الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: أول من لبس القباء سليمان بن داود عليهما السلام، فكان إذا أدخل رأسه في الثياب كَنَصت الشياطين (1).
ومعنى كنصت - مشدداً، ومخففاً -: حركت أنوفها استهزاء به.
123 - ومنها: الوسوسة، وهي أشد أعمال الشيطان
.
قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس: 1 - 6].
جعل بعض المفسرين من {الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بياناً للناس من قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ} ، ويلزم على ذلك أن يسمى الجن ناساً.
والمحققون أن قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيان لقوله: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} .
حَكى الأستاذ أبو القاسم القشيري عن أبي الهيثم السجزي: أن بعضهم كان يثبت الوسواس من الإنسان كالوسوسة من الشيطان.
وبيان ذلك أن الوسواس أو الوسوسة في الأصل: هو الصوت الخفي والحركة، ومنه وسواس الحلي، ثم استعير لما ينزغه الشيطان في القلب ويلقيه في الصدر من الغرور والأماني والتهويلات.
قال عروة بن رُويم كما تقدم: إن عيسى بن مريم عليهما السلام دعا ربه رضي الله عنه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم، فجلى له فإذا رأسه
(1) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 8).
رأس الحية واضعاً رأسه على ثمرة القلب فمنَّاه وحدثه (1).
وقد قدمنا أيضاً عن بعض المكاشفين أنه وجده في سورة ضفدع.
وقال مقاتل رحمه الله تعالى: إنه في سورة خنزير يجري في جسد العبد مجرى الدم في صورة العروق (2).
قلت: ورأيته في المنام مرة في صورة خنزير، ومرات في صورة كلب، وكنت لا أقاتله إلا بالذكر وآية الكرسي فيذوب منها.
وحاصل وسواس الشيطان يرجع إلى قصد إيذاء من يوسوس إليه؛ إمَّا بتحريش بينه وبين أحد من خلق الله تعالى.
وإما بإفساد عبادته عليه.
وإما بإفساد ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو جاره، أو رفيقه عليه.
وإما بتخريب بيته، أو بإفساد بدنه أو ماله.
وكل فعل فعله الإنسان بإنسان مثله أو قول قاله له فأدى إلى ذلك أو إلى شيء منه فهو في معنى الوسواس، وفاعله شيطان في صورة إنسان.
واعلم أن التوسوس مذموم، وهو إما ناشئ عن جهل أو عن قلة عقل، وقد جاء الشرع بدفع الوسواس عن الإنسان في الأحوال المذكورة، ففي الحديث:"إِذَا ظَنَنتمْ فَلا تحققوا". رواه ابن ماجه (3).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "تفسير القرطبي"(20/ 263).
(3)
تتمة الحديث كما أثبته السيوطي وغيره: "إذا ظننتم فلا تحققوا، وإذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا، وإذا وزنتم فأرجحوا" رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 314) عن أبي هريرة رضي الله عنه دون =
وهذا يدفع الوسواس عنك فيما لو نقل لك عن أخيك، أو توهمت منه ما تعلم منه خلافه، وفيما لو توهمت من أهلك وأنت تعلم منها خلافه.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطلب عورات النِّساء. رواه مسلم.
وهذا يدفع عنك الوسواس في أهلك مهما علمت منهم الصيانة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فنضح به فرجه. رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما (1).
وفيه دفع الوسواس فيما قد يجده الإنسان في ثوبه من الرشاش.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظن الحدث أن لا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وعرفنا أن ذلك من الشيطان كما تقدم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلْوُضُوْءِ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ؛ فَاتَّقُوْا وَسْوَاسَ الْمَاءٍ". رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم عن أُبَي رضي الله تعالى عنه (2).
= الفقرة الأخيرة، والذي رواه ابن ماجه (2222) الفقرة الأخيرة منه فقط عن جابر رضي الله عنه.
(1)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 410)، وأبو داود (166) عن أبي الحكم أو الحكم بن سفيان.
(2)
رواه الترمذي (57) وضعفه، وابن ماجه (421)، والحاكم في "المستدرك"(578).
وروى ابن أبي شيبة، والثعلبي عن إبراهيم؛ يعني: النخعي رحمه الله تعالى قال: أول ما يبدأ الوسواس من قبل الوضوء (1).
وروى مسلم عن عثمان بن [أبي] العاص أنه قال: يا رسول الله! حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي.
فقال: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَب، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثاً"(2).
وخنرب: بمعجمة مفتوحة، ونون ساكنة، وزاي مفتوحة، وموحدة.
وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: إنَّ الشيطان يأتي الإنسان من قبل الوضوء، والشعر، والظفر (3).
وقال الشعبي رحمه الله تعالى: إن للشيطان بزقة؛ يعني: بلة طرف الإحليل (4). رواهما ابن أبي شيبة.
وقال مجاهد: لأَنْ أُصلِّي وقد خرج مني شيء أحب إلي من أطيع الشيطان (5).
وروى ابن المنذر عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: الوسواس
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(725) لكن عن إبراهيم التيمي.
(2)
رواه مسلم (2203).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2056).
(4)
ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 142).
(5)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(13/ 138).
محله على فؤاد الإنسان، وعينه، وفي ذكره، ومحله من المرأة عينها، وفي فرجها إذا أقبلت، وفي دبرها إذا أدبرت؛ هذه مجالسه (1).
وعن ابن جريج - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 6]؛ قال: هما وسواسان؛ فوسواس من الجنة، ووسواس من نفس الإنسان، فهو قوله:{وَالنَّاسِ} (2).
وروى ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله تعالى قال: إن الوسواس له باب في صدر ابن آدم يوسوس منه (3).
وروى الحافظ أبو بكر بن أبي داود في كتاب "ذم الوسوسة" عن معاوية بن أبي طلحة رضي الله تعالى عنه قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ عَمِّرْ قَلْبِي مِن وَسْوَاسِ ذِكْرِكَ، وَاطْرُدْ عَنِّي وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ"(4).
والمراد بوسواس ذكر الله: تردده في الخاطر، ومروره في الهاجس كما قال القائل:[من البسيط]
وَاللهِ ما طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلا رَبَتْ
…
إِلَاّ وَأَنت مُنى قَلْبِي وَوَسْواسِي (5)
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 694).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 695).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان"(ص: 91)، وكذا الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(4/ 31).
(4)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 693).
(5)
انظر: "المدهش" لابن الجوزي (ص: 222).