الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عبد الرزاق عن ليث رحمه الله تعالى: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى امرأة متزينة أذن لها زوجها في البروز، فأخبر بها عمر، فطلبها فلم يقدر عليها، فقام خطيبا فقال: هذه الخارجة وهذا لمرسلها، لو قدرت عليهما لشترت بهما، ثم قال: تخرج إلى أبيها يكيد بنفسه، أو إلى أخيها يكيد بنفسه، فإذا خرجت فلتلبس معاوزها (1).
قال الخطابي: قال أبو زيد: شترت -يعني: بالمعجمة، والمثناة فوق - بالرجل، وهجلت به، وقدرت، وسمعت به شتِيرًا وتهجيلاً: إذا أسمعته القبيح، وشتمته.
وقوله: يكيد نفسه؛ أي: يسوق سياق الموت (2).
ومعنى كلام عمر رضي الله تعالى عنه: أنه لم يأذن للمرأة أن تخرج إلا في ضرورة كموت أخيها وأبيها في ثياب بِذْلة من غير تزين ولا تعطر.
8 - ومنها: اتباع المترفين، وإيثار محبتهم ومخالطتهم
.
كما قال نوح عليه السلام: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} [نوح: 21].
واعلم أن عشرة المتخولين والأغنياء المترفين مُضِرَّة بالنفس والدين؛ لأن النفس تتحرك بمعاشرتهم إلى مشاركتهم فيما هم فيه
(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(8111).
(2)
انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 105).
ومضارعتهم، فيكون ذلك باعثاً للعبد على طلب مثلِ ما لهم، وازدراء ما أنعم الله عليه مما دون ذلك، فيركب في طلبه كل صعب وذَلُول، وربما لا يتوصل إليه إلا بالأسفار المُشِقة والأتعاب الشديدة؛ فإن المرء إذا هوي شيئًا طلبه ولو بالصين، وركب فيه المَهَامِه والقِفار ولو سنين كما قيل:[من السريع]
وَكَمْ قَطَعْتُ اللَّيْلَ في مَهْمَهٍ
…
لا أَسَدأ أَخْشَى وَلا ذِئْبا
يَغْلِبُنِي شَوْقِي فَأَسْرِي السُّرَى
…
وَلَمْ يَزَلْ ذُو الشَّوْقِ مَغْلُوبًا (1)
وقد لا يتيسر مطلوبه من طريق مباح، فيرتكب الشبهات، ويقارف المحرمات، ثم إذا أصاب بغيته ولقى أمنيته فقد لا يحسن التصرف فيما أوتيه، وقد يؤدي به حصوله له إلى البطر والأشَر كما صار لقوم نوح، وإذا لم يتيسر له ما أراده، وأعمَلَ في طلبه اجتهاده، فإما أن يغلب جانبه الدين فيحتاج إلى تجرع الصبر، ومدافعة الغم والحصر، وإما أن يفتن في دينه، ويسخط فضل من جاد بإيجاده وتكوينه.
واعتزال هؤلاء متعين على كل من خاف على نفسه من هذه الغوائل، ورغب في التخلص من هذه الرذائل.
وقد قيل في المثل: عين لا تنظرُ قلبٌ لا يحزنُ.
وروى أبو نعيم عن عون بن عبد الله رحمه الله تعالى قال: كنت أجالس الأغنياء، وكنت من أكثر الناس همًا ومن أكثرهم غماً، أرى
(1) انظر: "الرسالة القشيرية"(ص: 237).