الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَابِع
الَّنوْعُ الأَوَّلُ مِنَ القِسْمِ الثَّانِي فِي اْلنَّهِي عَنْ اْلتَّشَبُهِ بِالشَّيطَانِ، لَعَنَهُ الله تَعَالَى
66 - ومن أعمال الشيطان: شرب الخمر، وتناول المسكرات، والقمار، واللعب بالنرد ونحوه مطلقًا، واللعب بالشطرنج إذا اقترن بمحرم، والتكهن، والتنجيم، والتطير، والزجر، والطرق، والعيافة، ونحو ذلك
.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
وتقدم في حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن إبليس طلب من الله تعالى لمَّا أهبطه إلى الأرض أن يجعل له شرابًا، فقال: كل مسكر (1).
وذكر الثعلبي في "العرائس" عن ابن جريج رحمه الله تعالى أن الله تعالى أهبط على آدم عليه السلام عرشة عنب فغرسها، فلما أطلعت وحملت العنب جاء إبليس وسرق من عنبها، فقال له آدم: أخرجتني من الجنة ولا تريد تدع لي رزقًا؟
(1) تقدم تخريجه.
فقال: إن لي فيها حقًا.
فقال آدم: وما حقك فيها؟
قال: لي فيها شرابها.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم المسكر" عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: قال إبليس: ما أعجزني فيه بنو آدم فلم يعجزوني في ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فَقُدناه حيث شئنا وعمل بما أحببنا، وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم، ونبخله بما في يديه ونمنيه ما لا يقدر عليه (1).
وأمَّا المَيْسِر فقال ابن عباس وغيره من المفسرين: هو القمار (2).
وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه كان يقال: أين أيسار الجزور؟ فيجتمع العشرة فيشترون الجزور بعشرة فصلان إلى الفصال، فيجيلون السهام فتصير لتسعة - أي: يخرج منهم الغرم على واحد، فيغرم فصيلًا واحدًا فتصير لتسعة حتى تصير إلى واحد - يغرم الآخرون فصيلًا فصيلًا إلى الفصال، فهو الميسر (3).
وروى ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم المسكر"(ص: 67).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(2/ 358)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1197).
(3)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(1259).
قال: كانوا يشترون الجزور فيجعلونها أجزاء، ثم يأخذون القِداح - أي: السهام؛ جمع قِدح بكسر القاف - فيلقونها، وينادى: يا ياسر الجزور! يا ياسر الجزور! فمن خرج قِدحه أخذ جزورًا بغير شيء، ومن لم يخرج قِدحه غرم ولم يأخذ شيئًا (1).
وقال ليث: عن طاوس، وعطاء، ومجاهد: كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز. رواه ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، والمفسرون، وأخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (2).
وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: أنه رأى غلمانًا يتقامرون يوم عيد فقال: لا تقامروا؛ فإن القمار من الميسر (3).
وروى ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عنه قال: ما كان من لعب فيه قمار، أو قيام، أو صياح، أو شر فهو من الميسر (4).
وروى ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: النرد والشطرنج من الميسر (5).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 170).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 170).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26170).
(4)
رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(ص: 84)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (3/ 170).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26150)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 391).
وروى الإمام أحمد قال: قال رسول الله. "اتَّقُوا هاتَيْنِ الكَعْبَتَيْنِ المَوْسُوْمَتَيْنِ اللَّتَينِ تَزْجُرَانِ زَجْرًا؛ فَإِنَّها مِن مَيْسِرِ الْعَجَمِ"(1).
وروى ابن أبي حاتم، والطبراني عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول: "اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْكَعْبَاتِ الْمَوْسُوْمَةِ الَّتِي يُزْجَرُ بِهَا زَجْرًا؛ فَإِنَّهَا مِن الْمَيْسِرِ"(2).
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ؛ فَفَرَسٌ للِرَّحْمَنِ، وَفَرَسٌ للشَّيْطَانِ، وَفَرَسٌ لِلإِنْسَانِ، [فأمَّا فرسُ الرَّحْمنِ] فَالَّذِي يُرْتَبَطُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ فَعَلَفُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ فِيْ مِيْزَانِهِ، وَأَمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ فَالَّذِي يُقَامَرُ أَوْ يُرَاهَنُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فَرَسُ الإِنْسَانِ فَالْفَرَسُ يَرْتَبِطُهَا الإِنْسَانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَهَا فَهِيَ سِتْرٌ مِنْ فَقْرٍ"(3).
وروى ابن أبي حاتم عن يزيد بن شريح رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثٌ مِنَ الْمَيْسِرِ: الصَّفِيْرُ بِالْحَمَامِ، وَالْقِمَارُ،
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 446) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا، ورواه البخاري في "الأدب المفرد"(1270) موقوفًا، والبيهقي في "السنن "الكبرى" (10/ 215) مرفوعًا وموقوفًا، وقال: المحفوظ الموقوف.
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 390)، وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 113) إلى الطبراني.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 395).
وَالضَّرْبُ بِالْكِعَابِ" (1).
وأما الأنصاب فروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: الأنصاب أحجار كانوا يذبحون لها، والأزلام قداح كانوا يقتسمون بها الأمور (2).
واختلف المفسرون فقال جماعة: هي الأصنام التي كانوا يذبحون لها في الجاهلية.
وقال مجاهد، وقتادة رحمهما الله تعالى: كان حول البيت ثلاث مئة وستون حجرًا منصوبة، كان أهل الجاهلية يعبدونها ويعظمونها ويذبحون لها، وليست هي أصنامًا، إنما الأصنام المصورة المنقوشة (3).
قال مجاهد: وكانوا يبدلونها بحجارة أعجب إليهم منها. رواه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر (4).
وأمَّا الأزلام فقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: هي حصى بيض كانوا يضربون بها؛ أي: ينجمون.
وقال أيضًا: الأزلام القداح؛ كانوا إذا خرجوا في سفر جعلوا قداحًا
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 391)، وكذا أبو داود في "المراسيل" (ص: 350).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 171).
(3)
انظر: "تفسير البغوي"(2/ 9).
(4)
رواه الطبري في "التفسير"(6/ 75).
للخروج وللجلوس، فإن وقع الجلوس جلسوا، وإن وقع الخروج خرجوا. رواهما ابن جرير (1).
وروى عبد بن حميد عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: الأزلام القداح يضربون بها لكل سفر وغزو وتجارة (2).
وعنه أيضًا قال: هي كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها، وهي النرد (3).
وقد تقدم أنها من الميسر، فيكون ذكرها ثانيًا من باب عطف الخاص على العام اعتناء بالنهي عنها.
وقال الشعبي، وغيره: الأزلام للعرب، والكعاب للعجم (4).
وقال سفيان بن وكيع رحمه الله تعالى: الأزلام الشطرنج (5).
روى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن القاسم رحمه الله تعالى: أنه سئل عن الشطرنج فقال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر (6).
(1) رواهما الطبري في "التفسير"(6/ 76).
(2)
ورواه الطبري في "التفسير"(6/ 76).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 171).
(4)
انظر: "تفسير البغوي"(2/ 10).
(5)
رواه الطبري في "التفسير"(6/ 76).
(6)
ورواه الطبري في "التفسير"(2/ 358)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 391).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأَنْ يمس أحدكم جمرًا حتى يطفئ خير له من أن يمسها (1).
ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى: أن اللعب بالشطرنج مكروه، فإذا اقترن به قمار أو فحش أو إخراج صلاة عن وقتها، أو كان مصورًا كان حرامًا (2).
وقال أكثر العلماء بتحريمه مطلقًا.
وسئل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج فقال: هي شر من النرد. رواه ابن أبي الدنيا (3).
وقد اتفق العلماء على أن النرد حرام، وهو من الكبائر.
وقال جماعة من المفسرين: الأزلام ثلاثة قداح كانت الجاهلية تستقسم بها - أي: تستخرج قسمها وأرزاقها بها - كان مكتوبًا على الأول: أمرني ربي - يعنون: الصنم -، وعلى الثاني: نهاني ربي، وعلى الثالث: غفل؛ فإن خرج الأول فعلوا ما استقسموا عليه، وإن خرج الثاني
(1) رواه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(744)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(26158)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 212).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (6/ 208)، و"روضة الطالبين" للنووي (11/ 225).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(ص: 83)، والإمام أحمد في "الورع" (ص: 92).
تركوه، وإن خرج الثالث عادوا إلى الاستقسام، فنهى الله تعالى المسلمين أن يستقسموا بالأزلام، وبيَّن أنها من عمل الشيطان (1).
وقال الحسن: مكتوب على الأول: أُأْمرني، وعلى الثاني: انهني، ويتركون الثالث محللًا بينهما. رواه عبد بن حميد، وابن جرير (2).
وقال آخرون: كانت الأزلام سبعة قداح مستوية من شوحط - وهو شجر من أشجار الجبال - وكانت تكون عند سادن الكعبة مكتوب على واحد: نعم، وعلى الآخر: لا، وعلى آخر: منكم، وعلى آخر: من غيركم، وعلى آخر: ملصق، وعلى آخر: العقل، وآخر: غفْلٌ ليس عليه شيء.
وكانوا إذا أرادوا أمرًا من سفر، أو نكاح، أو ختان، أو غير ذلك جاؤوا إلى هُبَل - وكانت أعظم أصنامهم بمكة - وأعطوا صاحب القداح مئة درهم؛ فإن خرج (نعم) فعلوا، وإن خرج (لا) لم يفعلوا ذلك حولًا، ثم استقسموا.
وإذا أجالوا على نسب فإن خرج (منكم) كان وسطًا منهم، وإن خرج (من غيركم) كان حليفًا، وإن خرج (ملصق) كان على منزلة لا نسب له ولا حلف، وإن خرج (الغفل) أحالوا ثانيًا (3).
(1) انظر: "تفسير الطبري"(6/ 76)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1198).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(6/ 76).
(3)
انظر: "تفسير البغوي"(2/ 9 - 10).
فنهى الله تعالى عن ذلك، وبين أنه رجس من عمل الشيطان لأنه دخول في علم الغيب من غير علم مع ما فيه من الكفر القبيح، والشرك الصريح.
قال في "الكشاف": والكَهَنة والمنجمون بهذه المثابة، وهو ظاهر (1).
قلت: وعوَّض الله تعالى أهل الإسلام بالاستخارة والاستشارة عن الاستقسام بالأزلام.
ومعنى قوله تعالى في الآية السابقة: {رِجْسٌ} [المائدة: 90]، قال ابن عباس: سخط (2).
وقال غيره: قذر تعافه العقول.
ومن هنا استدل العلماء على نجاسة الخمر (3).
قال القرطبي: ومعنى قوله: {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]؛ أي: يحمله عليه [ويزينه].
وقيل: هو الذي كان عمل مبادئ هذه الأمور لنفسه حتى اقتدي به، انتهى (4).
(1) انظر: "تفسير الكشاف"(1/ 639).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(7/ 32)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1198).
(3)
انظر: "تفسير البيضاوي"(2/ 362).
(4)
انظر: "تفسير القرطبي"(6/ 288).