الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْسَ لَهُ فِي خَمْرِهِ طاقَة
…
وَلا عَلَيْهِ الدَّهْرَ يَسْتَجْرِي
بِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ مِنْهُ احْتَجِزْ
…
وَاشْهَرْ عَلَيْهِ عُدَّةَ الذِّكْرِ
دارَتْ عَلى الشَّيْطانِ مِنْ ذِكْرِ مَنْ
…
عَلا اسْمُهُ قاصِمَةُ الظَّهْرِ
89 - ومن أعمال اللعين وأخلاقه: إيذاء المؤمن في بدنه وأهله وولده وماله، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه خصوصًا بالإتلاف والإفساد، وقسوة القلب على خلق الله تعالى، وعدم الرحمة والشفقة
.
وكل هذه الأخلاق شيطانية، وقد نهى الله تعالى عنها، وأرشد إلى أضدادها.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275].
الآية نص في أن الشيطان يتخبط الإنسان، وهو مذهب أهل السنة.
وذهب المعتزلة إلى إنكار ذلك، وتأولوا الآية بأنَّ الكلام فيها جار على اعتقادهم أن الشيطان يمس.
وهذا التأويل مكابرة في منطوق الآية.
وتخبط الإنسان ومسه إيذاء له في جسده، وفكره، وقلبه، وعقله، وحواسه.
وروى ابن سعد في "طبقاته"، والبيهقي في "الدلائل" عن عائشة
رضي الله تعالى عنها: أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم تعني: في مرضه -: إنا نتخوف أن يكون بك ذات الجنب.
قال: "إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيُسَلَّطَهُ عَلَيَّ"(1).
وروى ابن سعد عنها أيضا قال: دخلت أم بشر بن البراء رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وهو محموم فمسته، فقالت: ما وجدت مثل وعك عليك على أحد.
فقال: "كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ كَذَلِكَ يُضَاعَفُ عَلَيْنَا الْبَلاءُ، مَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟ "
قالت: يزعمون أن بك ذات الجنب.
قال: "مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَهَا عَلَيَّ، إِنَّمَا هِيَ هَمْزَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الأكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ أَنَا وَابْنُكِ يَوْمَ خَيْبَرَ، مَا زَالَ يُصِيْبُنِي مِنْهَا عداءٌ حَتَّىْ كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي".
فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدًا (2).
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش رضي الله تعالى عنها في الاستحاضة: "إِنَّها رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطانِ"(3).
وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 235)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 169).
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(8/ 314).
(3)
تقدم تخريجه.
{بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]؛ أي: تعب وألم، كما قال البيضاوي (1).
وقال صاحب "القاموس": النصب - وبضمة وبضمتين -: الداء والبلاء (2).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: عرج الشيطان فقال: أي رب! سلطني على أيوب عليه السلام.
قال: قد سلطتك على ماله وولده، ولم أسلطك على جسده.
قال: فنزل فجمع جنوده، فقال: إني سلطت على أيوب فأروني سلطانكم.
قال: فصاروا نيرانًا، ثم صاروا ماء، وبينما هم بالمغرب إذ هم بالمشرق، فأرسل طائفة إلى زرعه، وطائفة إلى إبله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال: اعلموا أنه لا يعتصم منكم إلا بمعرفة، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض.
قال: فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب! ألم تر إلى ربك عز وجل أرسل على زَرْعَك نارًا فأحرقه؟ فحمد الله.
وجاء راعي الإبل فقال: يا أيوب! ألم تر ربك عز وجل أرسل إلى إبلك عدوًا فذهب بها؟
وجاء راعي البقر فقال مثل ذلك، وجاء صاحب الغنم فقال مثل
(1) انظر: "تفسير البيضاوي"(5/ 48).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 176)(مادة: نصب).
ذلك، وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون، فجمع أركان البيت فهدم عليهم البيت، قال: فجاء إلى أيوب عليه السلام في هيئة الغلام وفي أذنه قرطان، قال: يا أيوب! ألم تر إلى بنيك اجتمعوا في بيت أكبرهم يأكلون ويشربون فبينما هم كذلك إذ جاءت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم؟ فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم!
فقال له أيوب: فأين كنت أنت؟
قال: كنت معهم.
قال: وكيف انفلتت؟
قال: انفلت.
قال: أنت الشيطان.
قال عليه السلام: أنا الآن مثل يوم خرجت من بطن أمي، فقام فحلق رأسه، ثم قام يصلي، فأنَّ الشيطان أنَّهُ سمعها أهل السماوات وأهل الأرض، ثم عرج فقال: أي رب! قد اعتصم، وإني لا أستطيعه إلَاّ بتسليطك؛ فسلطني عليه.
قال: قد سلطتك على جسده، ولم أسلطك على قلبه.
قال: فنزل فنفخ تحت قدمه، فقرح من قرنه إلى قدمه حتى بدا حجاب بطنه، وألقى عليه الرماد، قال: فقالت امرأته ذات يوم: يا أيوب! قد والله نزل بي من الجهد والفاقة ما بعت قرنًا من قروني برغيف فأطعمتك، فادع ربك عز وجل فليشفك.
قال: ويحك! كنا في النعماء سبعين عامًا، فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عامًا.
قال: وكان ذلك البلاء سبع سنين.
قال: وقعد الشيطان في الطريق فأخذ تابوتًا يتطبب، فأتته امرأة أيوب فقالت: يا عبد الله! إن هاهنا إنسانًا مبتلى فهل لك أن تداويه؟
قال: إن شاء الله فعلت على أن يقول لي كلمة واحدة إذا برأ؛ يقول: أنت شفيتني.
قال: فأتته فقالت: يا أيوب! إن هاهنا رجلًا يزعم أنه يداويك على أنك تقول كلمة واحدة: أنت شفيتني.
قال: ويلك! ذلك الشيطان، لله علي إن شفاني الله تعالى أن أجلدك مئة جلدة، فبينما هم كذلك إذ جاء جبريل عليه السلام، فأخذ بيده فقال: قم، فقام فقال له: اركض برجلك، فركض برجله، فنبعت عين، فقال: اشرب، فشرب، قال: يقول الله عز وجل: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
ثم ألبسه حلة من الجنة، وجاءت امرأته فقالت: يا عبد الله! أين المبتلى الذي كان هاهنا، لعل الذئاب ذهبت به أو الكلاب.
قال: ويحك! أنا أيوب، قد رد الله عز وجل إلي نفسي.
قال: فقالت يا عبد الله! اتق الله عز وجل، ولا تسخر بي.
قال: ويحك! أنا أيوب.