الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - ومن أخلاق عاد: مكابرتهم، وتصميمهم على ما كانوا عليه من المعاصي مع مشاهدة الآيات، وملاحظة العقوبة، وعدم اتعاظهم بها
.
كما تقدم أنهم لما جاءتهم الريح أخذ بعضهم بيد بعض، وجعلوا يشتدون، وأركزوا أقدامهم في الأرض، وقالوا لهود: من يزيل أقدامنا؟ فاقتلعتهم الريح. فينبغي للإنسان إذا شاهد شيئاً من آيات الله تعالى من الرعد والبرق، والزلازل، واشتداد الرياح، والكسوف والخسوف، وغير ذلك أن يلزم الخوف والوَجَل، ويسأل الله تعالى أن يعيذه ويعافيه؛ فإن هذا هو المطلوب بإرسال الآيات كما قال الله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
ولا ينبغي له أن يعرض عن ذلك؛ فإن من أري الآية ليتأثر بها فلم يتأثر فقد ألحق نفسه بالجمادات، بل بالشياطين.
بل يؤمن بالذي تقوم السماء والأرض بأمره، يبدل الأرض غير الأرض والسموات، وينسف الجبال نسفاً، ويسيِّرها فتكون سرابًا، فيعلم أنه قادر على كل ممكن، وعقوبة المعاصي من الممكنات المتكررات، فيخاف ويخشى، ويتعظ ويرعوي، ويتيقظ ويستوي.
وقد روى ابن أبي شيبة عن شهر رحمه الله تعالى -مرسلاً- قال: زلزلت المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ رَبَّكُم يَسْتَعْتِبُكُمْ
فَأعْتِبُوْهم" (1)؛ أي: يطلب منكم العُتبى؛ يعني: الرجوع إلى ما يرضيه.
وروى البزار عن سمرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْكُمْ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَسْتَعْتِبُ بِهَا عِبَادَهُ لِيَنْظُرَ مَنْ يَخَافُهُ وَمَنْ يَذْكُرُهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ تعالى"(2).
وروى الشيخان عن المغيرة، والنسائيُّ عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنهم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمْرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا رَبَّكُمْ حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ"(3).
وروى الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي، والنسائي، والحاكم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: "اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ"(4).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8334). قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 94): هذا مرسل ضعيف.
(2)
رواه البزار في "المسند"(4638). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 208): فيه يوسف بن خالد، قال عنه في موضع آخر: كذاب.
(3)
رواه البخاري (1011)، ومسلم (915) عن المغيرة رضي الله عنه.
ورواه النسائي (1463) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 100)، والبخاري في "الأدب المفرد"(721)، والترمذي (3450) وقال: غريب، والنسائى فى "السنن الكبرى"(10763)، والحاكم في "المستدرك"(7772).
زاد النسائي: وقال: "سُبْحَانَ الَّذِيْ يُسَبحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ".
ثم يقول: "إِنَّ هَذَا الْوَعِيْدَ لأَهْلِ الأَرْضِ شَدِيْدٌ"(1).
وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لَهَواته، إنما كان يبتسم.
قالت: وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرِف في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهة؟ فقال:"يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤْمِنُنِي أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ عَذَابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوم بِالرِّيْحِ، وَقَدْ أتى قَوْمًا الْعَذَابُ"، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 4](2).
والأحاديث في هذا الكتاب كثيرة.
والحاصل من ذلك أن من رأى من آيات الله تعالى العظيمة شيئاً يثبغي له أن يذكر الله تعالى ويخافه، ويتوب إليه، ويرجع عما كان عليه لينجو بما نجا هود عليه السلام ومن كان معه من قومه، كما روى
(1) لم أقف على هذه الزيادة عند النسائي، ورواها الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 992) من قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3700)، وكذا البخاري (4551)، ومسلم (899).