الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاصي بأعيانها، وهي في شريعتنا كبائر.
12 - ومن أعمال عاد، وأخلاقهم: الكيد
.
وحقيقته إظهار المحبة والقبول، أو الإعراض عن قصد الكيد لمحبة أو غيرها، وإضمار السوء في طي ذلك ولو مآلاً.
قال الله تعالى حكاية عن هود عليه السلام: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: 54 - 55].
وهو أمر تهديد، وفيه إيماء إلى أنهم كان لهم كيد يقصدونه به، وإن كانوا يخالطونه بالمسالمة في كثير من الأحيان.
*
تَنْبِيْهٌ:
وصف نوح عليه السلام قومه بالمكر، وهود عليه السلام قومه بالكيد، وهل بينهما فرق؟
والظاهر في الفرق أن المكر يكون مع إظهار المحبة، وإظهار البغض والعداوة؛ فإن هذا كان حال قوم نوح معه، والكيد لا يكون مع إظهار البغض، ومن هنا وصف النساء بالكيد، وكان منهن أبلغ، ووصفت إخوة يوسف عليه السلام بالكيد دون المكر.
وإنما قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} [يوسف: 31]، فوصفن بالمكر بالنسبة إلى ما فعلن معها من قولهن:{امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 30] إلى آخره.
فكان ذلك غيبة لها أو لوماً، وذلك يكون في الغالب مع البغض؛ فإنه مناقض للمودة، وإنما أردن بذلك الحيلة في التوصل إلى مشاهدة يوسف، ومطالعة جماله.
ومن هنا قال يوسف عليه السلام حين كوشف بحالهن: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33 - 34].
وفي ذلك إشارة إلى أن الدعاء من أنفع شيء يصرف الكيد عن المكيد، وقد حفظ الله تعالى يوسف عليه السلام من كيد إخوته، ثم من كيد النسوة، إلا أنه صرف عنه كيدهن بطلب منه، وكيد إخوته بلا طلب؛ لأن كيدهم له كان بمحض الظلم، والله تعالى أولى بنصرة المظلوم وإن لم يسأل النصر، وكيد النسوة لم يكن محض ظلم، وإنما بعثهن عليه الشهوة والطمع.
ووجه آخر: وهو أن يوسف عليه السلام خشي على نفسه من كيد النساء لأنه يعلم أن الشهوة آخذة إليهن، فاستغاث بربه حتى طلب صرف كيدهن عنه ولو بالسجن، ولم يسأله أن يصرف عنه كيد إخوته مع قول أبيه له:{لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5] لِمَا علم أن كيد الإخوة يكون بمجرد إغواء الشيطان، وكيد الشيطان ضعيف، مع أن شفقة الإخوة وازعة عن الكيد في الجملة فاعتمد عليها، فلم يطلب النجاة من
كيدهم، وكيد النساء عظيم لأن الباعث عليه الشهوة من قبلهن، ومن قبل من يكدنه؛ فافهم!
وقد يفرق بين المكر والكيد بأن الكيد يكون مع الضعف والقوة، والمكر لا يكون إلا مع القوة.
ومن هنا وصفت النسوة حين قلن عن امرأة العزيز ما قلن بالمكر؛ لأنهن لم يقلن ذلك حتى اجتمعن، وكن كما روي أربعين امرأة، وما كانت واحدة منهن تستطيع أن تقول ذلك لولا تقويهن بالاجتماع.
والكيد في نفسه قبيح، وعاقبته وخيمة إذا كان في التوصل إلى ما لا يرضى به الله من خيانة، أو ضرر لمسلم.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52].
وقال تعالى حكاية عن مشركي مكة: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 15 - 17].
وقال تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات: 38 - 39]، أي: كما كنتم تكيدون أوليائي في الدُّنيا.
وقال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
وإنما اختير الكيد هنا دون المكر؛ لأن إسباغ النعم عليهم يوهمهم الرضا عنهم، فكان طي النقمة في النعمة أبلغ كيد بأبلغ آية.