الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاعَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ عَلَى التَّدْرِيجِ إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ الدِّرْهَمَ بِتَعْرِيفِهِ الْأَيَّامَ الْأَرْبَعَةَ.
وَإِنْ لَمْ يَبِعْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ الْأَيَّامَ الْأَرْبَعَةَ فَلَهُ أَخْذُ الدِّرْهَمِ كَامِلًا، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ فِي الْجُعَلِ أَجَلٌ وَقَالَ: هُنَا إذَا تَمَّ الْأَجَلُ فَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ أَوَّلًا فِي الْجُعَلِ، وَمَا قَالَهُ هُنَا فِي الْإِجَارَةِ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ فِيمَا لَا تُعْرَفُ غَايَتُهُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ قَالَهُ ع.
(وَالْكِرَاءُ) بِالْمَدِّ لَا غَيْرُ ع: يُسْتَعْمَلُ الْكِرَاءُ فِيمَا لَا يَعْقِلُ، وَالْإِجَارَةُ فِيمَنْ يَعْقِلُ، وَالْكِرَاءُ هُوَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ أَوْ مِلْكُ مَنَافِعَ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومَةٍ (كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ) يَعْنِي مِنْ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ، وَالْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ (وَ) فِيمَا (يَحْرُمُ) يَعْنِي مِنْ جَهْلِ الْأَجَلِ وَنَحْوِهِ، وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ إلَى آخِرِهِ بِمَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهَا: إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ، وَيُؤْخَذُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِرَاءِ، وَالْإِجَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ:(وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اكْرِ لِي هَذِهِ الدَّابَّةَ وَيُعَيِّنُهَا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا لِأُسَافِرَ عَلَيْهَا (إلَى بَلَدِ كَذَا) مَثَلًا (فَمَاتَتْ) أَوْ غُصِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ (انْفَسَخَ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ) وَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْخُصُ
ــ
[حاشية العدوي]
لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ التَّعْرِيفُ لِأَجْلِ حُصُولِهِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَخْ] هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْإِجَارَةُ مِنْ الْجُعْلِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهَا لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ الثَّانِي. الثَّالِثُ: عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ بِخِلَافِهَا تت.
[الْكِرَاء وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]
[قَوْلُهُ: بَيْعُ مَنَافِعَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِلْكٌ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَرَةُ الْمَبِيعِ فَالْأَظْهَرُ التَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ إلَخْ] بَيَّنَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَى فَوْقِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَجَازَ فِي الْكِرَاءِ تَأْخِيرَ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ اهـ.
وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ وَبِمَا تُنْبِتُهُ، وَإِنْ غَيْرَ خَشَبٍ، وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْخَشَبِ، وَالْحَلْفَاءِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ إذْ قَدْ يَكُونُ مَانِعٌ [قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا إلَى أَجَلٍ إلَخْ] أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ دَابَّتَهُ الْمُعَيَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَا يَقْبِضُهَا إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ لِيَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَهَا. وَقَوْلُهُ: إذَا نَقَدَ أَيْ إذَا اشْتَرَطَ النَّقْدَ نَقَدَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا لَا يُقَالُ تَعْلِيلُ الْمَنْعِ لِلنَّقْدِ وَتَرَدُّدُ الْمَنْقُودِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ، وَالثَّمَنِيَّةِ لَا يُفِيدُ فَسَادَهُ إلَّا بِالنَّقْدِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ النَّقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّقْدِ بِشَرْطٍ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا شَهْرًا لِإِفَادَةِ جَوَازِ مَا دُونَهُ كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ، وَلَوْ نَقَدَ [قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الْفَرْقُ إلَخْ] ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي الدَّابَّةِ بِالِاكْتِرَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاكْتِرَاءَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ.
وَقَالَ بَعْدُ: وَكَذَا الْأَجِيرُ فَعَبَّرَ فِي الْعَاقِلِ بِالْأَجِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِلِ فَهِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ حَيَوَانٍ يَعْقِلُ [قَوْلُهُ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا] احْتَرَزَ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي زَمَنٍ إبَّانَ الْكِرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِبَّانِ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ نَحْوِ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارَيْنِ
[قَوْلُهُ: وَيُعَيِّنُهَا بِالْإِشَارَةِ] أَيْ فَلَا بُدَّ فِي كَوْنِهَا مُعَيَّنَةً مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا مَعَ حُضُورِهَا، فَالْمَضْمُونَةُ هِيَ الَّتِي لَمْ تُعَيَّنْ بِهَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ قَالَ: أَكَتْرِي مِنْكَ دَابَّةً أَوْ دَابَّتَك، وَلَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً وَمُشَاهَدَةً وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا، وَقَالَ لَهُ: دَابَّتَك الْفُلَانِيَّةَ الْبَيْضَاءَ أَوْ السَّوْدَاءَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ سِوَاهَا فَلَا تَنْفَعُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهَا وَيَلْزَمُ الْمُكْرِي أَنْ يَأْتِيَ لِلْمُكْتَرِي بِبَدَلِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ غُصِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ] أَيْ أَوْ رَدَّهُ التَّخَوُّفُ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ الْوَادِي أَوْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا دَبْرَةٌ مُنْتِنَةٌ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الرُّكُوبُ مَعَهَا تَحْقِيقُ [قَوْلِهِ: انْفَسَخَ الْكِرَاءُ إلَخْ] وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِالْبَدَلِ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَوْ نَقَدَ وَاضْطُرَّ كَمَا إذَا كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي مَنَافِعَ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجَدُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.
[قَوْلُهُ: بِقِيمَةٍ أُخْرَى إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَعَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ وَيُعْرَفُ
وَقَدْ يَغْلُو.
وَمِنْ قَوْلِهِ: (وَكَذَا الْأَجِيرُ) إجَارَةً ثَابِتَةً فِي عَيْنِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً عَلَى خِدْمَةِ بَيْتٍ أَوْ رِعَايَةِ غَنَمٍ (يَمُوتُ) فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ، وَقَيَّدْنَا بِثَابِتَةٍ فِي عَيْنِهِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُؤَاجَرُ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ مِنْ تَرِكَتِهِ (وَ) كَذَا (الدَّارُ تَنْهَدِمُ) كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا أَوْ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَبِيرَةٌ أَوْ أُحْرِقَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ (قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَاةً فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ، وَيُعْطِي بِحِسَابِ مَا سَكَنَ وَقَيَّدْنَا بِكُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ انْهَدَمَ مِنْهَا لَا يَضُرُّ بِالْمُكْتَرِي وَلَا يَنْقُصُ مِنْ كِرَائِهَا كَالشُّرَّافَاتِ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ، وَلَا قِيَامَ لِلْمُكْتَرِي بِهِ
(وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ عَلَى الْحِدَاقِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَنْ يُحَدِّقَ الْمُعَلِّمُ الْقُرْآنَ أَيْ يُحَفِّظَهُ، وَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا كَالْمُدَوَّنَةِ لِلْإِبَاحَةِ، وَالْمَعْنَى
ــ
[حاشية العدوي]
ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْمَسَافَةُ كُلُّهَا فَيُقَالُ: بِكَمْ تُكْرَى هَذِهِ الْمَسَافَةُ؟ فَيُقَالُ: بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، ثُمَّ يُقَالُ: مَا قِيمَةُ هَذَا الَّذِي سَارَ مِنْهَا؟ فَيُقَالُ: خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَتَنْسُبُهَا مِنْ الْعَشَرَةِ فَتَجِدُهَا نِصْفًا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْتَرِي بِنِصْفِ الْكِرَاءِ، وَكَذَا فِي تت وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى إلَخْ يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ رَأْسًا، وَيُلْتَفَتُ إلَى قِيمَةٍ أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَرْخُصُ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ يَكُونُ أَرْخَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ أَزِيدَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: يَمُوتُ إلَخْ] أَيْ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ [قَوْلُهُ: بَلْ يُؤَاجِرُ إلَخْ] أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي أَمْرَ التَّرِكَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهَا مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ [قَوْلُهُ: وَكَذَا الدَّارُ تَنْهَدِمُ] أَيْ الْمُعَيَّنَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَبِيرَةٌ] أَيْ أَوْ يَحْصُلُ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَبِيرَةٌ أَيْ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَهَطْلٍ أَيْ بِأَنْ صَارَ يَتَتَابَعُ الْمَطَرُ مِنْهَا، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْكِرَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا سَكَنَ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَمِرَّ سَاكِنًا وَيَدْفَعُ جَمِيعَ الْكِرَاءِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَبَقِيَ مَا إذَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَلَا يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ لِلْمُكْتَرِي وَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى وَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ النَّقْصِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَادِثَ فِي الدَّارِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. رَابِعُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَالشُّرَّافَاتِ.
تَنْبِيهٌ:
لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ مَا لَوْ طَلَبَ الْمُكْتَرِي مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يُصْلِحَهَا لَهُ بَعْدَ حُصُولِ انْهِدَامِهَا، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الْجَبْرِ، وَلَوْ كَانَ الِانْهِدَامُ يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ وَخِيرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ فَإِنْ أَصْلَحَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَيُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ أَنْقَاضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ وَقْفًا فَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ الْإِصْلَاحُ لِحَقِّ الْوَقْفِ.
وَإِنْ أَصْلَحَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ قَائِمًا، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ حَيْثُ أَصْلَحَ مَا يَحْتَاجُ لِلْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَيَنْبَغِي أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ فَائِضِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَمِنْ غَلَّتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. [قَوْلُهُ: مُشَاهَرَةً] أَيْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مُسَانَاةً أَيْ كَكُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مُيَاوَمَةً كَكُلِّ يَوْمٍ بِكَذَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ مَا كَانَتْ الْمُدَّةُ فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَالْكِرَاءُ فِيهِ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا بِقَدْرِ مَا نُقِدَ، وَمُقَابِلُ ذَلِكَ الْوَجِيبَةُ وَهِيَ مَا كَانَتْ الْمُدَّةُ فِيهِ مَحْدُودَةً كَسَنَةِ كَذَا، وَالْكِرَاءُ فِيهَا لَازِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَدْ.
وَظَاهِرُ الشَّرْحِ عَدَمُ انْفِسَاخِ الْكِرَاءِ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ: وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً، وَيُرَادُ بِالْمُشَاهَرَةِ مَا كَانَتْ الْمُدَّةُ فِيهَا غَيْرَ مَحْدُودَةٍ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ شَهْرٍ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ] أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَنْفَسِخُ أَيْ الْكِرَاءُ فِيهَا.
[قَوْلُهُ: كَالشُّرَّافَاتِ] أَيْ إذَا كَانَتْ الشُّرَّافَاتُ لَا تُنْقَصُ؛ لِأَنَّ مِنْ الشُّرَّافَاتِ مَا يُنْقَصُ هَدْمُهُ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الشُّرَّافَاتِ الَّتِي لَا تُنْقَصُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ
[قَوْلُهُ: بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ] أَيْ الْقُرْآنَ بِأُجْرَةٍ عَلَى الْحِدَاقِ أَيْ عَلَى الْحِفْظِ لِلْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ غَيْبًا أَوْ فِي الْمُصْحَفِ قَوْلُهُ: وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ك
أَنَّهُ يَجُوزُ لِمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ أَنْ يُجَاعِلَ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ حَتَّى يَتَحَدَّقُوا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:«إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ كَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ لَا مَحَالَةَ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَإِنَّهَا مَظْعُونَةٌ يَجُوزُ فِيهَا الْخِلَافُ، فَكَرِهَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ النَّحْوِ، وَالْأُصُولِ وَنَحْوِهِمَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا) بَأْسَ (بِمُشَارَطَةِ) أَيْ بِمُجَاعَلَةِ (الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ) حَتَّى يَبْرَأَ، وَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ مِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَدْوِيَةُ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيلِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَالْأَدْوِيَةُ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ
(وَلَا يُنْتَقَضُ) بِمَعْنَى لَا يَنْفَسِخُ (الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّاكِنِ) ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُسْتَأْجَرِ بَاقِيَةٌ وَتُكْرِي الْوَرَثَةُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُنْتَقَضُ الْكِرَاءُ (بِمَوْتِ غَنَمِ الرِّعَايَةِ) وَلْيَأْتِ بِمِثْلِهَا. ك: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَمِنْ الصِّحَاحِ، وَالْقَامُوسِ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ تَابِعٌ فِيهِ لِلشَّيْخِ زَرُّوقٍ وَهُوَ غَرِيبٌ.
قَالَ الْحَطَّابُ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ الصِّحَاحِ حَذَقَ الصَّبِيُّ الْقُرْآنَ، وَالْعَمَلَ يَحْذِقُهُ حَذْقًا وَحِذْقًا إذَا مَهَرَ فِيهِ وَحَذِقَ بِالْكَسْرِ حِذْقًا لُغَةٌ فِيهِ هـ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَحْذِقَ الْمُعَلَّمُ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالْمُعَلَّمُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَاعِلُ يَحْذِقُ. وَقَوْلُهُ: أَيْ يَحْفَظُهُ أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا.
وَكَذَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مُشَاهَرَةً أَيْ قِرَاءَتِهِ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ حِفْظٍ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُشَاهَرَةِ، وَالْحُذَّاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَحَدَّقُوا] بِيَاءٍ وَتَاءٍ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالْمُنَاسِبُ حَتَّى يَحْدِقُونَ بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] .
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ عَلَى التَّعْلِيمِ إلَّا مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مُشَاهَرَةً أَوْ غَيْرَهَا [قَوْلُهُ: كِتَابُ اللَّهِ] أَيْ تَعْلِيمُ كِتَابِ اللَّهِ [قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] وَأَيْضًا تَعْلِيمُ الْفِقْهِ بِأُجْرَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، وَأَيْضًا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ طَالِبِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى تَعْلِيمِ النَّحْوِ] وَأَمَّا الْأَخْذُ عَلَى تَعْلِيمِ عِلْمِ الْفَرَائِضِ كَالْمُنَاسَخَاتِ فَهُوَ جَائِزٌ [قَوْلُهُ: أَيْ بِمُجَاعَلَةِ] صَرِيحٌ فِي كَوْنِهَا جَعَالَةً فَيُنَافِي التَّمْثِيلَ فَإِنَّ الْمِثَالَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَا الْجَعَالَةِ فَجَعْلُهَا جَعَالَةً تَسْمَحُ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَبْرَأَ أَيْ عِلَاجُهُ حَتَّى يَبْرَأَ.
[قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَهُ إلَخْ] فَإِنْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَبَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا، وَإِنْ بَرِئَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ النَّقْدِ لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ سَلَفًا [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ] بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، وَحُكْمُ هَذِهِ كَالْأُولَى إنْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَبَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ بَرِئَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ. قُلْت:، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَهُوَ ثَمَنُ الدَّوَاءِ وَإِجَارَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَمِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أُعَاقِدُكَ بِكَذَا عَلَى عِلَاجِ هَذَا الْمَرِيضِ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ بَرِئَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالدَّوَاءُ مِنْ الطَّبِيبِ. فَقِيلَ: يَجُوزُ وَقِيلَ لَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَبَقِيَتْ مَسْأَلَةُ الْمُنَاسِبِ حَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَا كَمَا فَعَلَ بَعْضٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْبُرْءِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالْبُرْءِ وَهِيَ مَا إذَا عَاقَدَهُ عَلَى الْبُرْءِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ
فَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ أَخَذَهَا الطَّبِيبُ وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَالدَّوَاءُ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَرِئَ الْعَلِيلُ يَدْفَعْ الْأُجْرَةَ وَثَمَنَ الدَّوَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ يَدْفَعْ قِيمَةَ الدَّوَاءِ وَلَمْ يَجُزْ لِأَدَائِهِ إلَى اجْتِمَاعِ جُعَلٍ وَبَيْعٍ.
[قَوْلُهُ: بِمَوْتِ الرَّاكِبِ] أَوْ تَعَذُّرِهِ لِسَفِينَةٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّاكِبُ عَرُوسًا تُزَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ فِي زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكِرَاءُ إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ، وَإِلَّا لَزِمَ الْكِرَاءُ، وَالْمُكْتَرِي أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ [قَوْلُهُ: وَتُكْرِي الْوَرَثَةُ] أَيْ وَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ تُكْرِيَ فَتَأَمَّلْ [قَوْلُهُ: بِمَوْتِ غَنَمِ الرِّعَايَةِ] لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا إذَا آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ الْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْخَيْلِ أَوْ الْبِغَالِ أَوْ الْحَمِيرِ أَوْ الْإِوَزِّ أَوْ الدَّجَاجِ أَوْ غَيْرِهَا الْحُكْمُ كَمَا قَالَ. [قَوْلُهُ:
يَأْتِي بِمِثْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ خُلْفَهَا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ.
وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَشْتَرِطَ وَهُوَ نَصٌّ لَهُ فِي الْجُعَلِ، وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَمَنْ اكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اكْرِ لِي دَابَّةً لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا كَذَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا (فَمَاتَتْ الدَّابَّةُ فَلْيَأْتِ بِغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُسْتَحَقَّةٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذِهِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ الرَّاكِبُ لَمْ يَنْفَسِخْ الْكِرَاءُ) مُكَرَّرٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلْيَكْتَرُوا مَكَانَهُ غَيْرَهُ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَنَقَدَ كِرَاهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْكِرَاءُ بَلْ تُكْرِي وَرَثَتُهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ الدَّابَّةَ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ، وَالْحَالِ، وَلَا يُكْرُونَهَا لِمَنْ هُوَ بَادِنٌ أَعْظَمُ مِمَّنْ مَاتَ عَنْهَا. ج، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا رَجُلٌ فَلَا يُكْرُونَهَا إلَّا لِرَجُلٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ
ــ
[حاشية العدوي]
وَلْيَأْتِ بِمِثْلِهَا إلَخْ] فَإِنْ لَمْ يَأْتِ دَفَعَ جَمِيعَ الْأَجْرِ. وَقَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ أَيْ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْخَلَفِ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ جَمِيعِ الْأَجْرِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ شَيْئًا وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا شَرْطَ الْخَلَفِ، وَأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ إنَّمَا هُوَ لِلُّزُومِ الْخَلْف وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى رِعَايَةِ الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ إلَّا إذَا شَرَطَ الْخَلَفَ وَإِلَّا فَسَدَ كَمَا تُفِيدُهُ الْمُدَوَّنَةُ وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ إلَّا بِشَرْطِ أَنَّ كُلَّ مَا مَاتَ مَثَلًا يُخْلِفُهُ رَبُّهُ وَإِلَّا فُسِخَ وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ حَيْثُ اطَّلَعَ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ كَأَنْ يَتَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى رِعَايَةِ عِشْرِينَ نَعْجَةً مَثَلًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلَفُ وَيَدْفَعُ رَبُّهَا جَمِيعَ الْكِرَاءِ، أَوْ يَأْتِي بِالْخَلَفِ وَقَوْلُهُ: بِمِثْلِهَا أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَتَى بِغَيْرِهِ كَأَنْ أَتَى بِمَعْزٍ لِمَا فِي رَعْيِهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ الْأَوْلَادِ إلَّا لِعُرْفٍ، وَحَيْثُ انْتَفَى لَزِمَ رَبَّهَا الْإِتْيَانُ بِرَاعٍ لَهَا وَرَعَاهَا وُجُوبًا مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ لِأَنَّ رَعْيَهَا بِدُونِ أُمَّهَاتِهَا يُتْعِبُ رَاعِيَ الْأُمِّ، فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ أَشْخَاصًا وَلَا عَدَدًا كَأَنْ تَرْعَى لِي غَنَمًا فَجَائِزٌ وَأَتَى لَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَى رَعْيِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ مَنْفَعَتِهِ، وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا، وَلَوْ قَدَرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ الْأَجْرُ لِرَبِّ الْغَنَمِ، وَكَذَا فِي الْمُعَيَّنَةِ عِنْدَ شَرْطِ أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَهُ رَعْيُ الْغَيْرِ أَوْ بِشَرِيكٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّاعِي أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهِ حَيْثُ كَانَ مُعَيَّنًا إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ بِشَرْطٍ حَيْثُ مَاتَتْ أَوْ سُرِقَتْ إلَّا لِتَقْصِيرٍ وَقَبْلَ قَوْلِهِ بِيَمِينٍ فِيمَا إذَا ذَبَحَ مِنْهَا وَادَّعَى خَوْفَ مَوْتِهِ، وَهَذَا فِي رَاعٍ كُلِّفَ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: كِرَاءً مَضْمُونًا] هُوَ مَا قَابَلَ الْمُعَيَّنَ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ فِي الْمَضْمُونَةِ حَتَّى يَصِحَّ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذِهِ الْعَيْنِ] إلَّا أَنَّ الْمُكْرِيَ إذَا أَتَى بِدَابَّةٍ لِلْمُكْتَرِي وَرَكِبَهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ بِرُكُوبِهِ عَلَيْهَا اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهَا حَتَّى لَوْ فَلَّسَ الْمُكْرِي بَعْدَ قَبْضِهَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي أَحَقَّ بِهَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمُعَيَّنَةِ بِرُكُوبِهِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَهَذِهِ فِي الْمَضْمُونَةِ [قَوْلُهُ: وَلْيَكْتَرُوا] صَوَابُهُ لِيَكْرُوا كَمَا قَالَهُ تت [قَوْلُهُ: دَابَّةً] أَيْ أَوْ سَفِينَةً [قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ] وَهُوَ الْحَاكِمُ عِنْدَ فَقْدِهِمْ [قَوْلُهُ: لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ] وَأَوْلَى دُونَهُ [قَوْلُهُ: وَالْحَالِ] عَطْفُ مُرَادِفٍ.
[قَوْلُهُ: هُوَ بَادِنٌ] أَيْ عَظِيمُ الْبَدَنِ لِكَثْرَةِ لَحْمِهِ، وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ، وَالْمُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ بُدَّنٌ مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ. وَقَوْلُهُ: أَعْظَمُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِبَادِنٍ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ احْتَرَزَ عَنْ بَادِنٍ مِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ فَيَجُوزُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا رَجُلٌ فَلَا يَكْرُونَهَا إلَّا لِرَجُلٍ] ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَحِيفَةً جِدًّا، وَالرَّجُلُ بَادِنًا جِدًّا وَانْظُرْهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ عِنْدَ عَقْدِ الْكِرَاءِ بَلْ يَصِحُّ عَقْدُ الْكِرَاءِ مُدَّةً عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّقِيلُ وَلَا الْمَرِيضُ وَلَا مَعْرُوفٌ بِكَثْرَةِ نَوْمٍ أَوْ بِعَقْرِ الدَّوَابِّ.
فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ وَأَتَى لَهُ بِامْرَأَةٍ لَزِمَهُ حَمْلُهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ ثَقِيلَةً وَأَمَّا عَلَى حَمْلِ رَجُلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَرْأَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا رَجُلٌ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ وَقَعَ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى رَجُلٍ.
أَثْقَلُ عَلَى الْبَهِيمَةِ لِرِخْوِ عُضْوِهَا وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ
(وَمَنْ اكْتَرَى مَاعُونًا) كَالْفَأْسِ (أَوْ غَيْرَهُ) كَالثَّوْبِ، وَالدَّابَّةِ (فَ) أَنَّهُ (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَلَاكِهِ بِيَدِهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ) فِي تَلَفِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا اسْتَأْجَرَهُ (إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ) فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هَلَكَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ تُرَى بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَمَفْهُومُ بِيَدِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْغَيْرِ يَضْمَنُ.
(وَالصُّنَّاعُ) الَّذِينَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلصَّنْعَةِ الَّتِي مَعَاشُهُمْ مِنْهَا كَالْخَيَّاطِينَ (ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ) أَيْ ضَامِنُونَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ فِيمَا عَمِلُوهُ فِي بُيُوتِهِمْ أَوْ حَوَانِيتِهِمْ (عَمِلُوهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) وَبِهَذَا قَضَى الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَضْمَنُوا وَيُصَدَّقُوا فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ التَّلَفِ لَسَارَعُوا إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَاجْتَرَءُوا عَلَى أَكْلِهَا، ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ مَالِكًا كَثِيرًا مَا يَبْنِي مَذْهَبَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ يُقْتَلُ ثُلُثُ الْعَامَّةِ لِإِصْلَاحِ الثُّلُثَيْنِ. الْمَازِرِيُّ: وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي
ــ
[حاشية العدوي]
تَنْبِيهٌ:
قَالَ تت: وَعَلَى الْمُكْرِي تَسْلِيمُ مَا الْعَادَةُ تَسْلِيمُهُ مَعَهَا مِنْ إكَافٍ وَبَرْذَعَةٍ وَحِزَامٍ وَسَرْجٍ فِي الْفَرَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ.
[قَوْلُهُ: كَالْفَأْسِ] الْمَاعُونُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَنَافِعِ الْبَيْتِ كَقِدْرٍ وَفَأْسٍ وَقَصْعَةٍ وَمُنْخُلٍ وَقُفَّةٍ وَنَحْوِهَا. [قَوْلُهُ: فِي تَلَفِهِ] أَيْ أَوْ ضَيَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ وَعَلَى تَصْدِيقِهِ فَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا أَوْ يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَقْوَالٌ. تت: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَرْجِيحُهُ، وَإِذَا ادَّعَى ضَيَاعَهُ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُصَدَّقُ، وَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُصَدَّقُ وَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ كَالرَّدِّ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ.
[قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ] أَيْ بِأَنْ أَكْرَاهُ الْمُكْتَرِي لِغَيْرِهِ وَادَّعَى تَلَفَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إنْ أَكْرَاهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْرَاهُ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْأَمَانَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ أَوْ أَضَرُّ وَهُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الثِّقَلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْأَمَانَةِ، وَإِذَا أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ فَلِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْتَرِيَ الثَّانِيَ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَ التَّلَفُ بِسَبَبِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ فِي الْمُكْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَكَانَ غَيْرَ عَالِمٍ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِالتَّعَدِّي، وَلَوْ كَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّعَدِّي وَلَمْ يَكُنْ التَّلَفُ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّهَا فِي يَدِ مَنْ أَكْرَاهَا بِكِرَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي عَدَمِ الْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِحَالٍ، وَحُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِكْرَاءِ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ الْجَوَازُ إذَا كَانَ دَارًا، وَالْمَنْعُ إذَا كَانَ ثَوْبًا وَخِلَافٌ فِي الدَّابَّةِ، وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلصَّنْعَةِ] أَيْ لِعَامَّةِ النَّاسِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ الْخَاصِّ لِجَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ] أَيْ مِنْ مَصْنُوعِهِمْ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهِ كَظَرْفِ الْمَصْنُوعِ كَقُفَّةِ الطَّحْنِ وَجَفِيرِ السَّيْفِ يُدْفَعُ مَعَ السَّيْفِ ثُمَّ يَدَّعِي ضَيَاعَ مَا ذُكِرَ فَيَضْمَنُ الْقَمْحَ، وَالسَّيْفَ دُونَ الْقُفَّةِ، وَالْجَفِيرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَصْنُوعُ يَحْتَاجُ لَهُمَا. وَقَوْلُهُ: لَمَّا غَابُوا عَلَيْهِ أَيْ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّنْعَةِ تَغْرِيرٌ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ، فَإِذَا دَفَعَ شَخْصٌ غُلَامَهُ لِمَنْ يُعَلِّمُهُ وَقَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَغَابَ عَلَيْهِ وَادَّعَى هُرُوبَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ أَوْ كَانَ فِيهَا تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَحَرْقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ [قَوْلُهُ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ] أَيْ لِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَصْنُوعٍ يَوْمَ دَفْعِهِ.
قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَدْفَعُ الْأُجْرَةَ وَآخُذُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا أَنْ يُقِرَّ الصَّانِعُ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ
[قَوْلُهُ: فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا] أَيْ: سُكُوتِيًّا [قَوْلُهُ: وَاجْتَرَءُوا عَلَى أَكْلِهَا] بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: أَبُو الْمَعَالِي هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْمَعَالِي] كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ جَمْعُ مَعْلَاةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَكْسَبُ الشَّرَفِ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَقْتُلُ ثُلُثَ الْعَامَّةِ إلَخْ] أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُفْسِدُونَ بِارْتِكَابِ أَمْرٍ لَا يَحِلُّ وَلَكِنْ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ تَخْرِيبِ أَمَاكِنِ النَّاسِ وَلَا
عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ، وَلَوْ شَرَطُوا عَدَمَ الضَّمَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لَمَّا غَابُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَوْ عَمِلُوهُ فِي بَيْتِ رَبِّ السِّلْعَةِ أَوْ كَانَ رَبُّهَا مُلَازِمًا لَهُمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُكْرِي لَا حَارِسُ الثِّيَابِ، وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَرَّرَ ع وَق كَلَامَهُ بِعَكْسِ هَذَا.
وَلَفْظُ الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْحَمَّامِ حَارِسُ الثِّيَابِ سَوَاءٌ كَانَ يَحْرُسُهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَهَذَا إذَا سُرِقَتْ أَوْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُهَا فَظَنَنْت أَنَّهُ صَاحِبُهَا فَأَعْطَيْتهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: رَأَيْت مَنْ أَخَذَهَا فَظَنَنْت أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ، وَهِيَ قَوْلَةُ لِمَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اهـ.
(وَ) كَذَا (لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ السَّفِينَةِ) إذَا غَرِقَتْ مِنْ مَدٍّ أَوْ عِلَاجٍ أَوْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ يُرِيدُ إلَّا فِيمَا حُمِلَ مِنْ الطَّعَامِ، وَالْإِدَامِ فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
يَحْصُلُ انْزِجَارُهُمْ لَا بِحَبْسِهِمْ وَلَا بِضَرْبِهِمْ إلَّا بِقَتْلِ ثُلُثِهِمْ هَذَا مَحَلُّ الْجَوَازِ.
قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِلْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ: ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ يُخَيَّرُ فِي تَعْيِينِ الثُّلُثِ مِنْ جَمْعِ الْمُفْسِدِينَ مَعَ نَظَرِهِ بِالْمَصْلَحَةِ فِيمَنْ هُوَ أَشَدُّ فَسَادًا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ لَا يَحْصُلُ إصْلَاحُ الْمُفْسِدِينَ إلَّا بِقَتْلِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمُفْسِدِينَ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ ارْتِكَابِهِ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ اهـ.
[قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ] كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ وَلَا أُجْرَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَتَاعِ لِرَبِّهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا [قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطُوا عَدَمَ الضَّمَانِ] أَيْ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لَوْ عَمِلُوهُ فِي بَيْتِ رَبِّ السِّلْعَةِ] أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمَانَ مَشْرُوطٌ بِالْغَيْبَةِ عَلَيْهِ وَكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَأَلَّا تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَأَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلصَّنْعَةِ الْعَامَّةِ، وَأَلَّا يَكُونَ فِي الصَّنْعَةِ تَغْرِيرٌ، وَبَقِيَ شَرْطٌ وَهُوَ أَلَّا يَكُونَ الصَّانِعُ أَحْضَرَهُ لِرَبِّهِ مَصْنُوعًا عَلَى الصَّنْعَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَيَتْرُكُهُ رَبُّهُ اخْتِبَارًا فَيَضِيعُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ حَيْثُ كَانَ الْإِحْضَارُ بَعْدَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْضَرَهُ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ أَوْ ادَّعَاهُ لِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارٍ أَوْ أَبْقَاهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَقْبِضَ أُجْرَتَهُ فَيَضْمَنُهُ. [قَوْلُهُ: وَقَرَّرَ ابْنُ عُمَرَ] مَا قَرَّرَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ يَحْرُسُهَا بِأُجْرَةٍ] كَانَ الْحَارِسُ أَجْنَبِيًّا أَوْ كَانَ رَبَّ الْحَمَّامِ، وَمِثْلُ حَارِسِ الْحَمَّامِ غَيْرُهُ مِنْ حَارِسِ الْكُرُومِ، وَالدُّورِ وَغَيْرِهَا، فَالْخُفَرَاءُ فِي الْحَارِثِ، وَالْأَسْوَاقِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطُوا وَإِلَّا ضَمِنُوا كَذَا قَالَ جَدُّ عج.
وَأَمَّا عج فَكَانَ يُقَرِّرُ مَا نَقَلَهُ تت فِي شَرْحِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ الْآنَ تَضْمِينُ الْخُفَرَاءِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ] ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ ثِيَابَهُ عَلَى الْأُجْرَةِ وَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ضَمَانَ الرِّهَانِ.
قَالَهُ عج، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ حَتَّى فِي حَالَةِ عَدَمِ الضَّمَانِ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصُّنَّاعِ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا كَمَا سَبَقَ تَأَمَّلْ، وَلَعَلَّهُ لِانْتِفَاعِ الْمُغْتَسِلِ هُنَا بِالْمَاءِ، وَمَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ إذْ الْأُجْرَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ لَا فِي الْحِرَاسَةِ بَلْ وَلَوْ جَعَلَ لَهُ الْأُجْرَةَ عَلَى حِرَاسَتِهِ اهـ. كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. تَتِمَّةٌ:
كُلُّ مَنْ قِيلَ بِضَمَانِهِ مِنْ صَانِعٍ أَوْ حَارِسٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ سَرِقَةٌ إذَا غَرِمَ قِيمَةَ مَا ضَمِنَهُ ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ لَا لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ مِلْكِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ] أَيْ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا ضَمَانَ [قَوْلُهُ: عَلَى صَاحِبِ السَّفِينَةِ] الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ النُّوتِيَّ الَّذِي يَخْدُمُ فِيهَا أَيْ لَا يَضْمَنُ الْمَالَ وَلَا النَّفْسَ إذَا غَرِقَتْ بِفِعْلٍ سَائِغٍ وَإِلَّا ضَمِنَ الْمَالَ، وَالدِّيَةَ