الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: نعم، يذلهم فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر (1).
وفي القرآن: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78] الآية.
ولعل من تكلم بالسوء وفي السوء، وأمر بالسوء، وسكت عن الخير وعن الأمر بالخير والنهي عن السوء شيطانٌ رجيم مستكملٌ لكل شر عظيم.
132 - ومنها: الغناء، والنَّوح والصياح، وحضور تلك المجالس، واستماع ذلك والأمر به
.
وأول من ناخ وغنَّى إبليس.
وروى ابن أبي الدنيا في "المكائد" عن عبد الملك بن عمير رحمه الله تعالى قال: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام وإبليس - لعنه الله تعالى - ناح إبليس حتى بكى آدم، ثم حدا حتى ضحك (2).
وفي "ذم الملاهي" عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا نُهِيْتُ عَنُ صَوْتَيْنِ أَحْمقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ؛ لَهْوٍ وَلَعبٍ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْب عِنْدَ مُصِيْبَيةٍ؛ خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوْبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ"(3).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 126).
(2)
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(7/ 438).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(27)، وكذا رواه الترمذي (1005) عن جابر عن عبد الرحمن رضي الله عنها، وحسنه.
وفيه عن أبي أمامة رضى الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا رَفَعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ بِغِنَاءٍ إِلَاّ بَعَثَ اللهُ عز وجل إِلَيْهِ شَيْطَانينِ يَجْلُسَانِ عَلَى منْكبَيْهِ يَضْرِبَانِ بِأَيْدِيهِما عَلَى صَدْره حَتَّى يُمْسِكَ"(1).
والمعنى: أن الشيطانين يستحثان المغني على الغناء بأيديهما إلى أن يمسك عن الغناء.
وروى ابن سعد في "طبقاته" عن محارب بن دثار رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن امرأة رنَّت: "فَعَلْتِ فِعْلَ الشَّيْطَانِ حِيْنَ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ؛ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ يَرِنُّ، وَإِنَّهٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَلا مَنْ خَرَقَ وَلا مَنْ سَلَقَ"(2).
وروى الأصبهاني في "الترغيب" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة - شرفها الله تعالى - رنَّ إبليس رنة اجتمعت إليه ذريته، فقال: ايئسوا أن ترتد أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الشرك بعد يومهم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وأفشوا فيهم النوح والشعر (3).
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن مجاهد رحمه الله تعالى قال:
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(16)، وكذا رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7825).
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 18).
(3)
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12318)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (9/ 62) وليس عندهما:"والشعر".
إن إبليس رنَّ أربع رنات، حين لعن، وحين أهبط من الجنة، وحين بعث محمد رضي الله عنه، وحين نزلت فاتحة الكتاب، قال: ونزلت بالمدينة (1).
وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه بجارية تغني فقال: لو ترك الشيطان أحداً ترك هذه (2).
وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: لما مات أبو سلمة - رضي الله تعالى عنه - قلت: غريبة وفي أرض غربة، لأبكينه بكاءً يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذا أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني (3)، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أتُرِيْدِيْنَ أَنْ تُدْخِلِي الشَّيْطَانَ بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهُ - مرتين - " فكففت عن البكاء، فلم أبك (4).
والظاهر أنها أرادت أن تبكي بكاء مقروناً بالنوح ونحوه من عمل الجاهلية، فأشار إليه قولها:"لأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ، فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ لِلْبُكَاءِ"، أو البكاء الطبيعي لا يحتاج إلى تهيؤ ولا إلى إسعاد، وهو غير منهي عنه.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 299).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(17)، وكذا البخاري في "الأدب المفرد"(784).
(3)
أي: تساعدني في البكاء والنوح.
(4)
رواه مسلم (922).
وقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي رضي الله عنه قال في حديث: "دَعْهُنَّ يَبْكِيْنَ وَإِيَّاهُنَّ وَنَعِيْقَ الشَّيْطَانِ؛ إِنَّةُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنَ اللهِ، وَمَهْمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ"(1).
وروى ابن سعد في "طبقاته" عن بكير بن عبد الله بن الأشج رضي الله تعالى عنه - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْبُكَاءُ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَالصُّرَاخُ مِنَ الشَّيْطَانِ"(2).
وروى ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: صوتان قبيحان فاحشان؛ صوت عند نعمة إن حدثت، وصوت عند مصيبة إن نزلت، ذكر الله عز وجل المؤمنين فقال:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ، وجعلتم في أموالكم حقاً معلومًا للمغنية عند النعمة، وللنائحة عند المصيبة؛ يتزوج منكم المتزوج فتحملون نساءكم، معهنَّ هذه الصنوج والمعازف، ويقول الرجل منكم لامرأته: تحفلي تحفلي، تحملي، ويحملها على حصان، وويسير معها عِلجان معهما قصيا شيطان، ومعهما من لعنة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يعود ذلك على زوجها وذوي قرابتها؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن مخنثي الرجال ومذكرات النساء، وكان حذيفة
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 237).
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 139).
- رضي الله تعالى عنه - يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَتَشَبَّهِ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَلا الْمَرْأةُ الرَّجُلِ"، وأنتم تخرجون النِّساء في ثياب الرِّجال والرِّجال في ثياب النِّساء، ثم يمر بها على المساجد والمجالس فيقال: من هذه؛ فيقال: امرأة فلان بن فلان، ومرة تنسب إلى زوجها، ومرة إلى أبيها؛ لا برَّ ولا تقوى، ولا غيرةَ ولا حَياءَ، فيقال: ما هذه الجموع؟ فيقال: رجل لم يكن له زوجة فأفاده الله زوجة، فاستقبل نعمة الله تعالى بما ترون من الشّكر.
هذا في هذه النِّعمة؛ فإن كانت المصيبة فإن مات منكم الميت وعليه دين، وعنده الأمانة، ويوصي بالوصية، فيأتي الشَّيطان أهله فيقول لأهله وورثته: والله لا ننفذ تركته، ولا نؤدِّي أمانته، ولا نمضي وصيَّته حتى تبدؤوا بحقي في ماله قبل كل حق، فيشترون ثياباً جدداً، ثم تشق عمداً، يجيئون بها بيضاً ثم تصبغ سوداً، ثمَّ يمدُّها أحيمق سرادقاً في داره، فيأتون بأمة مستأجرة تبكي بغير شجوهم، وتبيع عبرتها بدراهمهم، تفتن أحياءهم في دورهم، وتؤذي موتاهم في قبورهم، تمنعهم أجرهم في الآخرة بما يعطونها من الأجرة في الدُّنيا، وما عسى أن تقولَ النَّائحة؟ تقول: ؛ لها النَّاس! آمركم بما نهاكمُ اللهُ عز وجل عنه، وأنهاكم عمَّا أمركم اللهُ به، ألا إنَّ الله أمركم بالصَّبر فأنا أنهاكم أن تصبروا، ألا إنَّ اللهَ نهاكم عن الجزع فأنا آمركم أنْ تجزعوا، فيقال: اعرفوا لها حقَّها، فيبرد لها الشَّراب، وتكسى الثِّياب، وتحمل على الدَّواب؛ إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ما كنت أرى
أن أخلف في أمَّة يكون هذا فيهم (1).
قلت: وما ذكره الحسن في المأثم وضده ليس مجموعه المنكر، بل كل أفراده منكرات، وتختلف عوائد البلاد في ذلك، ففي بعضها يفعل ذلك كله ويزاد عليه إما بالهيئة التي ذكرها الحسن وهي عادة أهل العراق، ومن ثم طلع قرن الشيطان، وإمَّا على هيئة أخرى كما أخبرنا عن أهل مصر وفيها باض الشيطان وفرخ، وفي بعض البلاد يفعل بعض ما ذكره.
وقد تجاوز الناس إلى أشياء لم تكن في الزمن الأول.
فمما ضموه إلى ذلك في المأثم قطع أغصان عظيمة من الأشجار، وتعليق الخرق من الحرير وغيره فيها بين يدي الجنائز، وشد سرج الدابة منكَّساً، واستئجار نساء أهل الذمة للنوح، وربما قلن ما يوافق عقائدهن المردودة.
وممَّا ضموه إلى ما ذكره في الأفراح والولائم أنواع السخرية، وتشبه الرجال بالنساء، وإلباس العروس ملابس الرجال، وتحميلها السلاح، وإلباسها زي المُرْدِ، وما يقع في الولائم والمجامع من تزيين المُرْدِ الحسان، وإلباسهم زي النسوان، وأمرهم بإدارة القهوة على
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(28) شطراً منه، ورواه بطوله الحارث بن أبي أسامة كما في "مسنده" في روايتين الأولى برقم (265) والثانية (889).