قَوْلُهُ: عُوقِبَ] أُطْلِقَ الْعِقَابُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ لِاجْتِهَادِ

ص: 421

الْقَلْبِ وَذَهَابِ الْغَيْرَةِ قَوْلَانِ (وَقَدْ أُرْخِصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (شُرْبَ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90](وَشَرَابُ الْعَرَبِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ (يَوْمئِذٍ) أَيْ يَوْمَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (فَضِيخُ التَّمْرِ) بِفَاءٍ وَضَادٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَهُوَ تَمْرٌ يُهْرَسُ وَيُجْعَلُ فِي الْأَوَانِي وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مَاءٌ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ ثُمَّ يَشْرَبُونَهُ (وَبَيَّنَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِنْ) جَمِيعِ (الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا خَامَرَ) أَيْ سَتَرَ (الْعَقْلَ فَأَسْكَرَهُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَهُوَ خَمْرٌ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» .

(وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْحَاكِمِ. [قَوْلُهُ: وَذَهَابِ الْغَيْرَةِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ لَا يَغْضَبُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: غَارَ الزَّوْجُ عَلَى امْرَأَتِهِ غَضِبَ مِنْ فِعْلِهَا، وَالْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تَغَارُ مِنْ بَابِ تَعِبَ غَيْرًا وَغَيْرَةً بِالْفَتْحِ وَغَارًا اهـ.

[قَوْلُهُ: بِشَعْرِهِ] أَيْ بَعْدَ جُزْءٍ لِطَهَارَتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ طَهَارَتِهِ حَيًّا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ طَاهِرًا لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَهَا كَمَا أَفَادَهُ تت.

قَوْلُهُ: شُرْبَ الْخَمْرِ. . . إلَخْ] أَيْ طَوْعًا بِلَا عُذْرٍ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ قِيلَ: وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّخَمُّرِ وَهِيَ التَّغْطِيَةُ؛ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَهِيَ نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: قَلِيلِهَا. . . إلَخْ] أَتَى بِذَلِكَ رَدًّا لِمَنْ يَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ كَثِيرُهَا.

قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ: وَسَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ حَتَّى لَوْ أَخَذَ مِنْهُ بِرَأْسِ إبْرَةٍ عَلَى لِسَانِهِ لَحُدَّ اهـ.

[قَوْلُهُ: الصَّحَابَةُ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا قَبْلُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ] أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَتَى بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّمَا الْخَمْرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: التَّمْرِ] أَيْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ يُهْرَسُ أَيْ أَنَّ فَضِيخَ التَّمْرِ تَمْرٌ يُهْرَسُ كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ فَعَلَيْهِ يُقَدَّرُ فِي الْمُصَنَّفِ مُضَافٌ أَيْ شَرَابُ فَضِيخِ التَّمْرِ، أَيْ شَرَابُ التَّمْرِ الْفَضِيخِ أَيْ الْمَفْضُوخِ أَيْ الْمَهْرُوسِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْبُسْرِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ.

قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ وَمَا نَجِدُ خُمُورَ الْأَعْنَابِ إلَّا الْقَلِيلَ، وَعَامَّةُ خُمُورِهِمْ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا فَإِذَا عُلِمَ مَا ذُكِرَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَضِيخُ التَّمْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ. [قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ] أَيْ يَصِيرُ خَمْرًا مُسْكِرًا. [قَوْلُهُ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ] أَيْ مَا سَتَرَ الْعَقْلَ كَثِيرُهُ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْأَشْرِبَةِ قَيْدٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الَّذِي يَسْتُرُ الْعَقْلَ وَلَيْسَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَيْسَ قَلِيلُهُ بِحَرَامٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُوجَدُ مُسْكِرٌ أَيْ مُغَيِّبٌ لِلْعَقْلِ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْحَشِيشَةُ لَيْسَتْ مُسْكِرَةً وَإِنَّمَا هِيَ مُفْسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافًا لِلْمَنُوفِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَيُرَادِفُ الْمُفْسِدَ الْمُخَدِّرُ وَبَقِيَ ثَالِثٌ، وَهِيَ الْمُرَقَّدُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَيْ سَتَرَ الْعَقْلَ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَثِيرُهُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُسْكِرٌ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ.

[قَوْلُهُ: فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ] أَيْ، وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا خَامَرَ إلَخْ] لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصْرُ الْخَمْرِ عَلَى مَاءِ الْعِنَبِ قَالَ وَكُلُّ مَا خَامَرَ. . . إلَخْ، أَيْ سَتَرَ الْعَقْلَ وَقَوْلُهُ فَأَسْكَرَهُ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ سَاتِرٍ لِلْعَقْلِ بَلْ أَرَادَ سَتْرًا تَسَبَّبَ عَنْهُ إسْكَارٌ، أَيْ نَشْوَةٌ وَفَرَحٌ وَقَوْلُهُ مِنْ شَرَابٍ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ خَمْرٌ. . . إلَخْ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ، وَلَوْ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَعَسَلٍ وَغَيْرِهَا فَهُوَ خَمْرٌ وَقِيلَ عَصِيرُ الْعِنَبِ اُنْظُرْ تت، [قَوْلُهُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ الْحَدِيثِ.

ص: 422

وَ (السَّلَامُ) فِي الْمُوَطَّأِ «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا» وَهُوَ اللَّهُ «حَرَّمَ بَيْعَهَا» . وَنَهَى) عليه الصلاة والسلام فِي الْمُوَطَّأِ (عَنْ الْخَلِيطَيْنِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَذَلِكَ) النَّهْيُ الْمَذْكُورُ لَهُ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا (أَنْ يُخْلَطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ) بِأَنْ يُفْضَخَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ مَثَلًا وَيُخْلَطَا فِي إنَاءٍ يُصَبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ (وَ) الثَّانِيَةُ أَنْ يُنْبَذَ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ يُخْلَطُ (عِنْدَ الشُّرْبِ وَنَهَى عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيهِ أَيْضًا (عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَبِالْمَدِّ الْقَرْعُ (وَ) عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي (الْمُزَفَّتِ) بِسُكُونِ الزَّايِ، وَيُرْوَى بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ قِلَالٌ أَوْ ظُرُوفٌ تُزَفَّتُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ يُسْرِعُ إلَيْهِمَا.

(وَنَهَى عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ) فِي الصَّحِيحِ (عَنْ) أَكْلِ (كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) ظَاهِرُهُ كَانَ مِمَّا يَعْدُو كَالْأَسَدِ وَالْكَلْبِ أَوْ لَا كَالضَّبِّ. عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ.

(وَ) نَهَى عليه السلام

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ:

قَالَ ك: إنْ أَرَادَ أَيْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ فِي بَابِ التَّحْرِيمِ وَالْحُكْمِ كَالْخَمْرِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ اهـ.

وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا. [قَوْله: حَرَّمَ بَيْعَهَا. . . إلَخْ] رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا قَالَ: لَا فَسَأَلَهُ إنْسَانٌ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا» .

[قَوْلُهُ: وَنَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ] أَيْ شُرْبِ الْخَلِيطَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ نَهْيَ كَرَاهَةٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ طَالَ زَمَنُ الِانْتِبَاذِ، بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْكِرَ، أَيْ لَا إنْ قَصُرَ بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْإِسْكَارِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا يَجُوزُ شُرْبُ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ، وَلَا إنْ جَزَمَ بِالْإِسْكَارِ وَإِلَّا حَرُمَ وَهَذَا بِخِلَافِ خَلْطِ اللَّبَنِ بِالْعَسَلِ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقْطَعُ بِعَدَمِ إسْكَارِهِ:[قَوْلُهُ: مِنْ الْأَشْرِبَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا الْأُولَى فَلَيْسَ الْخَلِيطَانِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُقَالَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ مَآلًا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَحَالًا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ: [قَوْلُهُ: عِنْدَ الِانْتِبَاذِ] أَيْ وَضْعِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يُفْضَخَ أَيْ يُهْرَسَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ: [قَوْلُهُ: أَنْ يُنْبَذَ هَذَا عَلَى حِدَةٍ] أَيْ يُوضَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي إنَاءٍ عَلَى حِدَةٍ وَيُصَبَّ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ، ثُمَّ يُخْلَطَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ. . . إلَخْ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَالنَّهْيُ فِي هَاتَيْنِ أَعْنِي الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ، وَلَوْ كَانَ الْمَنْبُوذُ شَيْئًا وَاحِدًا:[قَوْلُهُ: أَوْ ظُرُوفٌ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ فَالْمُرَادُ ظُرُوفٌ غَيْرُ قِلَالٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكْرَ. . . إلَخْ] أَيْ فَمَحَلُّ نَهْيِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ الْإِسْكَارَ لَا إنْ قَطَعَ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَإِلَّا حَرُمَ فِي الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي الثَّانِي وَبَقِيَ اثْنَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَهُمَا الِانْتِبَاذُ فِي النَّقِيرِ وَهُوَ جِذْعُ النَّخْلِ يُنْقَرُ وَيُجْعَلُ ظَرْفًا كَالْقَصْعَةِ وَالِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَهُوَ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالزُّجَاجِ كَالْأَصْحُنِ الْخُضْرِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، وَلَوْ كَانَ الْمَنْبُوذُ شَيْئًا وَاحِدًا وَأَمَّا تَنْبِيذُ شَيْئَيْنِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، وَلَوْ فِي نَحْوِ الصِّينِيِّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ] أَيْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: مِنْ السِّبَاعِ] جَمْعُ سَبُعٍ كُلُّ مَا لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِافْتِرَاسِ فَخُلَاصَةُ الْحَالِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَنَّ السَّبُعَ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا لَهُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ وَيَفْتَرِسُ كَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ.

وَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَلَيْسَ بِسَبُعٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَابٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو بِهِ وَلَا يَفْتَرِسُ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ ظَاهِرُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ عَلَى الَّذِي يَعْدُو وَلَا يَشْمَلُ الضَّبَّ فَالْمُعْتَمَدُ إبَاحَتُهُ. [قَوْلُهُ: كَالْأَسَدِ] أَيْ وَكَالْهِرِّ وَالْفِيلِ وَالذِّئْبِ وَالنِّمْسِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ: [قَوْلُهُ: وَالْكَلْبِ] أَيْ الْكَلْبِ الْإِنْسِيِّ أَيْ فَأَكْلُهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ، أَوْ إبَاحَتِهِ وَالْقِرْدُ

ص: 423

فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا) فِي مَنْعِ الْأَكْلِ (لُحُومُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَلَا ذَكَاةَ) أَيْ لَا تَعْمَلُ (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ ذِي النَّابِ وَمَا بَعْدَهُ (إلَّا فِي الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ) مَا دَامَتْ مُتَوَحِّشَةً، أَمَّا إذَا اسْتَأْنَسَتْ وَصَارَتْ يُحْمَلُ عَلَيْهَا فَلَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ.

(وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ (بِأَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ) كَالْبَازِي. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا) أَنَّ السِّبَاعَ غَيْرُ ذِي الْمِخْلَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السِّبَاعُ هُمْ ذَوُو الْمِخْلَبِ وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُهُ بِأَنْ يُقَالَ: تَقْدِيرُهُ وَهِيَ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا وَالْمِخْلَبُ الظُّفْرُ الَّذِي يَعْقِرُ بِهِ.

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ) بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ (وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ) وَالْبِرُّ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا) بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِمَا وَأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا. وَبِالْجَسَدِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيُعَاشِرْهُمَا) أَيْ يُصَاحِبُهُمَا (بِالْمَعْرُوفِ) فَلْيُطِعْهُمَا فِي كُلِّ مَا أَمَرَاهُ بِفِعْلِهِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ وَفِي كُلِّ مَا أَمَرَاهُ بِتَرْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ

ــ

[حاشية العدوي]

فِيهِ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفَأْرُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ إنْ أَكَلَ النَّجَاسَةَ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ وَبِنْتُ عُرْسٍ يَحْرُمُ أَكْلُهَا حَتَّى قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى.

[قَوْلُهُ: الْأَهْلِيَّةِ] احْتِرَازًا عَنْ الْوَحْشِيَّةِ وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا] أَيْ وَدَخَلَ دُخُولَهَا فِي الْحُرْمَةِ، أَيْ وَدَخَلَ دُخُولَ أَكْلِهَا فِي الْحُرْمَةِ أَكْلُ لُحُومٍ، أَيْ شَارَكَ أَكْلُهَا فِي الْحُرْمَةِ أَكْلَ لُحُومٍ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِتَرْكَبُوهَا] وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْعَامَ قَالَ: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] وَلَمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا ذَلِكَ ع فَالْإِبِلُ مِنْ الْأَنْعَامِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ وَالْبَقَرُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ وَاخْتُلِفَ فِي رُكُوبِهَا: [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ ذِي الْبَابِ وَمَا بَعْدَهُ. . . إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ طَهَارَتِهِ وَكَرَاهَةِ أَكْلِهِ لَا تَحْرِيمِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اسْتَأْنَسَتْ. . . إلَخْ] فَلَوْ تَوَحَّشَ بَعْدَ التَّأَنُّسِ أُكِلَ نَظَرًا لِأَصْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُمُرَ الْوَحْشِيَّةَ لَمْ تَدْخُلْ فِيمَا تَقَدَّمَ:.

[قَوْلُهُ: كَالْبَازِي] أَيْ وَالْعُقَابِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ. . . إلَخْ] أَيْ وَضَمِيرُ مِنْهَا لَيْسَ رَاجِعًا لِلسِّبَاعِ بَلْ رَاجِعٌ لِلطَّيْرِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ أَنَّ الطَّيْرَ جَمَاعَةٌ وَتَأْنِيثُهَا أَكْثَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ، وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ طَيْرٌ بَلْ طَائِرٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: مِنْهَا] أَيْ الطَّيْرِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَتَرْجِيحُ الضَّمِيرِ لِلسِّبَاعِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَاسِدٌ فَتَدَبَّرْ.

تَنْبِيهٌ.:

يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّيْرِ الْوَطْوَاطُ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ وَرَجِيعُهُ نَجِسٌ، وَيُبَاحُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْتَرِسُ كَالْأَرْنَبِ وَالْقُنْفُذِ وَالضَّرْبُوبُ كَالْقُنْفُذِ فِي الشَّوْكِ إلَّا أَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ الشَّاةِ فِي الْخِلْقَةِ وَحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا وَسَائِرِ خَشَاشِ الْأَرْضِ.

[قَوْلُهُ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمَشْهُورُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْبِرِّ اهـ.

لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ. [قَوْلُهُ: بِالْجَوَارِحِ] أَيْ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالِاعْتِقَادِ أَيْ، أَوْ فَاسِقَيْنِ بِالِاعْتِقَادِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمُرَادُ عَمَلٌ وَاعْتِقَادٌ نُهِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ] أَيْ فَيَقُودُ الْأَعْمَى مِنْهُمَا لِلْكَنِيسَةِ وَيَحْمِلُهُمَا لَهَا وَيُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي أَعْيَادِهِمَا وَلَا يُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِ فِي الْكَنِيسَةِ، أَوْ يَدْفَعَانِهِ لِلْقِسِّيسِ. [قَوْلُهُ: لَيِّنًا] أَيْ لَطِيفًا دَالًّا عَلَى الْمَحَبَّةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِمَا، وَيَقُولُ مُصَوِّرًا لِلْقَوْلِ اللَّيِّنِ هَكَذَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا خَالِيًا. قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت قُلْت: أَوْ صَوْتَهُ عَنْ رَفْعِهِ فَوْقَ قَوْلِهِمَا أَوْ صَوْتِهِمَا. [قَوْلُهُ: فِي أَمْرِ دِينِهِمَا] أَيْ أَمْرٍ هُوَ دِينُهُمَا أَيْ بِأَنْ يُعَلِّمَهُمَا مَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّات وَمِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ إنْ احْتَاجَا إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَبِالْجَسَدِ. . . إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ: وَيُعَاشِرُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا. [قَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ] أَيْ بِكُلِّ

ص: 424

وَاجِبًا فَلَا يُطِعْهُمَا فِيهِ (وَ) كَذَا (لَا يُطِعْهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ) أَنْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ (لِأَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ إجْمَاعًا، وَفِي اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَوْلَانِ.

(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ) وَهِيَ الْأُلْفَةُ وَالِاجْتِمَاعُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الِافْتِرَاقِ، فَإِذَا صَنَعَ الْكَافِرُ وَلِيمَةً مَثَلًا وَدَعَا الْمُسْلِمَ فَلَا يُجِيبُهُ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

مَا عُرِفَ مِنْ الشَّرْعِ الْإِذْنُ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ] أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ ضَرَرٌ فَتَسْقُطُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ وَاجِبٌ مَفْهُومٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْقَصْدُ تَأْكِيدُ الْوُجُوبِ، ثُمَّ نَقُولُ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُمَا فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَلَا فِي فِعْلِ خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطِيعُهُمَا فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى فَيُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ الْمَسْنُونَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ رَاتِبَةً، وَيَأْمُرَانِهِ بِتَرْكِهَا عَلَى الدَّوَامِ كَالْفَجْرِ وَالْوِتْرِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا] صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا، أَوْ مَسْنُونًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْإِمَامُ لَوْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَزَمَا عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيُطِعْهُمَا وَلَا يُطِعْ غَيْرَهُمَا بَلْ إنْ حَلَفَ حَنَّثَهُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُطِعْهُمَا فِيهِ] أَيْ بَلْ تَحْرُمُ إطَاعَتُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُطِعْهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ] وَكَذَا لَا يَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيمَا كَانَ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَاهُ بِتَرْكِ مَعِيشَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ.

تَنْبِيهٌ:

مِنْ بِرِّهِمَا أَنَّهُ لَا يُحَاذِيهِمَا فِي الْمَشْيِ فَضْلًا عَنْ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ نَحْوِ ظَلَامٍ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا لَا يَجْلِسُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يَسْتَقْبِحُ مِنْهُمَا نَحْوَ الْبَوْلِ عِنْدَ كِبَرِهِمَا.

قَالَ تت: وَهَلْ الْجَدَّانِ كَالْأَبَوَيْنِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، انْتَهَى وَارْتَضَى بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ وَأَنَّهُمْ لَا يَبْلُغُونَ مَبْلَغَ الْآبَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ جَاهَدَاك. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُطِيعُهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ، ثُمَّ أَقُولُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا صَرِيحُهَا نَفْيُ الْإِطَاعَةِ فِي الْكُفْرِ لَا فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْكُفْرِ، نَعَمْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ. . . إلَخْ عَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا} [الإسراء: 23] . . . إلَخْ} . [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ. . . إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلسَّلَفِ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ] أَيْ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ.

قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: ظَاهِرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَمَاتِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا} [الإسراء: 24] . . . إلَخْ} ] أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِمَا وَغُفْرَانُ الذَّنْبِ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَوْلَانِ] أَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِاسْتِغْفَارِ فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالِاسْتِغْفَارِ فَيُعَلَّلُ بِاحْتِمَالِ الْإِسْلَامِ. تَتِمَّةٌ:

يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَيَنْتَفِعَانِ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعَانِ بِالدُّعَاءِ، وَرَجَّحَ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَعَتْ عَلَى قَبْرِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا وَتَلْزَمُ. وَقَيَّدَ بَعْضٌ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ أَوَّلَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِلَّا انْتَفَعَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَؤُهُ إلَى فُلَانٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَالِاجْتِمَاعُ] لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاجْتِمَاعَ بِالْأَبْدَانِ فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأُلْفَةُ أَيْ إظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لَهُمْ وَعَدَمُ مَا يُوجِبُ الْمُنَافَرَةَ مِنْ حَسَدٍ وَغَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِالِافْتِرَاقِ ضِدُّ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا صَنَعَ الْكَافِرُ. . . إلَخْ] هَذَا مَفْهُومُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرَادَ بِهِ

ص: 425

الْمُوَالَاةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيبُهُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ (النَّصِيحَةُ لَهُمْ) أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ» .

(وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ) أَيْ كَمَالَهُ (حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) كَذَلِكَ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (أَنْ يَصِلَ

ــ

[حاشية العدوي]

الذِّمِّيَّ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يُجِيبُهُ] أَيْ الْكَافِرَ الذِّمِّيَّ وَلَا يُصَاحِبُهُ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَيَقْصِدُهُ بِالسُّوءِ وَيُقَاتِلُهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ فَقَالَ: الْأَصْوَبُ، أَوْ الْوَاجِبُ عَدَمُ إجَابَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي إجَابَتِهِ إعْزَازًا لَهُ، وَالْمَطْلُوبُ إذْلَالُهُ اهـ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي لَهُ مُسْلِمًا.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيبُهُ] يَحْتَمِلُ جَوَازًا فَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا بَأْسَ بِإِجَابَةِ النَّصْرَانِيِّ فِي خِتَانِ ابْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ نَحْوِ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَفْعَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ النَّصِيحَةُ. . . إلَخْ] وَهَلْ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ طُلِبَتْ مِنْك، أَوْ لَا، أَوْ كِفَايَةٍ قَوْلَانِ، الْأَوَّلُ لِلْغَزَالِيِّ وَالثَّانِي لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْقَبُولِ. [قَوْلُهُ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ] أَيْ مُعْظَمُ الدِّينِ النَّصِيحَةُ كَمَا قَالَ الْحَجُّ عَرَفَةَ كَذَا قَالَ تت، وَإِذَا حَقَّقْت النَّظَرَ تَجِدُ الدِّينَ مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ الْمُعْظَمِ، فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: قَالَ لِلَّهِ. . . إلَخْ] النَّصِيحَةُ لِلَّهِ أَنْ تَصِفَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ، وَتُنَزِّهَهُ عَنْ سَائِرِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِكِتَابِهِ] أَيْ بِأَنْ يَتَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَمْتَثِلَ أَوَامِرَهُ وَيَجْتَنِبَ نَوَاهِيَهُ وَيَتْلُوَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. [قَوْلُهُ: وَلِرَسُولِهِ] أَيْ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَبِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيُحْيِيَ سُنَّتَهُ بِتَعْلِيمِهَا لِلنَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. . . إلَخْ] بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ وَقَوَانِينِهِمْ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ الْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يُبَلِّغَهُمْ أُمُورَ الْعَامَّةِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوْرِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ] أَيْ يُرْشِدَ الْعَامَّةَ أَيْ وَيُعَامِلَهُمْ بِالصِّدْقِ فَلَا يَغُشَّهُمْ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَمْ لَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ كَمَالَهُ] أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لَاقْتَضَى أَنَّ التَّارِكَ لِذَلِكَ يَكُونُ كَافِرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْقَصْدُ الْكَمَالَ فَلِمَ عَبَّرَ بِذَلِكَ دُونَ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُوهِمِ؟ قُلْت: الْحَثُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ إذَا انْتَفَى عَنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُحِبَّ. . . إلَخْ] ذِكْرُ الْمَحَبَّةِ مُبَالَغَةٌ؛ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ وَمُسْتَلْزِمَةٌ لِبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَيْ كَمَالَهُ لَهُ أَرْكَانٌ أُخَرُ فَكَيْفَ يَحْصُلُ بِالْمَحَبَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ وَأَرَادَ الِاخْتِيَارِيَّ إذْ الطَّبِيعِيُّ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ. [قَوْله: لِأَخِيهِ] احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ أَفَادَهُ تت، أَيْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ بِهِ عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ لِلْكَافِرِ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَسَائِرَ الْكِمَالَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَأَرَادَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ أَيْ مِنْ الْخَيْرِ أَيْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي أَوْصَافِ الْخَيْرِ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ شَيْئًا وَهَذَا سَهْلٌ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ يَعْتَقِدُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرًا] أَيْ مِنْ حَيْثُ ظُهُورُ آثَارِهَا وَإِلَّا فَالْمَحَبَّةُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا غَيْرُ. [قَوْلُهُ: وَبَاطِنًا] فَلَا يَحْقِدُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُدُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، أَيْ وَيُبْغِضُ لَهُ مَا يُبْغِضُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ ضِدِّهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُغْضَ ضِدِّهِ. [قَوْلُهُ: مَا يُحِبُّ] أَيْ مِثْلَ مَا يُحِبُّ؛ لِأَنَّ الْعَيْنِيَّةَ لَا تَصِحُّ. [قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي الْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ رُوِيَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ

ص: 426

رَحِمَهُ) وَهُوَ كُلُّ قَرَابَةٍ بِنَسَبٍ مِنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.

(وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ) أَيْ يَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ (إذَا لَقِيَهُ وَ) مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ (أَنْ يَعُودَهُ إذَا مَرِضَ) مَخَافَةَ أَنْ يَضِيعَ، وَيَحْصُلُ كَمَالُ أَجْرِ الزَّائِرِ بِشَرْطِ أَنْ يُقِلَّ عَنْهُ السُّؤَالَ وَأَنْ يُظْهِرَ لَهُ الشَّفَقَةَ وَيُقِلَّ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ وَأَنْ لَا يُقْنِطَهُ وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ أَوْ جَبْهَتِهِ لِيَعْرِفَ مَا بِهِ وَأَنْ لَا يَنْظُرَ فِي عَوْرَةِ الْبَيْتِ (وَ) مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ (أَنْ يُشَمِّتَهُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

التَّمْرِيضِ فَالصَّوَابُ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهِيَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ كُلُّ قَرَابَةٍ. . . إلَخْ] هَذَا ضَابِطٌ لَا تَعْرِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ بِلَفْظِ كُلٍّ.

[قَوْلُهُ: قَرَابَةٍ] أَيْ ذِي قَرَابَةٍ. [قَوْلُهُ: بِنَسَبٍ. . . إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَيْ قَرَابَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، أَيْ فَالْوَاضِحُ الْقَرَابَةُ فَلَا يُنَاسِبُ مِنْ الشَّارِحِ جَعْلُ النَّسَبِ الْخَفِيِّ مُصَوِّرًا لِلْوَاضِحِ، بَلْ الْأَوْلَى الْعَكْسُ وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَحْسَنُ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تَثْبُتُ بَدَلَ قَوْلِهِ بِنَسَبٍ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ جِهَةٍ هِيَ الْأُبُوَّةُ. . . إلَخْ مُرُورًا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرَّحِمَ كُلُّ قَرَابَةٍ وَإِنْ بَعُدَ وَارِثًا أَمْ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهُ، أَوْ لَا كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، إلَّا أَنَّهَا إنْ كَثُرَتْ فَالْأَقْرَبُ وَمُقَابِلُهُ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ وَالْمُوَاصَلَةُ مَطْلُوبَةٌ مُطْلَقًا وَصَلُوك، أَوْ قَطَعُوك فَلَيْسَ الْمُوَاصِلُ مَنْ وَصَلَ وَإِنَّمَا الْمُوَاصِلُ مَنْ يَصِلُ مَنْ قَطَعَ، وَالصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ وَبَذْلِ الْمَالِ لِلْمُحْتَاجِ وَالْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ وَبِالصَّفْحِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ وَالْمَعُونَةِ لَهُمْ، أَيْ فَالصِّلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ الْقَرَابَةِ، وَأَرَادَ قَرَابَةَ الْمُؤْمِنِينَ لَا الْكَافِرِينَ إلَّا بِرَّ وَالِدَيْهِ وَالصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَنْ قَرُبَ مَحَلُّ رَحِمِهِ وَإِلَّا فَزِيَارَتُهُ بِالْكَتْبِ إلَيْهِ، أَوْ إرْسَالِ رَسُولِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَحِمُهُ يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُحِبُّ أَنْ يَصِلَهُ وَيَتَضَرَّرُ بِحُضُورِهِ. [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] . [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ] أَيْ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ فَرْضُ عَيْنٍ مَنْ تَرَكَهَا فَهُوَ عَاصٍ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ] أَيْ وَمِنْ الثَّابِتِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ كَالسَّلَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْهِجْرَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَبْدَأُهُ بِالسَّلَامِ] وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَفِي قَلْبِهِ غِلٌّ، أَوْ حَسَدٌ، بَلْ يَكُونُ الْبَاطِنُ مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَضِيعَ] مُفَادُهُ أَنَّ الْعِيَادَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَهِيَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْغَيْرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ وَيُطَالَبُ بِهَا ابْتِدَاءً الْقَرِيبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَصَحْبُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَهْلُ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ تَرَكُوا جَمِيعًا عَصَوْا وَالْعَائِدُ إمَّا رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةُ مَحْرَمٍ وَتَكُونُ فِي خَلَاءِ الْوَقْتِ الَّذِي يَشْتَغِلُ فِيهِ بِعِبَادَةٍ أَوْ تَكُونُ نَحْوُ زَوْجَتِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ يَرْتَاحُ مَعَهَا، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَنْ لَمْ يَشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَإِلَّا فَقَدْ تَجِبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيُعَادُ كُلُّ مَرِيضٍ وَلَوْ أَرْمَدَ وَصَاحِبَ ضِرْسٍ وَصَاحِبَ دُمَّلٍ وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَبَرِ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يُقِلَّ] أَيْ بِشَرْطٍ هُوَ أَنْ يُقِلَّ عَنْهُ السُّؤَالَ أَيْ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ أَكْثَرَ السُّؤَالَ فَرُبَّمَا كُرِهَ، أَوْ حَرُمَ، وَأَرَادَ بِالشَّرْطِ جِنْسَهُ الْمُتَحَقِّقَ فِي أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ لِإِضَافَتِهِ لِمَجْمُوعِ مَا بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ شُرُوطٌ مُتَعَدِّدَةٌ أَيْ إضَافَةُ الْبَيَانِ وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ بِشُرُوطٍ أَنْ يُقِلَّ. . . إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَأَنْ يُظْهِرَ لَهُ الشَّفَقَةَ] وَعَدَمَهَا إمَّا بِعَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ، أَوْ ظُهُورِ ضِدِّهَا، فَالْأَوَّلُ خِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَيُقِلَّ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ] أَيْ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِذَا أَكْثَرَ الْجُلُوسَ بِدُونِ طَلَبٍ فَإِمَّا كُرِهَ، أَوْ حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يُقْنِطَهُ] يُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ النُّونِ مِنْ أَقْنَطَهُ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنْ قَنَّطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ لَا يَجْعَلُهُ آيِسًا مِنْ الشِّفَاءِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ وَإِذَا قَنَّطَهُ فَرُبَّمَا حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ] وَتَرْكُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَضَعَ يَدَهُ] إلَّا أَنْ يَكُونَ يَكْرَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَضَعْ فَخِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: لِيَعْرِفَ مَا بِهِ] أَيْ فَتَعْظُمَ رِقَّةُ قَلْبِهِ فَيَدْعُوَ لَهُ بِقَلْبٍ، أَوْ

ص: 427

وَالْمُهْمَلَةِ، أَيْ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ (إذَا عَطَسَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْمَدُ، وَسَيَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ إذَا سَمِعَهُ يَحْمَدُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ (وَ) مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ (أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ وَأَنْ يَحْفَظَهُ إذَا غَابَ فِي السِّرِّ) بِأَنْ لَا يَغْتَابَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَ) يَحْفَظَهُ فِي (الْعَلَانِيَةِ) بِأَنْ لَا يَشْتُمَهُ مَثَلًا.

(وَلَا) يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ (يَهْجُرَ أَخَاهُ) الْمُؤْمِنَ (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) بِأَيَّامِهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» . مَفْهُومُهُ أَنَّ هِجْرَانَ الثَّلَاثَةِ جَائِزٌ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَالسَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَانِ) إنْ نَوَى بِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّ الْآخَرُ

ــ

[حاشية العدوي]

يَبْعَثَهُ عَلَى تَحْصِيلِ دَوَاءٍ، أَوْ طَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَنْظُرَ فِي عَوْرَةِ الْبَيْتِ] بِأَنْ لَا يَنْظُرَ مَثَلًا مَا عَلَى الرَّفِّ مِنْ الْأَمْتِعَةِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا الَّتِي شَأْنُ النَّاسِ إخْفَاؤُهَا خَوْفًا مِنْ حَسَدٍ وَنَحْوِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُمْ حُبَّ إظْهَارِ ذَلِكَ، وَيُزَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَهُ بِخُشُوعٍ وَأَنْ يُبَشِّرَهُ بِالْمَثُوبَاتِ لِلْمَرِيضِ، وَسَكَتَ عَنْ آدَابِ الْمَرِيضِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ: وَلِلْمَرِيضِ أَيْضًا آدَابٌ يَحُوزُ بِهَا كَمَالَ أَجْرِ الْمَرِيضِ مِنْهَا أَنْ لَا يُضَيِّعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يُكْثِرَ الرَّجَاءَ وَلَا يُكْثِرَ التَّشَكِّي إلَّا لِمَنْ يَرْغَبُ فِي صَلَاحِ دُعَائِهِ، وَيَقْصِدُ الدُّعَاءَ بِذَلِكَ وَلَا يَقْنَطُ فِي مَرَضِهِ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ فِي كَلَامِهِ وَأَنْ لَا يَتَوَكَّلَ عَلَى صَاحِبِ الدَّوَاءِ إذَا دَاوَى وَقَبِلَ الدَّوَاءَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ يَقُولُ لَهُ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّشْمِيتَ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ مَدْلُولُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْك بِجَعْلِك عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَوْ بِإِبْعَادِهِ عَنْك الشَّمَاتَةَ بِرَدِّك إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، وَعَلَى قِرَاءَتِهِ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَنَاسَبَ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَاطِسَ حِينَ عُطَاسِهِ تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. [قَوْلُهُ: إذَا عَطَسَ] مِنْ بَابَيْ ذَهَبَ وَنَصَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ، وَلَوْ تَسَبَّبَ فِي عُطَاسِهِ كَمَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْمَدُ] الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يَحْمَدْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ. [قَوْلُهُ: إذَا سَمِعَهُ يَحْمَدُ] أَيْ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لِسَمَاعِهِ تَشْمِيتَ غَيْرِهِ لَهُ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي تَنْبِيهِهِ عَلَى الْحَمْدِ إذَا تَرَكَهُ لِيُشَمِّتَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ تَنْبِيهُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى فِعْلٍ مَطْلُوبٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: مَاذَا يَقُولُ مَنْ عَطَسَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ. . . إلَخْ] ضَعِيفٌ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبُ كِفَايَةٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ] أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَغْتَابَهُ] أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّرِّ غِيبَتُهُ، وَأَرَادَ بِالْعَلَانِيَةِ حُضُورَهُ.

[قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ] أَيْ وَلَا يَتَعَدَّى عَلَى أَمَانَةٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ حَلَالٍ، أَوْ حُرْمَةٍ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَشْتُمَهُ مَثَلًا] أَيْ وَلَا يَأْخُذَ مَالَهُ عَلَانِيَةً.

[قَوْلُهُ: يَهْجُرَ أَخَاهُ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يُكَلِّمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُلَفَّقَةً، [قَوْلُهُ: بِأَيَّامِهَا. . . إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَقْصُودُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ زِيَادَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا إذْ لَوْ أُبْقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَاقْتَضَى حُرْمَتَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْهَجْرِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: بِأَيَّامِهَا أَيْ بِمَجْمُوعِ أَيَّامِهَا فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام. . . إلَخْ] زَادَ فِي رِوَايَةٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، فَمَنْ زَادَ عَلَى التَّحْدِيدِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ إذَا كَانَ الْهِجْرَانُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.

وَأَمَّا لِحَقِّ اللَّهِ بِأَنْ كَانَ لِتَلَبُّسِهِ بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ لَا كَهِجْرَانِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ ارْتِكَابِهَا مَا لَا يَنْبَغِي، وَهَجْرِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالشَّيْخِ لِتِلْمِيذِهِ حَتَّى يُقْلِعَ الْمَهْجُورَ عَمَّا لِأَجْلِهِ الْهَجْرُ فَهَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ، وَلَوْ زَادَ عَلَى شَهْرٍ. [قَوْلُهُ: أَنَّ هِجْرَانَ الثَّلَاثَةِ جَائِزٌ] الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ الْهِجْرَانُ مُطْلَقًا لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْإِنْسَانِ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْ غَضَبٍ. [قَوْلُهُ: وَالسَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَانِ] أَيْ إذَا كَانَ لِسَبَبٍ كَشَتْمٍ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَانِ إلَّا بِالْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مَعَهُ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اُنْظُرْ عج. [قَوْلُهُ: إنْ نَوَى بِهِ ذَلِكَ] فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَا يَخْرُجُ وَهُوَ نِفَاقٌ، وَيُفْهِمُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْ هَجَرَهُ

ص: 428

فَقَدْ خَرَجَا مِنْ الْهِجْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَقَدْ خَرَجَ الْمُسَلِّمُ فَقَطْ (وَ) إذَا سَلَّمَ فَ (لَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ بَعْدَهُ إسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ (وَالْهِجْرَانُ الْجَائِزُ) شَيْئَانِ الْأَوَّلُ (هِجْرَانُ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (الْبِدْعَةِ) الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَدَرِيَّةِ ك: وَفِي هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ مِثْلُ تَطْوِيلِ الثِّيَابِ عِنْدِي نَظَرٌ، وَالثَّانِي: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مُتَجَاهِرٍ) أَيْ مُعْلِنٍ (بِالْكَبَائِرِ) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ (لَا يَصِلُ إلَى عُقُوبَتِهِ) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى عُقُوبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ، أَمَّا إذَا خَافَ مِنْهُ إذَا تَرَكَ مُخَالَطَتَهُ فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

هِجْرَانًا مُحَرَّمًا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِثْمِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنْ يَنْبَغِيَ بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْكَلَامِ وَهَذَا صَادِقٌ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ عَدَمِ التَّرْكِ أَيْ اسْتِحْبَابُ الْكَلَامِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَوَّلَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ بِزِيَادَةِ لَا بَعْدَ أَنْ وَأَنَّ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي يُسْتَحَبُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَإِذَا سَلَّمَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ عَدَمُ التَّرْكِ، أَيْ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِرْسَالُ عَلَى كَلَامِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَرَكَ وَإِنْ صَدَقَ بِجَوَازِ التَّرْكِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ اسْتِحْبَابُ الْكَلَامِ بِحَيْثُ صَارَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ عُرْفًا.

تَنْبِيهٌ.

إذَا تَرَكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَانَ هِجْرَانًا ثَانِيًا يَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ إثْمِهِ. [قَوْلُهُ: إسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ] أَيْ وُجُودَ الظَّنِّ السَّيِّئِ بِهِ وَهُوَ ظَنُّ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْهِجْرَانِ. [قَوْلُهُ: الْجَائِزُ] أَيْ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: الْبِدْعَةِ] قَالَ ك: الْبِدْعَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يُعْهَدُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: الْمُحَرَّمَةِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْخَمْسَةِ وَاجِبَةٍ كَتَدْوِينِ أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ كَالْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَهْمُ الْكِتَابِ وَضَبْطُ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ بِحِفْظِهَا وَكِتَابَتِهَا، وَمَنْدُوبَةٍ كَإِحْدَاثِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ، وَمُحَرَّمَةٍ كَالِاعْتِزَالِ وَوَضْعِ الْمُكُوسِ، وَمَكْرُوهَةٍ كَتَطْوِيلِ الثِّيَابِ، وَمُبَاحَةٍ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ.

[قَوْلُهُ: كَالْقَدَرِيَّةِ] هُمْ اثْنَا عَشْرَ فِرْقَةً: خَمْدِيَّةٌ ثَنَوِيَّةٌ كَيْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ شَرِيكِيَّةٌ وَهْمِيَّةٌ رُوَيْدِيَّةٌ نَاكِشِيَّةٌ مُتَبَرِّيَةٌ قَاسِطِيَّةٌ نِظَامِيَّةٌ مَنْزِلِيَّةٌ، مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَدَرِيَّةُ كُلُّهُمْ فَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرًا وَهُوَ عِنْدَ الْخَلْقِ إيمَانٌ، وَلَا يَرَوْنَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضًا.

وَيَقُولُونَ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مِنْ الْإِنْسَانِ لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَظُنُّونَ أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ فِي الرُّؤْيَا لَا فِي الْيَقِظَةِ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَمُؤْمِنُونَ عِنْدَ اللَّهِ أَمْ كَافِرُونَ، وَتَخْتَلِفُ فِي أَشْيَاءَ مُبَيَّنَةٍ فِي مَحَلِّهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى جَلْبِهَا، وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَالْقَدَرِيَّةِ الْفِرَقُ الرَّافِضِيَّةُ وَهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ. [قَوْلُهُ: وَفِي هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ] أَيْ إبَاحَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِذْنُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: مِثْلِ تَطْوِيلِ الثِّيَابِ] أُدْخِلَ تَحْتَ مِثْلِ تَوْسِيعِهَا وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَثْمَانِهَا وَتَزْيِينِ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. [قَوْلُهُ: عِنْدِي] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نَظَرٌ أَيْ وَفِي إبَاحَةِ هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ وَعَدَمُ الْإِبَاحَةِ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ تَرَدُّدٌ عِنْدِي، أَيْ وَلَا أَعْرِفُ الْحَالَ عِنْدَ غَيْرِي، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ الشِّقَّ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَانَ يَحْرُمُ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُرْتَكَبُ الْمُحَرَّمُ لِأَجْلِ مَكْرُوهٍ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: الْحُرْمَةُ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ فِي هِجْرَانِ غَيْرِ الْمُرْتَكِبِ مَا لَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: بِالْكَبَائِرِ] أَيْ بِالْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي فَرْدٍ أَيْ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَسَرِقَةٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى عُقُوبَتِهِ] أَيْ إذَا كَانَ لَا يَتْرُكُهَا إلَّا بِالْعُقُوبَةِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَالْحَدِّ وَبَقِيَّةِ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَالظَّاهِرُ إنْ قَدَرَ عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَبْلُغُ بِالْعُقُوبَةِ الْحَدَّ وَيُجَاوِزُهُ إنْ رَآهُ زَاجِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ: لَا يَتَجَاوَزُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُ] أَيْ

ص: 429

الْمُدَارَاةَ صَدَقَةٌ (وَ) الْآخَرُ شَيْئَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنَّهُ (لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ) أَيْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا (أَوْ) لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ (لَا يَقْبَلُهَا وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ) أَيْ الْمُبْتَدِعِ وَالْمُجَاهِرِ (فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا) بِالْفِسْقِ بِالِاعْتِقَادِ وَبِالْجَارِحَةِ فَقَطْ إذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِمَا (وَلَا) تَجُوزُ غِيبَتُهُمَا فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إلَّا (فِيمَا يُشَاوَرُ فِيهِ) أَيْ الَّذِي تُشْرَعُ فِيهِ الْمُشَاوَرَةُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ (لِ) أَجْلِ (نِكَاحٍ أَوْ) لِأَجْلِ (مُخَالَطَةٍ) كَالشَّرِكَةِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ لِيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ أَمْ لَا (وَ) كَذَا (لَا) غِيبَةَ (فِي تَجْرِيحِ شَاهِدٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ التَّجْرِيحِ كَالْإِمَامَةِ لِلصَّلَاةِ.

(وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ــ

[حاشية العدوي]

فَعَلَيْهِ أَنْ يُدَارِيَهُ وَرُبَّمَا وَجَبَتْ.

قَالَ عِيَاضٌ: الْمُدَارَاةُ إعْطَاءُ الْمَالِ لِيَسْلَمَ الدِّينُ وَالدُّنْيَا، وَالْمُدَاهَنَةُ إعْطَاءُ الدِّينِ لِيَسْلَمَ مَالُهُ وَدَمُهُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُدَارَاةُ هِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ لِاكْتِفَاءِ الشَّرِّ وَحِفْظِ الْوَقْتِ، وَالْمُدَاهَنَةُ إظْهَارُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنْ الدُّنْيَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ] أَيْ لِشِدَّةِ تَجَبُّرِهِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا] أَيْ لِعَدَمِ عَقْلٍ وَنَحْوِهِ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَجْرِهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الْكَبَائِرِ بِعُقُوبَتِهِ بِيَدِهِ إنْ كَانَ حَاكِمًا، أَوْ فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ يَرْفَعُهُ لِلْحَاكِمِ، أَوْ بِمُجَرَّدِ وَعْظِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ زَجْرُهُ وَإِبْعَادُهُ عَنْ فِعْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ بِهَجْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي ذِكْرِ. . . إلَخْ] أَيْ بِسَبَبِ ذِكْرِ حَالِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ فِي الْمُبْتَدِعِ: فُلَانٌ اعْتِقَادُهُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ، أَوْ فُلَانٌ مُعْتَزِلِيٌّ، وَفِي حَقِّ الْمُتَجَاهِرِ فُلَانٌ مُصِرٌّ عَلَى الْكَبَائِرِ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُبْتَدِعُ مُتَجَاهِرًا.

وَقَالَ بَعْضٌ: وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ غِيبَةُ هَذَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُبْتَدِعُ مُتَجَاهِرًا بِبِدْعَتِهِ كَمَا أَنَّ الْفَاسِقَ مُتَجَاهِرٌ بِكَبَائِرِهِ فَيَجُوزُ ذِكْرُ كُلٍّ بِمَا يَتَجَاهَرُ بِهِ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: بِالْفِسْقِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ تَصْوِيرِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: بِالِاعْتِقَادِ أَيْ بِمَحَلِّ الِاعْتِقَادِ لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ.

[قَوْلُهُ: إذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِمَا] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، أَوْ قَصَدَ بِذِكْرِ حَالِهِمَا تَحْذِيرَ النَّاسِ مِنْهُمَا مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ النَّاسُ فِيهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّقَانِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ غِيبَةِ هَذَيْنِ بِمَا تَجَاهَرَا بِهِ سَوَاءٌ سُئِلَ عَنْهُمَا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ نِكَاحٍ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا أَعْرِفُ فَيَجُوزُ لَهُ ذِكْرُ حَالِهِ بِقَصْدِ النَّصِيحَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَوَازُ هُنَا مَعَ النَّدْبِ عِنْدَ عَدَمِ السُّؤَالِ عَلَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَكَلَامِ غَيْرِهِ كَالْقَرَافِيِّ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّصِيحَةَ وَاجِبَةٌ حَيْثُ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ الْمَنْصُوحُ شَرَعَ فِي فِعْلِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ أَمْ لَا عَلَى الصَّوَابِ، لَكِنْ شَرَطَ الْقَرَافِيُّ فِي الْجَوَازِ أَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ عَلَى ذِكْرِ الْوَصْفِ الْمُخِلِّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَتَجَاوَزُ لِعَيْبٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: كَالشَّرِكَةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ مُجَاوَرَتُهُ وَمُرَافَقَتُهُ فِي سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي تَجْرِيحِ شَاهِدٍ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: سَوَاءٌ طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقِيلَ: إذَا طُلِبَ مِنْهُ انْتَهَى أَيْ تَجْرِيحُهُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَعِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ التَّجْرِيحُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَحْوِ التَّجْرِيحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ نَحْوِ الشَّاهِدِ أَيْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَدِّمُوهُ لِلصَّلَاةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِجِرَاحَتِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ جِرَاحَةَ الرَّاوِي مَخَافَةَ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ مَكَارِمِ] أَيْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَعْفُوَ. . . إلَخْ] إنْ تَرَكَ الْإِنْسَانُ مَا وَجَبَ لَهُ يُقَالُ لَهُ عَافٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ الْعَفْوُ. [قَوْلُهُ: عَمَّنْ ظَلَمَك] أَيْ تَعَدَّى عَلَيْك بِشَتْمٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ. [قَوْلُهُ: وَتُعْطِيَ. . . إلَخْ] أَيْ مَنْ حَرَمَك شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ غَيْرِهِ غَيْرِ مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ فَهُوَ قَوْلُهُ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك أَيْ تُعْطِيهِ سَوَاءٌ طَلَبَهُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ. [قَوْلُهُ: وَتَصِلَ. . . إلَخْ] أَيْ تَصِلَ مَوَدَّةَ مَنْ قَطَعَكَ بَعْضُهُمْ هَذَا أَعَمُّ فِي الرَّحِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى كُلِّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَحِمٌ اهـ.

ص: 430

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي وَأُعْطِيَ مَنْ حَرَمَنِي وَأَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي» . (وَجِمَاعُ) أَيْ جُمْلَةُ (آدَابِ الْخَيْرِ وَأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ) أَيْ تَتَخَرَّجُ (عَنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ) مَرْفُوعَةٍ أَحَدُهَا (قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ:

الْحَدِيثُ صَرِيحٌ كَمَا صُنِّفَ فِي نَدْبِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ، وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ لِلصَّفْحِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَظْلُومُ يَتَوَقَّعُ مَفْسَدَةً مِنْ الظَّالِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ. [قَوْلُهُ: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ] الْغَيْظُ هُوَ تَوَقُّدُ حَرَارَةِ الْقَلْبِ مِنْ الْغَضَبِ، وَكَظْمُهُ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْهُ بِالصَّبْرِ وَلَا يُظْهِرَ لَهُ أَثَرًا، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد:«مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا» .

[قَوْلُهُ: وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ] أَيْ إذَا جَنَى عَلَيْهِمْ أَحَدٌ لَمْ يُؤَاخِذُوهُ، رُوِيَ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إلَّا مَنْ عَفَا. [قَوْلُهُ: أَمَرَنِي رَبِّي. . . إلَخْ] أَمْرَ نَدْبٍ وَتَأَكُّدُهُ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام لَا يَخْفَى هَذَا مَا ظَهَرَ. [قَوْلُهُ: جُمْلَةُ آدَابِ الْخَيْرِ] أَيْ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ أَيْ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَسُمِّيَتْ بِالْآدَابِ جَمْعُ أَدَبٍ؛ لِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ التَّأْدِيبُ، وَالْمُرَادُ بِأَزِمَّتِهِ جَمْعُ زِمَامٍ الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يُقَادُ بِهِ الْبَعِيرُ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ لِلْخَيْرِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَقُودُ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذُكِرَ تَجِدُ الْأَزِمَّةَ عَيْنَ الْآدَابِ فَيَكُونُ الْعَطْفُ مُرَادِفًا.

قَالَ عج: وَيَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ آدَابَ الْخَيْرِ كُلَّهَا تَجْتَمِعُ فِيمَنْ عَمِلَ بِمَضْمُونِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ. [قَوْلُهُ: أَحَادِيثَ] جَمْعُ حَدِيثٍ وَهُوَ مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا، أَوْ تَقْرِيرًا، أَوْ صِفَةً.

وَقَوْلُهُ: مَرْفُوعَةٍ أَيْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابِيِّ، أَوْ التَّابِعِيِّ وَالْوَصْفُ كَاشِفٌ عَلَى مَا فَسَّرْنَا بِهِ أَحَادِيثَ. [قَوْلُهُ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ. . . إلَخْ] أَيْ إيمَانًا كَامِلًا مُنْجِيًا مِنْ عَذَابِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَهُوَ مِنْ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، إلَى آخِرِ مَا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وُصِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ. وَلَا يُقَالُ يَوْمٌ إلَّا مَا يَعْقُبُهُ لَيْلٌ أَيْ بِوُجُودِهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ فَلْيَفْعَلْ مَا يَأْتِي: فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ حَمْلًا عَلَى حَقِيقَتِهِ عِنْدَ فَقْدِ الصَّارِفِ، وَاكْتَفَى بِهِمَا عَنْ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ وَالْكُتُبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُهُ، فَإِنَّ إيمَانَ الْيَهُودِيَّةِ إيمَانٌ بِأَنَّ النَّارَ لَا تَمَسُّهُمْ إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِيمَانُ النَّصَارَى بِهِ بِأَنَّ الْحَشْرَ لَيْسَ إلَّا عَلَى الْأَرْوَاحِ لَيْسَ إيمَانًا بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَالْإِيمَانُ بِهِ كَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَفِي ذِكْرِهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لِإِيقَاظِ النَّفْسِ وَتَحَرُّكِ الْهِمَمِ لِلْمُبَادَرَةِ إلَى امْتِثَالِ جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ بَلْ يُكْرِمُ جَارَهُ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَلْيُحْسِنْ إلَى جَارِهِ، أَيْ بِكَفِّ الْأَذَى وَتَحَمُّلِ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَالْبِشْرِ فِي وَجْهِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَارُ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا.

[قَوْلُهُ: وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] الْإِيمَانُ بِهِ تَصْدِيقُ مَا فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْأَهْوَالِ. وَقَوْلُهُ: فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ: بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَالْإِتْحَافِ.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِالْقِيَامِ بِكِفَايَتِهِ، فَلَوْ أَطْعَمَهُ بَعْضَ كِفَايَتِهِ وَتَرَكَهُ جَائِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُكْرِمًا لِانْتِفَاءِ جُزْءِ الْإِكْرَامِ، وَإِذَا انْتَفَى جُزْؤُهُ انْتَفَى كُلُّهُ، وَمِنْ إكْرَامِهِ أَنْ يَضَعَ لَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَمِنْ إكْرَامِهِ أَنْ يُرْكِبَهُ إذَا انْقَلَبَ إلَى مَنْزِلِهِ إنْ كَانَ بَعِيدًا، وَمِنْ إكْرَامِهِ أَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ فِي كِتَابِ الْمُنْتَخَبِ مِنْ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا:«إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ الضَّيْفِ فَلْيُلْقِمْهُ بِيَدِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ بِهِ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ لَيْلِهَا» ". وَالضَّيْفُ مَنْ

ص: 431

فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» أَيْ فَلْيَقُلْ خَيْرًا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ شَرٍّ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ (وَ) ثَانِيهَا (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الْمُوَطَّأِ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَهُوَ مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَا أُخْرَوِيَّةٌ (وَ) ثَالِثُهَا (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الْبُخَارِيِّ (لِ) لِمُرَجَّلٍ (الَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ) حِينَ «قَالَ لَهُ أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا فَقَالَ: لَا تَغْضَبْ» أَيْ لَا تَعْمَلْ مُوجِبَاتِ الْغَضَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ النَّهْيَ عَنْ الْغَضَبِ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: مَنْ اُسْتُغْضِبَ وَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

مَالَ إلَيْك نَازِلًا بِك. [قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ خَيْرًا. . . إلَخْ] اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الطَّرَفِ مِنْ الْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ أَسَاسَ كُلِّ خَيْرٍ، وَنَجَاةً مِنْ كُلِّ ضَيْرٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا يُرِيدُ التَّكَلُّمَ بِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَجُرُّ إلَيْهَا أَتَى بِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِيَصْمُتْ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُمِعَ فِيهِ الْكَسْرُ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَسْكُتُ عَنْ شَرٍّ. . . إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ أَوْ يَسْكُتُ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَا تَعُودُ. . . إلَخْ يَصْدُقُ بِالْحَرَامِ، وَلَوْ كَبِيرَةً، وَلَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِحُسْنِ يَمْنَعُ مَعَ ذَلِكَ وَيَقْصُرُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، أَيْ وَإِذَا كَانَ مَا لَا يَعْنِيهِ مَا ذُكِرَ كَانَ مَا يَعْنِيهِ مَا تَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ لِدُنْيَاهُ، أَوْ لِآخِرَتِهِ، أَوْ لِدُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. قَالَ عج: وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ، أَوْ لِدُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ عَنْ دُنْيَا تُطْغِيهِ وَتُفْسِدُ آخِرَتَهُ انْتَهَى. وَيَعْنِيهِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ عَنَاهُ الْأَمْرُ إذَا تَعَلَّقَتْ عِنَايَتُهُ بِهِ. [قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ الَّذِي اخْتَصَرَ. . . إلَخْ] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَوْ حَارِثَةَ بْنَ قُدَامَةَ، أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ السَّائِلَ مُتَعَدِّدٌ. [قَوْلُهُ: اخْتَصَرَ. . . إلَخْ] قَالَ تت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْغَضَبَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتَصَرَ هَذَا الْكَلَامَ. [قَوْلُهُ: حِينَ] تَنَازَعَ فِيهِ قَوْلُهُ اخْتَصَرَ. [قَوْلُهُ: فَرَدَّدَ] أَيْ فَرَجَّعَ تَرْجِيعًا مِرَارًا أَيْ حَيْثُ يَقُولُ لَهُ: أَوْصِنِي يَعْتَقِدُ أَنَّ عَدَمَ الْغَضَبِ لَيْسَ أَمْرًا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْمَرَّاتِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ. قَالَ: فَأَعَادَهَا لَهُ حَيْثُ قَالَ لَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا لَا تَغْضَبْ.

وَقَوْلُهُ: فَقَالَ لَا تَغْضَبْ مُفِيدًا لَهُ أَنَّ عَدَمَ الْغَضَبِ خُصُوصًا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْغَضَبِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَعَلَى عَدَمِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالثَّمَرَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ مَا لَا يُحْصَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْغَضَبَ مِنْ النَّارِ وَعَجَنَهُ بِطِينَةِ الْإِنْسَانِ فَمَهْمَا نُوزِعَ فِي غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ اشْتَعَلَتْ نَارُ الْغَضَبِ فِيهِ وَفَارَتْ فَوَرَانًا يَغْلِي مِنْهُ دَمُ الْقَلْبِ وَيَنْتَشِرُ فِي الْعُرُوقِ فَيَرْتَفِعُ إلَى أَعَالِي الْبَدَنِ ارْتِفَاعَ الْمَاءِ فِي الْقِدْرِ، ثُمَّ يَنْصَبُّ فِي الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ حَتَّى يَحْمَرَّا مِنْهُ إذْ الْبَشَرَةُ لِصَفَائِهَا كَالزُّجَاجَةِ تَحْكِي مَا وَرَاءَهَا هَذَا إذَا غَضِبَ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَاسْتَشْعَرَ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ فَوْقَهُ وَأَيِسَ مِنْ الِانْتِقَامِ مِنْهُ انْقَبَضَ الدَّمُ إلَى جَوْفِ الْقَلْبِ وَكَمَنَ فِيهِ وَصَارَ حُزْنًا فَاصْفَرَّ اللَّوْنُ، أَوْ مِنْ مُسَاوِيهِ الَّذِي يَشُكُّ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَتَرَدَّدُ الدَّمُ بَيْنَ انْقِبَاضٍ وَانْبِسَاطٍ فَيَصِيرُ لَوْنُهُ بَيْنَ صُفْرَةٍ وَحُمْرَةٍ. [قَوْلُهُ: مُوجَبَاتِ] بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى مَا أَفَادَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْ مُسَبَّبَاتِ حَيْثُ قَالَ: أَرَادَ لَا تَعْمَلُ بَعْدَ الْغَضَبِ شَيْئًا مِمَّا يَنْشَأُ عَنْهُ لَا أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ جُبِلَ عَلَيْهِ، وَبِكَسْرِهَا عَلَى مَا لِلْخَطَّابِيِّ أَيْ اجْتَنِبْ أَسْبَابَ الْغَضَبِ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِمَا يَجْلِبُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْغَضَبِ مَطْبُوعٌ فِي الْإِنْسَانِ، وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْ جِبِلَّتِهِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّمَا نَهَاهُ عَنْ الْغَضَبِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ وَمُعَامَلَاتِهِ، أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِيَامِ بِالْحَقِّ فَقَدْ يَجِبُ كَالْقِيَامِ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجُوزُ، وَقَدْ يُنْدَبُ «كَغَضَبِهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الْمُخْطِئِ كَغَضَبِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ مُعَاذٌ أَنَّهُ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ» . [قَوْلُهُ: مِنْ اُسْتُغْضِبَ] أَيْ طُلِبَ مِنْهُ الْغَضَبُ، أَيْ فُعِلَ مَعَهُ مَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْغَضَبُ وَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ أَيْ فَهُوَ كَالْحِمَارِ مِنْ حَيْثُ الْبَلَادَةِ وَعَدَمِ الذَّكَاءِ إذْ لَوْ كَانَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَغَضِبَ. وَأَفَادَ بِهَذَا صِحَّةَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ

ص: 432

حِمَارٌ، وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ وَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ (وَ) رَابِعُهَا (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ. «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . أَيْ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَاتِ، وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ التَّامَّ وَإِلَّا فَأَصْلُ الْإِيمَانِ يَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

(وَلَا يَحِلُّ لَك) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (أَنْ تَتَعَمَّدَ سَمَاعَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ) قَوْلًا كَالْغِيبَةِ أَوْ فِعْلًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي.

(وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَتَلَذَّذَ بِسَمَاعِ صَوْتِ) كَلَامِ (امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَك) وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَلَذَّذَ بِصَوْتِ الْأَمْرَدِ الَّذِي فِيهِ لِينٌ، وَإِنَّمَا قَالَ تَتَلَذَّذُ وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تَسْمَعَ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ كَلَامِ الْمُتَجَالَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا جَائِزٌ.

(وَلَا) يَحِلُّ لَك (سَمَاعُ شَيْءٍ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي) كَالْعُودِ إلَّا الدُّفَّ فِي النِّكَاحِ.

(وَ) كَذَا لَا يَحِلُّ لَك سَمَاعُ (الْغِنَاءِ) بِالْمَدِّ وَهُوَ مَدُّ مَا يُقْصَرُ وَقَصْرُ مَا يُمَدُّ

ــ

[حاشية العدوي]

مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَمَا يُرَدُّ مِنْ النَّهْيِ فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ مُوجِبِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ] أَيْ طُلِبَ مِنْهُ الرِّضَا فِعْلُ مَا يَتَرَتَّبُ الرِّضَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ شَيْطَانٌ] أَيْ كَالشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَنْخَدِعُ عِنْدَ مُوجَبَاتِ الْخِدَاعِ لِلُؤْمِهِ وَاسْتِحْكَامِ عَدَاوَتِهِ لِلْإِنْسَانِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ. . . إلَخْ] أَيْ فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إمَّا رِوَايَةً بِالْمَعْنَى وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم تَكَلَّمَ بِهِمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الطَّاعَاتِ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَسَبِ ذَاتِهَا أَوْ بِحَسَبِ مَا شَأْنُهُ أَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيْ كَرِفْعَةِ الْمَرَاتِبِ فِي الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُ. . . إلَخْ] أَيْ وَمَعْنَى الْمُؤْمِنِ فِي الْمُصَنَّفِ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ. [قَوْلُهُ: فَأَصْلُ الْإِيمَانِ] فَالْإِيمَانُ الْأَصْلُ لِقَوْلِهِ: الْإِيمَانَ التَّامَّ. [قَوْلُهُ: يَحْصُلُ وَإِنْ. . . إلَخْ] لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِلْحَالِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْإِيمَانُ التَّامُّ أَيْ الْكَامِلُ وُجِدَ الْإِيمَانُ الْأَصْلُ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْعَقِيدَةِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تَتَعَمَّدَ] قَالَ تت: وَمَفْهُومُ التَّعَمُّدِ جَوَازُهُ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ كَالنَّظْرَةِ الْأُولَى.

[قَوْلُهُ: كُلِّهِ] أَيْ بِتَمَامِهِ أَيْ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُسْمَعَ، وَالْمُرَادُ سَمَاعُ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْبَاطِلَ يَكُونُ مُتَعَلِّقَ غَيْرِهِ كَالْبَصَرِ. [قَوْلُهُ: كَالْغِيبَةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ النَّمِيمَةُ وَالْقَذْفُ [قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلًا كَآلَاتِ] أَيْ كَصَوْتِ آلَاتِ الْمَلَاهِي إذْ الْمَسْمُوعُ هُوَ صَوْتُهَا لَا هِيَ، وَصَوْتُهَا فِعْلٌ لَهَا حَقِيقَةٌ، وَفِعْلٌ لِلشَّخْصِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَسَبِّبٌ عَنْ فِعْلِهِ وَحَيْثُ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: أَوْ فِعْلًا أَيْ بِأَوْ أَفَادَ أَنَّ التَّقْدِيرَ كَانَ الْبَاطِلُ لَا بِقَيْدِ كُلِّهِ قَوْلًا. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: الْمَلَاهِي] أَيْ آلَاتٍ هِيَ الْمَلَاهِي كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ لَهَا لَهْوًا لَعِبَ إلَى أَنْ قَالَ وَالْمَلَاهِي آلَتُهُ.

تَتِمَّةٌ.

هَلْ يَلْزَمُ سَامِعَ ذَلِكَ سَدُّ أُذُنَيْهِ، أَوْ تَعَاطِي أَسْبَابِ عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، وَظَاهِرُ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِي التَّحْقِيقِ عَدَمُ تَحْرِيمِ سَمَاعِهِ كَمَا أَفَادَهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تَتَلَذَّذَ بِسَمَاعِ. . . إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ بِالْقَرَائِنِ أَيْ تَقْصِدُ التَّلَذُّذَ. [قَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ لَك] أَيْ لَا يَحِلُّ لَك مُنَاكَحَتُهَا أَيْ فَيَجُوزُ التَّلَذُّذُ بِكَلَامِ مَنْ تَحِلُّ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ أَمَةٍ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ مِمَّا لَا يَصْدُرُ إلَّا مِمَّا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: الَّذِي فِيهِ لِينٌ] أَيْ الَّذِي هُوَ مَنْشَأُ التَّلَذُّذِ. [قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا] أَيْ مِنْ الشَّابَّةِ الَّتِي لَيْسَ فِي صَوْتِهَا لِينٌ، أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي صَوْتِهَا لِينٌ فَلَا يَجُوزُ السَّمَاعُ لِكَوْنِهِ يَتَلَذَّذُ، وَرُبَّمَا أَفْهَمَ أَنَّ مَا فِي صَوْتِهَا لِينٌ لَا يَجُوزُ سَمَاعُهُ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَتَلَذَّذُ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ عُمَرَ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا سَمَاعُ كَلَامِهَا مِنْ غَيْرِ تَلَذُّذٍ فَجَائِزٌ اهـ.

أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَمَاعَ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ تَلَذُّذٌ وَلَا وُجُودُهَا لَا مَنْعَ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ، وَكَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ سَمَاعِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ التَّلَذُّذِ.

[قَوْلُهُ: سَمَاعُ شَيْءٍ] أَيْ صَوْتُ شَيْءٍ [قَوْلُهُ: كَالْعُودِ] أَيْ وَالطُّنْبُورِ [قَوْلُهُ: إلَّا الدُّفَّ فِي النِّكَاحِ] أَيْ الْمَعْرُوفُ بِالطَّارِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ وَسَمَاعُهُ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ لِرَجُلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ وَصَرَاصِيرُ كَمَا فِي عج.

[قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] أَيْ مَعَ كَسْرِ الْغَيْنِ، وَأَمَّا الْمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ النَّفْعُ وَبِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ الْيَسَارُ مُقَابِلُ الْفَقْرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَدُّ مَا يُقْصَرُ] أَيْ مَدُّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُقْصَرَ، أَوْ مَا طُلِبَ أَنْ يُقْصَرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ هُوَ نَفْسُ مَدِّ الْحَرْفِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ

ص: 433

لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ مِنْ كَلَامٍ طَيِّبٍ مَفْهُومِ الْمَعْنَى مُحَرِّكًا لِلْقَلْبِ طَلَبًا لِلْإِطْرَابِ سَوَاءٌ كَانَ بِآلَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَ) كَذَلِكَ (لَا يَحِلُّ لَك قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا سَمَاعُهُ بِاللُّحُونِ) أَيْ الْأَصْوَاتِ (الْمُرَجَّعَةِ) أَيْ الْمُطْرِبَةِ (كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ) بِالْمَدِّ أَيْ الْمُشَبَّهَةِ بِالْغِنَاءِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ بَعْضُ الشُّيُوخِ. اُنْظُرْ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلُ (وَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ فَ (لْيُجَلَّ) أَيْ يُعَظَّمْ وَيُنَزَّهْ (كِتَابُ اللَّهِ الْعَزِيزِ أَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

فَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّهُ الصَّوْتُ الَّذِي يُطْرَبُ بِهِ [قَوْلُهُ: لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ] أَيْ لِزِيَادَةِ التَّحْسِينِ، أَوْ غَالِبًا، لَا أَنَّ التَّحْسِينَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لُزُومًا فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامٍ طَيِّبٍ] بَيَانُ كَمَا أَيْ مِنْ جُزْءِ كَلَامٍ طَيِّبٍ. وَهُوَ الْحَرْفُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الْقَصْرُ، أَوْ الْمَدُّ [قَوْلُهُ: مَفْهُومِ الْمَعْنَى] أَيْ شَأْنُهُ أَنْ يُفْهَمَ، فَلَوْ أَنَّهُ أَتَى بِأَلْفَاظٍ غَرِيبَةٍ احْتَوَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يُقَالُ لَهَا غِنَاءٌ هَذَا مُقْتَضَاهُ.

وَقَوْلُهُ: مُحَرِّكٍ لِلْقَلْبِ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ طَيِّبٍ، وَلَوْ ذَكَرَهُ بِلِصْقِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَرَادَ بِالْقَلْبِ النَّفْسَ لَا الشَّكْلَ الصَّنَوْبَرِيَّ [قَوْلُهُ: طَلَبًا لِلْإِطْرَابِ] عِلَّةٌ لِلتَّحْسِينِ وَالْإِطْرَابُ مَصْدَرُ أَطْرَبَ أَيْ أَطْرَبَ السَّامِعَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] ضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ يُكْرَهُ. وَأَمَّا بِآلَةٍ فَيَحْرُمُ، وَلَوْ فِي عُرْسٍ خِلَافًا لِعِبَارَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا فِيهَا كَمَا سَمِعْنَاهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ. وَرَأَيْنَا مِنْ النُّقُولِ مَا يُفِيدُهُ وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْغِنَاءَ حَرَامٌ مُطْلَقًا بِآلَةٍ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي النِّكَاحِ وَكَذَا الْآلَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْغِنَاءِ تَحْرُمُ مُطْلَقًا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا الدُّفَّ وَحْدَهُ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ يُكْرَهُ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَا يُكْرَهُ وَإِلَّا حَرُمَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْآلَةَ تَحْرُمُ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: وَلَا سَمَاعُهُ] هَذَا يُفْهَمُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ الْقِرَاءَةِ عَدَمُ حِلِّ السَّمَاعِ [قَوْلُهُ: بِاللُّحُونِ] اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ اللُّحُونِ وَالْأَلْحَانِ جَمْعُ لَحْنٍ لَا جَمْعُ تَلْحِينٍ خِلَافًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ، وَتَبِعَهُ اللَّقَانِيُّ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْأَصْوَاتِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي هُوَ مُفْرَدٌ كُلٌّ مِنْ اللُّحُونِ، وَالْأَلْحَانُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الصَّوْتِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْمُرَجَّعَةِ وَصْفًا مُخَصِّصًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الصَّوْتُ الْمُطْرِبُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْمُرَجَّعَةِ وَصْفًا مُؤَكِّدًا. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُطْرِبَةِ] مِنْ أَطْرَبَ [قَوْلُهُ: كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: التَّرْجِيعُ التَّرْدِيدُ فِي الصَّوْتِ وَإِعَادَةُ حَرْفٍ وَاحِدٍ تَحْسِينًا لِلصَّوْتِ وَتَتْمِيمًا لِلْغِنَاءِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُشَبَّهَةِ] تَفْسِيرٌ لِحَاصِلِ قَوْلِهِ الْمُرَجَّعَةِ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِالْأَلْحَانِ] تَقَدَّمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَلْحَانِ وَاللُّحُونِ جَمْعُ لَحْنٍ [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ] أَيْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَمَ بِعَدَمِ الْحِلِّ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمَنْعُ فَيُوَافِقُ الْمُصَنِّفَ. وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي سِلْكِ الْمَكْرُوهَاتِ أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْمُوَافَقَةُ، وَلَوْ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ إمَّا بِحَمْلٍ لَا يَحِلُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَتُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ وَإِلَّا حَرُمَتْ أَيْ أَنَّ حُكْمَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفِ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ، أَوْ يُحْمَلُ الْمُصَنَّفُ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ، وَحُكْمُ الْمُدَوَّنَةِ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ كَالْمُخْتَصَرِ.

وَأَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ فَتَحْرُمُ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَلْ قَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ اسْتَحْسَنَهُ، وَسَمَاعُهُ يَزِيدُ غِبْطَةً بِالْقِرَاءَةِ وَإِيمَانًا وَيُكْسِبُ الْقُلُوبَ خَشْيَةً. [قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ] أَيْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا، أَوْ أُرِيدَ بِهَا الْمَنْعُ [قَوْلُهُ: فَلْيُجْلِ] أَيْ نَدْبًا أَكِيدًا نَظَرًا لِمَجْمُوعِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ [قَوْلُهُ: وَيُنَزِّهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: أَنْ يُتْلَى] بَدَلٌ مِنْ كِتَابٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ، وَهَذَا نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ فَلَا يُتْلَى كِتَابُ اللَّهِ مُلْتَبِسًا بِحَالَةٍ مِنْ

ص: 434

يُتْلَى) أَيْ يُقْرَأَ (إلَّا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ) أَيْ تَعْظِيمٍ (وَبِمَا يُوقَنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيُقَرِّبُ مِنْهُ) قُرْبَ قَبُولٍ لَا قُرْبَ مَسَافَةٍ (مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ) أَيْ لِمَا يَتْلُوهُ فَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ نَهْيٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمَنْهِيُّ، أَوْ بِآيَةِ أَمْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمَأْمُورُ. قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا، وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا.

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضِ عَيْنٍ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَهُوَ مَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ (عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ)

ــ

[حاشية العدوي]

الْحَالَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِسَكِينَةٍ [قَوْلُهُ: أَيْ يُقْرَأُ. . . إلَخْ] لَمَّا كَانَتْ التِّلَاوَةُ لَا تَأْتِي إلَّا فِي مُتَعَدِّدٍ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّك تَقُولُ: قَرَأْت اسْمَهُ وَلَا تَقُولُ تَلَوْت اسْمَهُ، أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا أَنَّ السَّكِينَةَ وَمَا مَعَهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ، بَلْ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِحَرْفٍ. [قَوْلُهُ: بِسَكِينَةٍ] أَيْ طُمَأْنِينَةٍ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت وَقَوْلُهُ: أَيْ تَعْظِيمٍ كَذَا فِيهِمَا أَيْضًا زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنَى الْهُدُوءِ وَالسُّكُونِ انْتَهَى. فَيُفِيدُ أَنَّهُمَا عَلَى الْحَلِّ الْأَوَّلِ مُتَغَايِرَانِ، وَأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ غَيْرُ التَّعْظِيمِ فَمَرْجِعُ الطُّمَأْنِينَةِ إلَى سُكُونِ الْجَوَارِحِ بِحَيْثُ لَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا يُلْهِي، وَمَرْجِعُ التَّعْظِيمِ إلَى كَوْنِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ الرِّيحُ يُمْسِكُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَتَكَامَلَ خُرُوجُهُ، وَإِذَا تَثَاءَبَ يُمْسِكُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَبِمَا يُوقَنُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِسَكِينَةٍ وَمَا فِيهِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظِنَّةِ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهَا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ جَالِسًا كَجُلُوسِ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ أُسْتَاذِهِ، أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُوقَنُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ لَا حَقِيقَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُقَرِّبُ. . . إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى يَرْضَى أَيْ يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَيْ يَقْرُبُ الْمَوْلَى مِنْ الْقَارِئِ بِسَبَبِهِ، فَمِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ، أَوْ أَنَّ الْعَائِدَ مَحْذُوفٌ فَضَمِيرُ مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى الْقَارِئِ، أَيْ بِمَا يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَقْرُبُ مِنْ الْقَارِئِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعْطُوفٌ عَلَى يُوقَنُ وَالتَّقْدِيرُ وَبِمَا يُوقَنُ. . . إلَخْ.

وَبِمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ أَيْ يُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ أَيْ بِوَجْهٍ وَحَالَةٍ تُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَيُقَرِّبُ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَبِمَا يُوقَنُ. . . إلَخْ مِنْ أَفْرَادِ الْوَقَارِ الْمُفَسَّرِ بِالتَّعْظِيمِ [قَوْلُهُ: مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ] أَيْ مَعَ تَحْصِيلِ إدْرَاكِهِ لِذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِمَا يَتْلُوهُ. . . إلَخْ] رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِمَا يُتْلَى الْمَأْخُوذُ مِنْ التِّلَاوَةِ الَّتِي هِيَ الْبَدَلُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فَكَانَ الْحَدِيثُ جَارِيًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا مَرَّ. . . إلَخْ] هَذَا مِنْ ثَمَرَاتِ قَوْلِهِ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لَا أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: إنَّهُ الْمَنْهِيُّ] أَيْ لَا غَيْرُهُ مُبَالَغَةً، أَوْ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْهِيِّ، وَأَرَادَ بِآيَةِ النَّهْيِ، وَلَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ الْقَصَصَ الْوَارِدَةَ فِي شَأْنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَيُلَاحَظُ أَنَّهُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ مَضَوْا إلَّا نَظَرًا لِكَوْنِنَا نَنْتَهِي عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي أَوْجَبَتْ لَهُمْ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ. . . إلَخْ] أَتَى بِهِ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ. [قَوْلُهُ: لَا فِقْهَ فِيهَا] أَيْ لَا مَعْرِفَةَ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةُ الْجُهَّالِ فَحِينَئِذٍ فَالْمَنْفِيُّ أَصْلُ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بَاطِلَةٌ، أَوْ لَا فَهْمَ فِيهَا أَيْ لَا إدْرَاكَ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فِيهَا، وَحَاصِلُهُ لَا خُشُوعَ فِيهَا فَالْمَنْفِيُّ كَمَالُ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ أَثِمَ بِتَرْكِ الْخُشُوعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: لَا تَدَبُّرَ فِيهَا] أَيْ لَا تَأَمُّلَ لِلْمَعَانِي فِيهَا، وَأَصْلُ التَّدَبُّرِ كَمَا قَالَ بَعْضٌ النَّظَرُ فِي أَدْبَارِ الْأُمُورِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَأَمُّلٍ وَالْمَنْفِيُّ كَمَالُ الْخَيْرِ.

[قَوْلُهُ: فَرْضِ عَيْنٍ] مُلَخَّصُ عِبَارَتِهِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَ وَلَا يَظْهَرُ بَلْ إذَا تَعَدَّدَ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَغَيْرِ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ هَذَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ، أَوْ اللِّسَانِ.

وَأَمَّا بِالْقَلْبِ فَفَرْضُ عَيْنٍ وَلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْقَلْبِ شَرْطَانِ فِي الْجَوَازِ وَشَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، فَاَللَّذَانِ لِلْجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي عَالِمَيْنِ بِذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنْعَكِسَ الْأَمْرُ فَيَأْمُرَ بِمُنْكَرٍ وَيَنْهَى عَنْ مَعْرُوفٍ، وَأَنْ لَا يَخَافَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ كَنَهْيِهِ عَنْ قَذْفٍ فَيُؤَدِّيَ لِلْقَتْلِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ أَنْ يَعْلَمَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِفَادَةُ وَإِلَّا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ. [قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ] قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ، وَأَيْضًا أَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ أَوَّلًا

ص: 435

أَيْ حُكْمُهُ (فِي الْأَرْضِ) كَالسُّلْطَانِ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ إلَى ذَلِكَ) تَكْرَارٌ (فَإِنْ لَمْ) يَكُنْ مِمَّنْ (يَقْدِرُ) عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِيَدِهِ (فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) بِلِسَانِهِ (فَبِقَلْبِهِ) .

(وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ) يَعْنِي جِنْسَ الْمُؤْمِنِ الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا (أَنْ يُرِيدَ) أَيْ يَقْصِدَ (بِكُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ مِنْ الْبِرِّ) مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ (وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ الْعَمَلِ (غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ) الْكَرِيمِ (لَمْ يُقْبَلْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَنَهَى آدَمَ بَعْدَهُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَأَرَادَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. . . إلَخْ قَوْلًا وَفِعْلًا بِمَعْنَى التَّغْيِيرِ، فَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَاحْتَجْنَا لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَوْ لُزُومًا لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْقِيَاسِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى شُمُولُهُ لِلْمَنْدُوبِ وَكَذَا تَفْسِيرُ الْمُنْكَرِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْفُرُوضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كَوْنِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُمَا أَرْجَحِيَّةُ النَّدْبِ كَنَدْبِ النَّهْيِ فِي الْمَكْرُوهِ [قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ] الْوَاوُ بِمَعْنَى، أَوْ، ثُمَّ تُجْعَلُ مَانِعَةَ خُلُوٍّ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. . . إلَخْ] وَهَلْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ لَمْ تَعْرِفْهُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تُنْكِرُهُ قَوْلَانِ تت.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا نَهَى. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْيَدِ بِقَرِينَةِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ [قَوْلُهُ: بُسِطَتْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ، وَأَرَادَ بِالْبَسْطِ لَازِمَهُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ مَجَازًا. وَقَوْلُهُ: أَيْ حُكْمُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَدُهُ، وَأَرَادَ بِالْحُكْمِ تَصَرُّفَهُ وَتَفْسِيرُ الْيَدِ بِالْحُكْمِ مِنْ بَابِ التَّوْرِيَةِ وَهِيَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى قَرِيبٌ وَمَعْنًى بَعِيدٌ، وَيُرَادُ الْبَعِيدُ مَجَازًا كَمَا هُنَا، وَعَلَاقَتُهُ الْمَحَلِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ. [قَوْلُهُ: إلَى ذَلِكَ] أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَوْلًا وَفِعْلًا. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] ؛ لِأَنَّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ لِذَلِكَ هُوَ عَيْنُ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِتَكْرَارٍ وَإِنَّ هَذَا شَخْصٌ آخَرُ وَهُوَ الْأَبُ عَلَى أَبْنَائِهِ وَالسَّيِّدُ عَلَى عَبِيدِهِ وَالزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. . . إلَخْ] قَدَّرَ الشَّارِحُ رحمه الله يَكُنْ دَفْعًا لِمَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَحَاصِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِيَدِهِ] الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَنَهْيِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَأْمُورُ، أَوْ الْمَنْهِيُّ بِذَلِكَ، فَإِنْ امْتَثَلَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ شَهَرَ لَهُ السِّلَاحَ إنْ وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ مَرْتَبَةٍ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا، وَصُورَةُ تَغْيِيرِ الْقَلْبِ إذَا رَأَى مُنْكَرًا يَقُولُ فِي نَفْسِهِ لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ لَغَيَّرْته، وَإِذَا رَأَى مَعْرُوفًا ضَاعَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَأَمَرْت، وَيُحِبُّ الْفَاعِلَ لِلْمَعْرُوفِ وَيَكْرَهُ الْفَاعِلَ لِلْمُنْكَرِ بِقَلْبِهِ وَيُظْهِرُ ذَلِكَ بِجَوَارِحِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ.

قَالَ عج: وَفِي كَلَامِ تت وَالشَّاذِلِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِالْقَلْبِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَصُورَةُ تَغْيِيرِهِ. . . إلَخْ.

تَنْبِيهٌ:

قِيلَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ مُتَلَازِمَانِ.

[قَوْلُهُ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ] أَيْ فَرْضُ عَيْنٍ [قَوْلُهُ: يَعْنِي جِنْسَ الْمُؤْمِنَ] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ دَفْعًا لِمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ قُصُورِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الذَّكَرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَةَ. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفَ] أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: مِنْ الْبِرِّ] أَيْ كَائِنٌ ذَلِكَ الْقَوْلُ، أَوْ الْعَمَلُ مِنْ الْبِرِّ، وَأَرَادَ بِالْعَمَلِ عَمَلَ الْجَوَارِحِ مَا عَدَا اللِّسَانَ وَمَا عَدَا الْقَلْبَ، أَمَّا عَمَلُ اللِّسَانِ فَهُوَ الْقَوْلُ، وَأَمَّا عَمَلُ الْقَلْبِ فَهُوَ خَفِيٌّ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَقْصِدَ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ] بَيَانٌ لِلْبِرِّ أَيْ أَنَّ الْبِرَّ شَيْءٌ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبِرَّ هُوَ الطَّاعَةُ كَانَتْ وَاجِبَةً، أَوْ مَنْدُوبَةً [قَوْلُهُ: وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ] أَيْ ذَاتَ اللَّهِ الْكَرِيمِ أَيْ لَا النَّاسَ الَّذِينَ قَصَدَهُمْ بِقَوْلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ فَدَخَلَ فِي وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ مَرْتَبَتَانِ الْكَامِلَةُ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَالنَّاقِصَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا بِأَنْ يَقْصِدَ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالْبُعْدَ عَنْ دُخُولِ النَّارِ.

ص: 436

عَمَلُهُ) وَلَا قَوْلُهُ: (وَالرِّيَاءُ) وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ» الْحَدِيثَ.

(وَالتَّوْبَةُ) لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ شَرْعًا إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ شَرْعًا (فَرِيضَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ) ظَاهِرُهُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَغَفَرَ الصَّغَائِرَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَهَا شُرُوطُ كَمَالٍ تَأْتِي وَشُرُوطُ صِحَّةٍ وَهِيَ النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ. وَقَوْلُهُ:(مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ) زَائِدٍ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَفْعِ الْإِصْرَارِ (وَالْإِصْرَارُ الْمُقَامُ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ (عَلَى الذَّنْبِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ] أَيْ لَا ثَوَابَ لَهُ أَيْ فَالْمَنْفِيُّ هُوَ الْقَبُولُ بِمَعْنَى الثَّوَابِ أَيْ وَالْعِبَادَةُ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الطَّلَبُ كَمَا أَفَادَهُ عِيَاضٌ وَالْأَبِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَا قَوْلُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ بِعَمَلِهِ] أَيْ مِمَّا كَانَ قُرْبَةً.

وَقَوْلُهُ: غَيْرَ اللَّهِ بِأَنْ أَرَادَ النَّاسَ فَلَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْقُرْبَةِ كَالتَّجَمُّلِ بِاللِّبَاسِ. [قَوْلُهُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] هُوَ الرِّيَاءُ الْخَالِصُ وَهُوَ إيقَاعُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ النَّاسِ فَقَطْ، وَرِيَاءُ الشِّرْكِ وَهُوَ الْعَمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالنَّاسِ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ لَهُمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ. [قَوْلُهُ: إنَّ أَخْوَفَ] أَيْ إنَّ أَخْوَفَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَيْكُمْ أَيْ أَشَدَّ إخَافَةً.

[قَوْلُهُ: لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ أَفْعَالٍ. . . إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا لُغَةً فَهُوَ مُطْلَقُ الرُّجُوعِ أَفَادَهُ تت. وَالتَّحْقِيقُ وَقَوْلُهُ: أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ وَبِدْعَةٍ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ: وَالتَّوْبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْبَةٌ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى الطَّاعَةِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ الْبِدْعَةِ إلَى السُّنَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا أَقْسَامٌ التَّوْبَةُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي عَرَّفَهَا الشَّارِحُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَالشُّبُهَاتِ وَهِيَ تَوْبَةُ الزُّهَّادِ، وَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ الْغَفْلَةِ إلَى الْيَقِظَةِ وَهِيَ تَوْبَةُ الْمُحِبِّينَ [قَوْلُهُ: إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَزْنِي مَثَلًا، ثُمَّ أَنَّهُ تَرَكَ الزِّنَا عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ نَادِمًا عَلَى مَا فَعَلَهُ فَهَذِهِ تَوْبَةُ رُجُوعٍ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا إلَى فِعْلٍ مَمْدُوحٍ شَرْعًا الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ وَقَوْلُ أَفْعَالٍ أَرَادَ الْجِنْسَ، أَوْ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأَفْرَادِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ أَفْعَالٌ قَلْبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ اللَّازِمُ.

وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْجَوَارِحِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي كُلِّ تَوْبَةٍ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَهُ شَارِحُ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ وُجُوبُ التَّوْبَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ.

وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ضَعِيفٌ. وَخُلَاصَةُ الْحَالِ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْخِلَافِ، وَالصَّغِيرَةَ تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ قَالَهُ عج إلَّا أَنَّ الذَّنْبَ إنْ كَانَ مَعْلُومًا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ تَفْصِيلًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ إجْمَالًا، وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ إسْلَامُهُ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إلَّا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ يُغَرْغِرَ، وَتَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَقِيلَ ظَنًّا وَتُقْبَلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا لِصِبَاهُ، أَوْ جُنُونِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ إسْلَامُهُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ عج. [قَوْلُهُ: وَهِيَ النَّدَمُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدُهَا أَرْكَانًا لَهَا لَا تَتَحَقَّقُ مَاهِيَّتُهَا، إلَّا بِهَا فَجَعْلُهَا شُرُوطًا تَسَامُحٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ] أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالذَّنْبِ يُقْلِعُ عَنْهُ وَيَتْرُكُهُ حَالًا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَخْصٍ تَابَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فِي حَالِ تَعَاطِيهِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْفِعْلِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ] أَيْ فِي الزَّمَنِ الْحَالِ. [قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَفْعِ الْإِصْرَارِ] أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِقْلَاعَ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ وَالنِّيَّةَ أَنْ لَا يَعُودَ اللَّذَيْنِ مِنْ أَرْكَانِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَاهِيَّتُه إلَّا بِهِمَا، أَيْ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَالتَّوْبَةَ

ص: 437

وَاعْتِقَادِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَمِنْ التَّوْبَةِ رَدُّ الْمَظَالِمِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَوَاجِبَانِ فِي التَّوْبَةِ وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ فِي صِحَّتِهَا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَحَدُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَشُرُوطُ الْكَمَالِ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلْيَسْتَغْفِرْ رَبَّهُ وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ وَيَتَذَكَّرُ نِعْمَتَهُ لَدَيْهِ) أَيْ عَلَيْهِ (وَيَشْكُرُ فَضْلَهُ عَلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ) أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَنَدِمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ» . الْحَلِيمِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ النَّدَمِ لِتَتِمَّ التَّوْبَةُ، وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَهُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ عز وجل وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ.

وَأَمَّا الْخَوْفُ فَهُوَ تَأَلُّمُ الْقَلْبِ

ــ

[حاشية العدوي]

فَرِيضَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهَا خَالِيَةً عَنْ إصْرَارٍ فَيُفِيدُ أَنَّ لَهَا وُجُودًا وَتَحَقُّقًا بِدُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمِيمِ] وَأَمَّا بِفَتْحِ الْمِيمِ فَهُوَ مَحَلُّ الْإِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ: وَاعْتِقَادُ. . . إلَخْ قَالَ تت: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا فَهُمَا شَيْئَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى، أَوْ فَيَكُونُ الْإِصْرَارُ حَاصِلًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ زَائِدٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَوْرًا وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرِيضَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهَا غَيْرَ مُجَامِعَةٍ لِإِصْرَارٍ احْتِرَازًا مِنْ تَوْبَةٍ مُجَامِعَةٍ لِإِصْرَارٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ نِيَّتِهَا التَّوْبَةُ يُقْصَدُ حُصُولُهَا فِي الْغَدِ بِأَرْكَانِهَا الثَّلَاثَةِ مَعَ الْإِقَامَةِ عَلَى الذَّنْبِ قَبْلَ الْغَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى التَّرَاخِي. [قَوْلُهُ: رَدُّ الْمَظَالِمِ] إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ أَمْوَالًا، وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَا عِنْدَهُ، أَوْ يَرُدَّهَا لِوَارِثِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَلَا وَجَدَ وَارِثَهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَظْلُومِ، وَإِذَا كَانَتْ أَعْرَاضًا كَقَذْفٍ، أَوْ غِيبَةٍ اسْتَحَلَّ الْمَقْذُوفَ، أَوْ الْمُغْتَابَ إنْ وَجَدَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ مَاتَ فَيُكْثِرَ مِنْ الْحَسَنَاتِ لِيُعْطِيَ مِنْهَا الْمَظْلُومَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ مَنْ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ فَاغْفِرْ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلَانِ] شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا شَرَطَ صِحَّةً إلَّا الْأَخِيرُ هَذَا مُرَادُهُ. [قَوْلُهُ: فَوَاجِبَانِ فِي التَّوْبَةِ] أَيْ وَاجِبَانِ فِي حَالِ التَّوْبَةِ أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ التَّوْبَةِ أَنْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ فِي صِحَّتِهَا] مُسَلَّمٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُسَلَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْإِقْلَاعَ فِي الْحَالِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحَارِمِ أَيْ مَا عَدَا الْمَتُوبَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصِحُّ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ، وَلَكِنْ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَغْفِرْ] أَيْ نَدْبًا أَيْ يَطْلُبُ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يَسْتُرَ مَا سَلَفَ مِنْهُ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ مَا يَحِلُّ عَقْدُ الْإِصْرَارِ وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجِنَانِ بِأَنْ يُوَافِقَ مَا فِي قَلْبِهِ لِسَانَهُ لَا مُجَرَّدُ التَّشَدُّقِ بِاللِّسَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحْوِجٌ لِلِاسْتِغْفَارِ وَصَغِيرَةٌ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ [قَوْلُهُ: وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ] أَيْ نَدْبًا بِأَنْ يَطْمَعَ فِي حُصُولِهَا مَعَ أَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ الْحُصُولِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَخَافُ عَذَابَهُ] أَيْ وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخَافَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُقْطَعُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا.

[قَوْلُهُ: وَيَتَذَكَّرُ نِعْمَتَهُ] أَيْ وَهِيَ تَوْفِيقُهُ لِلتَّوْبَةِ وَإِقْدَارُهُ عَلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النِّعْمَةِ يَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، أَيْ وَلْيَتَذَكَّرْ إنْعَامَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَضْلَهُ عَلَيْهِ] أَيْ إحْسَانَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَتَرْكُ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ أَيْ فَالشُّكْرُ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ، أَوْ قَوْلُهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ فَمَكْرُوهُ الْفِعْلِ الصَّلَوَاتُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَمَكْرُوهُ الْقَوْلِ كَالتَّكَلُّمِ بِمَا لَا يَعْنِي وَالْمُحَرَّمُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ ظَاهِرَانِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ] أَيْ أَمَّا كَوْنُ الِاسْتِغْفَارِ شَرْطَ كَمَالٍ. . . إلَخْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةٍ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ يُطْلَبُ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ نَعَمْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَطْلُوبٌ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّجَاءُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سُنَنِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ ذَكَرَهُ مِنْ حَيْثُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَمِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرَّجَاءَ إذَا كَانَ هَذَا تَعْرِيفَهُ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ تَجْرِيدٌ. [قَوْلُهُ: فِي رَحْمَةِ اللَّهِ] أَيْ فِي إنْعَامِ

ص: 438

بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَأَمَّا التَّذَكُّرُ فَهُوَ التَّفْكِيرُ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ حَيْثُ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ.

وَأَمَّا الشُّكْرُ فَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِذِكْرِ إحْسَانِهِ وَيَكُونُ بِالْقَلْبِ خُضُوعًا وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَبِالْجَوَارِحِ طَاعَةً وَانْقِيَادًا (وَيَتَقَرَّبُ) التَّائِبُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ) فِعْلُهُ وَإِنْ قَلَّ (مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ) كَالصَّلَاةِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ:«وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثُ. (وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ) التَّائِبُ (مِنْ فَرَائِضِهِ) الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (فَلْيَفْعَلْهُ الْآنَ) وُجُوبًا عَلَى الْفَوْرِ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ قَضَى مَا اسْتَطَاعَ مَعَ

ــ

[حاشية العدوي]

اللَّهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ] أَيْ هَذَا الطَّمَعُ أَيْ لَا يَحْسُنُ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ] أَيْ وَالطَّاعَةُ الْحَسَنَةُ وَالْوَصْفُ كَاشِفٌ أَيْ وَأَمَّا الطَّمَعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ طَاعَةٍ فَلَيْسَ بِحَسَنٍ بَلْ مَذْمُومٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الرَّجَاءَ هُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعَ طَاعَةٍ أَمْ لَا وَلَكِنَّ هَذَا الطَّمَعَ، أَوْ الرَّجَاءَ لَا يَحْسُنُ إلَّا مَعَ الطَّاعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الرَّجَاءُ هُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ بِقَيْدِ أَنْ يَكُونَ آخِذًا فِي الْأَسْبَابِ أَيْ بِقَيْدِ الطَّاعَةِ قَالَ تت: وَلَا يَكُونُ الرَّجَاءُ إلَّا مَعَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمَنٍّ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَوْفُ. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّجْرِيدِ [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ] أَيْ وَمِنْ مَا صَدَقَاتِ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ عَذَابُ الرَّبِّ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ التَّفَكُّرُ. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّجْرِيدِ [قَوْلُهُ: حَيْثُ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ] أَيْ؛ لِيَكُونَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الشُّكْرِ، وَالْوَاضِحُ أَنْ يَقُولَ: التَّفَكُّرُ فِي نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَهِيَ التَّوْفِيقُ لِلتَّوْبَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ نِعْمَتَهُ غَيْرُ التَّوْفِيقِ لِلتَّوْبَةِ، أَوْ عَيْنُ التَّوْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّعْمَةِ الْإِنْعَامُ، أَوْ الْمُنْعَمُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشُّكْرُ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: بِذِكْرِ إحْسَانِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِالثَّنَاءِ أَيْ الثَّنَاءِ بِذِكْرِ إحْسَانِهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذِكْرِ وَتُجْعَلُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بَيَانًا لِمُتَعَلِّقِ الشُّكْرِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ حَتَّى يَكُونَ قَاصِرًا عَلَى الْفِعْلِ اللِّسَانِيِّ مَعَ أَنَّ مَوْرِدَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ عَامٌّ فِي فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ خَاصٌّ وَهُوَ الْإِنْعَامُ وَمَوْرِدُهُ عَامٌّ.

وَأَمَّا الشُّكْرُ الِاصْطِلَاحِيُّ فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ.

وَقَوْلُهُ: وَيَكُونُ. . . إلَخْ رَاجِعًا لِلثَّنَاءِ أَيْ أَنَّ الثَّنَاءَ فِي حَالِ كَوْنِهِ بِالْقَلْبِ يُسَمَّى خُضُوعًا كَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَرِيمٌ مَثَلًا اعْتِقَادًا جَازِمًا، أَوْ رَاجِحًا، وَلَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا بِاللِّسَانِ يُقَالُ لَهُ: ثَنَاءٌ وَاعْتِرَافٌ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَتِهِ تَنَافِيًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهَا يَقْضِي أَنَّ الثَّنَاءَ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ اعْتِقَادًا بِالْجِنَانِ، أَوْ قَوْلًا بِاللِّسَانِ أَوْ فِعْلًا بِالْجَوَارِحِ، وَلَيْسَ قَاصِرًا عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى اللِّسَانِ وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّحْقِيقُ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ لَا يُسَمَّى طَاعَةً كَمَا أَنَّ مَا قَامَ بِالْجَوَارِحِ لَا يُسَمَّى خُضُوعًا وَمَا قَامَ بِاللِّسَانِ لَا يُسَمَّى خُضُوعًا وَلَا طَاعَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ مَا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ طَاعَةً بَلْ مِنْ أَفْرَادِ الطَّاعَةِ قَطْعًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الصِّحَاحِ إطْلَاقُ الْخُضُوعِ عَلَى مَا بِالْجَوَارِحِ، وَعَطْفُ الِاعْتِرَافِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَعَطْفُ الِانْقِيَادِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ] أَيْ بِشَيْءٍ تَيَسَّرَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: فِعْلُهُ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ فِعْلٌ هُوَ مَا بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالتَّيَسُّرِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ، فَإِذَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَ مَا عَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ الْمُضَافُ لِضَمِيرِهَا عَلَى الْمَصْدَرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ الْمُتَيَسِّرِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ هُوَ نَفْسُ الْمُتَيَسِّرِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ] إضَافَةُ النَّوَافِلِ إلَى الْخَيْرِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْئِيِّ إلَى كُلِّيِّهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوَافِلَ وَفَرَائِضَ. [قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ [قَوْلُهُ: عَنْ اللَّهِ] أَيْ نَاقِلًا عَنْ اللَّهِ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ. . . إلَخْ] تَمَامُ الْحَدِيثِ: «فَإِنْ أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَإِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ التَّائِبُ] أَيْ قَبْلَ تَوْبَتِهِ [قَوْلُهُ: الَّتِي أَوْجَبَهَا] أَيْ فَضَمِيرُ فَرَائِضِهِ عَلَى التَّائِبِ. وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِضَافَتُهَا لَهُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ اللَّهِ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ] مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ الْآنَ أَيْ فَيَفْعَلُهُ، وَلَوْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكَهَا وَإِلَّا تَوَقَّى

ص: 439

شُغْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُرْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ مَثَلًا تَحَرَّى وَاحْتَاطَ لِدِينِهِ بِلَا وَسْوَسَةٍ (وَ) إذَا فَعَلَ التَّائِبُ مَا ضَيَّعَهُ مِنْ الْفَرَائِضِ (فَلْيَرْغَبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَقَبُّلِهِ) مِنْهُ وَيَخَافُ (وَيَتُوبُ إلَيْهِ) مِمَّا صَدَرَ مِنْهُ (مِنْ تَضْيِيعِهِ) لِلْفَرَائِضِ (وَلْيَلْجَأْ) أَيْ يَتَضَرَّعُ (إلَى اللَّهِ) تَعَالَى (فِيمَا عَسُرَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ) إلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى هُوَ الْمُيَسِّرُ وَالْمُسَهِّلُ بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْهِيلُ، وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ مَلِّكْنَا أَنْفُسَنَا وَلَا تُسَلِّطُهَا عَلَيْنَا (وَ) يَتَضَرَّعُ إلَيْهِ فِيهِ (مُحَاوَلَةِ أَمْرِهِ) أَيْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ رُشْدُهُ وَلَا غَيُّهُ. لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِ (مُوقِنًا) أَيْ مُصَدِّقًا (أَنَّهُ الْمَالِكُ لِصَلَاحِ شَأْنِهِ) أَيْ حَالِهِ (وَ) الْمَالِكُ (لِتَوْفِيقِهِ وَتَسْدِيدِهِ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ (لَا يُفَارِقُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ (عَلَى مَا فِيهِ) أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ هُوَ فِيهَا (مِنْ حَسَنٍ) وَهُوَ الطَّاعَةُ (أَوْ قَبِيحٍ) وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ، وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222] " وَالتَّوَّابُ هُوَ الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ (وَلَا يَيْأَسُ) أَيْ لَا يَقْنَطُ الْعَبْدُ (مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ السُّوءِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَوْقَاتَ النَّهْيِ. [قَوْلُهُ: مَعَ شُغْلِهِ] أَيْ فَلَا يُوَسَّعُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ إلَّا زَمَنَ اشْتِغَالِهِ فِي نَوْمِهِ، أَوْ ضَرُورِيَّاتِهِ، أَوْ حُضُورِ عِلْمٍ مُتَعَيِّنٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّوَافِلُ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَرْضِ سِوَى الْمُؤَكَّدِ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أُدْخِلَ تَحْتَ مَثَلًا الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ. [قَوْلُهُ: وَيَتُوبُ إلَيْهِ. . . إلَخْ] أَيْ لِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَرَائِضِ عَنْ أَوْقَاتِهَا مِنْ الْكَبَائِرِ [قَوْلُهُ: لِلْفَرَائِضِ] أَيْ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ، وَيُحْتَمَلُ إضَافَتُهُ لِلْمَفْعُولِ فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي التَّائِبِ قُلْت: يُحْمَلُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى إنْسَانٍ ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ فَتَسَبَّبَ عَنْهَا تَرْكُ الْفَرَائِضِ فَتَابَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَاصِي، فَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ هَذَا التَّائِبَ مِنْ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةِ يَفْعَلُ مَا ضَيَّعَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَيَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ التَّضْيِيعِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ] الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَادَ الرَّجُلُ الْفَرَسَ قَوْدًا مِنْ بَابِ قَالَ وَقِيَادًا وَقِيَادَةً انْتَهَى. أَيْ كُلُّ مَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يَقُودُ نَفْسَهُ لِلطَّاعَةِ أَيْ يُمِيلُهَا إلَيْهَا فَيَلْجَأُ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى أَنْ يُذَلِّلَهَا وَيَجْعَلَ الطَّاعَةَ سَهْلَةً عَلَيْهَا فَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ النَّفْسَ مِنْ حَيْثُ الْإِبَايَةِ بِفَرَسٍ أَبِيَّةٍ عَنْ مَقْصُودِ رَاكِبِهَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ [قَوْلُهُ: وَالْمُسَهِّلُ] مُرَادِفٌ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْهِيلُ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَانَ نُكْتَةُ الْعُدُولِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ التَّيْسِيرَ هُوَ التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالتَّسْهِيلُ فَقَدْ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ نُكْتَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِيمَا يُشْكِلُ] حَاصِلُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُحَاوَلَةَ مَصْدَرُ حَاوَلَهُ أَيْ رَامَهُ وَطَلَبَهُ إلَّا أَنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي أَمْرِهِ الْمُحَاوَلِ أَيْ الْمَطْلُوبِ الْوُقُوفُ عَلَى صِفَتِهِ هَلْ هِيَ الرُّشْدُ، أَوْ الْغَيُّ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَيَكُونَ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ تَفْسِيرًا بِاللَّازِمِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ. [قَوْلُهُ: مُوقِنًا. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالتَّضَرُّعُ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ كَلَا شَيْءَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَالِكُ. . . إلَخْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: لِتَوْفِيقِهِ. . . إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَوْ الْعَكْسُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ] أَيْ أَنَّ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الطَّاعَةِ هَذَا مَعْنَاهُ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ وَصْفُ الْمَوْلَى عز وجل فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِوَصْفِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِقَامَةُ، وَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ سَبَبِ الِاسْتِقَامَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذُكِرَ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ مُتَعَدِّدٌ فَكَيْفَ يُشَارُ لَهُ بِإِشَارَةِ الْمُفْرَدِ.

[قَوْلُهُ: هُوَ فِيهَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَائِدَ عَلَى مَا ضَمِيرٌ فِيهِ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى حَالَةٍ وَصَدْرُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَمَّا كَانَ يَسْتَقِلُّ بِالْوَصْلِ لَمْ يَبْقَ عَلَى إرَادَةِ الْمَحْذُوفِ دَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ] أَيْ الْمُتَجَدِّدُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّائِبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ. وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ فَيَتُوبَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222]] صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ تَقْتَضِي مَحَبَّةَ الرَّجَاءِ الْعَائِدِ لِلتَّوْبَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَقْنَطُ] قَنِطَ يَقْنَطُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَتَعِبَ فَهُوَ قَانِطٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوطِ

ص: 440

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87](وَالْفِكْرَةُ) أَيْ التَّفَكُّرُ (فِي أَمْرِ اللَّهِ) تَعَالَى أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ (مِفْتَاحُ الْعِبَادَةِ وَاسْتَعِنْ) عَلَى نَفْسِك (بِذِكْرِ الْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَفَكَّرَ فِي الْمَوْتِ قَصُرَ أَمَلُهُ وَكَثُرَ عَمَلُهُ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ كَثُرَ أَمَلُهُ وَقَلَّ عَمَلُهُ» .

(وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا (بِالْفِكْرَةِ فِيمَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَشَدُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ كَحَزْقَةِ الْقَبْرِ (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالْفِكْرَةِ (فِي نِعْمَةِ رَبِّك عَلَيْك) ؛ لِأَنَّك إذَا تَفَكَّرْت فِي نِعَمِهِ عَلَيْك اسْتَحْيَيْت أَنْ تُبَارِزَهُ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ يُنْعِمُ عَلَيْك (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالْفِكْرَةِ (فِي إمْهَالِهِ لَك) وَأَنْتَ تَعْصِيهِ (وَ) فِي (أَخْذِهِ لِغَيْرِك) مِنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ (بِذَنْبِهِ) فِي الْحَالِ (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالتَّفَكُّرِ (فِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ (سَالِفِ ذَنْبِك) وَخَفْ الْأَخْذَ بِهِ (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالتَّفَكُّرِ فِي (عَاقِبَةِ أَمْرِك) إذْ لَا تَدْرِي بِمَاذَا يَخْتِمُ اللَّهُ لَك (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالتَّفَكُّرِ فِي (مُبَادَرَةِ) أَيْ مُسَارَعَةِ (مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ مِنْ أَجَلِك) هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَهِّلُ الطَّاعَةَ وَيُقِلُّ الْأَمَلَ وَالْحِرْصَ عَلَى الدُّنْيَا، وَلِأَنَّهُ إذَا تَفَكَّرَ فِي الْمَوْتِ أَتَاهُ وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لَهُ وَإِلَّا أَتَاهُ بَغْتَةً فَيَنْدَمُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ، فَيَا لَطِيفُ اُلْطُفْ بِنَا فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَنَا إلَّا بِك وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ــ

[حاشية العدوي]

اسْتِبْعَادُ الْعَفْوِ عَنْ الذُّنُوبِ لِاسْتِعْظَامِهَا لَا إنْكَارُ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ] أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: السُّوءِ] هُوَ الْمَعْصِيَةُ [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِيَاسَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ كُفْرٌ لَا كَبِيرَةٌ، فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ الْمُرَادُ بِكُفْرَانِهَا تَرْكُ شُكْرِهَا فَلَا يُوجَدُ شُكْرٌ عَلَيْهَا إلَّا بِالْقَلْبِ وَلَا بِاللِّسَانِ إذْ لَوْ وُجِدَ بِالْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ تَرْكِ الشُّكْرِ بِهَا كُفْرًا وَرَوْحُ اللَّهِ رَحْمَتُهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ التَّفَكُّرُ. . . إلَخْ] أَيْ النَّظَرُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِكْرَةَ اسْمٌ لِلتَّفَكُّرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ ضِدُّ النَّهْيِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ فِعْلُهُ أَيْ مَفْعُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَفَكِّرَ إذَا تَفَكَّرَ وَنَظَرَ فِي مَصْنُوعَاتِ خَالِقِهِ عَلِمَ وُجُوبَ وُجُودِهِ وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ وَحَقِيقَةَ رُبُوبِيَّتِهِ فَيَجِدُّ فِي عِبَادَتِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنْ لَا يَتَفَكَّرَ فِي ذَاتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى إدْرَاكِهَا وَدَخَلَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ نَفْسُ الشَّخْصِ فَيُسْتَدَلُّ بِالنَّظَرِ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ وُجُودِ صَانِعِهِ. [قَوْلُهُ: هَاذِمِ اللَّذَّاتِ] بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ قَاطِعِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ مِنْ هَدَمَ الْبِنَاءَ وَالْمُرَادُ الْمَوْتُ وَهُوَ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ إمَّا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُزَهِّدُ فِيهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ مَا يُبْقِي مِنْ لَذَائِذِ الدُّنْيَا شَيْئًا ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ شَارِحُ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: أَمَلُهُ] يُقَالُ أَمَلْته أَمَلًا تَرَقَّبْته كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَالْمَعْنَى قَصُرَ تَرَقُّبُهُ لِلْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ] مِنْ بَابِ قَعَدَ [قَوْلُهُ: كَحَزْقَةِ الْقَبْرِ] أَيْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَضْلَاعُ لَا ضَمَّةُ الْقَبْرِ الَّتِي هِيَ كَضَمَّةِ الْوَالِدَةِ الشَّفُوقَةِ لِوَلَدِهَا، وَأُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَحَزْقَةِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ وَالْحَشْرُ وَالنَّشْرُ وَالْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَالنَّارُ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي كَوْنِ كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ أَشَدَّ مِنْ الْمَوْتِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تُبَارِزَهُ بِالْمَعَاصِي] أَيْ تُقَابِلَهُ بِالْمَعَاصِي [قَوْلُهُ: فِي إمْهَالِهِ لَك] أَيْ تَأْخِيرِهِ لَك تَارِكًا عُقُوبَتَك [قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ] مِثْلُ قَوْمِ نُوحٍ وَصَالِحٍ.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ إذَا رَأَيْت رَبَّك يُوَالِي عَلَيْك نِعَمَهُ فَاحْذَرْهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ. [قَوْلُهُ: إذْ لَا تَدْرِي] وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي أَنْ لَا تُخَيِّرَ نَفْسَك عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّك لَا تَدْرِي مَا الْخَاتِمَةُ فَيَحْمِلُك ذَلِكَ عَلَى هَضْمِ النَّفْسِ وَتَرْكِ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَمَحَبَّةِ الْغَيْرِ وَعَلَى عَدَمِ الْعَظَمَةِ عَلَى الْإِخْوَانِ [قَوْلُهُ: مِنْ أَجَلِك] بَيَانٌ لِمَا أَيْ مُسَارَعَةُ أَجَلِك الَّذِي عَسَى الْأَجَلُ أَيْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَرُبَ فَافْتَعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَيْ هَلْ هُوَ نِهَايَةُ يَوْمٍ يَأْتِي، أَوْ نِهَايَةُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ مُسَارَعَةٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ أَيْ تَفَكَّرْ هَلْ هُوَ أَيْ الْأَجَلُ نِهَايَةُ يَوْمٍ، أَوْ أَقَلُّ، وَلَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ مَا يُقْصَرُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ] أَيْ التَّفَكُّرَ فِي الْمُبَادَرَةِ يَسْهُلُ [قَوْلُهُ: بَغْتَةً] أَيْ إتْيَانُ بَغْتَةٍ.

ص: 441